المحسن
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( ( المُحْسِنُ ):
([ (( المُحْسِنُ )) الذي] تَعَرَّفَ إلى عبادِهِ بأوصافِهِ وأفعالِهِ وأسمائِهِ، وَتَحَبَّبَ إليهم بِنِعَمِهِ وآلائِهِ، وَابْتَدَأَهُم بإحسانِهِ وعطائِهِ، فهوَ المحسنُ إليهم والمجازِي على إحسانِهِ بالإحسانِ، فلهُ النعمةُ والفضلُ والثناءُ الحسنُ الجميلُ)([1]).
(وهوَ سبحانَهُ كَتَبَ على نفسِهِ الرحمةَ والإحسانَ، فَرَحْمَتُهُ وإحسانُهُ منْ لوازمِ ذاتِهِ، فلا يكونُ إلاَّ رَحِيماً مُحْسِناً)([2]).
([فـ]الإحسانُ صِفَتُهُ، وهوَ المحسنُ ويُحِبُّ المُحْسِنِينَ)([3])؛ (فهوَ مُحْسِنٌ إلى عبدِهِ معَ غِنَاهُ عنهُ، يُرِيدُ بهِ الخيرَ، وَيَكْشِفُ عنهُ الضُرَّ، لا لِجَلْبِ منفعةٍ إليهِ من العبدِ، ولا لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ بلْ رَحْمَةً منهُ وَإِحْسَاناً، فهوَ سبحانَهُ لمْ يَخْلُقْ خَلْقَهُ لِيَتَكَثَّرَ بهم منْ قِلَّةٍ، ولا لِيَتَعَزَّزَ بهم مِنْ ذلَّةٍ، ولا لِيَرْزُقُوهُ ولا لِيَنْفَعُوهُ، ولا لِيَدْفَعُوا عنهُ، كما قالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56-58]، وقالَ: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)} [الإسراء: 111].
فهوَ سبحانَهُ لا يُوَالِي مَنْ يُوَالِيهِ من الذلِّ، كما يُوَالِي المخلوقُ المخلوقَ، وإنَّمَا يُوَالِي أولياءَهُ إِحْسَاناً ورحمةً ومَحَبَّةً لهم، وأمَّا العِبَادُ فإنَّهُم كما قالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمَّد: 38]، فهم لِفَقْرِهِم وحاجَتِهِم إنَّمَا يُحْسِنُ بَعْضُهُم إلى بعضٍ لحاجتِهِ إلى ذلكَ وانتفاعِهِ بهِ عَاجِلاً أوْ آجِلاً. ولَوْلا تَصَوُّرُ ذلكَ النَّفْعِ لَمَا أَحْسَنَ إليهِ، فهوَ في الحقيقةِ إنَّمَا أَرَادَ الإحسانَ لنفسِهِ، وَجَعَلَ إِحْسَانَهُ إلى غيرِهِ وسيلةً وطريقاً إلى حصولِ ذلكَ الإحسانِ إليهِ؛ فإنَّهُ إمَّا أنْ يُحْسِنَ إليهِ لِتَوَقُّعِ جزائِهِ في العاجلِ، فهوَ مُحْتَاجٌ إلى ذلكَ الجزاءِ، أوْ مُعَاوَضَةً بإحسانِهِ، أوْ لِتَوَقُّعِ حمدِهِ وشكرِهِ، فهوَ أيضاً إنَّمَا يُحْسِنُ إليهِ لِيَحْصُلَ لهُ منهُ ما هوَ مُحْتَاجٌ إليهِ من الثناءِ والمدحِ، فهوَ مُحْسِنٌ إلى نفسِهِ بإحسانِهِ إلى الغيرِ، وإمَّا أنْ يُرِيدَ الجزاءَ من اللهِ في الآخرةِ، فهوَ أيضاً مُحْسِنٌ إلى نفسِهِ بذلكَ، وإنَّمَا أَخَّرَ جزاءَهُ إلى يومِ فَقْرِهِ وَفَاقَتِهِ، فهوَ غيرُ مَلُومٍ في هذا القصدِ، فإنَّهُ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ، وَفَقْرُهُ وحاجتُهُ أَمْرٌ لازمٌ لهُ منْ لوازمِ ذاتِهِ، فكمالُهُ أنْ يَحْرِصَ على ما يَنْفَعُهُ، ولمْ([4]) يَعْجَزْ عنهُ، قالَ تَعَالَى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} [الإسراء: 7]، وقالَ تَعَالَى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)} [البقرة: 272]، وقالَ تَعَالَى، فيما رَوَاهُ عنهُ رَسُولَهُ: ((يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي. يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، ومَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ)) ([5]).
فالمخلوقُ لا يَقْصِدُ مَنْفَعَتَكَ بالقصدِ الأوَّلِ، بلْ إِنَّمَا يَقْصِدُ انْتِفَاعَهُ بكَ، والربُّ تَعَالَى إنَّمَا يُرِيدُ نَفْعَكَ لا انتفاعَهُ بكَ، وذلكَ منفعةٌ محضةٌ لكَ خالصةٌ من المضرَّةِ، بخلافِ إرادةِ المخلوقِ نَفْعَكَ؛ فإنَّهُ قدْ يَكُونُ فيهِ مَضَرَّةٌ عليكَ، ولوْ بِتَحَمُّلِ منَّتِهِ.
فَتَدَبَّرْ هذا؛ فإنَّ مُلاحَظَتَهُ تَمْنَعُكَ أنْ تَرْجُوَ المخلوقَ، أوْ تُعَامِلَهُ دونَ اللهِ، أوْ تَطْلُبَ منهُ نَفْعاً أوْ دَفْعاً، أوْ تُعَلِّقَ قَلْبَكَ بهِ؛ فإنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ انْتِفَاعَهُ بكَ لا مَحْضَ نَفْعِكَ، وهذا حالُ الخلقِ كُلِّهِم بعضِهِم منْ بعضٍ، وهوَ حالُ الولدِ معَ وَالِدِهِ، والزوجِ معَ زَوْجِهِ، والمَمْلُوكِ معَ سَيِّدِهِ، والشَّرِيكِ معَ شَرِيكِهِ، فالسعيدُ مَنْ عَامَلَهُم للهِ لا لَهُم، وَأَحْسَنَ إليهم للهِ، وَخَافَ اللهَ فيهم، ولمْ يَخَفْهُم معَ اللهِ، وَرَجَا اللهَ بالإحسانِ إليهم، ولمْ يَرْجُهُم معَ اللهِ، وَأَحَبَّهُم بِحُبِّ اللهِ، ولمْ يُحِبَّهُم معَ اللهِ، كما قالَ أولياءُ اللهِ عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)} [الإنسان: 9]) ([6])
(و[المقصودُ أنَّهُ] لا أَحَدَ أعظمُ إِحْسَاناً من اللهِ سبحانَهُ؛ فإنَّ إحسانَهُ على عبدِهِ في كلِّ نَفَسٍ ولحظةٍ، وهوَ يَتَقَلَّبُ في إحسانِهِ في جميعِ أحوالِهِ، ولا سبيلَ لهُ إلى ضَبْطِ أجناسِ هذا الإحسانِ فَضْلاً عنْ أنواعِهِ أوْ عنْ أفرادِهِ، وَيَكْفِي أنَّ مِنْ بَعْضِ أنواعِهِ نعمةَ النفسِ التي لا تَكَادُ تَخْطُرُ ببالِ العبدِ، ولَهُ عليهِ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فيهِ أربعةٌ وعشرونَ ألفَ نِعْمَةٍ، فإنَّهُ يَتَنَفَّسُ في اليومِ والليلةِ أربعةً وعشرينَ ألفَ نَفَسٍ، وكلُّ نَفَسٍ نعمةٌ منهُ سُبحانَهُ، فإذا كانَ أَدْنَى نعمةٍ عليهِ في كلِّ يومٍ وليلةٍ أربعةً وعشرينَ ألفَ نِعْمَةٍ، فما الظَّنُّ بِمَا فَوْقَ ذلكَ وأَعْظَمُ مِنْهُ!! {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]، [النحل: 18].
هذا إلى مَا يَصْرِفُ عنهُ من المضَرَّاتِ وأنواعِ الأذَى التي تَقْصِدُهُ، وَلَعَلَّهَا تُوَازِنُ النِّعَمَ في الكثرةِ، والعَبْدُ لا شُعُورَ لهُ بأَكْثَرِهَا أَصْلاً، واللهُ سُبْحَانَهُ يَكْلَؤُهُ منها بالليلِ والنهارِ كما قالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: 42]. وَسَوَاءٌ كانَ المعنَى: مَنْ يَكْلَؤُكُمْ وَيَحْفَظُكُم منهُ إذا أَرَادَ بكمْ سُوءاً، ويكونُ " يَكْلَؤُكُمْ " مُضَمَّناً معنَى يُجِيرُكُم وَيُنْجِيكُمْ مِنْ بَأْسِهِ، أوْ كانتْ " مِن " البَدَلِيَّةَ؛ أيْ: مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بَدَلَ الرحمنِ سُبْحَانَهُ؛ أيْ: هوَ الذي يَكْلَؤُكُمْ وَحْدَهُ لا كَالِئَ لكم غَيْرُهُ.
وَنَظِيرُ " مِنْ " هذهِ قولُهُ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)} [الزخرف: 60] على أحدِ القَوْلَيْنِ؛ أيْ: عِوَضَكُم وَبَدَلَكُم، وَاسْتَشْهَدُوا على ذلكَ بقولِ الشاعِرِ:
جَارِيَةٌ لَمْ تَأْكُل الْمُرَقَّقَا = وَلَمْ تَذُقْ مِنَ الْبُقُولِ الْفُسْتُقَا
أيْ: لمْ تَأْكُل الفُسْتُقَ بَدَلَ البقولِ.
وعلى كِلا القَوْلَيْنِ: فهوَ سبحانَهُ مُنْعِمٌ عليهم بِكَلاءَتِهِم وحفظِهِم وحراستِهِم ممَّا يُؤْذِيهم بالليلِ والنهارِ وحدَهُ، لا حَافِظَ لهم غيرُهُ، هذا معَ غِنَاهُ التامِّ عَنْهُم وَفَقْرِهِم التامِّ إليهِ؛ فإنَّهُ سبحانَهُ غَنِيٌّ عنْ خَلْقِهِ منْ كلِّ وجهٍ، وَهُمْ فقراءُ مُحْتَاجُونَ إليهِ منْ كلِّ وجهٍ.
وفي بعضِ الآثارِ يقولُ تَعَالَى: ((أَنَا الجَوَادُ، ومَنْ أَعْظَمُ مِنِّي جُوداً وَكَرَماً؟ أَبِيتُ أَكْلأُ عِبَادِي في مضاجِعِهم وهمْ يُبَارِزُونَنِي بالعظائِمِ)) ([7]). وفي " الــتِّرْمِذِيِّ " أنَّ النــبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الســحـــابَ قالَ: ((هَـذِهِ رَوَايَا الأَرْضِ، يَسُوقُهَا اللهُ إِلَى قَوْمٍ لا يَذْكُرُونَهُ، وَلا يَعْبُدُونَهُ)) ([8]). وفي الصَّحِيحَيْنِ: عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: ((لا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَيَجْعَلُونَ لَهُ الْوَلَدَ، وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ)) ([9]). وفي بعضِ الآثارِ يقولُ اللهُ: ((ابْنَ آدَمَ، خَيْرِي إِلَيْكَ نَازِلٌ، وَشَرُّكَ إِلَيَّ صَاعِدٌ، كَمْ أَتَحَبَّبُ إِلَيْكَ بِالنِّعَمِ، وَأَنَا غَنِيٌّ عَنْكَ، وَكَمْ تَتَبَغَّضُ إِلَيَّ بِالْمَعَاصِي، وَأَنْتَ فَقِيرٌ إِلَيَّ، وَلا يَزَالُ الْمَلَكُ الْكَرِيمُ يَعْرُجُ إِلَيَّ مِنْكَ بِعَمَلٍ قَبِيحٍ)) ([10]))([11]) ).[المرتبع الأسنى: ؟؟]
([1]) الفُروسِيَّةُ (16) .
([2]) شِفَاءُ العَلِيلِ (135) .
([3]) شِفَاءُ العَلِيلِ (1/272) . وقال - رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى - في طريقِ الهجرتينِ (133) : (مُحْسِنٌ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ).
([4]) هكذا في الأصلِ، ولعلَّ صوابَها: (ولا يَعْجِزُ عَنْهُ).
([5]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 196.
([6]) إغاثةُ اللهفانِ (1/66-69) .
وقال –رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى– في طريقِ الهجرتينِ (62): (ومما يُوضحُ الأمرَ في ذلك ويُبيِّنُه أن اللهَ سبحانَهُ غنيٌّ حميدٌ كريمٌ رحيمٌ، فهو محسنٌ إلى عبدِه مع غِناه عنه يُريدُ به الخيرَ ويَكشِفُ عنه الضُّرَّ، لا لِجَلْبِ منفعةٍ إليه سبحانَهُ ولا لدفعِ مَضرةٍ، بل رَحْمَةً وإحسانًا وجُودًا مَحْضًا، فإنه رحيمٌ لذاتِه محسنٌ لذاتِه جَوَادٌ لذاتِه كريمٌ لذاتِه، كما أنه غنيٌّ لذاتِه قادرٌ لذاتِه حيٌّ لذاتِه فإحسانُه وجُودُه وبِرُّه ورَحْمتُه من لوازمِ ذاتِه لا يكون إلا كذلك، كما أن قيامَهُ وقُدرتَه وغِناهُ من لوازمِ ذاتِه فلا يكونُ إلا كذلك، وأما العبادُ فلا يُتصوَّرُ أن يُحسِنُوا إلا لِحُظُوظِهِمْ، فأكثرُ ما عندَهُم للعبدِ أن يُحِبُّوه ويُعَظِّمُوهُ لِيَجْلِبُوا له مَنْفَعةً ويَدْفَعُوا عنه مَضَرَّةً وذلك من تيسيرِ اللهِ وإذنِه لهم به، فهو في الحقيقةِ وَلِيُّ هذه النعمةِ ومُسدِيها ومُجرِيها على أَيْدِيهِم، ومعَ هذا فإنهم لا يَفْعَلُون ذلك إلا لِحُظُوظِهِم مِنَ العبدِ، فإنهم إذا أَحَبُّوهُ طَلَبُوا أن يَنَالُوا غَرَضَهُم من مَحَبَّتِه سواءٌ أَحَبُّوهُ لِجَمالِهِ الباطِنِ أو الظاهرِ، فإذا أَحَبُّوا الأنبياءَ والأولياءَ فطَلَبُوا لِقاءَهُمْ فهم يُحِبُّونَ التَّمَتُّعَ برُؤْيَتِهِم وسماعِ كلامِهم ونحوِ ذلك، وكذلك من أَحبَّ إنسانًا لشجاعَتِه أو رِياسَتِه أو جمالِه أو كَرمِه فهو يُحِبُّ أن يَنالَ حَظَّهُ مِن تِلكَ المَحَبَّةِ، ولولا التِذاذُهُ بها لما أَحَبَّ ذلك وإن جَلَبُوا له مَنْفَعَةً كخِدمةٍ وما إلى [ذلك] أو دَفَعُوا عنه مَضَرَّةً كمَرَضٍ وعَدُوٍّ ولو بالدعاءِ فهم يَطْلُبونَ العِوَضَ إذا لم يكنِ العَمَلُ للهِ، فأجنادُ الملوكِ وعبيدُ المماليكِ وأُجراءُ المستأجِرِ وأعوانُ الرئيسِ كُلُّهم إنما يَسْعَوْنَ في نَيلِ أغراضِهم به، لا يَعْرُجُ أكثرُهم على قصدِ مَنفعةِ المخدومِ إلا أن يكونَ قد عُلِّمَ وهُذِّب من جهةٍ أُخرَى فيَدْخُلُ ذلك في الجهةِ الدينيةِ، أو يكونَ فيه طبعُ عدلٍ وإحسانٍ من بابِ المكافأةِ والرحمةِ. وإلا فالمقصودُ بالقصدِ الأولِ هو منفعةُ نفسِه، وهذا من حكمةِ اللهِ التي أقامَ بها مصالحَ خَلْقِه إذ قَسَمَ بينَهُم مَعِيشَتَهُم في الحياةِ الدنيا ورفعَ بعضَهم فوقَ بعضٍ درجاتٍ لِيَتَّخِذَ بعضُهم بعضًا سُخْرِيًّا).
([7]) أخرجَهُ أبو نُعَيْمٍ في الحِليةِ (8/93) بإسنادِه إلى الفُضيلِ بنِ عِياضٍ – رَحِمَهُ اللهُ – أنه قالَ : ( ما مِن ليلةٍ اختلَطَ ظَلامُهَا، وأَرْخَى الليلُ سِرْبَالَ سِتْرِهَا، إلا نَادَى الجليلُ جَلَّ جَلالُهُ : " مَنْ أَعْظَمُ مني جُودًا، والخلائِقُ لي عاصونَ، وأنا لهم مُراقبٌ أَكْلَؤُهُمْ فِي مَضاجِعِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْصُونِي، وَأَتَولَّى حِفْظَهُمْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يُذْنِبُوا ". وذَكرَهُ ابنُ رَجبٍ في جامعِ العلومِ والحِكَمِ(1/321).
([8]) رواهُ الترمذيُّ في كتابِ تفسيرِ القرآنِ / بابُ "ومِن سُورةِ الحديدِ" (3298)، والحديثُ في مسندِ الإمامِ أحمدَ (8610) وهو من حديثِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه.
([9]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (19033) والبُخَارِيُّ في كتابِ التوحيدِ / بابُ قَوْلِ اللهِ تعالَى : {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} (7378) ومسلمٌ في كتابِ صِفةِ القيامةِ / بابُ لا أَحَدَ أَصْبَرُ على أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ عزَّ وجَلّ (7011) من حديثِ أبي مُوسَى رضيَ اللهُ عنه.
([10]) عزَاه صاحبُ كَنْزِ العُمَّالِ (15/43174) للدَّيْلَمِيِّ والرَّافِعِيِّ عن عَلِيٍّ رضيَ اللهُ عنه، وأولُهُ : "يا ابنَ آدَمَ، مَا أَنْصَفْتَنِي".
([11]) طَرِيقُ الهِجرتَيَنِ (322-324).
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: (المُحْسِنُ:
([المُحْسِنُ الذي] تَعَرَّفَ إلى عِبَادِهِ بأَوْصافِهِ وأَفْعَالِهِ وأَسْمَائِهِ، وتَحَبَّبَ إليهم بنِعَمِهِ وآلائِهِ، وابْتَدَأَهُم بإِحْسَانِهِ وعَطَائِهِ، فهوَ المُحْسِنُ إليهم والمُجَازِي على إِحْسَانِهِ بالإحْسَانِ، فَلَهُ النِّعْمَةُ والفَضْلُ والثَّنَاءُ الحَسَنُ الجَمِيلُ) ([115]).
(وهو سُبْحَانَهُ كَتَبَ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ والإحْسَانَ، فَرَحْمَتُهُ وإِحْسَانُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، فلا يَكُونُ إلاَّ رَحِيماً مُحْسِناً)([116]).؛ ([فـ]لإحْسَانُ صِفَتُهُ، وهوَ المُحْسِنُ ويُحِبُّ المُحْسِنِينَ). ([117]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
([115]) الفُروسِيَّةُ (16).
([116]) شِفَاءُ العَلِيلِ (135).
([117]) شِفَاءُ العَلِيلِ (1/272). وقال – رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى – في طريقِ الهجرتَينِ (133): ( مُحْسِنٌ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ).