قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
وقوله جلّ وعزّ: (وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغير صنوانٍ).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم برفع ذلك كله.
وقرأ الباقون بخفض ذلك كله، وروى القوّاس عن حفص عن عاصم (صنوانٌ وغير صنوانٍ) مما ذكره غيره.
قال أبو منصور: من قرأ (زرعٌ ونخيلٌ) بالرفع رده على قوله: (وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجنٌاتٌ... وزرعٌ ونخيلٌ)، ومن قرأ (وزرعٍ ونخيلٍ) بالكسر رده على قوله: (من أعنابٍ... وزرع ونخيل).
والصنوان: جمع صنوٍ، وهو أن يكون الأصل واحدًا وفيه النخلتان والثلاث والأربع - ونون صنوان مجراة، يقول: هذا صنوان كثيرة، وتثنية صنوٍ: صنوان، بكسر النون.
ومن قرأ (صنوان) بضم الصاد فهو مثل: قنو وقنوان، وهي: العذرة التي فيها الشماريخ). [معاني القراءات وعللها: 2/55]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تسقى بماءٍ واحدٍ)
[معاني القراءات وعللها: 2/55]
قرأ ابن عامر وعاصم بالياء، وقرأ الباقون (تسقى) بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء رده على جماعة ما ذكر الله، ومن قرأ بالياء رده على جميع ما ذكر). [معاني القراءات وعللها: 2/56]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ونفضّل بعضها على بعضٍ في الأكل)
قرأ حمزة والكسائي (ويفضّل بعضها) بالياء وكسر الضاد، وقرأ الباقون (نفضّل) بالنون.
قال أبو منصور: المعنى واحد في (نفضّل) و(يفضّل)، الله هو المفضل). [معاني القراءات وعللها: 2/56]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان} [4].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم {وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان} مرفوعًا كلها على معنى، وفي الأرض قطع متجاورات يعني: طينة وسبخة، وجنات من أعناب وفيها زرع؛ لأن الجنات تكون من نخيل وأعناب، ولا تكون من زرع.
وقرأ الباقون {وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان} بالجر كلها، وذلك أن الزرع لما وقع بين النخيل والأعناب خفضوه للمجاورة والتقدير: جنات من أعناب ومن زرع ومن نخيل.
وفيها جواب آخر: وذلك أن العرب تسمى كل نجم وشجر زرعا فيقولون عند الجدب وقحط المطر: هلك الزرع والضرع فيذهبون بالزرع إلى كل ما ينبت، وبالضرع إلى كل ما يحلب.
واتفق القراء على كسر الصاد من {صنوان}، لأنه جمع صنو والتثنية:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/320]
صنوان والجمع صنوان، ومثله قنو وقنوان، قال الكميت:
ولن أعزل العباس صنو نبينا = وصنوانه ممن أعد وأندب
إلا ما حدثني أحمد بن عبدان عن علي عن أبي عبيد أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ: {صنوان وغير صنوان} بضم الصاد.
قال أبو عبيد: ولا أعلم أحدًا قرأ به.
قال أبو عبد الله: قد قرأ به عاصم في رواية حفص وهما لغتان.
وفيها لغة ثالثة: صنيان وقنيان بالياء وضم أوله. حكى ذلك الفراء. فالصنوان: نخلات يتفرعن عن أصل واحد من قولهم: العم صنو الأب. وهذه الآية من إحدى نفاذ قدرة الله ووحدانيته، وذلك أن الثمرة لو كانت إذا لم تختلف تربتها وسقى بماء واحد وجب أن لا تختلف طعومها، وقد فضل الله بعضها على بعض في الأكل أي: في الثمر والطعم قال الله تعالى: {تؤتي أكلها كل حين}.
فإن سأل سائل فقال: النون لا تظهر عند الواو إذا سكنت، وإنما تخفي كقوله: {غشاوة ولهم} فلم ظهرت في صنوان وقنوان؟
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/321]
ففي ذلك جوابان:
قال أهل البصرة: كرهوا أن يلتبس (فعلان) بفعال لو أدغموا.
وقال أهل الكوفة: هذه النون سكونها عارض وهي تتحرك في صنى وقنى واصناء وأقناء، فلما كان السكون غير لازم ظهرتا.
وليس في كلام العرب كصنوان وقنوان نظير إلا حرف حكاه الفراء: رئد للمثل، ورئدان للتثنية ورئدان في الجمع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/322]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- قوله تعالى: {يسقى بماء واحد} [4].
قرأ عاصم وابن عامر: {يسقى} و{نفضل} بالنون.
وقرأ حمزة والكسائي {تسقى} بالتاء و{يفضل} بالياء.
وقرأ الباقون {تسقى} بالتاء و{نفضل} بالنون.
فمن قرأ بالتاء فإنه رد على الجنات والنخيل والأعناب والقطع والزرع، ومن قرأ بالياء جاز أن يرده على المذكور كأنه قال يُسقى المذكور، كما قال تعالى في (يس): {وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره} فذكر على معنى من ثمر المذكور، ويجوز أن يكون رده على الزرع إذ كان يقع على كل ذلك.
ومن قرأ {ويفضل} فهو إخبار عن الله تعالى، أي: قل يا محمد ويفضل الله بعضها على بعض كما قال تعالى: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/322]
ومن قرأ بالنون فالله تعالى يخبر عن نفسه، والتقدير: قال لي جبريل صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {ونفضل بعضها} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/323]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الخفض والرّفع من قوله: (وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) [4].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص:
وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان رفعا.
[الحجة للقراء السبعة: 5/5]
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم، في رواية أبي بكر، وحمزة والكسائي: (وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) خفضا.
وكلّهم كسر الصّاد من: (صنوان) إلّا أنّ الحسن حدّثني عن أحمد بن يزيد الحلوانيّ، عن القوّاس عن حفص عن عاصم: صنوان بضمّ الصاد والتنوين، ولم يقله غيره عن حفص.
من رفع (زرعا) من قوله: وجنات من أعناب وزرع جعله محمولا على قوله: وفي الأرض تقديره: وفي الأرض قطع متجاورات، وجنات من أعناب، وفي الأرض زرع ونخيل صنوان، فجعله محمولا على قوله: وفي الأرض ولم يجعله محمولا على ما الجنّات منه من الأعناب.
والجنّة على هذا يقع على الأرض التي فيها الأعناب دون غيرها، كما تقع على الأرض التي فيها النخيل دون غيرها ويقوّي ذلك قول زهير:
كأنّ عينيّ في غربي مقتلة... من النّواضح تسقي جنّة سحقا
[الحجة للقراء السبعة: 5/6]
والمعنى: تسقي نخيل جنّة، يدلّك على ذلك أنّ السّحق لا يخلو من أن يكون صفة للنّخيل المرادة، أو للجنّة. فلا يجوز أن تكون من صفة الجنّة، لأنّ السّحق جمع سحوق، وإنّما يوصف بها النخيل إذا بسقت، فكأنه سمّى الأرض ذات النخيل جنّة، ولم يذكر أنّ فيها غيرها، فكما أنّ الجنّة تكون من النخيل من غير أن يكون فيها شيء آخر غيرها، كذلك تكون الكروم وإن لم يكن فيها غيرها، فهذا وجه قول من قطع قوله:
وزرع من إعراب ما قبله.
فأمّا من قرأ: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان) فإنه حمل الزرع والنخيل على الأعناب، كأنه: جنات من أعناب، ومن زرع ومن نخيل. والدّليل على أنّ الأرض إذا كان فيها النخل والكرم والزرع، سمّيت جنّة، قوله: جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا [الكهف/ 32]، فكما سميت الأرض ذات العنب والنخل والزرع جنّة، كذلك يكون في قول من قرأ: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل) أن يكون الزرع والنخيل محمولين على الأعناب، فتكون الجنّة من هذه الأشياء، كما كانت منها في الآية الأخرى، ويقوّي ذلك أيضا قوله:
أقبل سيل جاء من أمر الله... يحرد حرد الجنّة المغلّة
[الحجة للقراء السبعة: 5/7]
فقوله: المغلة في وصف الجنّة يدلّ على أن الجنة يكون فيها الزرع، لأن الغلّة إنّما هي ممّا يكال بالقفيز في أكثر الأمر، وممّا يقوّي ذلك قول زهير:
فتغلل لكم ما لا تغلّ لأهلها... قرى بالعراق من قفيز ودرهم
فبين الغلة بالقفيز والدرهم، ومن ذهب من الفقهاء إذا قال: أوصيت له بغلّة هذه القرية، أنّه يكون على ما فيه في الحال، والثاني، والثمرة على ما كان وقت الكلام للوصيّة دون ما يحدث من بعد يشهد له بيت زهير.
فإذا اجتمع النخل والكرم في أرض سمّيت جنّة بدلالة قوله: وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب [يس/ 34] وقوله: أو تكون لك جنة من نخيل وعنب [الإسراء/ 91]، وهذا يقوّي قول من جرّ النخيل في قوله: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل)، لأنّه قد ثبت أنّ الجنّة تكون من الكرم والنخيل في الآيتين اللتين تلوناهما. والصّنوان فيما يذهب إليه أبو عبيدة، صفة للنخيل قال: والمعنى أن يكون الأصل واحدا، ثم يتشعب من الرءوس فيصير نخلا ويحملن. قال: وقال:
(وتسقى بماء واحد)، إنما تشرب من أصل واحد، ونفضل بعضها على بعض في الأكل وهو الثمر.
[الحجة للقراء السبعة: 5/8]
وأجاز غيره أن يكون الصنوان من صفة الجنّات، قال أبو علي: فكأنّه يكون يراد به في المعنى ما في الجنات، وإن جرى على لفظ الجنّات، وعلى هذا يجوز أن يرفع، وإن جرّت النخل، لأنّ الجنات مرفوعة، وهذا لم يحكه في قراءة السبعة.
وأما الكسرة التي في «صنوان» فليست التي كانت في صنو، كما أن الكسرة التي في «قنو» ليست التي كانت في قنوان لأنّ تلك قد حذفت في التكسير، وعاقبتها الكسرة التي يجلبها التكسير، وكذلك الكسرة التي في هجان، وأنت تريد الجمع، ليست الكسرة التي كانت في الواحد، ولكنّه مثل الكسرة في ظراف إذا جمعت عليه ظريفا، وكذلك الضمّة التي في الفلك، إذا أردت التكسير، لا تكون الضمّة التي كانت في الواحد، ولكن على حدّ أسد، وأسد، ووثن ووثن، وكذلك الضمّة التي في آخر منصور على قول من قال: يا جار، ليست التي كانت في قول من قال: يا جار.
وأمّا من ضمّ الصاد من صنوان، فإنه جعله مثل: ذئب وذؤبان، وربما تعاقب فعلان وفعلان، على البناء الواحد نحو حشّ وحشّان وحشّان، فكذلك: صنوان، وأظنّ سيبويه قد حكى الضم فيه. والكسر فيه أكثر في الاستعمال). [الحجة للقراء السبعة: 5/9]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والياء من قوله عزّ وجلّ: (تسقى بماء
[الحجة للقراء السبعة: 5/9]
واحد) [4] وفي الياء والنّون من قوله: ونفضل بعضها على بعض [الرعد/ 4].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (تسقى) بالتاء ونفضل بالنون.
وحمزة والكسائي (تسقى) أيضا، ممالة القاف، وقرأ (ويفضل) بالياء مكسورة الضاد.
وقرأ عاصم وابن عامر: يسقى بالياء ونفضل بالنون.
من قال: (تسقى بماء واحد) أراد: تسقى هذه الأشياء بماء واحد، ولا يكون التذكير لأنّك إن حملته على الزرع وحده، تركت غيره، وإن حملته على الجنّات مع حمله على الزرع فقد ذكّر المؤنّث.
ويقوّي التأنيث قوله: ونفضل بعضها على بعض، فكما حمل هذا على التأنيث كذلك يحمل (تسقى).
ومن قال: يسقى كان التقدير: يسقى ما قصصناه وما ذكرناه). [الحجة للقراء السبعة: 5/10]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قراءة الناس: {صِنْوَانٌ} إلا الحسن وقتادة، فإنهما قرآ: [صَنْوَان].
قال أبو الفتح: الذي روينا في هذا عن قطرب: [صِنْوانٌ]، قال: وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: [صُنْوانٌ] بضم الصاد، ولم يَحْكِ الفتح.
فأما الواحد فصِنْو بكسر الصاد، وأما الجمع فصِنْوَانٌ بكسرها وصُنْوَان بضمها، والصِّنْوُ: النخلة لها رأسان وأصلها واحد، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "العباس عمي وصِنْو أبي"، فكأنه قال: هما فرعان من أصل واحد. والصُّنوان بالضم لتميم وقيس، وبالكسر لأهل الحجاز.
فأما صِنْو وصُِنْوَانٌ فإن نظيره ذئب وذُؤْبان، وقِنْو وقُنْوان. وقد يكون مثله شِيح وشِيحان؛ لكن المسئول عنه من هذا صِنْو وصِنْوان: هل هو جمع تصحيح أو جمع تكسير؟ وليس جمعًا مصححًا وإن كان مثال الواحد موجودًا في الجمع؛ وذلك أن جمع التصحيح ضربان: بالواو والنون كالزيدون والعمرون، وبالألف والتاء كالزينبات والصالحات.
وليس فِعْلَان واحدًا منهما، وإذا كان كذلك فينبغي أن تعلم أن المثالين وإن كانا وَفقَين فإن التقديرين مختلفان، فالكسرة في صاد صِنوان غير الكسرة في صاد صِنو، فيتفق اللفظان ويختلف التقديران؛ وإنما صِنْوان من صِنْو كخِرْبان من خَرَب، فكما أن فتحة الخاء من خَرَب غير كسرتها من خِربان لفظًا، فكذلك كسرة الصاد من صِنْوان غير كسرتها من صِنْو تقديرًا.
وجاء تكسير فِعْل على فِعْلان، كما جاز تكسير فعَل عليه، نحو: خَرَب وخِرْبَان وشَبَث وشِبْثَان وبَرَق وبِرْقَان؛ وذلك أن فِعْلا وفَعَلا قد تعاقبا على المعنى الواحد؛ فصارا في ذلك أخوين
[المحتسب: 1/351]
نحو: بِدْل وبَدَل وشِبْه وشَبَه ومِثْل ومَثَل، فكما كسروا فَعَلا على فِعْلان -فيما ذكرنا- فكذلك أيضًا كسروا فِعْلا عليه في صِنْو وصِنْوان، وإذا كانت كسرة الصاد من صِنْوان غير كسرتها من صِنْو تقديرًا فكذلك أيضًا سكون النون من صنوان غير سكونها من صِنْو تقديرًا، فكما جاز أن تكون الكسرة غير الكسرة تقديرًا كذلك جاز أيضًا أن يكون السكون في الجمع غير السكون في الواحد.
وكما لا يُشَك في أن فتحة خاء خَرَب غير كسرة خاء خِرْبان، فلا يُشَك أيضًا في أن فتحة راء خَرَب غير سكون راء خِرْبان، فكذلك أيضًا كسرة الصاد في الواحد غير كسرة الصاد في الجمع، وسكون النون في صِنْو غير سكون النون في صِنْوان؛ اعتبارًا لحالي المتفقين بحالي المختلفين.
ونظير اتفاق اللفظين في الحركات مع اختلاف التقديرات قولهم في ترخيم منصور على من قال يا حارِ: يا منْصُ، وكذلك تقول في ترخيم منصور على يا حَارُ: يا منْصُ، فالكسرة على يا حارِ هي ضمة صاد منصور، وهي على يا حَارُ ضمة مجتلبة للنداء غير تلك؛ اعتبارًا بيا حارِ، ويا حارُ. فكما أن الضمة في يا حارُ غير الكسرة في يا حارِ لفظًا، فكذلك ضمة صاد يا منْصُ على يا حارِ غير ضمتها في يا منْصُ على يا حارُ تقديرًا.
وكذلك الفُلْك -في قول سيبويه- وأنت تريد الواحد، وكذلك إذا أردت الجمع؛ وذلك أنه يعتقد أنه كسَّر فُعْلا على فُعْل، كما كسروا فَعَلا على فُعْل، نحو: أَسَد وأُسْد ووثَن ووُثْن فيمن قرأ: [إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِه إِلَّا أُثْنَا] جمع وثن، فكذلك كُسر فُعْل على فُعْل؛ وذلك أن فُعْلا وفَعَلا قد اعتقبا على المعنى الواحد، كالشُّغْل والشَّغَل، والبُخْل والبَخَل، والْحُزْن والْحَزَن، فكما كسروا فَعَلا على فُعْلا -فيما ذكرنا- كذلك كسروا فُعْلا على فُعْل في الفلك، فالضمة إذن في فاء الفلك وأنت تريد الواحد كالضمة في قاف قُفْل وخاء خُرْج، وهي في الفلك وأنت تريد الجميع كضمة حاء حُمْر وصاد صُفْر، فاللفظان واحد والتقديران اثنان. وقد أفردنا في كتابنا الخصائص بابًا لما اتفق فيه اللفظان واختلف فيه التقديران في الحروف والحركات والسكون.
فسكون اللام إذن في الفلك وهو واحد غير سكونها فيه وأنت تريد الجمع؛ اعتبارًا بأَسَد وأُسْد ووَثَن ووُثْن. وقد قالوا في جمع صِنْو: أَصْنَاء، فهذا كقِنْو وأَقْنَاء. ونظير صِنْو
[المحتسب: 1/352]
وصِنْوان في اتفاق اللفظين واختلاف التقديران مما جاء على فِعْل وفِعْلان قولهم: قِنْو وقِنْوان، وحِسْل وحِسْلان، ورِئْد ورِئْدان، وخِشْف وخِشْفان، وسِيد وسِيدان. هذا هو الظاهر ومثله كِير الحداد وكِيرَان، وشِيح وشِيحان، وخِيط وخِيطان من النعام، وخِرْص الرمح وخِرْصان، وشِقْد وشِقْدان، ونِسْوة ونِسْوان.
وأما [صَنْوان] بفتح الصاد فليس من أمثلة التكسير؛ وإنما هو اسم للجمع بمنزلة الباقِر والجامِل والسامِر والدابِر. وعلى أن قطربًا لم يحكِ فتح الصاد، وكذلك أبو حاتم في كتابه الذي نرويه عنه في القرآن؛ فإن صح فتح الصاد من [صَنْوان] فهو على ما ذكرناه من كونه اسمًا للجمع، لا مثالًا من أمثلة التكسير. ومثله مما جاء اسمًا مفردًا للجمع غير مكسر قولهم: السَّعْدَان والضَّمْرَان). [المحتسب: 1/353]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص {وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان} بالرّفع وحجتهم ذكرها العبّاس فقال سألت أبا عمرو كيف لا تقرأ و{زرع} بالجرّ قال الجنات لا تكون من زرع فذهب أبو عمرو إلى أن الزّرع وما بعده مردود على قوله قطع كأنّه قال في الأرض قطع متجاورات وفيها جنّات وفيها زرع ونخيل
وقرأ الباقون بالجرّ كلها حملوا الزّرع والنخيل على الأعناب كأنّه قال جنّات من أعناب وغير ذلك من زرع ونخيل وحجتهم في ذلك على أن الأرض إذا كان فيها النّخل والكرم والزّرع سميت جنّة قوله {جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا} فكما سميت الأرض ذات النّخل والزّرع جنّة كذلك يكون في قراءة من قرأ {وجنات من أعناب وزرع ونخيل} أن يكون الزّرع والنخيل محمولين على الأعناب
قرأ عاصم وابن عامر {يسقى بماء واحد} أي يسقى المذكور بماء واحد وحجتهما قوله {وجعلنا فيها جنّات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره} على معنى من ثمر المذكور
وقرأ الباقون {تسقي} بالتّاء أي تسقى هذه الأشياء بماء واحد قالوا ولا يكون التّذكير لأنّك إن حملته على الزّرع فقد
[حجة القراءات: 369]
تركت غيره وإن حملته على الجنات مع حمله على الزّرع فقد ذكرت المؤنّث وحجتهم قوله تعالى بعدها {ونفضل بعضها على بعض} فقال {بعضها} فكما حمل هذا على التّأنيث كذلك يحمل {تسقي}
قرأ حمزة والكسائيّ (ويفضل بعضها) بالياء إخبارًا عن الله أي يفضل الله بعضها على بعض وحجتهما أن ابتداء الكلام جرى من أول السّورة بقوله {وهو الّذي مد الأرض وجعل فيها رواسي} وفعل وفعل فردّوا قوله (ويفضل) على لفظ ما تقدمه إذ كان في سياقه ليأتلف نظام الكلام على سياق واحد
وقرأ الباقون {ونفضل} بالنّون إخبار الله عز وجل عن نفسه وحجتهم قوله {تلك الرّسل فضلنا بعضهم على بعض} وقال {ونفصل الآيات} بلفظ الجمع). [حجة القراءات: 370]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان} قرأ حفص وابن كثير وأبو عمرو بالرفع، في الكلمات الأربع، عطفوها على {قطع} وقرأ الباقون بالخفض فيهن، عطفوها على {أعناب} فهو أقرب إليه من {قطع} و{صنوان} نعت لـ {نخيل} و{غير} عطف عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/19]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {يُسقى بماء واحد} قرأه ابن عامر وعاصم بالياء، على تذكير ما ذكر المضمر، أي يسقى ما ذكرنا بماء واحد، وقرأ الباقون بالتاء، أنثوا حملًا على الأشياء التي ذكرت، فهي مؤنثة، فأنث لذلك، ويقوي ذلك أن بعده {بعضها} على التأنيث ولم يقل بعضه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/19]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {ونفضل بعضها} قرأه حمزة والكسائي بالياء، على الإخبار عن الله جل ذكره بذلك على لفظ الغائب؛ لأنه هو فاعل الأفاعيل كلها، وأيضًا فإن قبله في أول السورة: {وهو الذي مد الأرض} وفعل وفعضل، فأتى بلفظ الغائب في «ويفضل» على ما قبله في الغيبة، وقرأ الباقون بالنون على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، وكلا القراءتين ترجع إلى معنى، والنون هو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/19]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [آية/ 4] بالرفع في الجميع:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم –ص- ويعقوب.
[الموضح: 696]
والوجه أن الجميع محمول على قوله {فِي الأَرْضِ}، تقديره: وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجناتٌ وزرعٌ ونخيلٌ، فالكل معطوف على قوله {قِطَعٌ}، وعلى هذا تقع الجنات على ما فيه الأعناب فقط؛ لأنه قال {وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ} ثم عطف الزرع والنخيل على {قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ}.
ولا يبعد أن تقع الجنة على ما فيه نوعٌ واحدٌ من الأشجار، كما قال زهير:
67- كأن عيني في غربي مقتلةٍ = من النواضح تسقي جنةً سحقا
فجعل الجنة للنخل خاصةً؛ لأن وصفها بقوله: سحقا، وهي جمع سحوق، وهي الطوال من النخل.
وقرأ الباقون {وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ صِنْوَانٍ وَغَيْرِ صِنْوَانٍ} بالجر في الجميع.
وكلهم كسر الصاد من {صِنْوان}، إلا ما رُوي عن يعقوب و-ص- عن عاصم {صُنْوان} بضم الصاد.
[الموضح: 697]
ووجه الجر في {زَرْعٍ} وما عُطف عليه، أنه محمولٌ على الأعناب، كأنه قال: جناتٌ من أعنابٍ ومن زرعٍ ومن نخيلٍ صنوانٍ وغير صنوانٍ بالجر في الكل.
والصنوان صفة للنخيل وهي ما كان أصله واحدًا وفروعه متفرقة، والجنات في هذه القراءة تشتمل على الأعناب والزرع والنخيل جميعًا، كما قال تعالى {جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا}.
وأما ضم الصاد من {صُنوان} فلأنه جمع على وزن فُعلان بالضم كذئبٍ وذؤبانٍ، وقد يأتي فُعلان وفِعلان بالضم والكسر جمعًا لشيء واحد نحو حشٍ وهو البستان والجمع حُشّان وحِشّان). [الموضح: 698]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} [آية/ 4] بالياء:
قرأها ابن عامر وعاصمٌ ويعقوب.
والوجه أنه لما ذكر أشياء مما يصلح بالسقي، قال {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} أي يُسقى ما ذكرناه أو ما قصصناه، فذكَّر اللفظ حملًا على المعنى.
[الموضح: 698]
وقرأ الباقون {تُسْقى} بالتاء.
والوجه أن المسقي أشياء كثيرة، فأُنث اللفظ؛ لأن المراد: تُسقى هذه الأشياء، والأشياء جماعة، فهي مؤنثة، ألا ترى أن ما أـُسند إليه السقي جملةٌ من الأشياء، فلا يجوز أن يعود الفعل إلى البعض دون البعض، بل يجب أن يعود إلى الكل، والكل أشياء، فأُنث حملًا على الأشياء). [الموضح: 699]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {وَيُفَضِّلُ} [آية/ 4] بالياء:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن ذكر الله تعالى قد تقدم في قوله {الله الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ} وقوله {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ} وقوله {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ}، فالكل مسندٌ إلى اسم الله تعالى، فكذلك قوله {يُفَضِّلُ}.
وقرأ الباقون {نُفَضِّلُ} بالنون.
والوجه أنه على لفظ المخبرين، والفعل لله سبحانه، فالمعنى في القراءتين واحد). [الموضح: 699]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين