تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وما أمر الساعة إلا كلمح البصر قال هو أن يقول كن فهو كلمح البصر أو هو أقرب فأمر الساعة كلمح البصر أو هو أقرب). [تفسير عبد الرزاق: 1/359]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، قال: حدّثني من لا أتّهم، عن ابن منبّهٍ، أنّه جلس هو وطاوسٌ ونحوهما من أهل ذلك الزّمان فذكروا أيّ أمر الله أسرع، فقال بعضهم: قول الله {كلمح البصر}، وقال بعضهم: السّرير حين أتي به سليمان، فقال: ابن منبّهٍ: أسرع أمر الله، أنّ يونس على حافّة السّفينة إذ أوحى اللّه إلى نونٍ في نيل مصر، قال: فما خرّ من حافّتها إلاّ في جوفه). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 363]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه غيب السّموات والأرض وما أمر السّاعة إلاّ كلمح البصر أو هو أقرب إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
يقول تعالى ذكره: وللّه أيّها النّاس ملك ما غاب عن أبصاركم في السّماوات والأرض دون آلهتكم الّتي تدعون من دونه، ودون كلّ ما سواه، لا يملك ذلك أحدٌ سواه {وما أمر السّاعة إلاّ كلمح البصر} يقول: وما أمر قيام القيامة والسّاعة الّتي تنشر فيها الخلق للوقوف في موقف القيامة، إلاّ كنظرةٍ من البصر، لأنّ ذلك إنّما هو أن يقال له كن فيكون، كما؛
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {إلاّ كلمح البصر أو هو أقرب} " والسّاعة كلمح البصر، أو أقرب "
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {وما أمر السّاعة إلاّ كلمح البصر} قال: " هو أن يقول: كن، فهو كلمح البصر، فأمر السّاعة كلمح البصر أو أقرب.
ويعني بقوله: أو هو أقرب من لمح البصر "
وقوله: {إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} يقول: إنّ اللّه على إقامة السّاعة في أقرب من لمح البصر قادرٌ، وعلى ما يشاء من الأشياء كلّها، لا يمتنع عليه شيءٌ أراده). [جامع البيان: 14/314]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر} هو أن يقول: كن أو أقرب فالساعة {كلمح البصر أو هو أقرب} ). [الدر المنثور: 9/89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {كلمح البصر} يقول: كلمح ببصر العين من السرعة، أو {أقرب} من ذلك إذا أردنا). [الدر المنثور: 9/89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} قال: هو أقرب وكل شيء في القرآن أو فهو هكذا (مائة ألف أو يزيدون) والله أعلم). [الدر المنثور: 9/90]
تفسير قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئًا، وجعل لكم السّمع، والأبصار، والأفئدة، لعلّكم تشكرون}.
يقول تعالى ذكره: واللّه تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعقلون شيئًا ولا تعلمون، فرزقكم عقولاً تفقهون بها وتميّزون بها الخير من الشّرّ، وبصّركم بها ما لم تكونوا تبصرون، وجعل لكم السّمع الّذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به بينكم، والأبصار الّتي تبصرون بها الأشخاص فتتعارفون بها وتميّزون بها بعضًا من بعضٍ {والأفئدة} يقول: والقلوب الّتي تعرفون بها الأشياء فتحفظونها وتفكّرون فتفقهون بها {لعلّكم تشكرون} يقول: فعلنا ذلك بكم، فاشكروا اللّه على ما أنعم به عليكم من ذلك، دون الآلهة والأنداد، فجعلتم له شركاء في الشّكر، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريكٌ.
وقوله: {واللّه أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئًا} كلامٌ متناهٍ، ثمّ ابتدئ الخبر، فقيل: وجعل اللّه لكم السّمع والأبصار والأفئدة وإنّما قلنا ذلك كذلك، لأنّ اللّه تعالى ذكره جعل لعبادة والسّمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم من بطون أمّهاتهم، وإنّما أعطاهم العلم والعقل بعدما أخرجهم من بطون أمّهاتهم). [جامع البيان: 14/315]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 78.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم} قال: من الرحم). [الدر المنثور: 9/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} قال: كرامة أكرمكم الله بها فاشكروا نعمه). [الدر المنثور: 9/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن ماجه، وابن حبان والطبراني، وابن مردويه عن حبة وسواء ابني خالد أنهما أتيا النّبيّ صلى الله عليه وسلم: وهو يعالج بناء فقال لهما: هلم فعالجا معه فعالجا فلما فرغ أمر لهم بشيء وقال لهما: لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما، فإنه ليس من مولود يولد من أمة إلا أحمر ليس عليه قشرة ثم يرزقه الله). [الدر المنثور: 9/90]
تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم يروا إلى الطّير مسخّراتٍ في جوّ السّماء، ما يمسكهنّ إلاّ اللّه، إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين: ألم تروا أيّها المشركون باللّه إلى الطّير مسخّراتٍ في جوّ السّماء، يعني: في هواء السّماء بينها وبين الأرض، كما قال إبراهيم بن عمران الأنصاريّ:
ويلمّها من هواء الجوّ طالبةً = ولا كهذا الّذي في الأرض مطلوب
يعني: في هواء السّماء.
{ما يمسكهنّ إلاّ اللّه} يقول: ما طيرانها في الجوّ إلاّ باللّه وبتسخيره إيّاها بذلك، ولو سلبها ما أعطاها من الطّيران لم تقدر على النّهوض ارتفاعًا. وقوله: {إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون} يقول: إنّ في تسخير اللّه الطّير وتمكينه لها الطّيران في جوّ السّماء، لعلاماتٌ ودلالاتٌ على أنّ لا إله إلاّ اللّه، وحده لا شريك له، وأنّ لا حظّ للأصنام والأوثان في الألوهة {لقومٍ يؤمنون} يعني: لقومٍ يقرّون بوجدان ما تعاينه أبصارهم، وتحسّه حواسّهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: " {مسخّراتٍ في جوّ السّماء} أي في كبد السّماء "). [جامع البيان: 14/315-316]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 79.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {في جو السماء} في كبد السماء). [الدر المنثور: 9/91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {في جو السماء} قال: جوف السماء {ما يمسكهن إلا الله} قال: يمسكه الله على كل ذلك والله أعلم بالصواب). [الدر المنثور: 9/91]