تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قال كانوا لا يخالطوهم في مال ولا مأكل ولا مشرب ولا مركب حتى نزلت وإن تخالطوهم فإخوانكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/377-378]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسئولا}.
يقول تعالى ذكره: وقضى أيضًا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكلٍ إسرافًا وبدارًا أن يكبروا، ولكن اقربوه بالفعلة الّتي هي أحسن، والخلّة الّتي هي أجمل، وذلك أن تتصرّفوا فيه له بالتّثمير والإصلاح والحيطة.
وكان قتادة يقول في ذلك ما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} لمّا نزلت هذه الآية، اشتدّ ذلك على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكانوا لا يخالطونهم في طعامٍ أو أكلٍ ولا غيره، فأنزل اللّه تبارك وتعالى {وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح} فكانت هذه لهم فيها رخصةٌ
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} قال: كانوا لا يخالطونهم في مالٍ ولا مأكلٍ ولا مركبٍ، حتّى نزلت {وإن تخالطوهم فإخوانكم}.
و قال ابن زيدٍ في ذلك ما:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} قال: الأكل بالمعروف، أن تأكل معه إذا احتجت إليه، كان أبي يقول ذلك
وقوله: {حتّى يبلغ أشدّه} يقول: حتّى يبلغ وقت اشتداده في العقل، وتدبير ماله، وصلاح حاله في دينه {وأوفوا بالعهد} يقول: وأوفوا بالعقد الّذي تعاقدون النّاس في الصّلح بين أهل الحرب والإسلام، وفيما بينكم أيضًا، والبيوع والأشربة والإجارات، وغير ذلك من العقود.
{إنّ العهد كان مسئولاً} يقول: إنّ اللّه جلّ ثناؤه سائلٌ ناقض العهد عن نقضه إيّاه، يقول: فلا تنقضوا العهود الجائزة بينكم، وبين من عاهدتموه أيّها النّاس فتخفروه، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك. وإنّما عنى بذلك أنّ العهد كان مطلوبًا، يقال في الكلام: ليسألنّ فلانٌ عهد فلانٍ). [جامع البيان: 14/590-591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} قال: كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب حتى نزلت (وإن تخالطوهم فإخوانكم) (البقرة آية 220) ). [الدر المنثور: 9/342]
تفسير قوله تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ذلك خير وأحسن تأويلا قال عاقبة وثوابا). [تفسير عبد الرزاق: 1/378]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن جابر عن مجاهد {وزنوا بالقسطاس المستقيم} قال: العدل بالرومية [الآية: 35]). [تفسير الثوري: 173]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً}.
يقول تعالى ذكره: {و} قضى أن {أوفوا الكيل} للنّاس {إذا كلتم} لهم حقوقهم قبلكم، ولا تبخسوهم {وزنوا بالقسطاس المستقيم} يقول: وقضى أن زنوا أيضًا إذا وزنتم لهم بالميزان المستقيم، وهو العدل الّذي لا اعوجاج فيه، ولا دغل، ولا خديعة.
وقد اختلف أهل التّأويل في معنى القسطاس، فقال بعضهم: هو القبّان
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا صفوان بن عيسى، قال: حدّثنا الحسن بن ذكوان، عن الحسن: {وزنوا بالقسطاس المستقيم} قال: القبّان.
وقال آخرون: هو العدل بالرّوميّة
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ،: القسطاس: العدل بالرّوميّة.
وقال آخرون: هو الميزان صغر أو كبر.
وفيه لغتان: القسطاس بكسر القاف، والقسطاس بضمّها، مثل القرطاس والقرطاس، وبالكسر يقرأ عامّة قرّاء أهل الكوفة، وبالضّمّ يقرأ عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة، وقد قرأ به أيضًا بعض قرّاء الكوفيّين، وبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ، لأنّهما لغتان مشهورتان، وقراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار
وقوله: {ذلك خيرٌ} يقول: إيفاؤكم أيّها النّاس من تكيلون له الكيل، ووزنكم بالعدل لمن توفون له {خيرٌ} لكم من بخسكم إيّاهم ذلك، وظلمكموهم فيه
وقوله: {وأحسن تأويلاً} يقول: وأحسن مردودًا عليكم وأولى إليه فيه فعلكم ذلك، لأنّ اللّه تبارك وتعالى يرضى بذلك عليكم، فيحسن لكم عليه الجزاء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً} أي خيرٌ ثوابًا وعاقبةً وأخبرنا أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول: يا معشر الموالي، إنّكم ولّيتم أمرين بهما هلك النّاس قبلكم: هذا المكيال، وهذا الميزان. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: " لا يقدر رجلٌ على حرامٍ ثمّ يدعه، ليس به إلاّ مخافة اللّه، إلاّ أبدله اللّه في عاجل الدّنيا قبل الآخرة ما هو خيرٌ له من ذلك "
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {وأحسن تأويلاً} قال: عاقبةً وثوابًا). [جامع البيان: 14/591-593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 35.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا} قال: يوم أنزلت هذه كان إنما يسأل عنه ثم يدخل الجنة فنزلت (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) (آل عمران آية 77) ). [الدر المنثور: 9/342-343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {إن العهد كان مسؤولا} قال: يسأل الله ناقض العهد عن نقضه). [الدر المنثور: 9/343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {إن العهد كان مسؤولا} قال: لا يسأل عهده من أعطاه إياه). [الدر المنثور: 9/343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال: ثلاث تؤدى إلى البر والفاجر العهد يوفى إلى البر والفاجر وقرأ {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا}). [الدر المنثور: 9/343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: من نكث بيعة كانت سترا بينه وبين الجنة، قال: وإنما تهلك هذه الأمة بنكثها عهودها). [الدر المنثور: 9/343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {وأوفوا الكيل إذا كلتم} يعني لغيركم {وزنوا بالقسطاس المستقيم} يعني الميزان، وبلغة الروم الميزان القسطاس {ذلك خير} يعني وفاء الكيل والميزان خير من النقصان {وأحسن تأويلا} عاقبة). [الدر المنثور: 9/343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ذلك خير وأحسن تأويلا} أي خير ثوابا وعاقبة، وأخبرنا أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول: يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين: بهما هلك الناس قبلكم هذا المكيال وهذا الميزان، قال: وذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك). [الدر المنثور: 9/344]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال: {بالقسطاس} العدل بالرومية). [الدر المنثور: 9/344]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة {وزنوا بالقسطاس} قال: العدل). [الدر المنثور: 9/344]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه {وزنوا بالقسطاس} قال: القبان). [الدر المنثور: 9/344]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه {وزنوا بالقسطاس} قال: بالحديد والله أعلم). [الدر المنثور: 9/345]
تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم قال لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع وعلمت ولم تعلم). [تفسير عبد الرزاق: 1/378]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({لا تقف} [الإسراء: 36] : «لا تقل»). [صحيح البخاري: 6/84]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد {موفورا} وافرا {تبيعا} ثائرا وقال ابن عبّاس نصيرًا {خبت} طفئت وقال ابن عبّاس {ولا تبذر} لا تنفق في الباطل {ابتغاء رحمة} رزق {مثبورا} ملعونا {ولا تقف} لا تقل {فجاسوا} تيمموا {يزجي لكم الفلك} يجري الفلك {يخرون للأذقان} للوجوه
قال عبد بن حميد ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 63 الإسراء {موفورا} قال وافرا
وبه في قوله 69 الإسراء {به تبيعا} قال نصيرًا ثائرا
وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية عن علّي عن ابن عبّاس في قوله تبيعا قال نصيرًا
وبه في قوله 97 الإسراء {كلما خبت} قال طفئت
أخبرنا أبو الفرج بن الغزّي أنا يوسف بن عمر الختني وهو آخر من حدث عنه بالسّماع أنا عبد الوهّاب بن رواج وهو آخر من تقيّ من حضر عنده أو سمع عليه أنا الحافظ أبو طاهر السلفي أنا أبو طاهر بن البطر أنا عبيدالله بن عبد الله بن البيع ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ثنا محمود بن خداش ثنا هشيم أنا حصين عن عكرمة عن ابن عبّاس في قوله 27 الإسراء {إن المبذرين كانوا إخوان الشّياطين} قال المبذر المنفق في غير حق
رواه البخاريّ في كتاب الأدب المفرد عن عارم عن هشيم به فوقع لنا بدلا عاليا
وقال أبو جعفر الطّبريّ ثنا القاسم ثنا الحسين ثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس في قوله 26 الإسراء {ولا تبذر} قال لا تنفق في الباطل فإن المبذر هو المسرف في غير حق
وبه في قوله 28 الإسراء {ابتغاء رحمة من ربك} قال رزق
وقال أيضا ثنا علّي هو ابن داود ثنا عبد الله هو ابن صالح ثنا معاوية عن علّي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله 102 الإسراء {وإنّي لأظنك يا فرعون مثبورا} قال ملعونا
وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي تنا أبو صالح حدثني معاوية عن علّي عن ابن عبّاس قوله 36 الإسراء {ولا تقف} يقول لا تقل). [تغليق التعليق: 4/240-242] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (لا تقف: لا تقل
أشار به إلى قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} (الإسراء: 36) وفسّر: (لا تقف) بقوله: (لا تقل) ، أي: في شيء بما لا تعلم، وعن قتادة: لا تقل رأيت ولم تره وسمعت ولم تسمعه وعلمت ولم تعلمه، وهذه رواية عن ابن عبّاس، وعن مجاهد: ولا ترم أحدا بما ليس لك به علم، وهي رواية أيضا عن ابن عبّاس، وقال القتبي: هو مأخوذ من القفا كأنّه يقفو الأمور، أي: يكون في قفائها يتعقبها ويتتبعها ويتعرفها، يقال: قفوت أثره على وزن دعوت، والنّهي في: لا تقف، مثل: لا تدع، وبهذا استدلّ أبو حنيفة على ترك العمل بالقائف، وما ورد من ذلك من أخبار الآحاد فلا يعارض النّص). [عمدة القاري: 19/25]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({لا تقف}) في قوله تعالى: {ولا تقف} أي (لا تقل) {ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36] تقليدًا ورجمًا بالغيب وهذا ساقط لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/203]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ} فقال بعضهم. معناه: ولا تقل ما ليس لك به علمٌ
ذكر من قال ذلك
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ} يقول: لا تقل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً} لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، فإنّ اللّه تبارك وتعالى سائلك عن ذلك كلّه
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ} قال: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم
- حدّثت عن محمّد بن ربيعة، عن إسماعيل الأزرق، عن أبي عمر البزّار، عن ابن الحنفيّة، قال: شهادة الزّور.
وقال آخرون: بل معناه: ولا ترم
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ} يقول: لا ترم أحدًا بما ليس لك به علمٌ
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نحيحٍ، عن مجاهدٍ، {ولا تقف} ولا ترم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وهذان التّأويلان متقاربا المعنى، لأنّ القول بما لا يعلمه القائل يدخل فيه شهادة الزّور، ورمي النّاس بالباطل، وادّعاء سماع ما لم يسمعه، ورؤية ما لم يره. وأصل القفو: العضه والبهت. ومنه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " نحن بنو النّضر بن كنانة لا نقفو أمّنا ولا ننتفي من أبينا " وكان بعض البصريّين ينشد في ذلك بيتًا:
ومثل الدّمى شمّ العرانين ساكنٌ = بهنّ الحياء لا يشعن التّقافيا
يعني بالتّقافي: التّقاذف.
ويزعم أنّ معنى قوله {لا تقف} لا تتبع ما لا تعلم، ولا يعنيك. وكان بعض أهل العربيّة من أهل الكوفة، يزعم أنّ أصله القيافة، وهي اتّباع الأثر، وإذ كان كما ذكروا وجب أن تكون القراءة: " ولا تقف " بضمّ القاف وسكون الفاء، مثل: ولا تقل.
قال: والعرب تقول: قفوت أثره، وقفت أثره، فتقدّم أحيانًا الواو على الفاء وتؤخّرها أحيانًا بعدها، كما قيل: قاع الجمل النّاقة: إذا ركبها وقعا وعاث وعثى، وأنشد سماعًا من العرب:
ولو أنّي رميتك من قريبٍ = لعاقك من دعاء الذّئب عاقي
يعني عائقٌ، ونظائر هذا كثيرةٌ في كلام العرب.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: لا تقل للنّاس وفيهم ما لا علم لك به، فترميهم بالباطل، وتشهد عليهم بغير الحقّ، فذلك هو القفو. وإنّما قلنا ذلك أولى الأقوال فيه بالصّواب، لأنّ ذلك هو الغالب من استعمال العرب القفو فيه
وأمّا قوله {إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً} فإنّ معناه: إنّ اللّه سائلٌ هذه الأعضاء عمّا قال صاحبها، من أنّه سمع أو أبصر أو علم، تشهد عليه جوارحه عند ذلك بالحقّ
وقال " أولئك "، ولم يقل " تلك " كما قال الشّاعر:
ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى = والعيش بعد أولئك الأيّام
وإنّما قيل: أولئك، لأنّ أولئك وهؤلاء للجمع القليل الّذي يقع للتّذكير والتّأنيث، وهذه وتلك للجمع الكثير، فالتّذكير للقليل من باب إن كان التّذكير في الأسماء قبل التّأنيث. لك التّذكير للجمع الأوّل، والتّأنيث للجمع الثّاني، وهو الجمع الكثير، لأنّ العرب تجعل الجمع على مثال الأسماء). [جامع البيان: 14/593-597]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا تقف يقول لا ترم). [تفسير مجاهد: 363]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 36
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولا تقف} قال: لا تقل). [الدر المنثور: 9/345]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم} يقول: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم). [الدر المنثور: 9/345]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية رضي الله عنه في قوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم} قال: شهادة الزور). [الدر المنثور: 9/345]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم} قال: هذا في الفرية، يوم نزلت الآية لم يكن فيها حد إنما كان يسأل عنه يوم القيامة ثم يغفر له حتى نزلت هذه الآية آية الفرية جلد ثمانين). [الدر المنثور: 9/345]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} يقول: سمعه وبصره يشهد عليه). [الدر المنثور: 9/345]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم} قال: لا تقل سمعت ولم تسمع ولا تقل: رأيت ولم تر فإن الله سائلك عن ذلك كله). [الدر المنثور: 9/346]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس رضي الله عنه في قوله: {كل أولئك كان عنه مسؤولا} قال: يقال للأذن يوم القيامة هل سمعت ويقال للعين: هل رأيت ويقال للفؤاد: مثل ذلك). [الدر المنثور: 9/346]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {كل أولئك كان عنه مسؤولا} قال: يوم القيامة يقال أكذاك كان أم لا). [الدر المنثور: 9/346]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شان على مسلم كلمة يشينه بها بغير حق أشانه الله بها في النار يوم القيامة). [الدر المنثور: 9/346-347]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل شاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال). [الدر المنثور: 9/347]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو داود، وابن أبي الدنيا في الصمت عن معاذ بن أنس رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: من حمى مؤمنا من منافق بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن قفا مؤمنا بشيء يريد شينه حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال). [الدر المنثور: 9/347]
تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا تمش في الأرض مرحا قال لا تمش كبرا ولا فخرا فإن ذلك لا يبلغ بك أن تبلغ الجبال طولا ولا أن تخرق الأرض تكبرا وفخرا). [تفسير عبد الرزاق: 1/378]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (تخرق تقطع»). [صحيح البخاري: 6/83]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تخرق تقطع قال أبو عبيدة في قوله تعالى لن تخرق الأرض قال لن تقطع). [فتح الباري: 8/390]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تخرق تقطع
وفي بعض النّسخ: لن تخرق، لن تقطع، وهو الصّواب أشار به إلى قوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحاً إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} (الإسراء: 37) وفسّر قوله: لن تخرق، بقوله: لن تقطع. قوله: (مرحاً) أي: بطراً وكبراً وفخراً وخيلاء. قال الثّعلبيّ: هو تفسير المشي لا نعته فلذلك أخرجه عن المصدر، وقال الزّمخشريّ: مرحاً حال أي: ذا مرح، وقرىء: مرحاً، بكسر الرّاء، وفضل الأخفش المصدر على إسم الفاعل لما فيه من التّأكيد. قوله: (إنّك لن تخرق الأرض) ، قال الثّعلبيّ: أي: تقطعها بكبرك حتّى تبلغ آخرها، يقال: فلان أخرق للأرض من فلان إذا كان أكثر أسفاراً. قوله: (ولن تبلغ الجبال طولا) . أي: لن تساويها وتحاذيها بكبرك). [عمدة القاري: 19/20-21]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({تخرق}) في قوله: {إنك لن تخرق الأرض} [الإسراء: 137 أي لن (تقطع) الأرض لشدة وطأتك وسقط هذا لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/199]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحًا إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً}.
يقول تعالى ذكره: ولا تمش في الأرض مختالاً مستكبرًا {إنّك لن تخرق الأرض} يقول: إنّك لن تقطع الأرض باختيالك، كما قال رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
يعني بالمخترق: المقطّع
{ولن تبلغ الجبال طولاً} يقول ولن تساوي الجبال طولا بفخرك وكبرك، وإنّما هذا نهي من اللّه عباده عن الكبر والفخر والخيلاء، وتقدّم منه إليهم فيه معرّفهم بذلك أنّهم لا ينالون بكبرهم وفخارهم شيئًا يقصر عنه غيرهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {ولا تمش في الأرض مرحًا إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً} يعني بكبرك ومرحك
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ولا تمش في الأرض مرحًا} قال: لا تمش في الأرض فخرًا وكبرًا، فإنّ ذلك لا يبلغ بك الجبال، ولا تخرق الأرض بكبرك وفخرك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، {ولا تمش في الأرض} قال: لا تفخر.
وقيل: لا تمش مرحًا، ولم يقل مرحًا، لأنّه لم يرد بالكلام: لا تكن مرحًا، فيجعله من نعت الماشي، وإنّما أريد لا تمرح في الأرض مرحًا، ففسّر بالمرح المعنى المراد من قوله: ولا تمش، كما قال الرّاجز:
يعجبه السّخون والعصيد.. والتّمر حبًّا ما له مزيد
فقال: حبًّا، لأنّ في قوله: يعجبه، معنى يحبّ، فأخرج قوله: حبًّا، من معناه دون لفظه). [جامع البيان: 14/597-599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 37.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولا تمش في الأرض مرحا} قال: لا تمش فخرا وكبرا فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك). [الدر المنثور: 9/347]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التواضع عن محبس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مشيت أمتي المطيطا وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض). [الدر المنثور: 9/348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رأى رجلا يخطر في مشيه فقال: إن للشيطان إخوانا). [الدر المنثور: 9/348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا عن خالد بن معدان رضي الله عنه قال: إياكم والخطر فإن الرجل قد تنافق يده من دون سائر جسده). [الدر المنثور: 9/348]
تفسير قوله تعالى: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {كلّ ذلك كان سيّئه عند ربّك مكروهًا}
فإنّ القرّاء اختلفت فيه، فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامّة قرّاء الكوفة {كلّ ذلك كان سيّئه عند ربّك مكروهًا} على الإضافة بمعنى: كلّ هذا الّذي ذكرنا من هذه الأمور الّتي عددنا من مبتدإ قولنا {وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه}.. إلى قولنا {ولا تمش في الأرض مرحًا} {كان سيّئه} يقول: سيّئ ما عددنا عليك عند ربّك مكروهًا. وقال قارئو هذه القراءة: إنّما قيل {كلّ ذلك كان سيّئه} بالإضافة، لأنّ فيما عددنا من قوله {وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه} أمورًا، هي أمرٌ بالجميل، كقوله {وبالوالدين إحسانًا} وقوله {وآت ذا القربى حقّه} وما أشبه ذلك، قالوا: فليس كلّ ما فيه نهيًا عن سيّئةٍ، بل فيه نهيٌ عن سيّئةٍ، وأمرٌ بحسناتٍ، فلذلك قرأنا {سيّئه}.
وقرأ عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة: " كلّ ذلك كان سيّئةً " وقالوا: إنّما عنى بذلك: كلّ ما عددنا من قولنا {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ} ولم يدخل فيه ما قبل ذلك. قالوا: وكلّ ما عددنا من ذلك الموضع إلى هذا الموضع سيّئةٌ لا حسنة فيه، فالصّواب قراءته بالتّنوين.
ومن قرأ هذه القراءة، فإنّه ينبغي أن يكون من نيّته أن يكون المكروه مقدّمًا على السّيّئة، وأن يكون معنى الكلام عنده: كلّ ذلك كان مكروهًا سيّئةً، لأنّه إن جعل قوله: مكروهًا بعدّ السّيّئة من نعت السّيّئة، لزمه أن تكون القراءة: كلّ ذلك كان سيّئةً عند ربّك مكروهةً، وذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين.
وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصّواب قراءة من قرأ {كلّ ذلك كان سيّئه} على إضافة السّيّئ إلى الهاء، بمعنى: كلّ ذلك الّذي عددنا من {وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه} {كان سيّئه} لأنّ في ذلك أمورًا منهيًّا عنها، وأمورًا مأمورًا بها، وابتداء الوصيّة والعهد من ذلك الموضع دون قوله {ولا تقتلوا أولادكم} إنّما هو عطفٌ على ما تقدّم من قوله {وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه} فإذ كان ذلك كذلك، فقراءته بإضافة السّيّئ إلى الهاء أولى وأحقّ من قراءته سيّئةً بالتّنوين، بمعنى السّيّئة الواحدة.
فتأويل الكلام إذن: كلّ هذا الّذي ذكرنا لك من الأمور الّتي عددناها عليك كان سيّئه مكروهًا عند ربّك يا محمّد، يكرهه وينهى عنه ولا يرضاه، فاتّق مواقعته والعمل به). [جامع البيان: 14/599-600]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 38.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن كثير رضي الله عنه أنه كان يقرأ كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها على واحد يقول: هذه الأشياء التي نهيت عنها كل سيئة). [الدر المنثور: 9/348]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ملوما مدحورا قال ملوما في عباد الله مدحورا في النار). [تفسير عبد الرزاق: 1/378]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {ذلك ممّا أوحى إليك ربّك من الحكمة ولا تجعل مع اللّه إلهًا آخر فتلقى في جهنّم ملومًا مدحورًا}.
يقول تعالى ذكره: هذا الّذي بيّنّا لك يا محمّد من الأخلاق الّتي أمرناك بجميلها، ونهيناك عن قبيحها {ممّا أوحى إليك ربّك من الحكمة} يقول: من الحكمة الّتي أوحيناها إليك في كتابنا هذا، كما؛
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {ذلك ممّا أوحى إليك ربّك من الحكمة} قال: القرآن.
وقد بيّنّا معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
{ولا تجعل مع اللّه إلهًا آخر فتلقى في جهنّم ملومًا مدحورًا} يقول: ولا تجعل مع اللّه شريكًا في عبادتك، فتلقى في جهنّم ملومًا تلومك نفسك وعارفوك من النّاس {مدحورًا} يقول: مبعدًا مقصيًّا في النّار، ولكن أخلص العبادة للّه الواحد القهّار، فتنجو من عذابه.
وبنحو الّذي قلنا في قوله {ملومًا مدحورًا} قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ملومًا مدحورًا} يقول: مطرودًا
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {ملومًا مدحورًا} قال: ملومًا في عبادة اللّه، مدحورًا في النّار). [جامع البيان: 14/600-601]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 39.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلا {ولا تجعل مع الله إلها آخر}). [الدر المنثور: 9/349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: {مدحورا} قال مطرودا). [الدر المنثور: 9/349]