العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم اللغة > جمهرة معاني الحرف وأسماء الأفعال والضمائر والظروف > جمهرة معاني الحروف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:35 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (تَفْسِيرُ "النُّونَاتِ"
وهي عشرة:
1- "نون" سنخية.
2- و"نون" إضمار جمع المؤنث.
3- و"نون" الإعراب.
4- و"نون" الكناية.
5- "نون" زائدة في أول الفعل.
6- و"نون" الاثنين.
7- و"نون" الجمع.
8- و"نون" زائدة في الاسم.
9- و"نون" التأكيد.
10- و"نون" الصرف). [المحلى: 298]

1- "النون" السنخية
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): ("فالنون" السنخية مثل: المساكين والدهاقين). [المحلى: 299]
2- "نون" إضمار جمع المؤنث
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"نون" إضمار جمع المؤنث قوله تعالى: {إلا أن يعفون}، فجعل "النون" ضمير جمع المؤنث في «يعفون»). [المحلى: 299]
3- "نون" الإعراب
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"نون" الإعراب، نحو: يخرجانِ ويخرجونَ ويكرمونَ، علامة الرفع في ذلك إثبات "النون" وتحذها عند الجزم والنصب: لم يخرجا، و: لم يخرجوا، و: لن تخرجا، و: لن تخرجوا). [المحلى: 299]
4- "نون" الكناية
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"نون" الكناية، نحو: أخرجني، ضربني زيدٌ، "فالياء" اسم مكنى، و"النون" أدخلت لتبقى الفعل على فتحته). [المحلى: 299]
5- "النون" الزائدة في أول الفعل
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"النون" الزائدة في أول الفعل، نحو: نقوم ونقعد). [المحلى: 300]
6- "نون" الاثنين
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"نون" الاثنين، نحو قولك: الزيدان). [المحلى: 300]
7- "نون" الجمع
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"نون" الجمع، نحو قولك: الزيدون). [المحلى: 300]
8- "النون" الزائدة في الاسم
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"النون" الزائدة في الاسم، نحو قولك: رجل رعشن، من الرعشة، و: ضيفن). [المحلى: 300]
9- "نون" التأكيد
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"نون" التأكيد، نحو: اضربن زيدًا، و: اضربن، أيضًا بالتشديد – فإن لقي الخفيفة ساكنة حذفتها لالتقاء الساكنين، ولم تحرك كما تحرك التنوين.
كما قال الشاعر:
ولا تهين الفقير علك أن ...... تركع يومًا والدهر قد رفعه
وتقول على هذا: اضرب الرجل، أي: اضربن، فتحذف "النون" لالتقاء الساكنين). [المحلى: 301]
10- "نون" الصرف
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"نون" الصرف، نحو: رأيت زيدًا، يا هذا، ويسمى تنوينًا، وهي "نون" خفيفة في الحقيقة، وتحرك إذا لقيها ساكن، نحو جاءني زيدٌ اليوم). [المحلى: 301]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:37 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني (ت: 388هـ): ("النونات"
و"النونات" ثمان، وهي:
1 - "نون" الرّفع: وتكون في ثلاثة أشياء، وهي: يفعلان، ويفعلون، وتفعلين، وسقوطها علامة النصب والجزم، نحو: لن يفعلا، ولن يفعلوا، ولن تفعلي، وفي الجزم: لم يفعلا، ولم يفعلوا، ولم تفعلي.
2 - و"نون" التّثنية: نحو: الزيدان والغلامان، تسقط في الإضافة، وتثبت مع "الألف" و"اللّام" مكسورة لالتقاء الساكنين، فتقول: غلاما زيد وصاحبا عمرو، فتسقطهما للإضافة.
3 - و"نون" الجمع: نحو: المسلمون والصالحون والزيدون، وهي مفتوحة أبدا؛ لأن ما قبلها "واو" مضموم ما قبلها، أو "ياء" مكسور ما قبلها فتحوها استثقالا للكسر فيها، وهي تسقط في الإضافة كما تسقط "نون" التّثنية، نحو: مسلموك وصالحوك.
4 - و"نون" التوكيد: نحو: اضربن زيدا مخفّفة، واضربن زيدا مشدّدة، فإذا لقي المخففة ساكن حذفت لالتقاء الساكنين، ولم تحرّك كما يحرك التّنوين، كما قال الشّاعر:
لا تهين الفقير علك أن تركع ... يومًا والدهر قد رفعه
وتقول على هذه: اضرب الرجل، تريد اضربن، فتحذف لالتقاء الساكنين، والمشددة تثبت على كل حال لأنّها متحركة.
5 - "نون" الصّرف: نحو قولك: رأيت زيدا هذا، وتسمى تنوينا، وهي "نون" خفيفة في الحقيقة، وتحرك إذا لقيها ساكن، نحو: جاءني زيد اليوم، فحركتها بالكسر لالتقاء الساكنين، وتحسب في وزن الشّعر حرفا كسائر حروف المعجم.
6 - و"النّون" المضارعة لألفي التّأنيث: وتكون في شيئين في: فعلان وفعلى، نحو: غضبان وغضبى، وسكران وسكرى، وعطشان وعطشى، وفي التّعريف نحو: عثمان وحسان وما أشبه ذلك، وإنّما ضارعت "ألفي" التّأنيث، نحو: حمراء وصفراء؛ لأنّها تمتنع عليها "هاء" التّأنيث، كما تمتنع على حمراء وصفراء، فلا يجوز غضبانة ولا عثمانة، فأما امتناع غضبانة، فلأن مؤنّثة غضبى، وأما امتناع عثمانة، فلأنّه علم خاص، فأما ندمان "فالألف" و"النّون" فيه ليست بمضارعة؛ لأنّه يجوز فيه ندمانة، وكذلك عريان وعريانة.
وأن سميت ب ندمان فلم ينصرف؛ لأن "الألف" و"النّون" حينئذٍ يضارع التّأنيث، وأما قبل ذلك فينصرف، وإن كان صفة لأن "الألف" و"النّون" لا تضارعان التّأنيث.
7 - و"النّون" الأصليّة: نحو: حسن وقطن وعدن وما أشبه ذلك، ويجري عليها الإعراب كما يجري على "دال" زيد.
8 - و"النّون" الزّائدة في حشو الكلمة: نحو: رعشن من الرعشة، وضيفن وهو الّذي يجيء مع الضّيف، فهي وإن كانت زائدة يجري عليها من الإعراب كما يجري على الأصليّة؛ لأنّها ملحقة ب جعفر).[منازل الحروف: 30 - 32]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:39 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب "النون"
باب "النون" المفردة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ):(باب "النون"
اعلم أن "النون" جاءت مفردةً ومركبة مع غيرها من الحروف.

باب "النون" المفردة
اعلم أنها تنقسم قسمين: قسمٌ هي في صيغة الكلمة وقسمٌ هي زائدةٌ على صيغة الكلمة.
القسم التي في صيغة الكلمة لها موضعان:
الموضع الأول: أن تكون لاحقة للمضارعة في الفعل الذي يشبه الاسم بها قياسًا نحو: نضربُ ونخرج ونعلمُ ونستخرج وننطلق وشبه ذلك من الأفعال، وقد تقدم في باب
"الهمزة" معنى المضارعة في هذا الفعل للاسم فلا نعيده.
واعلم أن
"النون" المذكورة في هذا الفعل تدل على الاثنين المتكلمين مذكرين أو مؤنثين، أو أحدهما مذكرٌ والآخر مؤنثٌ، نحو أن يقول المذكرُ: «أنا وزيد نخرج»، والمذكر والمؤنث: «أنا وهند نخرج»، ومنه قول الشاعر:
خرجتُ بها تمشي تَجُرُّ وراءنا ..... على أثرينا ذيل مرطٍ مُرحل
وتدل على الجماعة المتكلمين ذكورًا كانوا أو إناثًا، أو فيهم ذكر وأنثى نحو أن يقول المذكر: أنا وزيدٌ وعمروٌ نخرجُ، أو نحن نخرجُ، وكذلك المؤنثان والمذكر والمذكر والمؤنثان أو بالعكس، وتدلُّ على الواحد المعظم نفسه، كما قال تعالى {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} و{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}، وإنما دلت على المعظم نفسه وهو واحدٌ، لأن المعظم نفسه في حكم الجماعة لنفوذ أمره أو .....، ولأن ما يفعل بغيره فمن دون يوافق عليه تمشية أو بالقهر.
وإنما زيدت هذه
"النون" للمضارعة كما زيدت "الياء" لأنها تُشبه حروف العلة، أو تُبدل من بعضها - "الواو" و"الياء" – بالإدغام في نحو: من وال ومن يفعل، وتبدل "الألف" منها في الوقف في نحو: «لَنَسْفَعًا» و«لَيَكُونًا» في: لنسفعن، وليكونن، ويعرب بها كما يعرب بحروف العلة.
الموضع الثاني: أن تكون في بنية الكلمة من لفظها، فيوقف فيها مع السماع، ولا تُعلل لأنها مبدأ لغةٍ، فتكون في الكلمة أولًا في نفرجة كما قالوا:
نفرجةُ القلب قليلُ النيل ..... يمشي عليه النيدلان بالليل
و «نفرجة» من الفرج وهو الكشف، ويقال ذلك لكل من لا يكتم سرًا، فكانه يُفرج عنه ويظهره.
وفي «نخاريب» من الخراب، و«نفاطير» من الفطر وهو القطع و«نباذير» من البذر وهو التفريق، و«نبراس» من الفتيل من القطن لأن البرس القطن.
وتُزاد ثانيةً في «قنعاس» من القعس وهو خروج الصدر ودخول الظهر، وفي «قنفخر» لأن أصله قفخر فوزنه، فنعلل.
وتُزاد ثالثةً في «جحنفل» وهو العظيم الجحفلة وهي الشفة من ذوات الحافر، وكذلك «عبنبل» من العبل وهو الغلظ.
وتُزاد رابعةً في «ضيفن» و«رعشن» لأنهما من الضيافة والارتعاش، وفي «خلفنة» و«عرضنة» من الخلف والعرض.
وتزاد خامسةً في نحو: غضبان وسكران لأنهما من الغضب والسكر.
وتزاد سادسة في «زعفران» و«عقربان» لأنك تقول: زعفرته وعقرب.
وتُزاد سابعة في نحو: «عُريقصان» و«عبثيران» و«قرعلانه»، لأن الكلمة قد طالت.
وفي الأفعال في: انفعل وما تصرفت منها نحو: انطلق انطلاقًا فهو منطلق ومنطلق به، وفي افعنلل وما تصرف منه، نحو: اقعنسس، ويقعنسس اقعناسًا فهو مقعنسس، فهو من القعس وطلق، فاعلمه.
القسم الثاني: الزائدة على صيغة الكلمة لها ستة مواضع.
الموضع الأول: أن تكون علامة لجماعة المؤنث لاحقة للفعل الماضي والمضارع إذا تقدم واحدٌ منهما على الفاعل إن كان الفعل له، نحو: ضربن الهندات، أو يضربن الهنداتُ، أو المفعول الذي لم يُسم فاعله، نحو: ضُربن الهندات، فتكون إذ ذاك حرفًا
"كتاء" التأنيث في نحو: قامت هند، وضربت فاطمة، إلا أنها لا تلزم "كالتاء"، بل يجوز، قام الهندات وضُرب الهندات وتقوم الهندات وتُضرب الهندات، وفي اللغة [هي] الكثيرة، والقليل ثباتُها، كقول الشاعر:
ولكن ديافيُّ أبوه وأمه ..... بحوران يعصرن السليط أقاربه
فإذا تأخرت مع الفعل عن الاسم فهي اسمٌ، كقولك: الهندات قمن والهندات ضُربن، والهندات يقمن، والهندات يُضربن، وقد تقدم في "الألف" و"الواو" و"الياء" في باب "الألف"، وفي هذا الموضع ما يغني عن إعادته هنا لأن الحكم والخلاف والرد في الموضعين واحد، فأعد النظر إليه هناك.
إلا أن هذه
"النون" اختلف: هل الفعل المضارع معربٌ معها أو مبني؟ فسيبويه وأكثر النحويين يذهبون إلى أنه معها مبنيٌ وإن كان مضارعًا لشبه المضارع الفرع في الإعراب الماضي الأصل في البناء، فما حكمت على الماضي ببنائه مع التسكين في نحو «ضربن»، كذلك يُحكم في بنائه مع التسكين في نحو: يضربن لأن الشبه قد وقع بينهما بالتسكين فحمل الفرع على الأصل فبُني.
والأخفشُ وبعضُ المتأخرين يذهبون إلى أنه معربٌ معها، لأن المضارعة التي أوجبت له الإعراب موجودةٌ فيه، وإنما التسكين في آخر الفعل لكونه معه كالكلمة الواحدة واجتماع المتحركات في اللفظ أو في الأصل.
والصحيحُ مذهب سيبويه لوجهين:

أحدهما: أن الفرع يُحمل على الأصل في كلام العرب، ألا ترى أن ما لا ينصرف لما شبه الفعل من وجهين من موانع الصرف خرج بهما عن تمكن الأسماء فمنع من الصرف، [وامتنع] دخول التنوين والكسرة في حال الخفض، فإذا دخل عليه "الألف" و"اللام" أو أضيف إليه انصرف، نحو: الأحمر والحمراء وأحمركم وحمرائكم، في: أحمر وحمراء، وإنما ذلك لشبهه بالأصل الذي هو الاسمُ المتمكن، وإن كان فيه علتا الصرف المشبه بهما للفعل الذي مُنع بهما من الصرف، فهذا وجهٌ.
ووجه ثان: وهو أن الفعل المضارع لو كان معربًا معها لجاز أن يُحذف حرفُ العلة في الجزم في نحو قولك: لم يغُزْنَ النساءُ في «يغْزون» ولم يعُفن النساء في يعفون ولم يكن ذلك، فصح قول سيبويه وبطل قول الأخفش وبالله التوفيق.
والموضع الثاني: أن تكون توكيدًا للفعل، مخففة ومثقلة، والمثقلة أشد أشد توكيدا من المخففة لتكرير
"النون" فيها، ومدخلها أبدًا في فعل الطلب وجواب القسم من بين مواضع الأفعال، وكذلك في الشرط بـ "إن"، إذا كان معها [ما] فتقول في الطلب: اضربن ولا تضربن، وهل تضربن، بتخفيف "النون" وتشديدها، وتقول في جواب القسم: والله لتضربن زيدًا، "بالنون" الخفيفة والشديدة، وفي الشرط: «إما تقومن أقم»، "بنونٍ" خفيفةٍ وشديدةٍ أيضًا، قال الله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، وقال تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا}، وقال تعالى: {لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}، و{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}، وقال الشاعر:
.... .... .... .... ..... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
أراد: «فاعبدن» فوقف على "الألف"، وقال آخر:
ليت شعري هل ثم هل آتينهم ..... أو يحولن من دون ذاك الردى
والدعاءُ والتحضيض والعرضُ يجري بإلحاق "النون" في فعلها ذلك المجرى في نحو: اغفرن لزيدٍ، وهلا تضرب، ولا يجوز أن تدخل في غير ذلك من الأفعال، فإن جاء منه شيءٌ يوقف فيه مع السماع، فمما جاء منه قولهم: «في عضةٍ ما ينبتن سكيرها»، قال الشاعر:
يحسبه الجاهل ما لم يعلما ..... شيخًا على كرسيه معمما
وقال آخر:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ..... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
أراد: «تأججن» على أحد الاحتمالات في البيت، وأبدل "النون" "ألفًا" في الوقف، وقيل: أراد: تأجج، فذكر لفظ النار لأنها مؤنث غير حقيقي، وقيل: أراد «تأجج» إخبارًا عن الحطب، وكل ذلك محتملٌ ضعيفٌ.
وقد ألحقوها إذا دخلت على الفعل «قلما» أو «كثرما» أو «ربما» ومن ذلك قوله:
رُبَّما أوفيتُ في علمٍ ..... ترفعن ثوبي شمالاتُ
وقد ألحقوها في الفعل بعد "ما" الزائدة كقولهم: بجهدٍ ما أرينك.
و «بألمٍ
"ما" تحتننه»، ولا يُقاس على ذلك لشذوذه في السماع، وهو في الأول قياسٌ لكثرته، ولا سيما في الطلب لإرادة الجزم فيه فؤكد.
واعلم أن النحويين قد اختلفوا في الفعل الذي تدخلان عليه إذا كان مضارعًا هل هو مبني معها أو معرب؟ فمنهم من قال: إنه معربٌ لبقاء لفظ المضارعة للمعرب، وبسببها كان، لمفردٍ أو تثنية أو جمع، ومنهم من قال: إنه مبني معها للتركيب، لأن كل شيئين جعلا شيئًا واحدًا يبنيان، كبعلبك ورام هرمز وابن أم، كقول الشاعر:
أثورما أصيدكم أم ثورين ..... .... .... .... ....
بفتح "راء" «ثور».
ومنه من قال من المتأخرين: إنه إن كان للمفرد فهو مبنيٌّ نحو: هل تضربن يا زيد عمرًا، وإن كان من الخمسة الأمثلة بقي معربًا، لأنه تركيب شيئين، والبناء بسبب ذلك موجودٌ كما تقدم، والخمسة الأمثلة مركباتٌ من الفعل والفاعل، أو المفعول الذي لم يسم فاعله، و
"نون" الإعراب، فإذا زادت "نون" التوكيد فصار أربعة أشياء مركبة تركيبًا واحدًا، وذلك غير موجود في العربية، فيحكم عليها بالإعراب، وتحذف "النون" لاجتماع "النونين" في الخفيفة و"النونات" في الشديدة، وتحذف حروف العلة لالتقاء الساكنين، فلذلك تقول: يا زيدان
لا تضربان، ويا زيدون لا تضربن، وتبقى الحركات في الحروف التي قبل حروف العلة دليلًا على المحذوف.
والصحيح أنها يُعرب معها الفعل على اختلاف أنواعه: لمذكرٍ أو مؤنثٍ مفردٍ أو جمعٍ، لأن لفظ المضارعة باقٍ في الفعل، وتركيبُ الفعل ليس بموجب بناءٍ بخلاف تركيب الاسم، لأن الاسمين يجعلان اسمًا واحدًا في المعنى يدلان على معنًى واحدٍ بخلاف تركيب هذا الفعل فإن التوكيد
"للنونين" باقٍ فيهما، ولحقت الفعل دلالة عليه فيه، فلا موجب لبناءٍ هنا، ولكن تختلفُ أواخر الفعل معها: بالفتح دلالةً على المفرد لأنه أخفُّ الحركات، وبالكسر دلالةً على التأنيث التي هي "الياء" والمجانسة لها، والضم في الجمع دلالة على "الواو" المحذوفة.
إلا أن
"النون" الخفيفة لا تدخل في فعل الاثنين، وفي فعل [الشديدة في] جماعة المؤنث لما يلزم من التقاء الساكنين، ولا يجتمعان، وإذا دخلت المشددة في فعل الاثنين ظهرت "الألف"، نحو: لا تضربان زيدًا، وإذا دخلت المشددة في فعل جماعة المؤنث ألحقت بينها وبين "نون" الجماعة "ألفًا" لأجل التقاء الساكنين، نحو: يا هندات لا تضربنان زيدًا.
واعلم أن الفعل المعتل الآخر للعرب فيه وجهان: منهم من يحذف حرف العلة فيقول: لا تخشن، ولا ترمن، ولا تغزن، في: تخشى وترمي وتغزو، ومنهم من يفتحها فيقول: لا تخشين ولا تغزون ولا ترمين، ومنه قوله:
استقدر الله خيرًا وارضين به ..... فبينما العُسر إذ جاءت مياسير
وهذه اللغة أكثرُ وأقيس.
الموضع الثالث: أن تكون علامة الرفع في كل فعلٍ لحقه ضميرُ التثنية أو علامتها، وهو "الألف"، وضمير الجماعة المذكرين في الأصل أو علامتهم، وهو "الواو"، وضمير الواحدة المؤنثة من المخاطبة، وهو "الياء"، وكان ذلك الفعل مضارعًا، نحو: الزيدان يضربان، والزيدون يضربون، ويضربون الزيدون، وانت يا هند تضربين زيدًا.
فإذا تقدمت "الألفُ" أو "الواوُ" على الأسماء فهي علامةٌ، وإذا تأخرتا – أو "الياء" – فهي ضميرٌ، وقد بين ذلك في باب "الألف".
"فالنون" في جميع هذه علامةُ إعراب، حرفٌ عند جميع النحويين إلا السهيلي أبا زيدٍ فإنه يرى الإعراب مقدرًا في آخر الفعل في جميع ذلك كله، كما هي مقدَّرٌ في الحرف الذي قبل "ياء" المتكلم في حال الرفع والنصب، نحو: جاء غلامي ورأيت غلامي، واحتج لذلك بأشياء لا تطردُ على أُصول النحويين، ولولا الإطالة في إيرادها والردُّ عليها لذكرتها، لكن من أراد التطلع عليها فلينظرها في كتابه في شرح الجمل، وله في الكتاب المذكور أشياء خرج بها عن مقاييس العربية أداة نظره إلى ذكرها.
والذي يدل على أن
"النون" علامةُ إعرابٍ حذفها في النصب والجزم إذا قيل: لم يفعلا ولن يفعلا، ولن يفعلوا ولم تفعلوا، ولم تفعلي ولن تفعلي، ولما كان الفعل قد اتصل بالفاعل وصار معه كالكلمة الواحدة – بدليل تسكين آخره معه في نحو: ضربن وضربت وضربنا – جُعل الإعرابُ بعدهما وكان "نونًا" دون غيرها لأنها أختُ حروف العلة في اشياء قد ذُكرت قبل، وحُركت لالتقائها ساكنةً وهي وما قبلها، وكسرت على أصل التقاء الساكنين مع "الألف"، وفُتحت مع "الواو" و"الياء" طلبًا للتخفيف مع ثقل "الواو" وخفة "الألف" لضربٍ من المعادلة، وثبتت في الرفع لأنه أولُ مراتب الإعراب فلابد لك من علامةٍ ثابتةٍ فيه، [و] حُذفت في الجزم كما تحذف الحركة لأنها مثلها في الإعراب وحمل النصب على الجزم، لأنه مختصٌ بالفعل الذي هي فيه، ولم يحمل على الرفع لأن الاسم والفعل يشتركان [فيه].
الموضع الرابع: أن تكون لاحقةً في آخر المثنى والمجموع جمع السلامة من المذكرين العاقلين أو ما جرى مجراهم، نحو الزيدان والزيدين، والزيدون والزيدين، وذلك لتدل على كمال الاسم وأنه منفصلٌ مما بعده، كما فُعل بالتنوين، إلا أنها حُذفت مع الإضافة لأنهما يتضادان، إذ الإضافة دليل الاتصال و
"النون" دليل الانفصال، وثبتت مع "الألف" و"اللام" لكونها قويت بالحركة، وأنها ليست كالتنوين في الدلالة على التنكير والانصراف والإعراب، ألا ترى أنها تكون في الاسم الذي لا ينصرف نحو: أحمرين وأحمدين، وفي الاسم العلم
نحو الزيدين، وفي المبني نحو: اللذان واللذين، فهذا كله يقوي أنها ليست كالتنوين في تلك الأوجه، وإن كانت مثله في الدلالة على تمام الكلمة وانفصالها مما بعدها.
على أن في لحاقها حيث ذُكر، خلافًا للنحويين: فمنهم من يقول: إنها عوضٌ من الحركة وحدها إطلاقًا، ومنهم من يقول: إنها عوضٌ من التنوين إطلاقًا، ومنهم من يقول: إنها عوضٌ من الحركمة في موضعٍ ومن التنوين في موضع، ومنهم من يقول: إنها عوضٌ من الحركة والتنوين معًا في موضع، ومن الحركة وحدها في موضعٍ، ومن التنوين وحده في موضعٍ، ومنهم من يقول إنها للفرق بين المفرد الموقوف عليه والمثنى، وهو قول الفراء، وهو أشدها فسادًا، ولكل قائلٍ متعلقٌ يطول بسطه.
والذي يظهر لي بعد البحث أنها ليست عوضًا من شيءٍ، وإنما معناها في الكلمة ما ذكرتُ لك، وإذا تحققت كلام سيبويه رحمه الله علمت أنها ليست عنده عوضًا من شيء، لأنه قال: كأنها عوضٌ، ولم يقل إنها عرضٌ، فتفهمه تجد كما ذكرت لك.
وحكم هذه
"النون" في علة الزيادة وتحريكها وفتحها وكسرها حكمُ "النون" في الموضع قبلها.
واعلم أنه يجوز حذف هذه
"النون" لتقدير الإضافة، كما يجوز حذفها للإضافة كقوله:
يا من رأى عارضًا أرقتُ له ..... بين ذراعي وجبهةِ الأسد
أي: بين ذراعي الأسد وجبهته:
ويجوز حذفها لطول الكلام – تخفيفًا – من اسم الفاعل والصفة المشبهة به، نحو: الضاربو زيدًا الحنو الوجه، كما قال الشاعر:
الحافظو عورة العشيرةِ لا ..... يأتيهم من ورائنا وكفُ
وقرئ في الشاذ: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ} بنصب «الْعَذَابِ» و«الْأَلِيمِ»، ومن الموصول، لذلك أيضًا، كقوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}، وقول الشاعر:
أبني كُليب إن عمي اللذا ..... قتلا الملو وفككا الأغلالا
وقول الآخر:
وإن الذي حانت بفلجٍ دماؤهم ..... هم القوم كل القوم يا أم خالدِ
وقوله:
.... .... .... .... ..... إلا الذي شدوا بأطراف المسد
ويجوز حذفها للضرورة في الشعر كقول الآخر:
هما خطتا: إما إسارٌ ومنَّةٌ ..... وإما دمٌ، والموتُ بالحرِّ أجدرُ
وقال آخر:
لها متنتان خظاتا كما ..... أكب على ساعديه النمر
أراد الأول: «خُطتان»، وأراد الثاني: «حظاتان»، وكذلك عند بعضهم قوله:
قد سالم الحياتُ منه القدما ..... .... .... .... ....
أراد: القدمان، وأما قوله:
يا حبذا عينا سُليمى والفما ..... .... .... .... ....
فقال بعضهم: أراد الفمان، أراد الشفتين، وقال بعضهم: هو منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ كأنه قال: وأحبُّ الفما أو أمدحُ الفما وهو الأحسن، وقال بعضهم: أراد الأنف والفما، فثناهما بالتغليب لقرب ما بينهما وتلازمهما، كما قالوا: القمران في الشمس والقمر، ثم حذفت "النون" ضرورةً، وهذان تكلفان لا يُحتاج إليهما، والقول الثاني أجرى على الأصول من القولين الأول والآخر، فاعرف ذلك وبالله التوفيق.
الموضع الخامس: أن تكون تنوينًا، وهو: «"نونٌ" ساكنةٌ زائدةٌ بعد تمام الكلمة، تلحقُ في غير الشعر، لفظًا لا خطًا ووصلًا، وفي الشعر وقفًا»، فقولنا: "نونٌ" احترازًا من غيرها من الحروف، وقولنا: «ساكنةٌ» احترازًا من «متحركة» نحو:
"نون" رعشن وضيفن، وقولنا: «زائدةٌ» احترازًا من الأصلية نحو "نون": عنبر، وقلنا: «بعد تمام الكلمة»، احترازًا من "نون" منطلق وحبنطي، وقلنا: «في [غير] الشعر لفظًا لا خطًا» لأنها يُنطق بها ولا تثبتُ في الكتب، وقلنا: «ووصلًا» احترازًا من الوقف لأنها تسقط فيه، وقلنا: «وفي الشعر وقفًا» نعني به تنوين الترنم، فإنه يكون في القافية إذ وقف عليها، وهي حرفُ غنةٍ في الخيشوم لسكونها.
ومن أحكامها العامة لجميع مواضعها أنها تظهر عند حروف الحلق: "الهمزة" و"الهاء" و"العين" و"الغين" و"الحاء" و"الخاء"، نحو: عليم أنت، وعليم هاد، وعليم عفو، وعليم غفور، وعليم حكيم، وعليم خبير، وتُدغم عند حروف يرملون: "الياء" و"الراء" و"الميم" و"اللام" و"الواو" و"النون"، إلا أنها بغنةٍ في "الياء" و"الواو" و"الميم" و"النون"، وبغيرها في "الراء" و"اللام"، نحو: عليمٌ يقول، وعليمٌ رحيمٌ، وعليمٌ مبينٌ، وعليمٌ لكم، وعليمٌ وهاب، وعليمٌ ناصر، وتقلبُ "ميمًا" بغنتها مع "الباء"، نحو: {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، وتخفى في سائر حروف المعجم فلا تكون إلا غنة لا غيرُ، فإذا ثبت هذا فإن مواضعها في الكلمة خمسةُ معانٍ:
الأول: أن تكون في الاسم المتمكن الأمكن، للفرق بين المنصرف وغير المنصرف، نحو: زيدٌ، فرقًا بينه وبين عمر وأحمر وشبههما من الأسماء التي لا تنصرف، وتحقيقُ ذلك أنها تدل على كمال الكلمة وانفصالها مما بعدها، لا يصح إضافتها أبدًا معها، وإنما ذلك لأنها دليلُ الانفصال مما بعدها، لا يصح إضافتها أبدًا معها، وإنما ذلك لأنها دليلُ الانفصال، والإضافة دليل الاتصال فتناقضا، وهذا الحكمُ جامعٌ لها في جميع مواقعها، مع معنى آخر يختص به في كل موقعٍ، فإذا قال القائل: رأيتُ أحمد، عُلم أنه واحدٌ بعينه، وإذا قال: رأيت أحمدً عُلم أنه واحدٌ جملة الأحامد غيرُ معلومٍ، فلهذا وضع لهذا التنوين.
الثاني: أن تكون في الاسم المبني دلالة على التنكير نحو: سيبويهٍ وعمرويهٍ ونفطويهٍ و"إيهٍ" و"إيهًا" و"مهٍ" و"صهٍ" ونحو ذلك، فهذه الألفاظُ إذا كانت بغير تنوين فهي معارفُ إما اسمًا لأشخاصٍ، وإما لمعانٍ معلومةٍ، فإذا أنكرت واحدً منها ولم ترده لمعلومٍ نونت دلالةً على ذلك، فإذا قلت: رأيتُ سيبويه بغير تنوينٍ فهو لمعروفٍ، وإذا قلت: سيبويهٍ بالتنوين فهو لغير معلومٍ، وكذلك: عمرويه ونفطويه، وإذا قلت: "إيه" و"مه" و"صه" بغير تنوينٍ فهو في معنى معروفٍ من حديثٍ معلومٍ، أو كفٍ معلومٍ، أو سكوتٍ معلومٍ، قال ذو الرمة:
وقفنا فقلنا: إيه عن أم سالمٍ ..... وما بالُ تسليم الديار البلاقع
بغير تنوين، لأنه أراد حديثًا معلومًا، وإذا "نون" ذلك أريد به حديثُ غير معلومٍ وكفٌ غيرُ معلومٍ وسكوتٌ غيرُ معلومٍ.
فهذا التنوين في هذه الأسماء تنوينٌ تنكيرٍ ولا يكونُ إلا في المبنيات كما ذُكر، ويُكسر الحرف الذي قبله إن كان مبنيًا على السكون كـ "مهٍ" و"صهٍ" لالتقاء الساكنين، وإن كان قبله متحركٌ بقي على صورته نحو: غاقٍ وإيهٍ، وقد حكى الجرمي في «سيبويه» وأمثاله الإعراب والتثنية والجمع، وهو قليلٌ لا يُقاس عليه.
الثالث: أن يكون في الجمع المؤنث السالم مقابلًا
"للنون" في جمع المذكر السالم نحو: فاطماتٌ وعائشاتٌ، يقابل: الزيدين والعمرين، لأن ذلك الجمع نظيرُ هذا في السلامة، وفي زيادتين في آخره مثله، وإذ "التاء" تدلُّ على التأنيث كما أن "الواو" تدل على التذكير، والكسرة في "التاء" "كالياء" في المذكر في حال النصب والخفض، فلذلك قيل في تنوينه إنه وُضع للمقابلة "للنون" المذكورة.
إلا أن هذه المقابلة لا تتبين قط إلا [إذا] كان الجمع المؤنث معرفةً بالعلمية، فكان ينبغي أن يُمنع من الصرف للتأنيث والتعريف، نحو: «أذرعاتٍ» لموضعٍ معلومٍ في قول امرئ القيس:
تنورتها من أذرعاتٍ وأهلها ..... بيثرب أدنى دارها نظرٌ عالي
و «عرفاتٍ» في قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}، فلما نون هذان الاسمان مع وجود ما يمنع الصرف فيه، علمنا أن تنوينه ليس بتنوين تمكنٍ، وإنما هو تنوين مقابلةٍ "للنون" كما ذُكر، وتبعت الكسرة التنوين في الإثبات، لأن صورته صورةُ تنوين التمكين، ولذلك حُذفت مع التنوين فيما، [و] قد رُوي «من أذرعات»، وقد قرئ في الشاذ: «مِنْ عَرَفَاتَ» للاعتداد بالعتين المانعتين من الصرف.
فأما نحو: «مسلماتٍ وقانتاتٍ» من الأسماء النكرات فينبغي أن يُحمل تنوينه على أنه الذي للتمكن، لأنه أحوجُ إليه من تنوين المقابلة، لدلالته على التمكن والانتقال، والفرق بين المنصرف غيره، واتفق معه إن كانت فيه مقابلةٌ، لا أنها خاصةٌ بالموضع كالتي في «أذرعات» و«عرفات» فاعلم ذلك فلم أقف على تنبيهٍ عليه لأحدٍ.
الرابع: أن يكون للعوض وهو نوعان:
النوع الأول: أن يكون عوضًا من جملة وذلك إذا لحق
"إذ" التي هي ظرفُ زمانٍ ماضٍ، وذلك إذا حُذفت الجملة بعدها اختصارًا لدلالة ما قبلها عليها لأنها تُضاف أبدًا إلى الجملة الاسمية والفعلية نحو قوله تعالى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}، و{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا}، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ}، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ}، {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ}، والأكثر فيها الإضافة إلى الجملة التي أولها الماضي لأنه الملائم لمعناها.
فإذا جاءت
"إذ" تُحذف فيه تلك الجملة المضافة إليها اختصارًا [و] عُوض من الجملة المذكورة التنوين نائبًا منابها وهو أخفُّ منها، كقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ}، المعنى: "إذ" زلزلت وأخرجت، و«إِذَ بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ».
وإنما كسرت
"ذال" "إذ" مع التنوين لالتقاء الساكنين لأن اجتماعهما ثقيل. وزعم الأخفش أن "الذال" من "إذ" إنما كُسرت لأنها كسرة إعرابٍ، لأنها عنده معربة بالخفض، لأنها منونة مضافٌ إليها ما قبلها من حينٍ ويوم، كما هو القيام والقعود في نحو: يوم قيام زيد، وحين قيام عمروٍ، وهو فاسدٌ من أوجهٍ:
أحدها: أن
"إذ" مبنية على السكون إذا لم يكن معها تنوين البتة، والتنوين فيها ليس للتمكن فيفيدُ إعرابًا، وإنما بُنيت لأنها أشبهت الحروف في افتقارها أبدًا إلى الإضافة ما بعدها من الجمل، ولا يسأل عن بنائها على السكون لأنه الأصل، والحركة لموجبٍ، وفيها يُسأل: لم كانت؟
والثاني: أنها قد جاءت مكسورةً مع غير التنوين لالتقاء الساكنين أيضًا، كقوله تعالى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}، وليس قبلها ما أُضيفت إليها.
والثالث: أنها تكون مجردةً عن الإضافة إليها نحو: يوم وحين وغيرهما، وهي مع ذلك مكسورة كقول الشاعر:
نهيتك عن طلابك أم عمروٍ ..... بعاقبةٍ وأنت إذٍ صحيحُ
فدل بهذه الأوجه أنها مبنية على السكون، أُضيف إليها أو لم يضف، وأن الكسر فيها إنما هو لالتقاء الساكنين، التنوين أو غيره، أُضيف إليها أو لم يضف، وأن التنوين فيها إنما هو عوض من الجملة إذ لا تثبت معها ولا حظ للتمكن فيها. فاعلمه.
فإن قيل: فلم لا تقول: إن حينا ويما المضافين إليها مقدران لدلالة الكلام عليهما، ويكون الخفض فيها إعرابا للإضافة إليها تقديرا؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن المضاف لا يحذف ويبقى المضاف إليه في موضع إلا أن يقام الباقي المضاف إليه مقامه في الإعراب نحو: اجتمعت اليمامة واسأل القرية، وأما أن يحذف ويبقى المضاف إليه مخفوضا فشاذ كقوله:
رحم الله أعظما دفنوها ..... بسجستان طلحة الطلحات
بخفض «طلحة»، أو عطف على غيره كقوله:
أكل امرئ تحبين أمرأ ..... ونار توقد بالليل نارا
وإنما امتنع ذلك لأن المضاف إليه حال محل التنوين، وكما لا يبقى التنوين دون اسم كذا لا يبقى المضاف إليه دون المضاف.
والوجه الثاني: أن معنى
"إذ" هو معنى "حين" أو ما في معناه من اليوم والوقت وشبههما، فلا فائدة في إرادته وتقديره.
فإن قيل: فلأي شي اجتمع في نحو قوله تعالى: {وأنتم حينئذ} و{يومئذ تحدث أخبارها} وهما في معنى واحد، وما الفائدة في ذلك؟ فالجواب أن ذلك لمعنى غريب، وذلك أن يوما وحينا يضافان تارة إلى الجملة، كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ}، وقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}، وقول الشاعر:
على حين عاتبت المشيب على الصبا ..... .... .... .... ....
وقول الآخر:
ويوم عقرت للعذارى مطيتي ..... .... .... .... ....
وتارةً إلى المفرد نحو قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}، وقوله: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}، تارةً لا يكون فيهما إضافةٌ إلى غيرهما، كقوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}، وقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}.
فإذا أضيفا إلى الجمل فلابد من ذكرها بعدهما، ولا يجوزُ حذفها وتعويض التنوين منها، لأن التنوين يكون إذ ذاك فيهما للتمكن، لأنهما أحوجُ إليه من تنوين العوض بحكم تمكنهما، فلا يكون لهما شيءٌ يُستدل به على الجملة المحذوفة بعدهما، فلما أُريد حذفُ الجملة التي بعدهما اختصارًا كما يُفعل مع
"إذ"، ولابد من شيءٍ يُعوضُ منها، وتنوين العرض لا يحتمله "حين" ولا «يوم» [لأحدهما تنوين تمكنهما]، جُعلت "إذ" بعدهما ليتوصل بها إلى إلحاق تنوين عوضٍ دالٍ على الجملة المحذوفة، إذ هي مبنيةٌ، فاجتمعت "إذ" مع كل واحدةٍ منهما لإفادتها إفادتهما من غير تناقض ولا اختلاف في المعنى، ولإرادة التوصل إلى الاستدلال على الجملة المحذوفة، فلذلك إذا وجدنا "إذ" مفردةً لا نُقدرُ قبلها حينًا ولا يومًا لعدم احتياجها إليهما، وإذا وجدنا «حينًا» و«يومًا» يُراد إضافتهما إلى الجملة اختصارًا فلابد معهما من "إذ" لما ذكرتُ لك، والمقصود الحين واليوم فاعلمه.
ومما يدل على ذلك عدمُ اجتماعها إذا ظهرت الجملة بعدهما فلا يُقال: يوم
"إذ" قام زيدٌ، ولا حين "إذ" قام عمروٌ.
فإن قيل: فهل تضاف
"إذ" إلى المفرد في نحو قوله:
هل ترجعن ليالٍ قد مضين لنا ..... والعيشُ مُنقلبٌ إذ ذاك أفنانا
فالجواب أن «ذاك» في البيت ليس مضافًا إليه، وإنما هو مبتدأ خبره محذوفٌ للعلم به تقديره: كائنٌ أو مستقرٌ، لأن "إذ" لم تثبت إضافتها إلى المفرد في موضع، فيقال: «جئت "إذ" قيامك» ولا «"إذ" قعودك» فهي في البيت باقية على أصلها من إضافتها إلى الجملة، و"ذا" اسمُ إشارةٍ مبني لا إعراب فيه بوجه، فليس للخفض فيه ظهورٌ فيُحكم بالإضافة إليه مفردًا، وإنما هو مبتدأ يجوز حذف خبره للعلم به، كما حُذف في نحو قوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}، أي أمثل أو أحسن.
فإذا صح ذلك فـ
"إذ" أبدًا مضافة إلى الجملة ظاهرةً أو مقدرةً، معوضٌ منها التنوين في آخرها كما ذكر، فاعلمه وبالله التوفيق.
النوع الثاني: أن يكون عوضًا من الحرف بحركته، وذلك في كل جمع مؤنثٍ لا نظير له في الواحد منقوصًا في حال الرفع والخفض، نحو: جاءني جوارٍ، ومررت بجوارٍ، وجاءني عوادٍ، ومررتُ بعوادٍ، وكذلك هوادٍ وسوارٍ وشبه ذلك.
وذلك أن الجمع الذي صفته ما ذُكر لما كان لمؤنث ولجمع ومعتلا ثقيلًا بالضمة والكسرة، تجمع عليه الثقل من أوجه، فحُذفت منه
"الياء" بحركتها، وعوض منها التنوين، فإذا ترجع إلى النصب رددنا "الياء" مفتوحة لخفتها، فلم تحتج إلى تنوين إذ لا حذف فيعوض من المحذوف، فتقول: رأيت جواري وغواشي وعوادي.
ولا تقولُ للتنوين في هذا النوع إنه للتمكن لعدم انصرافه لعلتيه المانعتين من الصرف وهما الجمعُ وعدم النظير في المفردات فهو كضوارب وقواعد، ومالا ينصرفُ لا ينون إلا في الضرورة على ما يُذكر بعد.
وزعم أبو إسحاق الزجاج أن التنوين في هذا النوع عوضٌ من حركة
"الياء" لا غير، لأنها ثقلت في "الياء" وعوض منها التنوين، فالتقى ساكنًا مع "الياء" فحذفت "الياءُ" لثقل اجتماعهما.
وهذا فاسدٌ من أوجهٍ:
أحدها: أن الكسرة والضمة في "الياء" لا تظهران أبدًا، سواء كان في الكلمة تنوينٌ أو لم يكن لاستثقالهما، فلما لم تظهرا في موضعٍ دلنا على أن التنوين إنما هو عوضٌ من "الياء" [وبعتها الكسرة إذ ليس على ما تحل تقديرًا، فلما كانت "الياءُ" كالضمة والكسرة في التقدير حكمنا بأنه عوضٌ منها].
الثاني: أنا قد وجدنا ما لا يدخله حركة أصلًا نحو: حبلى وذكرى وسلمى، ولم نجد فيه تنوينًا، لذلك فلو كان التنوين عوضًا من حركةٍ للزم في هذه الأسماء ونحوها فدل ذلك على أن التنوين في مسألتنا عوضٌ من الحرف لا من الحركة.
والثالث: أن التنوين حرفٌ و
"الياء" حرفٌ فتناسبا، فعوض أحدهما من الآخر، ولا تناسب بين الحركة والتنوين فيجعل عوضً منها لأنه حرفٌ وهي بعضُ حرفٍ عند المحققين.
فإن قيل: فلم لم يقل: جواري وغواشي في: جواري وغواشي بفتح
"الياء" في حال الخفض بلا تنوين، كما قيل في ضوارب [ضواربَ] بفتح "الباء" في حال الخفض بلا تنوينٍ، لأن كل واحدٍ من النوعين لا ينصرفُ للعلتين المذكورتين؟
فالجواب: أنهم استثقلوا النطق بذلك لاجتماع الثقل من الأوجه التي ذكرنا، ولا تجتمع في ضوارب، فاعلمه، ألا ترى أن آخر «ضوارب» حرفٌ صحيحٌ وآخر «غواشي» حرفٌ معتلٌّ زائدٌ في الثقل لبنائه وتناهيه، ففيه من الثقل ما ليس في ضوارب، فلذلك حُذفت
"الياءُ" وعوض منها التنوين في حال الرفع والخفض.
الخامس: أن تكون للترنم، وذلك في قوافي الشعر، وهي أواخره لأنه موضع وقف محتملٍ لتطويل الصوت بعد ما يمضي البيت بوزنه كاملًا، ولذلك جُعلت حروف الإطلاق: "الواو" و"الياءُ" و"الألفُ" لتقبل طول المد والزيادة بحرفٍ يشبهها وهو "النون" لما تقدم من الوجوه في غير هذا الموضع.
وهذا التنوين يلحقُ الأسماء والأفعال والحروف على اختلافها من ظاهر أو مضمرٍ أو معرب أو مبني أو غير ذلك، فليس حكمه حكم واحد من التنوينات المتقدمة، وذلك نحو قول الشاعر:
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلن ..... .... .... .... ....
وقول الآخر:
أقلي اللوم عاذل والعتابن ..... .... .... .... ....
وقول الآخر:
طحا بك قلبٌ في الحسان طروبن ..... .... .... .... ....
وقول الآخر:
.... .... .... .... ..... من طللٍ كالأتحمي أنهجن
وقول الآخر:
.... .... والديون تُقضن ..... .... .... .... ....
وقول الآخر:
.... .... .... .... ..... إذا الداعي المثوب قال يا لن
وقول الآخر:
.... .... .... .... ..... يا أبتا علك أو عساكن
وزاد أبو الحسن الأخفش تنوينًا سادسًا وسماه الغالي وسمي الحركة التي قبله وغلوًا، وذلك التنوين في القافية المقيدة، وهي التي سكن حرفُ الروي فيها، نحو قوله:
.... .... .... .... ..... وقاتم الأعماق خاوي المخترقن
وهذا التنوين إذا تأملته راجعٌ إلى تنوين الترنم لأنه يترنم به في المقيد كما يترنم به في المطلق، وليس كونه في المطلق دون المقيد حكما يخرجه عن المعنى من الترنم، وإنما يتفرقُ منه بزياد الغلو خاصة، فلا تشاح في التسامي إذا فهم المعنى.
وزاد بعض المتأخرين تنوينًا سابعًا وهو تنوين الضرورة لأنه لا مدخل له في اللفظة لأنه إما مبنيٌّ وإما لا ينصرف، وكلاهما لا مدخل للتنوين فيه، فإذًا إنما وُضع للضرورة، نحو قول الشاعر:
سلام الله يا مطرٌ عليها ..... .... .... .... ....
فـ «مطر» مبنيٌ لأنه منادى مفردٌ علمٌ، وذلك أبدًا حكمه في النداء، نحو قوله:
.... .... .... .... ..... يا حكمُّ بن المنذر بن الجارود
ومنه قوله تعالى: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، فهذا التنوين قد دخل المبني، ولا مدخل له فيه إلا للضرورة، وكذلك قول الشاعر:
ممن حملن به وهن عواقدٌ ..... حبك النطاق فعاش غير مُهبل
وقول الآخر:
فلتأتينك قصائدٌ وليدفعن ..... جيشًا إليك قوادُم الأكوار
وكل واحدٍ من الجمعين في البيتين لا ينصرف للجمع وعدم النظير ولكن صُرف للضرورة.
وهذا التنوين في التحقيق راجعٌ إلى معنى التمكن لأن هذه الأسماء المنونة في الضرورة وأصولها التمكن، فإذا اضطر الشاعرُ ردها إلى أصلها، فالضرورة سببٌ لإظهار التنوين فيما أصله فيه، لا أنها معنى من معاني التنوين فليس ذلك موقعًا سابعًا، وإلا لو كانت الضرورة معنًى لكان التنوين في المبنيات اللازمة كـ «كيف وأين وهو وهي» وشبه ذلك، وفي الأفعال الناصبة والمضارعة والأمر والحروف كـ "لم" و"لو" وشبه ذلك، وهو غيرُ موجودٍ إلا فيما أصله التمكن، فغاية الضرورة أن تصيره يظهرُ بعد أن
"لم" يكن، ردًا إلى الأصل، فاعلمه.
واعلم أن التنوين في غير الترنم والضرورة يجوز حذفه "للألف" و"اللام"، نحو الرجل والغلام في: رجلٌ وغلامٌ ونحوهما، قال بعضهم: لأن "الألف" و"اللام" دليل التعريف، والتنوينُ دليل التنكير فتناقضا، فلا يُجمع بينهما، وهذا فاسدٌ، لأن في المعارف بناءً هو منونٌ وهو العلم كزيد وعمرو.
والصحيحُ أن عدم اجتماعهم إنما هو لأن التنوين معاقبُ الإضافة إذ لا يجتمع معها، إذ هي دليلُ اتصالٍ وهو دليل انفصالٍ فتناقضا، ولما لم تجتمع الإضافة مع "الألف" و"اللام" لاختلاف تعريفهما لم يجتمعا مع معاقبهما التنوين، أو تقول: لما لم تجتمع الإضافة مع التنوين لأنه مناقضها ولم تجتمع "الألفُ" و"اللام" معه لأنه معاقبها، وإن شئت أن تقول: إن "الألف" و"اللام" زائدتان في أول الاسم والتنوين زائدٌ في آخره فثقلت الزيادة.
ويحذف أيضًا للإضافة للعلة المذكورة نحو: غلامُ زيدٍ وفرسُ عمروٍ، ويُحذف أيضًا لتقدير الإضافة، كقولهم: قطع الله يد ورجل من قاله، أي: يد من قاله ورجله، ومنه قول الشاعر:
إلا عُلالة أو بُدا ..... هة قارجٍ نهد الجُزاره
ويُحذف أيضًا تخفيفًا كقراءة من قرأ: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} بنصب «النَّهَارِ» وحذف التنوين، فقيل [له] لِمَ لَمْ تقل: « سَابِقُ النَّهَارِ»، بتنوين «سَابِقُ»، فقال: لو قلته لكان أوزن، يعني: أثقل، فحذف هذا التنوين إنما هو للتخفيف خاصة.
ويحذف أيضًا لالتقاء الساكنين خاصة كقراءة من قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} بغير تنوين في «أَحَدٌ» ومنه قول الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ..... ورجالُ مكة مسنتون عجافُ
وقول الآخر:
فألفيته غير مُستعتبٍ ..... ولا ذاكر الله إلا قليلا
بغير تنوين في «ذاكر» وهذا الحذف لا يكون إلا في الضرورة في الشعر أو نادر كلام كما تقدم، والإثبات أحسن وأكثر، فإن انضم إلى التقاء الساكنين كثرة الاستعمال لزم الحذف، وذلك مع «ابن» إذا وقع صفة لما قبله بين علمين أو لقبين أو كنيتين، أو أحدهما والآخر، نحو: زيدُ بن زيدٍ جاءني، وجاءني أبو عبد الله محمد بن أبي عبد الله محمد، وجاءني كرز بن بطة، وجاءني محمد بن أبي عبد الله، وجاءني زيد بن كرز، وأبو عبد الله بن كرز، وكرزُ بنُ محمد، وشبه ذلك.
وتُحذف "الألف" أيضًا من «ابن» كما يُحذف التنوين مما قبله في هذه المواضع، فإن خرج «ابن» من أن يكون صفة، أو أن يقع بين غير ما ذكر ثبتت "الألف" فيه والتنوين فيما قبله، فاعلمه.
ويُحذف أيضًا اتباعًا لغير المنون كما جاء في الحديث من قوله عليه السلام: «إنكم تُفتنون في قبوركم مثل أو قريب من فتنةٍ الدجال»، أي: مثل فتنة الدجال أو قريبًا منه، فحذف التنوين من «مثل» لتقدير الإضافة، ومن «قريب» إتباعًا له.
وربما عاملوا التابعات معاملة المتبوعات كقولهم: «أخذه ما قدم وما حدث» بضم "الدال"، ولا تستعمل وحدها إلا بفتحها، وكذلك: «مأجورات مأزورات»، ونحو ذلك فاعلمه، وبالله التوفيق.
الموضع السادس
"للنون": أن تكون للوقاية من كسر ما قبلها لأجل "ياء" المتكلم، وهي قسمان: قسمٌ تلزم الكلمة، وقسمٌ لا تلزمها.
فالقسمُ اللازمة هي اللاحقة للأفعال الماضية والمضارعة والتي للأمر، إذا وليته
"ياءُ" المتكلم نحو أكرمني ويكرمني [وأكرمني]، وإنما لزمت فيها محافظةٌ على أن لا يُكسر أواخرها لأجل "الياء"، فتثل مع أصل ثقلها فيتوالى عليها الثقل، والأفعال لا يدخلها كسرٌ إلا إتباعًا نحو: بدا، ولالتقاء الساكنين نحو: اضرب الرجل، وهما عارضان مع السكون في الفعل.
وكذلك تلزم في: «"إن" و"أن" و"كأن" و"لكن" و"ليت"»، وإنما ذلك لأنها أشبهت الأفعال في العمل بالتضمن وعدد الحروف والفتح لأواخرها، فتقولُ: "إنني" و"كأنني" و"ليتني" و"لكنني".
فإن قيل: قد قيل: "إني" و"أني" و"كأني" و"لكني" و"ليتي" "بنونٍ" واحدةٍ، فليست "النونُ" المذكورة لازمة في الكلمة، قيل: أما "إن" و"أن" و"كأن" و"لكن" فجاءت "بنون" واحدة هي "نونُ" الوقاية، وحُذفت "النونُ" الأصليةُ لثقل اجتماع "النونين"، وحكمنا على أن الأصلية هي المحذوفة دون "نون" الوقاية، لأن "نون" الوقاية جُعلت لمعنى، ولا يجعل الشيء لمعنى يبقى مع حذفها لتناقض الغرضين، ودلت "نون" الوقاية على المحذوفة الأصلية إذ هي "نونٌ" مثلها، ولا تدل الأصلية على التي لمعنى.
وأما "ليت" فهي لازمةٌ لها إلا في الضرورة، والضرورةُ تُحذف لها الأصلية في نحو قوله:
.... .... .... .... ..... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
فأحرى أن تُحذف لها لزائدة في نحو قوله:
كمنية جابرٍ إذ قال ليتي ..... .... .... .... ....
كما حذفت وهي للإعراب في قوله:
أبيتُ أسري وتبيتي تدلكي ..... وجهك بالعنبر والمسك الذكي
بل هو هنا أحرى أن لا يجوز.
وكذلك تلزم مع "من" و"عن" كقوله تعالى: {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، و«عني» إلا في الضرورة كقوله:
أيها السائل عنهم وعني ..... لست من هندٍ ولا هندٌ مني
والقسم الذي يجوز أن تلحق الكلمة وألا تلحقها فـ "لدن" و"قد" و"قط" بمعنى "حسب"، تقول: "لدني" و"لدُني"، و"قدني" و"قدي"، و"قطني" و"قطي"، قال الله تعالى: {مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}، وقرئ بالتخفيف والتشديد، فالتشديد على إثباتها والتخفيف على حذفها، وقال الشاعر:
قدني من أم الخبيبين قدي ..... .... .... .... ....
فجمع بين إلحاقها وحذفها، وقال آخر:
امتلأ الحوضُ وقال قطني ..... مهلًا رُويدًا قد ملأت بطني
وفي الحديث في وصف النار: «حتى يضع الجبارُ فيها قدمه فتقول: قطي قطي» بغير "نون" الوقاية، وكذلك "لعل" والأكثر فيها الحذف، كقوله تعالى: {لَعَلِّي أَطَّلِعُ} و{لَعَلِّي أَبْلُغُ} وقد جاء إثباتها فيها، قال الشاعر:
وأشرفُ بالقور اليفاع لعلني ..... أرى نار ليلى أو يراني بصيرها
ومما يجوز أن تُحذف فيه وتثبت الفعل المعرب "بالنون"، نحو: تضربان وتضربون وتضربين، إذا أوصلته "بياء" المتكلم أثبت "نون" الوقاية مراعاة لأصل الفعل في الوقاية من الكسر، وإذا حذفتها فلثقل اجتماع "النونين" أو "النونات" والأكثر الإثبات، ويجوز إدغامُ "نون" الإعراب فيها، وقرئ قوله تعالى:{أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ} بالثلاثة الأوجه: الحذف والإثبات والإدغام، وكذلك: {تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ}:
وإنما لم تلزم في هذا القسم، لأنها في «"قط" و"قد" و"لدن"» في الأسماء، وباب الأسماء لا تدخل فيها محافظةً على سكون البناء كما كان ذلك في "من" و"عن".
وأما "لعل" فالحذف فيها لثقلها بالطول والزيادة [في] أولها وإدغام "لاميها" الأخيرين، والإثباتُ إجراءً لها مجرى: «"إن" و"أن" و"كأن" و"لكن"» في شبهها للفعل في العمل وفتح الآخر وغير ذلك مما ذكر في بابها.
وما عدا ما ذكرنا من الأفعال والأسماء والحروف المذكورة فلا تلحقه "نونُ" الوقاية من الأسماء والحروف، فإن جاء من لحاقها شيءٌ لواحدٍ منها فللضرورة، كقوله:
وما أدري وظني كُل ظن ..... أمسلمني إلى قومي شراحي
وكأن هذا الشاعر شبه اسم الفاعل بالفعل المضارع لعمله عمله، وأنه في قوته، كأنه قال: أيسلمني، ولكن ذلك ضرورة كما ذكر). [رصف المباني:329 - 363]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:41 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

