سورة المؤمنون
[من الآية (17) إلى الآية (22) ]
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ (20) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)}
قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)}
قوله تعالى: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)}
قوله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ (20)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من طور سيناء (20)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (سيناء) بكسر السين.
وقرأ الباقون (سيناء) بفتح السين.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (تنبت) بضم التاء وكسر الباء.
وقرأ الباقون (تنبت) بفتح التاء وضم الباء.
قال أبو منصور: من قرأ (سيناء) فهو اسم للمكان على وزن (صحراء) لا يجرى.
ومن قرأ بكسر السين فليس في الكلام على وزن (فعلاء) بناء على أن الألف للتأنيث؛ لأنه ليس في الكلام ما فيه ألف التأنيث على وزن
[معاني القراءات وعللها: 2/188]
(فعلاء)، وما كان في الكلام نحو: حرباء، وعلباء، وخرشاء.
فهو منصرف مذكر، فكأنّ من قرأها (سيناء) جعلها اسمًا للبقعة، ولم يصرفها.
وقيل: (سيناء): حجارة.
والله أعلم بما أراد.
وأما من قرأ (تنبت بالدّهن)
فإن الفراء قال: نبت وأنبت بمعنًى واحد، وأنشد قول زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم... قطيناً لهم حتى إذا أنبت البقل
ويروى: "حتى إذا نبت".
ومعنى (تنبت بالدهن): تنبت وفيها دهن.
كقولك: جاءني زيدٌ بالسيف، أي: جاءني ومعه السيف.
وأخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سلام قال: سمعت حاد بن سلمة يقرأ (وشجرةً تخرج من طور سيناء تنبت بالدّهن) فسألته فقال: (تنبت الدهن)، و(تنبت بالدّهن) ). [معاني القراءات وعللها: 2/189]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- قوله تعالى: {سيناء} [20].
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع بكسر السين. وحجتهم {وطور سنيين} بكسر السين. والسيناء، والسينين، الحسن. وكل جبل ينبت الثمار فهو سنين.
وقرأ الباقون {سيناء} بفتح السين. وهما لغتان، وأصله سرياني). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/87]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {تنب بالدهن} [20].
قرأ أبو عمرو، وابن كثير بضم التاء، كأنه لم يعتد بالياء، وأراد تنبت الدهن، قال الشاعر:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم = قطنيا لهم حتى إذا أنبت البقل
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/87]
وقرأ الباقون: {تنبت} بفتح التاء وهو الاختيار؛ لأن العرب تقول: ذهبت يزيد وأذهبت زيدًا فيخزلون الباء مع الهمزة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/88]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر السين وفتحها من قوله تعالى: من طور سيناء [المؤمنون/ 20].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (سيناء) بكسر السين ممدود، وقرأ الباقون: سيناء مفتوحة السين ممدودة أيضا.
قال أبو علي: من قال: سيناء لم ينصرف الاسم عنده في المعرفة ولا في النكرة، لأن الهمزة في هذا البناء لا تكون إلا للتأنيث ولا تكون للإلحاق، ألا ترى فعلا لا يكون إلا في المضاعف نحو:
الزّلزال والقلقال، إذا اختص البناء هذا الضرب لم يجز أن يلحق به
[الحجة للقراء السبعة: 5/289]
شيء لأنك حينئذ تعدّي بالبناء إلى غير مضاعف الأربعة، فهذا إذن كموضع أو بقعة سمّي بطرفاء وصحراء.
فأما من قرأ (سيناء) بالكسر فالهمزة فيه منقلبة عن الياء كعلباء، وحرباء، وسيناء، وهي الياء التي ظهرت في نحو: درحاية لمّا بنيت على التأنيث، فإنّما لم ينصرف على هذا القول وإن كان غير مؤنّث لأنه جعل اسم بقعة أو أرض، فصار بمنزلة امرأة سميت بجعفر، ومن هذا البناء قوله: وطور سينين [التين/ 2] فسينين: فعليل، كرّرت اللام التي هي نون فيه كما كرّرت في: زحليل وكرديد وخنذيذ، ومثله في أن العين ياء وكررت اللام فيه للإلحاق قول الشاعر:
تسمع للجنّ فيه زيزيزما.
الياء الأولى: عين، والثانية لفعليل، فإن قلت: فلم لا يكون سينين كغسلين ولا يكون كخنذيذ؟. فالذي يمنع من ذلك أن أبا الحسن حكى أن واحد سنين: سينينة، وما كان من نحو غسلين لم نعلم علامة التأنيث لحقه، وبهذه الدلالة يعلم أن سينين ليس كسنين ولا أرضين، لأن هذا الضرب من الجمع لا يلحقه التاء للتأنيث، وإنما لم ينصرف سينين كما لم ينصرف (سيناء) لأنه جعل اسما لبقعة أو لأرض، كما
[الحجة للقراء السبعة: 5/290]
جعل سيناء كذلك، ولو جعل اسما للمكان أو المنزل أو نحو ذلك من الأسماء المذكّرة لانصرف، لأنك كنت سمّيت مذكرا بمذكر). [الحجة للقراء السبعة: 5/291]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في (تنبت) [المؤمنون/ 20] في فتح التاء وضمّها. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (تنبت) بضم التاء وكسر الباء، وقرأ الباقون: تنبت بفتح التاء وضمّ الباء.
من قرأ (تنبت بالدّهن) احتمل وجهين: أحدهما: أن يجعل الجار زائدا، يريد تنبت، ولحقت الباء كما لحقت في قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [البقرة/ 195] أي: لا تلقوا أيديكم، يدلّك على ذلك قوله: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم [النحل/ 15] وقد زيدت هذه الباء مع الفاعل كما زيدت مع المفعول وزيادتها مع المفعول به أكثر، وذلك نحو قوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي... بما لاقت ...
وقد زيدت مع هذه الكلمة بعينها قال:
بواد يمان ينبت الشّثّ حوله... وأسفله بالمرخ والشّبهان
حمله على: وينبت أسفله المرخ.
[الحجة للقراء السبعة: 5/291]
ويجوز أن يكون الباء متعلّقا بغير هذا الفعل الظاهر، ويقدّر مفعولا محذوفا تقديره: تنبت جناها أو ثمرتها وفيها دهن وصبغ، كما تقول: خرج بثيابه وركب بسلاحه.
ومن قرأ: تنبت بالدهن جاز أن يكون الجار فيه للتعدّي: أنبته ونبت به، ويجوز أن يكون الباء في موضع حال كما كان في الوجه الأول، ولا يكون للتعدي ولكن: تنبت وفيها دهن، وقد قالوا: أنبت في معنى نبت، فكأن الهمزة في أنبت مرة للتعدّي ومرّة لغيره، يكون من باب: أحال وأجرب وأقطف، أي: صار ذا حيال وجرب، والأصمعي ينكر أنبت، ويزعم أن قصيدة زهير التي فيها:
... حتى إذا أنبت البقل متّهمة. وإذا جاء الشيء مجيئا كان للقياس فيه مسلك، فروته الرواة لم يكن بعد ذلك موضع مطعن). [الحجة للقراء السبعة: 5/292]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري والحسن والأعرج: [تُنْبَتُ]، برفع التاء، ونصب الباء.
وفي قراءة عبد الله: [تَخْرُجُ بِالدُّهْنِ].
قال أبو الفتح: الباء هنا في معنى الحال، أي: تنبت وفيها دهنها، فهو كقولك: خرج بثيابه. أي وثيابه عليه، وسار الأمير في غلمانه، أي وغلمانه معه، وكأنه قال: خرج لابسا ثيابه، وسار مستصحبا غلمانه، وكذلك قول الهذلي.
يَعْثُرْنَ في حَدِّ الظِّباتِ كأنَّما ... كُسِيَتْ بُرُودَ بني تَزِيدَ الأذرُعُ
أي: يعثرن كابيات في حد الظبات، أو مجروحات في حد الظبات. ومثله ما أنشده الأصمعي من قوله:
وَمُسْتَنَّةٍ كاستِنانِ الخَرُو ... ف قد قَطَعَ الحبْلَ بالمِرْوَدِ
أي: قطع الحبل ومرودُه فيه، أي: متصلا به مِرْوَدُه، فكذلك قوله: [تُنْبَتُ بِالدُّهْنِ]،
[المحتسب: 2/88]
أي: تنْبُتُ ودهنها فيها، وكذلك من قرأ: [تَنْبُتُ]، أي: تنبت على هذه الحال، وكذلك أيضا من قرأ: [تَنْبِتُ بِالدُّهْنِ] قد حذف مفعولها، أي: تنبت ما تنبته ودهنها فيها وذهبوا في قول زهير:
حتَّى إذا أنْبَتَ البَقْلُ
إلى أنه في معنى نَبَتَ وأنها لغة: فَعَلْت وأفْعَلَت. وقد يجوز أن يكون على هذا أي: محذوف المفعول، أي: حتى إذا أنبتَ البقلُ ثمرَهُ. ونحن نعلم أيضا أن الدهن لا ينبِت الشجرة، وإنما ينبتها الماء. ويؤكد ذلك أيضا قراءة عبد الله: [تَخْرُجُ بالدُّهنِ]، أي: تخرج من الأرض ودهنها فيها.
فأما من ذهب إلى زيادة الباء، أي: تنبِت الدهن، فمضعوف المذهب، وزائد حرفا لا حاجة به إلى اعتقاد زيادته مع ما ذكرناه من صحة القول عليه، وكذلك قول عنترة:
شَرِبَتْ بماءِ الدَّحْرُضَيْنِ
ليس عندنا على زيادة الباء، وإنما هو على شربت في هذا الموضع ماء، فحذف المفعول. وما أكثر وأعذب وأعرب حذف المفعول وأدله على قوة الناطق به!). [المحتسب: 2/89]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {من طور سيناء} بكسر السّين وحجتهم قوله {وطور سينين} والسيناء والسينين الحسن وكل جبل نبتت الثّمار فيه فهو سينين
وقرأ الباقون {سيناء} بالفتح وهما لغتان أصله سرياني قال مجاهد الطّور الجبل والسيناء الحجارة المباركة
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {تنبت بالدهن} بضم التّاء وقرأ
[حجة القراءات: 484]
الباقون بالفتح قال الفراء هما لغتان يقال نبت الشّجر وأنبت قال الشّاعر:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتها ... قطينا لهم حتّى إذا انبت البقل
وهو كقوله {فأسر بأهلك} بوصل الألف وبقطعها ومعنى {تنبت بالدهن} أي تنبت وفيها دهن ومعها صبغ كما تقول جاءني زيد بالسّيف تريد جاءني ومعه السّيف وقال قوم من قرأ {تنبت} بالرّفع فالباء زائدة وقالوا إن نبت وأنبت في معنى واحد). [حجة القراءات: 485]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {طور سيناء} قرأه الكوفيون وابن عامر بفتح السين. وقرأ الباقون بالكسر.
4- وحجة من فتح أنه بناه على «فعلا» كحمراء، فالهمز للتأنيث، فلم يصرفه للتأنيث والصفة.
5- وحجة من كسر السين أنه بناه على «فعلاء» جعل الهمزة بدلًا من ياء، وليست للتأنيث، إذ ليس في كلام العرب «فعلاء» بكسر الأول، وهمزته للتأنيث، إنما يأتي هذا المثال في الأسماء الملحقة بـ «سرداح» نحو: علباء وحرباء، الهمزة في هذا بدل من ياء لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة دليله قولهم: «درحاية» لما بنوه للتأنيث، صارت الياء غير متطرفة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/126]
فلم تقلب همزة، فالهمزة في {سيناء} في قراءة من كسر السين بدل من ياء، وإنما لم ينصرف؛ لأنه معرفة اسم للبقعة، فلم ينصرف للتعريف والتأنيث، فهو بمنزلة امرأة سميتها بـ «جعفر» والكسر أحب إلي؛ لاجتماع الحرميين وأبي عمرو عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/127]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {تنبت بالدهن} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بضم التاء، وكسر الباء، وقرأ الباقون بفتح التاء، وضم الباء.
وحجة من ضم التاء أنه جعله رباعيًا من «أنبت ينبت» وتكون الباء في {بالدهن} زائدة لأن الفعل يتعدّى إذا كان رباعيًا بغير حرف، كأنه قال: تنبت الدهن، لكن دلت الباء على ملازمة الإنبات للدهن، كما قال: {اقرأ باسم ربك} «العلق 1» فأتى بالباء، و{اقرأ} يتعدى بغير حرف لكن دلّت الياء على الأمر بملازمة القراءة، ويجوز أن تكون الباء على هذه القراءة غير زائدة، لكنها متعلقة بمفعول محذوف، تقديره: ينبت جناها بالدهن، أو ثمرها بالدهن، أي وفيه دهن، كما يقال: خرج بثيابه وركب بسلاحه، فـ {بالدهن} على هذا التقدير في موضع الحال، كما كان «بثيابه وبسلاحه» في موضع الحال.
7- وحجة من فتح التاء أنه جعله فعلًا ثلاثيًا من «نبت» فتكون الباء في {بالدهن} للتعدية؛ لأن الفعل غير متعد إذا كان ثلاثيًا.
وقد قالوا: «أنبت» بمعنى «نبت» فتكون القراءتان على هذه اللغة بمعنى، والاختيار الفتح؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/127]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {مِنْ طُورِ سِيْنَاءَ} [الآية/ 20] بكسر السين:-
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
والوجه أنه مثل علباء وحرباء، والهمزة فيه منقلبةٌ عن الياء، وليست الألف الممدودة فيه للتأنيث؛ لأنه ليس في الكلام فعلاء بألف التأنيث، ولفظ هذا البناء مذكر، وإنما لم ينصرف ههنا؛ لأنه جُعل اسم بقعة أو اسم أرض، فهو بمنزلة امرأة سميت بجعفر، فهو لا ينصرف وإن كان بلفظ اسم رجل.
وقرأ الباقون {سَيْنَاءَ} بفتح السين.
والوجه أن البناء للتأنيث، والألف فيه ألف تأنيث، فلم ينصرف الاسم في المعرفة ولا في النكرة؛ لأنه كصحراء وطرفاء إذا سُمي بهما). [الموضح: 892]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {تُنْبِتُ بِالدُّهْنِ} [آية/ 20] بضم التاء وكسر الباء:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب –يس-.
والوجه أن الباء زائدة، والتقدير: تُنبت في الدهن، كما قال تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أي أيديكم.
ويجوز أن يكون المفعول به محذوفًا، والتقدير تُنبت ثمرها أو جناها بالدهن، أي مع الدهن، والباء تسمى باء الحال، كما يقال: خرج زيد بسلاحه، أي متسلحًا.
[الموضح: 892]
ويجوز أن يكون أنبت بمعنى نبت، فيكون أفعل على هذا من باب أعشب المكان إذا صار ذا عشب، فأنبت: صار ذا نبت، قال زهير:
102- رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم = قطينًا لهم حتى إذا أنبت البقل
فيكون هذا كقراءة من قرأ {تَنْبُتُ} بفتح التاء.
وقرأ الباقون {تَنْبُتُ} بفتح التاء وضم الباء، وكذلك –ح- عن يعقوب.
والوجه أن الباء على هذا يجوز أن يكون للحال كما سبق، أو للتعدية كأنه قال: تنبت الدهن؛ لأنه أنبته ونبت به واحدٌ في المعنى). [الموضح: 893]
قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {نسقيكم مما في بطونها} [21].
قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر {نسقيكم} بفتح النون.
وقرأ الباقون بالضم، فجعلها بعضهم لغتين سقيت وأسقيت واحتج بقول الشاعر:
سقى قومى بني مجد وأسقى = نميرا والقبائل من هلال
والاختيار: أن يكون سقيت للشفه، وأسقيت للأنهار والأنعام، وتقول دعوت الله أن يسقيه. وقد بينت ذلك في سورة (النحل) بأكثر من هذا.
فإن سأل سائل فقال: لم قال تعالى: {مما في بطونه} في موضع. وقال في موضع آخر {بطونها}؟
فالجواب في ذلك: أن من أنث سقط السؤال عنه. ومن ذكر فله حجج، إحداهن: أن الأنعام والنعم بمعنى فذكره لذلك.
والحجة الأخرى: أن التقدير نسقيكم من بعض ما في بطونه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/88]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: نسقيكم [المؤمنون 21].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: نسقيكم برفع النون.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (نسقيكم) بفتح النون.
[الحجة للقراء السبعة: 5/292]
قال أبو علي: أما من قال: نسقيكم فعلى أن يكون المعنى: جعلنا ما في ضروعها من ألبانها سقيا لكم. وقد قالوا: أسقيتهم نهرا إذا جعلته سقيا لهم، هذا كأنه أعم لأن ما هو سقيا لهم لا يمتنع أن يكون للشفة، وما للشفة فقد يمتنع أن يكون سقيا، وما أسقيناه من ألبان الأنعام أكثر مما يكون للشفة نسقيكم بالضم فيه أشبه. ومن قال: (نسقيكم) جعل ذلك مختصا به الشفاء دون المزارع والمراعي فلم يكن مثل الماء في قوله: وأسقيناكم ماء فراتا [المرسلات/ 27].
لأن ذا يصلح لأمرين فمن ثمّ جاء: وسقاهم ربهم شرابا طهورا [الانسان/ 21]. وقد قيل: إن سقى وأسقى لغتان. قال الشاعر:
سقى قومي بني مجد وأسقى... نميرا والقبائل من هلال
ألا ترى أن أسقى لا يخلو من أن يكون لغة في سقى، أو يكون على حدّ: وأسقيناكم ماء فراتا [المرسلات/ 27] وهذا الوجه فيه بعض البعد، لأنه قد دعا لقومه وخاصّته بدون ما دعا للأجنبي الغريب منه). [الحجة للقراء السبعة: 5/293]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد: [لَعِبْرَةً تَسْقِيكُمْ].
قال أبو الفتح: ليس قوله: [تَسقيكم] صفة، لعبرة كقولك: لعبرة ساقية. ألا ترى أنه ليست العبرة الساقية، إنما هناك حض وبعث على الاعتبار بسقياها لنا أو بسقيا الله سبحانه إيانا منها؟ فالوقف إذًا على قوله: "لعبرة"، ثم استأنف تعالى تفسير العبرة، فقال: "تسقيكم" هي، أو {نُسْقِيكُمْ} نحن {مِمَّا فِي بُطُونِهَا}. وقوله: {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ} أحد ما يدل على قوة شبه الظرف بالفعل. ألا تراه معطوفا على قوله: {نُسْقِيكُمْ} ؟ والعطف نظير التثنية، والتثنية تقتضي تساوي حال الاسمين وتشابههما. ومثله في ذلك قول الآخر أخبرنا به أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب:
زَمَانَ عَلَيَّ غُرابٌ غُدافٌ ... فَطَيَّرهُ الشيْبُ عَنِّي فَطَارَا
فعطف "طيره" على "علي" وهو ظرف.
ومنه قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}، فوجود معنى الشرط في الظرف أقوى دليل على قوة شبهه بالفعل؛ لأن الشرط لا يصح إلا به. وسوغ ذلك أيضا أن قوله: [تَسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا] في معنى قوله: لكم في بطونها سقيا، ولكم فيها منافع). [المحتسب: 2/90]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم ممّا في بطونها} 21
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم} بفتح النّون وقرأ الباقون بالرّفع قال سيبويهٍ والخليل سقيته كقوله ناولته فشرب وأسقيته جعلت له سقيا وقال آخرون سقى وأسقى لغتان وأنشدوا
[حجة القراءات: 485]
سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال). [حجة القراءات: 486]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {نَسْقِيكُمْ} [آية/ 21] بفتح النون:-
قرأها نافع وابن عامر وعاصم –ياش- ويعقوب.
وقرأ الباقون و-ص- عن عاصم {نُسْقِيكُمْ} بضم النون.
وقد تقدم وجه ذلك في سورة النحل). [الموضح: 893]
قوله تعالى: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)}