سورة الفرقان
[ من الآية (25) إلى الآية (29) ]
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) }
قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويوم تشقّق السّماء بالغمام (25)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والحضرمي (تشّقّق) بتشديد الشين، وفي (ق) مثلها مشدد.
وخففها الباقون.
[معاني القراءات وعللها: 2/215]
قال أبو منصور: من قرأ (تشّقّق) أراد تتشقّق، فأدغم التاء في الشين، وشددت.
ومن قرأ (ويوم تشقّق) بتخفيف الشين، فإنه كان في الأصل (تتشقق) أيضًا، فحذفت إحدى التاءين). [معاني القراءات وعللها: 2/216]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ونزّل الملائكة تنزيلًا (25)
قرأ ابن كثير وحده (وننزل الملائكة) بنونين الثانية ساكنة، (الملائكة) نصبًا.
وقرأ الباقون (ونزّل الملائكة).
قال أبو منصور: من قرأ (ونزّل الملائكة) فهو على ما لم يسم فاعله.
ومن قرأ (وننزل الملائكة) فهو من قول الله، و(الملائكة) نصبٌ لأنه مفعول به.
قال: والقراءة المختارة: (ونزّل) بالتشديد؛ لأنه قيّده بقوله (تنزيلًا)
ومن أجاز (وننزل) قال: الإنزال، والتنزيل واحدٌ، وهو كقوله جلّ وعزّ: (وتبتّل إليه تبتيلًا (8) ). [معاني القراءات وعللها: 2/216]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {تشقق السماء بالغمام} [25].
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر {تشقق} مشددًا أرادوا: تشقق فأدغموا، ومعناه: تتشقق السماء عن الغمام الأبيض ، ثم تنزل منها الملائكة، فـ «عن» و«الباء» تتعاقبان كقولهم: سأل زيد بكذا يريدون: عن كذا. قال الله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع} أي: عن عذاب وأنشد:
دع المغمر لا تسأل بمصرعه = وآسأل بمصقلة البكرى ما فعلا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/119]
وقرأ الباقون {تشقق} مخففًا أرادوا – أيضًا -: التاءين فخزلوا واحدة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/120]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {ونزل الملائكة تنزيلا} [25].
قرأ ابن كثير وحده {وننزل الملائكة} بالنصب و{ننزل} بنونين، الأولى علم الاستقبال. والثانية سنخية، الله تعالى يخبر عن نفسه أي: وننزل نحن الملائكة.
وقرأ الباقون {ونزل الملائكة} على ما لم يسم فاعله.
و{الملائكة} رفع، اسم ما لم يسم فاعله، وهو الاختيار؛ لأن {تنزيلا} لا يكون إلا مصدرًا لنزل، فلو قرأ ابن كثير وننزل – بالتشديد – لوافق تنزيلا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/120]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (ويوم تشقق) [الفرقان/ 25] مشددة الشين، وقرأ الباقون خفيفة الشين.
[الحجة للقراء السبعة: 5/340]
قال أبو على: المعنى: تشقق السماء وعليها غمام، وقال: إذا السماء انشقت [الانشقاق/ 1]، فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان [الرحمن/ 37]، وجاء في التفسير فيما زعموا أنه تتشقق سماء سماء، ومعنى: ونزّل الملائكة إلى الأرض كما قال: وجاء ربك والملك صفا صفا [الفجر/ 22]. ويجوز في تشقق أمران: أحدهما أن يراد به الآتى، والآخر أن يكون حكاية حال تكون، كما أنّ قوله: ربما يود الذين كفروا [الحجر/ 2] كذلك، وكما أن قوله: وكلبهم باسط ذراعيه [الكهف/ 18]، في أنّه حكاية حال قد مضت، فكذلك قوله تعالى: هذا من شيعته وهذا من عدوه [القصص/ 15]، وتقدير تشّقّق: تتشقق، فأدغم التاء في الشين، لأنّ الصوت بالشين يلحق بمخارج هذه الحروف التي من طرف اللسان وأصول الثنايا، فأدغمن فيها كما أدغمن في الضاد لما كانت كذلك، وكما يدغم بعضهن في بعض.
ومن قال: تشقق بتخفيف الشين حذف التاء التي أدغمها من قال: تشّقّق. قال أبو الحسن: الخفيفة أكثر في الكلام نحو: تذكّر أمة الله، لأنّهم أرادوا الخفّة، فكان الحذف أخفّ عليهم من الإدغام). [الحجة للقراء السبعة: 5/341]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير وحده: (وننزل الملائكة) [الفرقان/ 25] نصبا تنزيلا منونا منصوبا وقرأ الباقون: ونزل الملائكة بنون لم يسمّ فاعله الملائكة رفعا.
قال أبو علي: التنزيل: مصدر نزّل، فكما أنّ في بعض الحروف: (ونزل الملائكة تنزيلا)، لأنّ أنزل مثل نزّل، كذلك قال
[الحجة للقراء السبعة: 5/341]
ابن كثير: (وننزل الملائكة تنزيلا) وفي التنزيل: وتبتل إليه تبتيلا [المزمل/ 8]، فجاء المصدر على فعّل، ولو كان على تبتّل لكان تبتّلا، وقال:
وقد تطوّيت انطواء الحضب حيث كان تطوّيت وانطويت يتقاربان حمل مصدر ذا على مصدر ذا. فأما: (ننزل الملائكة) نصبا، فالمعنى في (ننزل الملائكة) ونزل الملائكة واحدة. ومن قال: نزل الملائكة فبنى الفعل للمفعول، فمن الدّلالة عليه قوله: تنزل الملائكة والروح فيها [القدر/ 4] ف (تنزّل) مطاوع (نزّل) تقول: نزّلته فتنزّل). [الحجة للقراء السبعة: 5/342]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما روي عن ابن كثير وأهل مكة: [وَنُزِّلُ الْمَلائِكَة]، وكذلك روى خارجة عن أبي عمرو.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون محمولا على أنه أراد: ونُنَزِّلُ الملائكة، إلا أنه حذف النون الثانية التي هي فاء فِعل نزَّل؛ لالتقاء النونين استخفافا، وشبهها بما حذف من أحد المثلين
[المحتسب: 2/120]
الزائدين في نحو قولهم: أنتم تَفكرون وتَطهّرون، وأنت تريد: تتفكرون وتتطهرون ونحوه قراءة من قرأ: [وَكَذَلِكَ نُجِّي الْمُؤْمِنِين]، ألا تراه يريد: ننجِّي، فحذف النون الثانية وإن كانت أصلا لما ذكرنا؟ وقد تقدم القول على ذلك في سورة النور.
وروى عبد الوهاب عن أبي عمرو: [وَنُزِلَ الْمَلائِكَةُ]، خفيفة.
قال أبو الفتح: هذا غير معروف؛ لأن [نَزَلَ] لا يتعدى إلى مفعول به فيبنى هنا للملائكة؛ لأن هذا إنما يجيء على نَزَلتُ الملائكةَ، ونُزِل الملائكةُ. وَنَزَلْت غير متعدّ كما ترى.
فإن قلت: فقد جاء فُعِل مما لا يتعدى فَعَلَ منه، نحو زُكِمَ، ولا يقال زَكَمَه الله. وجُنّ، ولا يقال جنَّه الله. وإنما يقال: أزكمه الله، وأَجَنَّه الله- فإن هذا شاذ ومحفوظ، والقياس عليه مردود مرذول. فإما أن يكون ذلك لغة طارقة لم تقع إلينا، وإما أن يكون على حذف المضاف، يريد: ونُزِل نُزولُ الملائكة، ثم حُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه على ما مضى، فأقام "الملائكة" مقام المصدر الذي كان مضافا إليها، كما فعل ذلك الأعشى في قوله:
أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ ليلةَ أَرْمَدا
إنما يريد اغتماض ليلة أرمد فنصْبُ ليلة إذًا إنما هو على المصدر لا على الظرف؛ لأنه لم يُرد: ألم تغتمض عيناك في ليلة أرمد، وإنما أراد: ألم تغتمض عيناك من الشوق والأسف اغتماضا مثل اغتماض ليلة رَمِد العين. ومثله قول العجاج.
حَتَّى إذا صَفُّوا لَهُ جِدارا
"فجدارا" الآن منصوب نصب المصدر، وليس منصوبا على أنه مفعول به، كقولك: صففتَ قدمَك، إنما يريد: اصطفوا له اصطفاف جدار؛ فحذف الاصطفاف، وأقام "الجدار"
[المحتسب: 2/121]
مقامه، فنصبه على المصدر، كما ينصب الاصطفاف أو ظهر، وكذلك ما رويناه عن محمد بن الحسن عن ابن الأعرابي من قوله:
وطَعْنَةِ مُسْتَبْسِلٍ ثَائِرٍ ... يَرُدُّ الكَتِيبَةَ نِصْفَ النَّهارِ
أي ردّ نصف النهار ألا ترى أن ابن الأعرابي فسره فقال: يرد الكتيبة مقدار نصف يوم، فهذا يدلك على أنه أراد: يردُّ الكتيبة ردّ نصف النهار، أي: الرد الذي يمتد وقته بمقياس ما بين أول النهار إلى نصفه، وذلك نصف يوم. وليس يريد أنه يردها في هذا الوقت البتة، وإنما يريد أنه يردها مقدار نصف النهار، كان ابتداء ذلك في أول النهار أو غيره من نهار أو ليل، وكأنه قال: يرد الكتيبة ست ساعات، فهذا لا يخص نهارا من ليل، فبهذا يعلم أنه لا يريد: يردها في وقت انتصاف النهار دون ما سواه من الأوقات.
وكذلك: [وَنُزِل الْمَلائِكَةُ]، أي نزل نزول الملائكة. ولو سمى الفاعل على هذا التقدير لقيل: نَزَلَ النازلُ الملائكةَ، فنصب الملائكة انتصاب المصدر، كما نصب الجدار انتصاب المصدر، لأن كل مضاف إليه يحذف مِنْ قَبْله ما كان مضافا إليه فإنه يعرَب إعرابه، لا زيادة عليه ولا نقص منه.
فإن قيل: فما معنى: نُزِل نزولَ الملائكة، حتى يصح لك تقديره مثبتا ثم تحذفه؟ فإنه على قولك: هذا نُزولٌ منزول، وهذا صعودٌ مصعود، وهذا ضرب مضروب. وقريب منه قولهم: قد قيل فيه قول، وقد خيف منه خوف. فاعرف ذلك؛ فإنه أمثل ما يحتج به لقراءة من قرأ: [وَنُزِلَ الْمَلائِكَة]، بتخفيف الزاي، فاعرفه). [المحتسب: 2/122]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويوم تشقق السّماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا}
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر {ويوم تشقق السّماء} بالتّشديد أرادوا تتشق فأدغموا التّاء في الشين
وقرأ الباقون {تشقق} بالتّخفيف أرادوا أيضا (تتشقق) فحذفوا إحدى التّاءين المعنى تشقق السّماء بالغمام أي مع الغمام وقد قيل عن الغمام
قرأ ابن كثير {وننزل} بنونين الأولى مضمومة والثّانية ساكنة واللّام مرفوعة {الملائكة} نصب الله تعالى يخبر عن نفسه أي ننزل نحن الملائكة وحجته قراءة من قرأ {ما ننزل الملائكة إلّا بالحقّ وما كانوا إذا منظرين} وقوله {تنزيلا} مصدرا نزل تنزيلا ومن أنزل ينزل إنزالا لا يجيء إلّا أنه قد جاء في القرآن مثله وهو قوله {وتبتل إليه تبتيلا} ولم يقل تبتلا فكذلك قراءة ابن كثير
[حجة القراءات: 510]
وقرأ الباقون {ونزل الملائكة} على ما لم يسم فاعله وهو الاختيار لأن {تنزيلا} لا يكون إلّا مصدر نزل). [حجة القراءات: 511]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {ويوم تشقق} قرأ الحرميان وابن عامر بالتشديد، على إدغام التاء الثانية في الشين إذ أصله «تتشقق» وحسن الإدغام وقوي لأن الشين أقوى من التاء فإذا أدغمت التاء في الشين نقلتها إلى حالة أقوى من حالتها قبل الإدغام، وقرأ الباقون بالتخفيف، على حذف التاء استخفافًا، لاجتماع المثلين، وهو مثل «تظاهرون وتساءلون» وقد مضى الكلام على ذلك بأشبع من هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/145]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {ونزل الملائكة} قرأ ابن كثير بنونين والرفع مخففا،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/145]
ونصب {الملائكة} جعله من {أنزل} وأجراه على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، فنصب {الملائكة} بوقوع الإنزال عليهم، وقرأ الباقون بنون واحدة والتشديد ورفع {الملائكة} على ما لم يسم فاعله، جعلوه فعلا لم يسم فاعله من «نزل» فرفعوا {الملائكة} به، إذ قامت مقام الفاعل، ودليله قوله: {تنزيلًا}، فهو مصدر «نزل» وقد تقدم ذكر {بشرا}، {وليذكروا} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/146]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ} [آية/ 25] بتشديد الشين:
قرأها ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب، وكذلك في سورة: ق.
والوجه أن أصله تتشقق، فأدغم التاء الثانية في الشين؛ لأن في الشين تفشيًا يبلغ مخارج حروف طرف اللسان وأصول الثنايا وهي التاء وأمثاله، فأُدغمن في الشين كما أدغمن في الصاد بهذه العلة أيضًا؛ لأن الصاد لإطباقه يبلغ الصوت به مخارجها.
وقرأ أبو عمرو والكوفيون {تَشَقَّقُ} مخففة الشين في السورتين.
والوجه أن في هذه القراءة حذفت التاء التي أدغمت في القراءة الأولى والصنعتان كلتاهما للخفة، والحذف أخف من الإدغام، فلهذا كان الحذف في مثل هذه الكلمة أكثر من الإدغام). [الموضح: 929]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {وَنُنْزِلُ} [آية/ 25] بنونين وتخفيف الزاي ورفع اللام ونصب {الْمَلَائِكَةَ}:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أنه مضارع أنزلنا، و{الْمَلَائِكَةَ} مفعول به، والمعنى: ننزل نحن الملائكة تنزيلًا، والتنزيل مصدر نزَّل بالتشديد، وليس بمصدر أنزل بالألف، ولكن لما كان نزل وأنزل بمعنى واحد وضع مصدر أحدهما موضع مصدر الآخر.
وقرأ الباقون {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ} بنون واحدة وبتشديد الزاي وفتح اللام،
[الموضح: 929]
وبرفع {الْمَلَائِكَةَ}.
والوجه أن نُزِّل فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمفعول به مسندٌ إلى {الْمَلَائِكَةِ}، و{تَنْزِيلًا} مصدره ينتصب به انتصاب المصادر). [الموضح: 930]
قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)}
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا (27)
حرك الياء أبو عمرو، وأبو خليد عن نافع). [معاني القراءات وعللها: 2/216]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {يا ليتني اتخذت} [27].
فتح الياء أبو عمرو. وأسكنها الباقون. وكذلك ابن خليد عن نافع فتحه. وهذا القول من الظالم يوم القيامة الذي ذكره الله تعالى فقال: {يوم يعض الظالم على يديه} وذلك أن رجلاً من سادات قريش اتخذ وليمة
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/120]
فدعا أشراف قومه ودعا النبي صلى الله عليه وسلم فدخل أبي بن خلف المنافق فقال: والله لا أجلس عندك حتى تخرج محمدًا وبصق في وجهه وقال: أتدعوا مثل هذا؟! فحزن رسول اله صلى الله عليه وسلم فأمره الله بالصبر وعرفه ما أعد للظالم في الآخرة، وإنما كان فعل ذلك تشفيا لآخر كان معه، وهو الذي كنى الله تعالى عن اسمه فقال: {ليتني لم أتخذ فلانا خليلاً} [28].
أخبرني ابن دريد، عن أبي حاتم، عن العرب إنما تكني عن كل مذكر بفلان، وفلانة عن مؤنثة، فإذا كنوا عن البهائم قالوا: الفلان والفلانة، كقولك: السرج للفلانة، تريد البغلة والدابة. وقيل: {لم أتخذ فلانًا خليلاً} يعنى: الشيطان). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/121]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ: يا ليتني اتخذت [الفرقان/ 27] ساكنة الياء غير أبي عمرو، فإنّه قرأ: (يا ليتني اتّخذت) بفتح الياء، وكذلك قال أبو خليد عن نافع.
[قال أبو علي]: إسكان الياء وتحريكها جميعا حسنان، فالأصل التحريك، لأنّها بإزاء الكاف التي للمخاطب، إلّا أنّ حرف اللّين تكره فيه الحركة، فلذلك أسكن من أسكن). [الحجة للقراء السبعة: 5/342]
قوله تعالى: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلًا (28)
أمال حمزة والكسائي التاء من (يا ويلتى).
وفخّمها الباقون.
قال أبو منصور: الإمالة في (يا ويلتى) والتفخيم لغتان جيدتان، والمعنى في (يا ويلتى): شيئان:
أحدهما أنه أراد (يا ويلتى) فلما سكنت الياء قلبت ألفًا.
ومثله: يا بابي، ويا بابا.
والوجه الآخر في (يا ويلتى) أنه بمعنى: يا ويلتاه، فحذفت هاء الندبة، ومثله: يا لهفى، ويا لهفتاه). [معاني القراءات وعللها: 2/217]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {يا ويلتى ليتني} [28].
فيه ثلاث قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: {يا ويلتى} بالإمالة مثل: يا عجبى؛ وذلك أن العرب تميل نحو ذلك ولا تنون، وكان الأصمعي ينشد هذا البيت:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/121]
فيا راكبا إما عرضت فبلغن = نداماي من نجران ألا تلاقيا
بالإمالة وترك التنوين، يجعلها معرفة.
والباقون ينشدون: «فيا راكبًا» بالتنوين، فقال ابن مجاهد: من أما ل{يا ويلنى} إنما وقعت الإمالة على الألف فمالت التاء بميل الألف.
قال أبو عبد الله: أكثر النحويين على أن الإمالة لا تكون إلا في الألف فقط.
وقرأ الباقون: {يا ويلتي} بالتفخيم.
والقراءة الثالثة {يا ويلتي} بالإضافة إلى النفس وكسر التاء، قرأ بذلك الحسن وقتادة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: روى عبيد عن أبي عمرو: يا ويلتنا [الفرقان/ 28] بفتح التاء، وكذلك روى البزّيّ عن ابن كثير مثله، وأمال حمزة والكسائي الألف التي بعد التاء من (يا ويلتي)، فمالت التاء بميل الألف.
والباقون لا يميلون.
وقال بعض أصحاب أبي بكر: روى أبو عبد الرحمن بن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو: يا ويلتا ويا أسفا [يوسف/ 84] ممالتين قال: وأبو عبد الرحمن ثبت فيما يرويه عن أبيه [قال أبو علي]: الإمالة وتركها حسنان، ولو قيل: إنّ ترك الإمالة أحسن لكان قولا، وذلك أن أصل هذه الألف الياء، وكان حكمها (يا ويلتي ويا حسرتي) فأبدل
من الكسرة فتحة، ومن الياء الألف، فإنّما أبدل الألف كراهة الياء، وفرارا منها، فإذا أمال كان عائدا إلى ما كان تركه وآخذا بما رفضه، ألا ترى أن الإمالة إنما هي تقريب الألف من الياء وانتحاء بها نحوها، والإمالة إنّما تكون في الألف بأن تنحو بالفتحة التي قبل الألف نحو الكسر، فتميل الألف لذلك نحو الياء، وذلك نحو عابد وعماد، فإذا كان قبل الألف هاء مفتوحة فمن العرب من يميل الحرف الذي قبل الهاء، وذلك لأنّ الهاء لمّا كانت خفية لم يعتد بها، كما لم يعتدّ بها في نحو: ردّها، ففتحها الجميع فيما يرويه من يسكن إليه، لأنّه لخفاء الهاء كأنّه قال ردّا، وذلك قولهم: «يريد أن ينزعها»، «ويريد أن يضربها» فيميل قبل الألف فتحتى الحرفين لخفاء الهاء). [الحجة للقراء السبعة: 5/343]
قوله تعالى: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)}