العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 11:56 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (243) إلى الآية (245) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (243) إلى الآية (245) ]


{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:27 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديرهم وهم ألوف حذر الموت قال فروا من الطاعون فقال لهم الله موتوا ثم أحيهم ليكملوا بقية أيامهم.
قال معمر وقال الكلبي كانوا ثمانية آلاف.
قال معمر وقال قتادة عن عكرمة فروا من القتال). [تفسير عبد الرزاق: 1/97]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم}.
يعني تعالى ذكره: {ألم تر} ألم تعلم يا محمّد وهو من رؤية القلب لا رؤية العين؛ لأنّ نبيّنا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم لم يدرك الّذين أخبر اللّه عنهم هذا الخبر ورؤية القلب: ما رآه علمه به. فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمّد الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {وهم ألوفٌ} فقال بعضهم: في العدد بمعنى جماع ألفٍ.
[جامع البيان: 4/413]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وحدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن ميسرة النّهديّ، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت} كانوا أربعة آلافٍ خرجوا فرارًا من الطّاعون، قالوا: نأتي أرضًا ليس فيها موتٌ. حتّى إذا كانوا بموضع كذا وكذا، قال لهم اللّه: موتوا فمرّ عليهم نبيّ من الأنبياء، فدعا ربّه أن يحييهم، فأحياهم. فتلا هذه الآية: {إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون}.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن ميسرة النّهديّ، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت} قال: كانوا أربعة آلافٍ خرجوا فرارًا من الطّاعون، فأماتهم اللّه، فمرّ عليهم نبيّ من الأنبياء، فدعا ربّه أن يحييهم حتّى يعبدوه، فأحياهم.
- حدّثنا محمّد بن سهل بن عسكرٍ، قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: أصاب ناسًا من بني إسرائيل بلاءٌ وشدّةٌ من الزّمان، فشكوا ما أصابهم، وقالوا: يا ليتنا قد متنا فاسترحنا ممّا نحن فيه فأوحى اللّه إلى حزقيل: إنّ قومك صاحوا من البلاء، وزعموا أنّهم ودّوا لو ماتوا فاستراحوا، وأيّ راحةٍ لهم في الموت أيظنّون أنّي لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبّانة كذا وكذا، فإنّ فيها أربعة آلافٍ قال وهبٌ: وهم الّذين قال اللّه: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت} فقم فيهم فنادهم
[جامع البيان: 4/414]
وكانت عظامهم قد تفرّقت، فرّقتها الطّير والسّباع. فناداهم حزقيل، فقال: يا أيّتها العظام إنّ اللّه يأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كلّ إنسانٍ منهم معًا. ثمّ نادى ثانيةً حزقيل، فقال: أيّتها العظام، إنّ اللّه يأمرك أن تكتسي اللّحم فاكتست اللّحم، وبعد اللّحم جلدًا، فكانت أجسادًا. ثمّ نادى حزقيل الثّالثة فقال: أيّتها الأرواح إنّ اللّه يأمرك أن تعودي فى أجسادك، فقاموا بإذن اللّه، وكبّروا تكبيرةً واحدةً.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قل: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ} يقول: عددٌ كثيرٌ خرجوا فرارًا من الجهاد في سبيل اللّه، فأماتهم اللّه، ثمّ أحياهم، وأمرهم أن يجاهدوا عدوّهم؛ فذلك قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميعٌ عليمٌ}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن أشعث بن أسلم البصريّ،
[جامع البيان: 4/415]
قال: بينما عمر يصلّي ويهوديّان خلفه وكان عمر إذا أراد أن يركع خوّى فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ فلمّا انفتل عمر قال: رأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو فقالا: إنّا نجده في كتابنا قرنًا من حديدٍ يعطى ما يعطى حزقيل الّذي أحيا الموتى بإذن اللّه. فقال عمر: ما نجد في كتاب اللّه حزقيل، ولا أحيا الموتى بإذن اللّه إلاّ عيسى. فقالا: أما تجد في كتاب {ورسلاً لم نقصصهم عليك} فقال عمر: بلى. قالا: وأمّا إحياء الموتى فسنحدّثك أنّ بني إسرائيل وقع عليهم الوباء، فخرج منهم قومٌ، حتّى إذا كانوا على رأس ميلٍ أماتهم اللّه، فبنوا عليهم حائطًا، حتّى إذا بليت عظامهم بعث اللّه حزقيل، فقام عليهم فقال ما شاء اللّه، فبعثهم اللّه له، فأنزل اللّه في ذلك: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن الحجّاج بن أرطأة، قال: كانوا أربعة آلافٍ.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ} إلى قوله: {ثمّ أحياهم} قال: كانت قريةٌ يقال لها داوردان قبل واسطٍ، وقع بها الطّاعون، فهرب عامّة أهلها، فنزلوا ناحيةً منها، فهلك من بقي في القرية وسلم الآخرون، فلم يمت منهم كبيرٌ. فلمّا ارتفع الطّاعون رجعوا سالمين، فقال الّذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منّا، لو صنعنا كما صنعوا بقينا، ولئن وقع الطّاعون ثانيةً لنخرجنّ معهم فوقع في قابلٍ فهربوا، وهم بضعةٌ وثلاثون ألفًا، حتّى نزلوا ذلك المكان، وهو وادٍ أفيح،
[جامع البيان: 4/416]
فناداهم ملكٌ من أسفل الوادي، وآخر من أعلاه: أن موتوا فماتوا، حتّى إذا هلكوا وبليت أجسادهم، مرّ بهم نبيّ يقال له حزقيل؛ فلمّا رآهم وقف عليهم، فجعل يتفكّر فيهم، ويلوي شدقيه، وأصابعه، فأوحى اللّه إليه: يا حزقيل، أتريد أن أريك فيهم كيف أحييهم؟ قال: نعم. قال: وإنّما كان تفكّره أنّه تعجّب من قدرة اللّه عليهم فقال: نعم. فقيل له: ناد فنادى: يا أيّتها العظام إنّ اللّه يأمرك أن تجتمعي فجعلت تطير العظام بعضها إلى بعضٍ حتّى كانت أجسادًا من عظامٍ. ثمّ أوحى اللّه إليه أن ناد يا أيّتها العظام، إنّ اللّه يأمرك أن تكتسي لحمًا فاكتست لحمًا، ودمًا، وثيابها الّتي ماتت فيها وهي عليها. ثمّ قيل له: ناد فنادى يا أيّتها الأجساد، إنّ اللّه يأمرك أن تقومي، فقاموا.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، فزعم منصور بن المعتمر، عن مجاهدٍ، أنّهم قالوا حين أحيوا: سبحانك ربّنا وبحمدك، لا إله إلاّ أنت فرجعوا إلى قومهم أحياءً، يعرفون أنّهم كانوا موتًى، سحنة الموت على وجوههم، لا يلبسون ثوبًا إلاّ عاد دسمًا مثل الكفن حتّى ماتوا لآجالهم الّتي كتبت لهم.
[جامع البيان: 4/417]
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن عوسجة، عن عطاءٍ الخراسانيّ: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ} قال: كانوا ثلاثة آلافٍ أو أكثر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: كانوا أربعين ألفًا، أو ثمانية آلافٍ حظر عليهم حظائر، وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا، فإنّها لتوجد اليوم في ذلك السّبط من اليهود تلك الرّيح، وهم ألوفٌ فرارًا من الجهاد في سبيل اللّه، فأماتهم اللّه، ثمّ أحياهم، فأمرهم بالجهاد، فذلك قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن وهب بن منبّهٍ: أنّ كالب بن يوفنا، لمّا قبضه اللّه بعد يوشع، خلف فيهم يعني في بني إسرائيل حزقيل بن بوزيٍّ، وهو ابن العجوز. وإنّما سمّي ابن العجوز، أنّها سألت اللّه الولد وقد كبرت وعقمت، فوهبه اللّه لها، فلذلك قيل له ابن العجوز. وهو الّذي دعا للقوم الّذين ذكر اللّه في الكتاب لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم كما بلغنا: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون}.
[جامع البيان: 4/418]
- حدّثني ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: بلغني أنّه كان من حديثهم أنّهم خرجوا فرارًا من بعض الأوباء من الطّاعون، أو من سقمٍ كان يصيب النّاس حذرًا من الموت، وهم ألوفٌ. حتّى إذا نزلوا بصعيدٍ من البلاد، قال لهم اللّه: موتوا فماتوا جميعًا، فعمد أهل تلك البلاد فحظروا عليهم حظيرةً دون السّباع، ثمّ تركوهم فيها، وذلك أنّهم كثروا عن أن يغيّبوا. فمرّت بهم الأزمان، والدّهور، حتّى صاروا عظامًا نخرةً. فمرّ بهم حزقيل بن بوزيٍّ، فوقف عليهم، فتعجّب لأمرهم، ودخله رحمةً لهم، فقيل له: أتحبّ أن يحييهم اللّه؟ فقال: نعم. فقيل له: نادهم فقال: أيّتها العظام الرّميم الّتي قد رمّت، وبليت، ليرجع كلّ عظمٍ إلى صاحبه فناداهم بذلك، فنظر إلى العظام تواثب يأخذ بعضها بعضًا. ثمّ قيل له: قل أيّها: اللّحم، والعصب، والجلد اكس العظام بإذن ربّك قال: فنظر إليها والعصب يأخذ العظام ثمّ اللّحم، والجلد، والأشعار، حتّى استووا خلقًا ليست فيهم الأرواح، ثمّ دعا لهم بالحياة، فتغشاه من السّماء شىء كربةٌ حتّى غشي عليه منه. ثمّ أفاق والقوم جلوسٌ يقولون: سبحان اللّه، سبحان اللّه قد أحياهم اللّه.
وقال آخرون: معنى قوله {وهم ألوفٌ} وهم مؤتلفون.
[جامع البيان: 4/419]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال ابن زيدٍ، في قول اللّه: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم} قال: قريةٌ كانت نزل بها الطّاعون، فخرجت طائفةٌ منهم، وأقامت طائفةٌ. فألحّ الطّاعون بالطّائفة الّتي أقامت، والّتي خرجت لم يصبها شيءٌ. ثمّ ارتفع، ثمّ نزل العام القابل، فخرجت طائفةٌ أكثر من الّتي خرجت أوّلاً. فاستحرّ الطّاعون بالطّائفة الّتي أقامت. فلمّا كان العام الثّالث نزل، فخرجوا بأجمعهم وتركوا ديارهم، فقال اللّه تعالى ذكره: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ} ليست الفرقة أخرجتهم كما يخرج للحرب والقتال. قلوبهم مؤتلفةٌ، إنّما خرجوا فرارًا، فلمّا كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة، قال لهم اللّه: موتوا في المكان الّذي ذهبوا إليه يبتغون فيه الحياة، فماتوا. ثمّ أحياهم اللّه؛ {إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون} قال: ومرّ بها رجلٌ وهي عظامٌ تلوح، فوقف ينظر، فقال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ}.
ذكر هذه الأخبار عمّن قال: كان خروج
هؤلاء القوم من ديارهم فرارًا من الطّاعون:
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن الأشعث، عن الحسن، في قوله: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت} قال. خرجوا فرارًا من الطّاعون، فأماتهم الله قبل آجالهم، ثمّ أحياهم إلى آجالهم.
[جامع البيان: 4/420]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، في قوله: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت} قال: فرّوا من الطّاعون، فقال لهم اللّه: موتوا ثمّ أحياهم ليكملوا بقيّة آجالهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عمرو بن دينارٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت} قال: وقع الطّاعون في قريتهم، فخرج أناسٌ وبقي أناسٌ. فهلك الّذين بقوا في القرية وبقي الآخرون. ثمّ وقع الطّاعون في قريتهم الثّانية، فخرج أناسٌ، وبقي أناسٌ ومن خرج أكثر ممّن بقي، فنجّى اللّه الّذين خرجوا، وهلك الّذين بقوا. فلمّا كانت الثّالثة خرجوا بأجمعهم إلاّ قليلاً، فأماتهم اللّه، ودوابّهم ثمّ أحياهم فرجعوا إلى بلادهم وقد توالدت ذريتهم ومن تركوا وكثروا بها، حتّى يقول بعضهم لبعضٍ: من أنتم؟.
[جامع البيان: 4/421]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: سمعت عمرو بن دينارٍ، يقول: وقع الطّاعون في قريتهم، ثمّ ذكر نحو حديث محمّد بن عمرٍو، عن أبي عاصمٍ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيدٌ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ} الآية. مقتهم اللّه على فرارهم من الموت، فأماتهم اللّه عقوبةً ثمّ بعثهم إلى بقيّة آجالهم ليستوفوها، ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن حصينٍ، عن هلال بن يسافٍ، في قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين خرجوا} الآية. قال: كان هؤلاء القوم من بني إسرائيل كان إذا وقع فيهم الطّاعون خرج أغنياؤهم وأشرافهم، وأقام فقراؤهم وسفلتهم. قال: فاستحرّ الموت على المقيمين منهم، ونجا من خرج منهم، فقال الّذين خرجوا: لو أقمنا كما أقام هؤلاء لهلكنا كما هلكوا وقال المقيمون: لو ظعنّا كما ظعن هؤلاء لنجونا كما نجوا فظعنوا جميعًا في عامٍ واحدٍ، أغنياؤهم وأشرافهم، وفقراؤهم وسفلتهم، فأرسل عليهم الموت، فصاروا عظامًا تبرق.
[جامع البيان: 4/422]
قال: فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكانٍ واحدٍ، فمرّ بهم نبيّ، فقال: يا ربّ لو شئت أحييت هؤلاء فعمّروا بلادك وعبدوك قال: أو أحبّ إليك أن أفعل؟ قال: نعم. قال: فقل كذا وكذا فتكلّم به، فنظر إلى العظام، وإنّ العظم ليخرج من عند العظم الّذي ليس منه إلى العظم الّذي هو منه. ثمّ تكلّم بما أمر، فإذا العظام تكسى لحمًا. ثمّ أمر بأمرٍ فتكلّم به، فإذا هم قعودٌ يسبّحون ويكبّرون، ثمّ قيل لهم: {قاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميعٌ عليمٌ}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيّوب. عن حمّاد بن عثمان، عن الحسن، أنّه قال في الّذين أماتهم اللّه ثمّ أحياهم، قال: هم قومٌ فرّوا من الطّاعون، فأماتهم اللّه عقوبةً، ومقتًا، ثمّ أحياهم لآجالهم.
وأولى القولين في تأويل قوله: {وهم ألوفٌ} بالصّواب، قول من قال: عنى بالألوف. كثرة العدد، دون قول من قال: عنى به الائتلاف، بمعنى ائتلاف قلوبهم، وأنّهم خرجوا من ديارهم من غير افتراقٍ كان منهم، ولا تباغضٍ، ولكن فرارًا، إمّا من الجهاد، وإمّا من الطّاعون. لإجماع الحجّة على أنّ ذلك تأويل الآية، ولا يعارض بالقول الشّاذّ ما استفاض به القول من الصّحابة، والتّابعين.
وأولى الأقوال في مبلغ عدد القوم الّذين وصف اللّه خروجهم من ديارهم بالصّواب، قول من حدّ عددهم بزيادةٍ عن عشرة آلافٍ دون من حدّه بأربعة آلافٍ وثلاثة آلافٍ وثمانية آلافٍ. وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عنهم أنّهم كانوا ألوفًا، وما دون العشرة آلافٍ لا يقال لهم ألوفٌ،
[جامع البيان: 4/423]
وإنّما يقال: هم آلافٌ إذا كانوا ثلاثة آلافٍ فصاعدًا إلى العشرة آلافٍ، وغير جائزٍ أن يقال: هم خمسة ألوفٍ، أو عشرة ألوفٍ.
وإنّما جمع قليله على أفعالٍ، ولم يجمعٍ على أفعلٍ مثل سائر الجمع القليل الّذي يكون ثاني مفرده ساكنًا للألف الّتي في أوّله، وشأن العرب في كلّ حرفٍ كان أوّله ياءً أو واوًا أو ألفًا اختيار جمع قليله على أفعالٍ، كما جمعوا الوقت أوقاتًا، واليوم أيّامًا، واليسر أيسارًا؛ للواو والياء اللّتين في أوّل ذلك، وقد يجمع ذلك أحيانًا على أفعل، إلاّ أنّ الفصيح من كلامهم ما ذكرنا، ومنه قول الشّاعر:
كانوا ثلاثة آلفٍ وكتيبةً = ألفين أعجم من بني الفدّام.
وأمّا قوله: {حذر الموت} فإنّه يعني: أنّهم خرجوا من حذر الموت فرارًا منه.
- كما: حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي،
[جامع البيان: 4/424]
قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {حذر الموت} فرارًا من عدوّهم، حتّى ذاقوا الموت الّذي فرّوا منه، فأمرهم فرجعوا، وأمرهم أن يقاتلوا في سبيل اللّه. وهم الّذين قالوا لنبيّهم: {ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه}.
وإنّما حثّ اللّه تعالى ذكره عباده بهذه الآية على المواظبة على الجهاد في سبيل اللّه والصّبر على قتال أعداء دينه، وشجّعهم بإعلامه إيّاهم وتذكيره لهم أنّ الإماتة والإحياء بيديه وإليه دون خلقه، وأنّ الفرار من القتال والهرب من الجهاد ولقاء الأعداء إلى التّحصّن في الحصون والاختباء في المنازل والدّور غير منجٍ أحدًا من قضائه إذا حلّ بساحته، ولا دافع عنه أسباب منيّته إذا نزل بعقوبته، كما لم ينفع الهاربين من الطّاعون الّذين وصف اللّه تعالى ذكره صفتهم في قوله: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت} فرارهم من أوطانهم، وانتقالهم من منازلهم إلى الموضع الّذي أمّلوا بالمصير إليه السّلامة، وبالموئل النّجاة من المنيّة، حتّى أتاهم أمر اللّه، فتركهم جميعًا خمودًا صرعى وفي الأرض هلكى، ونجا ممّا حلّ بهم الّذين باشروا كرب الوباء، وخالطوا بأنفسهم عظيم البلاء). [جامع البيان: 4/425]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون}.
يعني تعالى ذكره بذلك: إنّ اللّه لذو فضلٍ ومنٍّ على خلقه بتبصيره إيّاهم سبيل الهدى وتحذيره لهم طرق الرّدى، وغير ذلك من نعمه الّتي ينعمها عليهم في دنياهم ودينهم، وأنفسهم وأموالهم.
[جامع البيان: 4/425]
كما أحيا الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت بعد إماتته إيّاهم وجعلهم لخلقه مثلاً وعظةً يعظون بهم عبرةً يعتبرون بهم. وليعلموا أنّ الأمور كلّها بيده، فيستسلمون لقضائه، ويصرفون الرّغبة كلّها، والرّهبة إليه.
ثمّ أخبر تعالى ذكره أنّ أكثر من ينعم عليه من عباده بنعمه الجليلة ويمنّ عليه بمننه الجسيمة، يكفر به، ويصرف الرّغبة والرّهبة إلى غيره، ويتّخذ إلهًا من دونه، كفرانًا منه لنعمه الّتي توجب أصغرها عليه من الشّكر ما يفدحه ومن الحمد ما يثقله، فقال تعالى ذكره: {ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون} يقول: لا يشكرون نعمتي الّتي أنعمتها عليهم وفضلي الّذي تفضّلت به عليهم، بعبادتهم غيري، وصرفهم رغبتهم ورهبتهم إلى من دوني، ممّن لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، ولا يملك موتًا ولا حياةً ولا نشورًا). [جامع البيان: 4/426]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد الحميد الحمّانيّ، عن النّضر يعني: أبا عمر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت قال: كانوا من أهل قريةٍ يقال لها: داوردان- وروي عن السّدّيّ، نحو ذلك، وزاد السّدّيّ: داوردان قبل واسطٍ وروي عن أبي صالحٍ مثل ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ ثنا محمّد بن شعيب بن شابور قال سمعت سعيد بن عبد العزيز، يقول: في قول اللّه: الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ قال: هم من أذرعات
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهروي، ابنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاءً ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ قال: مثلٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/455]
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الخطميّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ ثنا، أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ في قوله: من ديارهم يعني: منازلهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وهم ألوف
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد الحميد الحمّانيّ، عن النّضر أبي عمر الخزّاز، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت قال: كانوا أربعة آلافٍ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا بكير بن الأسود العائذيّ، ثنا سعيد بن مسروقٍ الكنديّ، ثنا إسماعيل، عن أبي صالحٍ في قوله: ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم قال: كانوا تسعة آلاف.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيد بن نحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرٌو العنقزيّ ثنا أسباطٌ، عن أبي مالكٍ، في قوله: ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ قال:
كانوا بضعةً وثلاثين ألفًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: حذر الموت
[الوجه الأول]
- حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نحيى عبد الحميد الحمّانيّ، عن النّضر أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: وهم ألوفٌ حذر الموت قال:
كانوا أربعة آلافٍ خرجوا فارّين من الطّاعون.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ، فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: حذر الموت فرارًا من عدوّهم،
وروي عن الضّحّاك ومطرٍ، أنّهم فرّوا من الجهاد.
[تفسير القرآن العظيم: 2/456]
- حدثنا أبي، ثنا يحي بن المغيرة، ثنا جريرٌ، عن حصينٍ عن هلال ابن يسافٍ، في قوله: ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت قال: كانوا ناسًا من بني إسرائيل، إذا وقع الوجع، ذهب أغنياؤهم وأشرافهم، وأقام سفلتهم وفقراؤهم، فاستحرّ الموت على هؤلاء الّذين أقاموا ولم يصب الآخرين شيءٌ، فلمّا كان عامٌ من تلك الأعوام قالوا: أن أقمنا كما أقاموا، هلكنا كما هلكوا، وقال هؤلاء: لو صنعنا كما صنعوا نجونا، فأجمعوا في عامٍ أن يفرّوا كلّهم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة في قول اللّه: ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت قال: أجلاهم الطّاعون، فخرج منهم الثّلث، وبقي الثّلثان ثمّ أصابهم أيضًا فخرج الثّلثان، وبقي الثّلث، ثمّ أصابهم أيضًا فخرجوا كلّهم، فأماتهم اللّه عقوبةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/457]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم
- حدّثنا أبو سعيد بن نحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرٌو العنقزيّ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ في قوله: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا، ثمّ أحياهم قال: كانت قريةٌ يقال لها داوردان، قريبٌ من واسطٍ، فوقع فيهم الطاعون، فأقامت طائقة منهم، وهربت طائفةٌ، فأجلوا عن القرية، ووقع الموت فمن أقام منهم وأسرع فيهم، وسلم الآخرون الّذين كانوا أجلوا عنها، حتّى إذا ارتفع الطّاعون عنهم، رجعوا إليهم، فقال الّذين بقوا: إخواننا هؤلاء، كانوا أحزم منّا، فلو كنّا صنعنا كما صنعوا، سلمنا، ولئن بقينا حتّى يقع الطّاعون، لنصنعنّ مثل صنيعهم. فلمّا أن كان من قابلٍ، وقع الطّاعون، فخرجوا جميعًا- الّذين كانوا أجلوا، والّذين كانوا أقاموا- وهم بضعةٌ وثلاثون ألفًا، فساروا حتّى أتوا واديًا فيحاء، فنزلوا فيه وهو بين جبلين فبعث اللّه إليهم ملكين، ملكًا بأعلى الوادي، وملكًا بأسفله، فنادوهم أي موتوا، فماتوا. فمكثوا ما شاء اللّه، ثمّ مرّ بهم نبيٌّ من الأنبياء، يدعى: حزقلٌ، فرأى تلك العظام، فوقف متعجّبًا، لكثرة ما يرى منها، فأوحى اللّه إليه أن ناد: أيّتها العظام: إنّ اللّه يأمرك أن تجتمعي، فاجتمعت العظام من أقصى الوادي، وأدناه، فالتزق بعضها ببعضٍ كلّ عظمٍ من
[تفسير القرآن العظيم: 2/457]
جسدٍ، التزق بجسده، فصاروا أجسادًا من عظامٍ، ليس لحمٌ ولا دمٌ، ثمّ أوحى اللّه إليه: نادي: أيّتها العظام إنّ اللّه يأمرك أن تكتسي لحمًا، ثمّ أوحى إليه: نادي: أيّتها الأجساد إنّ اللّه يأمرك أن تقومي. فبعثوا أحياء.
- حدثنا أبو سعيد بن نحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا العنقزيّ، ثنا أسباطٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ قال: وكان كلامهم حين بعثوا: أن قالوا سبحانك ربّنا وبحمدك، لا إله إلا أنت.
ثمّ رجع إلى حديث السّدّيّ عن أبي مالكٍ، قال: ثمّ رجعوا إلى بلادهم، فكانوا لا يلبسون ثوبًا، إلا كان عليهم كفنًا دسمًا، يعرفهم أهل ذلك الزّمان، أنّهم قد ماتوا، ثمّ رجعوا إلى بلادهم، فأقاموا حتّى أتت عليهم آجالهم، بعد ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، بنحوه وزاد فيه: أن موتوا، فماتوا حتّى إذا هلكوا وبليت أجسادهم، مرّ بهم نبيٌّ، يقال له هزقل، فلمّا رآهم وقف عليهم وجعل يتفكّر بهم ويلوي شدقه وأصابعه. فأوحى اللّه إليه: يا هزقل: أتريد أن أريك كيف أحييهم؟ وإنّما كان تفكّره، لأنّه تعجّب من قدرة اللّه عليهم- فقال نعم. فقيل له: ناد: أيّتها العظام. والباقي نحوه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت قال:
سمعت عمرو بن دينارٍ يقول: وقع الطّاعون في قريتهم، فخرج وبقي أناسٌ، ومن خرج أكثر ممّن بقي، فنجّى اللّه الّذين خرجوا، وهلك الّذين بقوا. فلمّا كانت الثّانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلا، فأماتهم اللّه ودوابّهم، ثمّ أحياهم، فتراجعوا إلى بلدهم، وقد توالدت ذرّيّتهم ومن تركوا، فكثروا). [تفسير القرآن العظيم: 1/458]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن أبي الحواريّ، ثنا رباحٌ، ثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا موسى بن أبي الصّبّاح، في قول اللّه عزّ وجلّ إنّ اللّه لذو فضلٍ على الناس
[تفسير القرآن العظيم: 2/458]
قال: إذا كان يوم القيامة يؤتى بأهل ولاية الله، فيقومون بن يديه، ثلاثة أصنافٍ، قال: فيؤتى برجلٍ من الصّنف الأوّل، فيقول: عبدي لماذا عملت؟ فيقول: يا ربّ خلقت الجنّة وأشجارها وثمارها وأنهارها وجوزها ونعيمها وما أعددت لأهل طاعتك فيها، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، شوقًا إليها. قال فيقول: عبدي إنّما عملت للجنّة فادخلها، ومن فضلي عليك، أن أعتقك من النّار، قال: فيدخل هو ومن معه الجنّة.
قال: ثمّ يؤتى بالصّنف الثّاني، قال: فيقول: عبدي لماذا عملت؟ فيقول: يا ربّ خلقت نارًا وخلقت أغلالها وسعيرها وسمومها ويحمومها وما أعددت لأعدائك ولأهل معصيتك فيها، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، خوفًا منها. فيقول: عبدي:
إنّما عملت خوفًا من النّار، فإنّي قد أعتقتك من النّار، ومن فضلي عليك، أدخلك جنّتي، فيدخل هو ومن معه الجنّة قال: ثمّ يؤتى برجلٍ من الصّنف الثّالث: فيقول:
عبدي لماذا عملت؟ فيقول: ربّي شوقًا إليك وحبًّا لك، فيقول اللّه عزّ وجلّ: عبدي إنّما عملت حبًّا لي وشوقًا لي. فيتجلّى له الرّب عزّ وجل ويقول: ها أنذا، انظر إليّ.
ثمّ يقول: من فضلي عليك أن أعتقك من النّار وأبيحك جنتي وأ زيرك ملائكتي، وأسلّم عليك بنفسي. فيدخل هو ومن معه الجنّة.
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن خالدٍ الدّمشقيّ، ثنا شعيب بن إسحاق ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون قال: إنّ المؤمن ليشكر نعم اللّه عليه وعلى خلقه، وعن قتادة، قال: ذكر لنا أن أبا الدّرداء كان يقول: يا ربّ شاكر نعمة غيره ومنعمٌ عليه لا يدري، ويا ربّ حامل فقهٍ غير فقيهٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن حصين ابن عبد الرحمن السلمي عن هلال بن يساف قال كانت أمة من بني إسرائيل إذا وقع الوجع فيهم خرج
[تفسير مجاهد: 111]
أشرافهم وأغنياؤهم وأقام سفلتهم وفقراؤهم فمات الذين أقاموا ونجا الذين خرجوا فقال الأشراف لو أقمنا كما أقام هؤلاء لهلكنا كما هلكوا وقالت السفلة لو ظعنا كما ظعن هؤلاء نجونا كما نجوا فأجمع رأيهم جميعا في سنة من السنين على أن يظعنوا وظعنوا جميعا فماتوا كلهم حتى صاروا عظاما تبرق فكنسهم أهل البيوت وأهل الطرق عن بيوتهم وطرقهم فمر بهم نبي من الأنبياء فقال يا رب لو شئت أحييتهم فعبدوك وولدوا أولادا يعبدونك ويعمرون بلادك فقيل له تكلم بكذا وكذا فتكلم به فنظر إلى العظام تخرج من عند العظام التي ليست منها إلى العظام التي هي منها ثم قيل له تكلم بكذا وكذا فتكلم به فنظر إلى العظام فكسيت لحما وعصبا ثم قيل له تكلم بكذا وكذا فتكلم به فنظر فإذا هم قعود يسبحون الله ويكبرونه فأنزل الله عز وجل فيهم ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم). [تفسير مجاهد: 112]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح قال سمعت عمرو بن دينار يقول في قوله ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف
[تفسير مجاهد: 112]
قال وقع الطاعون في قريتهم فخرج ناس وأقام ناس فنجا الذين خرجوا وهلك الذين أقاموا فلما وقع الطاعون في قريتهم فخرج ناس وأقام ناس فنجا الذين خرجوا وهلك الذين اقاموا فلما وقع الطاعون الثانية خرجوا بأجمعهم فأماتهم الله ودوابهم ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم وقد توالدت ذريتهم ومن تركوا). [تفسير مجاهد: 113]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ وكيعٌ، ثنا سفيان، عن ميسرة النّهديّ، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم، وهم ألوفٌ حذر الموت} [البقرة: 243] قال: " كانوا أربعة آلافٍ، خرجوا فرارًا من الطّاعون، وقالوا: نأتي أرضًا ليس بها موتٌ. فقال لهم اللّه: موتوا فماتوا فمرّ بهم نبيٌّ، فسأل اللّه أن يحييهم فأحياهم، فهم الّذين قال اللّه عزّ وجلّ: {وهم ألوفٌ حذر الموت} [البقرة: 243] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون * وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم
أخرج وكيع والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال لهم الله: موتوا، فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال: كانوا أربعة آلاف من أهل قرية يقال لها داوردان خرجوا فارين من الطاعون.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي عن أبي مالك في الآية قال: كانت قرية يقال لها داوردان قريب من واسط فوقع فيهم الطاعون فأقامت طائفة وهربت طائفة فوقع الموت فيمن أقام وسلم الذين أجلوا فلما ارتفع الطاعون رجعوا إليهم فقال الذين بقوا: إخواننا كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا سلمنا ولئن بقينا إلى أن يقع الطاعون لنصنعن كما صنعوا، فوقع الطاعون من قابل فخرجوا جميعا الذين كانوا
[الدر المنثور: 3/116]
أجلوا والذين كانوا أقاموا وهم بضعة وثلاثون ألفا فساروا حتى أتوا واديا فسيحا فنزلوا فيه وهو بين جبلين فبعث الله لإليهم ملكين ملكا بأعلى الوادي وملكا بأسفله فناداهم: أن موتوا فماتوا، فمكثوا ما شاء الله ثم مر بهم نبي يقال حزقيل فرأى تلك العظام فوقف متعجبا لكثرة ما يرى منهم فأوحى الله إليه أن ناد أيتها العظام إن الله أمرك أن تجتمعي فاجتمعت العظام من أعلى الوادي وأدناه حتى التزق بعضها بعض كل عظم من جسد التزق بجسده فصارت أجسادا من عظام لا لحم ولا دم ثم أوحى الله إليه أن ناد أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحما فاكتست لحما ثم أوحى الله إليه أن ناد أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فبعثوا أحياء، فرجعوا إلى بلادهم فأقاموا لا يلبسون ثوبا إلا كان عليهم كفنا دسما يعرفهم أهل ذلك الزمان أنهم قد ماتوا ثم أقاموا حتى أتت عليهم آجالهم بعد ذلك قال أسباط: وقال منصور عن مجاهد: كان كلامهم حين بعثوا أن قالوا سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت،.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز في قوله تعالى {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} قال: هم من أذرعات.
وأخرج عن أبي صالح في الآية قال: كانوا تسعة آلاف
[الدر المنثور: 3/117]
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} قال: مقتهم الله على فرارهم من الموت فأماتهم الله عقوبة الله ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم.
وأخرج ابن جرير عن أشعث بن أسلم البصري قال: بينا عمر يصلي ويهوديان خلفه قال أحدهما لصاحبه: أهو هو فلما انتعل عمر قال: أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو قالا: إنا نجده في كتابنا قرنا من حديد يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله، فقال عمر: ما نجد في كتاب الله حزقيل ولا أحيا الموتى بإذن الله إلا عيسى، قال: أما تجد في كتاب الله (ورسلا لم نقصصهم عليك) (النساء الآية 164) فقال عمر: بلى، قال: وأما إحياء الموت فسنحدثك أن بني اسرائيل وقع عليهم الوباء فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله فبنوا عليهم حائطا حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال ما شاء الله فبعثهم الله له فأنزل الله في ذلك {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن هلال بن يساف في الآية قال: هؤلاء قوم من بني اسرائيل كانوا إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنيائهم
[الدر المنثور: 3/118]
وأشرافهم وأقام فقراؤهم وسفلتهم فاستحر القتل على المقيمين ولم يصب الآخرين شيء فلما كان عام من تلك الأعوام قالوا: لو صنعنا كما صنعوا نجونا فظعنوا جميعا فأرسل عليهم الموت فصاروا عظاما تبرق فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد فمر بهم نبي فقال: يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك، فقال: قل كذا وكذا فتكلم به فنظر إلى العظام تركب ثم تكلم فإذا العظام تكسى لحما ثم تكلم فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون ثم قيل لهم {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}.
وأخرج عبد الرزاق عبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن في الآية قال: هم قوم فروا من الطاعون فأماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ومقتا ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم.
وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه، أن كالب بن يوقنا لما قبضه الله بعد يوشع خلف في بني اسرائيل حزقيل من بوزى وهو ابن العجوز وإنما سمي ابن العجوز لأنها سألت الله الولد وقد كبرت فوهبه لها وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في كتابه في قوله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} الآية
[الدر المنثور: 3/119]
وأخرج عبد بن حميد عن وهب قال: أصاب ناسا من بني اسرائيل بلاء وشدة من زمان فشكوا ما أصابهم وقالوا: يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه فأوحى الله إلى حزقيل أن قومك صاحوا من البلاء وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا واستراحوا وأي راحة لهم في الموت أيظنون أني لا أقدر على أن أبعثهم بعد الموت فانطلق إلى جبانة كذا وكذا فإن فيها أربعة آلاف قال وهب: وهم الذين قال الله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} فقم فناد فيهم وكانت عظامهم قد تفرقت كما فرقتها الطير والسباع فنادى حزقيل: أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كل إنسان منهم معا ثم قال: أيتها العظام إن الله يأمرك أن ينبت العصب والعقب فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب ثم نادى جزقيل فقال: أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم، فاكتست اللحم وبعد اللحم جلدا فكانت أجسادا ثم نادى حزقيل الثالثة فقال: أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك، فقاموا بإذن الله فكبروا تكبيرة رجل واحد.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} يقول: عدد كثير خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله فأماتهم الله حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم فذلك قوله {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم} وهم الذين قالوا لنبيهم (ابعث ملكا نقاتل في سبيل الله) (البقرة الآية 246)
[الدر المنثور: 3/120]
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في الآية
قال: كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف حظر عليهم حظائر وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله فأماتهم ثم أحياهم فأمرهم بالجهاد فذلك قوله {وقاتلوا في سبيل الله}.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: خرجوا فرارا من الطاعون وهم ألوف ليست الفرقة أخرجتهم كما يخرج للحرب والقتال قلوبهم مؤتلفة فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة قال الله لهم: موتوا ومر رجل بها وهي عظام تلوح فوقف ينظر فقال (أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام) (البقرة الآية 259).
وأخرج البخاري والنسائي عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء وجعله رحمة للمؤمنين فليس من رجل يقع الطاعون ويمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد.
وأخرج أحمد والبخاري والنسائي ومسلم وأبو داود والنسائي عن
[الدر المنثور: 3/121]
عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الطاعون: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه.
وأخرج سيف في الفتوح عن شرحبيل بن حسنة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فإن الموت في أعناقكم وإذا بأرض فلا تدخلوها فإنه يحرق القلوب.
وأخرج عبد بن حميد عن أم أيمن أنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بعض أهله فقال: وإن أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت.
وأخرج أحمد، وابن أبي الدنيا في كتاب الطواعين وأبو يعلى والطبرلني في الأوسط، وابن عدي في الكامل عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون، قلت: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال: غدة كغدة البعير المقيم بها كالشهيد والفار منه كالفار من الزحف.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبزار، وابن خزيمة والطبراني عن
[الدر المنثور: 3/122]
جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف " ). [الدر المنثور: 3/123]

تفسير قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميعٌ عليمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: {وقاتلوا} أيّها المؤمنون {في سبيل اللّه} يعني في دينه الّذي هداكم له، لا في طاعة الشّيطان أعداء دينكم، الصّادين عن سبيل ربّكم، ولا تحتموا عن قتاله عند لقائهم، ولا تجبنوا عن حربهم، فإنّ بيدي حياتكم وموتكم، ولا يمنعنّ أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت، وخوف المنيّة على نفسه بقتالهم، فيدعوه ذلك إلى التّعريد عنهم، والفرار منهم، فتذلّوا، ويأتيكم الموت الّذي خفتموه في مأمنكم الّذي وألتم إليه،
[جامع البيان: 4/426]
كما أتى الّذين خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت، الّذين قصصت عليكم قصّتهم، فلم ينجهم فرارهم منه من نزوله بهم حين جاءهم أمري وحلّ بهم قضائي، ولا ضرّ المتخلّفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه إذ دافعت عنهم مناياهم، وصرفتها عن حوبائهم، فقاتلوا في سبيل اللّه من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني، فإنّ من حيي منكم فأنا أحييته، ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله.
ثمّ قال تعالى ذكره لهم: واعلموا أيّها المؤمنون أنّ ربّكم سميعٌ لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا، عليمٌ بما تجنه صدورهم من النّفاق والكفر وقلّة الشّكر لنعمتي عليهم وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي. يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين: فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوّكم في سبيلي، وغير ذلك من أمري ونهيي، إذ كفر هؤلاء نعمي، واعلموا أنّ اللّه سميعٌ لقولهم وعليمٌ بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر والطّاعة والمعصية محيطٌ بذلك كلّه، حتّى أجازي كلًّا بعمله، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًّا فشرًّا.
ولا وجه لقول من زعم أنّ قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه} أمرٌ من اللّه الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ بالقتال بعد ما أحياهم؛ لأنّ قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه} لا يخلو إن كان الأمر على ما تأوّلوه من أحد أمورٍ ثلاثةٍ: إمّا أن يكون عطفًا على قوله: {فقال لهم اللّه موتوا}
[جامع البيان: 4/427]
وذلك من المحال أن يميتهم ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله. أو يكون عطفًا على قوله: {ثمّ أحياهم} وذلك أيضًا ممّا لا معنى له؛ لأنّ قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه} أمرٌ من اللّه بالقتال، وقوله: {ثمّ أحياهم} خبرٌ عن فعلٍ قد مضى. وغير فصيحٍ العطف بخبرٍ مستقبلٍ على خبرٍ ماضٍ لو كانا جميعًا خبرين لاختلاف معنييهما، فكيف عطف الأمر على خبرٍ ماضٍ؟ أو يكون معناه: ثمّ أحياهم، وقال لهم: قاتلوا في سبيل اللّه، ثمّ أسقط القول، كما قال تعالى ذكره: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا} بمعنى: يقولون: ربّنا أبصرنا وسمعنا وذلك أيضًا إنّما يجوز في الموضع الّذي يدلّ ظاهر الكلام على حاجته إليه ويفهم السّامع أنّه مرادٌ به الكلام وإن لم يذكر، فأمّا في الأماكن الّتي لا دلالة على حاجة الكلام إليه، فلا وجه لدعوى مدّعٍ أنّه مرادٌ فيها). [جامع البيان: 4/428]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (244)
قوله: وقاتلوا في سبيل اللّه
- أخبرنا أبو زهرة أحمد بن الأزهر فيما كتب إليّ، ثنا وهب بن جريرٍ، ثنا أبي، عن عليّ بن الحكم، عن الضّحّاك قوله: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ فالألوف، كثرة العدد خرجوا فرارًا من الجهاد في سبيل اللّه، فأماتهم اللّه ثمّ أحياهم ثمّ أمرهم أن يرجعوا إلى الجهاد في سبيل اللّه، فذلك قوله: وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: في سبيل اللّه يعني: في طاعة اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]

تفسير قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن زيد بن أسلم قال لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضعفه له أضعافا كثيرة قال جاء ابن الدحداحة إلى رسول الله فقال يا نبي الله ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لأنفسنا وإن لي أرضين أحدهما بالعالية والأخرى بالسافلة وإني قد جعلت خيرهما صدقة قال وكان النبي يقول كم من عذق مذلل لابن الدحداحة في الجنة). [تفسير عبد الرزاق: 1/98]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {من ذا الّذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد اللّه بن الحارث، عن ابن مسعودٍ، قال: لمّا نزلت: {من ذا الّذي يقرض الله قرضًا حسنًا}، قال أبو الدّّحداح: يا رسول اللّه، إنّ اللّه يريد منّا القرض؟ قال: ((نعم يا أبا الدّحداح))، قال: أرني يدك، فناوله يده، قال: فإنّي قد أقرضت ربّي حائطي - وفي حائطه ستّمائة نخلةٍ -، ثمّ جاء إلى الحائط، فقال: يا أمّ الدّحداح - وهي في الحائط -، فقالت: لبّيك. فقال: اخرجي، فقد أقرضته ربّي عزّ وجل). [سنن سعيد بن منصور: 3/934]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): ([ثنا يزيد بن موهبٍ قال: ثنا يحيى بن يمانٍ قال:] ثنا أشعث عن جعفرٍ عن سعيدٍ في قوله عزّ وجلّ: {من ذا الّذي يقرض الله قرضاً حسناً} قال: فقالت اليهود: افتقر ربنا فنزلت: {لقد سمع الله قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء}.. إلى آخر الآية). [جزء تفسير يحيى بن اليمان: 35] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}.
يعني تعالى ذكره بذلك: من هذا الّذي ينفق في سبيل اللّه، فيعين مضعفًا، أو يقوّي ذا فاقةٍ أراد الجهاد في سبيل اللّه، ويعطي منهم مقترًا. وذلك هو القرض الحسن الّذي يقرض العبد ربّه.
وإنّما سمّاه اللّه تعالى ذكره قرضًا؛ لأنّ معنى القرض: إعطاء الرّجل غيره ماله مملّكًا له ليقضيه مثله إذا اقتضاه. فلمّا كان إعطاء من أعطى أهل الحاجة، والفاقة في سبيل اللّه إنّما يعطيهم ما يعطيهم من ذلك ابتغاء ما وعده اللّه عليه من جزيل الثّواب عنده يوم القيامة، سمّاه قرضًا، إذ كان معنى القرض في لغة العرب ما وصفنا.
[جامع البيان: 4/428]
وإنّما جعله تعالى ذكره حسنًا؛ لأنّ المعطي يعطي ذلك عن ندب اللّه إيّاه، وحثّه له عليه احتسابًا منه، فهو للّه طاعةٌ وللشّياطين معصيةٌ. وليس ذلك لحاجةٍ باللّه إلى أحدٍ من خلقه، ولكنّ ذلك كقول العرب: عندي لك قرض صدقٍ وقرض سوءٍ: للأمر يأتي فيه للرّجل مسرّته أو مساءته، كما قال الشّاعر:
كلّ امرئٍ سوف يجزى قرضه حسنًا = أو سيّئًا ومدينًا بالّذي دانا
فقرض المرء: ما سلف من صالح عمله أو سيّئه.
وهذه الآية نظيرة الآية الّتي قال فيها تعالى ذكره: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك كان ابن زيدٍ يقول.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} قال: هذا في سبيل اللّه، {فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} قال: بالواحد سبعمائة ضعفٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق،
[جامع البيان: 4/429]
قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم، قال: لمّا نزلت: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} قال: جاء أبو الدّحداحة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا نبيّ اللّه، ألا أرى ربّنا يستقرضنا ممّا أعطانا لأنفسنا؟ وإن لي أرضين إحداهما بالعالية، والأخرى بالسّافلة، وإنّي قد جعلت خيرهما صدقةً قال: فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: كم من عذقٍ مذلّلٍ لأبن الدّحداحة في الجنّة.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: أنّ رجلاً، على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا سمع بهذه الآية، قال: أنا أقرض اللّه فعمد إلى خير حائطٍ له، فتصدّق به. قال: وقال قتادة: يستقرضكم ربّكم كما تسمعون وهو الوليّ الحميد، ويستقرض عباده.
- حدّثنا محمّد بن معاوية الأنماطيّ النّيسابوريّ، قال: حدّثنا خلف بن خليفة، عن حميدٍ الأعرج، عن عبد اللّه بن الحارث، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: لمّا نزلت: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} قال أبو الدّحداح: يا رسول اللّه، أو إنّ اللّه يريد منّا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدّحداح. قال: يدك قال: فناوله يده. قال: فإنّي قد أقرضت ربّي حائطي حائطًا فيه ستّمائة نخلةٍ. ثمّ جاء يمشي حتّى أتى الحائط وأمّ الدّحداح فيه في عيالها، فناداها: يا أمّ الدّحداح قالت: لبّيك قال: اخرجي قد أقرضت ربّي حائطًا فيه ستّمائة نخلةٍ.
[جامع البيان: 4/430]
أمّا قوله: {فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} فإنّه عدةٌ من اللّه تعالى ذكره مقرضه ومنفقٌ ماله في سبيل اللّه من أضعاف الجزاء له على قرضه ونفقته ما لا حدّ له ولا نهاية.
- كما: حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} قال: هذا التّضعيف لا يعلم أحدٌ ما هو.
- وقد حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن صاحبٍ، له يذكر عن بعض العلماء، قال: إنّ اللّه أعطاكم الدّنيا قرضًا وسألكموها قرضًا، فإن أعطيتموها طيّبةً بها أنفسكم ضاعف لكم ما بين الحسنة إلى العشر إلى السّبعمائة إلى أكثر من ذلك، وإن أخذها منكم وأنتم كارهون فصبرتم وأحسنتم كانت لكم الصّلاة والرّحمة وأوجب لكم الهدى.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (فيضاعفه) بالألف ورفعه، بمعنى: الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له، نسقا ب يضاعف على قوله يقرض.
[جامع البيان: 4/431]
وقرأه آخرون بذلك المعنى (فيضعّفه) غير أنّهم قرءوا بتشديد العين وإسقاط الألف.
وقرأه آخرون {فيضاعفه له} بإثبات الألف في يضاعف ونصبه بمعنى الاستفهام. فكأنّهم تأوّلوا الكلام: من المقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له؟ فجعلوا قوله: {فيضاعفه} جوابًا للاستفهام، وجعلوا: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} اسمًا؛ لأنّ الّذي وصلته بمنزلة عمرٍو، وزيدٍ فكأنّهم وجّهوا تأويل الكلام إلى قول القائل: من أخوك فنكرمه؟ لأنّ الأفصح في جواب الاستفهام بالفاء، إذا لم يكن قبله ما يعطف به عليه من فعلٍ مستقبلٍ، نصبه.
وأولى هذه القراءات عندنا بالصّواب قراءة من قرأ: {فيضاعفه له} بإثبات الألف، ورفع يضاعف؛ لأنّ في قوله: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه} معنى الجزاء، والجزاء إذا دخل في جوابه الفاء لم يكن جوابه بالفاء إلا رفعًا؛ فلذلك كان الرّفع في يضاعفه أولى بالصّواب عندنا من النّصب. وإنّما اخترنا الألف في يضاعف من حذفها وتشديد العين؛ لأنّ ذلك أفصح اللّغتين وأكثرهما على ألسنة العرب). [جامع البيان: 4/432]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه يقبض ويبسط}.
[جامع البيان: 4/432]
يعني تعالى ذكره بذلك: أنّه الّذي بيده قبض أرزاق العباد وبسطها دون غيره ممّن ادّعى أهل الشّرك به أنّهم آلهةٌ واتّخذوه ربًّا دونه يعبدونه. وذلك نظير الخبر الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي؛
- حدّثنا به محمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّارٍ، قالا: حدّثنا حجّاجٌ، وحدّثني عبد الملك بن محمّدٍ الرّقاشيّ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، وأبو ربيعة، قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، وحميدٍ، وقتادة، عن أنسٍ، قال: غلا السّعر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: فقالوا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غلا السّعر، فأسعر لنا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه الباسط القابض الرّزّاق، وإنّي لأرجو أن ألقى اللّه ليس أحدٌ يطلبني بمظلمةٍ في نفسٍ ومالٍ.
قال أبو جعفرٍ: يعني بذلك صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّ الغلاء، والرّخص، والسّعة، والضّيق بيد اللّه دون غيره. فكذلك قوله تعالى ذكره: {واللّه يقبض ويبسط} يعني بقوله: {يقبض} يقتر بقبضه الرّزق عمّن يشاء من خلقه، ويعني بقوله: {ويبسط} يوسّع ببسطة الرّزق على من يشاء منهم.
وإنّما أراد تعالى ذكره بقيله ذلك حثّ عباده المؤمنين الّذين قد بسط عليهم من فضله، فوسّع عليهم من رزقه على تقوية ذوي الإقتار منهم بماله، ومعونته بالإنفاق عليه، وحمولته على النّهوض لقتال عدوّه من المشركين في سبيله، فقال تعالى ذكره: من يقدّم لنفسه ذخرًا عندي بإعطائه ضعفاء المؤمنين وأهل الحاجة منهم ما يستعين به على القتال في سبيلي، فأضاعف له من ثوابي أضعافًا كثيرةً ممّا أعطاه وقّواه به، فإنّي أيها الموسّع الّذي قبضت الرّزق عمّن ندبتك إلى معونته وإعطائه، لأبتليه بالصّبر على ما ابتليته به،
[جامع البيان: 4/433]
والّذي بسطت عليك لأمتحنك بعملك فيما بسطت عليك، فأنظر كيف طاعتك إيّاي فيه، فأجازي كلّ واحدٍ منكما على قدر طاعتكما لي فيما ابتليتكما فيه، وامتحنتكما به من غنًى وفاقةٍ، وسعةٍ وضيقٍ، عند رجوعكما إليّ في آخرتكما ومصيركما إليّ في معادكما.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال من بلغنا قوله من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} الآية. قال: علم أنّ فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوّةً، وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد غنًى، فندب هؤلاء، فقال: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً واللّه يقبض ويبسط} قال: يبسط عليك وأنت ثقيلٌ عن الخروج لا تريده، وقبض عن هذا وهو يطيب نفسًا بالخروج ويخفّ له، فقوّه ممّا في يدك يكن لك في ذلك حظٌّ). [جامع البيان: 4/434]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإليه ترجعون}.
يعني تعالى ذكره بذلك: وإلى اللّه معادكم أيّها النّاس، فاتّقوا اللّه في أنفسكم أن تضيّعوا فرائضه وتتعدّوا حدوده، وأن يعمل من بسط عليه منكم من رزقه بغير ما أذن له بالعمل فيه ربّه، وأن يحمل المقتر منكم. فقبض عن رزقه إقتاره على معصيته، والتّقدّم على ما نهاه فيستوجب بذلك منه بمصيره إلى خالقه ما لا قبل له به من أليم عقابه.
[جامع البيان: 4/434]
وكان قتادة يتأوّل قوله: {وإليه ترجعون} وإلى التّراب ترجعون.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وإليه ترجعون} من التّراب خلقهم، وإلى التّراب يعودون). [جامع البيان: 4/435]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون (245)
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة ثنا محمّد بن إسحاق سميعٌ عليمٌ أي: سميعٌ لما يقولون، عليمٌ بما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 1/460]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا
- حدّثنا أحمد بن القاسم بن عطيّة، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، عن أبيه قال ثنا الأشعث بن إسحاق، عن جعفرٍ عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتت اليهود محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم حين أنزل اللّه إليه من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فقالوا: يا محمّد افتقر ربّك، يسأل عباده؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد اللّه بن الحارث، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: لمّا نزلت من ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له قال: قال أبو الدّحداح الأنصاريّ: يا رسول اللّه وإنّ الله ليريد منّا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدّحداح. قال: أرني يدك يا رسول الله، قال:
فناوله يده. قال: فإنّي قد أقرضت ربّي حائطي. وحائطٌ له فيه ستّمائة نخلةٍ، وأمّ الدّحداح فيه وعياله. فقالت: لبّيك. فقال اخرجي، فقد أقرضته ربّي). [تفسير القرآن العظيم: 1/460]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: قرضًا حسنا
اختلف في تفسيره على أوجه فأحدها:
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو عامر بن برّادٍ قالا: ثنا زيد بن الحباب، أخبرني أبو سنانٍ سعيد بن سنانٍ أخبرني موسى بن أبي كثيرٍ الأنصاريّ، أنّ عمر بن الخطّاب قال في قول اللّه: يقرض اللّه قرضًا حسنًا قال:
النّفقة في سبيل اللّه، وروي عن حبيب بن أبي ثابتٍ وأيّوب بن خلفٍ، نحو ذلك
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا داود بن عبد اللّه الجعفريّ، ثنا عبد العزيز بن محمّدٍ عن زيد بن أسلم قرضًا حسنًا قال: النّفقة على الأهل.
[تفسير القرآن العظيم: 2/460]
والوجه الثالث:
- حدثنا أبو سعيد بن نحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن أبي حيّان، عن أبيه، عن شيخٍ لهم أنّه كان إذا سمع السّائل يقول: من ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فقال: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر، هذا القرض). [تفسير القرآن العظيم: 1/461]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً
- حدّثنا أبو خلادٍ سليمان بن خلادٍ المؤدّب، ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب، ثنا محمّد بن عقبة الرّفاعيّ، عن زيادٍ الجصّاص عن أبي عثمان النّهديّ، عن أبي هريرة، قال: لم يكن أحدٌ أكثر مجالسةً لأبي هريرة منّي فقدم قبلي حاجًّا، قال:
وقدمت بعده. فإذا أهل البصرة يأثرون عنه، أنّه قال: إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ اللّه يضاعف الحسنة ألف ألف حسنةٍ فقلت: ويحكم..
واللّه ما كان أحدٌ أكثر مجالسةً لأبي هريرة منّي، فما سمعت هذا الحديث. قال وتحمّلت أريد أن ألحقه، فوجدته، قد انطلق حاجًّا فانطلقت إلى الحجّ، أن ألقاه في هذا الحديث، فلقيته بهذا. فقلت يا أبا هريرة: ما حديثٌ سمعت أهل البصرة يأثرون عنك؟ قال: ما هو؟ قلت: زعموا أنّك تقول أنّ اللّه يضاعف الحسنة ألف ألف حسنةٍ. قال يا أبا عثمان: وما تعجب من ذا، واللّه يقول من ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً ويقول: فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلا قليلٌ والّذي نفسي بيده: لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «إنّ اللّه يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنةٍ»
- حدّثنا أبو زرعة ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسّامٍ، ثنا أبو إسماعيل المؤدّب، عن عيسى بن المسيّب، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: لمّا نزلت مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ربّ زد أمّتي، فنزلت من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً قال: ربّ زد أمّتي فنزل إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب
[تفسير القرآن العظيم: 2/461]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً قال: هذا التّضعيف، لا يعلم أحدٌ ما هو). [تفسير القرآن العظيم: 1/462]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: كثيرة
- حدثنا نحيى بن عبدك القزوينيّ، ثنا حسّان بن حسّان ثنا أبو الصّبّاح بن عبد الغفور، عن همّام بن الحارث، عن كعبٍ قال: جاء رجلٌ إلى كعبٍ، فقال: إنّي سمعت رجلا يقول: من قرأ قل هو اللّه أحدٌ مرّةً واحدةً، بنى اللّه له عشرة آلاف ألف غرفةٍ من درٍّ وياقوتٍ في الجنّة، أفأصدّق بذلك؟ قال: نعم. أوعجبت من ذلك؟ نعم وعشرين ألف ألفٍ وثلاثين ألف ألفٍ، وما لا يحصي ذلك إلا اللّه ثمّ قرأ:
من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً فالكثير من اللّه ما لا يحصى). [تفسير القرآن العظيم: 1/462]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واللّه يقبض ويبصط
- ذكر عن الحسن بن عليٍّ الحلوانيّ ثنا محمّد بن عيسى، ثنا أبو عمرٍو الخزاعيّ، عن مطرٍ الورّاق، عن قتادة، في قوله: يقبض ويبصط قال: يقبض الصّدقة ويبسط ويخلف). [تفسير القرآن العظيم: 1/462]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وإليه ترجعون
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون من التّراب خلقهم وإلى التّراب يعودون). [تفسير القرآن العظيم: 1/462]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى:
[مجمع الزوائد: 6/320]
{من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} [البقرة: 245].
- عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: «لمّا نزلت: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} [البقرة: 245] قال أبو الدّحداح: يا رسول اللّه، وإنّ اللّه يريد منّا القرض؟ قال: " نعم يا أبا الدّحداح ". قال: فإنّي أقرضت ربّي حائطًا فيه ستّمائة نخلةٍ.
ثمّ جاء يمشي حتّى أتى الحائط، وفيه أمّ الدّحداح في عيالها فناداها: يا أمّ الدّحداح، قالت: لبّيك، قال: اخرجي ; فإنّي قد أقرضت ربّي حائطًا فيه ستّمائة نخلةٍ».
رواه البزّار، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة). الآية.
أخرج سعيد بن منصور، وابن سعد والبزار ابن جرير، وابن المنذر،، وابن أبي حاتم والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول "، والطبراني والبيهقي في "شعب الايمان " عن ابن مسعود قال: لما نزلت:(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له) قال أبو الدحداح الأنصاري: يارسول الله وإن الله ليريد القرض . قال: نعم ياأبا الدحداح " . قال: أرني يدك يارسول الله فناوله يده: فإني قد أقرضت ربي حائطي وحائط له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها فجاء أبو الدحداح فناداها: يأم الدحداح. قالت: لبيك . قال: اخرجي فقد اقرضته ربي عز وجل.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن زيد بن أسلم قال: لما نزلت: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) الآيه. جاء ابن الدحداح إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم،
[الدر المنثور: 3/123]
فقال يا نبي الله ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لأنفسنا،إن لي أرضين،إحداهما بالعالية، والأخرى بالسافلة وإني قد جعلت خيرهما صدقة. وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: كم من عذق مذلل لابن الدحداحة في الجنة.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن زيد بن أسلم، عن أبيه عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، مثله.
وأخرج ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن الأعرج عن أبي هريرة قال: لما نزلت: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) قال أبو الدحداح: يارسول الله، لي حائطان أحدهما بالسافلة والأخر بالعالية وقد أقرضت ربي أحدهما . فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قد قبله منك". فأعطاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم اليتامى الذين في حجره، فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رب عذق لبي الدحداح مدلى في الجنة .
وأخرج ابن سعد عن يحيي بن أبي كثير قال: لما نزلت هذه الآية:(من ذا
الذي يقرض الله قرضا حسنا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل الإسلام أقرضوا الله من أموالكم يضاعفه لكم أضعافا كثيرة، فقال له ابن الدحداحة:
[الدر المنثور: 3/124]
يا رسول الله لي مالان مال بالعالية ومال في بني ظفر فابعث خارصك فليقبض خيرهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفروة بن عمر: انطلق فانظر خيرهما فدعه واقبض الآخر فانطلق فأخبره فقال: ما كنت لأقرض ربي شر ما أملك ولكن أقرض ربي خير ما أملك إني لا أخاف فقر الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رب عذق مدلل لابن الدحداح في الجنة.
وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل تمرا فلم يقرضه قال: لو كان هذا نبيا لم يستقرض فأرسل الله إلى أبي الدحداح فاستقرضه فقال: والله لأنت أحق بي وبمالي وولدي من نفسي وإنما هو مالك فخذ منه ما شئت اترك لنا ما شئت فلما توفي أبو الدحداح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رب عذق مدلل لأبي الدحداح في الجنة.
وأخرج ابن إسحاق، وابن المنذر عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} الآية، في ثابت بن الدحداحة حين تصدق بماله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن ابي حاتم عن عمر بن الخطاب في قوله {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} قال: النفقة في سبيل الله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا على
[الدر المنثور: 3/125]
عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما سمع هذه الآية قال: أنا أقرض الله فعمد إلى خير مال له فتصدق به.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {فيضاعفه له أضعافا كثيرة} قال: هذا التضيعف لا يعلم الله أحدا ما هو.
وأخرج أحمد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي قال: بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال: إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فحججت ذلك العام ولم أكن أريد الحج إلا لألقاه في هذا الحديث فلقيت أبا هريرة فقلت له فقال: ليس هذا قلت: ولم يحفظ الذي حدثك إنما قلت أن الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة ثم قال أبو هريرة:
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف). [الدر المنثور: 3/126]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط الرزق وإليه ترجعون.
أخرج سعيد بن منصور، وابن سعد والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال لما نزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له} قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله فناوله يده قال: فإني أقرضت ربي حائطي وحائط له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح قالت: لبيك، قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن زيد بن أسلم قال لما نزل {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} الآية، جاء أبو الدحداح إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لأنفسنا وإن لي أرضين أحداهما بالعالية والأخرى بالسافلة وإني قد جعلت خيرهما صدقة وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: كم من عذق مدلل لأبي الدحداح في الجنة.
وأخرج الطبراني في الأوسط وزيد بن أسم عن أبيه عن عمر بن الخطاب، مثله.
وأخرج ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن الأعرج عن أبي هريرة قال لما نزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} قال ابن الدحداح: يا رسول الله لي حائطان أحداهما بالسافلة والآخر بالعالية وقد أقرضت ربي إحداهما، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قد قبله منك، فأعطاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم اليتامى الذين في حجره فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رب عذق لابن الدحداح مدلى في الجنة.
وأخرج ابن سعد عن يحيى بن أبي كثير قال لما نزلت هذه الآية:
أو ليس تجدون هذا في كتاب الله {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} فالكثيرة عند الله أكثر من ألف ألف وألفي ألف والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان في صحيحه وابن
[الدر المنثور: 3/126]
مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: لما نزلت (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) (البقرة الآية 261) إلى آخرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رب زد أمتي، فنزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} قال: رب زد أمتي، فنزلت (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (الزمر الآية 10).
وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال: لما نزلت (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) (الأنعام الآية 160) قال: رب زد أمتي، فنزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} الآية، قال: رب زد أمتي، فنزلت (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) (البقرة الآية 261) الآية، قال: رب زد أمتي، فنزلت (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر الآية 10) فانتهى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {قرضا حسنا} قال: النفقة على الأهل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم من طريق أبي سفيان عن أبي حيان عن أبيه عن شيخ لهم، أنه كان إذا سمع السائل يقول {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله هذا القرض الحسن
[الدر المنثور: 3/127]
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب، أن رجلا قال له: سمعت رجلا يقول من قرأ (قل هو الله أحد) مرة واحدة بنى الله له عشرة آلاف ألف غرفة من در وياقوت في الجنة أفأصدق بذلك قال: نعم أو عجبت من ذلك وعشرين ألف ألف وثلاثين ألف ألف وما لا يحصى ثم قرأ {فيضاعفه له أضعافا كثيرة} فالكثير من الله ما لا يحصى.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن ملكا بباب من أبواب السماء يقول: من يقرض الله اليوم يجز غدا وملك بباب آخر ينادي: اللهم أعط منفقا خلفا وأعك ممسكا تلفا وملك بباب آخر ينادي: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وملك بباب آخر ينادي: يا بني آدم لدوا للموت وابنوا للخراب.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي ذلك عن ربه عز وجل أنه يقول: يا ابن آدم أودع من كنزك عندي ولا حرق ولا غرق ولا سرق أوفيكه أحوج ما تكون إليه). [الدر المنثور: 3/128]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون}.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {والله يقبض} قال: يقبض الصدقة {ويبسط} قال: يخلف {وإليه ترجعون} قال: من
[الدر المنثور: 3/128]
التراب خلقهم وإلى التراب يعودون.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجة، وابن جرير والبيهقي في "سننه" عن أنس قال غلا السعر فقال الناس: يا رسول الله سعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال.
وأخرج أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله سعر، قال: بل ادعو، ثم جاءه رجل فقال: يا رسول الله سعر، فقال: بل الله يخفض ويرفع وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة.
وأخرج البزار، عن علي، قال: قيل: يا رسول الله قوم لنا السعر، قال: إن غلاء السعر ورخصه بيد الله أريد أن ألقى ربي وليس أحد يطلبني بمظلمة ظلمتها إياه.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: علم الله أم فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد فندب هؤلاء إلى القرض فقال {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا
[الدر المنثور: 3/129]
كثيرة والله يقبض ويبسط} قال: يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده ويقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له فقوه مما في يدك يكن لك في ذلك حظ). [الدر المنثور: 3/130]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:24 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم} على جهة التعجب.
كما تقول: ألا ترى ما يصنع فلان!!). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم إنّ اللّه لذو فضل على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون}
معنى {ألم تر}: ألم تعلم، أي ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء وهذه الألف ألف التوقيف، و {تر} متروكة الهمزة، وأصله ألم ترء إلى الذين.
والعرب مجمعة على ترك الهمزة في هذا.

ونصب {حذر الموت} على أنه مفعول له والمعنى خرجوا لحذر الموت، فلما سقطت اللام نصب على أنه مفعول له وجاز أن يكون نصبه على المصدر، لأن خروجهم يدل على حذر الموت حذرا.
وقيل في تفسير الآية: إنهم كانوا ثمانية ألوف، أمروا في أيام بني إسرائيل إسرائيل أن يجاهدوا العدوّ، فاعتلوا بأن الموضع الذي ندبوا إليه ذو طاعون.
{فقال لهم اللّه موتوا} معناه: فأماتهم اللّه، ويقال إنهم أميتوا ثمانية أيام ثم أحيوا، وفي ذكر هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم - احتجاج على مشركي العرب وعلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أنه أنبأ أهل الكتاب بما لا يدفعون صحته، وهو لم يقرأ كتابا - صلى الله عليه وسلم -.
فالذين تلا عليهم يعلمون إنّه لم يقرأ كتابا وأنه أمي، فلا يعلم هذه الأقاصيص إلا بوحي، إذ كانت لم تعلم من كتاب فعلم مشركو العرب أن كل من قرأ الكتب يصدقه - صلى الله عليه وسلم - في إخباره أنها كانت في كتبهم، ويعلم العرب الذين نشأ معهم مثل ذلك وأنه ما غاب غيبة يعلّم في مثلها أقاصيص الأمم وأخبارها على حقيقة وصحة، وفي هذه الآية أيضا معنى الحث على الجهاد وأن الموت لا يدفع بالهرب منه.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه لذو فضل على النّاس} أي: تفضل على هؤلاء بأن أحياهم بعد موتهم فأراهم البصيرة التي لا غاية بعدها.
وقوله عزّ وجلّ: يعقب هذه الآية:
{وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميع عليم}). [معاني القرآن: 1/322-323]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت}
قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، فأماتهم الله فمر بهم نبي ودعا الله فأحياهم.
وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام.
قال الحسن: أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم.
وقال الضحاك: خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم ثم أمرهم أن يرجعوا إلى الجهاد.
وذلك قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}
قال أبو جعفر: وفي رواية ابن جريج وهم ألوف أنهم أربعون ألفا وهذا أشبه لأن ألوفا للكثير وآلافا للقليل وإن كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر.
وأما قول ابن زيد {ألوف} مؤتلفة قلوبهم فليس بمعروف.
والقياس في جمع ألف: أألف كأفلس إلا أنهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في أوله ألف أو واو نحو وقت وأوقات
وكذلك الياء نحو يوم وأيام وقد قيل أألف). [معاني القرآن: 1/244-247]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميع عليم} أي: لا تهربوا من الموت كما هرب هؤلاء الذين سمعتم خبرهم، فلا ينفعكم الهرب.
ومعنى قوله عزّ وجلّ مع ذكر القتال: {واعلموا أنّ اللّه سميع عليم} أي: إن قلتم كما قال الذين تقدم ذكرهم بعلة الهرب من الموت سمع قولكم وعلم ما تريدون). [معاني القرآن: 1/323-324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت}
قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، فأماتهم الله فمر بهم نبي ودعا الله فأحياهم.
وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام.
قال الحسن: أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم.
وقال الضحاك: خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم ثم أمرهم أن يرجعوا إلى الجهاد.
وذلك قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}
قال أبو جعفر: وفي رواية ابن جريج وهم ألوف أنهم أربعون ألفا وهذا أشبه لأن ألوفا للكثير وآلافا للقليل وإن كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر.
وأما قول ابن زيد {ألوف} مؤتلفة قلوبهم فليس بمعروف.
والقياس في جمع ألف: أألف كأفلس إلا أنهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في أوله ألف أو واو نحو وقت وأوقات
وكذلك الياء نحو يوم وأيام وقد قيل أألف). [معاني القرآن: 1/244-247] (م)

تفسير قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له...}
تقرأ بالرفع والنصب. فمن رفع جعل الفاء منسوقة على صلة (الذي)، ومن نصب أخرجها من الصلة وجعلها جوابا لـ (من)؛ لأنها استفهام، والذي في الحديد مثلها). [معاني القرآن: 1/157]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرةً واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}
قال: {مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له}
وقال بعضهم {فيضعّفه له}.
وتقرأ نصبا أيضاً إذا نويت بالأول الاسم لأنه لا يكون أن تعطف الفعل على الاسم، فأضمر في قوله: {فيضاعفه} "أن" حتى تكّون اسما فتجريه على الأوّل إذا نوى به الاسم.
والرفع لغة بني تميم لأنهم لا ينوون بالأول الاسم فيعطفون فعلا على فعل. وليس قوله: {يقرض اللّه} لحاجة بالله ولكن هذا كقول العرب: "لك عندي قرض صدقٍ" و"قرض سوءٍ" لأمر تأتي فيه مسرّته أو مساءته. قال الشاعر:

لا تخلطنّ خبيثاتٍ بطيّبةٍ = واخلع ثيابك منها وانج عريانا
كلّ امرئ سوف يجزى قرضه حسناً = أو سيّئاً أو مدينا مثل ما دانا
فـ"القرض": ما سلف من صالح أو من سيء). [معاني القرآن: 1/146]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (عاصم {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه} بالنصب على جواب الفاء.
الحسن {فيضعفه} بالرفع؛ وأحيانًا {فيضاعفه} بالرفع والألف، تكون على الابتداء؛ والأول أحسن). [معاني القرآن لقطرب: 272]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}
معنى القرض في اللغة: البلاء السيئ، والبلاء الحسن، والعرب تقول: لك عندي قرض حسن وقرض سيئ، وأصله ما يعطيه الرجل أو يعمله ليجازى عليه، واللّه عزّ وجلّ: لا يستقرض من عوز ولكنه يبلو الأخبار، فالقرض كما وصفنا، قال أمية بن أبي الصلت:
لا تخلطن خبيثات بطيبة... وأخلع ثيابك منها وانج عريانا
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا... أو سيئا أو مدينا كالذي دانا
وقال الشاعر:
وإذا جوزيت قرضا فاجزه... إنما يجزي الفتى ليس الجمل
فمعنى القرض ما ذكرناه.
فأعلم اللّه أن ما يعمل وينفق يراد به الجزاء فاللّه يضاعفه أضعافا كثيرة.
والقراءة فيضاعفه، و(قرأوا): فيضاعفه، بالنّصب والرفع فمن رفع عطف على يقرض، ومن عطف نصب على جواب الاستفهام وقد بينا الجواب بالفاء - ولو كان قرضا ههنا مصدرا لكان إقراضا، ولكن قرضا ههنا اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء.
فأما قرضته أقرضه قرضا: فجاوزته، وأصل القرض في اللغة القطع.
والقراض من هذا أخذ، فإنما أقرضته قطعت له قطعة يجازى عليها.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه يقبض ويبسط}قيل في هذا غير قول:
1-
قال بعضهم: معناه يقتر ويوسع،
2- وقال بعضهم يسلب قوما ما أنعم عليهم ويوسع على آخرين (وقيل معنى - يقبض) أي يقبض الصدقات ويخلفها، وإخلافها:
-جائز أن يكون ما يعطي من الثواب في الآخرة،
-وجائز أن يكون مع الثواب أن يخلفها في الدنيا).
[معاني القرآن: 1/324-325]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} أصل القرض: ما يفعل ليجازى عليه كما قال:
وإذا أجزيت قرضا فاجزه = إنما يجزي الفتى غير الجمل
ثم قال تعالى: {والله يقبض ويبسط} أي: يقتر ويوسع.
وقيل: يسلب قوما ما أنعم به عليهم ويوسع على آخرين.
وقيل: يقبض الصدقات ويخلفها بالثواب أو في الدنيا). [معاني القرآن: 1/248]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الآخرة 1434هـ/12-04-2013م, 11:51 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) }

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) }


تفسير قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (قال أبو العباس: يكون هذا دعاء لهم، ويكون أنهم لا يزولون عنها. وفي قول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ} قال: هو جزاء لما قرب وهو " الذي " ويرفع حينئذ، وإذا كان جزاء " لمن " نصب سئل: هل هذا مثل قولك من زيد فأقوم إليه؟ فقال: زيد لا يكون صلة ولا يجاب، ولكن لو قيل من أخوك فنقوم إليه، نصب لا غير قال: والاسم ونعته رفع، وما بعد " ما " من صلتها). [مجالس ثعلب: 525-526]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون (243)}
هذه رؤية القلب بمعنى: ألم تعلم، والكلام عند سيبويه بمعنى تنبه إلى أمر الذين، ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين، وقصة هؤلاء فيما قال الضحاك هي أنهم قوم من بني إسرائيل أمروا بالجهاد، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد، فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك، فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد بقوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه} [البقرة: 190- 244] الآية، وحكى قوم من اليهود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جماعة من بني إسرائيل وقع فيهم الوباء، فخرجوا من ديارهم فرارا منه، فأماتهم الله، فبنى عليهم سائر بني إسرائيل حائطا، حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل النبي عليه السلام، فدعا الله فأحياهم له، وقال السدي: «هم أمة كانت قبل واسط في قرية يقال لها داوردان، وقع بها الطاعون فهربوا منه وهم بضعة وثلاثون ألفا. في حديث طويل، ففيهم نزلت الآية».
وقال «إنهم فروا من الطاعون»: الحسن وعمرو بن دينار. وحكى النقاش «أنهم فروا من الحمى». وحكى فيهم مجاهد «أنهم لما أحيوا رجعوا إلى قومهم يعرفون، لكن سحنة الموت على وجوههم، ولا يلبس أحد منهم ثوبا إلا عاد كفنا دسما حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم»، وروى ابن جريج عن ابن عباس «أنهم كانوا من بني إسرائيل، وأنهم كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف، وأنهم أميتوا ثم أحيوا وبقيت الرائحة على ذلك السبط من بني إسرائيل إلى اليوم، فأمرهم الله بالجهاد ثانية فذلك قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه} [البقرة: 190- 244]».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القصص كله لين الأسانيد، وإنما اللازم من الآية أن الله تعالى أخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف، عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم، ليرواهم وكل من خلف بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله لا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف ولاغترار مغتر، وجعل الله تعالى هذه الآية مقدمة بين يدي أمره المؤمنين من أمة محمد بالجهاد. هذا قول الطبري، وهو ظاهر رصف الآية، ولموردي القصص في هذه القصة زيادات اختصرتها لضعفها.
واختلف الناس في لفظ ألوفٌ. فقال الجمهور: «هي جمع ألف». وقال بعضهم: كانوا ثمانين ألفا. وقال ابن عباس: «كانوا أربعين ألفا». وقيل: كانوا ثلاثين ألفا. وهذا كله يجري مع ألوفٌ إذا هو جمع الكثير، وقال ابن عباس أيضا: «كانوا ثمانية آلاف»، وقال أيضا: «أربعة آلاف»، وهذا يضعفه لفظ ألوفٌ لأنه جمع الكثير. وقال ابن زيد في لفظ ألوفٌ: «إنما معناها وهم مؤتلفون» أي لم تخرجهم فرقة قومهم ولا فتنة بينهم. إنما كانوا مؤتلفين، فخالفت هذه الفرقة فخرجت فرارا من الموت وابتغاء الحياة، فأماتهم الله في منجاهم بزعمهم.
وقوله تعالى: {فقال لهم اللّه موتوا} الآية، إنما هي مبالغة في العبارة عن فعله بهم. كأن ذلك الذي نزل بهم فعل من قيل له: مت، فمات، وحكي أن ملكين صاحا بهم: موتوا، فماتوا. فالمعنى قال لهم الله بواسطة الملكين. وهذا الموت ظاهر الآية، وما روي في قصصها أنه موت حقيقي فارقت فيه الأرواح الأجساد، وإذا كان ذلك فليس بموت آجالهم، بل جعله الله في هؤلاء كمرض حادث مما يحدث على البشر. وقوله تعالى: {إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس} الآية، تنبيه على فضل الله على هؤلاء القوم الذين تفضل عليهم بالنعم وأمرهم بالجهاد، وأمرهم بأن لا يجعلوا الحول والقوة إلّا له، حسبما أمر جميع العالم بذلك، فلم يشكروا نعمته في جميع هذا، بل استبدوا وظنوا أن حولهم وسعيهم ينجيهم. وهذه الآية تحذير لسائر الناس من مثل هذا الفعل، أي فيجب أن يشكر الناس فضل الله في إيجاده لهم ورزقه إياهم وهدايته بالأوامر والنواهي، فيكون منهم الجري إلى امتثالها لا طلب الخروج عنها، وتخصيصه تعالى الأكثر دلالة على الأقل الشاكر). [المحرر الوجيز: 1/ 609-611]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (244) من ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرةً واللّه يقبض ويبصط وإليه ترجعون (245)}
الواو في هذه الآية عاطفة جملة كلام على جملة ما تقدم، هذا قول الجمهور إن هذه الآية هي مخاطبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالقتال في سبيل الله، وهو الذي ينوى به أن تكون كلمة الله هي العليا حسب الحديث، وقال ابن عباس والضحاك: «الأمر بالقتال هو للذين أحيوا من بني إسرائيل، فالواو على هذا عاطفة على الأمر المتقدم، المعنى وقال لهم قاتلوا»، قال الطبري رحمه الله: «ولا وجه لقول من قال إن الأمر بالقتال هو للذين أحيوا»، وسميعٌ معناه للأقوال، عليمٌ بالنيات). [المحرر الوجيز: 1/ 611]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم قال تعالى: {من ذا الّذي يقرض اللّه} الآية، فدخل في ذلك المقاتل في سبيل الله فإنه يقرض رجاء الثواب، كما فعل عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة، ويروى أن هذه الآية لما نزلت قال أبو الدحداح: «يا رسول الله أوإن الله يريد منا القرض؟» قال: «نعم، يا أبا الدحداح»، قال: «فإني قد أقرضت الله حائطي»: لحائط فيه ستمائة نخلة، ثم جاء الحائط وفيه أم الدحداح، فقال: اخرجي فإني قد أقرضت ربي حائطي هذا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كم من عذق مذلل لأبي الدحداح في الجنة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ويقال فيه ابن الدحداحة، واستدعاء القرض في هذه الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه من شبه القرض بالعمل للثواب، والله هو الغني الحميد، لكنه تعالى شبه عطاء المؤمن في الدنيا ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض، كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء، وقد ذهبت اليهود في مدة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التخليط على المؤمنين بظاهر الاستقراض وقالوا إلهكم محتاج يستقرض، وهذا بين الفساد»، وقوله حسناً معناه تطيب فيه النية، ويشبه أيضا أن تكون إشارة إلى كثرته وجودته، واختلف القراء في تشديد العين وتخفيفها ورفع الفاء ونصبها وإسقاط الألف وإثباتها من قوله تعالى: {فيضاعفه} فقرأ ابن كثير «فيضعّفه» برفع الفاء من غير ألف وتشديد العين في جميع القرآن، وقرأ ابن عامر كذلك إلا أنه نصب الفاء في جميع القرآن، ووافقه عاصم على نصب الفاء إلا أنه أثبت الألف في «فيضاعفه» في جميع القرآن، وكان أبو عمرو لا يسقط الألف من ذلك كله إلا من سورة الأحزاب. قوله تعالى: {يضاعف لها العذاب} [الأحزاب: 30]، فإنه بغير ألف كان يقرأه، وقرأ حمزة والكسائي ونافع ذلك كله بالألف ورفع الفاء، فالرفع في الفاء يتخرج على وجهين: أحدهما العطف على ما في الصلة. وهو يقرض، والآخر أن يستأنف الفعل ويقطعه، قال أبو علي: «والرفع في هذا الفعل أحسن».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «لأن النصب إنما هو بالفاء في جواب الاستفهام، وذلك إنما يترتب إذا كان الاستفهام عن نفس الفعل الأول ثم يجيء الثاني مخالفا له. تقول: أتقرضني فأشكرك، وهاهنا إنما الاستفهام عن الذي يقرض لا عن الإقراض»، ولكن تحمل قراءة ابن عامر وعاصم في النصب على المعنى، لأنه لم يستفهم عن فاعل الإقراض إلا من أجل الإقراض، فكأن الكلام أيقرض أحد الله فيضاعفه له، ونظير هذا في الحمل على المعنى قراءة من قرأ {من يضلل الله فلا هادي له ونذرهم} [الأعراف: 186]
بجزم نذرهم، لما كان معنى قوله {فلا هادي له} [الأعراف: 186] فلا يهد وهذه الأضعاف الكثيرة هي إلى السبعمائة التي رويت ويعطيها مثال السنبلة، وقرأ ابن كثير «يبسط» بالسين، ونافع بالصاد في المشهور عنه، وقال الحلواني عن قالون عن نافع: إنه لا يبالي كيف قرأ بسطة ويبسط بالسين أو بالصاد، وروى أبو قرة عن نافع يبسط بالسين، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يسعر بسبب غلاء خيف على المدينة، فقال: «إن الله هو الباسط القابض، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يتبعني أحد بمظلمة في نفس ولا مال»). [المحرر الوجيز: 1/ 612-614]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون (243) وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (244) من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون (245)}
روي عن ابن عبّاسٍ «أنّهم كانوا أربعة آلافٍ» وعنه: «كانوا ثمانية آلافٍ». وقال أبو صالحٍ: «تسعة آلافٍ» وعن ابن عبّاسٍ: «أربعون ألفًا» وقال وهب بن منبّهٍ وأبو مالكٍ: «كانوا بضعةً وثلاثين ألفًا» وروى ابن أبي حاتمٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «كانوا أهل قريةٍ يقال لها داوردان». وكذا قال السّدّيّ وأبو صالحٍ وزاد: «من قبل واسطٍ». وقال سعيد بن عبد العزيز: «كانوا من أهل أذرعاتٍ»، وقال ابن جريجٍ عن عطاءٍ قال: «هذا مثلٌ». وقال عليّ بن عاصمٍ: «كانوا من أهل داوردان؛ قريةٌ على فرسخٍ من واسطٍ».
وقال وكيع بن الجرّاح في تفسيره: حدّثنا سفيان عن ميسرة بن حبيبٍ النّهديّ، عن المنهال بن عمرٍو الأسديّ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت} قال: «كانوا أربعة آلافٍ خرجوا فرارًا من الطّاعون قالوا: نأتي أرضًا ليس بها موتٌ حتّى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال اللّه لهم موتوا فماتوا فمرّ عليهم نبيٌّ من الأنبياء فدعا ربّه أن يحييهم فأحياهم، فذلك قوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت} الآية».
وذكر غير واحدٍ من السّلف أنّ هؤلاء القوم كانوا أهل بلدةٍ في زمان بني إسرائيل استوخموا أرضهم وأصابهم بها وباءٌ شديدٌ فخرجوا فرارًا من الموت إلى البرّيّة، فنزلوا واديًا أفيح، فملأوا ما بين عدوتيه فأرسل اللّه إليهم ملكين أحدهما من أسفل الوادي والآخر من أعلاه فصاحا بهم صيحةً واحدةً فماتوا عن آخرهم موتة رجلٍ واحدٍ فحيزوا إلى حظائر وبني عليهم جدران وقبورٌ وفنوا وتمزّقوا وتفرّقوا فلمّا كان بعد دهرٍ مرّ بهم نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له: حزقيل فسأل اللّه أن يحييهم على يديه فأجابه إلى ذلك وأمره أن يقول: أيّتها العظام البالية إنّ اللّه يأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كلّ جسدٍ بعضها إلى بعضٍ، ثمّ أمره فنادى: أيّتها العظام إنّ اللّه يأمرك بأن تكتسي لحمًا وعصبًا وجلدًا. فكان ذلك، وهو يشاهده ثمّ أمره فنادى: أيّتها الأرواح إنّ اللّه يأمرك أن ترجع كلّ روحٍ إلى الجسد الّذي كانت تعمره. فقاموا أحياءً ينظرون قد أحياهم اللّه بعد رقدتهم الطّويلة، وهم يقولون: سبحانك اللّهمّ ربّنا وبحمدك لا إله إلّا أنت.
وكان في إحيائهم عبرةٌ ودليلٌ قاطعٌ على وقوع المعاد الجسمانيّ يوم القيامة ولهذا قال: {إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس} أي: فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة والدّلالات الدّامغة، {ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون} أي: لا يقومون بشكر ما أنعم اللّه به عليهم في دينهم ودنياهم.
وفي هذه القصّة عبرةٌ ودليلٌ على أنّه لن يغني حذرٌ من قدرٍ وأنّه، لا ملجأ من اللّه إلّا إليه، فإنّ هؤلاء فرّوا من الوباء طلبًا لطول الحياة فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعًا في آنٍ واحدٍ.
ومن هذا القبيل الحديث الصّحيح الّذي رواه الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن عيسى أخبرنا مالكٌ وعبد الرّزّاق أخبرنا معمرٌ كلاهما عن الزّهريّ عن عبد الحميد بن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم بن الخطّاب عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ عن عبد اللّه بن عباس: «أن عمر بن الخطّاب خرج إلى الشّام حتّى إذا كان بسرغٍ لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجرّاح وأصحابه فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بالشّام فذكر الحديث فجاءه عبد الرّحمن بن عوفٍ وكان متغيّبًا لبعض حاجته فقال: إنّ عندي من هذا علمًا، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إذا كان بأرضٍ وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارًا منه، وإذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه» فحمد اللّه عمر ثمّ انصرف». وأخرجاه في الصّحيحين من حديث الزّهريّ به.
طريقٌ أخرى لبعضه: قال أحمد: حدّثنا حجّاجٌ ويزيد العمّي قالا أخبرنا ابن أبي ذئبٍ عن الزّهريّ عن سالمٍ عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة: أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ أخبر عمر، وهو في الشّام عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنّ هذا السّقم عذّب به الأمم قبلكم فإذا سمعتم به في أرضٍ فلا تدخلوها وإذا وقع بأرضٍ وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارًا منه» قال: فرجع عمر من الشّام».
وأخرجاه في الصّحيحين من حديث مالكٍ عن الزّهريّ بنحوه). [تفسير ابن كثير: 1/ 660-662]


تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} أي: كما أنّ الحذر لا يغني من القدر كذلك الفرار من الجهاد وتجنّبه لا يقرّب أجلًا ولا يباعده، بل الأجل المحتوم والرّزق المقسوم مقدّرٌ مقنّنٌ لا يزاد فيه ولا ينقص منه كما قال تعالى: {الّذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} [آل عمران:168] وقال تعالى: {وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدرككّم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} [النّساء:77، 78] وروّينا عن أمير الجيوش ومقدّم العساكر وحامي حوزة الإسلام وسيف اللّه المسلول على أعدائه أبي سليمان خالد بن الوليد رضي اللّه عنه، أنّه قال:-وهو في سياق الموت: «لقد شهدت كذا وكذا موقفًا وما من عضوٍ من أعضائي إلّا وفيه رميةٌ أو طعنةٌ أو ضربةٌ وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير!! فلا نامت أعين الجبناء» يعني: أنّه يتألّم لكونه ما مات قتيلًا في الحرب ويتأسّف على ذلك ويتألّم أن يموت على فراشه). [تفسير ابن كثير: 1/ 662]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} يحثّ تعالى عباده على الإنفاق في سبيله، وقد كرّر تعالى هذه الآية في كتابه العزيز في غير موضعٍ. وفي حديث النّزول أنّه يقول تعالى [من يقرض غير عديمٍ ولا ظلومٍ] وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة حدّثنا خلف بن خليفة عن حميدٍ الأعرج عن عبد اللّه بن الحارث عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: «لمّا نزلت: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له} قال أبو الدّحداح الأنصاريّ: يا رسول اللّه وإنّ اللّه ليريد منّا القرض؟ قال: «نعم يا أبا الدّحداح» قال: أرني يدك يا رسول اللّه. قال: فناوله يده قال: فإنّي قد أقرضت ربّي حائطي. قال: وحائطٌ له فيه ستّمائة نخلةٍ وأمّ الدّحداح فيه وعيالها. قال: فجاء أبو الدّحداح فناداها: يا أمّ الدّحداح. قالت: لبّيك قال: اخرجي فقد أقرضته ربّي عزّ وجلّ». وقد رواه ابن مردويه من حديث عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر مرفوعًا بنحوه.
وقوله: {قرضًا حسنًا} روي عن عمر وغيره من السّلف: «هو النّفقة في سبيل اللّه». وقيل: هو النّفقة على العيال.
وقيل: هو التّسبيح والتّقديس وقوله: {فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} كما قال: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ} الآية [البقرة:261]. وسيأتي الكلام عليها.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد أخبرنا مبارك بن فضالة عن عليّ بن زيدٍ عن أبي عثمان النّهديّ، قال: «أتيت أبا هريرة فقلت له: إنّه بلغني أنّك تقول: إنّ الحسنة تضاعف ألف ألف حسنةٍ. فقال: وما أعجبك من ذلك؟ لقد سمعته من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ اللّه يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنةٍ».
هذا حديثٌ غريبٌ، وعليّ بن زيد بن جدعان عنده مناكير، لكن رواه ابن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر فقال: حدّثنا أبو خلّادٍ سليمان بن خلّادٍ المؤدّب، حدّثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب، حدّثنا محمّد بن عقبة الرّباعيّ عن زيادٍ الجصّاص عن أبي عثمان النّهديّ، قال: «لم يكن أحدٌ أكثر مجالسةً لأبي هريرة منّي فقدم قبلي حاجًّا قال: وقدمت بعده فإذا أهل البصرة يأثرون عنه أنّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «إن اللّه يضاعف الحسنة ألف ألف حسنةٍ» فقلت: ويحكم، واللّه ما كان أحدٌ أكثر مجالسةً لأبي هريرة منّي، فما سمعت هذا الحديث. قال: فتحمّلت أريد أنّ ألحقه فوجدته قد انطلق حاجًّا فانطلقت إلى الحجّ أن ألقاه في هذا الحديث، فلقيته لهذا فقلت: يا أبا هريرة ما حديثٌ سمعت أهل البصرة يأثرون عنك؟ قال: ما هو؟ قلت: زعموا أنّك تقول: إنّ اللّه يضاعف الحسنة ألف ألف حسنةٍ. قال: يا أبا عثمان وما تعجب من ذا واللّه يقول: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} ويقول: {فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلا قليلٌ} [التّوبة:38] والّذي نفسي بيده لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ اللّه يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنةٍ».
وفي معنى هذا الحديث ما رواه التّرمذيّ وغيره من طريق عمرو بن دينارٍ عن سالمٍ عن عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من دخل سوقًا من الأسواق فقال: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ كتب اللّه له ألف ألف حسنةٍ ومحا عنه ألف ألف سيّئةٍ» الحديث.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسّامٍ حدّثنا أبو إسماعيل المؤدّب، عن عيسى بن المسيب عن نافعٍ عن ابن عمر قال: «لمّا نزلت {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل} [البقرة:261] إلى آخرها فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ربّ زد أمّتي» فنزلت: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} قال: «ربّ زد أمّتي». فنزل: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ} [الزّمر:10]».
وروى ابن أبي حاتمٍ أيضًا عن كعب الأحبار: «أنّه جاءه رجلٌ فقال: إنّي سمعت رجلًا يقول: من قرأ: {قل هو اللّه أحدٌ} [الإخلاص:1] مرّةً واحدةً بنى اللّه له عشرة آلاف ألف غرفةٍ من درٍّ وياقوتٍ في الجنّة أفأصدق بذلك؟ قال: نعم، أو عجبت من ذلك؟ قال: نعم وعشرين ألف ألفٍ وثلاثين ألف ألفٍ وما يحصي ذلك إلّا اللّه ثمّ قرأ {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} فالكثير من اللّه لا يحصى».
وقوله: {واللّه يقبض ويبسط} أي: أنفقوا ولا تبالوا فاللّه هو الرّزّاق يضيّق على من يشاء من عباده في الرّزق ويوسّعه على آخرين، له الحكمة البالغة في ذلك {وإليه ترجعون} أي: يوم القيامة). [تفسير ابن كثير: 1/ 662-664]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:33 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة