تفسير سورة الكهف
[ من الآية (16) إلى الآية (18) ]
{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من أمركم مّرفقًا)
قرأ نافع وان عامر والأعشى عن أبي بكر (مرفقًا) بفتح الميم، وكسر الفاء - وقرأ الباقون بكسر الميم وفتح الفاء (مرفقًا).
وروى الكسائي عن أبي بكر مثل ما قال الأعشى.
قال أبو منصور: أكثر كلام العرب أن يقولوا: (مرفق) لمرفق اليد، بكسر الميم.
ويقال لما يرتفق به: مرفق.
ويجوز هذا في ذاك، وذاك في هذا، قاله أحمد بن يحيى). [معاني القراءات وعللها: 2/106]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {مرفقا} [16].
فقرأ نافع وابن عامر {مرفقا} بفتح الميم وكسر الفاء.
وقرأ الباقون: {مرفقًا} بكسر الميم.
فاختلف النحويون في ذلك، فقال بعضهم: هما لغتان.
وقال آخرون: المرفق: ما ارتفقت به، والمِرفق مرفق اليد، والاختيار في اليد وفي كل ما ارتفقت له (المِرفق) بكسر الميم، والجَمعُ المَرَافقُ مِنْ
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/394]
قوله: {وأيديكم إلى المرافق} فرأس المرفق يقال له: إبرة، وعن يمين الإبرة كسر حسن، وعن يساره كسر قبيح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/395]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في [فتح الميم و] كسر الفاء وكسر الميم وفتح الفاء من قوله: (مرفقا) [الكهف/ 16].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: مرفقا بكسر الميم وفتح الفاء.
وقرأ نافع وابن عامر: (مرفقا) بفتح الميم وكسر الفاء.
الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (مرفقا) بفتح الميم [وكسر الفاء مثلهما].
[الحجة للقراء السبعة: 5/130]
أبو عبيدة: المرفق: ما ارتفقت به، وبعضهم يقول: المرفق.
فأما فى اليدين فهو مرفق. وقال أبو زيد: رفق الله عليك أهون المرفق والرّفق.
قال أبو علي: المرفق فيما حكاه أبو زيد مصدر، ألا ترى أنه جعله كالرفق، وكان القياس الفتح لأنه ليس من يرفق، ولكنه كقوله: إلي مرجعكم [آل عمران/ 55]. ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222].
وقال أبو الحسن: مرفقا، أي: شيئا يرتفقون به مثل المقطع، ومرفقا: جعله اسما مثل المسجد، أو تكون لغة.
وقوله: جعله اسما، أي: جعل المرفق اسما، ولم يجعله اسم المكان ولا المصدر من رفق يرفق، كما أن المسجد ليس باسم الموضع من سجد يسجد. وقوله: أو يكون لغة، أي: لغة في اسم المصدر، كما جاء المطلع ونحوه، ولو كان على القياس لفتحت اللام.
قال أبو الحسن أيضا: مرفقا ومرفقا: لغتان لا فرق بينهما أيضا، هما اسمان مثل المسجد والمطبخ). [الحجة للقراء السبعة: 5/131]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا}
قرأ نافع وابن عامر {من أمركم مرفقا} بفتح الميم وكسر الفاء وقرأ الباقون {مرفقا} بكسر الميم وفتح الفاء
قال أبو عمرو مرفق اليد بكسر الميم وفتح الفاء وكذلك مرفق الأمر مثل مرفق اليد سواء وكذا قال أيضا أبو الحسن الأخفش
[حجة القراءات: 412]
قال هما لغتان لا فرق بينهما وقال الفراء فكأن الّذين فتحوا الميم أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر والمرفق من الإنسان وأكثر العرب على كسر الميم في الأمر وفي المرفق من الإنسان وقد تفتح العرب أيضا الميم من مرفق الإنسان وهما لغتان في هذا وفي هذا). [حجة القراءات: 413]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {مرفقا} قرأ نافع وابن عامر بفتح الميم، وكسر الفاء، وقرأ الباقون بكسر الميم، وفتح الفاء، وهما لغتان، حكى أبو عبيد: المرفق ما ارتفقت به، قال: وبعضهم يقول: المرفق، فأما في اليدين فهو مرفق، بكسر الميم وفتح الفاء، وقد قيل: إن المرفق بكسر الميم، المصدر، كالمرفق، وكان القياس فتح الميم في المصدر، لأنه فعل يفعل، ولكنه جرى نادرًا كالمرجع والمحيض، وقال الأخفش: مرفقا، بالكسر، هو شيء يرتفقون به، و{مرفقا} بالفتح اسم كالمسجد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/56]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {مَرْفِقًا} [آية/ 16] بفتح الميم وكسر الفاء:
قرأها نافعٌ وابن عامر.
والوجه أن المرفق مصدرٌ كالرفق، وحكة أبو زيدٍ: رفق الله عليك أهون المرفق، والرفق، والقياس: المرفق بالفتح لكونه مصدرًا، إلا أنه قد جاء شاذًا كالمرجع والمحيض.
وقال أبو الحسن: هو اسم ما يُرتفق به، وجوّز أيضًا أن يكون اسمًا للمصدر.
وقرأ الباقون {مِرْفَقًا} بكسر الميم وفتح الفاء.
[الموضح: 774]
والوجه أنه اسمٌ لما يُرتفق به، هكذا ذكر أبو عبيدة، وجوّز في هذا المعنى المرفق بفتح الميم وكسر الفاء قال:
وأما في اليدين فهو مرفقٌ بالكسر لا غير.
ومثل المرفق الذي هو اسم ما يُرتفق به المحلب والمقطع). [الموضح: 775]
قوله تعالى: { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تزاور عن كهفهم)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (تزّاور) بتشديد الزاي، وقرأ الكوفيون (تزاور) خفيفة الزاي.
وقرأ ابن عامر ويعقوب (تزورّ) ساكنة الزاي، مثل: تحمرّ.
قال أبو منصور: ويجوز (تزوارّ)، ولا أدرى أقرئ به أم لا؟ والمعنى في: تزّاور، وتزاور، وتزورّ، وتزوارّ واحد، أي: تميل فمن قرأ (تزاور) بالتخفيف فالأصل: تتزاور، فحذفت إحدى التاءين استثقالاً للجمع بينهما.
[معاني القراءات وعللها: 2/106]
ومن قرأ (تزاور) فالأصل فيه أيضًا: تتزاور، فأدغمت التاء في الزاي وشددت.
ومن قرأ (تزورّ) فهو من: ازورّ تزورّ. وكذلك ازوارّ). [معاني القراءات وعللها: 2/107]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {تزاور عن كهفهم} [17].
قرأ ابن عامر {تزور} مثل تحمر وتصفر، ومعناه: تعدل وتميل، قال عنترة:
فازور من وقع القنا بلبانه
وشكا إلى بعبرة وتحمحم
وقد قرأ – إن شاء الله – الجحدري {تزور} مثل تحمار وتصفار.
وقرأ أهل الكوفة: {تزاور} مخففة الزاي.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/387]
وقرأ الباقون: {تزاور} أرادوا: تتزاور فأدغموا التاء في الزاي. ومن خفف أيضًا أراد: تتزاور فحذف إحدى التاءين، وهو كقوله: {تساقط} و{تساقط} و{تظاهرون} و{تظهرون} وقال أبو الزخرف:
ودون ليلى بلد سمهدر
جدب المندى عن هواها أزور
يقال: هو أزور عن كذا، أي: مائل عنه، وفي فلان زور أي: عوج. وأما الزور بجزم الواو فالصدر، يقال للصدر الزور والجوش والجؤشوش والجؤجؤ والجوشن والكلكل والكلكال كل ذلك يراد به الصدر. والزور أيضًا: جمع زائر، هؤلاء زور فلان أي: زواره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/388]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: تزاور عن كهفهم [الكهف/ 17].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (تزاور) بتشديد الزّاي.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: (تزاور) خفيفة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/131]
وقرأ ابن عامر: (تزور) مثل تحمرّ.
قال أبو عبيدة: (تزاور عن كهفهم) تميل عنه، وهو من الزّور والأزور منه، وأنشد ابن مقبل:
فينا كراكر أجواز مضبّرة... فيها دروء إذا شئنا من الزّور
قال أبو علي: تزاور، تزّاور، من قال: تزاور حذف التاء الثانية، وخفف الكلمة بالحذف، كما تخفف بالإدغام، وقول ابن عامر: تزور. قال أبو الحسن: لا يوضع في هذا المعنى إنما يقال: هو مزورّ عني، أي: منقبض. قال أبو علي: ويدلّ على أن ازورّ في المعنى انقبض كما قاله أبو الحسن، قوله:
وازورّ من وقع القنا بلبانه والذي حسّن القراءة به قول جرير:
[الحجة للقراء السبعة: 5/132]
عسفن على الأواعس من قفيل وفي الأظعان عن طلح ازورار فظاهر استعمال هذا في الأظعان مثل استعماله في الشمس، فإن قلت: كيف جاز أن يقال: تزاور، ولا يكاد يستعمل هذا البناء في هذا النحو، فإن هذا حسن لمّا كان معناه الميل عن الموضع، وقد استعملوا تمايل، فأجروا تزاور مجرى تمايل، قال:
كلون الحصان الأنبط البطن قائما... تمايل عنه الجلّ واللون أشقر
وقال:
تجانف عن خلّ اليمامة ناقتي... وما قصدت من أهلها لسوائكا
[الحجة للقراء السبعة: 5/133]
والزور في بيت ابن مقبل هو الميل والعدول للكبر والصّعر، فمعنى العدول فيه حاصل للكبر كان أو لغيره، وكما أنّ تقرضهم تجاوزهم وتتركهم عن شمالها، كذلك تزاور عنهم: تميل عنهم ذات اليمين، فإذا مالت عنهم إذا طلعت، وتجاوزتهم إذا غربت، وكانوا في فجوة من الكهف، دلّ أن الشمس لا تصيبهم البتّة، أو في أكثر الأمر، فتكون صورهم محفوظة). [الحجة للقراء السبعة: 5/134]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجحدري: [تَزْوارُّ].
قال أبو الفتح: هذا افْعالَّ وتَزَاوَرُ تَفَاعَلُ وقلما جاءت افعالّ إلا في الألوان، نحو: اسوادّ وابياضّ واحمارّ واصفارّ، أو العيوب الظاهرة، نحو: احولّ واحوالّ واعورّ واعوارّ واصيدّ واصيادّ. وقد جاءت افعالّ وافعلّ، وهي مقصورة من افعالّ- في غير الألوان، قالوا: ارعوى وهو افعلّ، وافتوى أي: خدم، وساس. قال يزيد بن الحكم:
تبدَّل خليلا بي كشكلك شكلُه ... فإني خليلا صالحا بك مُقْتَوِي
فمقتو مفتعل من الفتو، وهو الخدمة. قال:
إني امرؤ من بني خُزَيمة لا ... أحسن قتوَ الملوكِ والحفَدَا
[المحتسب: 2/25]
وخليلا عندنا منصوب بفعل مضمر يدل عليه [مُقْتَوٍ]، وذلك أن افعلّ لا يتعدى إلى المفعول به، فكأنه قال: فإني أخدم، أو أسوس، أو أتعهد، أو استبدل بك خليلا صالحا. ودل مقتوٍ على ذلك الفعل. وقالوا: اضرابّ الشيء أي: املسّ، وقالوا: اشعانّ رأسه، أي: تفرق شعره، في أحرف غير هذه). [المحتسب: 2/26]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين}
قرأ ابن عامر (تزور عن كهفهم) مثل تحمر وتصفر ومعناه تعدل وتميل
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {تزاور} بالتّشديد وقرأ أهل الكوفة بالتّخفيف من شدد أراد تتزاور فأدغمت التّاء في الزّاي ومن خفف حذف إحدى التّاءين وهي الثّانية). [حجة القراءات: 413]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {تزاور عن} قرأه الكوفيون بالتخفيف، وقرأ ابن عامر بتشديد الراء من غير ألف «تزو» على وزن «تحمر» وقرأ الباقون بألف مشددا.
وحجة من قرأ بالألف والتخفيف أنه بناه على «تزاورت» فهي تزاور وأصله تتزاور، فحذف إحدى التاءين تخفيفًا وعلته كالعلة في «تساءلون وتظاهرون».
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/56]
6- وحجة من شدد وقرأ بألف أنه بناه على «تزاورت» أيضًا كالأول، ثم أدغم إحدى التاءين في الزاي، وحسن الإدغام؛ لأنه ينقل التاء إلى لفظ الزاي، فالزاي أقوى من التاء بكثير، لأن الزاي من حروف الصفير، ومن الحروف المجهورة، وهو الاختيار، لأنه الأصل، وعليه الحرميان.
7- وحجة من قرأه بغير ألف على وزن «تحمر» أنه بناه على «ازورت» فهي «تزور»، كـ «احمرت» فهي «تحمر»، والمعنى: وترى الشمس إذا طلعت تنقبض عنهم، ومعنى «تزاور وتزّاور» تميل، فمعناه مثل الأول؛ لأنها إذا مالت فقد انقبضت، فإذا انقبضت فقد مالت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/57]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {تَزْوَرُّ} [آية/ 17] بغير ألف، ساكنة الزاي، مشددة الراء:
قرأها أبو عامر ويعقوب في وزن تحمر.
والوجه أن ازْوَرَّ قد جاء في معنى الميل، وإن كان المشهور فيه معنى الانقباض، وفي معنى الميل قول جرير:
80- عسفن على الأواعن من قفيلٍ = وفي الأظعان عن طلح ازورار
أي: ميلٌ، فمعنى تزور: تميل.
[الموضح: 775]
وقرأ ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو {تزَّاوَرُ} بالألف، مشددة الزاي.
والوجه أن أصله تتزاور، فأُدغمت التاء الثانية في الزاي، فبقي {تَزَّاوَرُ}، والإدغام إنما هو لاستثقالهم اجتماع التاءين.
وقرأ الكوفيون {تَزَاوَرُ} بالألف، مخففة الزاي.
والوجه أن أصله تتزاور بتاءين أيضًا، فحُذفت التاء الثانية تخفيفًا.
والتزاور: التمايل). [الموضح: 776]
قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولملئت منهم رعبًا) قرأ ابن كثير ونافع (ولملّئت) بتشديد اللام، وقرأ الباقون خفيفة.
وكذلك روى إسماعيل بن مسلم عن ابن كثيرٍ بالتخفيف.
قال أبو منصور: أكثر الكلام (ولملئت) بالتخفيف، وإذا شددت اللام ففيه تأكيد للمبالغة). [معاني القراءات وعللها: 2/107]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ولملئت منهم رعبا} [18].
قرأ ابن كثير ونافع {ولملئت} مشددًا مهموزًا.
وقرأ الباقون خفيفًا {ولملئت} يقال ملىء فلان رعبا وفزعا فهو مملوء وملىء فهو مملأ، وكأن التشديد للتكثير وملأت الإناء فهو ملآن، وامتلأ
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/388]
الحوض يمتلىء امتلاء وأما قولهم: تمليت طويلاً وعانقت حبيبًا ومت شهيدًا وأبليت جديدًا فغير مهموز). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/389]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد اللام وتخفيفها من قوله تعالى: ولملئت [الكهف/ 18].
فقرأ ابن كثير ونافع: (ولملّئت): مشدّدة مهموزة.
وقرأ ابن عامر وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: ولملئت خفيفة مهموزة، وروى إسماعيل بن مسلم عن ابن كثير: ولملئت خفيفة.
قال أبو الحسن: الخفيفة أجود في كلامهم، تقول: ملأتني رعبا، ولا يكادون يعرفون: ملأتني. قال أبو علي: مما يدلّ على ما قاله أبو الحسن من أن التخفيف أكثر في كلامهم قوله:
فيملأ بيتنا أقطا وسمنا وقول الأعشى:
وقد ملأت بكر ومن لفّ لفّها
[الحجة للقراء السبعة: 5/134]
وقول الآخر:
ومن مالئ عينيه من شيء غيره وقول الآخر:
لا تملأ الدّلو وعرّق فيها وقولهم: امتلأت، يدلّ على ملأ، لأنّ مطاوع فعلت افتعلت، قال:
امتلأ الحوض، وقال قطني وقد جاء التثقيل أيضا، أنشدوا للمخبّل السعدي:
وإذ فتك النعمان بالناس محرما فملّئ من كعب بن عوف سلاسله). [الحجة للقراء السبعة: 5/135]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [وَتَقَلُّبَهُمْ]، بفتح التاء والقاف، وضم اللام، وفتح الباء.
قال أبو الفتح: هذا منصوب بفعل دل عليه ما قبله من قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ}، وقوله: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} : فهذه أحوال مشاهدة، فكذلك [تَقَلُّبَهُمْ] داخل في معناه، فكأنه قال: ونرى أو نشاهد تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. فإن قيل: إن التقلب حركة، والحركة غير مرئية، قيل: هذا غَوْر آخر ليس من القراءة في شيء إلا أنك تراهم يتقلبون، والمعنى مفهوم. وليس كل أحد يقول: إن الحركة لا ترى ولا غرض في الإطالة هنا، لكن ما أوردناه قد مضى على الغرض فيه والمراد منه). [المحتسب: 2/26]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا}
قرأ نافع وابن كثير {ولملئت منهم} بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف وهما لغتان يقال ملئ فلان رعبًا فهو مملوء وملئ فهو مملأ). [حجة القراءات: 413]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {ولملئت منهم} قرأه الحرميان بالتشديد، وخفف الباقون، وهما لغتان، والتخفيف أكثر، قال الأخفش: تقول ملأتني رعبا ولا يكادون يقولون ملأتني رعبا، وقوله: {هل امتلأت} «ق 30» يدل على التخفيف لأن {امتلأت} مطاوع «ملأت» وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، ولأنه اللغة المشهورة المستعملة، وقد ذكرنا {رعبا} في آل عمران أن الكسائي وابن عامر على التثقيل، والباقون على التخفيف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/57]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَلَمُلِّئْتَ مِنْهُمْ} [آية/ 18] مشددة اللام:
قرأها ابن كثير ونافعٌ.
والوجه أن مُلِّئ بالتشديد لغة في مُلِئ بالتخفيف وإن كانت لغة قليلة، قال المخيل السعدي:
81- وإذا فتك النعمان بالناس محرمًا = فملئ من كعب بن عوفٍ سلاسله
وقرأ الباقون {وَلَمُلِئْتَ} مخففة اللام.
[الموضح: 776]
والوجه أنها هي اللغة الجيدة، وهي المشهورة عندهم.
ويمكن أن يقال إن المشددة لكثرة الفعل فيكون المراد منه ملءٌ بعد ملءٍ، وعلى هذا يُحمل ما في البيت؛ لأن السلاسل جمعٌ). [الموضح: 777]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {رُعُبًا} [آية/ 18] بتحريك العين:
قرأها ابن عامر والكسائي ويعقوب.
وقرأ الباقون {رُعْبًا} بتسكين العين.
والوجه أنهما لغتان: الرعْب والرعُب كالشغْل والشغُل.
ويجوز أن يكون الرعب بالتسكين مخففًا من الرعب بالتحريك). [الموضح: 777]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين