العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:46 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (73) إلى الآية (79) ]

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:30 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل قال: قالت ثمود لصالح ائتنا بآية إن كنت من الصادقين فقال لهم صالح اخرجوا إلى هضبة من الأرض فخرجوا فإذا هي تمخض كما تمخض الحامل ثم إنها انفرجت فخرج من وسطها الناقة فقال لهم صالح: {هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} لها شرب ولكم شرب يوم معلوم فلما ملوها عقروها فقال لهم: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب}.
قال عبد العزيز وحدثني رجل آخر أن صالحا قال لهم إن آية (أن يأتيكم العذاب) أن تصبحوا غدا حمرا واليوم الثاني صفرا واليوم الثالث سودا قال فصبحهم العذاب فلما رأوا ذلك تحنطوا واستعدوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 230-231]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، قال: أخبرني من سمع الحسن يقول لما عقرت ثمود الناقة ذهب فصيلها حتى صعد تلا فقال يا رب أين أمي ثم رغا رغوة فنزلت الصيحة فأخمدتهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 231]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة: أن صالحا قال لهم حين عقروا الناقة تمتعوا ثلاثة أيام بقية آجالكم ثم قال لهم إن آية هلاككم أن تصبح وجوهكم غدا مصفرة ثم تصبح اليوم الثاني محمرة ثم تصبح اليوم الثالث مسودة فأصبحت كذلك فلما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك فتكفنوا وتحنطوا ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 231]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، وقال قتادة: قال عاقر الناقة لهم لا أقتلها حتى ترضوا أجمعون فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون: أترضين، فتقول: نعم والصبي حتى رضوا أجمعين فعقروها). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 231]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: لما مر النبي بالحجر قال
: «لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها وكانت تشرب ماءهم ويشربون لبنها يوما فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله». قيل: يا رسول الله، من هو؟ قال:«أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 231-232]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر قال أخبرني إسماعيل بن أمية أن النبي مر بقبر أبي رغال فقال أتدرون من هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا قبر أبي رغال قالوا ومن هو أبو رغال قال رجل من ثمود كان في حرم الله فمنعه حرم الله عذاب الله فلما خرج أصابه ما أصاب قومه من الهلكة فدفن هاهنا ودفن معه غصن من ذهب قال فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم فبحثوا عنه فاستخرجوا الغصن.
قال معمر وقال الزهري أبو رغال أبو ثقيف). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 232]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر، قال: لما مر النبي بالحجر قال:
«لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن تصيبكم مثل الذي أصابهم ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 232-233]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بيّنةٌ من ربّكم هذه ناقة اللّه لكم آيةً فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ أليمٌ}.
يقول تعالى ذكره: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا}.
وثمود: هو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوحٍ، وهو أخو جديس بن عابرٍ، وكانت مساكنهما الحجر بين الحجاز والشّام إلى وادي القرى وما حوله.
ومعنى الكلام: وإلى بني ثمود أخاهم صالحًا.
وإنّما منع ثمود، لأنّ ثمود قبيلةٌ كما بكر قبيلةٌ، وكذلك تميم. قال: {يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره} يقول: قال صالحٌ لثمود: يا قوم اعبدوا اللّه وحده لا شريك له، فما لكم إلهٌ يجوز أن تعبدوه غيره، وقد جاءتكم حجّةٌ.
وبرهانٌ على صدق ما أقول وحقيقة ما إليه أدعو من إخلاص التّوحيد للّه وإفراده بالعبادة دون ما سواه وتصديقي على أنّي له رسولٌ، وبيّنتي على ما أقول وحقيقة ما جئتكم به من عند ربّي، وحجّتي عليه هذه النّاقة الّتي أخرجها اللّه من هذه الهضبة دليلاً على نبوّتي وصدق مقالتي، فقد علمتم أنّ ذلك من المعجزات الّتي لا يقدر على مثلها أحدٌ إلاّ اللّه.
وإنّما استشهد صالحٌ فيما بلغني على صحّة نبوّته عند قومه ثمود بالنّاقة لأنّهم سألوه إيّاها آيةً ودلالةً على حقيقة قوله.
ذكر من قال ذلك، وذكر سبب قتل قوم صالحٍ النّاقة:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن أبي الطّفيل، قال: قالت ثمود لصالحٍ: ائتنا {بآيةٍ إن كنت من الصّادقين}، قال: فقال لهم صالحٌ: اخرجوا إلى هضبةٍ من الأرض، فخرجوا، فإذا هي تتمخّض كما تتمخّض الحامل. ثمّ إنّها انفرجت، فخرجت من وسطها النّاقة، فقال صالحٌ: {هذه ناقة اللّه لكم آيةً فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ أليمٌ}، {لها شربٌ ولكم شرب يومٍ معلومٍ}، فلمّا ملّوها عقروها، فقال لهم: {تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّامٍ ذلك وعدٌ غير مكذوبٍ}.
- قال عبد العزيز: وحدّثني رجلٌ آخر، أنّ صالحًا قال لهم: إنّ آية العذاب أن تصبحوا غدًا حمرًا، واليوم الثّاني صفرًا، واليوم الثّالث سودًا. قال: فصبّحهم العذاب، فلمّا رأوا ذلك تحنّطوا واستعدّوا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا}، قال: إنّ اللّه بعث صالحًا إلى ثمود، فدعاهم فكذّبوه، فقال لهم ما ذكر اللّه في القرآن، فسألوه أن يأتيهم بآيةٍ، فجاءهم بالنّاقة، لها شربٌ ولهم شرب يومٍ معلومٍ، وقال: ذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ، فأقرّوا بها جميعًا، فذلك قوله: {فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى}، وكانوا قد أقرّوا به على وجه النّفاق والتّقيّة، وكانت النّاقة لها شربٌ، فيومٌ تشرب فيه الماء تمرّ بين جبلين فيرجمونها، ففيهما أثرها حتّى السّاعة، ثمّ تأتي فتقف لهم حتّى يحلبوا اللّبن فيرويهم، فكانت تصبّ اللّبن صبًّا، ويوم يشربون الماء لا تأتيهم. وكان معها فصيلٌ لها، فقال لهم صالحٌ: إنّه يولد في شهركم هذا غلامٌ يكون هلاككم على يديه، فولد لتسعةٍ منهم في ذلك الشّهر، فذبحوا أبناءهم، ثمّ ولد للعاشر فأبى أن يذبح ابنه، وكان لم يولد له قبل ذلك شيءٌ، فكان ابن العاشر أزرق أحمر، فنبت نباتًا سريعًا، فإذا مرّ بالتّسعة فرأوه، قالوا: لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا، فغضب التّسعة على صالحٍ لأنّه أمرهم بذبح أبنائهم، ف {تقاسموا باللّه لنبيّتنّه وأهله ثمّ لنقولنّ لوليّه ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون}، قالوا: نخرج، فيرى النّاس أنّا قد خرجنا إلى سفرٍ، فنأتي الغار فنكون فيه، حتّى إذا كان اللّيل وخرج صالحٌ إلى المسجد أتيناه فقتلناه ثمّ رجعنا إلى الغار فكنّا فيه، ثمّ رجعنا فقلنا ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون، يصدّقوننا يعلمون أنّا قد خرجنا إلى سفرٍ. فانطلقوا، فلمّا دخلوا الغار أرادوا أن يخرجوا من اللّيل، فسقط عليهم الغار فقتلهم، فذلك قوله: {وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الأرض ولا يصلحون} حتّى بلغ ههنا: {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنّا دمّرناهم وقومهم أجمعين}.
وكبر الغلام ابن العاشر، ونبت نباتًا عجبًا من السّرعة، فجلس مع قومٍ يصيبون من الشّراب، فأرادوا ماءً يمزجون به شرابهم، وكان ذلك اليوم يوم شرب النّاقة، فوجدوا الماء قد شربته النّاقة، فاشتدّ ذلك عليهم وقالوا في شأن النّاقة: ما نصنع نحن باللّبن؟ لو كنّا نأخذ هذا الماء الّذي تشربه هذه النّاقة، فنسقيه أنعامنا وحروثنا، كان خيرًا لنا، فقال الغلام ابن العاشر: هل لكم في أن أعقرها لكم؟ قالوا: نعم. فأظهروا دينهم، فأتاها الغلام، فلمّا بصرت به شدّت عليه، فهرب منها، فلمّا رأى ذلك، دخل خلف صخرةٍ على طريقها فاستتر بها، فقال: أحيشوها عليّ، فأحاشوها عليه، فلمّا جازت به نادوه: عليك، فتناولها فعقرها، فسقطت، فذلك قوله تعالى: {فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر}، وأظهروا حينئذٍ أمرهم، وعقروا النّاقة، وعتوا عن أمر ربّهم، وقالوا: يا صالح، ائتنا بما تعدنا، وفزع ناسٌ منهم إلى صالحٍ وأخبروه أنّ النّاقة قد عقرت، فقال: عليّ بالفصيل، فطلبوا الفصيل فوجدوه على رابيةٍ من الأرض، فطلبوه، فارتفعت به حتّى حلّقت به في السّماء، فلم يقدروا عليه. ثمّ دعا الفصيل إلى اللّه، فأوحى اللّه إلى صالحٍ أن مرهم فليتمتّعوا في دارهم ثلاثة أيّامٍ، فقال لهم صالحٌ: {تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّامٍ}، وآية ذلك أن تصبح وجوهكم أوّل يومٍ مصفرّةً، والثّاني محمرّةً، واليوم الثّالث مسودّةً، واليوم الرّابع فيه العذاب. فلمّا رأوا العلامات تكفّنوا وتحنّطوا ولطّخوا أنفسهم بالمرّ، ولبسوا الأنطاع، وحفروا الأسراب، فدخلوا فيها ينتظرون الصّيحة، حتّى جاءهم العذاب فهلكوا، فذلك قوله: ف {دمّرناهم وقومهم أجمعين}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لمّا أهلك اللّه عادًا وتقضّى أمرها، عمرت ثمود بعدها واستخلفوا في الأرض، فنزلوا فيها وانتشروا. ثمّ عتوا على اللّه، فلمّا ظهر فسادهم وعبدوا غير اللّه، بعث إليهم صالحًا وكانوا قومًا عربًا، وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم موضعًا رسولاً. وكانت منازلهم الحجر إلى قرح، وهو وادي القرى، وبين ذلك ثمانية عشر ميلاً فيما بين الحجاز والشّام. فبعث اللّه إليهم غلامًا شابًّا، فدعاهم إلى اللّه، حتّى شمط وكبر، لا يتبعه منهم إلاّ قليلٌ مستضعفون، فلمّا ألحّ عليهم صالحٌ بالدّعاء، وأكثر لهم التّحذير، وخوّفهم من اللّه العذاب والنّقمة، سألوه أن يريهم آيةً تكون مصداقًا لما يقول فيما يدعوهم إليه، فقال لهم: أيّ آيةٍ تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عيدنا هذا وكان لهم عيدٌ يخرجون إليه بأصنامهم وما يعبدون من دون اللّه في يومٍ معلومٍ من السّنة فتدعو إلهك وندعو آلهتنا، فإن استجيب لك اتّبعناك، وإن استجيب لنا اتّبعتنا. فقال لهم صالحٌ: نعم.
فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ذلك، وخرج صالحٌ معهم إلى اللّه، فدعوا أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب لصالحٍ في شيءٍ ممّا يدعو به، ثمّ قال له جندع بن عمرو بن حراش بن عمرو بن الدّميل، وكان يومئذٍ سيّد ثمود وعظيمهم: يا صالح، أخرج لنا من هذه الصّخرة لصخرةٍ منفردةٍ في ناحية الحجر يقال لها: الكاثبة ناقةً مخترجةً جوفاء وبرّاء والمخترجة: ما شاكلت البخت من الإبل. وقالت ثمود لصالحٍ مثل ما قال جندع بن عمرٍو فإن فعلت آمنّا بك وصدّقناك وشهدنا أنّ ما جئت به هو حقٌّ، وأخذ عليهم صالحٌ مواثيقهم: لئن فعلت وفعل اللّه لتصدّقنّي ولتؤمننّ بي؟ قالوا: نعم، فأعطوه على ذلك عهودهم، فدعا صالحٌ ربّه بأن يخرجها لهم من تلك الهضبة كما وصفت.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنّه حدّث أنّهم، نظروا إلى الهضبة حين دعا اللّه صالحٌ بما دعا به تتمخّض بالنّاقة تمخّض النّتوج بولدها، فتحرّكت الهضبة ثمّ أسقطت النّاقة، فانصدعت عن ناقةٍ كما وصفوا جوفاء وبرّاء نتوجٌ، ما بين جنبيها لا يعلمه إلاّ اللّه عظمًا. فآمن به جندع بن عمرٍو ومن كان معه على أمره من رهطه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به ويصدّقوا، فنهاهم ذواب بن عمرو بن لبيدٍ، والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن صمعر بن جلهس، وكانوا من أشراف ثمود، وردّوا أشرافها عن الإسلام، والدّخول فيما دعاهم إليه صالحٌ من الرّحمة والنّجاة. وكان لجندعٍ ابن عمٍّ يقال له شهاب بن خليفة بن مخلاة بن لبيد بن جوّاسٍ، فأراد أن يسلم فنهاه أولئك الرّهط عن ذلك، فأطاعهم، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها، فقال رجلٌ من ثمود يقال له مهوس بن عنمة بن الدّميل، وكان مسلمًا:
وكانت عصبةٌ من آل عمرٍو ....... إلى دين النّبيّ دعوا شهابا
عزيز ثمود كلّهم جميعًا
....... فهمّ بأن يجيب ولو أجابا
لأصبح صالحًا فينا عزيزًا
....... وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا
ولكنّ الغواة من ال حجرٍ
.......ـ تولّوا بعد رشدهم ذئابا
فمكثت النّاقة الّتي أخرجها اللّه لهم معها سقبها في أرض ثمود ترعى الشّجر وتشرب الماء، فقال لهم صالحٌ عليه السّلام: {هذه ناقة اللّه لكم آيةٌ فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ أليمٌ}، وقال اللّه لصالحٍ: إنّ الماء قسمةٌ بينهم، كلّ شربٍ محتضرٌ، أي أنّ الماء نصفان: لهم يومٌ ولها يومٌ وهي محتضرةٌ، فيومها لا تدع شربها، وقال: {لها شربٌ ولكم شرب يومٍ معلومٍ}، فكانت فيما بلغني واللّه أعلم إذا وردت وكانت ترد غبًّا وضعت رأسها في بئرٍ في الحجر يقال لها بئر النّاقة، فيزعمون أنّها منها كانت تشرب، إذا وردت تضع رأسها فيها، فما ترفعه حتّى تشرب كلّ قطرة ماءٍ في الوادي، ثمّ ترفع رأسها فتفشّج، يعني تفحّج لهم، فيحتلبون ما شاءوا من لبنٍ، فيشربون ويدّخرون حتّى يملئوا كلّ آنيتهم، ثمّ تصدر من غير الفجّ الّذي منه وردت، لا تقدر على أن تصدر من حيث ترد لضيقه عنها، فلا ترجع منه، حتّى إذا كان الغد كان يومهم، فيشربون ما شاءوا من الماء، ويدّخرون ما شاءوا ليوم النّاقة، فهم من ذلك في سعةٍ. وكانت النّاقة فيما يذكرون تصيف إذا كان الحرّ بظهر الوادي، فتهرب منها المواشي أغنامهم وأبقارهم وإبلهم، فتهبط إلى بطن الوادي في حرّه وجدبه، وذلك أنّ المواشي تنفر منها إذا رأتها، وتشتو في بطن الوادي إذا كان الشّتاء، فتهرب مواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدب، فأضرّ ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار. وكانت مراتعها فيما يزعمون الجناب وحسمى، كلّ ذلك ترعى مع وادي الحجر. فكبر ذلك عليهم، فعتوا عن أمر ربّهم، وأجمعوا في عقر النّاقة رأيهم.
وكانت امرأةٌ من ثمود يقال لها عنيزة بنت غنم بن مجلزٍ، تكنّى بأمّ غنمٍ، وهي من بني عبيد بن المهلّ أخي دميل بن المهلّ، وكانت امرأة ذواب بن مرٍو، وكانت عجوزًا مسنّةً، وكانت ذات بناتٍ حسانٍ، وكانت ذات مالٍ من إبلٍ وبقرٍ وغنمٍ، وامرأةٌ أخرى يقال لها: صدوف بنت المحيا بن زهير بن المحيّا سيّد بني عبيدٍ وصاحب أوثانهم في الزّمن الأوّل. وكان الوادي يقال له: وادي المحيا، وهو المحيا الأكبر جدّ المحيا الأصغر أبي صدوفٍ.
وكانت صدوفٌ من أحسن النّاس، وكانت غنيّةً ذات مالٍ من إبلٍ وغنمٍ وبقرٍ، وكانتا من أشدّ امرأتين في ثمود عداوةً لصالحٍ وأعظمهم به كفرًا، وكانتا تحبّان أن تعقر النّاقة مع كفرهما به لما أضرّت به من مواشيهما. وكانت صدوفٌ عند ابن خالٍ لها يقال له صنتم بن هراوة بن سعد بن النّطريف من بني هليلٍ، فأسلم فحسن إسلامه، وكانت صدوفٌ قد فوّضت إليه مالها، فأنفقه على من أسلم معه من أصحاب صالحٍ حتّى رقّ المال. فاطّلعت على ذلك من إسلامه صدوفٌ، فعاتبته على ذلك، فأظهر لها دينه ودعاها إلى اللّه وإلى الإسلام، فأبت عليه، وسبت ولده، فأخذت بنيه وبناته منه فغيّبتهم في بني عبيدٍ بطنها الّذي هي منه. وكان صنتم زوجها من بني هليلٍ، وكان ابن خالها، فقال لها: ردّي عليّ ولدي، فقالت: حتّى أنافرك إلى بني صنعان بن عبيدٍ أو إلى بني جندع بن عبيدٍ. فقال لها صنتم: بل أنا أقول إلى بني مرداس بن عبيدٍ، وذلك أنّ بني مرداس بن عبيدٍ كانوا قد سارعوا في الإسلام وأبطأ عنه الآخرون، فقالت: لا أنافرك إلاّ إلى من دعوتك إليه، فقال بنو مرداس: واللّه لتعطينّه ولده طائعةً أو كارهةً، فلمّا رأت ذلك أعطته إيّاهم.
ثمّ إنّ صدوف وعنيزة تحيّلا في عقر النّاقة للشّقاء الّذي نزل، فدعت صدوف رجلاً من ثمود يقال له الحباب، لعقره النّاقة، وعرضت عليه نفسها بذلك إن هو فعل، فأبى عليها. فدعت ابن عمٍّ لها يقال مصدع بن مهرج بن المحيا، وجعلت له نفسها على أن يعقر النّاقة، وكانت من أحسن النّاس. وكانت غنيّةً كثيرة المال، فأجابها إلى ذلك.
ودعت عنيزة بنت غنمٍ قدار بن سالف بن جندعٍ، رجلاً من أهل قرح. وكان قدار رجلاً أحمر أزرق قصيرًا يزعمون أنّه كان لزنيةٍ من رجلٍ يقال له صهياد، ولم يكن لأبيه سالفٍ الّذي يدعى إليه، ولكنّه قد ولد على فراش سالفٍ، وكان يدعى له وينسب إليه، فقالت: أعطيك أيّ بناتي شئت على أن تعقر النّاقة، وكانت عنيزة شريفةً من نساء ثمود، وكان زوجها ذؤاب بن عمرٍو من أشراف رجال ثمود. وكان قدارٌ عزيزًا منيعًا في قومه. فانطلق قدار بن سالفٍ ومصدع بن مهرجٍ، فاستنفرا غواةً من ثمود، فاتّبعهما سبعة نفرٍ، فكانوا تسعة نفرٍ، أحد النّفر الّذين اتّبعوهما رجلٌ يقال له هويل بن ميلغٍ خال قدار بن سالفٍ أخو أمّه لأبيها وأمّها، وكان عزيزًا من أهل حجرٍ، ودعير بن غنم بن داعرٍ، وهو من بني حلاوة بن المهلّ. ودأب بن مهرجٌ أخو مصدع بن مهرجٍ، وخمسةٌ لم تحفظ لنا أسماؤهم. فرصدوا النّاقة حين صدرت عن الماء، وقد كمن لها قدار في أصل صخرةٍ على طريقها، وكمن لها مصدعٌ في أصل أخرى، فمرّت على مصدعٍ فرماها بسهمٍ، فانتظم به عضلة ساقها. وخرجت أمّ غنمٍ عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن النّاس وجهًا. فأسفرت عنه لقدارٍ وأرته إيّاه، ثمّ ذمّرته، فشدّ على النّاقة بالسّيف، فكشف عرقوبها، فخرّت ورغّت رغاةً واحدةً تحذر سقبها. ثمّ طعن في لبنها فنحرها. وانطلق سقبها حتّى أتى جبلاً منيعًا، ثمّ أتى صخرةً في رأس الجبل فرغا ولاذ بها واسم الجبل فيما يزعمون صورٌ فأتاهم صالحٌ، فلمّا رأى النّاقة قد عقرت قال: انتهكتم حرمة اللّه، فأبشروا بعذاب اللّه تبارك وتعالى ونقمته فاتّبع السّقب أربعة نفرٍ من التّسعة الّذين عقروا النّاقة، وفيهم مصدع بن مهرجٍ، فرماه مصدعٌ بسهمٍ، فانتظم قلبه، ثمّ جرّ برجله فأنزله، ثمّ ألقوا لحمه مع لحم أمّه. فلمّا قال لهم صالحٌ: أبشروا بعذاب اللّه ونقمته، قالوا له وهم يهزءون به: ومتى ذلك يا صالح؟ وما آية ذلك؟ وكانوا يسمّون الأيّام فيهم: الأحد: أوّل، والاثنين: أهون، والثّلاثاء: دبارٌ، والأربعاء: جبارٌ، والخميس: مؤنسٌ، والجمعة: العروبة، والسّبت: شيارٌ، وكانوا عقروا النّاقة يوم الأربعاء، فقال لهم صالحٌ حين قالوا ذلك: تصبحون غداة يوم مؤنسٍ يعني يوم الخميس وجوهكم مصفرّةٌ، ثمّ تصبحون يوم العروبة يعني يوم الجمعة ووجوهكم محمرّةٌ، ثمّ تصبحون يوم شيارٍ يعني يوم السّبت ووجوهكم مسودّةٌ. ثمّ يصحبكم العذاب يوم الأوّل يعني يوم الأحد. فلمّا قال لهم صالحٌ ذلك قال التّسعة الّذين عقروا النّاقة: هلمّوا فلنقتل صالحًا إن كان صادقًا عجلناه قبلنا، وإن كان كاذبًا يكون قد ألحقناه بناقته، فأتوه ليلاً ليبيّتوه في أهله، فدمغتهم الملائكة بالحجارة. فلمّا أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالحٍ، فوجدوهم مشدّخين قد رضخوا بالحجارة، فقالوا لصالحٍ: أنت قتلتهم، ثمّ همّوا به، فقامت عشيرته دونه ولبسوا السّلاح، وقالوا لهم: واللّه لا تقتلونه أبدًا، فقد وعدكم أنّ العذاب نازلٌ بكم في ثلاثٍ، فإن كان صادقًا لم تزيدوا ربّكم عليكم إلاّ غضبًا، وإن كان كاذبًا فأنتم من وراء ما تريدون. فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك، والنّفر الّذين رضختهم الملائكة بالحجارة التّسعة الّذين ذكرهم اللّه تعالى في القرآن بقوله تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الأرض ولا يصلحون} إلى قوله: {لآيةً لقومٍ يعلمون}، فأصبحوا من تلك اللّيلة الّتي انصرفوا فيها عن صالحٍ وجوههم مصفرّةٌ، فأيقنوا بالعذاب، وعرفوا أنّ صالحًا قد صدقهم، فطلبوه ليقتلوه، وخرج صالحٌ هاربًا منها حتّى لجأ إلى بطنٍ من ثمود يقال لهم بنو غنمٍ، فنزل على سيّدهم: رجلٌ منهم يقال له نفيلٌ يكنّى بأبي دبٍ، وهو مشركٌ، فغيّبه فلم يقدروا عليه. فغدوا على أصحاب صالحٍ، فعذّبوهم ليدلّوهم عليه، فقال رجلٌ من أصحاب صالحٍ يقال له ميدع بن رمٍ: يا نبيّ اللّه، إنّهم ليعذّبوننا لندلّهم عليك، أفندلّهم عليك؟ قال: نعم، فدلّهم عليه ميدع بن هرمٍ، فلمّا علموا بمكان صالحٍ أتوا أبا هدبٍ فكلّموه، فقال لهم: عندي صالحٌ، وليس لكم إليه سبيلٌ، فأعرضوا عنه وتركوه، وشغلهم عنه ما أنزل اللّه بهم من عذابه، فجعل بعضهم يخبر بعضًا بما يرون في وجوههم حين أصبحوا من يوم الخميس، وذلك أنّ وجوههم أصبحت مصفرّةً، ثمّ أصبحوا يوم الجمعة ووجوههم محمرّةٌ، ثمّ أصبحوا يوم السّبت ووجوههم مسودّةٌ، حتّى إذا كان ليلة الأحد خرج صالحٌ من بين أظهرهم ومن أسلم معه إلى الشّام، فنزل رملة فلسطين، وتخلّف رجلٌ من أصحابه يقال له ميدع بن هرمٍ، فنزل قرح وهي وادي القرى، وبين القرح وبين الحجر ثمانية عشر ميلاً، فنزل على سيّدهم: رجلٌ يقال له عمرو بن غنمٍ، وقد كان أكل من لحم النّاقة ولم يشترك في قتلها، فقال له ميدع بن هرمٍ: يا عمرو بن غنمٍ، اخرج من هذا البلد، فإنّ صالحًا قال من أقام فيه هلك، ومن خرج منه نجا، فقال عمرٌو: ما شركت في عقرها، وما رضيت ما صنع بها. فلمّا كانت صبيحة الأحد أخذتهم الصّيحة، فلم يبق منهم صغيرٌ ولا كبيرٌ إلاّ هلك، إلاّ جاريةٌ مقعدةٌ يقال لها الدّريعة، وهي كلبيّة ابنة السّلق، كانت كافرةً شديدة العداوة لصالحٍ، فأطلق اللّه لها رجليها بعدما عاينت العذاب أجمع، فخرجت كأسرع ما يرى شيءٌ قطّ، حتّى أتت حيًّا من الأحياء، فأخبرتهم بما عاينت من العذاب وما أصاب ثمود منه، ثمّ استسقت من الماء فسقيت، فلمّا شربت ماتت.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: قال معمرٌ: أخبرني من، سمع الحسن، يقول: لمّا عقرت ثمود النّاقة ذهب فصيلها حتّى صعد تلًّا، فقال: يا ربّ أين أمّي؟ ثمّ رغا رغوةً، فنزلت الصّيحة، فأخمدتهم.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن بنحوه، إلاّ أنّه قال: أصعد تلًّا.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة أنّ صالحًا، قال لهم حين عقروا النّاقة: تمتّعوا ثلاثة أيّامٍ، وقال لهم: آية هلاككم أن تصبح وجوهكم مصفرّةً، ثمّ تصبح اليوم الثّاني محمرّةً، ثمّ تصبح اليوم الثّالث مسودّةً، فأصبحت كذلك. فلمّا كان اليوم الثّالث وأيقنوا بالهلاك تكفّنوا وتحنّطوا، ثمّ أخذتهم الصّيحة فأهمدتهم. قال قتادة: قال عاقر النّاقة لهم: لا أقتلها حتّى ترضوا أجمعين. فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها، فيقولون: أترضين؟ فتقول: نعم، والصّبيّ، حتّى رضوا أجمعين، فعقرها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: لمّا مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالحجر قال:
«لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالحٍ، فكانت ترد من هذا الفجّ وتصدر من الفجّ، فعتوا عن أمر ربّهم فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يومًا ويشربون لبنها يومًا، فعقروها فأخذتهم الصّيحة، أهمد اللّه من تحت أديم السّماء منهم إلاّ رجلاً واحدًا كان في حرم اللّه، قيل: من هو؟ قال: أبو رغالٍ، فلمّا خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه».
- قال عبد الرّزّاق: قال معمرٌ: وأخبرني إسماعيل بن أميّة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مرّ بقبر أبي رغالٍ فقال:
«أتدرون ما هذا؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال:«هذا قبر أبي رغالٍ»، قالوا فمن أبو رغالٍ؟ قال: «رجلٌ من ثمود كان في حرم اللّه، فمنعه حرم اللّه عذاب اللّه، فلمّا خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن ههنا، ودفن معه غصنٌ من ذهبٍ فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عليه فاستخرجوا الغصن».
قال عبد الرّزّاق: قال معمرٌ: قال الزّهريّ: أبو رغالٍ: أبو ثقيفٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن جابرٍ قال: مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالحجر، ثمّ ذكر نحوه إلاّ أنّه قال في حديثه: قالوا: من هو يا رسول اللّه؟ قال:
«أبو رغالٍ».
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، قال: كان يقال أنّ أحمر، ثمود الّذي عقر النّاقة، كان ولد زنيةٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، قال: حدّثنا عنبسة، عن أبي إسحاق، قال: قال أبو موسى: أتيت أرض ثمود، فذرّعت مصدر النّاقة فوجدته ستّين ذراعًا.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، وأخبرني إسماعيل بن أميّة بنحو هذا. يعني بنحو حديث عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن جابرٍ قال: مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بقبر أبي رغالٍ، قالوا: ومن أبو رغالٍ؟ قال: وأبو ثقيفٍ، كان في الحرم لمّا أهلك اللّه قومه، منعه حرم اللّه من عذاب اللّه، فلمّا خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن هاهنا ودفن معه غصنٌ من ذهبٍ قال: فابتدره القوم يبحثون عنه حتّى استخرجوا ذلك الغصن.
وقال الحسن: كان للنّاقة يومٌ ولهم يومٌ، فأضرّ بهم.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: لمّا مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالحجر قال:
«لا تدخلوا مساكن الّذين ظلموا أنفسهم، إلاّ أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الّذي أصابهم. ثمّ قال: هذا وادي النّفر. ثمّ رفع رأسه وأسرع السّير حتّى أجاز الوادي».
وأمّا قوله: {ولا تمسّوها بسوءٍ}، فإنّه يقول: ولا تمسّوا ناقة اللّه بعقرٍ ولا نحرٍ {فيأخذكم عذابٌ أليمٌ}، يعني: موجعٌ). [جامع البيان: 10/ 282-298]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره قد جاءتكم بيّنةٌ من ربّكم هذه ناقة اللّه لكم آيةً فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ أليمٌ (73)}
قوله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله ... الآية}
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا سهل بن بكّارٍ، ثنا داود بن أبي الفرات، عن عليّاً بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ صالحًا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعثه اللّه إلى قومه فآمنوا به، ثمّ إنّه مات فرجعوا بعده، عن الإسلام، فأحيا اللّه صالحًا وبعثه إليهم فأخبرهم أنّه صالحٌ فكذّبوه وقالوا: {قد مات صالحٌ فأتنا بآيةٍ فأتاهم اللّه بالنّاقة فكفروا به وعقروها فأهلكهم الله}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباط، عن السّدّيّ قوله: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا}، قال: إنّ اللّه بعث صالحًا إلى ثمود فدعاهم فكذّبوا، فقال لهم ما ذكر اللّه في القرآن.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق قال: فلمّا أهلك اللّه عادًا، وانقضى أمرها عمّرت ثمود بعدها فاستخلفوا في الأرض فربلوا فيها وانتشروا، ثمّ عتوا على اللّه، فلمّا ظهر فسادهم، وعبدوا غير اللّه، بعث اللّه إليهم صالحًا، وكانوا قومًا عربًا، وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم موضعًا رسولا. وكانت منازلهم الحجر إلى قزحٍ وهو وادي القرى وبين ذلك ثمانية عشر ميلا فيما بين الحجاز والشّام، فبعث اللّه إليهم غلامًا شابًّا فدعاهم إلى اللّه حتّى شمط وكبر لا يتبعه منهم أحدٌ إلا قليلٌ مستضعفون.
قوله تعالى: {قد جاءتكم بيّنةٌ من ربّكم هذه ناقة اللّه لكم آيةٌ}
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن أبي الطّفيل قال: قالت ثمود لصالحٍ ائتنا بآيةٍ إن كنت من الصّادقين: قال: فقال لهم صالحٌ، اخرجوا إلى هضبةٍ من الأرض فخرجوا، فإذا تمخّضٌ كما تمخّض الحامل، ثمّ إنّها تفرّجت فخرجت من وسطها النّاقة فقال لهم صالحٌ: هذه ناقة اللّه لكم آيةٌ فذروها تأكل في أرض اللّه إلى قوله: عذابٌ أليمٌ... لها شربٌ ولكم شرب يومٍ معلومٍ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة أنّه حدّث أنّهم نظروا إلى الهضبة حين دعا اللّه صالحٌ بما دعا به تمخّض بالنّاقة تمخّض النتوج بولدها فتحرّكت الهضبة، ثمّ انتفضت فانصدغت، عن ناقةٍ كما وصفوا جوفاء وبراء، نتوجًا ما بين جنبيها لا يعلمه إلا اللّه عظمًا.
قوله تعالى: {فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ}
- أخبرنا أحمد بن عثمان فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباط، عن السّدّيّ فذروها تأكل في أرض اللّه قال: فسألوا يعني صالحًا أن يأتيهم بآيةٍ فجاءهم بالنّاقة لها شربٌ ولكم شرب يومٍ معلومٌ وقال: فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ فأقرّوا بها جميعًا فذلك قوله: فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى فكانوا قد أقرّوا به على وجه النّفاق.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال: فمكثت النّاقة الّتي أخرج اللّه لهم معها سقبها في أرض ثمود ترعى الشّجر، وتشرب الماء، فقال لهم صالحٌ: هذه ناقة اللّه لكم آيةً فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ أليمٌ
قوله تعالى: {عذابٌ أليمٌ}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: {عذابٌ أليمٌ}؛ قال: الأليم الموجع في القرآن كلّه وكذلك فسّره ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك ابن مزاحم، وقتادة، وأبي مالكٍ وأبي عمران الجونيّ، ومقاتل بن حيّان). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1511-1513]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أبو الشيخ عن مطلب بن زيادة قال: سألت عبد الله بن أبي ليلى عن اليهودي والنصراني يقال له أخ قال: الأخ في الدار ألا ترى إلى قول الله: {وإلى ثمود أخاهم صالحا}.
- وأخرج سنيد، وابن جرير والحاكم من طريق حجاج عن أبي بكر بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كانت ثمود قوم صالح أعمرهم الله في الدنيا فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فينهدم والرجل منهم حي فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا فنحتوها وجابوها وخرقوها وكانوا في سعة من معايشهم
فقالوا: يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله. فدعا صالح ربه فأخرج لهم الناقة فكان شربها يوما وشربهم يوما معلوما فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن الماء وحلبوها لبنا ملأوا كل إناء ووعاء وسقاء حتى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء فلم تشرب منه شيئا فملأوا كل إناء ووعاء وسقاء. فأوحى الله إلى صالح: إن قومك سيعقرون ناقتك. فقال لهم. فقالوا: ما كنا لنفعل، فقال لهم: إن لا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها. قالوا: فما علامة ذلك المولود فوالله لا نجده إلا قتلناه قال: فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر. وكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان لأحدهما ابن يرغب به عن المناكح وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا فجمع بينهما مجلس فقال أحدهما لصاحبه ما يمنعك أن تزوج ابنك قال: لا أجد له كفؤا قال: فإن ابنتي كفء له فأنا أزوجك، فزوجه فولد بينهما مولود، وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون فلما قال لهم صالح: إنما يعقرها مولود فيكم، اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية وجعلوا معهن شرطا كانوا يطوفون في القرية فإذا نظروا المرأة تمخض نظروا ما ولدها إن كان غلاما قلبنه فنظرن ما هو وإن كانت جارية أعرضن عنها، فلما وجدوا ذلك المولود صرخت النسوة: هذا الذي يريد صالح رسول الله فأراد الشرط أن يأخذوه فحال جداه بينهم وقالوا: لو أن صالحا أراد هذا قتلناه فكان شر مولود وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر ويشب في الشهر شباب غيره في السنة فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون وفيهم الشيخان فقالوا: استعمل علينا هذا الغلام لمنزلته وشرف جديه فكانوا تسعة وكان صالحا لا ينام معهم في القرية كان يبيت في مسجده فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم وإذا أمسى خرج إلى مسجده فبات فيه»، قال حجاج وقال ابن جريج: لما قال لهم صالح: أنه سيولد غلام يكون هلاككم على يديه قالوا: فكيف تأمرنا قال: آمركم بقتلهم: فقتلوهم إلا واحدا قال: فلما بلغ ذلك المولود قالوا: لو كنا لم نقتل أولادنا لكان لكل رجل منا مثل هذا هذا عمل صالح فأتمروا بينهم بقتله وقالوا: نخرج مسافرين والناس يروننا علانية ثم نرجع من ليلة كذا من شهر كذا وكذا فنرصده عند مصلاه فنقتله فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نحن فأقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه فأرسل الله عليهم الصخرة فرضختهم فأصبحوا رضخا فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم فإذا هم رضخ فرجعوا يصيحون في القرية: أي عباد الله أما رضي صالح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم فاجتمع أهل القرية على قتل الناقة أجمعين وأحجموا عنها إلا ذلك ابن العاشر، ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأرادوا أن يمكروا بصالح فمشوا حتى أتوا على شرب طريق صالح فاختبأ فيه ثمانية وقالوا: إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله فبيتناهم فأمر الله الأرض فاستوت عليهم فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة وهي على حوضها قائمة فقال الشقي لأحدهم ائتها فاعقرها، فأتاها فتعاظمه ذلك فأضرب عن ذلك فبعث آخر فأعظمه ذلك فجعل لا يبعث رجلا إلا تعاظمه أمرها حتى مشى إليها وتطاول فضرب عرقوبيها فوقعت تركض فرأى رجل منهم صالحا فقال: أدرك الناقة فقد عقرت، فأقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه يا نبي الله إنما عقرها فلان إنه لا ذنب لنا، قال: فانظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب، فخرجوا يطلبونه فلما رأى الفصيل أمه تضطرب أتى جبلا يقال له القارة قصير فصعد وذهبوا ليأخذوه فأوحى الله إلى الجبل فطال في السماء حتى ما تناله الطير ودخل صالح القرية فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم استقبل صالحا فرغا رغوة ثم رغا أخرى ثم رغا أخرى فقال صالح لقومه: لكل رغوة أجل فتمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ألا إن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة واليوم الثاني محمرة واليوم الثالث مسودة فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنها قد طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنها خضبت بالدماء فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودة كأنها طليت بالقار فصاحوا جميعا ألا قد حضركم العذاب فتكفنوا وتحنطوا، وكان حنوطهم الصبر والمغر وكانت أكفانهم الانطاع ثم ألقوا أنفسهم بالأرض فجعلوا يقلبون أبصارهم فينظرون إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة فلا يدرون من أين يأتيهم العذاب من فوقهم من السماء أم من تحت أرجلهم من الأرض خسفا أو قذفا فلما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوت في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
- وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي طفيل قال: قال ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من الصادقين، قال: اخرجوا فخرجوا إلى هضبة من الأرض فإذا هي تمخض كما تمخض الحامل ثم إنها انفرجت فخرجت الناقة من وسطها فقال لهم صالح: {هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} فلما ملوها عقروها {فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} [هود: 65].
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة، أن صالحا قال لهم حين عقروا الناقة: تمتعوا ثلاثة أيام ثم قال لهم: آية عذابكم أن تصبح وجوهكم غدا مصفرة وتصبح اليوم الثاني محمرة ثم تصبح الثالث مسودة، فأصبحت كذلك، فلما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك فتكفنوا وتحنطوا ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم، وقال عاقر الناقة: لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين، فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون: ترضين فتقول: نعم والصبي حتى رضوا أجمعين فعقروها.
- وأخرج أحمد والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر قام فخطب الناس فقال:
«يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم عن الآيات فإن قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث إليهم آية فبعث الله إليهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحتلبون من لبنها مثل الذي كانوا يأخذون من مائها يوم غبها وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام وكان وعدا من الله غير مكذوب ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم تحت مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلا كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله، فقيل: يا رسول الله من هو؟ قال: أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه».
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه من حديث أبي الطفيل مرفوعا، مثله.
- وأخرج أحمد، وابن المنذر عن أبي كبشة الأنماري قال: لما كان في غزوة تبوك تسارع قوم إلى أهل الحجر يدخلون عليهم فنودي في الناس أن الصلاة جامعة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
«علام يدخلون على قوم غضب الله عليهم فقال رجل: نعجب منهم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأعجب من ذلك رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وبما هو كائن بعدكم استقيموا وسددوا فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا وسيأتي الله بقوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة، أن ثمود لما عقروا الناقة تغامزوا وقالوا: عليكم الفصيل، فصعد الفصيل القارة جبلا حتى إذا كان يوما استقبل القبلة وقال: يا رب أمي يا رب أمي يا رب أمي فأرسلت عليهم الصيحة عند ذلك.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: لما عقرت الناقة صعد بكرها فوق جبل فرغا فما سمعه شيء إلا همد.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: لما قتل قوم صالح الناقة قال لهم صالح: إن العذاب آتيكم، قالوا له: وما علامة ذلك قال: أن تصبح وجوهكم أول يوم محمرة وفي اليوم الثاني مصفرة وفي اليوم الثالث مسودة. فلما أصبحوا أول يوم احمرت وجوههم فلما كان اليوم الثاني اصفرت وجوههم فلما كان اليوم الثالث أصبحت وجوههم مسودة فأيقنوا بالعذاب فتحنطوا وتكفنوا وأقاموا في بيوتهم فصاح بهم جبريل صيحة فذهبت أرواحهم.
- وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: إن الله بعث صالحا إلى ثمود فدعاهم فكذبوه فسألوا أن يأتيهم بآية فجاءهم بالناقة لها شرب ولهم شرب يوم معلوم فأقروا بها جميعا فكانت الناقة لها شرب فيوم تشرب فيه الماء نهر بين جبلين فيزحمانه ففيها أثرها حتى الساعة ثم تأتي فتقف لهم حتى يحتلبوا اللبن قترويهم ويوم يشربون الماء لا تأتيهم وكان معها فصيل لها فقال لهم صالح: إنه يولد في شهركم هذا مولود يكون هلا ككم على يديه فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر فذبحوا أبناءهم ثم ولد للعاشر ابن فأبى أن يذبح ابنه وكان لم يولد له قبله شيء وكان أبو العاشر أحمر أزرق فنبت نباتا سريعا، فإذا مر بالتسعة فرأوه قالوا: لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا: فغضب التسعة على صالح.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {ولا تمسوها بسوء} قال: لا تعقروها). [الدر المنثور: 6/ 455-463]

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عادٍ وبوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا فاذكروا آلاء اللّه ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل صالحٍ لقومه واعظًا لهم: {واذكروا} أيّها القوم نعمة اللّه عليكم، {إذ جعلكم خلفاء}، يقول تخلفون عادًا في الأرض بعد هلاكها.
وخلفاء: جمع خليفةٍ، وإنّما جمع خليفةٍ خلفاء وفعلاء إنّما هي جمع فعيلٍ، كما الشّركاء جمع شريكٍ، والعلماء جمع عليمٍ، والحلماء جمع حليمٍ، لأنّه ذهب بالخليفة إلى الرّجل، فكأنّ واحدهم خليفٌ، ثمّ جمع خلفاء. فأمّا لو جمعت الخليفة على أنّها نظيرة كريمةٍ وحليلةٍ ورغيبةٍ قيل خلائف، كما يقال: كرائم وحلائل ورغائب، إذ كانت من صفات الإناث، وإنّما جمعت الخليفة على الوجهين اللّذين جاء بهما القرآن، لأنّها جمعت مرّةً على لفظها، ومرّةً على معناها.
وأمّا قوله: {وبوّأكم في الأرض} فإنّه يقول: وأنزلكم في الأرض، وجعل لكم فيها مساكن وأزواجًا. {تتّخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا}، ذكر أنّهم كانوا ينقبون الصّخر مساكن.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وتنحتون الجبال بيوتًا}: كانوا ينقبون في الجبال البيوت.
وقوله: {فاذكروا آلاء اللّه} يقول: فاذكروا نعمة اللّه الّتي أنعمها عليكم {ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
وكان قتادة يقول في ذلك ما:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين}، يقول: لا تسيروا في الأرض مفسدين.
وقد بيّنت معنى ذلك بشواهده واختلاف المختلفين فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 10/ 298-299]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عادٍ وبوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا فاذكروا آلاء اللّه ولا تعثوا في الأرض مفسدين (74)}
قوله تعالى: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عادٍ وبوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتا}؛
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمروا بن عليٍّ قالا:، ثنا وكيعٌ، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ: {وتنحتون الجبال بيوتًا}؛ قال: حاذقين بنحتها
- أخبرنا أحمد بن عثمان فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباط، عن السّدّيّ قوله: {وتنحتون الجبال بيوتًا}؛ كانوا ينقّبون في الجبال البيوت.
قوله تعالى: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين}؛ يقول: لا تعثوا في الأرض.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: {ولا تعثوا في الأرض}؛ يقول: ولا تسيروا في الأرض مفسدين.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى الأنصاريّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين}؛ يعني لا تمشوا بالمعاصي). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1513-1514]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وتنحتون الجبال بيوتا}؛ قال: كانوا ينقبونفي الجبال البيوت). [الدر المنثور: 6/ 463-464]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال الملأ الّذين استكبروا من قومه للّذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أنّ صالحًا مرسلٌ من ربّه قالوا إنّا بما أرسل به مؤمنون (75) قال الّذين استكبروا إنّا بالّذي آمنتم به كافرون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {قال الملأ الّذين استكبروا من قومه}، قال الجماعة الّذين استكبروا من قوم صالحٍ عن اتّباع صالحٍ والإيمان باللّه وبه، {للّذين استضعفوا} يعني: لأهل المسكنة من تبّاع صالحٍ والمؤمنين به منهم، دون ذوي شرفهم وأهل السّؤدد منهم: أتعلمون أنّ صالحًا مرسلٌ من ربّه أرسله اللّه إلينا وإليكم؟ قال الّذين آمنوا بصالحٍ من المستضعفين منهم: إنّا بما أرسل اللّه به صالحًا من الحقّ والهدى مؤمنون يقول: مصدّقون مقرّون أنّه من عند اللّه وأنّ اللّه أمر به وعن أمر اللّه دعانا صالحٌ إليه. قال الّذين استكبروا عن أمر اللّه وأمر رسوله صالحٍ: {إنّا} أيّها القوم {بالّذي آمنتم به} يقول: صدّقتم به من نبوّة صالحٍ، وأنّ الّذي جاء به حقٌّ من عند اللّه {كافرون}، يقول: جاحدون منكرون، لا نصدّق به ولا نقرّ). [جامع البيان: 10/ 300]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال الملأ الّذين استكبروا من قومه للّذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أنّ صالحًا مرسلٌ من ربّه قالوا إنّا بما أرسل به مؤمنون (75)}
قوله تعالى: {قال الملأ الّذين استكبروا من قومه}
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة قال: فحدّثنا سلمة، قال: فحدّثني محمّد بن إسحاق قال: فآمن به مخدع بن عمرٍو ومن كان معه على أزدٍ من رهطه وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا ويصدّقوا فنهاهم دؤاب بن عمرو بن لبيدٍ، والحباب صاحب أوثانهم، ورباب بن ظمعن بن جلهس، وكان كاهنهم، وكانوا من أشراف ثمود، فردّوا ثمود وأشرافها، عن الإسلام والدّخول فيما دعاهم إليه صالحٌ من الرّحمة والنّجاة، وكان لجندعٍ ابن عمٍّ له يقال له شهاب بن خليفة بن مخلاة بن الوليد بن جوّاسٍ، فأراد أن يسلم فنهاه أولئك الرّهط، عن ذلك فأطاعهم، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1514]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال الملأ الّذين استكبروا من قومه للّذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أنّ صالحًا مرسلٌ من ربّه قالوا إنّا بما أرسل به مؤمنون (75) قال الّذين استكبروا إنّا بالّذي آمنتم به كافرون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {قال الملأ الّذين استكبروا من قومه}، قال الجماعة الّذين استكبروا من قوم صالحٍ عن اتّباع صالحٍ والإيمان باللّه وبه، {للّذين استضعفوا} يعني: لأهل المسكنة من تبّاع صالحٍ والمؤمنين به منهم، دون ذوي شرفهم وأهل السّؤدد منهم: أتعلمون أنّ صالحًا مرسلٌ من ربّه أرسله اللّه إلينا وإليكم؟ قال الّذين آمنوا بصالحٍ من المستضعفين منهم: إنّا بما أرسل اللّه به صالحًا من الحقّ والهدى مؤمنون يقول: مصدّقون مقرّون أنّه من عند اللّه وأنّ اللّه أمر به وعن أمر اللّه دعانا صالحٌ إليه. قال الّذين استكبروا عن أمر اللّه وأمر رسوله صالحٍ: {إنّا} أيّها القوم {بالّذي آمنتم به} يقول: صدّقتم به من نبوّة صالحٍ، وأنّ الّذي جاء به حقٌّ من عند اللّه {كافرون}، يقول: جاحدون منكرون، لا نصدّق به ولا نقرّ). [جامع البيان: 10/ 300] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فعقروا النّاقة وعتوا عن أمر ربّهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين}.
يقول تعالى ذكره: فعقرت ثمود النّاقة الّتي جعلها اللّه لهم آيةً. {وعتوا عن أمر ربّهم}، يقول: تكبّروا وتجبّروا عن اتّباع اللّه، واستعلوا عن الحقّ.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وعتوا} علوًّا عن الحقّ، لا يبصّرونه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {عتوا عن أمر ربّهم}: علوًّا في الباطل.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وعتوا عن أمر ربّهم}، قال: عتوا في الباطل وتركوا الحقّ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وعتوا عن أمر ربّهم} قال: علوًّا في الباطل.
وهو من قولهم: جبّارٌ عاتٍ: إذا كان عاليًا في تجبّره.
{وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا}، يقول: قالوا: جئنا يا صالح بما تعدنا من عذاب اللّه ونقمته، استعجالاً منهم للعذاب. {إن كنت من المرسلين}، يقول: إن كنت للّه رسولاً إلينا، فإنّ اللّه ينصر رسله على أعدائه. فعجّل ذلك لهم كما استعجلوه، يقول جلّ ثناؤه: {فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}). [جامع البيان: 10/ 300-301]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فعقروا النّاقة وعتوا عن أمر ربّهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين (77)}
بيان قوله: {فعقروا النّاقة}؛
- حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، ثنا عبدة يعني ابن سليمان الكلابي، عن هشام من عروة، عن أبيه، عن عبد اللّه بن زمعة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا يذكر النّاقة والّذي عقرها فقال:
«إذ انبعث أشقاها انبعث لها رجلٌ عارمٌ عزيزٌ منيعٌ في رهطه مثل أبي زمعة».
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا الوليد، ثنا خليد بن دعلجٍ، عن قتادة أنّ ثموداً لمّا عقروا النّاقة تغامزوا وقالوا عليكم الفصيل، فصعد الفصيل القارة جبلاً حتّى إذا كان يومًا استقبل القبلة وقال: يا ربّ أمّي، يا ربّ أمّي يا ربّ أمّي فأرسلت عليهم الصّيحة عند ذلك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال: فانطلقوا فرصدوا النّاقة حتّى صدرت، عن الماء، وقد كمن لها قدارٌ في أصل الصّخرة على طريقها، وكمن لها مصدعٌ في أصل أخرى، فمرّت على مصدعٍ فرماها بسهمٍ فانتظم به عضلة ساقها، قال: فشدّ يعني قدارٌ على النّاقة بالسّيف فكشف عرقوبها فخرّت ورغت رغاةً واحدةً تحذّر سقبها، ثمّ طعن في لبّتها فنحرها، وانطلق سقبها حتّى أتى جبلاً منيعًا ثمّ أتى صخرةً في رأس الجبل فرغا ثمّ لاذ بها، فأتاهم صالحٌ: فلمّا رأى النّاقة قد عقرت بكى، ثمّ قال: انتهكتم حرمة اللّه. فأبشروا بعذاب اللّه ونقمته.
- حدّثنا أبي، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيان الثّوريّ، عن أبي سنانٍ، عن عبد اللّه بن أبي الهذيل، قال: لمّا عقرت النّاقة صعد بكرها فوق الجبل فرغا فما سمعه شيءٌ إلا همد.
قوله تعالى: {وعتوا}؛
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {وعتوا}؛ قال: غلوا.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وعتوا}، عن أمر ربّهم وأجمعوا في عقر النّاقة رأيهم.
قوله تعالى: {عن أمر ربّهم}؛
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
عن أمر ربّهم قال: {غلوا في الباطل}.
قوله تعالى: {يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين}
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة أن صالحًا قال: لهم حين عقروا النّاقة: تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّامٍ قال لهم: إنّ آية هلاككم أن تصبح وجوهكم غدًا مصفرةٌ. ثمّ تصبح اليوم الثّاني محمرّةٌ ثمّ تصبح اليوم الثّالث مسودّةٌ. فأصبحت كذلك، فلمّا كان اليوم الثّالث أيقنوا فتكفّنوا وتحنطوا، ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1514-1515]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم قال غلوا في الباطل).[تفسير مجاهد: 239]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وعتوا عن أمر ربهم} قال: غلوا في الباطل، وفي قوله: {فأخذتهم الرجفة}، قال: الصيحة). [الدر المنثور: 6/ 464]

تفسير قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}.
يقول تعالى ذكره: فأخذت الّذين عقروا النّاقة من ثمود الرّجفة، وهي الصّيحة.
والرّجفة: الفعلة، من قول القائل: رجف بفلانٍ كذا يرجف رجفًا، وذلك إذا حرّكه وزعزعه، كما قال الأخطل:
إمّا تريني حناني الشّيب من كبرٍ ....... كالنّسر أرجف والإنسان مهدود
وإنّما عنى بالرّجفة ههنا: الصّيحة الّتي زعزعتهم وحرّكتهم للهلاك، لأنّ ثمود هلكت بالصّيحة فيما ذكر أهل العلم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {الرّجفة}، قال: الصّيحة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فأخذتهم الرّجفة}: وهي الصّيحة.
- حدّثني الحرث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا أبو سعدٍ، عن مجاهدٍ: {فأخذتهم الرّجفة}، قال: الصّيحة.
وقوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} يقول: فأصبح الّذين أهلك اللّه من ثمود في دارهم، يعني في أرضهم الّتي هلكوا فيها وبلدتهم، ولذلك وحّد الدّار ولم يجمعها فيقول (في دورهم). وقد يجوز أن يكون أريد بها الدّور، ولكن وجّه بالواحدة إلى الجمع، كما قيل: {والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ}.
وقوله: {جاثمين} يعني: سقوطًا صرعى لا يتحرّكون لأنّهم لا أرواح فيهم قد هلكوا، والعرب تقول للبارك على الرّكبة: جاثمٌ، ومنه قول جريرٍ:
عرفت المنتأى وعرفت منها ....... مطايا القدر كالحدإ الجثوم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} قال: ميّتين). [جامع البيان: 10/ 302-303]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (78)}
قوله تعالى: {فأخذتهم الرجفة}؛
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن جابرٍ قال: لمّا مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالحجر قال:
«لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالحٍ، فكانت ترد من هذا الفجّ وتصدر من هذا الفجّ. ف عتوا، عن أمر ربّهم... ، فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يومًا ويشربون لبنها يومًا فعقروها فأخذتهم الصّيحة، فهمّد اللّه من تحت أديم السّماء منهم إلا رجلاً واحدًا كان في حرم اللّه». قالوا من هو يا رسول اللّه؟ قال:«أبو رغال، فلمّا خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه».
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ، ثنا أبو اليمان، ثنا ابن عيّاشٍ، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ قال: لمّا نزلنا الحجر- مغزى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم- تبوكًا قال لنا: أيّها النّاس لا تسألوا، عن الآيات، فذكره.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {فأخذتهم الرّجفة} قال: الصّيحة.
قوله تعالى: {فأصبحوا في دارهم}
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الخطميّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: في دارهم يعني المعسكر كلّه.
قوله تعالى: {جاثمين}
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين}، قال ميتين). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1516]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {فأخذتهم الرجفة}، قال: الصيحة). [تفسير مجاهد: 240]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {فأصبحوا في دارهم} يعني العسكر كله.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} قال: ميتين.
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فأصبحوا في دارهم جاثمين} قال: ميتين.
- وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن الحسن قال: لما عقرت ثمود الناقة ذهب فصيلها حتى صعد تلا فقال: يا رب أين أمي رغا رغوة فنزلت الصيحة فأخذتهم
- وأخرج أحمد في الزهد عن عمار قال: إن قوم صالح سألوا الناقة فأتوها فعقروها وإن بني إسرائيل سألوا المائدة فنزلت فكفروا بها وإن فتنتكم في الدينار والدرهم.
- وأخرج أبو الشيخ عن وهب قال: إن صالحا لما نجا هو والذين معه قال: يا قوم إن هذه دار قد سخط الله عليها وعلى أهلها فأظعنوا والحقوا بحرم الله وأمنه فأهلوا من ساعتهم بالحج وانطلقوا حتى وردوا مكة فلم يزالوا حتى ماتوا فتلك قبورهم في غربي الكعبة). [الدر المنثور: 6/ 464-465]

تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم ولكن لا تحبّون النّاصحين}.
يقول تعالى ذكره: فأدبر صالحٌ عنهم حين استعجلوه العذاب وعقروا ناقة اللّه خارجًا عن أرضهم من بين أظهرهم، لأنّ اللّه تعالى ذكره أوحى إليه: إنّي مهلكهم بعد ثلاثةٍ.
وقيل: إنّه لم تهلك أمّةٌ ونبيّها بين أظهرها، فأخبر اللّه جلّ ثناؤه عن خروج صالحٍ من بين قومه الّذين عتوا على ربّهم حين أراد اللّه إحلال عقوبته بهم، فقال: فتولّى عنهم صالحٌ، وقال لقومه ثمود: لقد أبلغتكم رسالة ربّي، وأدّيت إليكم ما أمرني بأدائه إليكم ربّي من أمره ونهيه، ونصحت لكم في أدائي رسالة اللّه إليكم في تحذيركم بأسه بإقامتكم على كفركم به وعبادتكم الأوثان. {ولكن لا تحبّون النّاصحين} لكم في اللّه، النّاهين لكم عن اتّباع أهوائكم، الصّادّين لكم عن شهوات أنفسكم). [جامع البيان: 10/ 304]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم ولكن لا تحبّون النّاصحين (79)}
قوله تعالى: {فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربّي}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة في قول اللّه: {فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربّي} ونصحت لكم قال: إنّ نبيّ اللّه صالحًا أسمع قومه كما واللّه أسمع محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم قومه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1517]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 12:14 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً...}
منصوب بضمير أرسلنا. ولو رفع إذ فقد الفعل كان صوابا؛ كما قال: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} وقال أيضا: {فأخرجنا به ثمراتٍ مختلفا ألوانها}
ثم قال: {ومن الجبال جددٌ بيض} فالوجه ها هنا الرفع؛ لأن الجبال لا تتبع النبات ولا الثمار. ولو نصبتها على إضمار: جعلنا لكم (من الجبال جددا بيضا) كما قال الله تبارك وتعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةً} أضمر لها جعل إذا نصبت؛ كما قال: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} والرفع في غشاوة الوجه. وقوله: {ومن الناس والدوابّ والأنعام مختلف ألوانه} ولم يقل: ألوانهم، ولا ألوانها. وذلك لمكان (من) والعرب تضمر من فتكتفي بمن من من، فيقولون: منا من يقول ذلك ومنا لا يقوله. ولو جمع على التأويل كان صوابا مثل قول ذي الرمّة:
فظلّوا ومنهم دمعه سابق له ....... وآخر يثني دمعة العين بالمهل
وقوله: {وزادكم في الخلق بسطة} كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا). [معاني القرآن: 1/ 384-385]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم مّن إله غيره قد جاءتكم بيّنةٌ مّن رّبّكم هذه ناقة اللّه لكم آيةً فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تم سّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ أليمٌ}
وقال: {فذروها تأكل في أرض اللّه} جزم إذا جعلته جوابا ورفع إذا أردت "فذروها آكلةً" وقال: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} وقال: {قل لّلّذين آمنوا يغفروا للّذين} و{فذرهم يخوضوا ويلعبوا} فصار جواباً في اللفظ وليس كذلك في المعنى). [معاني القرآن: 2/ 13]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو والأعرج ينصبان "ثمودا" وينونان؛ وكان أبو عمرو لا ينون إلا أن تثبت الألف، وكان لا ينون إذا استقبلتها ألف ولام، ويقول {وآتينا ثمود الناقة}؛ وكان الأعمش ينون على كل حال؛ وأبو عمرو لا يجرها على حال ولا ينون في الرفع؛ والقياس فيها أن تصرف كالحي، كتميم وقريش؛ وإن تركت على القبيلة أو البلدة تصير مؤنثًا، فتمتنع من الصرف؛ وكل حسن). [معاني القرآن لقطرب: 567]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} [النمل: 12]. أراد في تسع آيات إلى هذه الآية، أي معها. ثم قال: إلى فرعون ولم يقل مرسلا ولا مبعوثا، لأن ذلك معروف.
ومثله: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73]. أي: أرسلنا.
قال الشاعر:
رأتني بحبلَيْها فصدَّتْ مَخافةً ....... وفي الحبلِ رَوعاءُ الفؤادِ فَرُوقُ
أراد مقبلا بحبليها). [تأويل مشكل القرآن: 217-218] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بيّنة من ربّكم هذه ناقة اللّه لكم آية فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم (73)}
أي أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا.
وثمود في كتاب اللّه مصروف وغير مصروف.
فأما المصروف فقوله: {ألا إن ثمودا كفروا ربّهم ألا بعدا لثمود}؛
الثاني غير مصروف، فالذي صرفه جعله اسما للحي، فيكون مذكرا سمي به مذكر ومن لم يصرفه جعله اسما للقبيلة.
وقوله: {ما لكم من إله غيره}؛
وتقرأ غيره، فمن رفع فالمعنى ما لكم إله غيره، ودخلت " من " مؤكدة.
ومن جرّ جعله صفة لإله.
وأجاز بعضهم النصب في غير وهو جائز في غير القرآن، على النصب على الاستثناء وعلى الحال من النكرة.
ولا يجوز في القرآن لأنه لم يقرأ به.
وأجاز الفراء.. ما جاءني غيرك بنصب غير، وهذا خطأ
بيّن، إنما أنشد الخليل وسيبويه بيتا أجازا فيه نصب غير، فاستشهد هو بذلك البيت واستهواه اللفظ في قولهما إن الموضع موضع رفع.
وإنما أضيفت غير في البيت إلى شيء غير متمكن فبنيت على الفتح كما يبنى يوم إذا أضيف إلى إذ على الفتح.
والبيت قول الشاعر:
لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت ....... حمامة في غصون ذات أوقال
وأكثرهم ينشده غير أن نطقت، فلما أضاف غير إلى " أن " فتح غير، ولو قلت: ما جاء في غيرك لم يجز. ولو جاز هذا لجاز ما جاءني زيدا.
وقوله: {قد جاءتكم بيّنة من ربكم}
دعاهم إلى التوحيد ودلهم على نبوته بالناقة فقال: {هذه ناقة اللّه لكم آية}؛
(آية) انتصب على الحال، أي أنظروا إلى هذه الناقة آية أي علامة.
وقد اختلف في خبرها، فقيل في بعض التفسير: إن الملأ من قوم صالح كانوا بين يديه فسألوه آية وكانت بين يديه صفاة - وهي الصخرة - فأخرج الله منها ناقة معها سقبها أي ولدها.
وجاء في بعض التفسير أنه أخذ ناقة من سائر النوق، وجعل الله لها شربا يوما ولهم شرب يوم. وذكرت قصته في غير هذا الموضع فقال: {هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم (155)}.
فكانت تشرب يوما ثم تفحج يوما آخر في واد فلا تزال تحتلب ولا ينقطع حلبها ذلك اليوم.
فجائز أن يكون أمر خروجها من الصخرة صحيحا، وجائز أن يكون أمر حلبها صحيحا. وكل منهما آية معجزة تدل على النبوة.
وجائز أن تكون الرّوايتان صحيحتين فيجمع أنّها خرجت من صخرة وأن حلبها على ما ذكرنا.
ولم يكن ليقول:{قد جاءتكم بيّنة من ربّكم} فتكون آية فيها لبس). [معاني القرآن: 2/ 348-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإلى ثمود أخاهم صالحا}
قيل إنما قال -جل وعز-: أخاهم لأنه بشرا مثلهم من بني آدم يفهمون عنه فهو أوكد عليهم في الحجة.
وقيل إنما قال أخاهم لأنه من عشيرتهم.
وقوله جل وعز: {قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم}؛ يروى أنها خرجت من صخرة صماء). [معاني القرآن: 3/ 47-48]

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وبوّأكم}؛ أي أنزلكم قال ابن هرمة:
وبوّئت في صميم معشرها ....... فتمّ في قومها مبوّؤها
وزوّجكم). [مجاز القرآن: 1/ 218]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن "وتنحتون من الجبال" بالفتح، يعني الحاء في القرآن كله؛ وهو حسن؛ لأن الحاء أحد الحروف الستة الفاتحة؛ لأن مخرجها من الحلق.
أبو عمرو وسائر القراء {وتنحتون} بالكسر). [معاني القرآن لقطرب: 567]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {بوأكم}: أنزلكم). [غريب القرآن وتفسيره: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وبوّأكم في الأرض}؛ أي أنزلكم). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء اللّه ولا تعثوا في الأرض مفسدين (74)}؛ أي لما أهلكهم وورثكم الأرض.
{وبوّأكم في الأرض}؛ أي أنزلكم.
قال الشاعر:
وبوّئت في صميم معشرها ....... وتمّ في قومها مبوّؤها
أي أنزلت من الكرم في صميم النسب.
وقوله: {وتنحتون من الجبال}؛
يقال: نحت ينحت، ويقال أيضا نحت ينحت، لأن فيه حرفا من حروف ويروى أنهم لطول أعمارهم كانوا يحتاجون أن ينحتوا بيوتا في الجبال،
لأن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم). [معاني القرآن: 2/ 350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وبوأكم في الأرض}
أي أنزلكم وقال الشاعر:
وبوئت في صميم معشرها ....... فنم في قومها مبوؤها
وقيل إنما كانوا ينحتون من الجبال بيوتا لطول أعمارهم لأن السقف والحيطان كانت تنهدم قبل فناء أعمارهم
ثم قال جل وعز: {فاذكروا آلاء الله}؛
قال قتادة الآلاء النعم، وحكى أبو عبيدة واحدها إلى وإلى، وزاد غيره إلي). [معاني القرآن: 3/ 48-49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَبَوَّأَكُمْ} أي أنزلكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بَوَّأَكُمْ}: أنزلكم). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)}

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)}

تفسير قوله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وعتوا عن أمر ربّهم} أي تكبروا وتجبروا، يقال جبّار عاتٍ). [مجاز القرآن: 1/ 218]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {يا صالح ايتنا} فتصير همزة في لفظ الواو في الضمة، وهذا القياس والأكثر؛ وكذلك قراءة ابن أبي إسحاق {يقول ائذن لي} وهي الجيدة مثل: {يا صالح ائتنا}.
[معاني القرآن لقطرب: 567]
وقراءة أبي عمرو "يقول ايذن لي" بالياء وقبلها ضمة، يرفع اللام ويجيء بالياء، وهذه مرغوب عنها؛ والكلام على {يقول ائذن لي} تصير همزة كالواو للضمة). [معاني القرآن لقطرب: 568]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وعتوا}: من العتو وهي الجبرية). [غريب القرآن وتفسيره: 147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فعقروا النّاقة وعتوا عن أمر ربّهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين (77)}
{وعتوا عن أمر ربّهم}؛ أي جاوزوا المقدار في الكفر). [معاني القرآن: 2/ 351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وعتوا عن أمر ربهم} أي تجاوزا في الكفر). [معاني القرآن: 3/ 49]

تفسير قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأخذتهم الرّجفة...}
والرجفة هي الزلزلة. والصاعقة هي النار. يقال: أحرقتهم.
وقوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} يقول: رمادا جاثما). [معاني القرآن: 1/ 385]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {جاثمين}؛ أي بعضهم على بعض جثوم، وله موضع آخر جثوم على الرّكب، قال جرير:
عرفت المنتأى وعرفت منها ....... مطايا القدر كالحدأ الجثوم). [مجاز القرآن: 1/ 218]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {في دارهم جاثمين} فالجاثم: الذي لا يتحرك منه شيء في قول الحسن؛ وقالوا في اللغة: رجل جثام؛ للذي يجثم في الموضع). [معاني القرآن لقطرب: 593]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {جاثمين}: لا يتحركون كجثوم الأرنب). [غريب القرآن وتفسيره: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جاثمين} الأصل في الجثوم للطير والأرنب وما يجثم.
والجثوم البروك على الركب). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (78)
والرجفة: الزلزلة الشديدة.
ويروى أنه لما قال لهم: (تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام) أصبحوا في أول يوم مصفرة وجوههم، وفي اليوم الثاني محمرة وجوههم وفي اليوم الثالث مسودّة وجوههم، وفي اليوم الرابع أتاهم العذاب.
ويقال إن ابتداء عقرهم الناقة كان في يوم الأربعاء، وأخذهم العذاب في يوم السبت.
وقوله: {فأصبحوا نادمين}؛
أي في وقت لا ينفعهم الندم.
{وأصبحوا جاثمين}، في اليوم الذي أخذتهم فيه الرجفة.
ومعنى (جاثمين) قد خمدوا من شدة العذاب.
وقال بعضهم أصبحوا كالرماد الجاثم). [معاني القرآن: 2/ 351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فأخذتهم الرجفة}؛ الرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة
ثم قال تعالى: {فأصبحوا في دارهم جاثمين}؛ أي ساقطين على ركبهم ووجوهم، وأصل الجثوم للأرانب وما أشبهها والموضع مجثم قال الشاعر:
بها العين والآرام يمشين خلفة ....... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وروى معمر عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال لما مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحجر، قال: «لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فأخذتهم الصيحة فأهمد الله من تحت السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه»). [معاني القرآن: 3/ 49-50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الصيحة} و{الرجفة}: الموت.
{جَاثِمِينَ} لا تتحركون، وأصله الطير والأرنب تجثم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {جَاثِمِينَ}: لا يتحركون). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فتولّى عنهم...}
يقال: إنه لم يعذب أمّة ونبيّها فيها حتى يخرج عنها). [معاني القرآن: 1/ 386]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 12:04 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والأعجمي المذكر يجري مجرى العربي المؤنث في جميع ما صرف فيه.
ألا ترى أن نوحا ولوطا اسمان أعجميان وهما مصروفان في كتاب الله عز وجل! فأما قوله عز وجل: {وعاداً وثمود وأصحاب الرس} وقوله: {ألا إن ثمود كفروا ربهم} {وإلى ثمود أخاهم صالحاً} فإن ثمود اسم عربيٌّ، وإنما هو فعول من الثمد، فمن جعله اسماً لأب أوحىٍّ صرفه، ومن جعله اسماً لقبيلة أو جماعة لم يصرفه. ومكانهم من العرب معروف؛ فلذل كان لهم هذا الاسم. وعلى ذلك اسم صالح. فأما الأسماء المشتقة غير المغيرة فهي تبين لك عن أنفسها). [المقتضب: 3/ 353-354] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب تبيين الحال في العوامل التي في معنى الأفعال، وليست بأفعال، وما يمتنع من أن تجري معه الحال تقول: هذا لك كافياً، فتنصب الحال، لما في الكلام من معنى الفعل لأن معنى لك معنى تملكه.
فإن أردت أن تلغى لك قلت: هذا لك كاف يا فتى، تريد: هذا كاف لك، فتجعل كافياً خبر الابتداء، وتجعل لك ظرفاً للكفاية.
والآية تقرأ على وجهين: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصةً يوم القيامة} وخالصةٌ على ما ذكرنا. وتقول: هذا عبد الله قائماً، فتنصب قائماً لأن قولك ها للتنبيه فالمعنى: انتبه له قائماً. وقال الله عز وجل {هذه ناقة الله لكم آية} و{وهذا بعلي شيخاً}). [المقتضب: 4/ 307] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا بابٌ من الفعل يستعمل في الاسم ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسمٌ آخر فيعمل فيه كما عمل في الأوّل وذلك قولك رأيت قومك أكثرهم ورأيت بني زيد ثلثيهم ورأيت بني عمّك ناساً منهم ورأيت عبد الله شخصه وصرفت وجوهها أوّلها.
فهذا يجيء على وجهين:
على أنّه أراد رأيت أكثر قومك ورأيت ثلثي قومك وصرفت وجوه أوّلها ولكنّه ثنّى الاسم توكيداً كما قال جلّ ثناؤه: {فسجد الملائكة كلّهم
أجمعون} وأشباه ذلك. فمن ذلك قوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} وقال الشاعر:
وذكرت تقتد برد مائها ....... وعتك البول على أنسائها
ويكون على الوجه الآخر الذي أذكره لك وهو أن يتكلّم فيقول رأيت قومك ثم يبدو له أن يبين ما الذي رأى منهم فيقول ثلثيهم أو ناساً منهم. ولا يجوز أن تقول رأيت زيدا أباه والأب غير زيد لأنّك لا تبينّه بغيره ولا بشيء ليس منه. وكذلك لا تثنى الاسم توكيداً وليس بالأوّل ولا شيء منه فإنّما تثنيه وتؤكده مثنًّى بما هو منه أو هو هو. وإنّما يجوز رأيت زيداً أباه
ورأيت زيدا عمراً أن يكون أراد أن يقول رأيت عمرا أو رأيت أبا زيد فغلط أو نسى ثم استدرك كلامه بعد وإمّا أن يكون أضرب عن ذلك فنحّاه وجعل عمراً مكانه. فأمّا الأوّل فجيّدٌ عربي مثله قوله عزّ وجلّ: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} لأنهم من الناس. ومثله إلاّ أنّهم أعادوا حرف الجرّ: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم} ).[الكتاب: 1/ 150-152] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب الإخبار عن البدل وذلك قولك: مررت برجلٍ زيدٍ. فإن قال لك قائل: أخبر عن زيد فإن فيه اختلافاً. يقول قوم: الإخبار عنه: أن تخبر عن الرجل، ثم تجعله بدلاً منه، فتقول: المار به أنا رجل زيد، فتجعله بدلاً؛ كما كان في المسألة. وقال آخرون: إنما الشرط الإخبار عن البدل لا عن المبدل منه، فإنما تبدل منه في موضعه، فتقول: المار أنا برجل به زيدٌ ترد الباء؛ لأن ضمير المخفوض لا ينفصل، وردها فيما يجوز انفصاله جائز حسن. قال الله تبارك وتعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم}، فوقع البدل برد حرف الجر. وقال الله عز وجل في موضع آخر: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً}. فجاء البدل بلا حرف؛ لأنه ينفصل. فهكذا طريق البدل). [المقتضب: 3/ 111]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما المعرفة والنكرة. فإن أبدلت معرفة من نكرة قلت: مررت برجل زيد ومررت بذي مال أخيك. قال الله عز وجل: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله}. فهذا بدل المعرفة من النكرة.
وفي المعرفتين قوله: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم}.
وفي بدل النكرة من المعرفة قوله: مررت بزيد صاحب مال، ومررت بالرجل رجل صالح. قال الله عز وجل: {كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية * ناصية}.
فأما المضمر والمظهر فكقولك: زيد مررت به أخيك. وتقول: رأيت زيداً إياه، وأخوك رأيته زيداً، والمضمران: رأيتك إياه. فهذا ضرب من البدل.
والضرب الآخر أن تبدل بعض الشيء منه؛ لتعلم ما قصدت له، وتبينه للسامع. وذلك قولهم: ضربت زيداً رأسه. أردت أن تبين موضع الضرب منه، فصار كقولك: ضربت رأس زيد.
ومنه: جاءني قومك أكثرهم. بينت من جاءك منهم. قال الله عز وجل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} من في موضع خفض؛ لأنه على من استطاع إليه سبيلاً.
ومن ذلك إلا أنه أعيد معه حرف الخفض: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم}. كان أيضاً جيداً كالآية التي ذكرنا قبل. فهذان ضربان.
والضرب الثالث أن يكون المعنى محيطاً بغير الأول الذي سبق له الذكر لالتباسه بما بعده، فتبدل منه الثاني المقصود في الحقيقة. وذلك قولك: مالي بهم علم أمرهم، فأمرهم غيرهم. وإنما أراد: مالي بأمرهم علم. فقال: مالي بهم علم وهو يريد أمرهم. ومثل ذلك: أسألك عن عبد الله متصرفه في تجارته؛ لأن المسألة عن ذلك. قال الله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} لأن المسألة عن القتال، ولم يسألوا أي الشهر الحرام? وقال: {قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود} لأنهم أصحاب النار التي أوقدوها في الأخدود). [المقتضب: 4/ 295-297] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والبدل على أربعة أضرب: فواحد منها أن يبدل أحد الاسمين من الآخر إذا رجعا إلى واحد، ولا تبالي أمعرفتين كانا أم معرفة ونكرة، وتقول: مررت بأخيك زيد، لأن زيدًا رأسه. لما قلت: ضربت زيدًا، أردت أن تبين موضع الضرب منه.
فمثل الأول قول الله تبارك وتعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ}. و{لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}.
ومثل البدل الثاني قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} «من» في موضع خفض، لأنها بدل من الناس، ومثله، إلا أنه أعيد حرف الخفض: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}.
والبدل الثالث مثل ما ذكرنا في البيت، أبدل: "شمائله" منه، وهي غيره، لاشتمال المعنى عليها، ونظير ذلك: أسألك عن زيد أمره. لأن السؤال عن الأمر وتقول على هذا: سلب زيد ثوبه، فالثوب غيره، ولكن به وقع السلب، كما وقعت المسألة عن خبر زيد، ونظير ذلك من القرآن: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}. لأن المسألة إنما كانت عن القتال: هل يكون في الشهر الحرام? وقال الشاعر وهو الأخطل:
إن السيوف غدوها ورواحها ....... تركت هوازن مثل قرن الأعضب
وبدل رابع، لا يكون مثله في القرآن ولا في الشعر، وهو أن يغلط المتكلم فيستدرك غلطه، أو ينسى فيذكر فيرجع إلى حقيقة ما يقصد له، وذلك قوله: مررت بالمسجد دار زيد، أراد أن يقول: مررت بدار زيد، فإما نسي، وإما غلط، فاستدرك فوضع الذي قصد له في موضع الذي غلط فيه). [الكامل: 2/ 905-907] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) }

تفسير قوله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) }

تفسير قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) }

تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 01:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 01:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 01:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 01:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإلى ثمود ... الآية}، هو «ثمود» بن غاثن بن أرم بن سام بن نوح أخو جديس بن غاثن، وقرأ يحيى بن وثاب «وإلى ثمود» بكسر الدال وتنوينه في جميع القرآن، وصرفه على اسم الحي وترك صرفه على اسم القبيلة، قاله الزجاج، وقال الله تعالى: ألا إنّ ثمود كفروا ربّهم فالمعنى:
وأرسلنا «إلى ثمود أخاهم» فهو عطف على نوح، والأخوة هنا أخوة القرابة، وقال الزجاج يحتمل أن تكون أخوة الآدمية، وسمى أخاهم لما بعث إليهم وهم قوم عرب و «هود وصالح» عربيان، وكذلك إسماعيل وشعيب، كذا قال النقاش، وفي أمر إسماعيل عليه السلام نظر، وصالح عليه السلام هو صالح بن عبيد بن عارم بن أرم بن سام بن نوح كذا ذكر مكي، وقال وهب بعثه الله حين راهق الحلم، ولما هلك قومه ارتحل بمن معه إلى مكة، فأقاموا بها، حتى ماتوا فقبورهم بين دار الندوة والحجر، وقوله بيّنةٌ صفة حذف الموصوف وأقيمت مقامه، قال سيبويه وذلك قبيح في النكرة أن تحذف وتقام صفتها مقامها، لكن إذا كانت الصفة كثيرة الاستعمال مشتهرة وهي المقصود في الأخبار والأمم زال القبح، كما تقول جاءني عبد لبني فلان وأنت تريد جاءني رجل عبد لأن عبدا صفة فكذلك قوله هنا بيّنةٌ، المعنى آية أو حجة أو موعظة «بينة»، وقال بعض الناس إن «صالحا» جاء بالناقة من تلقاء نفسه، وقالت فرقة وهي الجمهور: بل كانت مقترحة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أليق بما ورد في الآثار من أمرهم، وروي أن بعضهم قال «يا صالح» إن كنت صادقا فادع ربك يخرج لنا من هذه الهضبة وفي بعض الروايات من هذه الصخرة لصخرة بالحجر يقال لها الكاثبة ناقة عشراء قال فدعا الله فتمخضت تلك الهضبة وتنفضت وانشقت عن ناقة عظيمة، وروي: أنها كانت حاملا فولدت سقبها المشهور، وروي أنه خرج معها فصيلها من الصخرة، وروي: أن جملا من جمال ثمود ضربها فولدت فصيلها المشهور، وقيل ناقة اللّه تشريفا لها وتخصيصا، وهي إضافة خلق إلى خالق، وقال الزجاج: وقيل إنها ناقة من سائر النوق وجعل الله لها شربا يوما ولهم شرب يوم، وكانت الآية في شربها وحلبها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحكى النقاش عن الحسن أنه قال: هي ناقة اعترضها من إبلهم ولم تكن تحلب والذي عليه الناس أقوى وأصح من هذا، قال المفسرون: وكانت حلفا عظيما تأتي إلى الماء بين جبلين فيزحمانها من العظم وقاسمت ثمود في الماء يوما بيوم فكانت ترد يومها فتستوفي ماء بئر همشريا ويحلبونها ما شاؤوا من لبن ثم تمكث يوما وترد بعد ذلك غيا، فاستمر ذلك ما شاء الله حتى أماتها ثمود وقالوا ما نصنع باللبن، الماء أحب إلينا منه، وكان سبب الملل فيما روي أنها كانت تصيف في بطن الوادي وادي الحجر وتستوفي ظاهره فكانت مواشيهم تفر منها فتصيف في ظهر الوادي للقيظ، وتستوفي باطنه للزمهرير وفسدت لذلك، فتمالؤوا على قتل الناقة فقال لهم «صالح» مرة إن هذا الشهر يولد فيه مولود يكون هلاككم على يديه، فولد لعشرة نفر أولاد فذبح التسعة أولادهم، وبقي العاشر وهو سالف أبو قدار، فنشأ قدار أحمر أزرق فكان التسعة إذا رأوه قالوا لو عاش بنونا كانوا مثل هذا، فاحفظهم إن قتلوا أولادهم بكلام صالح.
فأجمعوا على قتله، فخرجوا وكمنوا في غار ليبيتوه منه وتقاسموا لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله، فسقط الغار عليهم فماتوا فهم الرهط التسعة الذين ذكر الله تعالى في كتابه هم قدار بن سالف، ومصرع بن مهرج ضما إلى نفسيهما سبعة نفر وعزموا على عقر الناقة، وروي أن السبب في ذلك أن امرأتين من ثمود من أعداء «صالح» جعلتا لقدار ومصرع أنفسهما وأموالهما على أن يعقرا الناقة وكانتا من أهل الجمال، وقيل إن قدارا شرب الخمر مع قوم فطلبوا ماء يمزجون به الخمر فلم يجدوه لشرب الناقة، فعزموا على عقرها حينئذ فخرجوا وجلسوا على طريقها وكمن لها قدار خلف صخرة، فلما دنت منه رماها بالحربة ثم سقطت فنحرها، ثم اتبعوا الفصيل فهرب منهم حتى علا ربوة ورغا ثلاث مرات واستغاث فلحقوه وعقروه، وفي بعض الروايات أنهم وجدوا الفصيل على رابية من الأرض فأرادوه فارتفعت به حتى لحقت به في السماء فلم يقدروا عليه، فرغا الفصيل مستغيثا بالله تعالى فأوحى الله إلى «صالح» أن مرهم فليتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، وحكى النقاش عن الحسن أنه قال إن الله تعالى أنطق الفصيل فنادى أين أمي؟ فقال لهم «صالح» إن العذاب واقع بكم في الرابع من عقر الناقة، وروي: أنه عقرت يوم الأربعاء وقال لهم «صالح» تحمر وجوهم غدا وتصفر في الثاني وتسود في الثالث وينزل العذاب في الرابع يوم الأحد، فلما ظهرت العلامة التي قال لهم أيقنوا واستعدوا ولطخوا أبدانهم بالمن، وحفروا القبور وتحنطوا فأخذتهم الصيحة وخرج صالح ومن معه حتى نزل رملة فلسطين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القصص اقتضبته من كثير أورده الطبري رحمه الله رغبة الإيجاز، وقال أبو موسى الأشعري: أتيت بلاد ثمود فذرعت صدر الناقة فوجدته ستين ذراعا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وبلاد ثمود هي بين الشام والمدينة، وهي التي مر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع المسلمين في غزوة تبوك فقال: «لا تدخلوا مساكين الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم»، ثم اعتجر بعمامته وأسرع السير صلى الله عليه وسلم وروي أن المسافة التي أهلكت الصيحة أهلها هي ثمانية عشر ميلا، وهي بلاد الحجر ومراتعها الجناب وحسمي إلى وادي القرى وما حوله، وقيل في قدار إنه ولد زنا من رجل يقال له ظيبان وولد على فراش سالف فنسب إليه ذكره قتادة وغيره، وذكر الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر فقال:«أتعرفون ما هذا؟» قالوا: لا، قال: «هذا قبر أبي رغال الذي هو أبو ثقيف كان من ثمود فأصاب قومه البلاء وهو بالحرم فسلم فلما خرج من الحرم أصابه ما أصابهم فدفن هنا وجعل معه غصن من ذهب قال فابتدر القوم بأسيافهم فحفروا حتى أخرجوا الغصن».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الخبر يريد ما في السير من أن أبا رغال هو دليل الفيل وحبيسه إلى مكة والله أعلم). [المحرر الوجيز: 3/ 600-603]

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عادٍ وبوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً فاذكروا آلاء اللّه ولا تعثوا في الأرض مفسدين (74) قال الملأ الّذين استكبروا من قومه للّذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أنّ صالحاً مرسلٌ من ربّه قالوا إنّا بما أرسل به مؤمنون (75) قال الّذين استكبروا إنّا بالّذي آمنتم به كافرون (76)}
بوّأكم معناه مكنكم، وهي مستعملة في المكان وظروفه، تقول تبوأ فلان منزلا حسنا، ومنه قوله تعالى: {تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال}[آل عمران: 121]، وقال الأعشى: [الطويل]
فما بوّأ الرحمان بيتك منزلا ....... بشرقيّ أجياد الصّفا والمحرم
و «القصور»: جمع قصر وهي الدور التي قصرت على بقاع من الأرض مخصوصة بخلاف بيوت العمود وقصرت عن الناس قصرا تاما، و «النحت» النجر والقشر في الشيء الصلب كالحجر والعود ونحوه، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «تنحتون» بفتح الحاء، وقرأ جمهور الناس: بكسرها وبالتاء من فوق، وقرأ ابن مصرف: بالياء من أسفل وكسر الحاء، وقرأ أبو مالك بالياء من أسفل وفتح الحاء، وكانوا «ينحتون» الجبال لطول أعمارهم، وتعثوا معناه تفسدوا يقال: عثا يعثي وعثا يعثو وعثى يعثى كنسى ينسى وعليها لفظ الآية، وقرأ الأعمش «تعثوا» بكسر التاء ومفسدين: حال). [المحرر الوجيز: 3/ 603-604]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وتقدم القول في الملأ، وقرأ ابن عامر وحده في هذا الموضع «وقال الملأ» بواو عطف وهي محذوفة عند الجميع، والّذين استكبروا هم الأشراف والعظماء الكفرة، واستكبروا يحتمل أن يكون معناه طلبوا هيئة لنفوسهم من الكبر، أو يكون بمعنى كبروا كبرهم المال والجاه وأعظمهم فيكون على هذا كبر و «استكبر» بمعنى كعجب واستعجب، والأول هو باب استفعل كاستوقد واسترفد، والذين استضعفوا هم العامة والأغفال في الدنيا وهم أتباع الرسل، وقولهم أتعلمون استفهام على معنى الاستهزاء والاستخفاف، فأجاب المؤمنون بالتصديق والصرامة في دين الله فحملت الأنفة الإشراف على مناقضة المؤمنين في مقالتهم واستمروا على كفرهم). [المحرر الوجيز: 3/ 604]

تفسير قوله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فعقروا النّاقة وعتوا عن أمر ربّهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين (77) فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (78) فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم ولكن لا تحبّون النّاصحين (79)}
قوله تعالى: فعقروا يقتضي بتشريكهم أجمعين في الضمير أن عقر الناقة كان على تمالؤ منهم وإصفاق وكذلك: روي أن قدارا لم يعقرها حتى كان يستشير الرجال والنساء والصبيان، فلما أجمعوا تعاطى فعقر، وعتوا معناه خشوا وصلبوا ولم يذعنوا للأمر والشرع وصمموا على تكذيبه واستعجلوا النقمة بقولهم ائتنا بما تعدنا وحسن الوعد في هذا الموضع لما تقيد بأنه عذاب، قال أبو حاتم قرأ عيسى وعاصم أيتنا بهمز وإشباع ضم، وقرأ بتخفيف الهمزة كأنها ياء في اللفظ أبو عمرو والأعمش). [المحرر الوجيز: 3/ 604-605]

تفسير قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والرّجفة ما تؤثره الصيحة أو الطامة التي يرجف بها الإنسان وهو أن يتزعزع ويتحرك ويضطرب ويرتعد. ومنه قول خديجة فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، ومنه قول الأخطل:
[البسيط]:
أما تريني حناني الشيب من كبر ....... كالنسر أرجف والإنسان ممدود
ومنه «إرجاف» النفوس لكريه الأخبار أي تحريكها، وروي أن صيحة ثمود كان فيها من صوت كل شيء هائل الصوت، وكانت مفرطة شقت قلوبهم فجثوا على صدورهم والجاثم اللاطئ بالأرض على صدره مع قبض ساقيه كما يرقد الأرنب والطير، فإن جثومها على وجهها، ومنه قول جرير: [الوافر].
عرفت المنتأى وعرفت منها ....... مطايا القدر كالحدأ الجثوم
وقال بعض المفسرين معناه حمما محترقين كالرماد الجاثم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحيث وجد الرماد الجاثم في شعر فإنما هو مستعار لهيئة الرماد قبل هموده وتفرقه، وذهب صاحب هذا القول إلى أن الصيحة اقترن بها صواعق محرقة). [المحرر الوجيز: 3/ 605-606]

تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأخبر الله عز وجل بفعل «صالح» في توليه عنهم وقت «عقرهم» الناقة وقولهم ائتنا بما تعدنا وذلك قبل نزول العذاب وكذلك روي أنه عليه السلام خرج من بين أظهرهم قبل نزول العذاب وهو الذي تقتضيه مخاطبته لهم، وأما لفظ الآية فيحتمل أن خاطبهم وهم موتى على جهة التفجع عليهم وذكر حالهم أو غير ذلك كما خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر، قال الطبري: وقيل لم تهلك أمة ونبيها معها، وروي أنه ارتحل بمن معه حتى جاء مكة فأقام بها حتى مات، ولفظة التولي تقتضي اليأس من خيرهم واليقين في إهلاكهم. وقوله: لا تحبّون النّاصحين عبارة عن تغليبهم الشهوات على الرأي، إذ كلام الناصح صعب مضاد لشهوة نفس الذي ينصح، ولذلك تقول العرب أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك). [المحرر الوجيز: 3/ 606]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 01:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 01:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره قد جاءتكم بيّنةٌ من ربّكم هذه ناقة اللّه لكم آيةً فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ أليمٌ (73) واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عادٍ وبوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا فاذكروا آلاء اللّه ولا تعثوا في الأرض مفسدين (74) قال الملأ الّذين استكبروا من قومه للّذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أنّ صالحًا مرسلٌ من ربّه قالوا إنّا بما أرسل به مؤمنون (75) قال الّذين استكبروا إنّا بالّذي آمنتم به كافرون (76) فعقروا النّاقة وعتوا عن أمر ربّهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين (77) فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (78)}
قال علماء التّفسير والنّسب: ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوحٍ، وهو أخو جديس بن عاثر، وكذلك قبيلة طسم، كلّ هؤلاء كانوا أحياءً من العرب العاربة قبل إبراهيم الخليل، عليه السّلام، وكانت ثمود بعد عادٍ، ومساكنهم مشهورةٌ فيما بين الحجاز والشّام إلى وادي القرى وما حوله، وقد مرّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- على قراهم ومساكنهم، وهو ذاهبٌ إلى تبوك سنة تسعٍ.
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا صخر بن جويرية، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: لمّا نزل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بالنّاس على تبوك، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود، فاستسقى النّاس من الآبار الّتي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها ونصبوا منها القدور. فأمرهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأهرقوا القدور، وعلفوا العجين الإبل، ثمّ ارتحل بهم حتّى نزل بهم على البئر الّتي كانت تشرب منها النّاقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الّذين عذّبوا وقال:«إنّي أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فلا تدخلوا عليهم»
وقال [الإمام] أحمد أيضًا: حدّثنا عفّان، حدّثنا عبد العزيز بن مسلمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن دينارٍ، عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بالحجر:«لا تدخلوا على هؤلاء المعذّبين إلّا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم»
وأصل هذا الحديث مخرّج في الصّحيحين من غير وجهٍ
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا المسعوديّ، عن إسماعيل بن أوسط، عن محمّد بن أبي كبشة الأنماريّ، عن أبيه قال: لمّا كان في غزوة تبوك، تسارع النّاس إلى أهل الحجر، يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنادى في النّاس: «الصّلاة جامعةٌ». قال: فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو ممسكٌ بعيره وهو يقول: «ما تدخلون على قومٍ غضب اللّه عليهم». فناداه رجلٌ منهم: نعجب منهم يا رسول اللّه. قال: «أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك: رجلٌ من أنفسكم ينبّئكم بما كان قبلكم، وبما هو كائنٌ بعدكم، فاستقيموا وسدّدوا، فإنّ اللّه لا يعبأ بعذابكم شيئًا، وسيأتي قومٌ لا يدفعون عن أنفسهم شيئًا»
لم يخرجه أحدٌ من أصحاب السّنن وأبو كبشة اسمه: عمر بن سعدٍ، ويقال: عامر بن سعدٍ، واللّه أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق: حدّثنا معمر، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ قال: لمّا مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحجر قال: «لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالحٍ فكانت -يعني النّاقة -ترد من هذا الفجّ، وتصدر من هذا الفجّ، فعتوا عن أمر ربّهم فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يومًا ويشربون لبنها يومًا، فعقروها، فأخذتهم صيحةٌ، أهمد الله من تحت أديم السّماء منهم، إلّا رجلًا واحدًا كان في حرم اللّه». فقالوا: من هو يا رسول اللّه؟ قال:«أبو رغال. فلمّا خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه»
وهذا الحديث ليس في شيءٍ من الكتب السّتّة، وهو على شرط مسلمٍ.
فقوله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا} أي: ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحًا، {قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره} جميع الرّسل يدعون إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء:25] وقال [تعالى] {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت}[النّحل:36].
وقوله: {قد جاءتكم بيّنةٌ من ربّكم هذه ناقة اللّه لكم آيةً} أي: قد جاءتكم حجّةٌ من اللّه على صدق ما جئتكم به. وكانوا هم الّذين سألوا صالحًا أن يأتيهم بآيةٍ، واقترحوا عليه أن تخرج لهم من صخرةٍ صماء عيّنوها بأنفسهم، وهي صخرةٌ منفردةٌ في ناحية الحجر، يقال لها: الكاتبة، فطلبوا منه أن يخرج لهم منها ناقةً عشراء تمخض، فأخذ عليهم صالحٌ العهود والمواثيق لئن أجابهم اللّه إلى سؤالهم وأجابهم إلى طلبتهم ليؤمننّ به وليتبعنّه؟ فلمّا أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم، قام صالحٌ، عليه السّلام، إلى صلاته ودعا اللّه، عزّ وجلّ، فتحرّكت تلك الصّخرة ثمّ انصدعت عن ناقةٍ جوفاء وبراء يتحرّك جنينها بين جنبيها، كما سألوا، فعند ذلك آمن رئيس القوم وهو: "جندع بن عمرٍو" ومن كان معه على أمره وأراد بقيّة أشراف ثمود أن يؤمنوا فصدّهم "ذؤاب بن عمرو بن لبيدٍ" "والحباب" صاحب أوثانهم، ورباب بن صمعر بن جلهس، وكان ل"جندع بن عمرٍو" ابن عمٍّ يقال له: "شهاب بن خليفة بن محلّاة بن لبيد بن حراسٍ"، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها، فأراد أن يسلم أيضًا فنهاه أولئك الرّهط، فأطاعهم، فقال في ذلك رجلٌ من مؤمني ثمود، يقال له مهوس بن عنمة بن الدّميل، رحمه اللّه:
وكانت عصبةٌ من آل عمرو ....... إلى دين النّبيّ دعوا شهابا
عزيز ثمود كلّهم جميعًا
....... فهمّ بأن يجيب فلو أجابا
لأصبح صالحٌ فينا عزيزًا
....... وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا
ولكنّ الغواة من آل حجرٍ
....... تولّوا بعد رشدهم ذئابا
فأقامت النّاقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدّةً، تشرب ماء بئرها يومًا، وتدعه لهم يومًا، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها، يحتلبونها فيملئون ما شاءوا من أوعيتهم وأوانيهم، كما قال في الآية الأخرى: {ونبّئهم أنّ الماء قسمةٌ بينهم كلّ شربٍ محتضرٌ} [القمر:28] وقال تعالى: {هذه ناقةٌ لها شربٌ ولكم شرب يومٍ معلومٍ} [الشّعراء:155] وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ترد من فجّ وتصدر من غيره ليسعها؛ لأنها كانت تتضلّع عن الماء، وكانت -على ما ذكر -خلقًا هائلًا ومنظرًا رائعًا، إذا مرّت بأنعامهم نفرت منها. فلمّا طال عليهم واشتدّ تكذيبهم لصالحٍ النّبيّ، عليه السّلام، عزموا على قتلها، ليستأثروا بالماء كلّ يومٍ، فيقال: إنّهم اتّفقوا كلّهم على قتلها
قال قتادة: بلغني أنّ الّذي قتل النّاقة طاف عليهم كلّهم، أنّهم راضون بقتلها حتّى على النّساء في خدورهنّ، وعلى الصّبيان [أيضًا]
قلت: وهذا هو الظّاهر؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: {فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها} [الشّمس: 14] وقال: {وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها} [الإسراء: 59] وقال: {فعقروا النّاقة} فأسند ذلك على مجموع القبيلة، فدلّ على رضا جميعهم بذلك، واللّه أعلم.
وذكر الإمام أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه، وغيره من علماء التّفسير في سبب قتل النّاقة: أنّ امرأةً منهم يقال لها: "عنيزة ابنة غنم بن مجلز" وتكنّى أمّ غنم كانت عجوزًا كافرةً، وكانت من أشدّ النّاس عداوةً لصالحٍ، عليه السّلام، وكانت لها بناتٌ حسانٌ ومالٌ جزيلٌ، وكان زوجها ذؤاب بن عمرٍو أحد رؤساء ثمود، وامرأةً أخرى يقال لها: "صدوف بنت المحيّا بن دهر بن المحيّا" ذات حسبٍ ومالٍ وجمالٍ، وكانت تحت رجلٍ مسلمٍ من ثمود، ففارقته، فكانتا تجعلان لمن التزم لهما بقتل النّاقة، فدعت "صدوف" رجلًا يقال له: "الحباب" وعرضت عليه نفسها إن هو عقر النّاقة، فأبى عليها. فدعت ابن عمٍّ لها يقال له: "مصدع بن مهرج بن المحيّا"، فأجابها إلى ذلك -ودعت "عنيزة بنت غنمٍ" قدار بن سالف بن جندع وكان رجلًا أحمر أزرق قصيرًا، يزعمون أنّه كان ولد زنية، وأنّه لم يكن من أبيه الّذي ينسب إليه، وهو سالفٌ، وإنّما هو من رجلٍ يقال له: "صهيادٌ" ولكن ولد على فراش "سالفٍ"، وقالت له: أعطيك أيّ بناتي شئت على أن تعقر النّاقة! فعند ذلك، انطلق "قدار بن سالفٍ" "ومصدع بن مهرجٍ"، فاستفزّا غواة من ثمود، فاتّبعهما سبعة نفرٍ، فصاروا تسعة رهطٍ، وهم الّذين قال اللّه تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الأرض ولا يصلحون} [النّمل:48] وكانوا رؤساء في قومهم، فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها، فطاوعتهم على ذلك، فانطلقوا فرصدوا النّاقة حين صدرت عن الماء، وقد كمن لها "قدارٌ" في أصل صخرةٍ على طريقها، وكمن لها "مصدعٌ" في أصل أخرى، فمرّت على "مصدعٍ" فرماها بسهمٍ، فانتظم به عضلة ساقها وخرجت "أمّ غنم عنيزة"، وأمرت ابنتها وكانت من أحسن النّاس وجهًا، فسفرت عن وجهها لقدارٍ وذمّرته فشدّ على النّاقة بالسّيف، فكسف عرقوبها، فخرّت ساقطةً إلى الأرض، ورغت رغاة واحدةً تحذّر سقبها، ثمّ طعن في لبّتها فنحرها، وانطلق سقبها -وهو فصيلها -حتّى أتى جبلًا منيعًا، فصعد أعلى صخرةٍ فيه ورغا -فروى عبد الرّزّاق، عن معمر، عمّن سمع الحسن البصري أنه قال: يا ربّ أين أمّي؟ ويقال: إنّه رغا ثلاث مرّاتٍ. وإنّه دخل في صخرةٍ فغاب فيها، ويقال: بل اتّبعوه فعقروه مع أمّه، فاللّه أعلم
فلمّا فعلوا ذلك وفرغوا من عقر النّاقة، بلغ الخبر صالحًا، عليه السّلام، فجاءهم وهم مجتمعون، فلمّا رأى النّاقة بكى وقال: {تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّامٍ [ذلك وعدٌ غير مكذوبٍ]} [هودٍ:65] وكان قتلهم النّاقة يوم الأربعاء، فلمّا أمسى أولئك التّسعة الرّهط عزموا على قتل صالحٍ [عليه السّلام] وقالوا: إن كان صادقًا عجّلناه قبلنا، وإن كان كاذبًا ألحقناه بناقته! {قالوا تقاسموا باللّه لنبيّتنّه وأهله ثمّ لنقولنّ لوليّه ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون. ومكروا مكرًا ومكرنا مكرًا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنّا دمّرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاويةً بما ظلموا} الآية. [النّمل:49-52]
فلمّا عزموا على ذلك، وتواطؤوا عليه، وجاءوا من اللّيل ليفتكوا بنبيّ اللّه صالحٍ، أرسل اللّه، سبحانه وتعالى، وله العزّة ولرسوله، عليهم حجارةً فرضختهم سلفًا وتعجيلًا قبل قومهم، وأصبح ثمود يوم الخميس، وهو اليوم الأوّل من أيّام النّظرة، ووجوههم مصفرّةٌ كما وعدهم صالحٌ، عليه السّلام، وأصبحوا في اليوم الثّاني من أيّام التّأجيل، وهو يوم الجمعة، ووجوههم محمّرةٌ، وأصبحوا في اليوم الثّالث من أيّام المتاع وهو يوم السّبت، ووجوههم مسوّدةٌ، فلمّا أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنّطوا وقعدوا ينتظرون نقمة اللّه وعذابه، عياذًا باللّه من ذلك، لا يدرون ماذا يفعل بهم، ولا كيف يأتيهم العذاب؟ و [قد] أشرقت الشّمس، جاءتهم صيحةٌ من السّماء ورجفة شديدةٌ من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النّفوس في ساعةٍ واحدةٍ {فأصبحوا في دارهم جاثمين} أي: صرعى لا أرواح فيهم، ولم يفلت منهم أحدٌ، لا صغيرٌ ولا كبيرٌ، لا ذكرٌ ولا أنثى -قالوا: إلّا جاريةً كانت مقعدة -واسمها "كلبة بنة السّلق"، ويقال لها: "الزّريقة" -وكانت كافرةً شديدة العداوة لصالحٍ، عليه السّلام، فلمّا رأت ما رأت من العذاب، أطلقت رجلاها، فقامت تسعى كأسرع شيءٍ، فأتت حيًّا من الأحياء فأخبرتهم بما رأت وما حلّ بقومها، ثمّ استسقتهم من الماء، فلمّا شربت، ماتت.
قال علماء التّفسير: ولم يبق من ذرّيّة ثمود أحدٌ، سوى صالحٍ، عليه السّلام، ومن اتّبعه، رضي اللّه عنهم، إلّا أنّ رجلًا يقال له: "أبو رغال"، كان لمّا وقعت النّقمة بقومه مقيما في الحرم، فلم يصبه شيءٌ، فلمّا خرج في بعض الأيّام إلى الحلّ، جاءه حجرٌ من السّماء فقتله.
وقد تقدّم في أوّل القصّة حديث "جابر بن عبد اللّه" في ذلك، وذكروا أنّ أبا رغالٍ هذا هو والد ثقيفٍ" الّذين كانوا يسكنون الطّائف
قال عبد الرّزّاق: قال معمر: أخبرني إسماعيل بن أميّة؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مرّ بقبر أبي رغالٍ فقال: «أتدرون من هذا؟» فقالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: «هذا قبر أبي رغالٍ، رجلٍ من ثمود، كان في حرم اللّه، فمنعه حرم اللّه عذاب اللّه. فلمّا خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن هاهنا، ودفن معه غصنٌ من ذهبٍ، فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عنه، فاستخرجوا الغصن».
وقال عبد الرّزّاق: قال معمرٌ: قال الزّهريّ: أبو رغالٍ: أبو ثقيفٍ
هذا مرسلٌ من هذا الوجه، وقد روي متّصلًا من وجهٍ آخر، كما قال محمّد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أميّة، عن بجير بن أبي بجيرٍ قال: سمعت عبد اللّه بن عمرٍو يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول، حين خرجنا معه إلى الطّائف، فمررنا بقبرٍ فقال: «هذا قبر أبي رغالٍ، وهو أبو ثقيفٍ، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم فدفع عنه، فلمّا خرج [منه] أصابته النّقمة الّتي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه. وآية ذلك أنّه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشم عنه أصبتموه [معه] فابتدره النّاس فاستخرجوا منه الغصن».
وهكذا رواه أبو داود، عن يحيى بن معينٍ، عن وهب بن جرير بن حازمٍ، عن أبيه، عن ابن إسحاق، به
قال شيخنا أبو الحجّاج المزيّ: وهو حديثٌ حسنٌ عزيزٌ
قلت: تفرّد بوصله "بجير بن أبي بجيرٍ" هذا، وهو شيخٌ لا يعرف إلا بهذا الحديث. قال يحيى ابن معينٍ: ولم أسمع أحدًا روى عنه غير إسماعيل بن أميّة.
قلت: وعلى هذا، فيخشى أن يكون وهم في رفع هذا الحديث، وإنّما يكون من كلام عبد اللّه بن عمرٍو، ممّا أخذه من الزّاملتين.
قال شيخنا أبو الحجّاج، بعد أن عرضت عليه ذلك: وهذا محتملٌ، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 439-443]

تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم ولكن لا تحبّون النّاصحين (79)}
هذا تقريعٌ من صالحٍ، عليه السّلام، لقومه، لمّا أهلكهم اللّه بمخالفتهم إياه، وتمردهم على الله، وإبائهم عن قبول الحقّ، وإعراضهم عن الهدى إلى العمى -قال لهم صالحٌ ذلك بعد هلاكهم تقريعًا وتوبيخًا وهم يسمعون ذلك، كما ثبت في الصّحيحين: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا ظهر على أهل بدرٍ، أقام هناك ثلاثًا، ثمّ أمر براحلته فشدّت بعد ثلاثٍ من آخر اللّيل فركبها ثمّ سار حتّى وقف على القليب، قليب بدرٍ، فجعل يقول: «يا أبا جهل بن هشامٍ، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، ويا فلان بن فلانٍ: هل وجدتم ما وعد ربّكم حقًّا؟ فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقًّا». فقال له عمر: يا رسول اللّه، ما تكلّم من أقوامٍ قد جيّفوا؟ فقال: «والّذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون».
وفي السّيرة أنّه، عليه السّلام قال لهم: «بئس عشيرة النّبيّ كنتم لنبيّكم، كذّبتموني وصدقني النّاس، وأخرجتموني وآواني النّاس، وقاتلتموني ونصرني النّاس، فبئس عشيرة النّبيّ كنتم لنبيّكم».
وهكذا صالحٌ، عليه السّلام، قال لقومه: {لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم} أي: فلم تنتفعوا بذلك، لأنّكم لا تحبّون الحقّ ولا تتّبعون ناصحًا؛ ولهذا قال: {ولكن لا تحبّون النّاصحين}
وقد ذكر بعض المفسّرين أنّ كلّ نبيٍّ هلكت أمّته، كان يذهب فيقيم في الحرم، حرم مكّة، فاللّه أعلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا زمعة بن صالحٍ، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بوادي عسفان حين حجّ قال: «يا أبا بكر، أيّ وادي هذا؟ » قال: هذا وادي عسفان. قال: «لقد مرّ به هودٌ وصالحٌ، عليهما السّلام، على بكرات حمر خطمها اللّيف، أزرهم العباء، وأرديتهم النّمار، يلبّون يحجّون البيت العتيق».
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، لم يخرجه أحدٌ منهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 443-444]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة