بابُ من المضمونة "الميم"
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (بابُ "من" المضمونة "الميم" اعلم أنها حرف جر تخفض المقسم به "كالباء" و"الواو"، إلا، أنه اختص بالدخول على "الرب"، كما اختصت "التاء" بالدخول على الله، ويجوز في "نونها" الإظهارُ والإدغامُ مع "راء" "رب".
هذا قول بعضهم، والأظهرُ عندي أن تكون اسمًا مقتطعةً من "ايمن" التي هي اليمن عند سيبويه رحمه الله، وجمع "يمين" عند الفراء، إذا قالوا: "ايمن" الله لأفعلن، لوجهين:
أحدهما: أن معنى "من ربي" و"ايمن الله" واحد، وليس حرف جر، لأنها لو كانت حرف جر لأوصلت ما بعدها إلى ما قبلها، ولا يستقيم هنا أيضًا لها لفساد المعنى.
والثاني: أنا وجدنا "ايمن" يحذف منها "النون"، فيقال: «"ايم" الله»، و"الألف" و"الياء" و"النون"، فيقال: "ايم" الله، بالفتح والضم والكسر، فلا يبعدُ أن تحذف "ألفها" و"ياؤها"، فتبقى "من"، فيكون هذا الحذف من التصرف فيها به، كما تصرف فيها بغيره من الحذف، إلا أنها لما لزمت الرفع بالابتداء في القسم لا غير واتصلت بالمقسم به اجتمعت ضمة "ميمها" مع ضمة "نونها" مع حركة ما بعدها فجرت مجرى طنُبُ وعُنُق فخففت بالسكون، فقيل: "مُن"، كما قيل: طُنْب وعُنْق، ولذلك جاز إظهار "نونها" مع "الراء" دلالةً على أصل التحريك، كما قال بعضهم في قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} على قراءة قنبل: إن الأصل في «يَصْبِرْ» الضم، ولكنه سُكن لما حصلت "الراء" مضمومة بين "الباء" المكسورة و"الفاء" فصار خروجٌ من كسرٍ إلى ضمٍ فثقل، فخفف تخفيف: عضد، وكذلك قول امرئ القيس:
فاليوم أشرب غيرُ مستحقبٍ ..... .... .... .... ....
إن "الباء" من «أشرب» لما حصلت بين "الراء" المتحركة و"الغين"، فخففت لاجتماع الحركات، وأشبه شيء بـ "مُنْ": "هنُ" في مثل قول الشاعر:
.... .... .... .... ..... وقد بدا هنك من المئزر
لأنه محذوفٌ مثلها، "و" على حرفين مثلها، ومضافٌ مثلها، فهذا وجهٌ.
ولنا أن نقول بكثرة إضافتها وبكثرة الاقتطاع منها صارت تشبه الحروف فسكنت إجراءً لها مجرى "مُذ" فهذا وجه آخر، وإنما ذكرتها في الحروف، لأن أكثر الناس جعلها حرفًا، والصحيح فيها أنها اسمٌ لما ذكرتُ لك، فاعلمه).[رصف المباني:326 - 327]