سورة هود
[ من الآية (1) إلى الآية (5) ]
{ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) }
قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (من ذلك قراءة الناس: {ثُمَّ فُصِّلَتْ}، وقرأ: [فَصَلَتْ] بفتح الفاء والصاد خفيفة عكرمة والضحاك والجحدري، ورُويت عن ابن كثير.
قال أبو الفتح: معنى [فَصَلت]: أي صدَرت وانفصلت عنه ومنه، وهو كقولك: قد فَصَل الأمير عن البلد: أي سار عنه). [المحتسب: 1/318]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قد تقدم ذكر {الر} «ا» وذكر {سحر} «7» و{اركب معنا} «42» و{أصلواتك} «87» و{مكانتكم} «93» فأغنى ذلك عن الإعادة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/525]
قوله تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)}
قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)}
قوله تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}
قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف مجاهد ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن أفزى والجحدري وابن أبي إسحاق وأبي رَزِين وأبي جعفر محمد بن علي وعلي بن حسين وزيد بن علي وجعفر بن محمد والضحاك وأبي الأسود: [يَثْنُونِي صُدُورُهُم] على
[المحتسب: 1/318]
تفعوعل، وقرأ: [تَثْنَوِنَّ صُدُورُهُمْ] ابن عباس بخلاف، وقرأ: [تَثْنَئِنَّ صدورُهم] عروة الأعشى، ورُويت عن عروة الأعشى أيضًا: [يَثْنؤنَّ صُدُورَهُمْ]، ورُوي ذلك عن مجاهد أيضًا، ورُوي عن ابن عباس: [تثْنوْنِ صُدُورُهُمْ]، ورُوي عن سعيد بن جبير وأحسبها وَهْمًا: [يُثْنُونَ صُدُورَهُمْ] بضم الياء والنون.
قال أبو الفتح: أما [تَثْنَوني] فتفعوعِل، كما قال: وهذا من أبنية المبالغة لتكرير العين؛ كقولك: أعشب البلد، فإذا كثر فيه ذلك قيل: اعشوشب، واخلولقت السماء للمطر: إذا قويت أمارةُ ذلك، واغْدَوْدنَ الشعر: إذا طال واسترخى. أنشدنا أبو علي:
وقامت ترائيك مُغْدَوْدِنا ... إذا ما تنوء به آدها
وقرأت على أبي بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى قول الشاعر:
لو كنت تعطِي حين تُسْأَلُ سامحتْ ... لك النفسُ واحلولاك كل خليل
وقال حُميد بن ثور:
فلما مضى عامَين بعد انفصاله ... عن الضرع واحلولى دِماثًا يَرودُها
فهذا أقوى معنى من استحلى.
وأما [تَثْنَئِنَّ] و[تَثْنَوِنَّ] ففيهما النظر؛ فتثنئن تفعلِلَّ من لفظ الثِّنّ ومعناه، وهو ما هشَّ وضعف من الكلأ. أنشد أبو زيد ورويناه عنه:
يأيها الفُصيِّل الْمُعَنِّي ... إنك ريَّان فصَمِّت عَنِّي
يكفي اللقوحَ أكلةٌ من ثِنّ
[المحتسب: 1/319]
وأصله: تثنانُّ، فحركت الألف لسكونها وسكون النون الأولى؛ فانقلبت همزة على ما مضى قبل، وعليه قول دُكَين:
راكدةٌ مِخلاتُه ومحلبُه ... وجُلُّه حتى ابيأَضَّ ملبَبُه
يريد: ابياض، فحرك الألف فهمزها على ما مضى، والتقاء المعنيين أن [الثِّنَّ]: ما ضعف ولان من الكلأ، فهو سريع إلى طالبه خفيف، وغير معتاص على آكله، وكذلك [صدروهم] مجيبة لهم إلى أن يثنوها؛ ليستخفوا من الله سبحانه.
وأما [تَثْنوِنَّ] فإنها تفعوْعل من لفظ الثِّنّ ومعناه أيضًا، وأصلها: تثنونِنُ، فلزم الإدغام لتكرير العين إذ كان غير ملحق، وكذلك قالوا: في مُفعوعل من رَددت مُرْدَوِدّ، وأصلها: مُرْدَوْدِدُ. فلما لم يكن ملحقًا وجب إدغامه؛ فنقلب الكسرة من الدال الأولى فأُلقيت على الواو، وأُدغمت الدال في الدال فصار مُرْدوِدٌّ، وكذلك أصل هذه: تَثْنَوْنِنُ، فأسكنت النون الأولى، ونقلت كسرتها على الواو، فأُدغمت النون في النون فصار [تَثْنَوِنَّ].
وذهب أبو إسحاق في قولهم: مصائب -بالهمز- إلى أن أصلها: مصاوب، فهمزت الواو لانكسارها، كما همزت في إسادة وإعاء، فقياسه على هذا أن تكون [تثنئنَّ] أصلها: تثنوِنُّ، فهمزت الواو لانكسارها، وعلى أن مذهب أبي إسحاق هذا مردود عندنا غير أن قياسه أن يقول ما ذكرنا.
وأما [تَثْنَوْنِ صُدُورُهُمْ] بنون مكسورة من غير ياء، ورفع [صدروهم] فإنه أراد الياء، فحذفها تخفيفًا كالعادة في ذلك، ولا سيما والكلمة طويلة بكونها على تفعوعل.
وأما [يَثْنَؤُنَّ صُدُورَهُمْ] بالنصب وبالهمزة المضمومة فَوْهم من حاكيه أو قارئه؛ لأنه لا يقال: ثنأت كذا بمعنى تَثَنيْتُه، وكذلك [يُثْنُونَ صُدُورَهُمْ]؛ لأنه لا يُعرف في اللغة أَثنيت كذا بمعنى ثَنيته، إلا أن يكون معناه يجدونها منثنية؛ كقولهم: أحمدته: وجدته محمودًا، وأذممته: وجدته مذمومًا). [المحتسب: 1/320]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين