جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فذكّر فما أنت بنعمة ربّك بكاهنٍ ولا مجنونٍ (29) أم يقولون شاعرٌ نتربّص به ريب المنون (30) قل تربّصوا فإنّي معكم من المتربّصين}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فذكّر يا محمّد من أرسلت إليه من قومك وغيرهم، وعظهم بنعم اللّه عندهم {فما أنت بنعمة ربّك بكاهنٍ ولا مجنونٍ} يقول فلست بنعمة اللّه عليك بكاهنٍ تتكهّن عليه، ولا مجنونٍ له رئيّ يخبر عنه قومه ما أخبره به، ولكنّك رسول اللّه، واللّه لا يخذلك، ولكنّه ينصرك). [جامع البيان: 21/591]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ريب المنون قال هو الموت قال يتربص به الموت كما مات شاعر بني فلان وشاعر بن فلان). [تفسير عبد الرزاق: 2/248]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({المنون} [الطور: 30] : «الموت»). [صحيح البخاري: 6/140]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله المنون الموت وصله الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاس في قوله ريب المنون قال الموت وقال عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة مثله وأخرج الطّبريّ من طريق مجاهد قال المنون حوادث الدّهر وذكر بن إسحاق في السّيرة عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عبّاسٍ أنّ قريشًا لمّا اجتمعوا في دار النّدوة قال قائلٌ منهم احبسوه في وثاقٍ ثمّ تربّصوا به ريب المنون حتّى يهلك كما هلك من قبله من الشّعراء فإنّما هو واحدٌ منهم فأنزل اللّه تعالى أم يقولون شاعرٌ نتربّص به ريب المنون وهذا كلّه يؤيّد قول الأصمعيّ إنّ المنون واحدٌ لا جمع له ويبعد قول الأخفش أنّه جمعٌ لا واحد له وأمّا قول الدّاوديّ إنّ المنون جمع منيّةٍ فغير معروفٍ مع بعده من الاشتقاق). [فتح الباري: 8/602-603]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال ابن جرير ثنا علّي بن داود ثنا عبد الله ثنا معاوية عن علّي عن ابن عبّاس قوله 44 الطّور {ريب المنون} يقول الموت). [تغليق التعليق: 4/321]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (المنون الموت
أشار به إلى قوله تعالى: { (أم يقولون شاعر تتربّص به ريب المنون} (الطّور: 30) وفسّر: المنون بالموت، وكذا رواه الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله: {ريب المنون} قال: الموت). [عمدة القاري: 19/194]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({المنون}) هو (الموت) فعول من منه إذا قطعه). [إرشاد الساري: 7/357]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أم يقولون شاعرٌ نتربّص به ريب المنون} يقول جلّ ثناؤه: بل يقول المشركون: يا محمّد لك: هو شاعرٌ نتربّص به حوادث الدّهر، يكفيناه بموتٍ أو حادثةٍ متلفةٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه، فقال بعضهم فيه كالّذي قلنا وقال بعضهم: هو الموت.
ذكر من قال: عنى بقوله: {ريب المنون}: حوادث الدّهر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ريب المنون} قال: حوادث الدّهر.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن سفيان قال: قال مجاهدٌ {ريب المنون} حوادث الدّهر.
ذكر من قال: عنى به الموت
- حدّثني عليٌّ قال: حدّثنا أبو صالحٍ قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ريب المنون} يقول: الموت.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {نتربّص به ريب المنون} قال: يتربّصون به الموت
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أم يقولون شاعرٌ نتربّص به ريب المنون} قال: قال ذلك قائلون من النّاس: تربّصوا بمحمّدٍ الموت يكفيكموه، كما كفاكم شاعر بني فلانٍ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {ريب المنون} قال: هو الموت، نتربّص به الموت، كما مات شاعر بني فلانٍ، وشاعر بني فلانٍ.
- وحدّثني سعيد بن يحيى الأمويّ قال: ثني أبي قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ قريشًا، لمّا اجتمعوا في دار النّدوة في أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال قائلٌ منهم: احبسوه في وثاقٍ، ثمّ تربّصوا به ريب المنون حتّى يهلك كما هلك من قبله من الشّعراء زهيرٌ والنّابغة، إنّما هو كأحدهم، فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: {أم يقولون شاعرٌ نتربّص به ريب المنون}.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {نتربّص به ريب المنون} الموت، وقال الشّاعر
تربّص بها ريب المنون لعلّها سيهلك عنها بعلها أو سيجنح.
وقال آخرون: معنى ذلك: ريب الدّنيا، وقالوا: المنون: الموت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن أبي سنانٍ، {ريب المنون} قال: ريب الدّنيا، والمنون: الموت). [جامع البيان: 21/592-594]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله نتربص به ريب المنون يعني حوادث الدهر). [تفسير مجاهد: 2/626]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 30 - 46.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: احبسوه في وثاق وتربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم فأنزل الله في ذلك من قولهم {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون}). [الدر المنثور: 13/694]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ريب المنون} قال: الموت). [الدر المنثور: 13/695]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري في الوقت والابتداء عن ابن عباس قال: ريب: شك إلا مكانا واحدا في الطور {ريب المنون} يعني حوادث الأمور قال الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلها = تطلق يوما أو يموت حليلها). [الدر المنثور: 13/695]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ريب المنون} قال: حوادث الدهر وفي قوله {أم هم قوم طاغون} قال: بل هم قوم طاغون). [الدر المنثور: 13/695]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قل تربّصوا} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين الّذين يقولون لك: إنّك شاعرٌ نتربّص بك ريب المنون، تربّصوا: أي انتظروا وتمهّلوا بي ريب المنون، فإنّي معكم من المتربّصين بكم، حتّى يأتي أمر اللّه فيكم). [جامع البيان: 21/594]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({أحلامهم} [الطور: 32] : «العقول»). [صحيح البخاري: 6/140]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أحلامهم العقول هو قول زيد بن أسلم ذكره الطّبريّ عنه وقال الفرّاء الأحلام في هذا الموضع العقول والألباب). [فتح الباري: 8/602]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أحلامهم: العقول
أشار به إلى قوله تعالى: {أم تأمرهم أحلاهم بهذا أم هم قوم طاغون} (الطّور: 32) وهكذا فسره ابن زيد بن أسلم. ذكره الطّبريّ عنه). [عمدة القاري: 19/194]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({أحلامهم}) هي (العقول) فالعقل يضبط المرء فيصير كالبعير المعقول وبالاحتلام الذي هو البلوغ يصير الإنسان مكلفًا وبه يكمل العقل). [إرشاد الساري: 7/357]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قومٌ طاغون (32) أم يقولون تقوّله بل لا يؤمنون (33) فليأتوا بحديثٍ مثله إن كانوا صادقين}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: أتأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: هو شاعرٌ، وأنّ ما جاء به شعرٌ {أم هم قومٌ طاغون} يقول جلّ ثناؤه: ما تأمرهم بذلك أحلامهم وعقولهم بل هم قومٌ طاغون قد طغوا على ربّهم، فتجاوزوا ما أذن لهم وأمرهم به من الإيمان إلى الكفر.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أم تأمرهم أحلامهم بهذا} قال: كانوا يعدّون في الجاهليّة أهل الأحلام، فقال اللّه: أم تأمرهم أحلامهم بهذا أن يعبدوا أصنامًا بكمًا، صمًّا، ويتركوا عبادة اللّه، فلم تنفعهم أحلامهم حين كانت لدنياهم، ولم تكن عقولهم في دينهم، لم تنفعهم أحلامهم.
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، يتأوّل قوله: {أم تأمرهم أحلامهم} بل تأمرهم.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله {أم هم قومٌ طاغون} قال مجاهد.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ، في قوله: {أم هم قومٌ طاغون} قال: بل هم قومٌ طاغون.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا يحيى، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ {أم هم قومٌ طاغون} قال: بل هم قومٌ طاغون). [جامع البيان: 21/594-595]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ريب المنون} قال: حوادث الدهر وفي قوله {أم هم قوم طاغون} قال: بل هم قوم طاغون). [الدر المنثور: 13/695] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {أم تأمرهم أحلامهم} قال: العقول). [الدر المنثور: 13/695]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أم يقولون تقوّله} يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: تقوّل محمّدٌ هذا القرآن وتخلّقه.
وقوله: {بل لا يؤمنون} يقول جلّ ثناؤه: كذبوا فيما قالوا من ذلك، بل لا يؤمنون فيصدّقوا بالحقّ الّذي جاءهم من عند ربّهم). [جامع البيان: 21/596]
تفسير قوله تعالى: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {فليأتوا بحديثٍ مثله} يقول: جلّ ثناؤه: فليأت قائلو ذلك له من المشركين بقرآنٍ مثله، فإنّهم من أهل لسان محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولن يتعذّر عليهم أن يأتوا من ذلك بمثل الّذي أتى به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم إن كانوا صادقين في أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم تقوّله وتخلّقه). [جامع البيان: 21/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {فليأتوا بحديث مثله} قال: مثل القرآن وفي قوله: {فليأت مستمعهم} قال: صاحبهم وفي قوله {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} يقول: أسألت هؤلاء القوم على الإسلام أجرا فمنعهم من أن يسلموا الجعل وفي قوله {أم عندهم الغيب} قال: القرآن). [الدر المنثور: 13/695-696]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، قال: حدّثوني عن الزّهريّ، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه رضي اللّه عنه، قال: " سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في المغرب بالطّور، فلمّا بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السّموات والأرض بل لا يوقنون (36) أم عندهم خزائن ربّك أم هم المسيطرون} " قال: كاد قلبي أن يطير، قال سفيان: فأمّا أنا، فإنّما سمعت الزّهريّ يحدّث، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه، سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يقرأ في المغرب بالطّور ولم أسمعه زاد الّذي قالوا لي). [صحيح البخاري: 6/140] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قوله: (حدثوني عن الزّهريّ) ، اعترض الإسماعيليّ هنا بالّذي رواه من طريق عبد الجبّار بن العلاء وابن أبي عمر. كلاهما عن ابن عيينة: سمعت الزّهريّ قال مصرحًا عنه بالسّماع، وهما ثقتان. قيل: هذا لا يرد لأنّهما ما أوردا من الحديث إلاّ القدر الّذي ذكر الحميدي عن سفيان أنه سمعه من الزّهريّ بخلاف الزّيادة الّتي صرح الحميدي عنه بأنّه لم يسمعها من الزّهريّ، وإنّما بلغته عنه بواسطة. قوله: (فلمّا بلغ هذه الآية) ، إلى آخر الزّيادة الّتي قال سفيان إنّه لم يسمعها عن الزّهريّ، وإنّما حدثوها عنه أصحابه. قوله: (أم خلقوا من غير شيء) ، كلمة أم ذكرت في هذه السّورة في خمسة عشر موضعا متوالية متتابعة، ومعنى: {أم خلقوا من غير شيء} (الطّور: 35) من غير تراب. قاله ابن عبّاس، وقيل: من غير أب وأم كالجماد لا يعقلون ولا يقوم لله عليهم حجّة، أليس خلقوا من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة؟ قاله عطاء. وقال ابن كيسان: معناه أم خلقوا عبثا وتركوا سدًى لا يؤمرون ولا ينهون أم هم الخالقون لأنفسهم؟ فإذا بطل الوجهان قامت الحجّة عليهم بأن لهم خالقًا. قوله: (أم خلقوا السّموات والأرض) (الطّور: 36) يعني: إن جاز أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السّموات والأرض، وذلك لا يمكنهم، فقامت الحجّة عليهم، ثمّ أضرب عن ذلك بقوله: (بل لا يوقنون) إشارة إلى أن العلّة الّتي عاقتهم عن الإيمان هي عدم اليقين الّذي هو موهبة من الله وفضل ولا يحصل إلّا بتوفيقه. قوله: (أم عندهم خزائن ربك) ، (الطّور: 37) قال ابن عبّاس: المطر والرزق، وعن عكرمة: النّبوّة، وقيل: علم ما يكون. قوله: (أم هم المسيطرون) ، أي: أم هم المسلطون الجبارون، قاله أكثر المفسّرين، وعن عطاء أم هم أرباب قاهرون، وعن أبي عبيدة تسيطرت عليّ، أي: اتخذتني خولاً لك. قوله: (قال: كاد قلبي) ، أي: قال جبير بن مطعم: قارب قلبي الطيران، وقال الخطابيّ: كان انزعاجه عند سماع الآية لحسن تلقيه معناها ومعرفته بما تضمنته من بليغ الحجّة). [عمدة القاري: 19/194-195] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثوني) أصحابي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد بن جبير بن مطعم) القرشي النوفلي (عن أبيه -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء}) خلقهم فوجدوا بلا خالق ({أم هم الخالقون})؟ [الطور: 35] لأنفسهم وهذا باطل ({أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون}) [الطور: 36] بأنهم خلقوا أي هم معترفون وهو معنى قوله: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25] أو لا يوقنون بأن الله خالق واحد ({أم عندهم خزائن ربك}) خزائن رزق ربك ({أم هم المسيطرون}) [الطور: 37] المتسلطون على الأشياء يدبرونها كيف شاؤوا (كاد قلبي أن يطير) مما تضمنته من بليغ الحجة وفيه وقوع خبر كاد مقرونًا بأن في غير الضرورة قال ابن مالك وقد خفي ذلك على بعض النحويين والصحيح جوازه إلا أن وقوعه غير مقرون بأن أكثر وأشهر من وقوعه بها. اهـ.
ولأبي ذر قال: كاد قلبي يطير فزاد قال وأسقط أن.
(قال سفيان) بن عيينة (فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدّث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) أنه قال: (سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقرأ في المغرب بالطور لم) ولأبي ذر ولم (أسمعه) أي ولم أسمع الزهري (زاد الذي قالوا لي) يعني قوله: فلما بلغ إلى آخره، وقد كان جبير بن مطعم قدم على النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- بعد وقعة بدر في فداء الأسارى، وكان إذ ذاك مشركًا وكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد). [إرشاد الساري: 7/358] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السّموات والأرض بل لا يوقنون}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: أخلق هؤلاء المشركون من غير شيءٍ، أي من غير آباءٍ ولا أمهاتٍ، فهم كالجماد، لا يعقلون ولا يفهمون للّه حجّةً، ولا يعتبرون له بعبرةٍ، ولا يتّعظون بموعظةٍ؟.
وقد قيل: إنّ معنى ذلك: أم خلقوا لغير شيءٍ، كقول القائل: فعلت كذا وكذا من غير شيءٍ، بمعنى: لغير شيءٍ.
وقوله: {أم هم الخالقون} يقول: أم هم الخالقون هذا الخلق، فهم لذلك لا يأتمرون لأمر اللّه، ولا ينتهون عمّا نهاهم عنه، لأنّ للخالق الأمر والنّهي). [جامع البيان: 21/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري والبيهقي في الأسماء والصفات عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} الآيات كاد قلبي أن يطير). [الدر المنثور: 13/696]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ (36) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، قال: حدّثوني عن الزّهريّ، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه رضي اللّه عنه، قال: " سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في المغرب بالطّور، فلمّا بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السّموات والأرض بل لا يوقنون (36) أم عندهم خزائن ربّك أم هم المسيطرون} " قال: كاد قلبي أن يطير، قال سفيان: فأمّا أنا، فإنّما سمعت الزّهريّ يحدّث، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه، سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يقرأ في المغرب بالطّور ولم أسمعه زاد الّذي قالوا لي). [صحيح البخاري: 6/140] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قوله: (حدثوني عن الزّهريّ) ، اعترض الإسماعيليّ هنا بالّذي رواه من طريق عبد الجبّار بن العلاء وابن أبي عمر. كلاهما عن ابن عيينة: سمعت الزّهريّ قال مصرحًا عنه بالسّماع، وهما ثقتان. قيل: هذا لا يرد لأنّهما ما أوردا من الحديث إلاّ القدر الّذي ذكر الحميدي عن سفيان أنه سمعه من الزّهريّ بخلاف الزّيادة الّتي صرح الحميدي عنه بأنّه لم يسمعها من الزّهريّ، وإنّما بلغته عنه بواسطة. قوله: (فلمّا بلغ هذه الآية) ، إلى آخر الزّيادة الّتي قال سفيان إنّه لم يسمعها عن الزّهريّ، وإنّما حدثوها عنه أصحابه. قوله: (أم خلقوا من غير شيء) ، كلمة أم ذكرت في هذه السّورة في خمسة عشر موضعا متوالية متتابعة، ومعنى: {أم خلقوا من غير شيء} (الطّور: 35) من غير تراب. قاله ابن عبّاس، وقيل: من غير أب وأم كالجماد لا يعقلون ولا يقوم لله عليهم حجّة، أليس خلقوا من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة؟ قاله عطاء. وقال ابن كيسان: معناه أم خلقوا عبثا وتركوا سدًى لا يؤمرون ولا ينهون أم هم الخالقون لأنفسهم؟ فإذا بطل الوجهان قامت الحجّة عليهم بأن لهم خالقًا. قوله: (أم خلقوا السّموات والأرض) (الطّور: 36) يعني: إن جاز أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السّموات والأرض، وذلك لا يمكنهم، فقامت الحجّة عليهم، ثمّ أضرب عن ذلك بقوله: (بل لا يوقنون) إشارة إلى أن العلّة الّتي عاقتهم عن الإيمان هي عدم اليقين الّذي هو موهبة من الله وفضل ولا يحصل إلّا بتوفيقه. قوله: (أم عندهم خزائن ربك) ، (الطّور: 37) قال ابن عبّاس: المطر والرزق، وعن عكرمة: النّبوّة، وقيل: علم ما يكون. قوله: (أم هم المسيطرون) ، أي: أم هم المسلطون الجبارون، قاله أكثر المفسّرين، وعن عطاء أم هم أرباب قاهرون، وعن أبي عبيدة تسيطرت عليّ، أي: اتخذتني خولاً لك. قوله: (قال: كاد قلبي) ، أي: قال جبير بن مطعم: قارب قلبي الطيران، وقال الخطابيّ: كان انزعاجه عند سماع الآية لحسن تلقيه معناها ومعرفته بما تضمنته من بليغ الحجّة). [عمدة القاري: 19/194-195] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثوني) أصحابي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد بن جبير بن مطعم) القرشي النوفلي (عن أبيه -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء}) خلقهم فوجدوا بلا خالق ({أم هم الخالقون})؟ [الطور: 35] لأنفسهم وهذا باطل ({أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون}) [الطور: 36] بأنهم خلقوا أي هم معترفون وهو معنى قوله: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25] أو لا يوقنون بأن الله خالق واحد ({أم عندهم خزائن ربك}) خزائن رزق ربك ({أم هم المسيطرون}) [الطور: 37] المتسلطون على الأشياء يدبرونها كيف شاؤوا (كاد قلبي أن يطير) مما تضمنته من بليغ الحجة وفيه وقوع خبر كاد مقرونًا بأن في غير الضرورة قال ابن مالك وقد خفي ذلك على بعض النحويين والصحيح جوازه إلا أن وقوعه غير مقرون بأن أكثر وأشهر من وقوعه بها. اهـ.
ولأبي ذر قال: كاد قلبي يطير فزاد قال وأسقط أن.
(قال سفيان) بن عيينة (فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدّث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) أنه قال: (سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقرأ في المغرب بالطور لم) ولأبي ذر ولم (أسمعه) أي ولم أسمع الزهري (زاد الذي قالوا لي) يعني قوله: فلما بلغ إلى آخره، وقد كان جبير بن مطعم قدم على النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- بعد وقعة بدر في فداء الأسارى، وكان إذ ذاك مشركًا وكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد). [إرشاد الساري: 7/358] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({أم خلقوا السّموات والأرض} يقول: أخلقوا السّماوات والأرض فيكونوا هم الخالقين، وإنّما معنى ذلك: لم يخلقوا السّماوات والأرض {بل لا يوقنون} يقول: لم يتركوا أن يأتمروا لأمر ربّهم، وينتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى، لأنّهم خلقوا السّماوات والأرض، فكانوا بذلك أربابًا، ولكنّهم فعلوا، لأنّهم لا يوقنون بوعيد اللّه وما أعدّ لأهل الكفر به من العذاب في الآخرة). [جامع البيان: 21/596]