قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((رجالاً كثيرًا ونساء) [1] وقف حسن. (واتقوا الله الذي تساءلون به) الوقف على (به) غير تام لأن (الأرحام) منسوقة على (الله) تعالى. وكذلك من قرأها: (والأرحام) خفضها على النسق على الهاء كأنه قال «به والأرحام»، كما تقول: «أسألك بالله والرحم» الوقف على (الأرحام) حسن.)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/592]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): ({رجالاً كثيرًا ونساءً} تام، وقيل: كاف. {تساءلون به والأرحام} كاف، وآخر الآية {رقيبا} أكفى. ومن خفض (والأرحام) بالعطف على الهاء التي في (به) على مذهب الكوفيين كما يقال: أسألك بالله والرحم، لم يقف على (به) ومن خفض ذلك على القسم بمعنى: ورب الأرحام، كما قال عز وجل: {والطور}، {والتين} {والفجر} {والشمس}، وشبه ذلك مما أقسم به من المخلوقات ابتدأ بقوله: {والأرحام} ووقف على (به) لأن القسم موضع استئناف. وأما من نصب (والأرحام) فلا يقف على (به) لأنها معطوفة على ما قبلها بتأويل: واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
حدثنا أحمد بن إبراهيم المكي قال: حدثنا محمد بن إبراهيم قال: حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن خصيف عن عكرمة في قوله: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الله واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
قال أبو عمرو: حدثنا أحمد بن فراس الشاهد قال: أخبرنا الديبلي قال: أخبرنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم في قوله: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} فذلك قولك: أسألك بالله والرحم.
وحدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله وابن المبارك عن معمر عن الحسن قال: هو قولك: أنشدك بالله والرحم.
وقال يعقوب والأخفش ويروى عن الحسن: (تساءلون به) تام. ثم يبتدئ (والأرحام) بمعنى: وعليكم الأرحام فصلوها.)[المكتفى: 215-217]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({ونساء- 1- ج} لأن الجملتين وإن اتفقتا فقد اعترضت المعطوفات.
{والأرحام – 1- ط}. [وعلى قراءة الكسر الوصل أوجه، والوقف على قراءة الكسر على {تساءلون به} أي: أقسم بالأرحام أن الله})[علل الوقوف: 2/414]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (والأرحام (كاف) على قراءتي نصبه وجره فمن قرأ بالنصب عطف على لفظ الجلالة أي واتقوا الأرحام أي لا تقطعوها أو على محل به نحو مررت بزيد وعمرًا بالنصب لأنه في موضع نصب لأنه لما شاركه في الاتباع على اللفظ تبعه على الموضع وانظر هذا مع ما قاله السمين في سورة الإنسان لا يعطف إلاَّ على محل الحرف الزائد وما هنا ليس كذلك وقرأه بالجر عطفًا على الضمير في به على مذهب الكوفيين وهي قراءة حمزة وحمزة أخذها عن سليمان بن مهران الأعمش وحمران بن أعين ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد الصادق وعرض القرآن على جماعة منهم سفيان الثوري والحسن بن صالح ومنهم إمام الكوفة في القراءات والعربية أبو الحسن الكسائي ولم يقرأ حرفًا من كتاب الله إلاَّ بأثر صحيح وكان حمزة إمامًا ضابطًا صالحًا جليلاً ورعًا مثبتًا ثقةً في الحديث وغيره وهو من الطبقة الثالثة ولد سنة ثمانين وأحكم القرآن وله خمس عشرة سنة وأمَّ الناس سنة مائة وعرض عليه القرآن من نظرائه جماعة وما قرأ به حمزة مخالف لأهل البصرة فإنهم لا يعطفون على الضمير المخفوض إلاَّ بإعادة الخافض وكم حكم ثبت بنقل الكوفيين من كلام العرب لم ينقله البصريون ومن ذلك قول الشاعر:
إذا أوقدوا نارًا لحرب عدوّهم = فقد خاب من يصلى بها وحميمها
بجر حميمها عطفًا على الضمير المخفوض في بها وكم حكم ثبت بنقل البصريين لم ينقله الكوفيون ولا التفات لمن طعن في هذه القراءة كالزجاج وابن عطية وما ذهب إليه البصريون وتبعهم الزمخشري من امتناع العطف على الضمير المجرور إلاَّ بإعادة الجار غير صحيح بل الصحيح مذهب الكوفيين في ذلك وعلى هاتين القراءتين أعني نصبه وجره (كاف) وقرئ والأرحام بالرفع على أنَّه مبتدأ حذف خبره كأنه قيل والأرحام محترمة أي واجب حرمتها فلا تقطعوها حثهم الشارع على صلة الأرحام ونبههم على أنّه كان من حرمتها عندهم أنهم يتساءلون أي يحلفون بها فنهاهم عن ذلك وحرمتها باقية وصلتها مطلوبة وقطعها محرم إجماعًا وعلى هذا يكون الوقف حسنًا وليس بوقف لمن خفض الأرحام على القسم والتقدير بالله وبالأرحام كقولك أسألك بالله وبالرحم وقيل الوقف على به وإن نصب ما بعده على الإغراء بمعنى عليكم الأرحام فصلوها فالوقف على به كاف عند يعقوب وتام عند الأخفش وخالفهما أبو حاتم ووقف على تساءلون به والأرحام على قراءتي النصب والجر.
رقيبا (كاف))[منار الهدى:95 - 96]
- التفسير