تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولقد آتينا داود منّا فضلا} [سبأ: 10] النّبوّة.
{يا جبال} [سبأ: 10] قلنا يا جبال.
{أوّبي معه} [سبأ: 10] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: سبّحي معه.
{والطّير} [سبأ: 10] وهو قوله: {وسخّرنا مع داود الجبال يسبّحن والطّير} [الأنبياء: 79].
قال: {وألنّا له الحديد} [سبأ: 10] ألانه اللّه له فكان يعمله بلا نارٍ ولا مطرقةٍ، بأصابعه الثّلاث كهيئة الطّين بيده). [تفسير القرآن العظيم: 2/747]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {يا جبال أوّبي معه والطّير...}
اجتمعت القراء الذين يعرفون على تشديد : {أوّبي}, ومعناه: سبّحي, وقرأ بعضهم : {أوبي معه}: من آب يؤوب , أي: تصرّفي معه, و{والطّير}: منصوبة على جهتين: إحداهما أن تنصبها بالفعل بقوله: {ولقد آتينا داوود منّا فضلاً}, وسخّرنا له الطير, فيكون مثل قولك: أطعمته طعاماً وماء، تريد: وسقيته ماءً, فيجوز ذلك, والوجه الآخر بالنداء؛ لأنك إذا قلت: يا عمرو والصلت أقبلا، نصبت الصّلت لأنه إنما يدعى بيا أيّها، فإذا فقدتها كان كالمعدول عن جهته فنصب, وقد يجوز رفعه على أن تيبع ما قبله,.
ويجوز رفعه على: أوّبي أنت والطير, وأنشدني بعض العرب في النداء إذا نصب لفقده يأيّها:
ألا يا عمرو والضحّاك سيرا = فقد جاوزتما خمر الطريق
الخمر: ما سترك من الشجر , وغيرها , وقد يجوز نصب , الضحّاك , ورفعه, وقال الآخر:
= يا طلحة الكامل وابن الكامل =
والنعت يجري في الحرف المنادى، كما يجرى المعطوف: ينصب ويرفع، ألا ترى أنك تقول: إن أخاك قائم وزيد، وإن أخاك قائم وزيدا , فيجرى المعطوف في إنّ بعد الفعل مجرى النعت بعد الفعل.
وقوله: {وألنّا له الحديد}: أسيل له الحديد، فكان يعمل به ما شاء كما يعمل بالطين.). [معاني القرآن: 2/355]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولقد آتينا داود منّا فضلاً }:أي: أعطينا.
{يا جبال أوّبي معه }: مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير: وقلنا جبال أوّبى معه، والتأويب أن يبيت في أهله , قال سلامة بن جندل:
يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ= ويوم سير إلى الأعداء تأويب
أي: رجوع.
{والطّير } نصب من مكانين أحدهما فيما زعم يونس عن أبي عمرو على قوله: {وسخّرنا له الطير }, والآخر على قول النحويين: يا زيد أقبل والصلت، نصب لأنه لا يحسن النداء فيما فيه ألف ولام , فنصب على إعمال ضمير فعل , كأنه قال: وأعنى الصلت.). [مجاز القرآن: 2/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أوبي معه}: سبحي معه وأصله من الرجوع). [غريب القرآن وتفسيره: 305]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يا جبال أوّبي معه}: أي :سبحي, وأصله: التأويب في السير، وهو: أن تسير النهار كله، وتنزل ليلا, قال ابن مقبل:
لحقنا بحي أوبوا السير بعد ما دفعنا شعاع الشمس، والطرف يجنح
كأنه أراد: أوبي النهار كله بالتسبيح إلى الليل). [تفسير غريب القرآن: 353]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] أي سبّحن معه). [تأويل مشكل القرآن: 113] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ولقد آتينا داوود منّا فضلا يا جبال أوّبي معه والطّير وألنّا له الحديد (10)}
المعنى : فقلنا : يا جبال أوّبي معه، وتقرأ: أوبي معه، على معنى : عودي في التسبيح معه كلما عاد فيه.
ومن قرأ : {أوّبي معه}, فمعناه رجعي معه، يقال: آب , يؤوب إذا رجع، وكل: ومعنى: رجّعي معه سبّحي معه , ورجّعي التسبيح معه.
والطير , والطّير، فالرفع من جهتين.
إحداهما : أن يكون نسقا على ما في: {أوّبي}, المعنى : يا جبال رجّعي التسبيح أنت , والطير، ويجوز : أن يكون مرفوعا عل البدل.
المعنى: يا جبال , ويا أيها الطير : {أوّبي معه}
والنصب من ثلاث جهات:
أن يكون عطفا على قوله: { ولقد آتينا داود منا فضلا والطير }:أي : وسخرنا له الطي, حكى ذلك أبو عبيدة , عن أبي عمرو بن العلاء، ويجوز أن يكون نصبا على النداء.
المعنى: يا جبال أوّبي معه , والطير، كأنّه قال دعونا الجبال والطير، فالطير معطوف على موضع الجبال في الأصل، وكل منادى - عند البصريين كلهم - في موضع نصب.
وقد شرحنا حال المضموم في النداء، وأن المعرفة مبني على الضم.
ويجوز أن يكون " والطير " نصب على معنى " مع " كما تقول: قمت وزيدا، أي قمت مع زيد، فالمعنى : (أوّبي معه) , ومع الطير.
وقوله عز وجل: {وألنّا له الحديد (10) أن اعمل سابغات وقدّر في السّرد واعملوا صالحا إنّي بما تعملون بصير (11)}
أي: جعلناه ليّن.).[معاني القرآن: 4/243]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه}
{يا جبال أوبي معه}: أي: قلنا .
قال سعيد بن جبير , ومجاهد , وقتادة , والضحاك , وأبو ميسرة : (أوبي : أي: سبحي) .
وقرأ الحسن , وابن أبي إسحاق: (أولي معه) .
والمعروف في اللغة : أنه يقال آب يئوب إذا رجع , وعاد , فيكون معنى : أوبي , أي : عودي معه في التسبيح .
و أوبي في كلام العرب على معنيين
أحدهما : على التكثير من أوبي , فيكون معنى : أوبي على هذا : رجعي معه في التسبيح .
الثاني: ويقال أوب إذا سار نهارا , فيكون معنى : أوبي على هذا : سيري معه.
وقوله جل وعز: {وألنا له الحديد}
قال قتادة : ألان الله جل وعز له الحديد , فكان يعمله بغير نار
وقال الأعمش : ألين له الحديد حتى صار مثل الخيوط.).[معاني القرآن: 5/396]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أوببي}: أي: سبحي.). [ياقوتة الصراط: 413]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَوِّبِي}: أي سبحي، وأصله أن يسير بالنهار , وينزل الليل , فكأنها أمرت بالتسبيح بالنهار.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 195]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَوِّبِي}: سبحي.). [العمدة في غريب القرآن: 245]
تفسير قوله تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أن اعمل سابغاتٍ} [سبأ: 11] وهي الدّروع.
{وقدّر في السّرد} [سبأ: 11] تفسير مجاهدٍ: لا تصغّر المسمار، وتعظّم الحلقة فيسلس , ولا تعظّمه وتصغّر الحلقة، فتنقسم الحلقة.
قال يحيى: وبلغنا أنّ لقمان حضر داود عند أوّل درعٍ عملها، فجعل يتفكّر فيما يريد بها، ولا يدري ما يريد بها، فلم يسأله حتّى إذا فرغ منها داود قام فلبسها فقال لقمان: الصّمت حكمةٌ وقليلٌ فاعله.
قال: {واعملوا صالحًا إنّي بما تعملون بصيرٌ {11}). [تفسير القرآن العظيم: 2/748]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله عزّ وجلّ : {أن اعمل سابغاتٍ...}
الدروع .
{وقدّر في السّرد} يقول: لا تجعل مسمار الدرع دقيقاً , فيقلق، ولا غليظاً , فيقصم الحلق.). [معاني القرآن: 2/356]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ أن أعمل سابغات}
أي : دروعاً واسعة طويلة.
{وقدّر في السرد }: يقال: درعٌ مسرودة , أي: مسمورة الحلق، قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما= داود أو صنع السوابغ تبّع
مثل: دسار السفينة , ةوهو ما خرز به من كنبارٍ أو ليفٍ, ويقال: دسره بالرمح , إذا طعنه.). [مجاز القرآن: 2/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((السابغات): الدروع الواسعة.
{والسرد}: الثقب). [غريب القرآن وتفسيره: 305]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (السابغات): الدروع الواسعة.
{وقدّر في السّرد}: أي : في النسج، أي: لا تجعل المسامير دقاقا , فتقلق، ولا غلاظا , فتكسر الحلق. ومنه قيل لصانع حلق الدروع: سراد , وزراد.
تبدل من السين : الزاي، كما يقال: سراط , وزراط.
والسّرد: الخرز أيضا, قال الشماخ:
= كما تابعت سرد العنان الخوارز =
ويقال للإثفي: مسرد , وسراد.). [تفسير غريب القرآن: 353-354]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عز وجل: {وألنّا له الحديد (10) أن اعمل سابغات وقدّر في السّرد واعملوا صالحا إنّي بما تعملون بصير (11)}
أي: جعلناه ليّنا.
وأوّل من عمل الدروع : داود، وكان ما يستجنّ به من الحديد إنما كان قطع حديد نحو هذه الجواشن.
و" أن " ههنا، في تأويل التفسير كأنّه قيل: وألنا له الحديد , أن أعمل سابغات، بمعنى قلنا له: اعمل سابغات، ويكون في معنى لأن يعمل سابغات.
وتصل إن بلفظ الأمر، ومثل هذا من الكلام أرسل إليه أن قم إليّ، أي: قال قم إلى فلان، ويكون بمعنى : أرسل إليه بأن يقوم إلى فلان.
ومعنى {سابغات}: دروع سابغات , فذكر الصفة لأنها تدل على الموصوف، ومعنى السابغ :الذي يغطي كل شيء يكون عليه حتى يفضل.
{وقدّر في السّرد}:السّرد في اللغة تقدمة شيء إلى شيء تأتي به منسّقا بعضه في إثر بعض , متتابعا , فمنه سرد فلان الحديث، وقيل في التفسير: السّرد السّمر , السّتر , والخلق , وقيل : هو أن لا يجعل المسمار غليظاً, والثقب دقيقاً، ولا يجعل المسمار دقيقاً، والثقب واسعاً, فيتقلقل , وينخلع , وينقصف.
قدّر في ذلك : أي:أجعله على القصد , وقدر الحاجة.
والذي جاء في التفسير : غير خارج عن اللغة لأن السّمر تقديمك طرف الحلقة إلى طرفها الآخر، وزعم سيبويه أن قول العرب: رجل سرنديّ : مشتق من السّرد، وذلك أن معناه : الجريء. قال: والجريء الذي يمضي قدما.
وتفسير: {وألنّا له الحديد}: جعلناه ليّنا كالخيوط يطاوعه حتى عمل الدروع). [معاني القرآن: 4/243-245]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أن اعمل سابغات وقدر في السرد}
قال قتادة : أي: دروعا سابغات .
قال أبو جعفر : يقال : سبغ الثوب , والدرع, وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه, وفضل منه .
ثم قال: {وقدر في السرد}
قال قتادة: السرد المسمار الذي في حلق الدرع
قال أبو جعفر : وقال ابن زيد : السرد: الحلق .
والسرد في اللغة : كل ما عمل متسقا متتابعا , يقرب بعضه من بعض , ومنه سرد الكلام.
قال سيبويه: ومنه : رجل سرندي , أي: جرئ , قال: لأنه يمضي قدماً.
قال أبو جعفر : ومنه قيل للذي يصنع الدروع : زراد, وسراد .
فالمعنى , وهو قول مجاهد : وقدر المسامير في حلق الدرع حتى تكون بمقدار لا يغلظ المسمار , وتضيق الحلقة , فتفصم الحلقة , ولا توسع الحلقة , وتصغر المسمار , وتدقه , فتسلس الحلقة.). [معاني القرآن: 5/396-398]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَابِغَاتٍ}: الدروع الواسعات , {السَّرْدِ}: الثقب.). [العمدة في غريب القرآن: 245]
تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ولسليمان الرّيح} [سبأ: 12]، أي: وسخّرنا لسليمان الرّيح.
{غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} [سبأ: 12] أبو أميّة، عن الحسن، قال: كانت تحمل سليمان الرّيح من إصطخر إلى كابل، ومن الشّام إلى إصطخر.
وحدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الحسن، قال: كان يغدو من بيت المقدس، فيقيل إصطخر، فيروح منها فتكون روحته إلى كابل.
وفي تفسير عمرٍو، عن الحسن، قال: كان سليمان إذا أراد أن يركب جاءت الرّيح فوضع سرير مملكته عليها، ووضعت الكراسيّ والمجالس على الرّيح، وجلس على سريره، وجلس وجوه أصحابه على منازلهم في الدّين عنده من الجنّ والإنس، والجنّ يومئذٍ ظاهرةٌ للإنس، رجالٌ أمثال الإنس إلا إنّهم أدمٌ، يحجّون جميعًا ويصلّون جميعًا، ويعتمرون جميعًا، والطّير ترفرف على رأسه ورءوسهم، والشّياطين حرسه لا يتركون أحدًا يتقدّم بين يديه، وهو قوله:
[تفسير القرآن العظيم: 2/748]
{وحشر لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطّير فهم يوزعون} [النمل: 17] فهم يدفعون ألا يتقدّمه منهم أحدٌ.
وقال قتادة: وزعةٌ يرد أولاهم على أخراهم، وهو واحدٌ.
{وأسلنا له عين القطر} [سبأ: 12] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: الصّفر سالت له مثل الماء.
قال: {ومن الجنّ من يعمل بين يديه} [سبأ: 12] له تفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه.
{بإذن ربّه} [سبأ: 12] بالسّخرة الّتي سخّرها اللّه له.
قال: {ومن يزغ منهم عن أمرنا} [سبأ: 12] عن طاعة اللّه وعن عبادته.
{نذقه من عذاب السّعير} [سبأ: 12] في الآخرة، ولم يكن يتسخّر منهم، ويستعمل في هذه الأشياء، ولا يصفّد في الأصفاد، أي: ولا يسلسل في السّلاسل منهم إلا الكافر فإذا تابوا فآمنوا حلّهم من تلك الأصفاد.
وقال بعضهم: {نذقه من عذاب السّعير} [سبأ: 12] جعل معه ملكٌ بيده سوطٌ من عذاب السّعير، فإذا خالف سليمان أحدٌ منهم ضربه الملك بذلك السّوط). [تفسير القرآن العظيم: 2/749]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولسليمان الرّيح...}
منصوبة على: وسخّرنا لسليمان الريح, وهي منصوبة في الأنبياء : {ولسليمان الرّيح عاصفةً} : أضمر: وسخّرنا - والله أعلم - , وقد رفع عاصم - فيما أعلم -{ولسليمان الرّيح} لمّا لم يظهر التسخير , أنشدني بعض العرب:
ورأيتم لمجاشعٍ نعماً= وبني أبيه جاملٌ رغب
يريد: ورأيتم لبني أبيه، فلمّا لم يظهر الفعل رفع باللام.
وقوله: {غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ}: يقول: غدوّها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر , وروحتها كذلك.
وقوله: {وأسلنا له عين القطر}:مثل : {وألنّا له الحديد}, والقطر: النحاس). [معاني القرآن: 2/356]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولسليمان الرّيح}: منصوبة، عمل فيها :{ وسخّرنا لسليمان الريح }
{ غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ }: مجازه مجاز المختصر , المضمر فيه: غدوها , كأنه غدوها مسيرة شهرٍ , ورواحها مسيرة شهر.
{ وأسلنا له عين القطر}: أي : أجرينا , وأذنبنا , أسلنا.). [مجاز القرآن: 2/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وأسلنا له}: أذبنا له). [غريب القرآن وتفسيره: 306]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأسلنا له}: أذبنا له, يقال: سال الشيء وأسلته, والقطر: النحاس.). [تفسير غريب القرآن: 354]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ولسليمان الرّيح غدوّها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجنّ من يعمل بين يديه بإذن ربّه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السّعير (12)}
النصب في الريح هو الوجه , وقراءة أكثر القراء، على معنى : وسخّرنا لسليمان الريح، ويجوز الرفع ,ولسليمان الريح غدوها شهر.
والرفع على معنى ثبتت له الريح، وهو يؤول في المعنى إلى معنى سخرنا الريح، كما أنك إذا قلت: للّه الحمد , فتأويله : استقر لله الحمد، وهو يرجع إلى معنى : أحمد اللّه الحمد.
وقوله: {غدوّها شهر ورواحها شهر}
أي: غدوها مسيرة شهر، وكذلك: رواحها.
وكان سليمان يجلس على سريره هو, وأصحابه فتسير بهم الريح بالغداة : مسيرة شهر، وتسير بالعشي : مسيرة شهر.
{وأسلنا له عين القطر}:القطر : النحاس، وهو الصّفر، فأذيب مذ ذاك , وكان قبل سليمان لا يذوب.
{ومن الجنّ من يعمل بين يديه}:موضع " من " نصب، المعنى : سخرنا له من الجن من يعمل.
ويجوز أن يكون موضع " من " رفعا.
ويكون المعنى فيما أعطيناه : من الجنّ {من يعمل بين يديه بإذن ربه}: أي : بأمر ربّه.
{ومن يزغ منهم عن أمرنا}: أي : من يعدل.).[معاني القرآن: 4/245-246]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأسلنا له عين القطر}
قال قتادة : أسال الله جل وعز له عينا من نحاس , أي : حتى سالت , وظهرت , فكان يستعملها فيما يريد .
قال الأعمش : سيلت له كما يسيل الماء , وقيل : لم يذب النحاس لأحد قبله.). [معاني القرآن: 5/398]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْقِطْر}: النحاس.{أَسَلْنَا}: أذبنا.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 195]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وأَسَلْنَا}: أذبنا , {الْقِطْرِ}: النحاس.). [العمدة في غريب القرآن: 246]
تفسير قوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يعملون له ما يشاء من محاريب} [سبأ: 13] والمحاريب في تفسير الحسن: المساجد، وفي تفسير مجاهدٍ: دون القصور، وفي تفسير الكلبيّ: المساجد والقصور.
{وتماثيل} [سبأ: 13] الصّور في تفسير الحسن، قال: ولم تكن يومئذٍ محرّمةً، وتفسير مجاهدٍ: أنّها تماثيل من نحاسٍ.
قال: {وجفانٍ} [سبأ: 13] وصحافٍ، في تفسير مجاهدٍ.
{كالجواب} [سبأ: 13]
[تفسير القرآن العظيم: 2/749]
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: كالحياض، وهو تفسير الحسن.
قال: {وقدورٍ راسياتٍ} [سبأ: 13] عظامٍ، تفسير مجاهدٍ.
وتفسير السّدّيّ: {راسياتٍ} [سبأ: 13]، يعني: ثابتاتٍ في الأرض، عظامٍ تنقر من الجبال بأثافيّها لا تحوّل عن أماكنها.
حدّثني قرّة بن خالدٍ، عن عطيّة العوفيّ قال: أمر سليمان ببناء بيت المقدس، فقالوا له: زوبعة الشّيطان له عينٌ في جزيرةٍ من البحر يردها كلّ سبعة أيّامٍ يومًا، فأتوها فنزحوها ثمّ صبّوا فيها خمرًا، فجاء لورده، فلمّا أبصر الخمر قال في كلامٍ له: ما علمت أنّك إذا شربك صاحبك لممًا تظهرين عليه عدوّه، في أساجيع له، لا أذوقك اليوم، فذهب ثمّ رجع لظمإٍ آخر، فلمّا
رآها قال كما قال أوّل مرّةٍ، ثمّ ذهب فلم يشرب، حتّى جاء لظمئه لإحدى وعشرين ليلةً، فقال: ما علمت أنّك لتذهبين الهمّ في سجعٍ له، فشرب منها، فسكر فجاءوا إليه فأروه خاتم السّخرة، فانطلق معهم إلى سليمان،
[تفسير القرآن العظيم: 2/750]
فأمرهم بالبناء، فقال زوبعة: دلّوني على بيض الهدهد، فدلّ على عشّه، فأكبّ عليه جمجمةً، يعني: زجاجةً فجاء الهدهد فجعل لا يصل إليه، فانطلق فجاء
بالماس الّذي يثقب به الياقوت، فوضعه عليها فقطّ الزّجاجة نصفين، ثمّ ذهب ليأخذه، فأزعجوه فجاء بالماس إلى سليمان، فجعلوا يستعرضون الجبال كأنّما يخطّون، أي: في نواحيها، في نواحي الجبل في طينٍ.
قال: {اعملوا آل داود شكرًا} [سبأ: 13] قال بعضهم: توحيدًا.
وقال بعضهم: لمّا نزلت لم يزل إنسانٌ منهم قائمًا يصلّي.
قال: {وقليلٌ من عبادي الشّكور} [سبأ: 13]، أي: أقلّ النّاس المؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/751]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يعملون له ما يشاء من مّحاريب وتماثيل...}
ذكر : أنها صور الملائكة والأنبياء، كانت تصوّر في المساجد , ليراها الناس , فيزدادوا عبادةً, والمحاريب: المساجد.
وقوله: {وجفانٍ}: وهي القصاع الكبار , {كالجواب}: الحياض التي للإبل .
{وقدورٍ رّاسيات} يقول: عظام لا تنزل عن مواضعها.). [معاني القرآن: 2/356]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ محاريب "} : واحدها: محراب , وهو مقدم : كل مسجد , ومصلى , وبيتٍ , قال وضاح اليمن:
ربّة محرابٍ إذا جئتها= لم ألقها أو أرتقي سلمّا
{ وجفانٍ كالجواب }: واحدتها جابية , وهي الحوض الذي يجيء فيه الماء , قال:
فصبّحت جابيةً صهارجا= كأنه جلد السماء خارجا
{وقدورٍ راسياتٍ}: عظام, ويقال: ثابتات دائمات، قال زهير:
وأين الذين يحضرون جفانه= إذا قدّمت ألقوا عليها المراسيا
أي : أثبتوا عليها.). [مجاز القرآن: 2/144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((كالجوابي): الجابية الحوض يجبى فيه أي يجمع فيه.
{راسيات}: ثابتات). [غريب القرآن وتفسيره: 306]
قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنُ قُتَيْبَةَ الدِّينَورِيُّ(ت: 276هـ): ({محاريب}: مساجد.
و{الجوابابي}: الحياض, جمع جابية , قال الشاعر:
تروح على آل المحلق جفنة =كجابية الشيخ العراقي تفهق
{وقدورٍ راسياتٍ}: ثوابت في أماكنها تترك لعظمها , ولا تنقل.
يقال: رسا الشيء - إذا ثبت - فهو يرسو, ومنه قيل : للجبال: رواس.). [تفسير غريب القرآن: 354]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :( ثم بيّن ما كانوا يعملون بين يديه , فقال:{يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشّكور (13)}
المحراب: الذي يصلّى فيه، وأشرف موضع في الدار , وفي البيت , يقال له: المحراب.
{وجفان كالجواب}: أكثر القرّاء على الوقف بغير يا , وكان الأصل الوقف بالياء، إلا أن الكسرة تنوب عنها، وكانت بغير ألف ولام الوقف عليها بغير ياء.
تقول: هذه جواب، فأدخلت الألف واللام وترك الكلام على ما كان عليه قبل دخولهما.
والجوابي : جمع جابية، والجابية: الحوض الكبير.
قال الأعشى:
= كجابية السيج العراقي تفهق=
أن يعملوا له جفانه كالحياض العظام التي يجمع فيها الماء.
{وقدور راسيات}: ثابتات.
{اعملوا آل داوود شكرا}
{ شكرا } منتصب على وجهين:
أحدهما : اعملوا للشكر، أي : اشكرواالله على ما آتاكم. ويكون {اعملوا آل داوود شكرا} على معنى : اشكروا شكرا.). [معاني القرآن: 4/246-247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل}
روى أبو هلال , عن قتادة قال : {محاريب}: (مساجد) , وكذلك قال : الضحاك .
قال مجاهد : (المحاريب دون القصور) .
والمحاريب في اللغة : كل موضع مشرف , أو شريف .
ثم قال جل وعز: {وتماثيل} , قال الضحاك : (أي: صوراً).
قال مجاهد : (تماثيل , أي: من نحاس , ثم قال جل وعز: {وجفان كالجواب وقدور راسيات}).
قال مجاهد : (الجوابي حياض الإبل).
قال أبو جعفر : الجابية في اللغة : الحوض الذي يجبى فيه الشيء , أي: يجمع .
ومنه قول الأعشى:
نفى الذم عن آل المحلق جفنة = كجابية الشيخ العراقي تفهق
ويروي : كجابية الشيح
قال مجاهد : {راسيات }: (أي: عظام) .
وقال سعيد بن جبير : (راسيات تفرغ إفراغا , ولا تحمل).
وقال قتادة :{راسيات} , (أي: ثابتات ).
ثم قال جل وعز: {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور}
قال عطاء بن يسار : (صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما المنبر فتلا :{اعملوا آل داود شكرا }, فقال :((ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود , العدل في الغضب والرضى , والقصد في الفقر والغنى , وخشية الله جل وعز في السر والعلانية .))).
قال مجاهد لما قال الله جل وعز: {اعملوا آل داود شكرا} . (قال داود لسليمان صلى الله عليهما : إن الله جل وعز قد ذكر الشكر , فاكفني صلاة النهار , أكفك صلاة الليل .
قال : لا أقدر
قال : فاكفني )
قال الفاريابي : أراه قال : (إلى صلاة الظهر , قال: نعم ), فكفاه
وقال الزهري:{ اعملوا آل داود شكرا }, (أي: قولوا : الحمد لله) .
وروي , عن عبد الله بن عباس قال: (شكراً على ما أنعم به عليكم).). [معاني القرآن: 2/398-402]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ({من محاريب}: أي: من غرف, {اعملوا آل داود شكرا}: أي: قولوا: لا إله إلا الله.). [ياقوتة الصراط: 414]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَّحَارِيبَ}: مساجد, {الْجَوَابِي}: الحياض، جمع جابية, {رَّاسِيَاتٍ}: أي : ثوابت , لا تتحرك لعظمها.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الْجَوَابِي): الحياض.). [العمدة في غريب القرآن: 246]
تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) }َ
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فلمّا قضينا عليه الموت} [سبأ: 14] تفسير السّدّيّ: يعني: فلمّا أنزلنا عليه الموت.
قال: {ما دلّهم على موته إلا دابّة الأرض} [سبأ: 14] وهي الأرضة في تفسير مجاهدٍ.
{تأكل منسأته} [سبأ: 14] والمنسأة العصا، في تفسير مجاهدٍ.
ذكره عاصم بن حكيمٍ، والمعلّى بن هلالٍ، وهي بالحبشة.
مكث حولا وهو متوكّئٌ على عصاه، لا يرى الجنّ والإنس إلا أنّه حيٌّ على حاله الأوّل، لتعظم الآية بمنزلة ما أذهب اللّه من عملهم تلك الأربعين اللّيلة الّتي غاب عنها سليمان عن ملكه حيث خلفه ذلك الشّيطان في ملكه، وكان موته فجأةً وهو متوكّئٌ على عصاه حولا لا يعلمون أنّه مات، وذلك أنّ الشّياطين كانت
[تفسير القرآن العظيم: 2/751]
تزعم للإنس أنّهم يعلمون الغيب، فكانوا يعملون له حولا لا
يعلمون أنّه مات.
قال عزّ وجلّ: {فلمّا خرّ} [سبأ: 14] سقط لمّا أكلت الأرضة العصا خرّ سليمان فقال: {فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ} [سبأ: 14] للإنس.
{أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} [سبأ: 14] في تلك السّخرة، في تلك الأعمال في السّلاسل تبيّن للإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين). [تفسير القرآن العظيم: 2/752]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تأكل منسأته...}
همزها عاصم والأعمش, وهي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي: أخذت من نسأت البعير: زجرته , ليزداد سيره؛ كما يقال: نسأت اللبن إذا صببت عليه الماء , وهو النّسيء, ونسئت المرأة إذا حبلت, ونسأ الله في أجلك , أي : زاد الله فيه، ولم يهمزها أهل الحجاز , ولا الحسن, ولعّلهم أرادوا لغة قريش؛ فإنهم يتركون الهمز.
وزعم لي أبو جعفر الرؤاسيّ: أنه سأل عنها أبا عمرٍو , فقال: {منساته} بغير همزٍ، فقال أبو عمرو: لأني لا أعرفها فتركت همزها, ولو جاء في القراءة: من ساته فتجعل (ساةً) حرفاً واحداً فتخفضه بمن.
قال الفراء: وكذلك حدثني حبّان , عن الكلبيّ , عن أبي صالح , عن ابن عبّاس أنه قال: (تأكل من عصاه).
والعرب تسمّي رأس القوس السّية، فيكون من ذلك، يجوز فتحها وكسرها، يعني : فتح السين، كما يقال: إنّ به لضعةً وضعة، وقحة وقحة من الوقاحة , ولم يقرأ بها أحد علمناه.
وقوله: {دابّة الأرض}: الأرضة.
وقوله: {فلمّا خرّ} : سليمان, فيما ذكر أكلت العصا فخرّ, وقد كان الناس يرون أنّ الشياطين تعلم السرّ يكون بين اثنين , فلمّا خرّ تبيّن أمر الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب، ولو علموه : ما عملوا بين يديه , وهو ميّت. و(أن) في موضع رفعٍ: {تبيّن}.
{أن لو كانوا}, وذكر عن ابن عبّاس أنه قال: (بيّنت الإنس الجن)ّ، ويكون المعنى: تبيّنت الإنس أمر الجن؛ لأن الجن، إذا تبيّن أمرها للإنس , فقد تبيّنها الإنس، ويكون (أن) حينئذٍ في موضع نصب بتبيّنت. فلو قرأ قارئ : تبّينت الجنّ أن لو كانوا بجعل الفعل للإنس , ويضمر هم في فعلهم , فينصب الجنّ يفعل الإنس , وتكون (أن) مكرورة على الجنّ , فتنصبها.). [معاني القرآن: 2/356-357]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تأكل منسأته }: وهي العصا أوصلها من نسأت بها الغنم وهي من الهمز الذي تركت العرب الهمزة من أسمائها. ينسأ بها الغنم أي يسوقها، قال طرفة بن العبد:
وعنس كألواح الإران نسأتها= على لاحبٍ كأنه ظهر برجد
نسأتها: نسقتها ويهمزون الفعل منها كما تركوا همزة النبي والبرية والخابية وهي من أنبأت ومن برأت وخبأت قال:
إذا دببت على المنساة من كبرٍ= فقد تباعد عنك اللّهو والغزل
وبعضهم يهمزها فيقول منسأة، قال:
أمن أجل حبلٍ لا أباك ضربته= بمنسأةٍ قد جرّ حبلك أحبلا.
{ فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لّو كانوا يعلمون الغيب }: مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير لأن { تبينت } في موضع ": أبانت الجن للناس أن لو كانوا يعلمون الغيب لما كانوا في العذاب , وقد مات سليمان صلى الله عليه ".). [مجاز القرآن: 2/145-146]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({منسأته}: عصاه التي ينسأ بها الغنم. يقال نسأت الغنم إذا سقتها. تهمز ولا تهمز في القراءة). [غريب القرآن وتفسيره: 306]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (المنسأة): العصا. وهي مفعلة، من نسأت الدابة: إذا سقتها , قال الشاعر:
إذا دببت على المنسأة من كبر= فقد تباعد عنك اللهو والعزل
وقال الآخر:
وعنس كألواح الإران نسأت= ها إذا قيل للمشبوبتين هماهما
{فلمّا خرّ}: سقط، {تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب}: كان الناس يرون الشياطين تعلم كثيرا من الغيب والسر، فلما خر سليمان , تبينت الجن، أي: ظهر أمرها.
ثم قال: {أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}.
وقد يجوز أن يكون {تبيّنت الجنّ}: أي : علمت , وظهر لها العجز, وكانت تسترق السمع، وتلبس بذلك على الناس أنها تعلم الغيب، فلما خرّ سليمان زال الشك في أمرها، كأنها أقرت بالعجز.
وفي مصحف عبد اللّه: {تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب}.). [تفسير غريب القرآن: 354-355]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {فلمّا قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلّا دابّة الأرض تأكل منسأته فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين (14)}
المنسأة : العصا، وإنما سمّيت منسأة لأنها ينسأ بها , ومعنى : ينسأ بها : يطرد بها, ويؤخر بها، فلما توفي سليمان توفي , وهو متكئ عليها - على عصاه - , فلم يعلم الجنّ بموته حتى أكلت الأرضة العصا حتّى خرّ.
{فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ}:موته، المعنى : {أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}
المعنى : لأنهم لو كانوا يعلمون ما غاب عنهم ما عملوا مسخرين, إنّما عملوا , وهم يظنون أنه حيّ يقف على عملهم.
وقال بعضهم : تبينت الإنس الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب.
ويجوز أن يكون تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب، والجن تتبيّن أنها لا تعلم الغيب، فكانت توهم أنها تعلم الغيب , فتبيّنت أنه قد بأن للناس أنّها لا تعلم، كما تقول للذي يدعي عندك الباطل , إذا تبينت له: قد بينت أن الذي يقول باطل، وهو لم يزل يعلم ذلك , ولكنك أردت أن توبخه , وأن تعلمه أنك قد علمت بطلان قوله.). [معاني القرآن: 4/247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته}
قال عبد الله بن مسعود : (أقام حولا حتى أكلت الأرضة عصاه , فسقط, فعلم أنه قد مات) .
وقال علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : (المنسأة: العصا).
قال أبو جعفر : قيل للعصا : منسأة , لأنه يؤخر بها الشيء , ويساق بها , قال طرفة:
أمون كألواح الإران نسأتها = على لاحب كأنه ظهر برجد
وقوله جل وعز: {فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}
قال قتادة : (كانت الجن تخبر الإنس : أنهم يعلمون الغيب , فلما مات سليمان صلى الله عليه وسلم , ولم تعلم به الجن , تبينت الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب , وهذا أحسن ما قيل في الآية ).
والمعنى : تبين أمر الجن , ويدل على صحته الحديث المرفوع.
روى إبراهيم بن طهمان , عن عطاء , عن السائب , عن سعيد بن جبير ,عن ابن عباس , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((كان سليمان نبي الله إذا صلى , رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها: ما اسمك ؟ , فإن كانت لغرس غرست , وإن كانت لدواء كتبت ,.
فبينما هو يصلي ذات يوم , إذا شجرة نابتة بين يديه , فقال : ما اسمك ؟.
فقالت : الخرنوب.
قال : لأي شيء أنت ؟.
قالت: لخراب أهل هذا البيت .
قال : اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب , فنحتها عصا , فتوكأ عليها حولا لا يعلمون , فسقطت , فعلمت الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب , فنظروا مقدار ذلك , فوجدوه سنة , فشكرت الجن للأرضة .)).
قال قتادة : وفي مصحف عبد الله بن مسعود :{تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}
ومن قرأ : {تبينت الجن }: أراد: تبينت الإنس الجن.). [معاني القرآن: 5/402-405]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {منسأته}: أي: عصاه, {فلما خر}: أي: سقط.). [ياقوتة الصراط: 414]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {المِنسَأَة}:العصا.
{تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ}: أي: علمت الإنس عجز الجن , وأنها لا تعلم شيئاً، إذ بقيت في السخرة مدة , وسليمان عليه السلام ميت, قيل: معناه تبين الجن في أن لا علم لهم، فظهر للناس قلة علمهم، إذ لم يعلموا بموت سليمان عليه السلام حتى خر, وفي حرف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :{تبينت الأنس أن الجن} .). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِنسَأَتَهُ}: عصاه.). [العمدة في غريب القرآن: 246]