تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)}
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ): (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: ((زملوهم في دمائهم وثيابهم)). هو من حديث غير واحد.
عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما قوله: ((زملوهم))، فإنه يقول: لفوهم بثيابهم التي فيها دماؤهم، وكذلك كل ملفوف في ثياب فهو مزمل.
ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم في المغازي في أول يوم ما رأى جبريل عليه السلام قال: ((فجثثت منه فرقا)). وبعضهم يقول: جئثت.
قال الكسائي: هما جميعا من الرعب، يقال: رجل مجؤوث ومجثوث قال: فأتى خديجة رضي الله عنها فقال: ((زملوني)).
فإذا فعل الرجل ذلك بنفسه قيل: قد تزمل وتدثر، فهو متزمل ومتدثر، فإذا أدغم التاء قال: مزمل ومدثر، وبهذا نزل القرآن بالإدغام.
وكذلك مدكر إنما هو مذتكر فأدغمت التاء وأبدلت الذال دالا.
وفي هذا الحديث من الفقه أن الشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل ولم تنزع عنه ثيابه، ألا تسمع إلى قوله: ((زملوهم بثيابهم ودمائهم))؟
قال: إلا أني سمعت محمد بن الحسن يقول: ينزع عنه الجلد والفرو، قال: وأحسبه قال: والسلاح، قال: ويترك سائر ثيابه عليه، هذا إذا مات في المعركة، فإن رفع وبه رمق غسل وصلي عليه.
قال: وأهل الحجاز لا يرون الصلاة على الشهيد إذا حمل من المعركة ميتا ولا الغسل، وأهل العراق يقولون: لا يغسل ولكن يصلى عليه). [غريب الحديث: 4/11-13]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
كبير أناس في بجاز مزمل
يريد مزملاً بثيابه. قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً}. وهو المتزمل بثيابه. والتاء مدغمة في الزاي. وإنما وصف امرؤ القيس الغيث. فقال قوم: أراد أن المطر قد خنق الجبل فصار له كاللباس على الشيخ المتزمل. وقال آخرون: إنما أراد ما كساه المطر من خضرة النبت. وكلاهما حسن). [الكامل: 2/994]
تفسير قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)}
تفسير قوله تعالى: {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب: تحرك أواخر الكلم الساكنة إذا حذفت ألف الوصل لالتقاء الساكنين
وإنما حذفوا ألف الوصل هاهنا بعد الساكن لأن من كلامهم أن يحذف وهو بعد غير الساكن فلما كان ذلك من كلامهم حذفوها ههنا وجعلوا التحرك للساكنة الأولى حيث لم يكن ليلتقي ساكنان وجعلوا هذا سبيلها ليفرقوا بينها وبين الألف المقطوعة فجملة هذا الباب في التحرك أن يكون الساكن الأول مكسوراً وذلك قولك اضرب ابنك وأكرم الرجل واذهب اذهب و: {قل هو الله أحد الله} لأن التنوين ساكن وقع بعده حرف ساكن فصار بمنزلة باء اضرب ونحو ذلك.
ومن ذلك إن الله عافاني فعلت وعن الرجل وقط الرجل ولو استطعنا.
ونظير الكسر هاهنا قولهم حذار وبداد ونظار ألزموها الكسر في كلامهم فجعلوا سبيل هذا الكسر في كلامهم فاستقام هذا الضرب على هذا ما لم يكن اسماً نحو حذام لئلا يلتقي ساكنان ونحوه جير يا فتى وغاق غاق كسروا هذا إذ كان من كلامهم أن يكسروا إذا التقى الساكنان.
وقال الله تبارك وتعالى: {قل انظروا ماذا في السماوات والأرض}
فضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف في الابتداء وكرهوا الكسر ههنا كما كرهوه في الألف فخالفت سائر السواكن كما خالفت الألف سائر الألفات يعني ألفات الوصل.
وقد كسر قومٌ فقالوا: {قل انظروا} وأجروه على الباب الأول ولم يجعلوها كالألف ولكنهم جعلوها كآخر جير.
وأما الذين يضمون فإنهم يضمون في كل ساكن يكسر في غير الألف المضمومة فمن ذلك قوله عز وجل: {وقالت اخرج عليهن}: {وعذاب (41) اركض برجلك} ومنه: {أو انقص منه قليلا} وهذا كله عربي قد قرئ به.
ومن قال قل انظروا كسر جميع هذا.
والفتح في حرفين أحدهما قوله عز وجل: {الم الله} لما كان من كلامهم أن يفتحوا لالتقاء الساكنين فتحوا هذا وفرقوا بينه وبين ما ليس بهجاءٍ.
ونظير ذلك قولهم من الله ومن الرسول ومن المؤمنين لما
كثرت في كلامهم ولم تكن فعلا وكان الفتح أخف عليهم فتحوا وشبهوها بأين وكيف.
وزعموا أن ناساً من العرب يقولون من الله فيكسرونه ويجرونه على القياس.
فأما: {الم} فلا يكسر لأنهم لم يجعلوه في ألف الوصل بمنزلة غيره ولكنهم جعلوه كبعض ما يتحرك لالتقاء الساكنين ونحو ذلك لم يلده واعلمن ذلك لأن للهجاء حالاً قد تبين). [الكتاب: 4/152-154] (م)
تفسير قوله تعالى: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4)}
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ): (حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} قال: «ترسل فيه ترسيلا»). [فضائل القرآن: 156]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)}
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)}
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)}
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): ({إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} يعني اضطرابًا. السبح: السكون، والسبح: الاضطراب). [مجالس ثعلب: 403]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ): (وقد قرئ {إنّ لك في النّهار سبحًا طويلا} و(سبخًا) قرأها يحيى بن يعمر، قال الفراء: معناهما واحد أي فراغًا، وقال غيره: سبحًا: فراغًا، وسبخًا: نومًا، ويقال: قد سبخ الحرّ إذا خار وانكسر، ويقال: اللهم سبّخ عنه الحمى أي خفّفها، وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رحمها الله، حين دعت على سارقٍ سرقها: لا تسبّخي عنه بدعائك أي لا تخففي عنه إثمه، ويقال لما سقط من ريش الطائر: سبيخ). [الأمالي: 2/112]
تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما جاء المصدر فيه على غير الفعل لأن المعنى واحد
وذلك قولك اجتوروا تجاوراً وتجاوروا اجتواراً لأن معنى اجتوروا وتجاوروا واحد ومثل ذلك انكسر كسراً وكسر انكساراً لأن معنى كسر وانكسر واحد وقال الله تبارك وتعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتا} لأنه إذا قال أنبته فكأنه قال قد نبت وقال عز وجل: {وتبتل إليه تبتيلا} لأنه إذا قال تبتل فكأنه قال بتل وزعموا أن في
قراءة ابن مسعود: (وأنزل الملائكة تنزيلا) لأن معنى أنزل ونزّل واحد). [الكتاب: 4/81-82] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ): (في حديث سعد رضي الله عنه حين قال: لقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون ولو أذن لنا لاختصينا.
قوله: التبتل، يعني ترك النكاح، ومنه قيل لمريم البكر البتول، لتركها التزويج. وأصل التبتل: القطع، ولهذا قيل: بتلت الشيء: أي قطعته ومنه قيل في للصدقة يبينها الرجل من ماله: صدقة بتة بتلة: أي قد قطعها صاحبها من ماله وبانت منه.
فكأن معنى الحديث أنه الانقطاع من النسل فلا يتزوج ولا يولد له، وقال ربيعة بن مقروم الضبي يصف راهبا:
لو أنها عرضت لأشمط راهب = في رأس شاهقة الذرى متبتل
يعني أنه لا يتزوج ولا يولد له. وقد روي في قول الله تبارك وتعالى: {وتبتل إليه تبتيلا}.
قال: حدثناه هشيم عن فلان –رجل قد سماه- عن الحسن في قوله عز وجل {وتبتل إليه تبتيلا} أي: أخلص إليه إخلاصا ولا أرى الأصل إلا من هذا.
يقول: انقطع إليه بعملك ونيتك وإخلاصك.
وقال الأصمعي: يقال للنخلة إذا كانت فسيلتها قد انفردت منها واستغنت عنها: مبتل، ويقال للفسيلة نفسها: البتول). [غريب الحديث: 5/20-22]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ): (
تضيء الظلام بالعشاء كأنها = منارة ممسى راهب متبتل
المتبتل: المتهجد.
...
والمتبتل: المتهجد، والتبتل: الانقطاع في العبادة عن الناس. والبتل: القطع). [شرح ديوان امرئ القيس: 228-229]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن الفعلين إذا اتفقا في المعنى جاز أن يحمل مصدر أحدهما على الآخر؛ لأن الفعل الذي ظهر في معنى فعله الذي ينصبه. وذلك نحو قولك: أنا أدعك تركاً شديداً، وقد تطويت انطواءً، لأن تطويت في معنى انطويت. قال الله عز وجل: {وتبتل إليه تبتيلا} لأن تبتل وبتل بمعنى واحد. وقال: {والله أنبتكم من الأرض نباتاً} ولو كان على أنبتكم لكان إنباتا، قال امرؤ القيس:
ورضت فدلت صعبةً أي إذلال
ولو كان على ذلت لكان: أي ذل. لكن رضت في معنى أذللت). [المقتضب: 1/211-212]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب: ما جرى مجرى الفعل وليس بفعل ولا مصدر
ولكنها أسماءٌ وضعت للفعل تدل عليه، فأجريت مجراه ما كانت في مواضعها؛ ولا يجوز فيها التقديم والتأخير؛ لأنها لا تصرف تصرف الفعل؛ كما لم تصرف إن تصرف الفعل، فألزمت موضعاً واحداً، وذلك قولك: صه ومه، فهذا إنما معناه: اسكت، واكفف، فليس بمتعدٍّ، وكذلك: وراءك وإليك، إذا حذرته شيئاً مقبلاً عليه، وأمرته أن يتأخر، فما كان من هذا القبيل فهو غير متعدٍّ. ومنها ما يتعدى وهو قولك: عليك زيدا، ودونك زيدا، إذا أغريته. وكذلك: هلم زيدا، إذا أردت: هات زيدا فهذه اللغة الحجازية: يقع هلم فيها موقع ما ذكرنا من الحروف، فيكون للواحد وللاثنين والجمع على لفظٍ واحد، كأخواتها المتقدمات. قال الله عز وجل: {والقائلين إخوانهم هلم إلينا}. فأما بنو تميم فيجعلونها فعلاً صحيحاً، ويجعلون الهاء زائدة، فيقولون: هلم يا رجل، وللاثنين: هلما، وللجماعة: هلموا، وللنساء: هلممن؛ لأن المعنى: الممن، والهاء زائدة. فأما قول الله عز وجل: {كتاب الله عليكم}، فلم ينتصب كتاب بقوله: {عليكم}، ولكن لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلم أن هذا مكتوبٌ عليهم، فنصب كتاب الله للمصدر؛ لأن هذا بدلٌ من اللفظ بالفعل؛ إذ كان الأول في معنى: كتب الله عليكم، وكتب عليكم. ونظير هذا قوله: {وترى الجبال تحسبها جامدةٌ وهي تمر مر السحاب صنع الله}؛ لأنه قد أعلمك بقوله: {وهي تمر مر السحاب} أن ثم فعلاً، فنصب ما بعده؛ لأنه قد جرى مجرى: صنع الله. وكذلك: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}. قال الشاعر:
ما إن يمس الأرض إلا منكـبٌ = منه وحرف الساق طي المحمل
لأنه ذكر على ما يدل على أنه طيان من الطي، فكان بدلاً من قوله طوى، وكذلك قوله:
إذا رأتني سقطت أبصارها = دأب بكارٍ شايحت بكارها
لأن قوله: إذا رأتني معناه: كلما رأتني، فقد خبر أن ذلك دأبها؛ فكأنه قال: تدأب دأب بكار؛ لأنه بدل منه. ومثل هذا - إلا أن اللفظ مشتقٌّ من فعل المصدر، ولكنهما يشتبهان في الدلالة -قوله عز وجل: {وتبتل إليه تبتيلا} على: وبتل غليه، ولو كان على تبتل لكان تبتلاً. وكذلك: {والله أنبتكم من الأرض نباتاً}. لو كان على أنبت لكان إنباتاً. ولكن المعنى - والله أعلم -: أنه إذا أنبتكم نبتم نباتاً). [المقتضب: 3/202-204] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): (في قوله عز وجل: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} التبتل: الإنقطاع، أي أنقطع إليه إنقطاعًا، ومنه يقال: "مريم البتول" أي انقطعت عن الناس). [مجالس ثعلب: 545]
تفسير قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)}