تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
تفسير قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) }
تفسير قوله تعالى: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) }
تفسير قوله تعالى: {فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أنه قد تدخل الألف واللام في التوكيد في هذه المصادر المتمكنة التي تكون بدلاً من اللفظ بالفعل كدخولها في الأمر والنهى والخبر والاستفهام فأجرها في هذا الباب مجراها هناك.
وكذلك الإضافة بمنزلة الألف واللام.
فأمّا المضاف فقول الله تبارك وتعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله} وقال الله تبارك وتعالى: {ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده}. وقال جلّ وعزّ: {الذي أحسن كل شيء خلقه}. وقال جل ثناؤه: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم}. ومن ذلك الله أكبر دعوة الحق. لأنّه لمّا قال جلّ وعزّ: {مر السحاب} وقال: {أحسن كلّ شيء} علم أنّه خلقٌ وصنعٌ ولكنّه وكّد وثّبت للعباد. ولما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} حتّى انقضى الكلام علم المخاطبون أنّ هذا مكتوبٌ عليهم مثّبت عليهم وقال كتاب الله توكيداً كما قال صنع الله وكذلك وعد الله لأنّ الكلام الذي قبله وعدٌ
وصنعٌ فكأنّه قال جلّ وعزّ وعداً وصنعا وخلقا وكتابا. وكذلك دعوة الحق لأنّه قد علم أنّ قولك الله أكبر دعاء الحق ولكنّه توكيدٌ كأنّه قال دعاءً حقًّا.
قال رؤبة:
إنّ نزاراً أصبحت نزارا = دعوة أبرارٍ دعوا أبرارا
لأنّ قولك أصبحت نزاراً بمنزلة هم على دعوةٍ بارّةٍ.
وقد زعم بعضهم أنّ كتاب الله نصب على قوله عليكم كتاب الله.
وقال قومٌ: {صبغة الله} منصوبةٌ على الأمر. وقال بعضهم لا بل توكيداً. والصبغة الدين.
وقد يجوز الرفع فيما ذكرنا أجمع على أن يضمر شيئاً هو المظهر كأنّك قلت ذاك وعد الله وصبغة الله أو هو دعوة الحقّ. على هذا ونحوه رفعه.
ومن ذلك قوله جلّ وعزّ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ} كأنه قال ذاك بلاغٌ). [الكتاب: 1/381-382] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن أردت قبل ما تعلم فحذفت المضاف إليه قلت: جئت قبل وبعد، وجئت من قبل ومن بعد. قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد} وقال: {ومن قبل ما فرطتم في يوسف}
وقال في الإضافة: {من بعد أن أظفركم عليهم} و{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} ). [المقتضب: 3/175]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الله عز وجل: {واسأل القرية التي كنا فيها} إنما هو: أهل القرية كما قال الشاعر:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت = فإنما هـي إقـبـالٌ وإدبـار
أي: ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها. وكذلك قوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. والوجه: ولكن البر بر من آمن بالله. ويجوز أن يوضع البر في موضع البار على ما ذكرت لك. فإذا قلت: ما أنت إلا شرب الإبل فالتقدير: ما أنت إلا تشرب شرب الإبل، والرفع في هذا أبعد؛ لأنه إذا قال: ما أنت إلا سيرٌ. فالمعنى: ما أنت إلا صاحب سيرٍ؛ لأن السير له. فإذا قال: ما أنت إلا شرب الإبل ففيه فعل؛ لأن الشرب ليس له. وإنما التقدير: إلا تشرب شرباً مثل شرب الإبل، فإذا أراد الضمير في الرفع كثر، فصار المعنى: ما أنت إلا صاحب شربٍ كشرب الإبل، فهذا ضعيفٌ خبيث. ومثل الأول قوله:
وكيف تواصل من أصبحت = خلالته كأبـي مـرحـب
يريد: كخلالة أبي مرحب. فهذا كقوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. ومن ذلك قول الشاعر:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي = على وعلٍ في ذي الفقارة عاقل
واعلم أن المصادر لا تمتنع من إضمار أفعالها إذا ذكرت ما يدل عليها، أو كان بالحضرة ما يدل على ذلك. وقياسها قياس سائر الأسماء في رفعها ونصبها وخفضها، إلا أنها تبدل من أفعالها. ألا ترى قوله عز وجل: {في أربعةٍ أيامٍ سواءً للسائلين} وأن قوله {أربعة} قد دل على أنها قد تمت. فكأنه قال: استوت استواءً. ومثله: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}؛ لأن فعله خلق فقوله: {أحسن}؛ أي خلق حسنا خلق، ثم أضافه. ومثل ذلك: {وعد الله}؛ لأنه لما قال: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون * بنصر الله} علم أن ذلك وعدٌ منه، فصار بمنزلة: وعدهم وعداً، ثم أضافه. وكذلك: {كتاب الله عليكم}. لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلمهم أن ذلك مكتوب عليهم، فكأنه قال: كتب الله ذلك. ومن زعم أن قوله: {كتاب الله عليكم} نصب بقوله: عليكم كتاب الله، فليس يدري ما العربية؛ لأن السماء الموضوعة موضع الأفعال لا تتصرف تصرف الأفعال، فتنصب ما قبلها. فمن ذلك قوله:
ما إن يمس الأرض إلا منكـبٌ = منه وحرف الساق طي المحمل
وذلك أنه دل بهذا الوصف على انه منطوٍ فأراد: طوي طي المحمل. فهذه أوصاف تبدل من الفعل لدلالتها عليه). [المقتضب: 3/230-232] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب النداء
اعلم أنك إذا دعوت مضافاً نصبته، وانتصابه على الفعل المتروك إظهاره. وذلك قولك: يا عبد الله؛ لأن يا بدل من قولك: أدعو عبد الله، وأريد، لا أنك تخبر أنك تفعل، ولكن بها وقع أنك قد أوقعت فعلاً. فإذا قلت: يا عبد الله، فقد وقع دعاؤك بعبد الله، فانتصب على أنه مفعول تعدى إليه فعلك.
وكذلك كل ما كان نكرة؛ نحو: يا رجلاً صالحاً، ويا قوماً منطلقين، والمعنى واحد. وعلى هذا يا حسرةً على العباد.
وقال الشاعر:
أداراً بحزوى هجت للعين عبرةً = فماء الهوى يرفض أو يترقرق
وقال الشاعر:
لعلك يا تيسا نزا في مـريرة = تعذب ليلى أن تراني أزورها
وقال الآخر:
فيا راكباً إما عرضت فبلغـن = نداماي من نجران أن لا تلاقيا
وأما المضاف فكقوله: {يا قومنا أجيبوا داعي الله}، وما أشبهه.
فإن كان المنادى واحداً مفرداً معرفة بني على الضم، ولم يلحقه تنوين؛ وإنما فعل ذلك به؛ لخروجه عن الباب، ومضارعته ما لا يكون معرباً. وذلك أنك إذا قلت: يا زيد، ويا عمرو، فقد أخرجته من بابه؛ لأن حد الأسماء الظاهرة أن تخبر بها واحد عن واحد غائب، والمخبر عنه غيرها فتقول: قال زيد، فزيد غيرك وغير المخاطب، ولا تقول: قال زيد وأنت تعنيه، أعني المخاطب. فلما قلت: يا زيد خاطبته بهذا الاسم، فأدخلته في باب ما لا يكون إلا مبنياً نحو: أنت، وإياك، والتاء في قمت، والكاف في ضربتك، ومررت بك. فلما أخرج من باب المعرفة، وأدخل في باب المبنية لزمه مثل حكمها، وبنيته على الضم؛ لتخالف به جهة ما كان عليه معرباً؛ لأنه دخل في باب الغايات.
ألا ترى أنك تقول: جئت قبلك، ومن قبلك. فلما صار غاية لما أذكره في موضعه قلت: جئت قبل يا فتى، وجئت من قبل قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد}). [المقتضب: 4/202-205] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن قال قائل: فالمضاف والنكرة مخاطبان، كما كان في المفرد المعرفة، وقد كان حقهما أن يخبر عنهما، ولا يخاطبا.
قيل له: قد علمنا أن المضاف معرفة بالمضاف إليه، كما كان قبل النداء والنكرة في حال النداء؛ كما كان قبل ذلك.
وزيد وما أشبهه في حال النداء معرفة بالإشارة منتقل عنه ما كان قبل ذلك فيه من التعريف.
