العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة العنكبوت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 12:10 PM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي تفسير سورة العنكبوت [ من الآية (8) إلى الآية (13) ]

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 رجب 1434هـ/28-05-2013م, 11:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) )

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدّثني اللّيث بن سعد أن سعد بن أبي وقاص كان بارا بأمه [فا = .. ] في أن تكلمه يرجع إلى دينه، فقالت: أنا أكفيكموه [فـ ......]، قال: أما في هذه فلا أطيعك ولكني أطيعك فما سوى ذلك.
قال الليث: فيزعمون أن هذه الآية أنزلت فيه، والله أعلم: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما}، {وصاحبهما في الدنيا معروفا}، الآية كلها؛
قال لي الليث: فصارت له ولغيره). [الجامع في علوم القرآن: 2/170] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماك بن حربٍ، قال: سمعت مصعب بن سعدٍ، يحدّث، عن أبيه سعدٍ، قال: أنزلت فيّ أربع آياتٍ، فذكر قصّةً، فقالت أمّ سعدٍ: أليس قد أمر اللّه بالبرّ، واللّه لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتّى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها فنزلت هذه الآية {ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا} الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/194]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعملون}.
يقول تعالى ذكره: {ووصّينا الإنسان} فيما أنزلنا إلى رسولنا {بوالديه} أن يفعل بهما {حسنًا}.
واختلف أهل العربيّة في وجه نصب (الحسن)، فقال بعض نحويّي البصرة: نصب ذلك على نيّة تكرير (وصّينا). وكأنّ معنى الكلام عنده: ووصّينا الإنسان بوالديه، وصّيناه حسنًا، وقال: قد يقول الرّجل وصّيته خيرًا: أي بخيرٍ.
وقال بعض نحويّي الكوفة: معنى ذلك: ووصّينا الإنسان أن يفعل حسنًا، ولكنّ العرب تسقط من الكلام بعضه إذا كان فيما بقي الدّلالة على ما سقط، وتعمل ما بقي فيما كان يعمل فيه المحذوف، فنصب قوله {حسنًا} وإن كان المعنى ما وصفت {وصّينا}، لأنّه قد ناب عن السّاقط، وأنشد في ذلك:
عجبت من دهماء إذ تشكونا = ومن أبي دهماء إذ يوصينا
خيرًا بها كأنّنا جافونا
وقال: معنى قوله: يوصينا خيرًا: أن نفعل بها خيرًا، فاكتفى بـ(يوصينا) منه، وقال: ذلك نحو قوله {فطفق مسحًا} أي يمسح مسحًا.
وقوله: {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما} يقول: ووصّينا الإنسان، فقلنا له: إن جاهداك والداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ أنّه ليس لي شريكٌ، فلا تطعهما فتشرك بي ما ليس لك به علمٌ اتباع مرضاتهما، ولكن خالفهما في ذلك.
{إليّ مرجعكم} يقول تعالى ذكره: إليّ معادكم ومصيركم يوم القيامة {فأنبّئكم بما كنتم تعملون} يقول: فأخبركم بما كنتم تعملون في الدّنيا من صالح الأعمال وسيّئاتها، ثمّ أجازيكم عليها المحسن بالإحسان، والمسيء بما هو أهله.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسبب سعد بن أبي وقّاصٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا} إلى قوله: {فأنبّئكم بما كنتم تعملون} قال: نزلت في سعد بن أبي وقّاصٍ لمّا هاجر، قالت أمّه: واللّه لا يظلّني بيتٌ حتّى يرجع، فأنزل اللّه في ذلك أن يحسن إليهما، ولا يطيعهما في الشّرك). [جامع البيان: 18/362-363]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعملون (8)
قوله تعالى: ووصّينا الإنسان إلى قوله: فلا تطعهما
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة أخبرني سماك بن حربٍ قال: سمعت مصعب بن سعيدٍ يحدّث، عن سعدٍ قال: قالت أمّ سعدٍ: أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين؟ فلا آكل طعامًا ولا أشرب شرابًا حتّى تكفر باللّه، فامتنعت من الطّعام والشّراب حتّى جعلوا يشجرون فاها بالعصا، فنزلت هذه الآية ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ قال: سمعت سعيدًا، عن قتادة قوله: ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما... الآية قال: نزلت في سعد بن مالكٍ لمّا هاجر قالت أمّه: واللّه لا يظلّني ظلٌّ حتّى يرجع. فأنزل اللّه في ذلك أن يحسن إليها، ولا يطعهما في الشّرك.
قوله تعالى: إليّ مرجعكم
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا زيد بن حبابٍ، عن أبي سنانٍ، عن الضّحّاك في قوله: إليّ مرجعكم قال: البرّ والفاجر.
قوله تعالى: فأنبّئكم بما كنتم تعملون
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ أنبأ عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قال: يبعثهم اللّه من بعد الموت فيبعث أولياءه وأعداءه، فينبّئهم بما عملوا لهم.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن علي بن الحسين ابن شقيقٍ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قال: ينبّئهم يوم القيامة بكلّ شيءٍ نطقوا به سيّئةً أو حسنةً). [تفسير القرآن العظيم: 9/3036]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون * والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قالت أمي: لا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى تكفر بمحمد فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يسجرون فاها بالعصا فنزلت هذه الآية {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} الآية). [الدر المنثور: 11/530]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} قال: أنزلت في سعد بن مالك رضي الله عنه لما هاجر قالت أمه: والله لا يظلني ظل حتى يرجع فأنزل الله في ذلك أن يحسن إليهما ولا يطيعهما في الشرك). [الدر المنثور: 11/530-531]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لندخلنّهم في الصّالحين}.
يقول تعالى ذكره: {والّذين آمنوا} باللّه ورسوله {وعملوا الصّالحات} من الأعمال، وذلك أن يؤدّوا فرائض اللّه، ويجتنبوا محارمه {لندخلنّهم في الصّالحين} في مدخل الصّالحين، وذلك الجنّة). [جامع البيان: 18/363]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: والّذين آمنوا وعملوا الصالحات
تقدم تفسيره.
قوله تعالى: لندخلنّهم في الصّالحين
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في الصّالحين قال: مع الصّالحين مع الأنبياء والمؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 9/3036-3037]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين}.
يقول تعالى ذكره: ومن النّاس من يقول: أقررنا باللّه فوحّدناه، فإذا آذاه المشركون في إقراره باللّه، جعل فتنة النّاس إيّاه في الدّنيا، كعذاب اللّه في الآخرة، فارتدّ عن إيمانه باللّه، راجعًا على الكفر به {ولئن جاء نصرٌ من ربّك} يا محمّد أهل الإيمان به {ليقولنّ} هؤلاء المرتدّون عن إيمانهم، الجاعلون فتنة النّاس كعذاب اللّه: {إنّا كنّا} أيّها المؤمنون {معكم} ننصركم على أعدائكم، كذبًا وإفكًا. يقول اللّه: {أوليس اللّه بأعلم} أيّها القوم من كلّ أحدٍ {بما في صدور العالمين} جميع خلقه القائلين آمنّا باللّه وغيرهم، فإذا أوذي في اللّه ارتدّ عن دين اللّه فكيف يخادع من كان لا يخفى عليه خافيةٌ، ولا يستتر عنه سرٌّ ولا علانيةٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه} قال: فتنته أن يرتدّ عن دين اللّه إذا أوذي في اللّه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه} إلى قوله: {وليعلمنّ المنافقين} قال: أناسٌ يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاءٌ من اللّه أو مصيبةٌ في أنفسهم افتتنوا، فجعلوا ذلك في الدّنيا كعذاب اللّه في الآخرة.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه} الآية: ناسٍ من المنافقين بمكّة كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا وأصابهم بلاءٌ من المشركين، رجعوا إلى الكفر مخافة من يؤذيهم، وجعلوا أذى النّاس في الدّنيا كعذاب اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قول اللّه {فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه} قال: هو المنافق إذا أوذي في اللّه رجع عن الدّين وكفر، وجعل فتنة النّاس كعذاب اللّه.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت في قومٍ من أهل الإيمان كانوا بمكّة، فخرجوا مهاجرين، فأدركوا وأخذوا فأعطوا المشركين لمّا نالهم أذاهم ما أرادوا منهم.
ذكر الخبر بذلك:
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا محمّد بن شريكٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان قومٌ من أهل مكّة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدرٍ معهم، فأصيب بعضهم وقتل بعضهم، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى آخر الآية، قال: فكتب إلى من بقي بمكّة من المسلمين بهذه الآية أن لا عذر لهم، فخرجوا، فلحقهم المشركون، فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه} إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك، فخرجوا وأيسوا من كلّ خيرٍ، ثمّ نزلت فيهم: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا، ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} فكتبوا إليهم بذلك: إنّ اللّه قد جعل لكم مخرجًا، فخرجوا، فأدركهم المشركون، فقاتلوهم، حتّى نجا من نجا، وقتل من قتل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه} إلى قوله: {وليعلمنّ المنافقين} قال: هذه الآيات أنزلت في القوم الّذين ردّهم المشركون إلى مكّة، وهذه الآيات العشر مدنيّةٌ إلى ههنا وسائرها مكّيٌّ). [جامع البيان: 18/364-366]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين (10)
قوله تعالى: ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في الله...
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ وأحمد الزّبيريّ، ثنا محمّد بن شريكٍ، عن عمرو بن دينارٍ عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان قومٌ من أهل مكّة أسلموا، وكانوا يستخفّون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدرٍ معهم فأصيب بعضهم وقتل بعضٌ قال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمون وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم... إلى آخر الآية قال: فكتب إليّ من بقي من المسلمين بهذه الآية لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه... إلى آخر الآية فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا وأيسوا من كلّ خيرٍ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبانة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: فإذا أوذي في اللّه إلى قوله: وليعلمنّ المنافقين أناسٌ يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاءٌ من النّاس أو مصيبةٌ في أنفسهم أو أموالهم افتتنوا، فجعلوا ذلك في الدّنيا كعذاب اللّه في الآخرة.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه قال: كان ناسٌ من المؤمنين آمنوا وهاجروا فلحقهم أبو سفيان فردّ بعضهم إلى مكّة فعذّبهم فافتتنوا فأنزل فيهم هذا.
قوله تعالى: فإذا أوذي في اللّه
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه عطاءٍ الخرسانيّ فإذا أوذي في اللّه فيقال: إذا أصابه بلاءٌ في اللّه.
- وبه في قوله: جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه فيقال: إذا أصابه بلاءٌ في اللّه عدل عذاب النّاس بعذاب اللّه.
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي حدّثني أبي عن أبيه عطيّة، عن ابن عبّاسٍ قوله: فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه قال: فتنةٌ ال... يرتدّ، عن دين اللّه إذا أوذي في اللّه.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قول اللّه: فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه قال: هذا المنافق: أوذي في اللّه رجع، عن الدّين فكفر، وجعل فتنة النّاس كعذاب اللّه.
قوله تعالى: كعذاب اللّه
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور أخبرني عثمان بن عطاءٍ عن أبيه عطاءٍ جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه فقال: إذا صابه بلاءٌ في اللّه عدل عذاب اللّه بعذاب النّاس، وعذاب اللّه لا ينقطع ولا يزول وعذاب النّاس ينقطع.
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان قال: بلغني، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: عذاب أهل التّكذيب بالصّيحة والزّلزلة وعذاب أهل التّوحيد بالسّيف). [تفسير القرآن العظيم: 9/3037-3038]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله إلى قوله وليعلمن المنافقين قال هم أناس آمنوا بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم أو في أمواله افتتنوا فجعلوا ما أصابهم في الدنيا كعذاب الله في الآخرة). [تفسير مجاهد: 493]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين * وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين.
أخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله} إلى قوله {وليعلمن المنافقين} قال: أناس يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم أو أموالهم فتنوا فجعلوا ذلك في الدنيا كعذاب الله في الآخرة). [الدر المنثور: 11/531]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {ومن الناس من يقول آمنا بالله} قال: كان أناس من المؤمنين آمنوا وهاجروا فلحقهم أبو سفيان فرد بعضهم إلى مكة فعذبهم فافتتنوا فأنزل الله فيهم هذا). [الدر المنثور: 11/531]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في قوله {فإذا أوذي في الله} قال: إذا أصابه بلاء في الله عدل بعذاب الله عذاب الناس). [الدر المنثور: 11/531]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فتنة الناس} قال: يرتد عن دين الله إذا أوذي في الله). [الدر المنثور: 11/531]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن أبي شيبه، وعبد بن حميد والترمذي وصححه، وابن ماجه وأبو يعلى، وابن حبان وأبو نعيم والبيهقي في شعب الإيمان والضياء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أخفت في الله وما يخاف احد ولقد أتت علي ثالثة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما يواري ابط بلال). [الدر المنثور: 11/532]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {ومن الناس من يقول آمنا بالله} قال: ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون فإذا أوذوا وأصابهم بلاء من المشركين رجعوا إلى الكفر والشرك مخافة من يؤذيهم وجعلوا أذى الناس في الدنيا كعذاب الله). [الدر المنثور: 11/532]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {ومن الناس من يقول آمنا بالله} إلى قوله {وليعلمن المنافقين} قال: هذه الآيات نزلت في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة وهذه الآيات العشر مدنية). [الدر المنثور: 11/532]

تفسير قوله تعالى: (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين}.
يقول تعالى ذكره: وليعلمنّ اللّه أولياء اللّه، وحزبه أهل الإيمان باللّه منكم أيّها القوم، وليعلمنّ المنافقين منكم حتّى يميز كلّ فريقٍ منكم من الفريق الآخر بإظهار اللّه ذلك منكم بالمحن والابتلاء والاختبار وبمسارعة المسارع منكم إلى الهجرة من دار الشّرك إلى دار الإسلام، وتثاقل المتثاقل منكم عنها). [جامع البيان: 18/367]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين (11)
قوله تعالى: وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين
- حدّثنا حجاج بن حمزة، ثنا شبانة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين: أناسٌ آمنوا بألسنتهم فإذا أصابهم بلاءٌ من النّاس أو مصيبةٌ في أنفسهم أو أموالهم فتنوا). [تفسير القرآن العظيم: 9/3038]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيءٍ إنّهم لكاذبون}.
يقول تعالى ذكره: وقال الّذين كفروا باللّه من قريشٍ للّذين آمنوا باللّه منهم: {اتّبعوا سبيلنا} يقول: قالوا: كونوا على مثل ما نحن عليه من التّكذيب بالبعث بعد الممات وجحود الثّواب والعقاب على الأعمال {ولنحمل خطاياكم} يقول: قالوا فإنّكم إن اتّبعتم سبيلنا في ذلك، فبعثتم من بعد الممات، وجوزيتم على الأعمال، فإنّا نتحمّل آثام خطاياكم حينئذٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} قال: قول كفّار قريشٍ بمكّة لمن آمن منهم، يقول: قالوا: لا نبعث نحن ولا أنتم، فاتّبعونا إن كان عليكم شيءٌ فهو علينا.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وقال الّذين كفروا} هم القادة من الكفّار، قالوا لمن آمن من الأتباع: اتركوا دين محمّدٍ واتّبعوا ديننا.
وهذا: أعني قوله {اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} وإن كان خرج مخرج الأمر، فإنّ فيه تأويل الجزاء، ومعناه ما قلت: إن اتّبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، كما قال الشّاعر:
فقلت ادعي وأدعو فإنّ أندى = لصوتٍ أن ينادي داعيان
يريد: ادعي ولأدع، ومعناه: إن دعوت دعوت.
وقوله: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيءٍ إنّهم لكاذبون} وهذا تكذيبٌ من اللّه للمشركين القائلين للّذين آمنوا {اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} يقول جلّ ثناؤه: وكذبوا في قيلهم ذلك لهم، ما هم بحاملين من آثام خطاياهم من شيءٍ، إنّهم لكاذبون فيما قالوا لهم ووعدوهم، من حمل خطاياهم إن هم اتّبعوهم). [جامع البيان: 18/367-368]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وقال الّذين كفروا
- به، عن مجاهدٍ قوله: وقال الّذين كفروا قال: كفّار قريشٍ.
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا الفضل بن خالدٍ أبو معاذٍ النّحويّ، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك وقال الّذين كفروا هم القادة من الكفّار للّذين آمنوا، قال لمن آمن واتّبع: اتركوا دين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: اتّبعوا سبيلنا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبانه، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: اتّبعوا سبيلنا قول كفّار قريشٍ بمكّة لمن آمن منهم قالوا: لا نبعث نحن ولا أنتم فاتّبعونا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الدّرداء المروزيّ، ثنا أبو معاذٍ، عن عبيدٍ، عن الضّحّاك قوله: اتّبعوا سبيلنا ديننا.
قوله تعالى: ولنحمل خطاياكم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبانة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: ولنحمل خطاياكم قول كفّار قريشٍ بمكّة لمن آمن منهم اتّبعونا، فإن كان عليكم شيءٌ فهو علينا.
قوله تعالى: وما هم بحاملين الآية
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن قتادة قوله: وما هم بحاملين من خطاياهم قال: ما هم بعاملين). [تفسير القرآن العظيم: 9/3038-3039]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم قال هذا قول كفار قريش بمكة لمن آمن منهم قالوا لا نبعث نحن ولا أنتم فاتبعونا فان كان عليكم شيء فهو علينا). [تفسير مجاهد: 494]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وقال الذين كفروا للذين أمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون * وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون.
أخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} قال: قول كفار قريش بمكة لمن آمن منهم قالوا: لا نبعث نحن ولا أنتم فاتبعونا فان كان عليكم شيء فعلينا). [الدر المنثور: 11/532-533]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك {وقال الذين كفروا} هم القادة من الكفار {للذين آمنوا} لمن آمن من الأتباع {اتبعوا سبيلنا} ديننا واتركوا دين محمد صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 11/533]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وما هم بحاملين} قال: بفاعلين {وليحملن أثقالهم} قال: أوزارهم {وأثقالا مع أثقالهم} قال: أوزار من أضلوا). [الدر المنثور: 11/533]

تفسير قوله تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وليحملن أثقالهم قال من دعا قوما إلى ضلالة فعليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء). [تفسير عبد الرزاق: 2/96]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {أثقالًا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13] : «أوزارًا مع أوزارهم»). [صحيح البخاري: 6/113]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أثقالًا مع أثقالهم أوزارًا مع أوزارهم هو قول أبي عبيدة أيضًا وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة في هذه الآية قال من دعا قومًا إلى ضلالةٍ فعليه مثل أوزارهم ولابن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر عن قتادة قال وليحملن أثقالهم أي أوزارهم وأثقالًا مع أثقالهم أوزار من أضلّوا). [فتح الباري: 8/510]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أثقالاً مع أثقالهم أوزاراً مع أوزارهم
أشار به إلى قوله تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم} (العنكبوت: 13) وفسره بقوله: أوزاراً مع أوزارهم، وكذا فسره أبو عبيدة أي: بسبب من أضلّوا وصدوا عن سبيل الله عز وجل فيحملون أوزارهم كاملة يوم القيامة). [عمدة القاري: 19/109]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({أثقالًا مع أثقالهم}) [العنكبوت: 13] أي (أوزارًا مع أوزارهم) بسبب إضلالهم لهم لقوله عليه الصلاة والسلام: "من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء" أي وليحملن أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم وأوزارًا مثل أوزار من أضلوا مع أوزارهم وسقط لغير الأصيلي أوزارًا مع). [إرشاد الساري: 7/285]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون}.
يقول تعالى ذكره: وليحملنّ هؤلاء المشركون باللّه القائلون للّذين آمنوا به اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم أوزار أنفسهم وآثامها، وأوزار من أضلّوا وصدّوا عن سبيل اللّه مع أوزارهم، وليسئلنّ يوم القيامة عمّا كانوا يكذّبونهم في الدّنيا بوعدهم إيّاهم الأباطيل، وقيلهم لهم: اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم فيفترون الكذب بذلك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وليحملنّ أثقالهم} أي أوزارهم {وأثقالاً مع أثقالهم} يقول أوزار من أضلّوا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {وليحملنّ أثقالهم، وأثقالاً مع أثقالهم} وقرأ قوله: {ليحملوا أوزارهم} كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علمٍ ألا ساء ما يزرون، قال: فهذا قوله {وأثقالاً مع أثقالهم} ). [جامع البيان: 18/369]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وليحملنّ أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون (13)
قوله تعالى: وليحملنّ أثقالهم
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا صدقة، ثنا عثمان بن حفص بن أبى العاتكة حدّثني سليمان بن حبيبٍ المحاربيّ، عن أبي أمامة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلّغ ما أرسل به، ثمّ قال: إيّاكم والظّلم، فإنّ اللّه تبارك وتعالى يقسم يوم القيامة فيقول: وعزّتي لا يحوزني اليوم ظلمٌ، ثمّ ينادي منادٍ فيقول: أين فلان بن فلانٍ؟ فيأتي تتبعه من الحسنات أمثال الجبال فيشخص النّاس إليها أبصارهم حتى يقول بين يدي اللّه الرّحمن عزّ وجلّ، ثمّ يأمر المنادي فينادي من كانت له تباعةٌ أو ظلامةٌ- عند فلان بن فلانٍ، فهلمّ. فيقبلون حتّى يجتمعوا قيامًا بين يدي الرّحمن، فيقول الرّحمن: اقضوا عن عبدي فيقولون: كيف نقضي، عنه؟ فيقول لهم: خذوا لهم من حسناته فلا يزالون يأخذون منها حتّى لا يبقى له حسنة، وقد بقي من أصحاب الظلامات، فيقول: اقضوا، عن عبدي: فيقولون: كيف نقضي، عنه؟ فيقول لهم: خذوا لهم من حسناته، فلا يزالون يأخذون منها حتّى لا يبقى له حسنة، وقد بقي من أصحاب الظلامات فيقول: اقضوا، عن عبدي، فيقولون: لم يبق له حسنةٌ، فيقول خذوا من سيّئاتهم فاحملوها عليه. ثمّ نزع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بهذه الآية الكريمة وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم، وليسئلن يوم القيامة عمّا كانوا يفترون.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ قال: سمعت سعيد، عن قتادة وليحملن أثقالهم أي أوزارهم.
قوله تعالى: وأثقالًا مع أثقالهم
- به، عن قتادة وأثقالا مع أثقالهم أوزار من أضلّوا.
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، ثنا عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم قال: من دعا قومًا إلى الضّلالة فعليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا.
قوله تعالى: وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون
- حدثنا أحمد بن أبي الحواري، ثنا أبو بشرٍ الحذّاء، عن أبي حمزة البيسان ، عن معاذ بن جبلٍ قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا معاذ، إنّ المؤمن يسأل يوم القيامة، عن جميع سمعةٍ، حتّى عن كحل عينيه وعن فتات الطّينة بإصبعيه فلا ألقينّك تأتي يوم القيامة واحدٌ أسعد بما آتاك اللّه منك.
قوله تعالى: يفترون
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: يفترون قال: ما كانوا يكذبون في الدّنيا.
الوجه الثّاني
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: عمّا كانوا يفترون قال: أي يشركون). [تفسير القرآن العظيم: 9/3039-3041]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم قال هو كقوله ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم). [تفسير مجاهد: 494]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وما هم بحاملين} قال: بفاعلين {وليحملن أثقالهم} قال: أوزارهم {وأثقالا مع أثقالهم} قال: أوزار من أضلوا). [الدر المنثور: 11/533] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه في المصنف، وابن المنذر عن ابن الحنفية رضي الله عنه قال: كان أبو جهل وصناديد قريش يتلقون الناس إذا جاؤا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسلمون يقولون: انه يحرم الخمر ويحرم الزنا ويحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم، فنزلت هذه الآية {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} ). [الدر المنثور: 11/533]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} قال: هي مثل التي في النحل {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم} النحل الآية 25). [الدر المنثور: 11/533]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} قال: حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا). [الدر المنثور: 11/534]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال أيما داع دعا إلى هدى فاتبع عليه وعمل به فله مثل أجور الذين اتبعوه ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وأيما داع دعا إلى ضلالة فأتبع عليها وعمل بها فعليه مثل أوزار الذين اتبعوه ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا قال عون: وكان الحسن رضي الله عنه مما يقرأ عليها {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} إلى آخر الآية). [الدر المنثور: 11/534]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي امامة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والظلم فان الله يقول يوم القيامة: وعزتي لا يجيزني اليوم ظلم ثم ينادي مناد فيقول: أين فلان بن فلان فيأتي فيتبعه من الحسنات أمثال الجبال فيشخص الناس إليها أبصارهم ثم يقوم بين يدي الرحمن ثم يأمر المنادي ينادي: من كانت له تباعة أو ظلامة عند فلان بن فلان فهلم فيقومون حتى يجتمعوا قياما بين يدي الرحمن فيقول الرحمن: اقضوا عن عبدي فيقولون: كيف نقضي عنه فيقول: خذوا له من حسناته، فلا يزالون يأخذون منها حتى لا تبقى منها حسنة وقد بقي من أصحاب الظلامات فيقول: اقضوا عن عبدي فيقولون: لم يبق له حسنة فيقول: خذوا من سيئاته فاحملوها عليه ثم نزع النّبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الآية {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} ). [الدر المنثور: 11/534-535]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال: سأل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك القوم ثم ان رجلا أعطاه فأعطى القوم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم من سن خيرا فاستن به كان له أجره ومن أجور من تبعهم غير منتقص من أجورهم شيئا ومن أسن شرا فاستن به كان عليه وزره ومن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا). [الدر المنثور: 11/535]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وحسنه، وابن مردويه عن أبي هريرة وأبي الدرداء قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيروا سبق المفردون، قيل: يا رسول الله ومن المفردون قال: الذين يهترون في ذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا). [الدر المنثور: 11/535-536]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 رجب 1434هـ/3-06-2013م, 10:04 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ووصّينا الإنسان} [العنكبوت: 8]، يعني: جميع النّاس.
{بوالديه حسنًا} [العنكبوت: 8]، يعني: برًّا، تفسير السّدّيّ كقوله: {بوالديه إحسانًا} [الأحقاف: 15]، يعني: برًّا.
قال: {وإن جاهداك لتشرك بي} [العنكبوت: 8] إن أراداك على أن تشرك بي.
{ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما} [العنكبوت: 8]، أي: أنّك لا تعلم أنّ معي شريكًا،
[تفسير القرآن العظيم: 2/617]
يعني بذلك المؤمنين.
{إليّ مرجعكم} [العنكبوت: 8] يوم القيامة.
{فأنبّئكم بما كنتم تعملون} [العنكبوت: 8]). [تفسير القرآن العظيم: 2/618]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({وإن جاهداك}: مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقوله: وقلنا له , وإن جاهداك.).
[مجاز القرآن: 2/113]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ووصّينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعملون}
قال: {ووصّينا الإنسان بوالديه حسناً} , على "ووصّيناه حسناً" , وقد يقول الرجل: "وصّيته خيراً" أي: بخيرٍ.). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ووصّينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعملون (8)}
القراءة : {حسنا}, وقد رويت : {إحسان}, و{حسناً}: أجود لموافقة المصحف، فمن قال: حسنا , فهو مثل وصّينا، إلا أن يفعل بوالديه ما يحسن.
ومن قرأ {إحسان}:فمعناه: ووصينا الإنسان أن يحسن إلى والديه إحسانا، وكأنّ (حسنا) أعمّ في البر.
وقوله: {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما}
معناه: وإن جاهداك أيها الإنسان والداك؛ لتشرك بي، وكذلك على أن تشرك بي.
