تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن مجاهد {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} قال: فرقٌ بين الحقّ والضّلالة [الآية: 48]). [تفسير الثوري: 201]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً وذكرًا للمتّقين}.
يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى بن عمران وأخاه هارون الفرقان، يعني به الكتاب الّذي يفرّق بين الحقّ والباطل، وذلك هو التّوراة في قول بعضهم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {الفرقان} قال الكتاب.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} الفرقان: التّوراة، حلالها وحرامها، وما فرّق اللّه به بين الحقّ والباطل.
وكان ابن زيدٍ يقول في ذلك ما؛
- حدّثني به، يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} قال: الفرقان: الحقّ آتاه اللّه موسى وهارون، فرّق بينهما وبين فرعون، فقضى بينهم بالحقّ. وقرأ: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان} قال يوم بدرٍ.
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول الّذي قاله ابن زيدٍ في ذلك أشبه بظاهر التّنزيل، وذلك لدخول الواو في الضّياء، ولو كان الفرقان هو التّوراة كما قال من قال ذلك، لكان التّنزيل: ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياءً، لأنّ الضّياء الّذي آتى اللّه موسى وهارون هو التّوراة الّتي أضاءت لهما، ولمن اتّبعهما أمر دينهم، فبصّرهم الحلال والحرام، ولم يقصد بذلك في هذا الموضع ضياء الإبصار. وفي دخول الواو في ذلك دليلٌ على أنّ الفرقان غير التّوراة الّتي هي ضياءٌ.
فإن قال قائلٌ: وما ينكر أن يكون الضّياء من نعت الفرقان، وإن كانت فيه واوٌ، فيكون معناه: وضياءً آتيناه ذلك، كما قال {بزينةٍ الكواكب وحفظًا}؟
قيل له: إنّ ذلك وإن كان الكلام يحتمله، فإنّ الأغلب من معانيه ما قلنا. والواجب أن يوجّه معاني كلام اللّه إلى الأغلب الأشهر من وجوهها المعروفة عند العرب، ما لم يكن بخلاف ذلك ما يجب التّسليم له من حجّة خبرٍ، أو عقلٍ.
وقوله: {وذكرًا للمتّقين} يقول: وتذكيرًا لمن اتّقى اللّه بطاعته، وأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، ذكّرهم بما آتى موسى وهارون من التّوراة). [جامع البيان: 16/287-289]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان قال الفرقان هذا الكتاب). [تفسير مجاهد: 411]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 48 - 50.
أخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء} ويقول: خذوا هذه الواو واجعلوها ههنا (والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) الآية). [الدر المنثور: 10/300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء} قال: انزعوا هذه الواو واجعلوها في (الذين يحملون العرش من حوله) (غافر آية 7) ). [الدر المنثور: 10/300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} قال: التوراة). [الدر المنثور: 10/300-301]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} قال: الفرقان التوراة حلالها وحرامها مما فرق الله بين الحق والباطل). [الدر المنثور: 10/301]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} قال: الفرقان الحق آتاه الله موسى وهارون فرق بينهما وبين فرعون فصل بينهم بالحق، وقرأ (وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) (الأنفال آية 41) قال: يوم بدر). [الدر المنثور: 10/301]
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين يخشون ربّهم بالغيب وهم من السّاعة مشفقون}.
يقول تعالى ذكره: آتينا موسى وهارون الفرقان، الذّكر الّذي آتيناهما للمتّقين الّذين يخافون ربّهم بالغيب، يعني في الدّنيا أن يعاقبهم في الآخرة إذا قدموا عليه بتضييعهم ما ألزمهم من فرائضه، فهم من خشيته يحافظون على حدوده وفرائضه، وهم من السّاعة الّتي تقوم فيها القيامة مشفقون، حذرون أن تقوم عليهم، فيردوا على ربّهم قد فرّطوا في الواجب عليهم للّه، فيعاقبهم من العقوبة بما لا قبل لهم به). [جامع البيان: 16/289]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: وعزتي لأجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين فمن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة). [الدر المنثور: 10/301]
تفسير قوله تعالى: (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهذا ذكرٌ مباركٌ أنزلناه أفأنتم له منكرون}.
يقول جلّ ثناؤه: وهذا القرآن الّذي أنزلناه إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ذكرٌ لمن تذكّر به، وموعظةٌ لمن اتّعظ به {مباركٌ أنزلناه} كما أنزلنا التّوراة إلى موسى وهارون ذكرًا للمتّقين يقول تعالى ذكره: أفأنتم أيّها القوم لهذا الكتاب الّذي أنزلناه إلى محمّدٍ منكرون وتقولون: هو {أضغاث أحلامٍ بل افتراه بل هو شاعرٌ فليأتنا بآيةٍ كما أرسل الأوّلون} وإنّما الّذي آتيناه من ذلك ذكرٌ للمتّقين، كالّذي آتينا موسى وهارون ذكرًا للمتّقين.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وهذا ذكرٌ مباركٌ} إلى قوله: {أفأنتم له منكرون} أي: هذا القرآن). [جامع البيان: 16/289-290]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} أي هذا القرآن). [الدر المنثور: 10/301]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال: خصلتان فيهما البركة: القرآن والمطر، وتلا (وأنزلنا من السماء ماء) {وهذا ذكر مبارك} والله أعلم). [الدر المنثور: 10/301]