ألا ترى أنك تقول إذا أردت المعرفة: يا رجل أقبل. فإنما تقديره: يا أيها الرجل أقبل، وليس على معنى معهود، ولكن حدثت فيه إشارة النداء، فلذلك لم تدخل فيه الألف واللام، وصار معرفة بما صارت به المبهمة معارف.
والمبهمة مثل: هذا، وذاك، وهذه، وتلك، وأولئك وذاك، وذاكن، وذلكن. إلا أنك إذا ناديته فهو معرفة بالإشارة؛ كما كانت هذه الأسماء، غير أنه مخاطب، وهي مخبر عنها. فهذا يوضح لك أمر الواحد المفرد.
ومع ذلك أن المضاف تمنعه الإضافة من البناء: كما كان ذلك في قبل، وبعد، وأمس، وما أشبههن.
تقول: ذهب أمس بما فيه، وقد ذهب أمسنا، وكذلك تقول: جئت من قبل، ومن بعد يا فتى.
فإن أردت قبل ما تعلم فحذفت المضاف إليه قلت: جئت قبل وبعد، وجئت من قبل ومن بعد. قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد} وقال: {ومن قبل ما فرطتم في يوسف}
وقال في الإضافة: {من بعد أن أظفركم عليهم} و{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} ). [المقتضب: 4/205-206]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والفصل بين قولك: يا رجل أقبل إن أردت به المعرفة، وبين قولك: يا رجلاً أقبل إذا أردت النكرة أنك إذا ضممت فإنما تريد رجلاً بعينه تشير إليه دون سائر أمته.
وإذا نصبت ونونت فإنما تقديره يا واحداً ممن له هذا الاسم، فكل من أجابك من الرجال فهو الذي عنيت، كقولك: لأضربن رجلاً. فمن كان له هذا الاسم بر به قسمك.
ولو قلت: لأضربن الرجل لم يكن إلا واحداً معلوماً بعينه، إلا أن هذا لا يكون إلا على معهود. فأعربت النكرة؛ لأنها في بابها لم تخرجها منه. ومع هذا أن التنوين الذي فيه مانع من البناء، كما كان ذلك في المضاف.
ومن جعل قبل وبعد نكرتين نون، وأجراهما على وجوه الإعراب. وقد قرأ بعض القراء: (لله الأمر من قبلٍ ومن بعدٍ).
فمن جعلهما نكرتين فتقديره والله أعلم لله الأمر أولاً وآخراً.
ومن جعلهما معرفتين فتقدير ذلك: قبل ما نعلم وبعجه، وقبل كل شيء وبعده. تقول: يا زيد وعمرو أقبلا، ويا هند وزيد أقبلا. تجري كل مفرد معرفة وإن اختلفت أجناسه مجرى واحداً؛ لأن النداء يخرجه إلى طريقة واحدة). [المقتضب: 4/206-207]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وروى أبو العباس البيت الأخير مقوى، وجعله نكرة، وهو قوله: "من قدام" كما تقول: جئتك من قبلٍ، ومن بعد، ومن علٍ، وما أشبه، كما قرأ بعضهم: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ) كما تقول: أولاً وآخرًا، ورواه الفراء: "من قدام" وجعله معرفة، وأجراه مجرى الغايات، نحو: "قبل وبعد" كما قال طرفة بن العبد:
ثم تفري اللحم من تعدائها = فهي من تحت مشيحات الحزم
وكما قيل عتي بن مالك العقيلي، أنشده الفراء أيضًا:
إذا أنا أومن عليك ولم يكن = لقاؤك إلا من وراء وراء
فهذا الضرب مما وقع على غير جهة التعريف، وجهة التعريف أن يكون معرفًا بنفسه، كزيد وعمرو، أو يكون معرفًا بالألف واللام أو بالإضافة، فهذه جهة التعريف، وهذا الضرب إنما هو معرف بالمعنى، فلذلك بني إذ خرج من الباب). [الكامل: 1/85]
تفسير قوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) }
تفسير قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) }
تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) }
تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) }
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأنشدونا عن أبي عمرو وكان يقرأ: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى) على" فعلى":
أنى جزوا عامرًا سوءى بفعلهم = أم كيف يجزونني السوءى من الحسن
أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به = رئمان أنفٍ إذا ضن باللبن).
[الكامل: 1/140]