ويروى أن رجلا خرج من مكة مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فحلفت أمه أن لا يظلها بيت حتى يرجع، فأعلم اللّه أن برّ الوالدين واجب، ونهى أن يتابعا على معصية اللّه والشرك به، وإن كان ذلك عند الوالدين برّا.). [معاني القرآن: 4/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا}
أي: ما يحسن
ثم قال جل وعز: {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما}
قال أبو إسحاق : المعنى : وإن جاهداك أيها الإنسان, والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم , فلا تطعهما.). [معاني القرآن: 5/212-213]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} [العنكبوت: 9]، يعني: أطاعوا اللّه فيما أمرهم به وفرض عليهم تفسير السّدّيّ.
{لندخلنّهم في الصّالحين} [العنكبوت: 9] مع الصّالحين، يعني: أهل الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/618]

تفسير قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس} [العنكبوت: 10] تفسير السّدّيّ: جعل عذاب النّاس في الدّنيا كعذاب اللّه في الآخرة، وهذه الآية نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة أخي أبي جهلٍ، تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: رجعت القصّة إلى الكلام الأوّل: {أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون {2} ولقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين {3}} [العنكبوت: 2-3] فوصف المنافقين في هذه الآية الآخرة، فقال: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه} [العنكبوت: 10] إذا أمر بالجهاد في سبيل اللّه، فدخل عليه فيه أذًى، رفض ما أمر به،
يعني: المنافق، واجترأ على عذاب اللّه وأقام عن الجهاد، فتبيّن نفاقه، أي: {جعل فتنة النّاس} [العنكبوت: 10]، يعني: ما يدخل عليه من البليّة في القتال إذا كانت بليّةً.
{كعذاب اللّه} [العنكبوت: 10] في الآخرة، فترك القتال في سبيل اللّه، واجترأ على عذاب اللّه في الآخرة لأنّ اللّه تبارك وتعالى قد خوّفه عذاب الآخرة
[تفسير القرآن العظيم: 2/618]
وهو لا يقرّ به.
وقال مجاهدٌ: أناسٌ يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاءٌ من النّاس أو مصيبةٌ في أنفسهم وأموالهم افتتنوا وجعلوا ذلك في الدّنيا كعذاب اللّه في الآخرة.
قال: {ولئن جاء نصرٌ من ربّك} [العنكبوت: 10] على المشركين فجاءت غنيمةً.
{ليقولنّ} [العنكبوت: 10]، يعني: جماعتهم.
{إنّا كنّا معكم} [العنكبوت: 10] يطلبون الغنيمة، فيظنّ المؤمن أنّ المنافق عارفٌ، وليس بعارفٍ؛ لأنّه ليس بموقنٍ بالآخرة.
قال اللّه تبارك وتعالى: {أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين} [العنكبوت: 10].
والعالمون الخلق كلّهم، أي: أنّه يعلم أنّ هؤلاء المنافقين في صدورهم التّكذيب باللّه ورسله وهم يظهرون الإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 2/619]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({ فإذا أذوي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله " مجازه: جعل أذى الناس " وليعلمنّ الله الّذين آمنوا وليعلّمنّ المنافقين }, مجازه: وليميزن الله هؤلاء من هؤلاء.).
[مجاز القرآن: 2/114]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: التعذيب. قال: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي عذّبوهم بالنار.
وقال عز وجل: { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي يعذبون. {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} أي يقال لهم: ذوقوا فتنتكم، يراد هذا العذاب بذاك.
وقال عز وجل: {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} أي: جعل عذاب الناس وأذاهم كعذاب الله). [تأويل مشكل القرآن: 472] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه ولئن جاء نصر من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين (10)}
أي : فإذا ناله أذى, أو عذاب بسبب إيمانه جزع من ذلك ما يجزع من عذاب اللّه, وينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذيّة في اللّه عزّ وجلّ.). [معاني القرآن: 4/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله}
قال مجاهد : (فإذا أوذي في الله , أي : عذب خاف من عذاب الناس كما يخاف من عذاب الله جل وعز).
قال الضحاك : (هؤلاء قوم قالوا : آمنا , فإذا أوذي أحدهم أشرك).
وروى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عكرمة قال: (كان قوم بمكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله , فلما خرج المشركون إلى بدر , أكرهوهم على الخروج معهم , فقتل بعضهم فأنزل الله
جل وعز فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله: {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} , فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة , فخرج مسلمون من مكة , فلحقهم المشركون , فافتتن بعضهم , فأنزل الله جل وعز فيهم:
{ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله})
قال الشعبي : (نزلت فيهم عشر آيات من قوله تعالى: {الم أحسب الناس أن يتركوا}).
قال عكرمة : (فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين كانوا بمكة , قال رجل من بني ضمرة : كان مريضا أخرجوني إلى الروح , فأخرجوه , فمات , فأنزل الله جل وعز فيه: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} إلى آخر الآية, وأنزل في المسلمين الذين كانوا افتتنوا , ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة , ثم تابوا إلى آخر الآية)). [معاني القرآن: 5/213-215]

تفسير قوله تعالى: (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين} [العنكبوت: 11] وهذا علم الفعال.
وهو مثل قوله الأوّل: {فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين} [العنكبوت: 3] وما بعد هذه العشر آياتٍ مكّيٌّ، وهذه العشر مدنيّةٌ نزلت بعدها من هذه السّورة وهي قبل ما بعدها في التّأليف). [تفسير القرآن العظيم: 2/619]

تفسير قوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا} [العنكبوت: 12] الّتي نحن عليها.
{ولنحمل خطاياكم} [العنكبوت: 12] فيما اتّبعتمونا فيه، أي: ما كان فيه من إثمٍ فهو علينا.
وهذا منهم إنكارٌ للبعث والحساب.
[تفسير القرآن العظيم: 2/619]
قال اللّه تبارك وتعالى: {وما هم} [العنكبوت: 12]، يعني: الكفّار.
{بحاملين من خطاياهم} [العنكبوت: 12] المؤمنين.
{من شيءٍ} [العنكبوت: 12] لو اتّبعوهم.
{إنّهم لكاذبون} [العنكبوت: 12] لا يحملون خطاياهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/620]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {اتّبعوا سبيلنا ولنحمل...}

هو أمر فيه , تأويل جزاءٍ، كما أن قوله: {ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم} , نهى فيه تأويل الجزاء, وهو كثير في كلام العرب.
قال الشاعر:
فقلت ادعي وأدع فإنّ أندى = لصوتٍ أن ينادى داعيان
أراد: ادعي ولأدع , فإن أندى؛ فكأنه قال: إن دعوت دعوت.). [معاني القرآن: 2/314]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم }, مجازه: اتبعوا ديننا.). [مجاز القرآن: 2/114]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم مّن شيءٍ إنّهم لكاذبون}
وقال: {ولنحمل خطاياكم} على الأمر , كأنهم أمروا أنفسهم.). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اتّبعوا سبيلنا}, أي: ديننا, {ولنحمل خطاياكم}, أي: لنحمل عنكم ذنوبكم, والواو زائدة.). [تفسير غريب القرآن: 337]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(واو النّسق) قد تزاد حتى يكون الكلام كأنه لا جواب له، كقوله:
[تأويل مشكل القرآن: 252]
{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}. والمعنى: قال لهم خزنتها.
وقوله: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}.
وقوله سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ}.
وكقوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}.
وقوله: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12] أي: لنحمل خطاياكم عنكم.
قال امرؤ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحيِّ وانتحَى = بنا بطن خَبْتٍ ذي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ
أراد انتحى.
وقال آخر:
حتَّى إذا قَمِلَتْ بطونُكم = ورأيتمُ أبناءَكمْ شَبُّوا
وَقَلَبْتمُ ظَهْرَ المجَنِّ لَنَا = إِنَّ اللَّئيمَ العَاجِزَ الخَبُّ
أراد: قلبتم). [تأويل مشكل القرآن: 253-254] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنّهم لكاذبون (12)}
يقرأ {ولنحمل} بسكون اللام وبكسرها, في قوله {ولنحمل}.
وهو أمر في تأويل الشرط والجزاء, والمعنى : إن تتبعوا سبيلنا , حملنا خطاياكم.
والمعنى : إن كان فيه إثم , فنحن نحتمله.
ومعنى {سبيلنا}: الطريق في ديننا الذي نسلكه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لا يحملون شيئا من خطاياهم , فقال:{وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء}
معناه : من شيء يخفف عن المحمول عنه العذاب.). [معاني القرآن: 4/161-162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم}
قال الضحاك : (هؤلاء القادة من المشركين) .
قال مجاهد : (هم مشركو أهل مكة ,قالوا: لمن آمن منهم نحن , وأنتم لا نبعث , فاتبعونا , فإن كان عليكم وزر , فهو علينا) .
قال أبو جعفر : هذا كما تقول: قلدني هذا إن كان فيه وزر , أي : ليس فيه وزر .
قال الفراء : وفيه معنى المجازاة وأنشد:
فقلت ادعي وادع فإن أندى = لصوت أن ينادي داعيان
قال المعنى : ادعي , ولأدع , أي :إن دعوت دعوت
وقوله جل وعز: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء}
المعنى : وما هم بحاملين عنهم شيئا يخفف ثقلهم.). [معاني القرآن: 5/215-216]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وليحملنّ أثقالهم} [العنكبوت: 13]، يعني: آثامهم، آثام أنفسهم {وأثقالا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13] مع آثام أنفسهم يحملون من ذنوب من اتّبعهم على الضّلالة، ولا ينقص ذلك من ذنوب الّذين اتّبعوهم شيئًا.
- أبو الأشهب، عن الحسن، وخالدٍ، عن الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّما داعٍ دعا إلى هدًى، فاتّبع عليه كان له مثل أجر من اتّبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، وأيّما
[تفسير القرآن العظيم: 2/620]
داعٍ دعا إلى ضلالةٍ فاتّبع عليها كان له مثل أوزار من اتّبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا».
الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن أبيه في قوله: {علمت نفسٌ ما قدّمت وأخّرت} [الانفطار: 5] قال: ما قدّمت من خيرٍ وما أخّرت، يعني: ما أخّرت من سنّةٍ صالحةٍ فعمل بها، قال: فإنّ له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيئًا، أو سنّةٍ سيّئةٍ فإنّ عليه مثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئًا.
ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن أبي سلمة، قال: من استنّ سنّةً في الإسلام ثمّ عمل بها، فإنّ له مثل أجور من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعةً في الإسلام فعمل بها، فإنّ عليه مثل أوزار من اتّبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا.
قال: {وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون} [العنكبوت: 13] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/621]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وليحملنّ أثقالهم...}: يعني أوزارهم .

{وأثقالاً مّع أثقالهم}, يقول: أوزار من أضلّوا.). [معاني القرآن: 2/314]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وليحملنّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم }, مجازها: وليحملن أوزارهم , وخطاياهم , وأوزاراً , وخطايا مع أوزارهم , وخطاياهم.
{ عمّا كانوا يفترون }, أي: يكذبون , ويخترعون.). [مجاز القرآن: 2/114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وليحملنّ أثقالهم} : أي : أوزارهم.
{وأثقالًا مع أثقالهم}: أوزارا مع أوزارهم.
قال قتادة: «من دعا قوما إلى ضلالة، فعليه مثل أوزارهم من غير أن ينقض من أوزارهم شيء»). [تفسير غريب القرآن: 337]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] يريد آثامهم). [تأويل مشكل القرآن: 140]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (ثم أعلم أنهم يحملون أثقالهم , أثقالا مع أثقالهم , كما قال عزّ وجلّ:
{ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علم}
فقال في هذه السورة:{وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون (13)}
وجاء في الحديث تفسير هذا أنه من سنّ سنة ظلم، أو من سنّ سنّة سيئة , فعليه إثمها و إثم من عمل بها، ولا ينتقص من أوزار الّذين عملوا بها شيء.
ومن سنّ سنّة حسنة , كان له أجرها , وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة , ولا ينتقص من أجورهم شيء.
وعلى قوله: {علمت نفس ما قدّمت وأخّرت}, أي: علمت ما قدّمت من عمل، وما سنّت من سنة خير أو شرّ، فإن ذلك مما أخّرت.
ويجوز أن يكون {ما قدّمت وأخّرت}: ما قدّمت من عمل , وما أخّرت مما كان يجب أن تقدّمه.
ثم أعلم اللّه عز وجل أنه يوبّخهم فقال: {وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون}, فذلك سؤال توبيخ, كما قال:{وقفوهم إنّهم مسئولون (24)}
فأما سؤال استعلام , فقد أعلم اللّه عزّ وجلّ -أنّه لا يسأل سؤال استعلام في
قوله: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جانّ (39)}. ). [معاني القرآن: 4/162-163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}
قال أبو أمامة الباهلي : (( يؤتى بالرجل يوم القيامة , وهو كثير الحسنات , فلا يزال يقتص منه حتى تفنى حسناته , ثم يطالب , ثم يقول الله جل وعز : اقتصوا من عبدي .
فتقول الملائكة: ما بقيت له حسنات .
فيقول : خذوا من سيئات المظلوم , فاجعلوها عليه
قال أبو أمامة :ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :{وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم }.)).
وقال قتادة في قوله عز وجل: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}, قال : (من دعا إلى ضلالة , كتب عليه وزرها , ووزر من يعمل بها , ولا ينقص ذلك منها شيئا ..)
قال أبو جعفر : وأهل التفسير على أن معنى الآية , كما قال قتادة , ومثله قوله جل وعز: {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} ). [معاني القرآن: 5/216-217]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 رجب 1434هـ/3-06-2013م, 10:15 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) }

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) }

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) }

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 09:26 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 09:27 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 11:49 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين}
قوله تعالى: "وصينا" الآية. روي عن قتادة أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص، وذلك أنه هاجر، فحلفت أمه ألا تستظل بظل حتى يرجع إليها ويكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلج هو في هجرته، ونزلت الآية. وقيل: بل نزلت في عياش بن أبي ربيعة، وذلك أنه اعتراه في دينه نحو من هذا; إذ خدعه أبو جهل لعنة الله عليه ورده إلى أمه .... الحديث في كتاب السيرة. ولا مرية أنها نزلت فيمن كان من المؤمنين بمكة يشقى بجهاد أبويه في شأن الإسلام والهجرة، فكأن القصد بهذه الآية النهي عن طاعة الأبوين في مثل هذا الأمر العظيم، ولما كان بر الوالدين وطاعتهما من الأمر التي قررتها الشريعة وأكدتها، وكان من الأمر القوي الملزم عندهم، قدم تعالى على النهي عن طاعتهما في الشرك بالله قوله: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا}، على معنى: إنا لا نحل عقوق الوالدين، لكنا لا نسلط على طاعة الله تعالى، لا سيما في معنى الإيمان والكفر.
وقوله: "حسنا" يحتمل أن ينتصب على المفعول، وفي ذلك تجوز، ويسهله كونه عاما لمعان، كما تقول: وصيتك خيرا، أو وصيتك شرا، عبر بذلك عن جملة ما قلت له، ويحصن ذلك دون حرف الجر كون حرف الجر في قوله: "بوالديه"; لأن المعنى: ووصينا الإنسان بالحسن في فعله مع والديه، ونظير هذا قول الشاعر:
عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذ يوصينا ... خيرا بها فكأننا جافونا
ويحتمل أن يكون المفعول الثاني في قوله: "بوالديه"، وينتصب "حسنا" بفعل مضمر تقديره: يحسن حسنا، وينتصب انتصاب المصدر، وقرأ عيسى والجحدري: "حسنا" بفتحتين، وقال الجحدري: في الإمام مكتوب: "بوالديه إحسانا"، قال أبو حاتم: يعني كالأحقاف، وقال الثعلبي: في مصحف أبي بن كعب رضي الله عنه: "إحسانا" وقوله تعالى: {إلي مرجعكم} وعيد في طاعة الوالدين في معنى الكفر). [المحرر الوجيز: 6/ 626-628]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم كرر تعالى التمثيل بحالة المؤمنين ليحرك النفوس إلى نيل مراتبهم، وقوله تعالى: {لندخلنهم في الصالحين} مبالغة، على معنى: الذين هم في نهاية الصلاح وأبعد غاياته، وإذا تحصل للمؤمنين هذا الحكم تحصل ثمره، وجزاؤه هو الجنة). [المحرر الوجيز: 6/ 628]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن الناس} الآية إلى قوله: {وليعلمن المنافقين}، نزلت في قوم من المسلمين كانوا بمكة مختفين بإسلامهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما خرج كفار قريش إلى بدر أخرجوا مع أنفسهم طائفة من هؤلاء، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كانوا أصحابنا وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية، قال: فكتب المسلمون لمن بقي بمكة بهذه الآية، وألا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة وردوهم إلى مكة، فنزلت فيهم الآية: {ومن الناس من يقول آمنا بالله} الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك فحزنوا ويئسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}، فكتب المسلمون إليهم بذلك، وأن الله تعالى قد جعل لكم مخرجا فخرجوا، فلحقهم المشركون فقاتلوهم، فنجا من نجا، وقتل من قتل.
وقال ابن زيد: نزل قوله تعالى: {جعل فتنة الناس} في منافقين كفروا لما أوذوا.
وقوله تعالى: {فتنة الناس كعذاب الله} أي: صعب عليه أذى الناس حين صدوه، وكان حقه ألا يلتفت إليه، وأن يصبر عليه في جنب نجاته من عذاب الله تعالى. ثم أزال تعالى موضع تعلقهم ومغالطتهم إن جاء نصر، ثم قررهم على علم الله تعالى بما في صدورهم، أي: لو كان يقينا تاما وإسلاما خالصا لما توقفوا ساعة، ولركبوا كل هول إلى هجرتهم ودار نبيهم.
وقوله تعالى: {وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين}، تفسيره على حد ما تقدم في نظيره.
وهنا انتهى المدني في هذه السورة). [المحرر الوجيز: 6/ 628-629]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين}
روي أن قائل هذه المقالة الوليد بن المغيرة، وقيل: بل كانت شائعة من كفار قريش، قالوا لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم: ادخلوا في أمرنا، وأقروا بآلهتنا واعبدوها، ونحن ليقيننا أنه لا بعث بعد الموت ولا رجوع نضمن لكم حمل خطاياكم، ونحملها عنكم فيما دعوناكم إليه إن كان في ذلك درك كما تزعمون أنتم، وقولهم: "ولنحمل" إخبار أنهم يحملون خطاياهم على جهة التشبيه بالنقل، ولكنهم أخرجوه في صيغة الأمر لأنها أوجب وأشد تأكيدا في نفس السامع من المجازات، وهذا نحو قال الشاعر:
فقلت ادعي وأدع فإن أندى لصوت أن ينادي داعيان
ولكونه خبرا حسن تكذيبهم فيه، فأخبر الله عز وجل أن جميع ذلك باطل، وأنهم لو فعلوه لم يتحمل عن أحد من هؤلاء المغترين بهم شيء من خطاياه التي تختص به.
وقرأ الجمهور: "ولنحمل" بجزم اللام، وقرأ عيسى ونوح القاري: "ولنحمل" بكسر اللام. وقرأ داود بن أبي هند: "من خطيهم" بكسر الياء وفتح الطاء، وحكى عنه أبو عمرو أنه قرأ: "من خطيئاتهم" بكسر الطاء وهمزة وتاء بعد الألف. وقال مجاهد: الحمل هو من الحمالة لا من الحمل على الظهر). [المحرر الوجيز: 6/ 629-630]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عن أولئك الكفرة أنهم يحملون أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم، أي: أثقالا من كفرهم الذي يخترعونه ويتلبسون به، وأثقالا مع أثقالهم يريد: ما يلحقهم من أعوانهم وأتباعهم، فإنه يلحق بكل داع إلى ضلالة كفل منها حسب الحديث المشهور، أيما داع إلى هدى فاتبع عليه فله مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا، وأيما داع دعا إلى ضلالة ..... الحديث.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما كانت مع أثقالهم لكونها بسبب غيرهم وعن غير كفر تلبسوه، فرق بينها وبين أثقالهم، ولم ينسبها إلى غيرهم، بل جعلها في رتبة أخرى فقط، فهم فيها إنما يزرون بوزر أنفسهم، وقد يترتب حمل أثقال الغير بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: فإن لم يبق للظالم أخذ من سيئات المظلوم فاطرح فطرح عليه. وقوله تعالى: "وليسئلن" على جهة التوبيخ والتقريع، لا على جهة الاستفهام والاستعلام، و"يفترون" معناه: يختلقون من الكفر ودعوى الصاحبة والولد وغير ذلك لله عز وجل). [المحرر الوجيز: 6/ 630-631]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 12:52 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 12:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعملون (8) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لندخلنّهم في الصّالحين (9) }
يقول تعالى آمرًا عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحثّ على التّمسّك بتوحيده، فإنّ الوالدين همّا سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق؛ ولهذا قال تعالى: {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانًا إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريمًا، واخفض لهما جناح الذّلّ من الرّحمة وقل ربّي ارحمهما كما ربّياني صغيرًا} [الإسراء: 23، 24].
ومع هذه الوصيّة بالرّأفة والرّحمة والإحسان إليهما، في مقابلة إحسانهما المتقدّم، قال: {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما} أي: وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإيّاك وإيّاهما، لا تطعهما في ذلك، فإنّ مرجعكم إليّ يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، وأحشرك مع الصّالحين لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب النّاس إليهما في الدّنيا، فإنّ المرء إنّما يحشر يوم القيامة مع من أحبّ، أي: حبًّا دينيًّا؛ ولهذا قال: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لندخلنّهم في الصّالحين}.
وقال التّرمذيّ عند تفسير هذه الآية: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ ومحمّد بن المثنّى، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن سماك بن حربٍ قال: سمعت مصعب بن سعدٍ يحدّث عن أبيه سعدٍ، قال: نزلت فيّ أربع آياتٍ. فذكر قصّةً، وقالت أمّ سعدٍ: أليس قد أمرك اللّه بالبرّ؟ واللّه لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتّى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها، فأنزل اللّه {ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك} الآية.
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد، ومسلمٌ، وأبو داود، والنّسائيّ أيضًا، وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ). [تفسير ابن كثير: 6/ 264-265]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين (10) وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين (11) }
يقول تعالى مخبرًا عن صفات قومٍ من [المكذّبين] الّذين يدّعون الإيمان بألسنتهم، ولم يثبت الإيمان في قلوبهم، بأنّهم إذا جاءتهم فتنةٌ ومحنةٌ في الدّنيا، اعتقدوا أنّ هذا من نقمة اللّه تعالى بهم، فارتدّوا عن الإسلام؛ ولهذا قال: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه}.
قال ابن عبّاسٍ: يعني فتنته أن يرتدّ عن دينه إذا أوذي في اللّه. وكذا قال غيره من علماء السّلف. وهذه الآية كقوله تعالى: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} [الحجّ: 11].
ثمّ قال: {ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم} أي: ولئن جاء نصرٌ قريبٌ من ربّك -يا محمّد -وفتحٌ ومغانم، ليقولنّ هؤلاء لكم: إنّا كنّا معكم، أي [كنّا] إخوانكم في الدين، كما قال تعالى: {الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من اللّه قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيبٌ قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين} [النّساء: 141]، وقال تعالى: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين} [المائدة: 52].
وقال تعالى مخبرًا عنهم هاهنا: {ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم}، ثمّ قال تعالى: {أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين} أي: أوليس اللّه بأعلم بما في قلوبهم، وما تكنّه ضمائرهم، وإن أظهروا لكم الموافقة؟). [تفسير ابن كثير: 6/ 265-266]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين} أي: وليختبرنّ اللّه النّاس بالضّرّاء والسّرّاء، ليتميّز هؤلاء من هؤلاء، ومن يطيع اللّه في الضّرّاء والسّرّاء، إنّما يطيعه في حظّ نفسه، كما قال تعالى: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم} [محمّدٍ: 31]، وقال تعالى بعد وقعة أحدٍ، الّتي كان فيها ما كان من الاختبار والامتحان: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} الآية [آل عمران: 179]، [واللّه أعلم]). [تفسير ابن كثير: 6/ 266]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيءٍ إنّهم لكاذبون (12) وليحملنّ أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون (13)}
يقول تعالى مخبرًا عن كفّار قريشٍ: أنّهم قالوا لمن آمن منهم واتّبع الهدى: ارجعوا عن دينكم إلى ديننا، واتّبعوا سبيلنا، {ولنحمل خطاياكم} أي: وآثامكم -إن كانت لكم آثامٌ في ذلك- علينا وفي رقابنا، كما يقول القائل: "افعل هذا وخطيئتك في رقبتي". قال اللّه تكذيبًا لهم: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيءٍ إنّهم لكاذبون} أي: فيما قالوه: إنّهم يحملون عن أولئك خطاياهم، فإنّه لا يحمل أحدٌ وزر أحدٍ، {وإن تدع مثقلةٌ إلى حملها لا يحمل منه شيءٌ ولو كان ذا قربى} [فاطر: 18]، وقال تعالى: {ولا يسأل حميمٌ حميمًا. يبصّرونهم} [المعارج: 10، 11]). [تفسير ابن كثير: 6/ 266]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}: إخبارٌ عن الدّعاة إلى الكفر والضّلالة، أنّهم يوم القيامة يحملون أوزار أنفسهم، وأوزارًا أخر بسبب من أضلّوا من النّاس، من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئًا، كما قال تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علمٍ ألا ساء ما يزرون} [النّحل: 25].
وفي الصّحيح: "من دعا إلى هديٍ كان له من الأجر مثل أجور من اتّبعه إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من اتّبعه إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من آثامهم شيئًا" وفي الصّحيح: "ما قتلت نفسٌ ظلمًا إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفلٌ من دمها؛ لأنّه أوّل من سنّ القتل".
وقوله: {وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون} أي: يكذبون ويختلقون من البهتان.
وقد ذكر ابن أبي حاتمٍ هاهنا حديثًا فقال: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا صدقة، حدّثنا عثمان بن حفص بن أبي العالية، حدّثني سليمان بن حبيبٍ المحاربيّ عن أبي أمامة، رضي اللّه عنه، قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلّغ ما أرسل به، ثمّ قال: "إيّاكم والظّلم، فإنّ اللّه يعزم يوم القيامة فيقول: وعزّتي لا يجوزني اليوم ظلمٌ! ثمّ ينادي منادٍ فيقول: أين فلان ابن فلانٍ؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال، فيشخص النّاس إليها أبصارهم حتّى يقوم بين يدي اللّه الرّحمن عزّ وجلّ ثمّ يأمر المنادي فينادي من كانت له تباعة -أو: ظلامة -عند فلان ابن فلانٍ، فهلمّ. فيقبلون حتّى يجتمعوا قيامًا بين يدي الرّحمن، فيقول الرّحمن: اقضوا عن عبدي. فيقولون: كيف نقضي عنه؟ فيقول لهم: خذوا لهم من حسناته. فلا يزالون يأخذون منها حتّى لا يبقى له حسنةٌ، وقد بقي من أصحاب الظّلامات، فيقول: اقضوا عن عبدي. فيقولون: لم يبق له حسنةٌ. فيقول: خذوا من سيّئاتهم فاحملوها عليه". ثمّ نزع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بهذه الآية الكريمة: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون}.
وهذا الحديث له شاهدٌ في الصّحيح من غير هذا الوجه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن أبي الحواريّ، حدّثنا أبو بشرٍ الحذّاء، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن معاذ بن جبلٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا معاذ، إنّ المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه، حتّى عن كحل عينيه، وعن فتات الطّينة بأصبعيه، فلا ألفينّك تأتي يوم القيامة وأحدٌ أسعد بما آتاك اللّه منك"). [تفسير ابن كثير: 6/ 266-267]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة