العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأحزاب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 جمادى الأولى 1434هـ/18-03-2013م, 12:15 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة الأحزاب [ من الآية (21) إلى الآية (24) ]

تفسير سورة الأحزاب
[ من الآية (21) إلى الآية (24) ]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 جمادى الأولى 1434هـ/26-03-2013م, 08:50 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرًا (21) ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلاّ إيمانًا وتسليمًا}.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {أسوةٌ} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار: (إسوةٌ) بكسر الألف، خلا عاصم بن أبي النّجود، فإنّه قرأه بالضّمّ: {أسوةٌ} وكان يحيى بن وثّابٍ يقرأ هذه بالكسر، ويقرأ قوله {لقد كان لكم فيهم أسوةٌ} بالضّمّ، وهما لغتان. وذكر أنّ الكسر في أهل الحجاز، والضّمّ في قيسٍ. يقولون: (أسوةٌ)، و(أخوةٌ).
وهذا عتابٌ من اللّه للمتخلّفين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعسكره بالمدينة، من المؤمنين به. يقول لهم جلّ ثناؤه: لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ، أن تتأسّوا به، وتكونوا معه حيث كان، ولا تتخلّفوا عنه. {لمن كان يرجو اللّه} يقول: فإنّ من يرجو ثواب اللّه ورحمته في الآخرة لا يرغب بنفسه، ولكنّه تكون له به أسوةٌ في أن يكون معه حيث يكون هو.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني يزيد بن رومان، قال: ثمّ أقبل على المؤمنين، فقال {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر} أن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ولا عن مكانٍ هو به {وذكر اللّه كثيرًا} يقول: وأكثر ذكر اللّه في الخوف والشّدّة والرّخاء). [جامع البيان: 19/58-59]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثير}.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة قال مواساة عند القتال.
وأخرج ابن مردويه والخطيب قال في جوع رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 11/754]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن سعيد بن يسار قال كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما في طريق مكة فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت فقال ابن عمر رضي الله عنه أليس لك في رسول الله أسوة حسنة قلت بلى قال فإنه كان يوتر على البعير). [الدر المنثور: 11/754-755]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن ماجه، وابن أبي حاتم عن حفص بن عاصم رضي الله عنه قال قلت لعبد الله بن عمر ضي الله عنهما رأيتك في السفر لا تصلي قبل الصلاة ولا بعدها فقال يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فلم أره يصلي قبل الصلاة ولا بعدها وقول الله تعالى لقد كان لكم في رسول اله أسوة حسنة). [الدر المنثور: 11/755]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما، انه سئل عن رجل معتمر طاف بالبيت: أيقع على امرأته قبل ان يطوف بالصفا والمروة فقال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين وسعى بين الصفا والمروة ثم قرأ {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ). [الدر المنثور: 11/755]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه ان رجلا أتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني نذرت أن أنحر نفسي، فقال ابن عباس {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} {وفديناه بذبح عظيم} فأمره بكبش). [الدر المنثور: 11/755]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطيالسي وعبد الرزاق والبخاري ومسلم، وابن ماجه، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اذا حرم الرجل عليه امرأته فهو يمين يكفرها وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ). [الدر المنثور: 11/755-756]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أهل وقال: ان حيل بيني وبينه فعلت كما فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا معه ثم تلا {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ). [الدر المنثور: 11/756]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة رضي الله عنه قال: هم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان ينهي عن الحبرة من صباغ البول فقال له رجل: أليس قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها قال عمر رضي الله عنه: بلى، قال الرجل: ألم يقل الله {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} فتركها عمر). [الدر المنثور: 11/756]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما ان عمر رضي الله عنه أكب على الركن فقال: أني لا علم انك حجر ولو لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك واستلمك ما استلمتك، ولا قبلتك {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ). [الدر المنثور: 11/756]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد وأبو يعلى عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: طفت مع عمر رضي الله عنه فلما كنت عند الركن الذي يلي الباب مما يلي الحجر أخذت بيده ليستلم فقال: ما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: بلى، قال: فهل رأيته يستلمه قلت: لا قال: ما بعد عنك فان لك في رسول الله اسوة حسنة). [الدر المنثور: 11/756-757]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن عيسى بن عاصم عن أبيه قال: صلى ابن عمر رضي الله عنهما صلاة من صلاة النهار في السفر فرأى بعضهم يسبح فقال ابن عمر رضي الله عنهما: لو كنت مسبحا لأتممت الصلاة حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يسبح بالنهار وحججت مع أبي بكر فكان لا يسبح بالنهار وحججت مع عمر فكان لا يسبح بالنهار وحججت مع عثمان رضي الله عنه فكان لا يسبح بالنهار ثم قال ابن عمر رضي الله عنه {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ). [الدر المنثور: 11/757]

تفسير قوله تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ولما رأى المؤمنين الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله قال أنزل الله تعالى في سورة البقرة أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله لقوله أم حسبتم ان تدخلوا الجنة). [تفسير عبد الرزاق: 2/114]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب} يقول: ولمّا عاين المؤمنون باللّه ورسوله جماعات الكفّار قالوا تسليمًا منهم لأمر اللّه، وإيقانًا منهم بأنّ ذلك إنجاز وعده لهم الّذي وعدهم بقوله {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم} إلى قوله {قريبٌ} هذا ما وعدنا اللّه ورسوله، وصدق اللّه ورسوله، فأحسن اللّه عليهم بذلك من يقينهم، وتسليمهم لأمره الثّناء، فقال: وما زادهم اجتماع الأحزاب عليهم إلاّ إيمانًا باللّه وتسليمًا لقضائه وأمره، ورزقهم به النّصر والظّفر على الأعداء.
وبالّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب} الآية قال: ذلك أنّ اللّه قال لهم في سورة البقرة {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة}.. إلى قوله {إنّ نصر اللّه قريبٌ} قال: فلمّا مسّهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق، تأوّل المؤمنون ذلك، ولم يزدهم ذلك إلاّ إيمانًا وتسليمًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني يزيد بن رومان، قال: ثمّ ذكر المؤمنين وصدقهم وتصديقهم بما وعدهم اللّه من البلاء يختبرهم به: {قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلاّ إيمانًا وتسليمًا} أي صبرًا على البلاء، وتسليمًا للقضاء، وتصديقًا بتحقيق ما كان اللّه وعدهم ورسوله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله، وصدق اللّه ورسوله} وكان اللّه قد وعدهم في سورة البقرة فقال: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه} خيرهم وأصبرهم وأعلمهم باللّه {متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} هذا واللّه البلاء والنّقص الشّديد، وإنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا رأوا ما أصابهم من الشّدّة والبلاء {قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله، وصدق اللّه ورسوله، وما زادهم إلاّ إيمانًا وتسليمًا} وتصديقًا بما وعدهم اللّه، وتسليمًا لقضاء اللّه). [جامع البيان: 19/59-60]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل منطريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب فخرجت لنا من الخندق صخرة بيضاء مدورة فكسرت حديدنا وشقت علينا فشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول من سلمان فضرب الصخر ضربة صدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لا بتي المدينه حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون ثم ضربها الثانية فصدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لا بتيها فكبر وكبر المسلمون ثم ضربها الثالثة فصدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لا بتيها وكبر وكبر المسلمون فسألناه فقال: أضاء لي في الاولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها وأضاء لي في الثانية قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل ان أمتي ظاهرة عليها فابشروا بالنصر، فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صادق بأن وعدنا النصر بعد الحصر فطلعت الأحزاب فقال المسلمون {هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} وقال المنافقون: إلا تعجبون يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل يخبر أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وانها تفتح لكم وانكم تحفرون الخندق ولا تستطيعون ان تبرزوا وأنزل القران مردويهن {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} ). [الدر المنثور: 11/738-739]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن مردويه عن ابن عباس قال: انزل الله في شأن الخندق وذكر نعمه عليهم وكفايته إياهم عدوهم بعد سوء الظن ومقالة من تكلم من أهل النفاق {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها} وكانت الجنود التي أتت المسلمين، أسد، وغطفان، وسليما، وكانت الجنود التي بعث الله عليهم من الريح الملائكة فقال {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} فكان الذين جاؤهم من فوقهم بني قريظة والذين جاؤهم من أسفل منهم قريشا وأسدا وغطفان فقال: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (11) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} يقول: معتب بن قشير ومن كان معه على رأيه {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي} يقول أوس بن قيظي ومن كان معه على مثل رأيه {ولو دخلت عليهم من أقطارها} إلى {وإذا لا تمتعون إلا قليلا} ثم ذكر يقين أهل الايمان حين أتاهم الاحزاب فحصروهم وظاهرهم بنو قريظة فاشتد عليهم البلاء فقال: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب} إلى {إن الله كان غفورا رحيما} قال: وذكر الله هزيمة المشركين وكفايته المؤمنين فقال: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم} ). [الدر المنثور: 11/739-740] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما.
أخرج ابن جرير، وابن مردويه والبيهقي في الطلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما {ولما رأى المؤمنون الأحزاب} إلى آخر الآية قال ان الله تعالى قال لهم في سورة البقرة {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء} البقرة الآية 214 فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق {قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله} فتأول المؤمنون ذلك فلم يزدهم إلا ايمانا وتسليما.
وأخرج جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزلت هذه الآية قبل تحول {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم}، وصدق الله ورصوله فيما أخبرا به من الوحي قبل أن يكون). [الدر المنثور: 11/757-758]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطيالسي وعبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن قتادة رضي الله عنه قال: أنزل الله في سورة البقرة {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} ). [الدر المنثور: 11/758]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله {وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} قال: ما زادهم البلاء إلا ايمانا بالرب وتسليما للقضاء). [الدر المنثور: 11/758]

تفسير قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن الحسن في قوله تعالى فمنهم من قضى نحبه قال قضى أجله على الصدق والوفاء). [تفسير عبد الرزاق: 2/114]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلًا} [الأحزاب: 23] ".
نحبه: عهده). [صحيح البخاري: 6/116]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثني محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاريّ، قال: حدّثني أبي، عن ثمامة، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، قال: " نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النّضر: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} [الأحزاب: 23] ".
- حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابتٍ، أنّ زيد بن ثابتٍ، قال: «لمّا نسخنا الصّحف في المصاحف فقدت آيةً من سورة الأحزاب، كنت كثيرًا أسمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقرؤها لم أجدها مع أحدٍ، إلّا مع خزيمة الأنصاريّ الّذي جعل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم شهادته شهادة رجلين» : {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} [الأحزاب: 23] ). [صحيح البخاري: 6/116-117]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب فمنهم من قضى نحبه)
عهده قال أبو عبيدة في قوله فمنهم من قضى نحبه أي نذره والنّحب النّذر والنّحب أيضًا النّفس والنّحب أيضًا الخطر العظيم وقال غيره النّحب في الأصل النّذر ثمّ استعمل في آخر كلّ شيءٍ وقال عبد الرّزّاق أنبأنا معمر عن الحسن في قوله فمنهم من قضى نحبه قال قضى أجله على الوفاء والتّصديق وهذا مخالفٌ لما قاله غيره بل ثبت عن عائشة أنّ طلحة دخل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال أنت يا طلحة ممّن قضى نحبه أخرجه بن ماجه والحاكم ويمكن أن يجمع بحمل حديث عائشة على المجاز وقضى بمعنى يقضي ووقع في تفسير بن أبي حاتمٍ منهم عمّار بن ياسرٍ وفي تفسير يحيى بن سلّامٍ منهم حمزة وأصحابه وقد تقدّم في قصّة أنس بن النّضر قول أنس بن مالكٍ منهم أنس بن النّضر وعند الحاكم من حديث أبي هريرة منهم مصعب بن عميرٍ ومن حديث أبي ذرٍّ أيضًا). [فتح الباري: 8/518]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (ثمّ ذكر طرفًا من حديث أنسٍ في قصّة أنس بن النّضر وقد تقدّم شرحه مستوفًى في أوائل الجهاد.
قوله أخبرني خارجة بن زيد بن ثابتٍ أنّ زيد بن ثابتٍ قال لمّا نسخنا الصّحف في المصاحف تقدّم في آخر تفسير التّوبة من وجهٍ آخر عن الزّهريّ عن عبيد بن السّبّاق عن زيد بن ثابتٍ لكن في تلك الرّواية أنّ الآية لقد جاءكم رسول وفي هذه أنّ الآية من المؤمنين رجالٌ فالّذي يظهر أنّهما حديثان وسيأتي في فضائل القرآن من طريق إبراهيم بن سعدٍ عن الزّهريّ بالحديثين معًا في سياقٍ واحدٍ قوله فقدت آيةً من سورة الأحزاب كنت كثيرًا أسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرؤها هذا يدلّ على أنّ زيدًا لم يكن يعتمد في جمع القرآن على علمه ولا يقتصر على حفظه لكن فيه إشكالٌ لأنّ ظاهره أنّه اكتفى مع ذلك بخزيمة وحده والقرآن إنّما يثبت بالتّواتر والّذي يظهر في الجواب أنّ الّذي أشار إليه أنّ فقده فقد وجودها مكتوبةً لا فقد وجودها محفوظةً بل كانت محفوظةً عنده وعند غيره ويدلّ على هذا قوله في حديث جمع القرآن فأخذت أتتبّعه من الرّقاع والعسب كما سيأتي مبسوطًا في فضائل القرآن وقوله خزيمة الأنصاريّ الّذي جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلين يشير إلى قصّة خزيمة المذكورة وهو خزيمة بن ثابتٍ كما سأبيّنه في رواية إبراهيم بن سعدٍ الآتية وأمّا قصّته المذكورة في الشّهادة فأخرجها أبو داود والنّسائيّ ووقعت لنا بعلوٍّ في جزء محمّد بن يحيى الذّهليّ من طريق الزّهريّ أيضًا عن عمارة بن خزيمة عن عمّه وكان من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ابتاع من أعرابيٍّ فرسًا فاستتبعه ليقضيه ثمن الفرس فأسرع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المشي وأبطأ الأعرابيّ فطفق رجالٌ يعترضون الأعرابيّ يساومونه في الفرس حتّى زادوه على ثمنه فذكر الحديث قال فطفق الأعرابيّ يقول هلمّ شهيدًا يشهد أنّي قد بعتك فمن جاء من المسلمين يقول ويلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن ليقول إلّا الحقّ حتّى جاء خزيمة بن ثابتٍ فاستمع المراجعة فقال أنا أشهد أنّك قد بايعته فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بم تشهد قال بتصديقك فجعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شهادة خزيمة بشهادة رجلين ووقع لنا من وجهٍ آخر أنّ اسم هذا الأعرابيّ سواد بن الحارث فأخرج الطّبرانيّ وبن شاهين من طريق زيد بن الحباب عن محمّد بن زرارة بن خزيمة حدّثني عمارة بن خزيمة عن أبيه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم اشترى فرسًا من سواد بن الحارث فجحده فشهد له خزيمة بن ثابتٍ فقال له بم تشهد ولم تكن حاضرًا قال بتصديقك وأنّك لا تقول إلّا حقًّا فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه قال الخطّابيّ هذا الحديث حمله كثيرٌ من النّاس على غير محمله وتذرّع به قومٌ من أهل البدع إلى استحلال الشّهادة لمن عرف عندهم بالصّدق على كلّ شيءٍ ادّعاه وإنّما وجه الحديث أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حكم على الأعرابيّ بعلمه وجرت شهادة خزيمة مجرى التّوكيد لقوله والاستظهار على خصمه فصار في التّقدير كشهادة الاثنين في غيرها من القضايا انتهى وفيه فضيلة الفطنة في الأمور وأنّها ترفع منزلة صاحبها لأنّ السّبب الّذي أبداه خزيمة حاصلٌ في نفس الأمر يعرفه غيره من الصّحابة وإنّما هو لمّا اختصّ بتفطّنه لما غفل عنه غيره مع وضوحه جوزي على ذلك بأن خصّ بفضيلة من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه تنبيه زعم بن التّين أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لخزيمة لمّا جعل شهادته شهادتين لا تعد أي تشهد على ما لم تشاهده انتهى وهذه الزّيادة لم أقف عليها). [فتح الباري: 8/518-519]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب: {فمنهم من قضى نخبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً} (الأحزاب: 23)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {فمنهم} أي: فمن المؤمنين الّذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه {من قضى نحبه} يعني: فرغ من نذره ووفى بعهده، ويأتي الكلام على النحب. قوله: (ومنهم من ينتظر) أي: الشّهادة. قوله: (وما بدلوا) أي: قولهم وعهدهم ونذرهم.
نحبه عهده
النحب النّذر والنحب الموت، وعن مقاتل: نحبه أي قضى أجله فقتل على الوفاء، يعني حمزة وأصحابه رضي الله عنهم، وقيل: قضى نحبه أي بذل جهده في الوفاء بعهده، من قول العرب: نحب فلان في سيره ليله ونهاره إذا أمد فلم ينزل). [عمدة القاري: 19/116]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثني محمّد بن بشّارٍ حدثنا محمّد بن عبد الله الأنصاريّ قال حدّثني أبي عن ثمامة عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال نرى هاذه الآية نزلت في أنس بن النّضر من المؤمنين رجالٌ صدّقوا ما عاهدوا الله عليه.
(انظر الحديث 2805 وطرفه) .
مطابقته للتّرجمة ظاهرة لأن التّرجمة بعض الآية المذكورة، ومحمّد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك يروي عن أبيه عبد الله بن المثنى، وهو يروي عن عمه ثمامة، بضم الثّاء المثلّثة وتخفيف الميمين: ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة، وهو يروي عن جده أنس بن مالك، وهذا الحديث من أفراده، وأنس ين النّضر، بالضاد المعجمة: ابن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاريّ عم أنس بن مالك الأنصاريّ، قتل يوم أحد شهيدا.
- حدّثنا أبو اليمان أخبرنا شعيبٌ عن الزّهريّ قال أخبرني خارجة بن زيد بن ثابتٍ أنّ زيد بن ثابتٍ قال لمّا نسخنا الصّحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها مع أحدٍ إلاّ مع خزيمة الأنصاريّ الّذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين. {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه} ..
مطابقته للتّرجمة مثل ما ذكرنا في مطابقة الحديث الماضي، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة. والحديث مر في كتاب الجهاد في: باب قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا عاهدوا الله عليه} ومر الكلام فيه هناك، وقيل: إن الآية المفقودة الّتي وجدت عند خزيمة هي آخر سورة التّوبة، كما تقدم. وأجيب: بأن لا دليل على الحصر ولا محذور في كون كلتيهما مكتوبتين عنده دون غيره، وجواب آخر: أن الأولى كانت عند النّقل من العسب ونحوه إلى الصّحف، والثّانية عند النّقل من الصّحف إلى المصحف). [عمدة القاري: 19/116]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلًا} [الأحزاب: 23] نحبه: عهد. أقطارها: جوانبها. الفتنة لآتوها: لأعطوها
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({فمنهم}) من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه أي من الثبات مع الرسول والمقاتلة لإعلاء الدين ({من قضى نحبه}) يعني حمزة وأصحابه ({ومنهم من ينتظر}) الشهادة كعثمان وطلحة ينتظرون أحد أمرين إما الشهادة أو النصر ({وما بدلوا}) العهد ولا غيروه ({تبديلًا}) [الأحزاب: 23] شيئًا من التبديل بخلاف المنافقين فإنهم قالوا لا نولي الأدبار وبدلوا قولهم وولوا أدبارهم ({نحبه}) أي (عهده) والمعنى ومنهم من فرغ من نذره ووفى بعهده فصبر على الجهاد وقاتل حتى قتل والنحب النذر فاستعير للموت لأنه كنذر
لازم في رقبة كل حيوان). [إرشاد الساري: 7/293]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثني محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاريّ، قال: حدّثني أبي عن ثمامة عن أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه- قال: نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النّضر {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} [الأحزاب: 23].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله (عن) عمه (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميمين ابن عبد الله بن أنس (عن) جده (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: نرى) بضم النون أي نظن أن (هذه الآية نزلت في أنس بن النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة ابن ضمضم الأنصاري ({من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}) وكان قتل يوم أحد.
- حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ عن الزّهريّ، قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابتٍ أنّ زيد بن ثابتٍ قال: لمّا نسخنا الصّحف في المصاحف، فقدت آيةً من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقرؤها لم أجدها مع أحدٍ إلاّ مع خزيمة الأنصاريّ الّذي جعل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- شهادته شهادة رجلين {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه}.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري (أن) أباه (زيد بن ثابت قال: لما نسخنا الصحف) التي كانت عند حفصة (في المصاحف) بأمر عثمان -رضي الله عنه- (فقدت) بفتح الفاء والقاف (آية من سورة الأحزاب كنت أسمع) ولأبوي ذر والوقت عن المستملي: كنت كثيرًا أسمع (رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقرؤها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة) أي ابن ثابت (الأنصاري الذي جعل رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- شهادته شهادة رجلين) خصوصية له وهي قوله تعالى: ({من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}) لا يقال إن ثبوتها كان بطريق الآحاد والقرآن إنما يثبت بالتواتر لأنها كانت متواترة عندهم، ولذا قال: كنت أسمع النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقرؤها، وقد قال عمر: أشهد لقد سمعتها من رسول الله، وعن أبيّ بن كعب وهلال بن أمية وغيره مثله.
وهذا الحديث قد سبق في أوائل الجهاد في باب قوله: {من المؤمنين رجال}). [إرشاد الساري: 7/293-294]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً}
قوله: (نرى هذه الآية) أي: نظن). [حاشية السندي على البخاري: 3/64]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، قال: قال عمّي أنس بن النّضر، سمّيت به، لم يشهد بدرًا مع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فكبر عليه، فقال: أوّل مشهدٍ قد شهده رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم غبت عنه، أما واللّه لئن أراني اللّه مشهدًا مع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ليرينّ اللّه ما أصنع، قال: فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحدٍ من العام القابل فاستقبله سعد بن معاذٍ، فقال: يا أبا عمرٍو أين؟ قال: واهًا لريح الجنّة أجدها دون أحدٍ، فقاتل حتّى قتل، فوجد في جسده بضعٌ وثمانون من بين ضربةٍ وطعنةٍ ورميةٍ، فقالت عمّتي الرّبيّع بنت النّضر: فما عرفت أخي إلاّ ببنانه. ونزلت هذه الآية {رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/201-202]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حميدٌ الطّويل، عن أنس بن مالكٍ، أنّ عمّه غاب عن قتال بدرٍ فقال: غبت عن أوّل قتالٍ قاتله رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين لئن اللّه أشهدني قتالاً للمشركين ليرينّ اللّه كيف أصنع، فلمّا كان يوم أحدٍ انكشف المسلمون، فقال: اللّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء، يعني المشركين، وأعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني أصحابه، ثمّ تقدّم فلقيه سعدٌ فقال: يا أخي، ما فعلت أنا معك، فلم أستطع أن أصنع ما صنع، فوجد فيه بضعٌ وثمانون بين ضربةٍ بسيفٍ وطعنةٍ برمحٍ ورميةٍ بسهمٍ، فكنّا نقول فيه وفي أصحابه نزلت {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر}.
قال يزيد يعني هذه الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
واسم عمّه أنس بن النّضر). [سنن الترمذي: 5/202]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد القدّوس بن محمّدٍ العطّار البصريّ، قال: حدّثنا عمرو بن عاصمٍ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن موسى بن طلحة، قال: دخلت على معاوية، فقال: ألا أبشّرك؟ قلت: بلى، قال: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: طلحة ممّن قضى نحبه.
هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه من حديث معاوية إلاّ من هذا الوجه، وإنّما روي هذا عن موسى بن طلحة، عن أبيه). [سنن الترمذي: 5/203]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن طلحة بن يحيى، عن موسى، وعيسى، ابني طلحة عن أبيهما طلحة، أنّ أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا لأعرابيٍّ جاهلٍ: سله عمّن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقّرونه ويهابونه، فسأله الأعرابيّ فأعرض عنه، ثمّ سأله فأعرض عنه، ثمّ سأله فأعرض عنه، ثمّ إنّي اطّلعت من باب المسجد وعليّ ثيابٌ خضرٌ، فلمّا رآني رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أين السّائل عمّن قضى نحبه؟ قال الأعرابيّ: أنا يا رسول الله، قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: هذا ممّن قضى نحبه.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث يونس بن بكيرٍ). [سنن الترمذي: 5/203]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه}
- أخبرنا الهيثم بن أيّوب، قال: حدّثنا إبراهيم، قال ابن شهابٍ، عن خارجة، أنّ أباه، قال: " فقدت آيةً من سورة الأحزاب حين نسخنا المصحف، كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرؤها، فوجدتها مع خزيمة بن ثابتٍ {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23]، فألحقتها في سورتها في المصحف "
- أخبرني عبد الله بن الهيثم، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، وسليمان بن المغيرة، عن ثابتٍ البنانيّ، عن أنسٍ، قال: " غاب عمّي أنس بن النّضر، الّذي سمّيت به، ولم يشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرًا، فقال: أوّل مشهدٍ شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، غبت عنه، أما والله لئن أشهدني الله مشهدًا بعده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليرينّ ما أصنع، فهاب أن يقول غيرها، فلمّا كان من العام المقبل، شهد أحدًا، قال: فلقيه سعد بن معاذٍ، فقال: مهيم، فقال له: يا أبا عمرٍو، إنّي أجد ريح الجنّة دون أحدٍ، فقاتل حتّى قتل، فوجد به بضعةٌ وثمانون من رميةٍ وطعنةٍ وضربةٍ، قالت أخته: فما عرفت أخي إلّا ببنانه، وكان حسن البنان، فنزلت هذه الآية: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] إلى قوله: {تبديلًا} [الأحزاب: 23]، فكنّا نرى أنّها نزلت فيه وفي أصحابه "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/217-218]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فمنهم من قضى نحبه}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حميدٌ، عن أنسٍ " أنّ عمّه، غاب عن قتال، أهل بدرٍ، فلمّا كان يوم أحدٍ وانكشف المسلمون، قال: اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء - يعني المشركين - فلقيه سعدٌ دون أحدٍ، قال سعدٌ: فلم أستطع أن أفعل فعله، قال: فوجد فيه ثمانون طعنةً، من بين طعنةٍ برمحٍ، وضربةٍ بسيفٍ، ورميةٍ بسهمٍ، قال: فكنّا نقول فيه وفي أصحابه: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلًا} [الأحزاب: 23]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/218]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً (23) ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا}.
يقول تعالى ذكره: {من المؤمنين} باللّه ورسوله {رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} يقول: أوفوا بما عاهدوه عليه من الصّبر على البأساء والضّرّاء، وحين البأس {فمنهم من قضى نحبه} يقول: فمنهم من فرغ من العمل الّذي كان نذره اللّه وأوجبه له على نفسه، فاستشهد بعضٌ يوم بدرٍ وبعضٌ يوم أحدٍ وبعضٌ في غير ذلك من المواطن {ومنهم من ينتظر} قضاءه والفراغ منه، كما قضى من مضى منهم على الوفاء للّه بعهده، والنّصر من اللّه، والظّفر على عدوّه.
والنّحب: النّذر في كلام العرب، وللنّحب أيضًا في كلامهم وجوهٌ غير ذلك، منها الموت، كما قال الشّاعر:
قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر
يعني: منيّته ونفسه؛ ومنها الخطر العظيم.
كما قال جريرٌ:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا = عشيّة بسطامٍ جرين على نحب
أي على خطرٍ عظيمٍ؛ ومنها النّحيب، يقال: نحب في سيره يومه أجمع: إذا مدّ فلم ينزل يومه وليلته؛ ومنها التّنحيب، وهو الخطار، كما قال الشّاعر:
وإذ نحّبت كلبٌ على النّاس أيّهم = أحقّ بتاج الماجد المتكرّم
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني يزيد بن رومان، {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} أي وفّوا اللّه بما عاهدوه عليه {فمنهم من قضى نحبه} أي فرغ من عمله، ورجع إلى ربّه، كمن استشهد يوم بدرٍ ويوم أحدٍ {ومنهم من ينتظر} ما وعد اللّه من نصره والشّهادة على ما مضى عليه أصحابه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فمنهم من قضى نحبه} قال: عهده فقتل أو عاش {ومنهم من ينتظر} يومًا فيه جهادٌ، فيقضي نحبه عهده، فيقتل أو يصدق في لقائه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {فمنهم من قضى نحبه} قال: عهده {ومنهم من ينتظر} قال: يومًا فيه قتالٌ، فيصدق في اللّقاء.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن مجاهدٍ، {فمنهم من قضى نحبه} قال: مات على العهد.
- قال: حدّثنا أبو أسامة، عن عبد اللّه بن فلانٍ، قد سمّاه، ذهب عنّي اسمه، عن أبيه، {فمنهم من قضى نحبه} قال: نذره.
- قال: حدّثنا ابن إدريس، عن طلحة بن يحيى، عن عمّه، عيسى بن طلحة: أنّ أعرابيًّا، أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله: من الّذين قضوا نحبهم؟ فأعرض عنه، ثمّ سأله، فأعرض عنه، ودخل طلحة من باب المسجد وعليه ثوبان أخضران، فقال: هذا من الّذين قضوا نحبهم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، قوله {فمنهم من قضى نحبه} قال: موته على الصّدق والوفاء. {ومنهم من ينتظر} الموت على مثل ذلك، ومنهم من بدّل تبديلاً.
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروقٍ، عن مجاهدٍ، {فمنهم من قضى نحبه} ومنهم من ينتظر قال: النّحب: العهد.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه، فمنهم من قضى نحبه} على الصّدق والوفاء {ومنهم من ينتظر} من نفسه الصّدق والوفاء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {فمنهم من قضى نحبه} قال: مات على ما هو عليه من التّصديق والإيمان {ومنهم من ينتظر} ذلك.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي بكيرٍ، قال شريك بن عبد اللّه، أخبرناه عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {فمنهم من قضى نحبه} قال: الموت على ما عاهد اللّه عليه {ومنهم من ينتظر} الموت على ما عاهد اللّه عليه.
وقيل: إنّ هذه الآية نزلت في قومٍ لم يشهدوا بدرًا، فعاهدوا اللّه أن يفوا قتالاً للمشركين مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فمنهم من أوفى فقضى نحبه، ومنهم من بدّل، ومنهم من أوفى ولم يقض نحبه، وكان منتظرًا، على ما وصفهم اللّه به من صفاتهم في هذه الآية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، أنّ أنس بن النّضر تغيّب عن قتال بدرٍ، فقال: تغيّبت عن أوّل مشهدٍ شهده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لئن رأيت قتالاً ليرينّ اللّه ما أصنع؛ فلمّا كان يوم أحدٍ وهزم النّاس، لقي سعد بن معاذٍ فقال: واللّه إنّي لأجد ريح الجنّة، فتقدّم فقاتل حتّى قتل، فنزلت فيه هذه الآية: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن بكرٍ، قال: حدّثنا حميدٌ، قال: زعم أنس بن مالكٍ قال: غاب أنس بن النّضرٍ عن قتال يوم بدرٍ، فقال: غبت عن قتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين، لئن أشهدني اللّه قتالاً ليرينّ اللّه ما أصنع؛ فلمّا كان يوم أحدٍ انكشف المسلمون، فقال: اللّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المسلمين، فمشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذٍ، فقال: أي سعد، إنّي لأجد ريح الجنّة دون أحدٍ. فقال سعدٌ: يا رسول اللّه، فما استطعت أن أصنع ما صنع. قال أنس بن مالكٍ: فوجدناه بين القتلى به بضعٌ وثمانون جراحةً، بين ضربةٍ بسيفٍ، وطعنةٍ برمحٍ، ورميةٍ بسهمٍ، فما عرفناه حتّى عرفته أخته ببنانه. قال أنسٌ: فكنّا نتحدّث أنّ هذه الآية {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه، فمنهم من قضى نحبه} نزلت فيه، وفي أصحابه.
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه، قال: حدّثنا المعتمر، قال: سمعت حميدًا يحدّث، عن أنس بن مالكٍ، أنّ أنس بن النّضر غاب عن قتال بدرٍ، ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا طلحة بن يحيى، عن موسى، وعيسى ابني طلحة، عن طلحة، أنّ أعرابيًّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: وكانوا لا يجرءون على مسألته، فقالوا للأعرابيّ: سله {من قضى نحبه} من هو؟ فسأله، فأعرض عنه، ثمّ سأله، فأعرض عنه، ثمّ دخلت من باب المسجد وعليّ ثيابٌ خضرٌ؛ فلمّا رآني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أين السّائلي عمّن قضى نحبه؟ قال الأعرابيّ: أنا يا رسول اللّه، قال: هذا ممّن قضى نحبه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الحميد الحمّانيّ، عن إسحاق بن يحيى الطّلحيّ، عن موسى بن طلحة، قال: قام معاوية بن أبي سفيان فقال: إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: طلحة ممّن قضى نحبه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو بن تمّامٍ الكلبيّ، قال: حدّثنا سليمان بن أيّوب، قال: حدّثني أبي، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمّه موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة قال: لمّا قدمنا من أحدٍ وصرنا بالمدينة، صعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المنبر، فخطب النّاس وعزّاهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر، ثمّ قرأ: {رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} الآية، قال: فقام إليه رجلٌ فقال: يا رسول الله، من هؤلاء؟ فالتفت وعليّ ثوبان أخضران، فقال: أيّها السّائل هذا منهم.
وقوله: {وما بدّلوا تبديلاً} وما غيّروا العهد الّذي عاقدوا ربّهم تغييرًا، كما غيّره المعوّقون القائلون لإخوانهم: {هلمّ إلينا}، والقائلون: {إنّ بيوتنا عورةٌ}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وما بدّلوا تبديلاً} يقول: ما شكوا وما تردّدوا في دينهم، ولا استبدلوا به غيره.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {وما بدّلوا تبديلاً} لم يغيّروا دينهم كما غيّر المنافقون). [جامع البيان: 19/61-67]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فمنهم من قضى نحبه يعني عهده فقتل أو عاش ومنهم من ينتظر يقول ينتظر يوما فيه جهاد فيقضي نحبه يعني عهده بقتل أو صدق في لقاء العدو). [تفسير مجاهد: 516-517]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو الحسن محمّد بن عليّ بن بكرٍ العدل، ثنا الحسين بن الفضل البجليّ، ثنا شبابة بن سوّارٍ، حدّثني إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمّه موسى بن طلحة قال: بينا عائشة بنت طلحة تقول لأمّها أمّ كلثوم بنت أبي بكرٍ: أبي خيرٌ من أبيك فقالت عائشة أمّ المؤمنين: ألا أقضي بينكما إنّ أبا بكرٍ دخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «يا أبا بكرٍ أنت عتيق اللّه من النّار» قلت: فمن يومئذٍ سمّي عتيقًا، ودخل طلحة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنت يا طلحة ممّن قضى نحبه» صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/450]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت س) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: نرى هذه الآية نزلت في عمّي أنس بن النّضر {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} [الأحزاب: 23]. أخرجه البخاري.
وقد أخرج هو ومسلم، والترمذيّ هذا الحديث بأطول منه،وهو مذكورٌ في غزوة أحدٍ، من كتاب الغزوات، من حرف الغين). [جامع الأصول: 2/307]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا * ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما.
أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي، وابن أبي داود في المصاحف والبغوي، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال لما نسخنا المصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فألحقتها في سورتها في المصحف). [الدر المنثور: 12/5]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أنس رضي الله عنه قال نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} ). [الدر المنثور: 12/5]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي والبغوي في معجمه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله ما أصنع فشهد يوم أحد فاستقبله سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال يا أبا عمرو إلى لا أين قال واها لريح الجنة أجدها دون أحد فقاتل حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم ونزلت هذه الآية {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه). [الدر المنثور: 12/6]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أنس رضي الله عنه أن عمه غاب عن قتال بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله النّبيّ صلى الله عليه وسلم المشركين لئن أشهدني الله تعالى قتالا للمشركين ليرين الله كيف أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المشركون فقال اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعنى المشركون واعتذر إليك مما صنع هؤلاء عنى أصحابه ثم تقدم فلقيه سعد رضي الله عنه فقال يا أخي ما فعلق فأنا معك فلم أستطع أن اصنع ما صنع فوجد فيه بضعا وثمانين من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم فكنا نقول فيه وفي أصحابه نزلت {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} ). [الدر المنثور: 12/6-7]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو مقتول فوقف عليه ودعا له ثم قرأ {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} ثم قال أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فائتوهم وزوروهم فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه). [الدر المنثور: 12/7]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أبي ذر رضي الله عنه قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مر على مصعب بن عمير رضي الله عنه مقتولا على طريقه فقرأ {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}.
وأخرج ابن مردويه من طريق خباب رضي الله عنه مثله). [الدر المنثور: 12/7-8]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي عاصم والترمذي وحسنه وأبو يعلى، وابن جرير والطبراني، وابن مردويه عن طلحة رضي الله عنه أن أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا لا عرابي جاهل سله عمن قضى نحبه من هو وكانوا لا يجترؤن على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الإعرابي فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم إني انطلقت من باب المسجد فقال أين السائل عمن قضى نحبه قال الإعرابي أنا قال هذا ممن قضى نحبه). [الدر المنثور: 12/8]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال لما رجع النّبيّ صلى الله عليه وسلم من أحمد صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قرأ هذه الآية {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} كلها فقام إليه رجل فقال يا رسول الله من هؤلاء فأقبلت فقال أيا السائل هذا منهم). [الدر المنثور: 12/8]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن معاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول طلحة ممن قضى نحبه). [الدر المنثور: 12/8-9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل طلحة رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا طلحة أنت ممن قضى نحبه). [الدر المنثور: 12/9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى، وابن المنذر وأبو نعيم، وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة.
وأخرج ابن مردويه من حديث جابر بن عبد الله عنه، مثله). [الدر المنثور: 12/9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن منده، وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت دخل طلحة بن عبيد الله على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا طلحة، أنت ممن قضى نحبه). [الدر المنثور: 12/9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ، وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه انهم قالوا: حدثنا عن طلحة قال: ذاك امروء نزل فيه آية من كتاب الله {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل). [الدر المنثور: 12/9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} وآخرون {وما بدلوا تبديلا} ). [الدر المنثور: 12/10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {فمنهم من قضى نحبه} قال: الموت على ما عاهدوا الله عليه {ومنهم من ينتظر} على ذلك). [الدر المنثور: 12/10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما ان نافع بن الأزرق سأله عن قوله {قضى نحبه} قال: أجله الذي قدر له، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول * أنحب فيقضى أم ضلال وباطل). [الدر المنثور: 12/10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {فمنهم من قضى نحبه} قال: عهده {ومنهم من ينتظر} يوما فيه جهاد فيقضى نحبه يعني عهده بقتال أو صدق في لقاء). [الدر المنثور: 12/10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري، وابن مردويه عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب الآن نغزوهم ولا يغزونا). [الدر المنثور: 12/11]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال حبسنا يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كان بعد العشاء بهك كفينا ذلك، فأنزل الله {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام ثم صلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك ثم أقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك ثم أقام العشاء فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} البقرة الآية 239). [الدر المنثور: 12/11]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه عن عيسى بن طلحة قال: دخلت على أم المؤمنين وعائشة بنت طلحة وهي تقول لأمها أسماء: أنا خير منك وأبي خير من أبيك فجعلت أسماء تشتمها وتقول: أنت خير مني فقالت عائشة رضي الله عنها: ألا أقضين بينكما قالت: بلى، قالت: فان أبا بكر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أنت عتيق من النار قالت: فمن يومئذ سمى عتيقا ثم دخل طلحة رضي الله عنه فقال: أنت يا طلحة ممن قضى نحبه). [الدر المنثور: 12/11-12]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن اللهف عن أبيه رضي الله عنه في قوله {فمنهم من قضى نحبه} قال: نذره وقال الشاعر: قضت من يثرب نحبها فاستمرت). [الدر المنثور: 12/12]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله {فمنهم من قضى نحبه} قال: مات على ما هو عليه من التصديق والايمان {ومنهم من ينتظر} ذلك {وما بدلوا تبديلا} ولم يغيروا كما غير المنافقون). [الدر المنثور: 12/12]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه} على الصدق والوفاء {ومنهم من ينتظر} من نفسه الصدق والوفاء {وما بدلوا تبديلا} يقول: ما شكوا ولا ترددوا في دينهم ولا استبدلوا به غيره {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} قال: يميتهم على نفاقهم فيوجب لهم العذاب أو يتوب عليهم قال: يخرجهم من النفاق بالتوبة حتى يموتوا وهم تائبون من النفاق فيغفر لهم). [الدر المنثور: 12/13]

تفسير قوله تعالى: (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم قال يعذبهم إن شاء أو يخرجهم من النفاق إلى الإيمان). [تفسير عبد الرزاق: 2/115]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم} يقول تعالى ذكره {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه}؛ {ليجزي اللّه الصّادقين} منهم {بصدقهم} يقول: ليثيب اللّه أهل الصّدق منهم بصدقهم اللّه بما عاهدوه عليه، ووفائهم له به {ويعذّب المنافقين إن شاء} بكفرهم باللّه ونفاقهم {أو يتوب عليهم} من نفاقهم، فيهديهم للإيمان.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} يقول: إن شاء أخرجهم من النّفاق إلى الإيمان.
إن قال قائلٌ: ما وجه الشّرط في قوله {ويعذّب المنافقين} بقوله: {إن شاء} والمنافق كافرٌ، وهل يجوز أن لا يشاء تعذيب المنافق، فيقال: ويعذّبه إن شاء؟
قيل: إنّ معنى ذلك على غير الوجه الّذي توهّمته. وإنّما معنى ذلك: ويعذّب المنافقين بأن لا يوفّقهم للتّوبة من نفاقهم حتّى يموتوا على كفرهم إن شاء، فيستوجبوا بذلك العذاب، فالاستثناء إنّما هو من التّوفيق لا من العذاب إن ماتوا على نفاقهم.
وقد بيّن ما قلنا في ذلك قوله: {أو يتوب عليهم} فمعنى الكلام إذن: ويعذّب المنافقين إذ لم يهدهم للتّوبة، فيوفّقهم لها، أو يتوب عليهم فلا يعذّبهم.
وقوله: {إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا} يقول: إنّ اللّه كان ذا سترٍ على ذنوب التّائبين، رحيمًا بالتّائبين أن يعاقبهم بعد التّوبة). [جامع البيان: 19/68-69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه} على الصدق والوفاء {ومنهم من ينتظر} من نفسه الصدق والوفاء {وما بدلوا تبديلا} يقول: ما شكوا ولا ترددوا في دينهم ولا استبدلوا به غيره {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} قال: يميتهم على نفاقهم فيوجب لهم العذاب أو يتوب عليهم قال: يخرجهم من النفاق بالتوبة حتى يموتوا وهم تائبون من النفاق فيغفر لهم). [الدر المنثور: 12/13] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 جمادى الأولى 1434هـ/4-04-2013م, 12:41 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرًا} [الأحزاب: 21] وهذا الذّكر تطوّعٌ، ليس فيه وقتٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/709]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لّقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ...}

كان عاصم بن أبي النجود يقرأ (أسوة) برفع الألف في كلّ القرآن, وكان يحيى بن وثّاب يرفع بعضاً ويكسر بعضاً, وهما لغتان: الضم في قيس, والحسن , وأهل الحجاز يقرءون (إسوةٌ) بالكسر في كلّ القرآن لا يختلفون.
ومعنى الأسوة : أنهم تخلّفوا عنه بالمدينة يوم الخندق , و هم في ذلك يحبّون أن يظفر النبي صلى الله عليه وسم إشفاقاً على بلدتهم، فقال: لقد كان في رسول الله أسوة حسنة إذ قاتل يوم أحد, وذلك أيضاً قوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} فهم في خوف وفرق {وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب} : يقول في غير المدينة, وفي قراءة عبد الله : (يحسبون الأحزاب قد ذهبوا، فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودّوا لو أنهم بادون في الأعراب).
وقوله: {لّمن كان يرجو اللّه} خصّ بها المؤمنين, ومثله في الخصوص قوله: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} : هذا {لمن اتّقى} قتل الصيّد). [معاني القرآن: 2/339]

تفسير قوله تعالى:{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22]
[تفسير القرآن العظيم: 2/709]
يعنون الآية في سورة البقرة، وقد فسّرناه قبل هذا الموضوع.
{وصدق اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22] قال اللّه: {وما زادهم إلا إيمانًا} [الأحزاب: 22] وتصديقًا.
{وتسليمًا} [الأحزاب: 22] لأمر اللّه.
وتفسير الكلبيّ أنّ الأحزاب لمّا خرجوا من مكّة أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالخندق أن يحفر، فقالوا: يا رسول اللّه، وهل أتاك من خبرٍ؟ قال: نعم، فلمّا حفر الخندق وفرغ منه أتاهم الأحزاب، فلمّا رآهم المؤمنون{قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب...}

صدّقوا , فقالوا : {هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} , كان النبي عليه السلام , قد أخبرهم بمسيرهم إليه فذلك قوله: {وما زادهم إلاّ إيماناً وتسليماً} , ولو كانت: وما زادوهم , يريد الأحزاب.
وقوله: {وما زادهم إلاّ إيماناً}: أي: ما زادهم النظر إلى الأحزاب إلاّ إيماناً.
وقال في سورة أخرى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً} , ولو كانت: ما زادكم إلا خبالاً , كان صواباً، يريد: ما زادكم خروجهم إلاّ خبالاً, وهذا من سعة العربيّة التي تسمع بها.). [معاني القرآن: 2/340]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانا وتسليما (22)}
فوصف اللّه حال المنافقين في حرب الكافرين , وحال المؤمنين في حرب الكافرين.
فوصف المنافقين بالفشل , والجبن , والروغان , ووالمسارعة إلى الفتنة , والزيادة في الكفر، ووصف المؤمنين بالثبوت عند الخوف في الإيمان، فقال:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانا وتسليما (22)}
والوعد : أن اللّه قال لهم: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب (214)}
فكذلك لمّا ابتلي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وزلزلوا زلزالا شديدا , علموا أن الجنّة والنصر قد وجبا لهم.). [معاني القرآن: 4/221-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم خبر تعالى بما يقول المؤمنون فقال: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله}
وقيل الذي وعدهم في قوله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء} , كذا قال قتادة .
وقال يزيد بن رومان : (الأحزاب : قريش وغطفان)). [معاني القرآن: 5/337-338]

تفسير قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} [الأحزاب: 23] حيث بايعوه على أن لا يفرّوا، وصدقوا في لقائهم العدوّ، وذلك يوم أحدٍ.
{فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] وتفسير مجاهدٍ: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] عهده فقتل أو عاش.
{ومنهم من ينتظر} [الأحزاب: 23] يومًا فيه قتالٌ فيقضي نحبه، عهده، فيقتل أو يصدق في لقائه.
وبعضهم يقول: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] أجله، يعني: من قتل يومئذٍ: حمزة وأصحابه.
{ومنهم من ينتظر} [الأحزاب: 23] أجله.
وقال السّدّيّ: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23]، يعني: أتمّ أجله.
قال: {وما بدّلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] كما بدّل المنافقون). [تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {مّن المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه...}

رفع الرجال بـ (من) , {فمنهم مّن قضى نحبه}: أجله, وهذا في حمزة , وأصحابه.). [معاني القرآن: 2/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فمنهم من قضى نحبه}: أي: نذره الذي كان نحب , أي: نذر , والنحب أيضاً النفس , أي: الموت , وجعله جرير : الخطر العظيم فقال:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا= عشيّة بسطامٍ جرين على نحب
أي: خطر عظيم، قال : ومنه التنحيب , قال الفرزدق:
وإذ نحبّت كلبٌ على الناس أيّهم= أحقٌّ بتاجٍ الماجد المتكرّم
وقال ذو الرمة:
= قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر=
أي : نفسه , وإنما هو يزيد بن هوبر , ويقال: نحب في سيره يومه أجمع ؛ إذا مدًّ فلم ينزل وليلته جميعاً). [مجاز القرآن: 2/135-136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({قضى نحبه}: نذره والنحب أيضا النفس). [غريب القرآن وتفسيره: 303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({من قضى نحبه} : أي قتل و أ صل «النحب»: النذر, وكان قوم نذروا إن لقوا العدوّ أن يقاتلوا حتى يقتلوا , أو يفتح اللّه، فقتلوا.
فقيل: فلان قضي نحبه، إذا قتل.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أي قُتِل، والنَّحْبُ: النَّذر.
[تأويل مشكل القرآن: 183]
وأصل هذا: أنّ رجالا من أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، نذروا إن لقوا العدوّ ليصدقنّ القتال أو ليقتلنّ، هذا أو نحوه، فقتلوا، فقيل لمن قتل: قَضَى نَحْبَه. واستعير النَّحب مكان الأجل، لأن الأجل وقع بالنّحب، وكان النّحب له سبباً.
ومنه قيل للعطية: المنُّ، لأنّ من أعطى فقد مَنَّ. قال الله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} أي لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت.
وقال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ}، أي فأعط أو أمسك.
وقوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} مردود إلى قوله: هذا عطاؤنا بغير حساب). [تأويل مشكل القرآن: 184]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا (23)}
المعنى : أنهم عاهدوا في الإسلام , فأقاموا على عهدهم.
وموضع (ما) نصب بـ (صدقوا).
{فمنهم من قضى نحبه}:أي : أجله , ولم يبدّل.
وهو قوله:{وما بدّلوا تبديلاً}
فالمعنى : أنّه مات على دينه غير مبدّل.). [معاني القرآن: 4/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}
يقال صدقت العهد , أي : وفيته , ثم قال جل وعز: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}
روى سعيد بن مسروق , عن مجاهد , قال: (نحبه : عهده) .
وروى خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس :{فمنهم من قضى نحبه }(قال : مات على ما عاهد عليه , ومنهم من ينتظر ذلك) .
قال أبو جعفر : حكى أهل اللغة : أن النحب : العهد , والنفس , والخطر العظيم , وأشهرها : أن النحب العهد , كما قال مجاهد.
ويصححه : أنه يروى : أن قوما جعلوا على أنفسهم إن لاقوا العدو أن يصدقوا القتال حتى يقتلوا , أو يفتح الله جل وعز عليهم.
فالمعنى : فمنهم من قضى أجله : وسمي الأجل عهدا لأنه على العهد كان , أو قضى عهده .
ثم قال تعالى: {وما بدلوا تبديلا} : أي: وما بدلوا دينهم تبديلاً.). [معاني القرآن: 5/338-340]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَّن قَضَى نَحْبَهُ}: أي: قتل.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَحْبَهُ}: أجله.).[العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم} [الأحزاب: 24]، يعني: المؤمنين، تفسير السّدّيّ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قال: {بصدقهم} [الأحزاب: 24] يجزيهم الجنّة.
{ويعذّب المنافقين إن شاء} [الأحزاب: 24] فيموتوا على نفاقهم فيعذّبهم.
{أو يتوب عليهم} [الأحزاب: 24] فيرجعوا من نفاقهم.
{إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 24] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/711]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إنّ اللّه كان غفورا رحيما (24)}

أي: ليجزي الذين صدقوا في عهدهم، والمنافقون كذبوا في عهدهم ؛ لأنهم أظهروا الإسلام , وأبطنوا الكفر.
وقوله تعالى: {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم}: أي : أو ينقلهم من النفاق إلى الإيمان.). [معاني القرآن: 4/222-223]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 جمادى الأولى 1434هـ/4-04-2013م, 12:42 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
ولم يكن لجراحي فيكم آس
يقول: مداوٍ، الآسي: الطبيب، قال الفرزدق يصف شجة:
إذا نظر الآسون فيها تقلبت = حماليقهم من هول أنيابها العصل
والإساء الدواء، ممدودٌ، وقال الحطيئة:
هم الآسون أم الرأس لما = تواكلها الأطبة والإساءُ
فأما الأسى فمقصور، وهو: الحزن، ومن ذلك قول الله جل ثناؤه: {فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} وقال العجاج:
يا صاح هل تعرف رسمًا مكرسا = قال نعم أعرفهُ، وأبلسا5
وانحلبت عيناه من فرط الأسى
فإذا قلت: "الأسى" قصرت أيضًا، وهو جمع أسوة، يقال فلان أسوتي وقدوتي. قال الله جل وعزَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ). [الكامل: 2/722-723] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) }

تفسير قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (أبو عمرو: ..... غيره: النحب الموت من قول الله تعالى: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر}). [الغريب المصنف: 3/968]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث طلحة رحمه الله
حين قال لابن عباس رحمه الله: «هل لك أن أناحبك وترفع النبي صلى الله عليه وسلم».
هو من حديث هشيم عن خالد بن صفوان عن آخر قد سماه.
قوله: أناحبك، قال الأصمعي: ناحبت الرجل: إذا حاكمته أو قاضيته إلى رجل.
وأصل النحب: النذر والشيء يجعله الإنسان على نفسه قال لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول = أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
يقول: أعليه نذر في طول سعيه؟ ويروى في قول الله تبارك وتعالى: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} إن ذلك نزل في قوم كانوا تخلفوا
عن بدر فجعلوا على أنفسهم لئن لقوا العدو ثانية ليقاتلن حتى يموتوا، فقتلوا أو قتل بعضهم يوم أحد، ففيهم نزلت: {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} ). [غريب الحديث: 5/12-14]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 05:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 05:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر تبارك وتعالى على جهة الموعظة بأن كل مسلم ومدع في الإسلام يجب أن يقتدي بمحمد عليه الصلاة والسلام حين قاتل وصبر وجاد بنفسه. وقرأ جمهور الناس: "إسوة" بكسر الهمزة، وقرأ عاصم وحده: "أسوة" بضم الهمزة، وهما لغتان، معناها: قدوة، وتأسى الرجل إذا اقتدى، و"رجاء الله تعالى" تابع للمعرفة به، و"رجاء اليوم الآخر" ثمرة العمل الصالح، و"ذكر الله كثيرا" من خير الأعمال، فنبه عليه.
وفي مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "يحسبون الأحزاب قد ذهبوا، فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودوا لو أنهم بادون في الأعراب"). [المحرر الوجيز: 7/ 104]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما * من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا * ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما}
وصف الله تعالى المؤمنين حين رأوا تجمع الأحزاب لحربهم، وصبرهم على البلاء، وتصديقهم وعد الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، واختلف المتأولون ماذا أرادوا بوعد الله ورسوله؟، فقالت فرقة: أرادوا ما أعلمهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بحفر الخندق، فإنه أعلمهم بأنهم سيحصرون، وأمرهم بالاستعداد لذلك، وبأنهم سينصرون بعد ذلك، فلما رأوا الأحزاب قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، فسلموا لأول الأمر وانتظروا أجره.
وقالت فرقة: أرادوا بوعد الله ما نزل في سورة البقرة، من قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.
ويحتمل أن يكون المؤمنون نظروا في هذه الآية، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أمرهم بحفر الخندق، وأشاروا بالوعد إلى جميع ذلك، وهي مقالتان، إحداهما من الله تعالى، والأخرى من رسوله صلى الله عليه وسلم.
وزيادة الإيمان هي في أوصافه لا في ذاته; لأن ثبوته وإبعاد الشكوك عنه والشبه زيادة في أوصافه، ويحتمل أن يزيد إيمانهم بما وقع، وبما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يقع، فتكون الزيادة - بهذا الوجه - فيمن يؤمن به لا في نفس الإيمان. وقرأ ابن أبي عبلة: "وما زادوهم" بواو جمع.
و"التسليم": الانقياد لأمر الله تعالى كيف جاء، ومن ذلك ما ذكرناه من أن المؤمنين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند اشتداد ذلك الخوف: إن هذا أمر عظيم، فهل من شيء نقوله؟ فقال: "قولوا: اللهم آمن روعاتنا، واستر عيوبنا"، فقالها المسلمون في تلك الضيقات). [المحرر الوجيز: 7/ 104-105]

تفسير قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) :(ثم أثنى الله عز وجل على رجال من المؤمنين عاهدوا الله تعالى على الاستقامة التامة فوفوا وقضوا نحبهم، أي نذرهم وعهدهم، والنحب -في كلام العرب-: النذر، والشيء الذي يلتزمه الإنسان ويعتقد الوفاء به، ومنه قول الشاعر:
قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر.
المعنى أنه التزم الصبر إلى فتح أو موت فمات، ومن ذلك قول جرير:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا ... عشية بسطام جرين على نحب
أي: على أمر عظيم التزم القيام به، كأنه خطر عظيم.
وقد يسمى الموت نحبا، وبه فسر ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآية، وقال الحسن: "قضى نحبه": مات على عهد، ويقال للذي جاهد في أمر حتى مات: قضى نحبه، ويقال لمن مات: قضى فلان نحبه، وهذا تجوز، كأن الموت أمر لابد للإنسان أن يقع به فسمي نحبا لذلك.
فممن سمى المفسرون أنه أشير إليه بهذه الآية أنس بن النضر، عم أنس بن مالك، وذلك أنه غاب عن بدر، فساءه ذلك وقال: لئن شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا ليرين الله ما أصنع، فلما كانت أحد أبلى بلاء حسنا حتى قتل، ووجد فيه نيف على ثمانين جرحا، فقالت فرقة: إن هذه الإشارة هي إلى أنس بن النضر ونظرائه ممن استشهد في ذات الله تعالى. وقال مقاتل والكلبي: الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه هم أهل العقبة السبعون أهل البيعة. وقالت فرقة: الموصوفون بقضاء النحب هم جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفوا بعهود الإسلام على التمام، فالشهداء منهم، والعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم، إلى من حصل في هذه المرتبة ممن لم ينص عليه، ويصحح هذه المقالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على المنبر، فقال له أعرابي: يا رسول الله، من الذي قضى نحبه؟ فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم دخل طلحة بن عبيد الله على باب المسجد، وعليه ثوبان أخضران، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين السائل؟ فقال: هأنذا ذا يا رسول الله، قال: هذا ممن قضى نحبه. فهذا أدل دليل على أن النحب ليس من شروطه الموت. وقال معاوية بن أبي سفيان: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " طلحة ممن قضى نحبه"، وروت هذا المعنى عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: {ومنهم من ينتظر}، يقول: ومنهم من ينتظر الحصول في أعلى مراتب الإيمان والصلاح، وهو بسبيل ذلك، وما بدلوا وما غيروا، ثم أكد بالمصدر. وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما على منبر البصرة: "ومنهم من بدل تبديلا"، رواه عنه أبو نصرة.
وروى عنه عمرو بن دينار: "ومنهم من ينتظر وآخرون بدلوا تبديلا"). [المحرر الوجيز: 7/ 106-108]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واللام في قوله سبحانه: {ليجزي الله} لام الصيرورة والعاقبة، ويحتمل أن تكون لام كي، وتعذيب المنافقين ثمرة إدامتهم الإقامة على النفاق إلى موتهم، والتوبة موازية لتلك الإدامة، وثمرة التوبة تركهم دون عذاب، فهما درجتان: إدامة على نفاق، أو توبة منه، وعنهما ثمرتان: تعذيب أو رحمة، فذكر تعالى - على جهة الإيجاز - واحدة من هذين، وواحدة من هذين، ودل ما ذكر على ما ترك ذكره. ويدلك على أن معنى قوله: "ليعذب": ليديم على النفاق قوله: "إن شاء" ومعادلته بالتوبة وبحرف "أو"، ولا يجوز أحد أن "إن شاء" يصح في تعذيب منافق على نفاقه، بل قد حتم الله على نفسه بتعذيبه).[المحرر الوجيز: 7/ 108]

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 08:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 08:25 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرًا (21) ولـمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانًا وتسليمًا (22) }
هذه الآية الكريمة أصلٌ كبيرٌ في التّأسّي برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر النّاس بالتّأسّي بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربّه، عزّ وجلّ، صلوات اللّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدّين؛ ولهذا قال تعالى للّذين تقلّقوا وتضجّروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ} أي: هلّا اقتديتم به وتأسّيتم بشمائله؟ ولهذا قال: {لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرًا}). [تفسير ابن كثير: 6/ 391]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى مخبرًا عن عباده المؤمنين المصدّقين بموعود اللّه لهم، وجعله العاقبة حاصلةً لهم في الدّنيا والآخرة، فقال: {ولـمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله}.
قال ابن عبّاسٍ وقتادة: يعنون قوله تعالى في "سورة البقرة" {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولـمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214].
أي هذا ما وعدنا اللّه ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الّذي يعقبه النّصر القريب؛ ولهذا قال: {وصدق اللّه ورسوله}.
وقوله: {وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا}: دليلٌ على زيادة الإيمان وقوّته بالنّسبة إلى النّاس وأحوالهم، كما قاله جمهور الأئمّة: إنّه يزيد وينقص. وقد قرّرنا ذلك في أوّل "شرح البخاريّ" وللّه الحمد والمنّة.
ومعنى قوله: {وما زادهم} أي: ذلك الحال والضّيق والشّدّة [ما زادهم] {إلا إيمانًا} باللّه، {وتسليمًا} أي: انقيادًا لأوامره، وطاعة لرسوله). [تفسير ابن كثير: 6/ 391-392]

تفسير قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلًا (23) ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا (24) }
لـمّا ذكر عن المنافقين أنّهم نقضوا العهد الّذي كانوا عاهدوا اللّه عليه لا يولّون الأدبار، وصف المؤمنين بأنّهم استمرّوا على العهد والميثاق و {صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه}، قال بعضهم: أجله.
وقال البخاريّ: عهده. وهو يرجع إلى الأوّل.
{ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا} أي: وما غيّروا عهد اللّه، ولا نقضوه ولا بدّلوه.
قال البخاريّ: حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابتٍ، عن أبيه قال: لمّا نسخنا الصّحف، فقدت آيةً من "سورة الأحزاب" كنت أسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرؤها، لم أجدها مع أحدٍ إلّا مع خزيمة بن ثابتٍ الأنصاريّ -الّذي جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلين -: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه}
انفرد به البخاريّ دون مسلمٍ. وأخرجه أحمد في مسنده، والتّرمذيّ والنّسائيّ -في التّفسير من سننيهما -من حديث الزّهريّ، به. وقال التّرمذيّ: "حسنٌ صحيحٌ".
وقال البخاريّ أيضًا: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاريّ، حدّثني أبي، عن ثمامة، عن أنس بن مالكٍ قال: نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النّضر: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه}.
انفرد به البخاريّ من هذا الوجه، ولكن له شواهد من طرقٍ آخر. قال الإمام أحمد:
حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابتٍ قال: قال أنسٌ: عمي أنس بن النّضر سميت به، لم يشهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ، فشقّ عليه وقال: أوّل مشهدٍ شهده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غيّبت عنه، لئن أراني اللّه مشهدًا فيما بعد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليرين اللّه ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [يوم] أحدٍ، فاستقبل سعد بن معاذٍ فقال له أنسٌ يا أبا عمرٍو، أبن. واهًا لريح الجنّة أجده دون أحدٍ، قال: فقاتلهم حتّى قتل قال: فوجد في جسده بضعٌ وثمانون من ضربةٍ وطعنةٍ ورميةٍ، فقالت أخته -عمّتي الرّبيّع ابنة النّضر -: فما عرفت أخي إلّا ببنانه. قال: فنزلت هذه الآية: {رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا}. قال: فكانوا يرون أنّها نزلت فيه، وفي أصحابه.
ورواه مسلمٌ والتّرمذيّ والنّسائيّ، من حديث سليمان بن المغيرة، به. ورواه النّسائيّ أيضًا وابن جريرٍ، من حديث حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، به نحوه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنانٍ، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا حميدٌ، عن أنسٍ أنّ عمّه -يعني: أنس بن النّضر -غاب عن قتال بدر، فقال: غيّبت عن أوّل قتالٍ قاتله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين، لئن اللّه أشهدني قتالًا للمشركين، ليرينّ اللّه ما أصنع. قال: فلمّا كان يوم أحدٍ انكشف المسلمون، فقال: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء -يعني: أصحابه -وأبرأ إليك ممّا جاء هؤلاء -يعني: المشركين -ثمّ تقدّم فلقيه سعدٌ -يعني: ابن معاذٍ -دون أحدٍ، فقال: أنا معك. قال سعدٌ: فلم أستطع أن أصنع ما صنع. قال: فوجد فيه بضعٌ وثمانون ضربة سيفٍ، وطعنة رمحٍ، ورمية سهمٍ. وكانوا يقولون: فيه وفي أصحابه [نزلت]: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر}
وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن عبد بن حميدٍ، والنّسائيّ فيه أيضًا، عن إسحاق بن إبراهيم، كلاهما، عن يزيد بن هارون، به، وقال التّرمذيّ: حسنٌ. وقد رواه البخاريّ في المغازي، عن حسّان بن حسّان، عن محمّد بن طلحة بن مصرّف، عن حميدٍ، عن أنسٍ، به، ولم يذكر نزول الآية. ورواه بن جريرٍ، من حديث المعتمر بن سليمان، عن حميد، عن أنس، به.سب
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن الفضل العسقلانيّ، حدّثنا سليمان بن أيّوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد اللّه، حدّثني أبي، عن جدّي، عن موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة قال: لمّا أن رجع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من أحدٍ، صعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، وعزّى المسلمين بما أصابهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذّخر، ثمّ قرأ هذه الآية: {رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه}. فقام إليه رجلٌ من المسلمين فقال: يا رسول اللّه، من هؤلاء؟ فأقبلت وعليّ ثوبان أخضران حضرميّان فقال: "أيّها السّائل، هذا منهم".
وكذا رواه ابن جريرٍ من حديث سليمان بن أيّوب الطّلحي، به. وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير والمناقب أيضًا، وابن جريرٍ، من حديث يونس بن بكير، عن طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى ابني طلحة، عن أبيهما، به. وقال: حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلّا من حديث يونس.
وقال أيضًا: حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، حدّثنا أبو عامرٍ -يعني: العقديّ -حدّثني إسحاق -يعني: ابن طلحة بن عبيد اللّه -عن موسى بن طلحة قال: [دخلت على معاوية، رضي اللّه عنه، فلمّا خرجت، دعاني فقال: ألا أضع عندك يا بن أخي حديثًا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ أشهد لسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "طلحة ممّن قضى نحبه".
ورواه ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عبد الحميد الحمّاني، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة الطّلحي، عن موسى بن طلحة قال]: قام معاوية بن أبي سفيان فقال: إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "طلحة ممّن قضى نحبه".
ولهذا قال مجاهدٌ في قوله: {فمنهم من قضى نحبه} قال: عهده، {ومنهم من ينتظر} قال: يوما.
وقال الحسن: {فمنهم من قضى نحبه} يعني: موته على الصّدق والوفاء. {ومنهم من ينتظر} الموت على مثل ذلك، ومنهم من لم يبدّل تبديلًا. وكذا قال قتادة، وابن زيدٍ.
وقال بعضهم: {نحبه} نذره.
وقوله: {وما بدّلوا تبديلا} أي: وما غيّروا عهدهم، وبدّلوا الوفاء بالغدر، بل استمرّوا على ما عاهدوا اللّه عليه، وما نقضوه كفعل المنافقين الّذين قالوا: {إنّ بيوتنا عورةٌ وما هي بعورةٍ إن يريدون إلا فرارًا}، {ولقد كانوا عاهدوا اللّه من قبل لا يولّون الأدبار}). [تفسير ابن كثير: 6/ 392-395]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} أي: إنّما يختبر عباده بالخوف والزّلزال ليميز الخبيث من الطّيّب، فيظهر أمر هذا بالفعل، وأمر هذا بالفعل، مع أنّه تعالى يعلم الشّيء قبل كونه، ولكن لا يعذّب الخلق بعلمه فيهم، حتّى يعملوا بما يعلمه فيهم، كما قال تعالى: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم} [محمّدٍ: 31]، فهذا علمٌ بالشّيء بعد كونه، وإن كان العلم السّابق حاصلًا به قبل وجوده. وكذا قال تعالى: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} [آل عمران: 179]. ولهذا قال هاهنا: {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم} أي: بصبرهم على ما عاهدوا اللّه عليه، وقيامهم به، ومحافظتهم عليه. {ويعذّب المنافقين}: وهم النّاقضون لعهد اللّه، المخالفون لأوامره، فاستحقّوا بذلك عقابه وعذابه، ولكن هم تحت مشيئته في الدّنيا، إن شاء استمرّ بهم على ما فعلوا حتّى يلقوه به فيعذّبهم عليه، وإن شاء تاب عليهم بأن أرشدهم إلى النّزوع عن النّفاق إلى الإيمان، وعمل الصّالح بعد الفسوق والعصيان. ولـمّا كانت رحمته ورأفته بخلقه هي الغالبة لغضبه قال: {إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا}). [تفسير ابن كثير: 6/ 395]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 05:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة