تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون}.
يقول تعالى ذكره: ويعبد هؤلاء المشركون الّذين وصفت لك يا محمّد صفتهم من دون اللّه الّذي لا يضرّهم شيئًا ولا ينفعهم في الدّنيا ولا في الآخرة، وذلك هو الآلهة والأصنام الّتي كانوا يعبدونها. {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه} يعني أنّهم كانوا يعبدونها رجاء شفاعتها عند اللّه. قال اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّموات ولا في الأرض} يقول: أتخبرون اللّه بما لا يكون في السّماوات ولا في الأرض؛ وذلك أنّ الآلهة لا تشفع لهم عند اللّه في السّماوات ولا في الأرض. وكان المشركون يزعمون أنّها تشفع لهم عند اللّه. فقال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم: أتخبرون اللّه أنّ ما لا يشفع في السّماوات ولا في الأرض يشفع لكم فيهما، وذلك باطلٌ لا تعلم حقيقته وصحّته، بل يعلم اللّه أنّ ذلك خلاف ما تقولون وأنّها لا تشفع لأحدٍ ولا تنفع ولا تضرّ. {سبحانه وتعالى عمّا يشركون} يقول: تنزيهًا للّه وعلوًّا عمّا يفعله هؤلاء المشركون من إشراكهم في عبادة ما لا يضرّ ولا ينفع وافترائهم عليه الكذب). [جامع البيان: 12/142]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون (18)
قوله تعالى: ويعبدون من دون اللّه الآية
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: الأوثان.
قوله تعالى: ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، ثنا حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم ابن أبان عن عكرمة قال: قال النّضر بن الحارث، إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزّى قال فأنزل اللّه: ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه
قوله تعالى: قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض أنّ له شريكًا أم بظاهرٍ من القول تقولونه أم تجدونه في القرآن أنّ له شريكًا.
قوله: سبحانه وتعالى عمّا يشركون
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ ابن عيينة قال: سمعت صدقة يحدّث عن السّدّيّ وتعالى عمّا يشركون يقول عمّا أشرك المشركون.
- حدّثنا الحسين بن الحسن ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ ثنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ وتعالى عمّا يشركون قال: هو الانكفاف انكف نفسه يقول: عظّم نفسه وأنكفته الملائكة وما سبّح له.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ ثنا مهران عن سفيان عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: وتعالى عمّا يشركون قال: هذه لقوم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1936]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 17 - 18.
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: قال النضر: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فأنزل الله {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله}). [الدر المنثور: 7/639]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان النّاس إلاّ أمّةً واحدةً فاختلفوا ولولا كلمةٌ سبقت من رّبّك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون}.
يقول تعالى ذكره: وما كان النّاس إلاّ أهل دينٍ واحدٍ وملّةٍ واحدةٍ، فاختلفوا في دينهم، فافترقت بهم السّبل في ذلك. {ولولا كلمةٌ سبقت من رّبّك} يقول: ولولا أنّه سبق من اللّه أنّه لا يهلك قومًا إلاّ بعد انقضاء آجالهم {لقضي بينهم فيما فيه يختلفون} يقول لقضي بينهم بأن يهلك أهل الباطل منهم وينجي أهل الحقّ.
وقد بيّنّا اختلاف المختلفين في معنى ذلك في سورة البقرة، وذلك في قوله: {كان النّاس أمّةً واحدةً فبعث اللّه النّبيّين} وبيّنّا الصّواب من القول فيه بشواهده فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وما كان النّاس إلاّ أمّةً واحدةً فاختلفوا} حين قتل أحد ابنيّ آدم أخاه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، نحوه). [جامع البيان: 12/143-144]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما كان النّاس إلّا أمّةً واحدةً فاختلفوا ولولا كلمةٌ سبقت من ربّك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون (19)
قوله تعالى: وما كان النّاس إلا أمّةً واحدةً
- حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن ثنا أبو داود الحفريّ عن سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ كان النّاس أمّةً قال آدم: وروي عن الثّوريّ نحو ذلك
قد تقدّم القول في الأمّة في سورة البقرة.
قوله تعالى: فاختلفوا
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ في قول اللّه: فاختلفوا قال: اختلفوا من بعد آدم.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وما كان النّاس إلا أمّةً واحدةً فاختلفوا حين قتل أحد ابني آدم أخاه
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا الحسن بن عمرٍو السّابريّ ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة: فاختلفوا فيه قال: ذكر لنا أنّه كان بين آدم ونوحٍ عشرة قرونٍ كلّهم على الهدى وعلى شريعةٍ من الحقّ ثمّ اختلفوا بعد ذلك فبعث اللّه نوحًا وكان أوّل رسولٍ أرسله اللّه إلى أهل الأرض وبعث عند الاختلاف من النّاس وترك الحقّ، فبعث اللّه رسله وأنزل كتابه ليحتجّ به على خلقه.
قوله تعالى: ولولا كلمةٌ سبقت من ربّك الآية
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، قوله: ولولا كلمةٌ سبقت من ربّك لقضي بينهم يقول: كان النّاس أهل دينٍ واحدٍ، على دين آدم فكفروا فلولا أنّ ربّك أجّلهم إلى يوم القيامة لقضي بينهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1936-1937]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وما كان الناس إلا امة واحدة فاختلفوا يعني بالناس آدم وحده فاختلفوا يعني حين قتل ابن آدم أخاه). [تفسير مجاهد: 292-293]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 19.
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {وما كان الناس إلا أمة واحدة} قال: على الإسلام.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله {وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا} في قراءة ابن مسعود قال: كانوا على هدى.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد {وما كان الناس إلا أمة واحدة} قال: آدم عليه السلام {واحدة فاختلفوا} قال: حين قتل أحد ابني آدم أخاه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وما كان الناس} الآية، قال: كان الناس أهل دين واحد على دين آدم فكفروا فلولا أن ربك أجلهم إلى يوم القيامة لقضى بينهم). [الدر المنثور: 7/640]
تفسير قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويقولون لولا أنزل عليه آيةٌ من ربه فقل إنّما الغيب للّه فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين}.
يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون: هلاّ أنزل على محمّدٍ آيةٌ من ربه يقول: علمٌ ودليلٌ نعلم به أنّ محمّدًا محقٌ فيما يقول. قال اللّه له: فقل يا محمّد إنّما الغيب للّه، أي لا يعلم أحدٌ بفعل ذلك إلاّ هو جلّ ثناؤه، لأنّه لا يعلم الغيب وهو السّرّ والخفيّ من الأمور إلاّ اللّه، فانتظروا أيّها القوم قضاء اللّه بيننا بتعجيل عقوبته للمبطل منّا وإظهاره المحقّ عليه، إنّي معكم ممّن ينتظر ذلك. ففعل ذلك جلّ ثناؤه فقضى بينهم وبينه بأن قتلهم يوم بدرٍ بالسّيف). [جامع البيان: 12/144]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ويقولون لولا أنزل عليه آيةٌ من ربّه فقل إنّما الغيب للّه فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين (20)
قوله تعالى: لولا أنزل عليه آيةٌ من ربّه الآية
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين قال خوّفهم عذابه وعقوبته ونقمته). [تفسير القرآن العظيم: 6/1937]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 20.
أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله {فانتظروا إني معكم من المنتظرين} قال: خوفهم عذابه وعقوبته). [الدر المنثور: 7/640]