قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): (وقوله (سماعون للكذب) [41] فيه وجهان: يجوز أن يكون مرفوعًا من (الذين هادوا) فيكون الوقف على (ولم تؤمن قلوبهم) ولا يحسن الوقف على (الذين هادوا) من هذا الوجه لأن (من) رافعة لـ «سماعين» ولا يحسن الوقف على رافع دون مرفوع. والوجه الثاني أن تكون (من) منسوقة على قوله: (لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم) (ومن الذين هادوا) ثم تبتدئ
(سماعون للكذب) [42] على معنى «هم سماعون للكذب».
ويجوز في العربية من هذا الوجه «سماعين للكذب» بالنصب على الذم كما قال: (ملعونين أين ما ثقفوا أخذوا) [الأحزاب: 61] فنصب (ملعونين) على الذم. ومعنى قوله: (سماعون للكذب) «يسمعون ليكذبوا» والمسموع حق. والوقف على (الكذب) غير تام لأن قوله: (سماعون لقوم آخرين) تابع للأول. والوقف على (لم يأتوك) حسن غير تام لأن قوله: (يحرفون الكلم) حال مما في (يأتوك) كأنه قال: «لم يأتوك في حال تحريفهم». (وإن لم تؤتوه فاحذروا) حسن، أحسن من الذي قبله. (فلن تملك له من الله شيئًا) حسن، (أن يطهر قلوبهم) وقف قبيح لأن (أولئك) مرفوعون بما عاد من الهاء والميم في قوله: (لهم في الدنيا خزي). (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) حسن ثم تبتدئ: (سماعون للكذب) على معنى: «هم سماعون للكذب». (أكالون للسحت) وقف حسن. ومثله: (أو أعرض عنهم).
(ثم يتولون من عبد ذلك) [43]).[إيضاح الوقف والابتداء: 2/619-621]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): ({ولم تؤمن قلوبهم} كاف إذا رفع (سماعون للكذب) بالابتداء وجعل الخبر فيما قبله. فإن رفع بخبر مبتدأ مضمر، بتقدير: هم سماعون، وجعل (من الذين هادوا) نسقًا على قوله: {من الذين قالوا}. والتقدير: ومن الذين هادوا قوم سماعون. لم يكف الوقف على (قلوبهم) وكفى على (هادوا)، والأول الوجه.
{سماعون للكذب} كاف. والمعنى: يسمعون ليكذبوا والمسموع حق. {لم يأتوك} كاف. ومثله {من بعد مواضعه}، {فاحذروا} كاف. {من الله شيئًا} كاف. ومثله {أن يطهر قلوبهم}، {لهم في الدنيا خزي} أكفى منه. {عذاب عظيم} أكفى منهما ثم تبتدئ {سماعون} أي: هم سماعون. {أكالون للسحت} كاف. ومثله {أو أعرض عنهم}، ومثله {بالقسط}، {المقسطين} أكفى منه.
{من بعد ذلك} كاف. {بالمؤمنين} تام).[المكتفى: 239-240]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({قلوبهم – 41- ج} أي: ومن الذين هادوا قوم سماعون، وإن شئت عطفت{ ومن الذين [هادوا] على {من الذين] قالوا آمنا}، ووقفت على {هادوا واستأنفت بقوله: {سماعون} أي هم سماعون راجعًا إلى الفئتين، والأول أجود لأن التحريف محكي عنهم، وهو مختص باليهود. {آخرين- 41- لا} لأن الجملة بعده صفة لهم. {لم يأتوك- 41- ط}.
{من بعد مواضعه- 41- ج} لأن قوله: {يقولون} يصلح حالاً، لقوله: {يحرفون}، ويصلح مستأنفًا. {فاحذروا- 41- ط}، {شيئًا- 41- ط}. {قلوبهم- 41- ط}. [{خزائن- 41- لا} لتكرار {ولهم}] {للسحت- 42- ط} لأن الشروط غير مخصوص بما يليه. {أو أعرض عنهم- 42- ج}. {شيئًا- 42- ط} لابتداء شرط آخر.
{بالقسط – 42- ط}. {من بعد ذلك- 43- ط} لتناهي الاستفهام).[علل الوقوف: 2/453-454]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (في الكفر ليس بوقف.
قلوبهم (حسن) وقال أبو عمرو كاف على أنَّ سماعون مبتدأ وما قبله خبره أي ومن الذين هادوا قوم سماعون فهو من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ونظيرها قول الشاعر:
وما الدهر إلاَّ تارتان فمنهما = أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
أي تارة أموت فيها وليس بوقف إن جعل خبر مبتدأ محذوف أي هم سماعون راجعًا إلى الفئتين وعليه
فالوقف على هادوا والأول أجود لأنَّ التحريف محكي عنهم وهو مختص باليهود ومن رفع سماعون على الذم وجعل ومن الذين هادوا عطفًا من الذين قالوا كان الوقف على هادوا أيضًا.
سماعون للكذب (كاف) على استئناف ما بعده أي يسمعون ليكذبوا والمسموع حق وإن جعل سماعون لقوم آخرين تابعًا للأول لم يوقف على ما قبله.
لقوم آخرين ليس بوقف لأنَّ الجملة بعده صفة لهم.
لم يأتوك (تام) على استئناف ما بعده فإن جعل يحرفون في محل رفع نعتًا لقوم آخرين أي لقوم آخرين محرفين لم يوقف على ما قبله وكذا إن جعل في موضع نصب حالاً من الذين هادوا لم يوقف على ما قبله.
من بعد مواضعه (جائز)
فاحذروا (كاف) على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل ما بعده في محل نصب حالاً بعد حال أو في موضع رفع نعتًا لقوله سماعون أو في موضع خفض نعتًا لقوله لقوم آخرين.
شيئًا (كاف) على أنَّ أولئك مستأنف مبتدأ خبره الموصول مع صلته وأن يطهر محله نصب مفعول يرد وقلوبهم المفعول الثاني
قلوبهم (كاف) وليس بوقف إن جعل خبر أولئك.
لهم في الدنيا خزي (جائز)
عظيم (كاف) سماعون للكذب أي هم سماعون أو كالحون للسحت.
أكالون للسحت (حسن) ومثله أو أعرض عنهم وقيل كاف للابتداء بالشرط.
فلن يضروك شيئًا (حسن)
بالقسط (كاف) ومثله المقسطين ومن بعد ذلك لتناهي الاستفهام.
بالمؤمنين (تام)).[منار الهدى: 119-120]
- أقوال المفسرين