حروف التأكيد
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها التأكيد: وحروفه: "إنّ"، و"أنّ"، و
"اللام"، و"النون" شديدةً وخفيفةً، كقوله تعالى: {ليسجننّ وليكونن} ). [التحفة الوفية: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:43 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


"النون"
قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("النون"
له في الكلام مواضع كثيرة. وإنما أذكر هنا أقسام "النون"، الذي يعد من حروف المعاني. وهي أربعة أقسام.
الأول: "نون" التوكيد. وهي قسمان: ثقيلة، وخفيفة. وقد جمعها قوله تعالى: {ليسجنن وليكونن}. وهما أصلان، عند البصريين، لتخالف بعض أحكامهما، ولأن التوكيد بالثقيلة أشد، قاله الخليل. ومذهب الكوفيين أن الخفيفة فرع الثقيلة.
وكلاهما مختص بالفعل، وندر توكيد اسم الفاعل في قول الراجز:
أقائلن: أحضروا الشهودا
وقول الآخر:
أشاهرن، بعدنا، السيوفا
والذي سوغ ذلك ما بين اسم الفاعل والمضارع، من الشبه.
ويؤكد بها الأمر مطلقاً.
وأما المضارع فإن كان حالاً لم تدخل "النون" عليه، وإن كان مستقبلاً أكد بها وجوباً، إذا وقع جواب قسم، بأربعة شروط: أن يكون مثبتاً، وأن يكون غير مقرون بحرف تنفيس، وأن يكون غير مقرون ب "قد"، وألا يكون مقدم المعمول. فإذا استوفى هذه الشروط، وهو مستقبل، وجب عند البصريين توكيده "بالنون". وأجاز الكوفيون حذف "النون"، اكتفاء "باللام"، وورد في الشعر. وجوازاً بعد "إما" نحو {فإما تخافن}.
ولم يرد في القرآن بعد "إما" إلا مؤكداً. وذهب المبرد والزجاج إلى أن توكيده بعد "إما" واجب، في غير الضرورة. قلت: قد كثر حذف "النون" بعد "إما" في الشعر. وأما في النثر فعزيز. وقد حكي منه قراءة بعضهم [فإما ترين] "بنون" الرفع.
ذكرها ابن جني، وهي شاذة.
ويجوز التوكيد أيضاً، في المضارع، إذا وقع بعد ما يفهم الطلب، كلام الأمر و"لا" في النهي، وأدوات التحضيض والعرض، والتمني، والاستفهام.
ويقل التوكيد "بالنون"، في غير ذلك. واستيفاؤه في كتب النحو.
وأما الماضي فقد جاء توكيده "بالنون"، في قول الشاعر:
دامن سعدك، إن رحمت متيماً ... لولاك لم يك، للصبابة، جانحا
وفي الحديث: فإما أدركن واحد منكم الدجال. والذي سوغ ذلك أن الفعل فيهما مستقبل المعنى، لأنه في البيت دعاء، وفي الحديث شرط.
وتنفرد "النون" الثقيلة، بوقوعها بعد "ألف" الاثنين، و"الألف" الفاصلة إثر "نون" الإناث. ولا تقع الخفيفة بعد "الألف" عند البصريين. وأجاز ذلك يونس، والكوفيون.
الثاني: التنوين. وهو "نون" ساكنة، تلحق الآخر، تثبت لفظاً، وتسقط خطاً. ويورد على هذا الحد "نون" التوكيد الخفيفة في مثل {لنسفعا}. فإن قيل: لا ترد، لأنها لم تسقط حطاً، بل رسمت "ألفاً"! قلنا: هذه "الألف" ليست صورة "النون"، بل صورة بدلها. ولو سلم ذلك انتقض الحد بتنوين المنصوب في نحو {اهبطوا مصراً}. فلذلك قال ابن الحاجب: "نون" ساكنة، تتبع حركة الآخر، لا لتوكيد الفعل.
فإن قلت: لو قال آخر الاسم كما قال بعضهم لم يحتج إلى الاحتزاز عن "نون" التوكيد. قلت: لو قال ذلك لم يكن الحد جامعاً، لخروج تنويني الترنم والغالي. فإنهما قد يلحقان الفعل، والحرف، كما سيأتي.
وأقسام التنوين عند سيبويه خمسة:
الأول: تنوين التمكين. وهو اللاحق للاسم المعرب المنصرف، إشعاراً ببقائه على أصالته.
والثاني: تنوين التنكير. وهو اللاحق بعض الأسماء المبنية، فرقاً بين معرفتها ونكرتها. ويطرد فيما آخره ويه، نحو: سيبويه. ولا يطرد في أسماء الأفعال.
والثالث: تنوين المقابلة. وهو اللاحق لما جمع "بألف" و"تاء" زائدتين، نحو: مسلمات، لأنه يقابل "النون" في جمع المذكر، نحو: مسلمين. وليس تنوين الصرف، خلافاً للربعي، لثبوته في نحو: عرفات، بعد التسمية.
والرابع: تنوين العوض. وهو نوعان: عوض عن مضاف إليه: إما جملة، نحو: يومئذ، وإما مفرد، نحو: كل، وبعض، وأي. وعوض من حرف، نحو: جوار، وغواش. فالتنوين في ذلك عوض من "الياء" المحذوفة بحركتها، عند سيبويه. وقال المبرد والزجاجي: هو عوض من حركة "الياء"، فقط. وقال الأخفش: هو تنوين الصرف.
والخامس: تنوين الترنم. وهو تنوين يلحق الروي المطلق، عوضاً عن مدة الإطلاق، في لغة تميم وقيس. قال ابن مالك: وقولهم تنوين الترنم هو على حذف مضاف، والتقدير: تنوين ذي الترنك. وإنما هو عوض من الترنم، لأن الترنم مد الصوت بمدة، تجانس حرف الروي. وهذا التنوين يلحق الاسم، والفعل، والحرف. فالاسم كقول العجاج: يا صاح، ما هاج الدموع، الذرفن؟ والفعل كقوله: من طلل، كالأتحمي، أنهجن والحرف كقول النابغة:
أزف الترحل، غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا، وكأن قدن
وزاد الأخفش قسماً، وهو الغالي. وهو كتنوين الترنم، في عدم الاختصاص بالاسم. والفرق بينهما أن تنوين الترنم هو اللاحق للروي المطلق، كما سبق. والغالي هو اللاحق للروي المقيد، كقول العجاج: وقائم الأعماق، خاوي المخترقن أراد المخترق. فزاد التنوين، وكسر الحرف قبله، لالتقاء الساكنين. وسمى الأخفش الحركة التي قبله الغلو، كما سماه الغالي. والمشهور عند من أثبته أنه قسم مغاير للترنم.
وذهب بعضهم إلى أنه ضرب من الترنم، واختاره ابن يعيش الحلبي. وقد أنكر الزجاج والسيرافي الغالي، وقالا: إن القافية
المقيدة لا يلحقها حرف الإطلاق، فكذلك لا يلحقها التنوين، لأنه ينكسر بذلك. وقالا: إن كان سمع فإنما هو: وقاتم الأعماق، خاوي المخترق إن بزيادة إن إشعاراً بأنه بيت كامل. فضعف لفظه بهمزة "إن"، لانحفازه في الإنشاد، فظن السامع أنه "نون"، وكسر الروي. قال ابن مالك: فهذا، الذي ذهب إليه أبو سعيد، تقدير صحيح مخلص من زيادة ساكن بعد تمام الوزن. وقال أبو الحجاج يوسف ابن معزوز: ظاهر قول سيبويه، في الذي يسمونه تنوين الترنم، أنه ليس بتنوين، وإنما هو "نون" تتبع الآخر، عوضاً عن المدة. وذكر في التحفة أن التنوين من خواص الاسم، في جميع وجوهه، وتسمية ما يلحق الفعل للترنم تنويناً مجاز، وأنما هو "نون" تتبع الآخر، عوضاً عن المدة. ولذلك حكمه عكس حكم التنوين، لأنه يثبت وقفاً، ويسقط وصلاً، بخلاف التنوين.
وزاد بعضهم قسماً سابعاً، وهو تنوين الاضطرار، كقول الشاعر: سلام الله، يا مطر، عليها ف مطر مبني للنداء، ونونه الشاعر للضرورة. قال بعضهم: وهو راجع، في التحقيق، إلى تنوين التمكين. ولكن الضرورة سبب لإظهار التنوين الذي كان له قبل البناء.
وأما التنوين في هؤلاء في الإشارة فهو خارج عن أقسام التنوين. فلذلك سماه بعضهم التنوين الشاذ. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: التحقيق أنه "نون" زيدت في آخر هؤلاء وليس بتنوين.
الثالث: "نون" الإناث في الفعل المسند إلى الظاهر، على اللغة التي يقولون فيها: لغة أكلوني البراغيث. وهي لغة طيئ، كقول الشاعر:
ولكن ديافى أبوه، وأمه ... بحوران، يعصرن السليط أقاربه
"فالنون" في يعصرن حرف يدل على التأنيث والجمع.
وأنكر قوم، من النحويين، هذه اللغة، وتأولوا ما ورد منها. ولا يقبل قولهم في ذلك. بل هي ثابتة بنقل الأئمة. وسيأتي لذلك مزيد بيان.
الرابع: "نون" الوقاية. وهي "نون" مكسورة تلحق قبل "ياء" المتكلم، إذا نصبت بفعل، نحو: أكرمني، أو باسم فعل، نحو: عليكني، بمعنى: الزمني، أو ب "إن" وأخواتها، نحو: ليتني. وتلزم مع الفعل واسم الفعل، إلا ما ندر من قوله: إذ ذهب القوم الكرام، ليسي وأما "إن" وأخواتها فثلاثة أقسام: قسم لا تحذف منه إلا نادراً، وهو "ليت". وقسم لا تلحقه إلا نادراً وهو "لعل". وقسم يجوز فيه الأمران، وهو: "إن"، و"أن"، و"لكن"، و"كأن".
وتلحق "نون" الوقاية أيضاً، قبل "ياء" المتكلم، إن جرت ب "من" و"عن". ولا تحذف إلا في ضرورة الشعر. نحو قوله:
أيها السائل عنهم، وعني ... لست من قيس، ولا قيس مني
أو بإضافة: "قد"، و"قط"، و"لدن"، و"بجل". وكلها بمعنى "حسب". وحذفها من "بجل" أكثر من إثباتها، بعكس الثلاثة التي قبلها.
ولا تلحق "نون" الوقاية غير ما ذكرته إلا ما ندر، مما لا يقاس عليه. وحكم "نون" الوقاية مشهور، فلا نطول هنا باستيفائه.
وإنما سميت هذه "النون" "نون" الوقاية، لأنها لحقت، لتقي الفعل من الكسر. ثم حمل على الفعل ما ذكر. وقال ابن مالك: سميت بذلك لأنها تقي اللبس في الأمر، نحو: أكرمني. فلولا "النون" لالتبس أمر المذكر بأمر المؤنثة. ثم حمل الماضي والمضارع على الأمر).[الجنى الداني:141 - 151]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:44 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


حرف "النّون"
"النّون" المفردة
قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (حرف "النّون"
"النّون" المفردة
"النّون" المفردة تأتي على أربعة أوجه:
1 - أحدها: "نون" التوكيد، وهي خفيفة وثقيلة، وقد اجتمعتا في قوله تعالى:{ليسجنن وليكونن}، وهما أصلان عند البصريين، وقال الكوفيّون: الثّقيلة أصل، ومعناهما التوكيد. قال الخليل: والتوكيد بالثقيلة أبلغ، ويختصان بالفعل، وأما قوله:
... أقائلن أحضروا الشهودا
فضرورة سوغها شبه الوصف بالفعل، ويؤكد بهما صيغ الأمر مطلقًا، ولو كان دعائيا، كقوله:
... فأنزلن سكينة علينا
إلّا أفعل في التّعجّب؛ لأن معناه كمعنى الفعل الماضي، وشذ قوله:
... فأحر به بطول فقر وأحريا
ولا يؤكد بهما الماضي مطلقًا، وشذ قوله:
دامن سعدك لو رحمت متيما ... لولاك لم يك للصبابة جانحا
والّذي سهله أنه بمعنى افعل.
وأما المضارع فإن كان حالا لم يؤكد بهما، وإن كان مستقبلا أكد بهما وجوبا، في نحو قوله تعالى:{وتالله لأكيدن أصنامكم}، وقريبا من
الوجوب بعد إمّا في نحو:{وإمّا تخافن من قوم}،{وإمّا ينزغنك}.
وذكر ابن جني أنه قرئ:{فإمّا ترين} "بباء" ساكنة بعدها "نون" الرّفع على حد قوله:
... يوم الصليفاء لم يوفون بالجار
ففيها شذوذان: ترك "نون" التوكيد، وإثبات "نون" الرّفع مع الجازم، وجوازا كثيرا بعد الطّلب، نحو:{ولا تحسبن الله غافلا}، وقليلا في مواضع، كقولهم:
... ومن عضة ما ينبتن شكيرها
2 - الثّاني: التّنوين، وهو "نون" زائدة ساكنة تلحق الآخر لغير توكيد، فخرج "نون" حسن لأنّها أصل، و"نون" ضيفن للطفيلي لأنّها متحركة، و"نون" منكسر وانكسر لأنّها غير آخر، و"نون"{لنسفعا} لأنّها للتوكيد.
وأقسامه خمسة:
1- تنوين التّمكين: وهو اللّاحق للاسم المعرب المنصرف إعلاما ببقائه على أصله، وأنه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع الصّرف، ويسمى تنوين الأمكنية أيضا، وتنوين الصّرف، وذلك كزيد ورجل ورجال.
2- وتنوين التنكير: وهو اللّاحق لبعض الأسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها، ويقع في باب اسم الفعل بالسّماع "كصه" و"مه" و"إيه"، وفي العلم المختوم بويه بقياس، نحو: جاءني سيبويه، وسيبويه آخر، وأما تنوين رجل ونحوه من المعربات فتنوين تمكين لا تنوين تنكير، كما قد يتوهّم بعض الطّلبة، ولهذا لو سميت به رجلا بقي ذلك التّنوين بعينه مع زوال التنكير.
3- وتنوين المقابلة: وهو اللّاحق لنحو: مسلمات، جعل في مقابلة "النّون" في مسلمين، وقيل هو عوض عن الفتحة نصبا، ولو كان كذلك لم يوجد في الرّفع والجر، ثمّ الفتحة قد عوض عنها الكسرة، فما هذا العوض الثّاني، وقيل هو تنوين التّمكين، ويرده ثبوته مع التّسمية به كعرفات، كما تبقى "نون" مسلمين مسمّى به، وتنوين التّمكين لا يجامع العلتين، ولهذا لو سمي بمسلمة أو عرفة زال تنوينهما.
وزعم الزّمخشريّ أن عرفات مصروف؛ لأن "تاءه" ليست للتأنيث، وإنّما هي و"الألف" للجمع، قال ولا يصح أن يقدر فيه "تاء" غيرها؛ لأن هذه "التّاء" لاختصاصها بجمع المؤنّث تأبى ذلك، كما لا تقدر "التّاء" في بنت مع أن "التّاء" المذكورة مبدلة من "الواو"، ولكن اختصاصها بالمؤنث يأبى ذلك.
وقال ابن مالك اعتبار "تاء" نحو: عرفات في منع الصّرف أولى من اعتبار "تاء" نحو: عرفة ومسلمة؛ لأنّها لتأنيث معه جمعية، ولأنّها علامة لا تتغيّر في وصل ولا وقف.
وتنوين العوض: وهو اللّاحق عوضا من حرف أصلّي، أو زائد، أو مضاف إليه مفردا، أو جملة.
فالأول: كجوار وغواش، فإنّه عوض من "الياء" وفاقا لسيبويه، والجمهور لا عوض من ضمة "الياء"، وفتحتها النائبة عن الكسرة خلافًا للمبرد، إذ لو صحّ لعوض عن حركات، نحو: حبلى، ولا هو تنوين التّمكين، والاسم منصرف خلافًا للأخفش.
وقوله لما حذفت "الياء" التحق الجمع بأوزان الآحاد كسلام وكلام، فصرف مردود لأن حذفها عارض للتّخفيف وهي منوية، بدليل أن الحرف الّذي بقي أخيرا لم يحرك بحسب العوامل، وقد وافق على أنه لو سمي بكتف المرأة ثمّ سكن تخفيفًا لم يجز صرفه، كما جاز صرف هند، وأنه إذا قيل في جيأل علما لرجل جيل بالنّقل لم ينصرف انصراف قدم علما لرجل؛ لأن حركة "تاء" كتف و"همزة" جيل منويا الثّبوت، ولهذا لم تقلب "ياء" جيل "ألفا" لتحركها وانفتاح ما قبلها.
والثّاني: كجندل، فإن تنوينه عوض من "ألف" جنادل قاله ابن مالك، والّذي يظهر خلافه، وأنه تنوين الصّرف، ولهذا يجر بالكسرة وليس ذهاب "الألف" الّتي هي علم الجمعية، كذهاب "الياء" من نحو جوار وغواش.
والثّالث: تنوين "كل" و"بعض" إذا قطعتا عن الإضافة، نحو:{وكلا ضربنا له الأمثال}،{فضلنا بعضهم على بعض}، وقيل هو تنوين التّمكين رجع لزوال الإضافة الّتي كانت تعارضه.
والرّابع: اللّاحق "لإذ" في نحو:{وانشقت السّماء فهي يومئذٍ واهية}، والأصل: فهي يوم "إذ" انشقت واهية، ثمّ حذفت الجملة المضاف
إليها للعلم بها، وجيء بالتّنوين عوضا عنها، وكسرت "الذّال" للساكنين، وقال الأخفش التّنوين تنوين التّمكين، والكسرة إعراب المضاف إليه.
وتنوين الترنم: وهو اللّاحق للقوافي المطلقة بدلا من حرف الإطلاق، وهو "الألف" "الواو" و"الياء"، وذلك في إنشاد بني تميم، وظاهر قولهم أنه تنوين محصل للترنم، وقد صرح بذلك ابن يعيش كما سيأتي.
والّذي صرح به سيبويه وغيره من المحقّقين أنه جيء به لقطع الترنم.
وأن الترنم وهو التّغنّي، يحصل بأحرف الإطلاق لقبولها لمد الصّوت فيها، فإذا أنشدوا ولم يترنموا جاؤوا "بالنّون" في مكانها، ولا يختص هذا التّنوين بالاسم، بدليل قوله:
... وقولي إن أصبت لقد أصابن
وقوله:
... لما تزل برحالنا وكأن قدن
وزاد الأخفش والعروضيون تنوينا سادسا: وسموه الغالي، وهو اللّاحق لآخر القوافي المقيدة، كقوله رؤية:
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... مشتبه الأعلام لماع الخفقن
وسمي غاليا لتجاوزه حد الوزن، ويسمى الأخفش الحركة الّتي قبله علوا، وفائدته الفرق بين الوقف والوصل، وجعله ابن يعيش من نوع تنوين الترنم، زاعما أن الترنم يحصل "بالنّون" نفسها؛ لأنّها حرف أغن، قال وإنّما سمي المغني مغنيا لأنّه يغنن صوته، أي: يجعل فيه غنة، والأصل عنده مغنن بثلاث "نونات"، فأبدلت الأخيرة "ياء" تخفيفًا.
وأنكر الزّجاج والسرافي ثبوت هذا التّنوين البتّة؛ لأنّه يكسر الوزن، وقالا لعلّ الشّاعر كان يزيد "إن" في آخر كل بيت، فضعف صوته "بالهمزة" فتوهم السّامع أن "النّون" تنوين، واختار هذا القول ابن مالك.
وزعم أبو الحجّاج ابن معزوز أن ظاهر كلام سيبويه في المسمّى تنوين الترنم أنه "نون" عوض من المدّة، وليس بتنوين.
وزعم ابن مالك في التّحفة أن تسمية اللّاحق للقوافي المطلقة والقوافي المقيدة تنوينا مجاز، وإنّما هو "نون" أخرى زائدة، ولهذا لا يختص بالاسم، ويجامع "الألف" و"اللّام"، ويثبت في الوقف.
وزاد بعضهم تنوينا سابعا: وهو تنوين الضّرورة، وهو اللّاحق لما لا ينصرف، كقوله:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ...
وللمنادى المضموم، كقوله:
سلام الله يا مطر عليها ...
وبقوله أقول في الثّاني دون الأول؛ لأن الأول تنوين التّمكين؛ لأن الضّرورة أباحت الصّرف، وأما الثّاني فليس تنوين تمكين؛ لأن الاسم مبنيّ على الضّم.
وثامنا: وهو التّنوين الشاذ، كقول بعضهم هؤلاء قومك حكاه أبو زيد، وفائدته مجرّد تكثير اللّفظ، كما قيل في "ألف" قبعثرى.
وقال ابن مالك: الصّحيح أن هذا "نون" زيدت في آخر الاسم "كنون" ضيقن، وليس بتنوين.
وفيما قاله نظر؛ لأن الّذي حكاه سمّاه تنوينا، فهذا دليل منه على أنه سمعه في الوصل دون الوقف، و"نون" ضيفن ليست كذلك.
وذكر ابن الخباز في شرح الجزولية أن أقسام التّنوين عشرة، وجعل كلا من تنوين المنادى، وتنوين صرف مالا ينصرف قسما برأسه، قال والعاشر تنوين الحكاية، مثل أن تسمي رجلا بعاقلة لبيبة، فإنّك تحكي اللّفظ المسمّى به، وهذا اعتراف منه بأنّه تنوين الصّرف؛ لأن الّذي كان قبل التّسمية حكي بعدها.
3 - الثّالث: "نون" الإناث، وهي اسم في نحو: النسوة يذهبن خلافًا للمازني، وحرف في نحو: يذهبن النسوة في لغة من قال أكلوني البراغيث، خلافًا لمن زعم أنّها اسم، وما بعدها بدل منها، أو مبتدأ مؤخر، والجملة قبله خبره.
4 - الرّابع: "نون" الوقاية، وتسمى "نون" العماد أيضا، وتلحق قبل "ياء" المتكلّم المنتصبة بواحد من ثلاثة:
أحدها: الفعل متصرفا كان، نحو: أكرمني، أو جامدا، نحو: عساني، وقاموا ما خلاني، وما عداني، وحاشاني إن قدرت فعلا.
وأما قوله:
... إذ ذهب القوم الكرام ليسي
فضرورة.
ونحو:{تأمروني} يجوز فيه الفك والإدغام، والنطق "بنون" واحدة، وقد قرئ بهن في السّبع وعلى الأخيرة، فقيل "النّون" الباقية "نون" الرّفع، وقيل "نون" الوقاية وهو الصّحيح.
الثّاني: اسم الفعل، نحو: دراكني، وتراكني، وعليكني بمعنى: أدركني، واتركني، والزمني.
الثّالث: الحرف، نحو: "إنّني"، وهي جائزة الحذف مع "إن" و"أن" و"لكن" و"كأن"، وغالبة الحذف مع "لعلّ"، وقليلته مع "ليت"،
وتلحق أيضا قبل "الياء" المخفوضة "بمن" و"عن" إلّا في الضّرورة، وقبل المضاف إليها "لدن" أو "قد" أو "قطّ" إلّا في قليل من الكلام، وقد تلحق في غير ذلك شذوذا، كقولهم: بجلني، بمعنى: حسبي، وقوله:
... أمسلمني إلى قومي شراحي
يريد: شراحيل.
وزعم هشام أن الّذي في أمسلمني ونحوه تنوين لا "نون"، وبنى ذلك على قوله في ضاربني: إن "الياء" منصوبة، ويرده قول الشّاعر:
وليس الموافيني ليرفد خائبا ...
وفي الحديث: غير الدّجّال أخوفني عليكم.
والتنوين لا يجامع "الألف" و"اللّام"، ولا اسم التّفضيل لكونه غير منصرف، وما لا ينصرف لا تنوين فيه، وفي الصّحاح أنه يقال: بجلي، ولا يقال: بجلني، وليس كذلك). [مغني اللبيب: 4 / 255 - 293]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:46 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)

الباب الثاني: في الحروف الثنائية
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الثاني: في الحروف الثنائية وهي التي كل واحدٍ منها على حرفين من حروف الهجاء بالوضع، واعلم أن جماعة لم تتعرض لها وهم أكثر النحاة ومنها طائفة لم يتعرضوا لها عند عدهم الحروف ونبهوا عليها في أماكن أخرى، ونحن نأتي إن شاء الله تعالى على عدّ جميعها ونذكر في كل واحد منها ما يليق ذكره بهذا التعليق، ونستمد من الله سبحانه حسن التوفيق، فنقول: إن جملة الحروف الثنائية التي اسقصينا حصرها ثلاثون حرفًا منها ما لم تجر عادتهم بذكره بين الحروف وهي ستة: "النون" الشديدة للتأكيد، و"الألف" و"النون" في نحو: يفعلان الزيدان، وتفعلان المرأتان، و"الواو" و"النون" في: يفعلون الزيدون إذا أسندت إلى الظاهر المرتفع بعدهما بالفاعلية على لغة أكلوني البراغيث، أي: قول من يجعل هذه العلامة للدلالة على نوعية الفاعل "كتاء" التأنيث الدالة على تأنيثه، ولفظة "نا"، و"كم"، و"ها"، الملحقة "بأيا" ضمير النصب المنفصل على رأي سيبويه في جعل المردفات حروفًا دالة على التفريع فإذا طرحنا هذه الستة بقي جميع الحروف المتداولة بين النحاة أربعة وعشرون حرفًا، وهي على حالتين كما قدمناه، فإنها إمَّا أن تكون حروفًا محضة، أي: تقع في جملة مواقعها وقاطبة استعمالاتها إلا حروفًا، وإمَّا أن تكون مشتركة بين الاسمية والحرفية، ولا يجوز أن يشارك الحرف الثنائي شيئَا من الأفعال لما تقدم من أنه لم يوضع فعل على أقل من ثلاثة أحرف أصول، فلذلك وضعنا هذا الباب أيضًا على نوعين: ملازم لمحض الحرفية، وغير ملازم، والله الموفق). [جواهر الأدب: 85]

الفصل التاسع عشر: "النون" الثقيلة
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل التاسع عشر: وهو ختم النوع الأول المحض من نوعي الحروف الثنائية.
"النون" الثقيلة: بنيت عل الحركة لسكون ما قبلها، وعلى الفتح طلبًا للخفة إلا بعد "ألف" التثنية نحو: اضربان، و"الف" الفصل في جمع المؤنث نحو: اضربنان، فإنها مكسورة تشبيهًا "بنون" التثنية، وإنما فصل "بالألف" في: اضربنان، ونحوه لئلا يجتمع ثلاث "نونات"، ولا ينتقض بيجنن من جن يجن ويجنن من جن يجن لأن "نونين" منها من أصل الكلمة، والمحذور اجتماع ثلاث "نونات" زوائد، وتختص دون الخفيفة بتأكيدها لعدم اجتماع الساكنين على غير حده، وبعده الحذف والالتقاء بدلالة الحركة إذا وليها ساكن، وبعدم قلبها "ألفًا" وتشاركها فيما عدا هذه الثلاثة من الاختصاص بتأكيد الفعل، فلا تدخل الاسم المشابه له نحو: أقائمن زيد، إلا شذوذًا، والاختصاص بالمتصرف منه فلا تدخل جامدًا، وقراءة بعضهم: (واحسرتن) فعل تعجب شاذة، والاختصاص بالمستقبل منه، فلا تدخل الحال والماضي.
قال: وفي الأغراب وإن كان زمانه مستقبلًا اعتبار اللفظة، والرأي عندي جوازه لتوجه النفس إلى تأكيده حينئذٍ والاختصاص بما تضمن معنى الطلب منه فلا تدخل الخبر المحض، اللهم إلا إذا تأكد بأداة قسم، أو "ما" النافية لكونهما توطئة لدخول "النون"، ومؤزنان بالتوكيد والاختصاص بالثابت، فلا تدخل المنفي إلا على قلة تشبيهًا له بالنهي، ولم يجزه أبو علي رحمه الله بتجرده عن معنى الطلب، وجعله ابن جني قياسًا إذا وليه حرف النفي، كقوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا}، وقيل: هي فيها للنهي، وعندي أنها زائدة؛ إذ لا معنى للنفي ولا للنهي هنا، وحمل على النفي قوله:
ربما أوفيت في علم ..... ترفعن ثوبي شمالات
وقولهم: كثر ما يقولن ذلك؛ لإفادته التقليل أيضًا كالنفي، وهذا كله للإشعار بأن توجه النفس إلى التأكيد إنما يكون فيما خيف فواته، فكل ثابت بوجه يجوز تأكيده، ولهذا كثر في الشرط المؤكد "بما" النافية نحو: إمَّا تفعلن، حتى اعتقد الزجاج وجماعة وجوب لزوم "النون" قياسًا على القسم المثبت لشدة اقتضاء الكلام التأكيد إذا تقرر هذا فأقسام الفعل بالنظر إلى جواز التأكيد "بالنون" وعدمه ثلاثة، ما يمتنع تأكيده بها، وهو ما فقدت شروطه، وما يجب وهو مثبت القسم مطلقًا، و"باللام" على رأي الأكثر، كقوله تعالى: {تالله لأكيدن أصنامكم}، وقوله تعالى: {لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين}، وإنما جعل هذا قسمًا؛ لأنه لو كان شرطًا للزمت "الفاء" كما تقرر في موضعه.
وقول الأعشى: فلا شرب ثمانيًا وثمانيا، وإنما لزمت "النون" معه، أما إذا لم تكن "اللام" فظاهر ليفيد أن الكلام مثبت، وأما مع "اللام" على الأكثر فأما للفرق بين "لام" القسم التي لا تدخل إلا على المستقبل، وبين "لام" التأكيد التي لنفي الحال، أو لأنه لما كان الغرض من القسم التوكيد لزمت "النون" إيذانًا بما دخل القسم له وما يجوز تأكيده، إمَّا مع قلة وهو النفي وما حمل عليه، أو مع شيوع وكثرة، وهو ل فعل صدر بأداة شرط مؤكدة "بما" لازمًا ان التأكيد نحو: "حيثما" تقومن أقم، وإذ "ما" تفعلن أفعل، و"مهما" تكرمن زيدًا أكرمه. أو غير لازم نحو: "إمَّا" تفعلن، ومتى تقومن، وأيهم "ما" تكرمن، و"كيفما" تكونن، و"أينما" تذهبن، وكذا كل قسم غير مثبت نحو: والله "ما" أقومن، وحمل عليه قولهم: بجهد "ما" تفعلن، وبعين "ما" أرينك، تشبيهًا لما قبل الفعل بكلمة القسم لاشتراكهما في التأكيد، وكل ما تضمن معنى الطلب وهو الأمر والنهي والاستفهام بجميع أداته اسمية كانت أو حرفية، والعرض والتمني والتحضيض والدعاء، كقوله:
استقدر الله خيرًا وارضين به ..... فبينما العمر إذ دارت مياسير
وقولي:
لأكرمن فتى لم يال مجتهدًا ..... في دفع سيئة أو كسب إحسان
وقوله:
ولا تضيقن أن السلم آمنة ..... لماء ليس بها وعث ولا ضيق
وقوله:
أفبعد كندة تمدحن قتيلا.
ومنه:
هل ترجعن ليال قد مضين لنا ..... والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا
جمع فن، منصوب على الحال من الضمير في منقلب، ومنه قولهم: كيف تصنعن، ومنه قولي:
لم تمكثن ولم ترحل لمحمدة ..... فالماء ياسن ما في موضع قطعنا
وقولك: "ألا" تنزلن عندنا، وقولك: "ليت" الشباب يعود، و"هلا" تكرمن بكرًا، و"لولا" تحسنن إلي، وقول المتضرع: اللهم ارحمنا واغفرن لنا، ومنه قولي:
فلا يرحمن الله من نم بيننا ..... لتهجرني ليلي وتنسي ذماميا
فحكم الثقيلة في هذا كله حكم الخفيفة من غير فرق، قالوا: ولدخولهما في الفعل تأثير معنوي وهو تخصيص المضارع بالاستقبال.
قلت: هذا ينافي تخصيصهما بالمستقبل، ولفظي وهو البناء على الأشهر من قولي سيبويه، وعليه ابن السراج، والآخر من قولي سيبويه، وعليه المازني وجماعة أن الحركة لالتقاء الساكنين، ورد بأنه لو كانت له لما رد المحذوف قبلها نحو: تبيعن وقمن، كما لم يرد في قم الليل، وبع الثوب؛ لأن حركة التقاء الساكنين غير لازمة، فلا أثر لوجودها، وصرح المالكي بأن المضارع إذا أكد "بالنون" وفاعله ضمير مؤنث أو مثنى أو مجموع لغير مؤنث نحو: يفعلن، ويفعلان، وتفعلان، ويفعلون، وتفعلون، فهو معرب، ووافقه عليه جماعة وقال: بناء المضارع المذكور مع "النون" إمَّا لكون "النون" من خواص الأفعال فجذبته إلى أصله، وهو البناء، كما جذبت "اللام" والإضافة غير المنصرف إلى أصله وهو الصرف، وإمَّا لأنه بالتركيب صار كجزء من الكلمة التي لا تستحق إعرابًا فبني، وكل منهما لا يتمشى في المذكورات، أما الأول فلأنه لو منع لكونه خاصة لكان المصاحب "للسين" أو "سوف" أو "تاء" ضمير المؤنث بالمنع أولى لكونها من خواص الفعل أيضًا، وهي أولى بالمنع؛ لأن معناها غير لائق بالأسماء ولفظها لا يدخلها، و"النون" وإن كان لفظها لا يدخلها إلا أن معناها لائق بها؛ لأنها للتأكيد، ولما لم يبن مع هذا علمنا بالأولى أنه لم يبن مع "النون" أيضًا، وكذا لا يجوز أن يكون للتركيب؛ لأنه لاحظ لتركيب "النون" فيما دخلت عليه الضمائر المذكورة؛ لأن ثلاثة أشياء لا تركب شيئًا واحدًا فتكون الضمائر الثلاثة مانعة من التركيب فيبقى على إعرابه لفقد سبب البناء، اعلم "أن" الشديدة كما "أن" حكمها حكم الخفيفة فيما ذكر، كذلك حكم آخر الفعل الملحقة به حكم آخر ما لحقته الخفيفة يجب تحريكه بالفتح صحيحًا كان أو معتلًا نحو: افعلن، واخشين، وارمين، واغزون، وضمه مع "واو" ضمير المذكور وحذف "الواو" نحو: اضربن، وكسره مع "ياء" ضمير المؤنثة وحذفها نحو: اضربن، وإنما فتح الأول لحصول البناء كما هو المشهور، وضم الثاني وكسر الثالث لتدل الحركة على "الواو" و"الياء" المحذوفين، وإنما حذفا للزوم التقاء الساكنين، وإنما لم تحذف "الألف" ضمير المثنى، قيل: لئلا يلتبس بفعل الواحد، وأورد عليه أنه كان يمكن الحذف مع عدم الالتباس بأن تكسر "النون"، كما لو كانت "الألف" ملفوظة، وإنما لم تحذف لخفاء "الألف" وخفتها لوجودها في اللفظ كعدمها، بخلاف "الواو" و"الياء".
فائدة: ليست هذه "النون" أصلًا للخفيفة كما ذهب إليه الكوفيون من أنها مخففة منها، بل الخفيفة أصلًا برأسها؛ لأن الشديد أشد تأكيدًا، وشدة التوكيد فرع على أصله، وهذا يقتضي أصالة الخفيفة، فكيف تجعل فرعًا، ولأن التخفيف تصرف والحروف لا تقبل التصرف لجمودها إلا في الضرورة ولا ضرورة.
خاتمة: لو أردت تأكيد أمر جمع المؤنث من "أن" "يان".
قلت: إينان بقلب "الهمزة" الثانية "ياء" لسكونها وانكسار ما قبلها، ولو أردت تأكيده من ود يود.
قلت: أيددنان بقلب "الواو" "ياء" لذلك أيضًا، ولو أردت تأكيده من سن يسن، قلت: اسنينان، ولو أردته من وضأ يوضؤ، قلت: أوضؤنان، ولو أردته من ازيان قلت: أوززنان، وإن أردته من وقع يقع قلت: قعنان، وإن أردته من رأى قلت: رينان، ووزنه فينان، فالمحذوف "عين" الكلمة و"لامها"، وإن أردته من خاف قلت: خافني يا زيد، وخافن يا هند، وخفنان يا نساء، وإذا أردت تأكيدًا من جمع الإناث "من" و"أى" "يأي" أيضًا قلت: إينان، أما "الواو" التي هي "واو" الكلمة فحذفت لوقوعها بين "ياء" وكسرة في "ياي"، وبقيت "الهمزة" و"الياء"، و"النون" بعد "الياء" ضمير، والأخيرة للتوكيد.
فإن أردته "من" و"أي" قلت: أيوننان، فالأولى "همزة" وصل و"الياء" بدل من "الهمزة" الأصلية، فإن أكدت فعل الواحد قلت: "من" و"اي" "أن" يا هند، "ففاء" الكلمة محذوف، فبقي أين، فحذفت "الياء" لسكونها، وسكن "النون" بعدها، وتقول: من أوى أيون، ومن تفطن لهذه المسائل وقف على حقيقة الفعل بعون الله تعالى). [جواهر الأدب: 145-149]


النوع الثاني: من الحروف الأحادية وهو الذي اشتركت فيه الحروف بالأسماء
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (النوع الثاني: من الحروف الأحادية وهو الذي اشتركت فيه الحروف بالأسماء ولا تشارك الأفعال شيئًا من الأحادية لما بينا أن الاشتراك يجب كونه وضعًا وشيء من الأفعال لا يوضع أحاديثًا، بل يجب أن لا يكون أقل من ثلاثة أحرف أصول، حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه، وحرف يفصل بينهما لمنافاة الأول بحركته الآخر بسكونه، ولكونه لا يقتضي طبعًا لا الحركة ولا السكون، ثم ما قيل إنه إن سكن نافي الأول وإن حرك نافي الآخر فالمنافاة حاصلة، فإن اتفق فعل على أقل من ثلاثة فلذلك بطريق الحذف لعارض، كما تقرر في فنه، وأحرف هذا النوع سبعة:
وهي: "الألف"، و"التاء"، و"الكاف"، و"النون"، و"الهاء"، و"الواو"، و"الياء"، فلنذكر كل حرف منها في فصل، ونذكر فيه ما يخطر بالبال ذكره إن شاء الله، وليعلم أن هذه الأحرف السبعة مبنية في حالتي حرفيتها واسميتها، أما في حالة الحرفية فظاهر لعدم استحقاق الحرف الإعراب، وأما في حال اسميتها فاستيفاء لبيانها ولكون وضعها كوضع الحروف على حرف واحد فنبيت مطلقًا، والله تعالى أعلم). [جواهر الأدب: 42]

الفصل الرابع: "النون"
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الرابع: من النوع الثاني من نوعي الأحادية وهو الذي تشارك فيه النوعان: الأسماء والحروف.
هو "النون"، وهي ثنتان:
إحداهما: المخففة ساكنة كانت أو متحركة، وخرجها من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا متصلًا بالخيشوم تحت "اللام".
والثانية: هي الخفيفة التي لم يبق منها إلا الغنة فمخرجها الخيشوم، وهذه في الحقيقة فرع الأولى، وهي داخلة في الحروف المجهورة متوسطة بين الرخوة والشديدة، ويجب أن يعلم أن "النون" تتعدد أنواعها، ولكنها تنحصر في قسمين، هما الاسم والحرف، فلنحصرهما في بحثين.
البحث الأول: في "النون" الواقعة اسمًا وهي منحصرة في "نون" الضمير، ولا تكون إلا لجماعة الإناث وهي مبنية على الفتح، فالبناء لكونها على حرف واحد فأشبهت الحرف وضعًا، والتحريك تفضيلًا لها باسميتها، وكانت فتحة للخفة، وقوتها من السكون المستحق مع حصول المقصود، وتدخل في الأفعال الثلاثة، ففي الماضي نحو: النساء فعلن، ولكن يسكن آخر الماضي لما ذكرنا في تسكين ما قبل "التاء"، فإن كان آخره "ألفًا" قد انقلبت عن حرف علة ردت إلى أصلها من "واو" في نحو: دعون، أو "ياء" في نحو: سعين؛ لأن الاتصال بالضمير يرد الكلمات إلى أصلها غالبًا، وإن كان حرفًا صحيحًا سكن لا غير نحو: ضربن، وأما في المضارع فنحو: يفعلن، وتحذف عنه حركته وتبقى "الواو" و"الياء" على سكونهما فيقال: يغزون، ويرمين، ويسعون، فإن كان ذلك في حال الجزم وجب حذف "الواو" و"الياء" و"الألف"، وأتي بالحركات السابقة عليها دالة على المحذوف، فتقول: لم يغزون، ولم يرمين، ولم يرضين، لكن حرف العلة لم يحذف فيهن لزوال المحذور بتقدير الإعراب، وأما في الأمر فإنه كالمضارع المجزوم فيسكن ما قبل الآخر في الصحيح، ويحذف حرف العلة، وتبقى حركة ما قبله دالة على المحذوف، فيقال: اضربن، واغزن، وارمن، واسعن، وقد حكموا ببناء المضارع المتصل "بنون" الضمير بالاتفاق، واختلفوا في سببه، وأجود ما قبل فيه أن الأصل في الفعل البناء، وفي المبني السكون، ولما أشبه الماضي الاسم بوقوعه خبر الذي خبر، وصفة لموصوف، وصلة لموصول، وحالًا لذي حال بني على الحركة ترجيحًا على الأمر بهذه المشابهة حيث فقدت فيه كما ذكر، وإذ وقعت المشابهة بين الفعل والمضارع بما وجب إعرابه أعرب تفضيلًا له على أخويه الماضي والأمر، فإذا اتصلت به هذه "النون" التي من خواص الفعل وكان دخولها على الماضي موجبًا لتسكين آخره، وسقط عنه ما رجح به من الحركة صار دخولها على المضارع أيضًا موجبًا لإسقاط ما رجح به وهو الإعراب، فرجع إلى أصله وهو البناء، وهذا معنى قول سيبويه رحمه الله: بني يفعلن حملًا على فعلن بمعنى أنه حيث كان دخول الضمير المرفوع المتصل البارز من خواص الأفعال، ودخوله على الماضي موجبًا لتسكين آخره، وإزالة فضل به الماضي من الحركة لذلك جذب المضارع إلى تسكين آخره وإزالة ما فضل من الإعراب فبنى.
تنبيه: هذه "النون" متى لحقت فعلًا ماضيًا أو مضارعًا، ثم ذكر بعده ما هو فاعله صارت "النون" حرفًا يدل على أن فاعله جمع مؤنث نحو: قمن الهندات، كما تلحق "تاء" التأنيث الفعل لتدل على تأنيث الفاعل، ولم تبق ضميرًا ولا اسمًا، كقول الشاعر:
رأين الغواني الشيب لاح بمفرقي ..... فاعرضن عني بالخدود النواضر
وسيأتي ذكرها عند تعداد "النون" الحرفية إن شاء الله تعالى.
البحث الثاني: "النون" المحكوم بحرفيتها، وقد جمعت أصنافها في ستة وانحصرت في وصفين:
الوصف الأول: "النون" الساكنة وأصنافها ثلاثة:
الصنف الأول: التنوين، وهو "النون" الساكنة اللاحقة آخر الكلمة لغير تأكيد الفعل، وإنما لم يخصوه بآخر الاسم ليدخل فيه تنوين الترنم، والغالي لا جرم افتقر التعريف إلى ما يخرج عنه "نون" التوكيد الخفيفة فأخرجت صريحًا، والتنوينات ستة لأنها للتمكين وللتنكير وللعوض وللمقابلة وللترنم وللمغالاة، ونحن نذكرها بهذا الترتيب.
أما تنوين التمكين: فهو الدال على تمكن الكلمة في الاسمية، ويسمى تنوين الصرف أيضًا؛ لأنه يدخل المنصرف ويمتنع من غيره، ونقل عن الكسائي والفراء أنه دخل فرقًا بين الاسم والفعل، وعن قطرب وتابعيه أنه دخل فرقًا بين المفرد والمركب، وتستحقها بالأصالة النكرات لبقائها على محض الأصالة، وأدخل المعارف من الأعلام، وأن خرجت عن الأصالة بوجه واحد، وهو سهل يشق الاحتراز عنه، ولذلك لم يمنع الصرف إلا علتان كما سيأتي، وقول صاحب التسهيل تنون التمكين يدل على بقاء الأصالة، فلا يلحق غير اسم، إذ لا أصالة فيه إنما يريد به أنه يدل على الأصالة في الاسمية وغير الأسماء لا أصالة فيها لا يريدان الفعل والحرف لا أصالة لهما كما تهمه بعضهم، وكيف يعتقد ذلك وكل واحدٍ من الكلم الثلاث له أصالة في بابه، ولذلك حملت الأسماء على الحروف في البناء، وعلى الأفعال في العمل، ولكنه تساهل في العبارة لظهور المعنى.
وأما تنوين التنكير: فهو الذي يدل على تنكير مصحوبه مما يقبل التعريف ولا يدخله "أل" كالأصوات وأسماء الأفعال نحو: سيبويه، وصه، فإن سيبويه علم على الشخص المعروف، فإذا "نون" وقيل: سيبويه دل على شخص يسمى بهذا الاسم، وصه غير منون هو أمر بالسكوت حالًا ومنونًا أمر بسكوت ما في وقت ما غير معين، وقد سها من جعل تنوين نحو رجل وغيره من أسماء الأجناس تنوين تنكير، وإنما هو تنوين التمكين؛ إذ لو كان تنوين تنكير لكان يجب عند تسمية مذكر به، وجعله علمًا أن يسقط تنوينه لزوال تنكيره، وليس كذلك، فكذا أحمد إذا نكر فإنه ينصرف، ويكون تنوينه للتمكن لا للتنكير، بل لزوال الموجب لمنع الصرف.
فإن قلت: إنه لو جعل علمًا لمنع تنوينه فيكون تنوينه للتنكير، كما قلت في رجل، فلم قلت: إنه تنوين تمكين، وقد وجد فيه ما شرطته في رجل من منع التنوين؟
قلت: منع أحمد من التنوين كان بخروجه عن مستحقه بالأصالة وهو مشابهة الفعل بالفرعيتين فلما نكر زالت عنه الفرعية فعاد إلى أصله، وهو التمكن، فدخل عليه تنوينه، فلا يكون للتنكير.
وأما تنوين العوض: فقالوا هذا الذي يكون عوضًا عن المضاف إليه، كقوله تعالى: {وانشقت السماء فهي يومئذٍ واهية}، أي: فهي يوم إذا انشقت واهية، ثم حذفت الجملة وأتي بالتنوين عوضًا عنها، فالتقى ساكنان هما "الذال" من "إذ" والتنوين، فكسرت "الذال" السابقة للفرار من التقائهما، أو نقول: كانت "الذال" مكسورة لالتقاء "نون" {انشقت}، فصارت يومئذ، وكذلك كل أسماء الزمان إذا أضيفت إلى لفظة إذ، فإنها تعامل بذلك، فكسرته بنائية لالتقاء الساكنين.
وروي عن الأخفش أنه قال: إنها كسرة إعراب بإضافة اسم الزمان إليها، وضعف بوجهين:
أحدهما: أن إذ مبنية فلا تؤثر فيها الإضافة إليها كغيرها.
وثانيهما: أنه قد كسرت إذ غير مضاف إليها شيء من أسماء الزمان، كما أنشد الإمام عبد القاهر رحمه الله من قولهم:
نهيتك عن طلابك أم عمرو ..... بعافية وأنت إذن صحيح
وإنما جعل التنوين عوضًا عن المضاف إليه؛ لأنهما قد يتعاقبان في آخر الاسم، فلما حذفوا أحدهما عوض الاسم بالآخر المعاقب له، قلت في الأغراب: إن المحققين قد ذكروا لتنوين العوض موضعًا آخر في نحو: جوار، رفعًا وجرًا، مع عدم صرفها، فلا يكون محصورًا فيما ذكروه، ولا يمتنع من دخوله على الأفعال بما ذكروه من أنه حيث أن الأفعال لا تضاف لم يدخلها تنوين العوض، ومن ذهب إلى أن التنوين في نحو: جوار، وهو كل كلمة آخرها "ياء" مكسور ما قبلها ونظيرها من الصحيح غير منصرف إنما هو تنوين عوض لا تنوين صرف، فتقول: هذه جوار، وقد اختلفوا في أنه عوض عما "ذا"، فقال سيبويه: إنه عوض عن "الياء"، ومذهب المبرد أنه عوض عن حركة "الياء"، واختاره ابن الحاجب بأنه إنما حذفت "الياء" عند وجود التنوين لالتقاء الساكنين، فلو كان التنوين عوضًا عنها لكنا قد جمعنا بين العوض والمعوض، وهو فاسد، ورجح صاحب التسهيل مذهب سيبويه فقال: لو كان عوضًا عن الحركة لكان ذو "الألف" أولى به من ذي "الياء"؛ لأن حركة ذي "الياء" غير متعذرة، فهي في ذلك في حكم المنطوق به بخلاف حركة ذي "الألف"؛ لأنها متعذرة، وحاجة المعذر إلى التعويض أشد من حاجة غير المتعذر، وأيضًا لو كان التنوين المشار إليه عوضًا من الحركة لألحق مع "الألف" و"اللام" كما ألحق معهما تنوين الترنم في قوله:
أقلي اللوم عاذل والعنابن هذا نصه
واعلم أنه قد اعترض على مذهب سيبويه، وما اختاره صاحب التسهيل ليس بشيء، وقد أجيب عنه واعترض على الجواب، وقد بين والدي قدس الله سره المذاهب واحتجاج أصحابها عليها، وما أورد على ذلك، وما أجيب به عنه، وتصحيح ما غلب على ظنه شكر الله سعيه صحته، وإبطال ما ضعف منه كل ذلك في كتاب نهاية الأغراب، والتصريف في صناعتي الإعراب والتصريف، ولم نر إطالة هذه المقدمة بنقل جملة تلك الأقوال، فمن أراد الاطلاع فعليه به أو بشرحه للكافة ليجد ما يبرد الغليل ويبرئ العليل.
وأما تنوين المقابلة: فهو الداخل على ما جمع على السلامة كمسلمات، فإنهم ألحقوا بها حركات الإعراب عوضًا عن أحرفه في جمع سلامة المذكر، وجعلوا التنوين مقابلًا "للنون" المفتوحة فيه، وليس هذا التنوين صرفًا خلافًا للربعي، ونقل أن بعضهم يرى أنه تنوين عوض عن الفتحة التي كان يستحقها في حال النصب؛ لأنه ثبت بعد التسمية في مثل عرفات وأذرعات اسمي مكانين، ولم يزل تنوينه كما يزال من نحو مسلمة لو سمي بها، وقال ابن مالك: تأنيث مسلمات عند التسمية به أقوى من تأنيث مسلمة لوجهين:
أحدهما: أنه تأنيث مع جمعية.
وثانيهما: أنه بعلامة لا تتغير وصلًا ولا وقفًا، يعني: أن مسلمة يوقف عليها "بالهاء"، فكأنما نقص تأنيثها بخلاف مسلمات، فإن "تاءها" لا تغير وقفًا فكانت أقوى.
أقول: وحيث علم أن تنوين مسلمات يبقى فيما هو غير منصرف على أنه غير تنوين التمكين، وبأن سبب اختصاصه بالأسماء حيث لم يكن في الأفعال جمع مستحق "لنون" ليعوض عنها به.
وأما تنوين الترنم: فهو الذي يدخل على القوافي المطلقة عوضًا عن مدة الإطلاق سواء كان ذلك في النظم أو النثر فإن آخر الفقرة آخر البيت وهذا يعم الكلمات كلها حيث تقع في أواخر الفواصل، ويعم المعرف "باللام" وغيره، كقوله:
أقلي اللوم عاذل والعنابن ..... وقولي إن أصبت لقد أصابن
وقال الآخر: فهل لها أن ترد الخمس هلن فأدخله على الحرف.
وأما تنوين الغالي: فهو الذي يلحق آخر القافية وأنصاف الأبيات ليدل على وقف المنشد، فإنه بالتقييد لا يعلم أن المنشد واقف أو دارج، فإذا زاد التنوين علم أنه واقف، ولكونه يزيد على وزن البيت سمي غالبًا من الغلو وهو مجاوزة الحد، وأنشد الأخفش قول رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ..... مشتبه الأعلام لماع الخفقن
ويجوز فيما قبل "النون" عند إلحاقها كسر الحرف جريًا على القاعدة في التقاء الساكنين، وفتحه طلبًا للخفة، ولقربه من السكون المستحق، قال أبو حيان: أنكره الزجاج والسيرافي، وتأولا ما ورد من ذلك، وأثبته الأخفش.
قلت: وقبل التأويل صاحب التسهيل، وقد تسمى المختصة الأربع بالأسماء تنوين التمكين لأنها مختصة بالأسماء، وعلى هذا القول فالتنوين نوعان أحدهما التمكين، وثانيهما الترنم، فإن بعضهم يدخل الغالي في الترنم ويجعل الترنم لما لا يختص بالأسماء والتمكين للمختص بها.
فائدة: أقسام التنوين الأربع المختصة بالأسماء قد تحذف في مواضع:
أحدها: عند إضافة الكلمة إلى ما بعدها سواء الإضافة اللفظية والمعنوية، فيقال: هذا غلام زيد، وضارب بكر.
ثانيها: عند مصاحبة الكلمة أداة التعريف سواء كانت معرفة كالغلام، أو زائدة كقوله: والزيد زيد المعارك، أو موصولة كالضارب.
ثالثها: في حالة الوقف، فإنه إن "ان" في مصاحبه "تاء" تأنيث حذف مطلقًا، وإن كان مع غيرها مصاحبًا لضمة أو كسرة حذف أيضًا مطلقًا، وإن كان مصاحبًا للفتحة فقد قدمنا أنه يقلب "ألفًا".
رابعها: أن يقع المنون علمًا موصوفًا بابن والابن مضاف إلى علم أيضًا، نحو: جاءني زيد بن عمرو، فلو فقد أحد الشروط الثلاثة فلا أي، فإن كان المنون غير علم أو وصف بغير ابن، أو المضاف إليه غير علم لم يحذف تنوينه إلا في موضع شابهه، كما قرئ قوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله}، فإن عزيرًا هذا مبتدأ، وابن: خبره، ولما أشبه الصورة المجوزة صورة حملوه عليها فحذف، ولكن لا يقاس عليه.
قال ابن يعيش رحمه الله: فقد قرئ عزير بالتنوين، وبغير تنوين، فمن "نون" جعله مبتدأ، وابن الله الخبر حكاية عن مقال اليهود، ومن حذف التنوين جعله وصفًا، وقدر مبتدأ محذوفًا، أي: هو عزير ابن الله، فيكون هو مبتدأ، وعزير الخبر، وابن الله صفته، وهذا فيه ضعف؛ لأن عزيرًا لم يتقدم له ذكر فيكنى عنه، والأشبه أن يكون أيضًا خبرًا لأنه حذف منه التنوين لالتقاء الساكنين من قبيل الضرورة، وله نظائر نحو: {قل هو الله أحد الله الصمد} بحذف التنوين من أحد، ومنه ما رواه أبو العباس عن عمارة بن عقيل أنه قرأ: {والله سابق النهار} بنصب النهار على إرادة التنوين، ومنه قول الشاعر:
فألفيته غير مستعتب ..... ولا ذاكر الله إلا قليلًا
أرادوا لا ذاكر الله، بالتنوين، وحذف لالتقاء الساكنين، هذا نصه مرتبًا.
فائدة: قد تقدم في فصل "الهمزة" أن "همزة" ابن "همزة" وصل، ومن الأصول المقررة للخط أن كل كلمة تكتب بصورة انفرادها، أي: بالابتداء بها والوقف عليها، وذلك يقتضي أن يكتب ابن "بالألف" مطلقًا، ولكنهم قد قرروا أنها تحذف إذا كان ابن صفة مفرد أو واقعًا بين علمين أو كنيتين أو لقبين على ما هو شرط فتح ما قبله في النداء خطًا ولفظًا، فيقال: هذا زيد بن عمرو، وهذا أبو بكر بن أبي إسحاق، وهذا بعلة بن قفة بحذفها في الكل لكثرة الاستعمال ليحصل التخفيف، فعلى هذا تكتبه "بالألف" إذا كان خبرًا وغير واقع بين اثنين منها.
قلت: ولا يطرد الحذف في ابنة لأنها أقل الاستعمال منه.
قال أبو البقاء: وتكتب ابنة تأنيث ابن "بالألف" في كل حال ولم يضع الكتاب للتنوين في الخط صورة مع أنه من حروف المعاني المقصودة بيانها، إمَّا للتفرقة بينه وبين "نون" التوكيد ولم يعكس لأنه أكثر استعمالًا منه، وإمَّا لأنه بوقوعه بعد الإعراب الذي به وقع كالفضلة أطرحوه لمشابهته للزيادات.
الصنف الثاني: "نون" التوكيد الخفيفة وبناؤها وسكونها بمقتضى الأصالة، وتختص بالفعل المستقبل إمَّا وضعًا وهو صيغة الأمر، وإمَّا لقرينة طلب كما في الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض والقسم وربما شبه النفي بالنهي فتدخله "النون" قليلًا نحو: لنسفعن بالناصية، ولا يضربن، ومنه قوله:
فلا يقبلن ضيمًا مخافة ميتة ..... ويؤتن بها جرًا وجلدك أملس
ويفعلن وقوله:
هل يرجعن إلى لمتي إن خضبتها ..... إلى عهد ما قبل المشيب خضاها
وليتك تفعلن، وألا تفعلن، والله لأفعلن، وقل ما تفعلن، وقد تقدم في "اللام" المكسورة أن المضارع المثبت إذا وقع جوابًا للقسم لابد فيه من "اللام" وأنه قد تصحبه "نون" التوكيد لزومًا، وقل تجرده عنها فالتموا بوجودها فيه، وأما قولهم: إمَّا تفعلن، فإن إمَّا هي الشرطية زيدت عليها "ما" تأكيدًا للأداة، فأبدلوا "النون" "ميمًا"، فأدغموا فأكثروا مصاحبة فعلها "للنون" لكونه هو المقصود بالذات لئلا ينحط عن رتبة حرفه لكنهم التزموا به فالأول كأنهم اقتنعوا فيه في بعض مواقعه بتأكيد حرفه.
وحكم ما قبل "النون" الفتح في الصحيح والمعتل تقول: اضربن، واعزون، وارمين، فإن لاقاها "واو" الضمير أو "ياؤه" حذفته لسكونه وأبقيت حركته المجانسة له المتقدمة عليه بحالها لتدل على المحذوف نحو: افعلن وافعلن، ولا يلحقه "ألف" ضمير المثنى لأنه لو لحق لالتقى مع سكون "النون" ولم يبق ما يدل عليه؛ لأن فتح ما قبلها يكون مع عدم الضمير وإن اجتمع الساكنان بغير دليل، أما لو كانت "نون" التوكيد الثقيلة لجاز اجتماعها مع "ألف" الضمير، وإن اجتمع الساكنان لأنه على حده كالضالين، فإن كان المعتل يلحقه "واو" ضمير جماعة الذكور أو "ياء" ضمير المخاطبة نحو: ترون يا رجال، وترين يا هند، حذفت "النون" الإعرابية لبنائه، فالتقى ساكنان "النون" والضمير، وحرك بحركة تجانسه، كما لو لاقاه ساكن آخر غير "النون" من كلمة أخرى فتكسر "الياء"، فيقال: هل ترين؟ كما تكسر في قولنا: هل ترى القوم؟ وتضم "الواو" فيقال: هل ترون يا رجال؟ كما تضم في قوله تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم}، وكذلك تقول في تغزين: تغزون، هل تغزين؟ وتغزون بإعادة ما حذف للضمير لزواله بحذفه "للنون".
تنبيه: هذه "النون" الخفيفة قد تحذف لملاقات ساكن بعدها نحو: اضرب الرجل، فتبقى فتحة ما قبلها بحالها كقوله:
لا تهين الفقير علك أن ..... تركع يومًا والدهر قد رفعه
وتحذف للوقف حيث يضم ما قبلها نحو: اغرو، أو بكسر نحو: اغري، لكن ترد "الواو" أو "الياء" التي كنت حذفتها للحوقها ساكنة لالتقاء الساكنين، وإن كان ما قبلها مفتوحًا قلبت للوقف "ألفًا"، فتقول: لنسفعًا، كما تقول في المنصوب المنون: رأيت زيدًا، فإن قلت: فلم لم يجروها كالتنوين في حالتي الرفع والجر حيث ردوا ما كان قد حذف لأجلها بخلاف التنوين حيث لا يردون المحذوف معه بل الأفصح أن تقول: هذا قاض، ومررت بقاض، بسكون "الضاد" مع حذف "الياء" التي حذفت للتنوين.
قلت: لأن التنوين لازم للاسم المنصرف لا يزول عنه إلا لمعاقب له يمنعه، فإذا وقفت ولم يكن معاقب فكأنه موجود فلا يرد إلى الكلمة ما حذف لوجوده؛ لأنه موجود حكمًا، و"نون" التوكيد عارضة غير لازمة، فإذا حذفت لا يقدر وجودها فقد حذفت لفظًا ومعنى، وإنما لم يبدل منه "واو" لضمة ما قبلها و"يا" لكسرته، إمَّا لقياسها على إعراب الأسماء أيضًا، فإنه وقف على المنصوب المنون منها "بالألف" ولم يوقف على المرفوع المنون "بالواو"، ولا على المجرور المنون "بالياء"، ولم يقولوا: جاءني زيدويه، ولا مررت بريدي بها، فعوملت "النون" في الأفعال معاملة التنوين في الأسماء، وإمَّا أنه لو قيل في الوقف على اضربن المسند إلى ضمير المذكرين اضربوا في اضربن المسند إلى ضمير المؤنثة اضربي، لم يعلم أن الحرفين الموقوف عليهما أنهما مبدلان عن "نون" التأكيد وأنهما الأصليان المسند إليهما الفعل أولًا، فتفوت فائدة التوكيد، وستأتي تتمة مباحثه في الباب الثاني إن شاء الله تعالى.
الصنف الثالث: "النون" الدالة على كون الفاعل جمعًا مؤنثًا عند تقدم الفعل نحو: فعلن النساء، فإنها تلحق بالفعل عند تقدمه كما ألحقت "تاء" التأنيث به نحو: قامت هند.
فإن قيل: لم يجوز أن تكون "النون" ضمير الفاعل كما في: النساء فعلن، والظاهر بدلًا منه، وتكون باقية على اسميتها، ولا يفتقر إلى الحكم باختلاف حقيقتها المخالفة للأصل.
قلنا: إن ذلك جائز غير ممتنع ولكن حيث نص الأئمة على أن كونها حرفًا لغة قوم، وإن ذكروا أنها ضعيفة يجب تركه، وإذا علم كون المتكلم ليس من أهل تلك اللغة جاز أن يكون قد قصد قصدهم وتكلم بلغتهم، وجاز أن يقصد الإبدال على الاستعمال المشهور، وقد تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» ويعبرون عن هذه اللغة بلغة «أكلوني البراغيث» وفي هذا المثل شذوذ من وجهين:
أحدهما: عدم القرينة الدالة على تعدد الفاعل، وهو ضعيف، وسوغه قياسه على التأنيث حيث جاز إلحاق العلامة الدالة على تأنيث فاعله.
وثانيهما: أن الضمير اللائق بالعود على البراغيث هو "النون" لا "الواو" ؛ إذ "الواو" للمذكرين نحو: الزيدون قاموا، فلو قيل: أكلنني البراغيث كان جيدًا، وأما لو قال: أكلتني البراغيث لم يكن فيه شذوذ؛ لأنا قد قدمنا في فصل "التاء" أنه يجوز إسناد الفعل إلى المجموع في كل تقاديره "بالتاء" إلا الجمع المذكر السالم، وقد جعل بعضهم الذين في قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} فاعل أسروا على هذه اللغة، وبعضهم جعله بدلًا من الضمير، وحمله بعضهم على التقديم والتأخير، أي: بكون الذين مبتدأ، وأسروا خبر.
فإن قلت: كيف التزموا ذكر علامة مزية الفاعل عند التأنيث والتزموا ذكر "الياء" في بعض الأماكن وجوبًا، ورجحوه في مكان آخر، وما منعوا منه في مكان قط ولا ضعفوه متى كان الفعل مؤنثًا، وضعفوه مع لحوق العلامة عند كونه مثنى أو مجموعًا على كل حال.
قلت: لأنه كثر على المذكر إطلاق لفظ المؤنث، وعلى المؤنث إطلاق لفظ المذكر، فلم يبق وثوق بلحاق العلامة بالفاعل، وقد نبهنا عليه من قبل فأكدوا الدلالة بالعلامة الملحقة بالفعل للبيان بخلاف إطلاق لفظ المثنى أو المجموع على المفرد وعكسه، فإنه نادر، فلم يحتج إليه، فإذا ذكر الفعل مجردًا ثم اتبع بما يحق أن يسند إليه علم أنه فاعل على أي صفة كان من إفراد أو تعدد لتذكير أو تأنيث، حكم بأنه على تلك الصفة المذكورة، بخلاف ما إذا ذكر مذكرًا أو مؤنثًا لجواز أن لا يكون مدلوله كذلك بجواز مخالفة المدلول.
فإن قلت: فلذلك يجب أن تكون للمذكر علامة التذكير.
قلت: لا يلزم، أما إذا لم نجد في اللفظ والفعل قرينة تدل على التأنيث حمل على أنه مذكر؛ لأن الأصل في الأسماء التذكير.
الوصف الثالث: في "النون" الحرفية وهو الحركة، وأصنافها أيضًا ثلاثة:
الصنف الأول: "نون" الوقاية، ويسميها الكوفيون "نون" العماد، وهي "النون" التي تدخل على الأفعال قبل "ياء" ضمير المتكلم لتمنع دخول الكسر عليه نحو: ضربني، فإن "النون" فيه للوقاية، وتحقيق الحال فيها يتوقف على معرفة أصلين:
أحدهما: أنهم لما منعوا الفعل من الجر منعوه من دخول الكسر عليه، فجوزوا بناء ماضيه على الفتح نحو ضرب، وجوزا ضمه في بعض الأماكن نحو: ضربوا، ولم يجوزوا كسره مطلقًا لثقله وامتناع الجر منه.
فإن قلت: إنهم قد أدخلوا الكسر عليه عند سكون آخره إمَّا بناءً أو إعرابًا لتسكينه بالجازم حيث يلاقيه فيهما ساكن نحو: أقم الليل، ولم تضرب الرجل.
قلت: ذلك عند عروض عارض، فلا يكون لازمًا، فلا اعتداد بدخوله.
وثانيهما: أنهم لما أوجبوا أن يكون ما قبل "ألف" الضمير مفتوحًا نحو: ضربا، وجب أن يكون ما قبل "الواو" منه مضمومًا، وما قبل "الياء" مكسورًا لتكون قبل كل حرف الحركة المجانسة له، وإذا كان الفعل قد يكون آخره مفتوحًا ومضمومًا فجعلوا بين آخر الفعل و"ياء" ضمير المتكلم حرفًا تقع الكسرة عليه، وبقي الفعل عن مباشرة الكسرة فأتوا بهذه "النون"، ولذلك سميت "نون" الوقاية، فدخلت على الأفعال الماضية المتصرفة عمومً وجوبًا، وكذا على فعل التعجب نحو: ما اضربني، وأما "ليس" و"عسى" فإنهما لما أشبها الحرف بالجمود وعدم التصرف حتى ذهب بعض النحاة إلى أنهما حرفان، جاز فيهما إلحاق "النون" وإسقاطها؛ لأن الحرف لا يمتنع من دخول الكسر عليه بناء نحو: "لي"، و"بي"، و"جير"، فقد وردا مجردين عنها شذوذًا، كقوله:
عددت قومي كعديد الطيس ..... إذ ذهب القوم الكرام ليسي
و"عساي" وغير مجردين، كقولك: "ليسني" و"عساني"، وأما فعل الأمر فإنها دخلت عليه في جميع أقسامه بمباشرة آخر الفعل نحو: أكرمني وأكرمنني، وتتوسط الضمائر المتصلة البارزة نحو: أكرماني وأكرموني وأكرميني، فلم يختلف في ذلك شيء منها، وأما المضارع فإما أن يكون من الأمثلة الخمسة التي هي: يفعلان، وتفعلان، ويفعلون، وتفعلون، وتفعلين، أو غيرها فغيرها لابد فيه من دخول "نون" الوقاية نحو: يركمني، وتكرمني، وأما الأمثلة الخمسة فإن كان في حال سقوط "النون" بجازم أو ناصب فكذلك نحو: لم يكرماني، ولن يكرماني، وإن كان عند وجود "النون" فيها فيجوز إلحاق "النون" طردًا للباب، فيجتمع فيه "نونان": الأولى للإعراب، والثانية للوقاية، وفيها حينئذٍ ثلاثة مذاهب: أحدها: الإدغام، وثانيها: إبقاؤهما مع الفك، وثالثها: حذف إحداهما والاكتفاء بالأخرى، واختلف في أن الباقية أيتهما هي، فقال الأخفش: إنها "نون" الإعراب؛ لأن الإتيان "بنون" الوقاية إنما كان ليمتنع الفعل من دخول الكسر، ووجود "نون" الإعراب مما يحصل به المقصود، فيستغنى عن إلحاق "نون" الوقاية وبقاء شيء كان موجودًا يغني عنها أولى، وقيل: إن الباقية هي "نون" الوقاية.
قال ابن مالك: وعلى هذا اعتمد المحققون، وإن كان القائلون بالأول هم الأكثر، وهذا مذهب سيبويه، واستدل لترجيحه بأن "نون" الإعراب نائبة عن الضمة، وكلاهما جائز الحذف دون موجب، و"نون" الوقاية لا تحذف، فالحكم بالحذف على ما يجوز حذفه وحذف منوبه دون موجب أولى مما لا يجوز حذفه، وإن إبقاء "نون" الإعراب يعرضها لكسرها بعد "الياء" والضم مع "الواو" والحذف عند وجود عامل نصب أو جرم، ولا كذلك "نون" الوقاية.
تنبيه:
قد أدخلت "نون" الوقاية على بعض الأسماء والحروف لمقصد، فالأسماء كلمات مبنية على السكون أدخلت "النون" محافظة على سكون آخرها، وهي "لدن" بمعنى "عند"، و"قد"، و"قط"، إذا كانا بمعنى "حسب"، ففيهن وجهان:
أحدهما: وهو الأشهر إلحاق "النون"، فتدغم في "نون" "لدن"، وتكسر في الكل، وفي التنزيل: {قد بلغت من لدني عذرًا}، وقال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال: قطني ..... والآخر قدني من نصر الخبيبين قدي
وثانيهما: ترك الوقاية؛ لأن الأسماء لا تمتنع من دخول الكسر نحو: قدي، في آخر البيت، وأما الحروف فقد ورد دخولها على عدة أحرف:
منها: "من"، و"عن"، لمحافظة سكون آخرها وإلحاقها بهما هو المشهور، فندغم "النون" في "نونها"، وقد جاء حذفها في قوله:
أيها السائل عنهم وعني ..... لست من قيس ولا قيس مني
ومنها: الحروف المشبهة بالفعل، ودخلتها لمشابهتها الفعل لفظًا ومدلولًا وعملًا، فإن "أن"، و"إن"، و"كان"، و"لكن"، إذا اتصل بها "النون" جاز حذفه كراهة التضعيف، واجتماع الأمثال مع كثرة الاستعمال، وجاز الإثبات محافظة على حركات أواخرها تشبيًا لها بالفعل، وأما "ليت" فيلزمها "النون" في الأظهر؛ لعدم اجتماع الأمثال، ولا يحذف إلا في الضرورة، كقوله:
كمنية جابر إذ قال ليتي ..... أصادفه وأفقد بعض مالي
وأما "لعل"، فالمختار فيها حذف "النون"؛ لأن "النون" قريبة من "اللام"، ولذلك تدغم فيها وتبدل منها في نحو: أصيلال، ولأن من لغاتها "لعن"، فتحذف في اللغة الأخرى حملًا على هذه، ويجوز إلحاقها بها تشبيًا "بليت"، قوله:
واخرج من بين البيوت لعلني ..... أحدث عنك النفس بأمي خاليًا
وأما ما آخره "ألف" نحو: "إلى"، و"على"، و"ما"، و"كذا"، "لدا"، فلا تلحق به مطلقًا لامتناع الكسرة فيه.
الصنف الثاني: "نون" المثنى والمجموع، ولما كانا مشتركين في أكثر الأحول جمعنا بينهما، أما "نون" التثنية فهي "النون" اللاحقة "للألف" و"الياء" المفتوح ما قبلها في قولك: جاء الزيدان، ورأيت الزيدين، وهذه "النون" مكسورة في المشهور، وروى أبو علي ضمها في قولهم: هما خليلا، وروي فتحها، أنشد الفراء:
على أحوذيين استقلت عشية
وإنما حركت لالتقاء الساكنين وكانت كسرة؛ لأنه الأصل في ملتقاهما، وتسقط في ثلاثة أحوال:
أحدها: الإضافة، كقوله تعالى: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين}، إمَّا لدلالتها على الانفصال المباين للإضافة، وإمَّا لمشابهتها التنوين.
وثانيها: للضرورة، فإنها تبيح إسقاط بعض الكلمة، فحذف الفضلات أجوز، قال تابط شرا:
هما خطتا إمَّا أسار ومنة ..... وإمَّا دم والقتل بالحر أجدر
وثالثها: التقصير الصلة، كقوله:
خليلي ما إن أنتما الصادقا هوى
وأما "نون" الجمع فهي "النون" اللاحقة "لواو" مضموم ما قبلها أو "ياء" مكسور ما قبلها في مثل: الزيدون والزيدين، وهذه "النون" مفتوحة هربًا من اجتماع الأمثال لو ضمت مع "الواو" وكسرت مع "الياء"، ولتوسطها بين اختيها الحركتين، وقد تكسر ضرورة كقوله: وقد جاوزت حد الأربعين، وقيل: إن كسرها لغة وتحذف أيضًا لثلاثة أشياء:
الإضافة: كما تقدم، كقوله تعالى: {ناكسوا رؤوسهم}، و{حاضري المسجد الحرام}.
ولضرورة الشعر: كقوله:
لو كنتم منجدي كما استغثيكم
ولتقصير الصلة:كقوله:
الحافظوا عورة العشيرة
وقرئ: {والمقيمي الصلاة} وقد تحذف دون ذلك، وكثر قبل "لام" ساكنة كقراءة من قرأ: {إنكم لذائقوا العذاب الأليم} بالنصب، وتحذف من الموصولة، كقوله:
وإن الذي جاءت بفلج دماؤهم ..... هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقرئ: (وما هم بضاري به من أحد) قرأها الأعمش.
تنبيه: على فائدتين:
إحداهما: اختلف الناس في سبب إلحاق "نون" المثنى والمجموع بهما فقيل: هي عوض عن حركة الواحد المفقودة بالتثنية والجمع، وضعف بأن ذلك هو الإعراب وأحرف التثنية، يعني: "الألف"، و"الياء" نابت عنها، فلا يعوض عنها شيء آخر لا سيما عند من يقول: إن الحركات مقدرة عليها، وهذا القول يعزى إلى سيبويه.
قلت: يبطله حذفها مع الإضافة، وقيل: عوض عن تنوينه، وضعف بثبوته فيما لا تنوين فيه نحو: يا زيدان، ويا زيدون، ولا رجلين، ولا غافلين، وبثبوته مع أداة التعريف، وبهذا يعلم فساد قول من يقول: إنه عوض تنوينين في المثنى، وتنوينات بعدد الآحاد في المجموع.
وقال صاحب التسهيل: إنما أتي بها دفعًا لتوهم الإضافة والإفراد؛ إذ لولا "النون" في قولك: رأيت بني كرماء، وعجبت من ناصري ناعين، لم يعلم أن كرمان وناعين صفة لمتقدمهما، أو مضاف إليهما به، ولم يعلم في قولك: هذا الحوز لي، أنه مثنى أم مفرد، وفي قولك: مررت بالمهتدي، وانتسبت، لم يعلم المفرد من الجمع، "فبالنون" فرق بين هذه كلهاز.
وثانيهما: "النون" في جمع المذكر السالم؛ إذ لم يكن من المقيس المجموع بشروطه، بل قد جمع شذوذًا كسنين، فمنهم من يجعل "النون" من نفس الكلمة ويعربها عليها بالحركات، ويلزمها "الياء"؛ لأنها أخف من "الواو"، ولا يحذفها في الإضافة، كقول الشاعر:
دعاني من نجد فإن سنينه ..... لعبن بنا شيبًا وشيبننا مردا
فإن جعل هذا الجمع علمًا على مسمى نقل فيه صاحب التسهيل أربعة مذاهب:
أحدها: معاملته معاملة المجموع، كقوله تعالى: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون}.
وثانيها: جعله "بالياء" وإعرابه على "النون".
وثالثها: إلزامه "الواو" مع كون "النون" معتقب الإعراب نحو: عشرون.
ورابعها: إلزامه "الواو" وفتح "النون" مطلقًا في الأحوال كلها، ولا تسقط "نونه" للإضافة، ذكرها السيرافي وأنشد قوله:
ولها بالماطرون إذا ..... أكل النمل المدهن جمعا
ومنهم من يعربه على "النون" بالكسرة، روي عن أبي ليلى:
وبت كالمحزون واعترتــ ..... ـــني الهموم بالماطرون
الصنف الثالث: "نون" الأمثلة الخمسة من الأفعال المضارعة الواقعة بعد الضمائر البارزة المرفوعة، وهي: يفعلان، وتفعلان، ويفعلون، وتفعلون، وتفعلين، فإن الضمائر الثلاث وهي: "الألف" في الأولين، و"الواو" في الثالث والرابع، و"الياء" في الخامس هي ضمائر الفاعلين لهذه الأفعال، واحتاجوا إلى ما يدل على إعراب هذه الأفعال، فأتوا "بنون" ألحقوها بها، وفتحوها لسكون الضمير قبلها، وهو "واو" مضموم ما قبلها أو "ياء" مكسور ما قبلها تشبيًا "بنون" مسلمين في الحالين، وكسر ما بعدها "الألف" تشبيهًا "بنون" الزيدان، ثم جعلوا ثبوت هذه "النون" فيهن دليلًا على رفعها وحذفها دليلًا على نصبها وجزمها، فيجب عدها من حروف المعاني لذلك، وينبغي أن يعلم أن هذه الضمائر لما التحقت بالأفعال تنزلت منزلة جزء منها، ولذلك جاز أن يقع ما يدل على إعراب أفعالها عليها كما جاز أن يلحق ما يدل على تأنيث الفاعل بفعله لما يحصل بينهما من شدة الامتزاج، وأن هذه الضمائر إذا ذكرت أولًا ملحقة بفعل وذكر بعدها ما يسند الفعل إليه، كقوله: يقومان الرجلان، وتقومان المرأتان، ويقومون الرجال، يكون المسند إليه بعدهما هو الفاعل، والأحرف المتقدمة علامة تدل على فرعية الفاعل، "كتاء" التأنيث الملحقة بالأفعال، وحينئذٍ يجب أن يزاد في الحروف الأحادية حرفان: هما "الألف" و"النون"، و"الواو" و"النون"، ويصير الكلام على لغة «أكلوني البراغيث»، ولا تصير "الياء" مع "النون" في: تفعلين، كذلك؛ لأنه لا يمكن أن يرتفع به ظاهر، فلا تنفك عن الضمير، وكذلك أيضًا في: تفعلان أنتما، وتفعلون أنتم؛ لأن ضمائرهما لا يخلفها الظاهر، فلذلك لا ينفكان عن الإضمار، بخلاف ما مثلناه مما يخلفه الظاهر، فإنه يتجرد حينئذٍ عن الضمير، فيكون حرفًا.
فإن قلت: إذا قيل: تفعلان الرجلان، في المخاطب، وتفعلين المرأة، ليكون الظاهر بدلًا من الضمير، فقد خلفه.
قلت: ذلك لا يزيل الاسمية عن الضمير لوقوع الظاهر بدلًا منه، فكل منهما اسم، بخلاف: يقومان الرجلان، فإن الفاعل إنما هو الرجلان و"الألف" و"النون" حرفان دالان على أن الفاعل مثنى كدلالة "التاء" على تأنيثه، فليس كذلك). [جواهر الأدب: 58 - 74]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:48 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



باب "النون" وما أوله "النون"

قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (باب
"النون" وما أوله "النون"
تقع "نون" التوكيد في الأفعال المستقبلة وتنقسم إلى قسمين: خفيفة وثقيلة وقد اجتمعا في قوله تعالى: {ليسجنن وليكونًا من الصاغرين}، قال الخليل: والتوكيد بالثقيلة أبلغ). [مصابيح المغاني: 492]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:49 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن محمد بن إسماعيل الكردي البيتوشي (ت: 1211هـ): (
والنون في أصبحن عاذلاتي ..... في دمعي السائل عاذراتي
علامةٌ للجمع وهي تُنسبُ ..... لطيئٍ فيما حوته الكتب).
[كفاية المعاني: 253]


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:50 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)


(حرف "النون")
قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (حرف "النون")
"النون" المفردة تأتي على أربعة أوجه:
أحدها:
"نون" التوكيد، وهي خفيفة وثقيلة، قال الخليل: والتوكيد بالثقيلة أبلغ، وتختصان بالفعل.
الثاني: التنوين: وهو
"نون" ساكنة تلحق الآخر لغير توكيد، وله أقسام:
الأول: تنوين الصرف، كزيد، ورجل، ورجال، وهو تنوين التمكن.
والثاني: تنوين التكثير، وهو اللاحق لبعض الأسماء المبنية فرقًا بين معرفتها ونكرتها، ويقع سماعًا في باب اسم الفعل، "كصه"، و"مه"، و"إيه"، وفي العلم المختوم "بويه"، نحو: جاءني سيبويه وسيبويه آخر.
والثالث: تنوين المقابلة، وهو اللاحق لنحو: مسلمات، في مقابلة
"النون" في: مسلمين.
والرابع: تنوين العوض، وهو اللاحق عوضًا من حرف أصلي أو مضاف إليه مفرد أو جملة، فالأول كجوار وغواش، فإنه عوض من
"الياء" وفاقًا لسيبويه والجمهور.
والخامس: تنوين
"كل" و"بعض" إذا قطعا عن الإضافة نحو: {وكلًا ضربنا له الأمثال}، {وفضلنا بعضهم على بعض}، وقيل: هو تنوين التمكين.
والسادس: اللاحق
"لإذ"، في مثل: {وانشقت السماء فهي يومئذ واهية}، والأصل: فهي يوم "إذ" انشقت واهية.
والسابع: تنوين الترنم، وهو اللاحق للقوافي المطلقة، أي: المحركة الأواخر بدلًا من حرف الإطلاق، وهو "الألف" و"الواو" و"الياء"، وذلك في إنشاد بني تميم، كقوله وقولي: إن أصبت لقد أصابن.
وزاد الأخفش والعروضيون تنوينًا آخر سموه الغالي، وهو اللاحق لآخر القوافي المقيدة، كقول رؤبة: وقائم الأعماق خاوي المخترقن.
وجعله ابن يعيش من نوع الترنم، وأنكر الزجاج والسيرافي ثبوت هذا التنوين البتة؛ لأنه يكسر الوزن، وزاد بعضهم آخر وهو تنوين الضرورة، وهو اللاحق لما لا ينصرف، كقوله: ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة.
وللمنادى المضموم، كقوله: سلام الله يا مطر عليها.
وزاد غيرهم: التنوين الشاذ، كقول بعضهم: هؤلاء قومك، حكاه أبو زيد.
الثالث: من أقسام
"النون": "نون" الإناث، وهي اسم في نحو: النسوة يذهبن، خلافًا للمازني، وحرف في، نحو: يذهبن النسوة، في لغة من قال: أكلوني البراغيث، خلافًا لمن زعم أنها اسم، وما بعدها بدل منها، أو مبتدأ مؤخر، والجملة قبله خبر.
الرابع:
"نون" الوقاية، وتسمى "نون" العماد أيضًا، وتلحق قبل "ياء" المتكلم المنصوبة بواحد من ثلاثة:
أحدها: الفعل متصرفًا، كان نحو: أكرمني، أو جامدًا نحو: عساني وقاموا ما خلاني، وما عداني، وأمر قوله: إذ ذهب القوم الكرام ليسي فضرورة، وفي نحو: تأمرونني، يجوز فيه الفك والإدغام والنطق
"بنون" واحدة، وقد قرئ بهن في السبع.
الثاني: اسم الفعل نحو: داركني، وتراكني، وعليكني، بمعنى: أدركني وأتركني وألزمني.
الثالث: الحرف، نحو: "أنني"، وهي جائزة الحذف مع "أن" و"إن" و"لكن" و"كأن"، وغالبة الحذف مع "لعل"، وقليلة مع "ليت"، وتلحق أيضًا قبل "الياء" المخفوضة "بمن" و"عن" إلا في ضرورة الشعر، وقبل المضاف إليها "لدن" و"قد" و"قط" إلا في قليل من الكلام، وقد تلحق في غير ذلك شذوذًا نحو: بجلني، بمعنى: حسبي، خلافًا للجوهري، وقوله: امسلمني إلى قومي شراحى، يريد: شراحيل، وزعم هشام أن
"النون" في امسلمني ونحوه تنوين لا "نون"، وبني ذلك على قوله في ضاربني أن "الياء" منصوبة، ويرده قول الشاعر: وليس الموافيني ليرفد خائبًا؛ لأنه لو كان تنوينًا لا "نون" وقياة لزم عليه الجمع بين "ال" والتنوين، فتعين أن "النون" للوقاية، و"الياء" في محل جر بالإضافة، وفي الحديث: «غير الدجال أخوفني عليكم»، الأصل: خوف غير الدجال أخوف أخوافي، أي: أشدها.
"نعم": بفتح "العين" وكنانة تكسرها، وبها قرأ الكسائي وبعضهم يبدلها "حاء"، وبها قرأ ابن مسعود، وبعضهم يكسر "النون" اتباعًا لكسرة "العين" تنزيلًا لها منزلة الفعل في قولك:
"نعم"، وشهد بكسرتين وهي حرف تصديق ووعد وإعلام.
فالأول: بعد الخبر كقام زيد، أو ما قام زيد، فتقول:
"نعم"، أي: قام، أو ما قام.
والثاني: بعد افعل ولا تفعل وما في معناهما، نحو: هلا تفعل، وهلا لم تفعل، وبعد الاستفهام، هل تعطيني؟ فتقول:
"نعم" سأعطيك، فهو وعد منك له.
والثالث: للإعلام نحو: هل جاءك زيد، ونحو: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا}. قيل: وتأتي للتوكيد إذا وقعت صدرًا نحو:
"نعم" هذه أطلالهم، والحق أنها في ذلك حرف إعلام، وأنها جواب لسؤال مقدر، ولم يذكر سيبويه معنى الإعلام البتة.
وإذا قيل: قام زيد، فتصديقه
"نعم" وتكذيبه "لا"، ويمتنع دخول "بلى" لعدم النفي، وإذا قيل: ما قام زيد فتصديقه "نعم" وتكذيبه "بلى"، ومنه: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قبل بلى}، ويمتنع "لا" لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي.
وإذا قيل: أقام زيد، فهو مثل: قام زيد، أعني: أنك تقول في الإثبات
"نعم" وفي النفي "لا"، ويمتنع دخول "بلى".
وإذا قيل: ألم يقم زيد، فهو مثل: لم يقم زيد، فتقول: إن أثبت القيام:
"بلى"، ويمتنع دخول "لا"، وإن نفيته قلت: "نعم"، قال الله تعالى: {ألم يأتكم نذير}، {ألست بربكم قالوا بلى}، {أولم تؤمن قال بلى}.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنه لو قيل: نعم في: {ألست بربكم} كان كفرًا ».
فتلخص أن
"بلى" لا تأتي إلا بعد نفي، وأن "لا" لا تأتي إلا بعد إيجاب، وأن "نعم" تأتي بعدهما.
ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب
"بنعم"، الإيجاب رعيًا لمعناه، كما حكى عن سيبويه في باب النعت في مناظرة جرت بينه وبين بعض النحويين، قال: فيقال: ألست تقول كذا، فإنه لا يجد بدًا من أن يقول: "نعم".
وحاصل الكلام أن
"نعم" تقرر ما قبلها، فإن كان إثباتًا صيرته إثباتًا، وإن كان نفيًا صيرته نفيًا، لكن كلام سيبويه يقتضي أن "نعم" بعد النفي تفيد الإيجاب.
وزعم ابن الطراوة أن ذلك لحن من سيبويه، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال للأنصاري: «ألست ترون ذلك، فقال له أحدهم: نعم»، وقال جحدر:
أليس الليل يجمع أم عمرو .... وإيانا فذاك بنا تدان
نعم وأرى الهلال كما تراه .... ويعلوها النهار كما علاني
وعلى ذلك جرى كلام سيبويه وجاز ذلك في الحديث والبيت لا من اللبس.
"نعم": فعل موضوع للمدح نحو: "نعم" الرجل، و"نعم" الرجل زيد و"نعم" المرأة هند، وإن شئت قلت: "نعمت" المرأة هند، فالرجل فاعل نعم، وزيد مخصوص بالمدح.
ولا يكون فاعل نعم إلا معرفة "بالألف" و"اللام"، وأما ما يضاف إلى ما فيه "الألف" و"اللام"، أو نكرة منصوبة نحو:
"نعم" رجلًا ، فيكون تفكيرًا للرجل المقدر، ولا يليها علم ولا غيره، ولا يتصل بها الضمير، فلا تقول: الزيدون نعموا.
قال الحريري في درة الغواص: ويقولون في جواب من مدح رجلًا أو ذمه:
"نعم" من مدحت، و"بئس" من ذممت، والصواب أن يقال: "نعم" الرجل من مدحت، و"بئس" الرجل من ذممت، كما قال عمرو بن معدي كرب، وقد سئل عن قومه: "نعم" القوم قومي عند السيف المسلول والمال المسؤول، ويكون تقدير الكلام في قولك: "نعم" الرجل زيد، أي: الممدوح بين الرجل زيد، ويجوز أن يقتصر على ذكر الجنس، ويضمر المقصود بالمدح والذم اكتفاء بتقدم ذكره، فيقال: "نعم" الرجل و"بئس" العبد، ومنع أهل العربية أن يكون فاعل "نعم" و"بئس" مخصوصًا، ولهذا لم يجيزوا: "نعم" زيد، ولا "نعم" أبو علي، وكذلك امتنعوا أن يقولوا: "نعم" هذا الرجل؛ لأن الرجل ههنا صفة لهذا، و"اللام" فيه لتعريف الإشارة والخصوص، ومن شريطة "لام" الترعيف الداخلة على فاعل "نعم" و"بئس" أن تكون للجنس. اهـ.
قال الشارح: قال في شرح التسهيل: لا يمتنع عند المبرد والفارسي إسناد
"نعم" و"بئس" إلى الذي للجنسية نحو: "نعم" الذي يأمر بالمعروف زيد، أي: الأمر بالمعروف على قصد الجنس، ومنع الكوفيون وجماعة من البصريين منهم ابن السراج والجرمي كون الذي فاعل "نعم" و"بئس"، وأجاز قوم من النحويين ذلك في "من" و"ما" الموصولين مقصودًا بهما الجنس، وعليه ابن مالك، واستشهد لجوازه بقوله:
فنعم مذكاء من ضاقت مذاهبه ..... ونعم من هو في سر وإعلان
ولو لم يصح الإسناد إليه لم يصح إلى ما أضيف إليه، والمراد بأهل القرية: أهل البصرة، قلت: الذي في نسختي أهل العربية كما تقدم إلى أن قال: وعندي أن "نعم" بحسب الوضع تفيد المبالغة، وبحسب العرف ليست كذلك، حتى لو قال أحد لآخر: "نعم" أنت وبخه. اهـ، و"نعما" تقدمت في ما فراجعها هناك.
"نيف": النيف: الزيادة، يخفف ويشدد على حد قولهم: هين ولين، وأصله من "الواو"، يقال: عشرة ونيف، ومائة ونيف، وكل ما زاد على العقد فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني). [غنية الطالب: 255 - 260]


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 2 محرم 1439هـ/22-09-2017م, 06:25 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قسم معاني الحروف من دليل"دراسات في أساليب القرآن"
للأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:47 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة