العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:02 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة الأنعام


التفسير اللغوي لسورة الأنعام


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 09:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 20]

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)}

تفسير قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وجعل الظّلمات والنّور} أي خلق، والنور الضوء.
{بربّهم يعدلون}: مقدم ومؤخر، مجازه يعدلون بربهم، أي: يجعلون له عدلاً، تبارك وتعالى عما يصفون). [مجاز القرآن: 1/185]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قال أبو إسحاق: بلغني من حيث أثق به أن سورة الأنعام نزلت كلها جملة واحدة، نزل بها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح، وأن أكثرها احتجاج على مشركي العرب. على من كذب بالبعث والنشور، فابتدأ اللّه عزّ وجلّ بحمده فقال: {الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون} فذكر أعظم الأشياء المخلوقة لأن السماء بغير عمد ترونها والأرض غير مائدة بنا، ثم ذكر الظلمات والنور، وذكر أمر الليل والنهار، وهو مما به قوام الخلق، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذه خلق له، وأن خالقها لا شيء مثله، وأعلم مع ذلك أن الذين كفروا بربهم يعدلون، أي يجعلون للّه عديلا، فيعبدون الحجارة الموات، وهم يقرون أنّ الله خالق ما وصف، ثم أعلمهم اللّه عزّ وجلّ أنه خلقهم من طين.
وذكر في غير هذا الموضع أحوال المخلوقين في النطف والعلق والمضغ المخلّقة وغير المخلّقة، وذلك أن المشركين شكوا في البعث وقالوا:{من يحي العظام وهي رميم} فأعلمهم عزّ وجلّ أن الذي أنشأهم وأنشأ العظام وخلق هذه الأشياء لا من شيء قادر على أن يخلق مثلها، - وهو يحييهم بعد موتهم، فقال عزّ وجلّ: {هو الّذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلا وأجل مسمّى عنده ثمّ أنتم تمترون}). [معاني القرآن: 2/227-228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (قوله جل وعز: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} قال قتادة "خلق الله السماء قبل الأرض والليل قبل النهار والجنة قبل النار" فأما قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} فمعناه بسطها). [معاني القرآن: 2/398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}
قال مجاهد: أي يشركون.
قال الكسائي: يقال عدلت الشيء بالشيء عدولا إذا ساويته به، وهذا القول يرجع إلى قول مجاهد لأنهم إذا عبدوا مع الله غيره فقد ساووه به وأشركوا). [معاني القرآن: 2/398]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}
أي: يسوون وهو الكفر الصراح، أي: يجعلون لله عدلا، أي: مثلا، عز وجل عن ذلك). [ياقوتة الصراط: 217]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْدِلُونَ}: يجعلون له مثلاً). [العمدة في غريب القرآن: 125]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وأجلٌ مسمّى عنده} مقدم ومؤخر، مجازه وعنده أجلٌ مسمّى، أي وقتٌ مؤقّتٌ.
{ثمّ أنتم تمترون} أي تشكّون). [مجاز القرآن:1/185]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({هو الّذي خلقكم مّن طينٍ ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مّسمًّى عنده ثمّ أنتم تمترون}
فأمّا قوله عز وجل: {وأجلٌ مّسمًّى عنده} فـ {أجلٌ} على الابتداء وليس على{قضى}). [معاني القرآن: 1/234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({تمترون}: تشكون). [غريب القرآن وتفسيره: 134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثمّ قضى أجلًا} بالموت.
{وأجلٌ مسمًّى عنده} للدنيا إذا فنيت). [تفسير غريب القرآن: 150]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({هو الّذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلا وأجل مسمّى عنده ثمّ أنتم تمترون} أي جعل لحياتكم أجلا أي وقتا تحيون فيه.
{وأجل مسمى عنده} يعني أمر الساعة والبعث.
{ثمّ أنتم} بعد هذا البيان.
{تمترون} أي تشكون). [معاني القرآن: 2/228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {هو الذي خلقكم من طين} ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده قال الحسن ومجاهد وعكرمة وخصيف وقتادة وهذا لفظ الحسن: قضى أجل الدنيا من يوم خلقك إلى أن تموت وأجل مسمى عنده يعني الآخرة.
{ثم أنتم تمترون} أي تشكون وتعبدون معه غيره). [معاني القرآن: 2/399]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَمْتَرُونَ} تشُكون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 75]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَمْتَرُونَ}: تشكون). [العمدة في غريب القرآن: 125]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون}
"في" موصولة في المعنى بما يدل عليه اسم اللّه، المعنى هو الخالق العالم بما يصلح به أمر السماء والأرض.
المعنى هو المتفرد بالتدبير في السّماوات والأرض،
ولو قلت "هو زيد في البيت والدار" لم يجز إلا أن يكون في الكلام دليل على أن زيدا يدبر أمر البيت والدار فيكون المعنى هو المدبّر في الدار والبيت،
ولو قلت "هو المعتضد الخليفة في الشرق والغرب"، أو قلت "هو المعتضد في الشرق والغرب" جاز على هذا.
ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر كأنه قيل إنه هو اللّه وهو في السّماوات وفي الأرض، ومثل هذا القول الأول - {وهو الّذي في السّماء إله وفي الأرض إله}
ويجوز أن يكون وهو الله في السّماوات وفي الأرض، أي هو المعبود فيهما، وهذا نحو القول الأول). [معاني القرآن: 2/228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الله في السموات وفي الأرض} والألف واللام في أحد قولي سيبويه مبدلة من همزة والأصل عنده إله فالمعنى على هذا هو المعبود في السموات وفي الأرض،
- ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتأليه في السموات وفي الأرض كما تقول هو في حاجات الناس وفي الصلاة،
- ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويكون المعنى وهو الله في السموات وهو الله في الأرض). [معاني القرآن: 2/399-400]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}:

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {أنبأ ما كانوا به يستهزءون} أي أخبار). [مجاز القرآن: 1/185]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فقد كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون}: دل بهذا أنهم كانوا يستهزئون، وقد ذكر استهزاؤهم في غير هذا المكان، ومعنى إتيانه أي تأويله: المعنى سيعلمون ما يؤول إليه استهزاؤهم). [معاني القرآن: 2/228]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله تبارك وتعالى: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم مّن قرنٍ...}
القرن ثمانون سنة. وقد قال بعضهم: سبعون). [معاني القرآن: 1/328]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({من قرنٍ} أي: من أمة يروون أن ما بين القرنين أقلّه ثلاثون سنة.
{مكنّهم في الأرض} أي: جعلنا لهم منازل فيها وأكالاً، وتثبيتاً ومكناهم؛ مكّنتك ومكنت لك واحد، يقال: أكل وأكال وآكال واحدها أكل.
قال الأثرم: قال أبو عمرو: يقال له أكل من الملوك، إذا كان له قطايع.
{وأرسلنا السّماء عليهم مدراراً} مجاز السماء ها هنا مجاز المطر، يقال: ما زلنا في سماء: أي في مطر،
وما زلنا نطأ السماء: أي أثر المطر، وأنّى أخذتكم هذه السماء؟ ومجاز {أرسلنا}: أنزلنا وأمطرنا
{مدراراً} أي غزيرة دائمة.
قال الشاعر:
وسقاك من نوء الثريّا مزنةٌ = غرّاء تحلب وابلا مدرارا

أي غزيراً دائماً.
{وأنشأنا} أي ابتدأنا، ومنه قولهم: فأنشأ فلان في ذلك أي ابتدأ فيه). [مجاز القرآن: 1/185-187]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم مّن قرنٍ مّكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لّكم وأرسلنا السّماء عليهم مّدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين}
[قال تعالى] {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم مّن قرنٍ مّكّنّاهم} ثم قال: {ما لم نمكّن لّكم} كأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطبه معهم كما قال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} فجاء بلفظ الغائب وهو يخاطب لأنه هو المخاطب). [معاني القرآن: 1/234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مدرارا}: مطرا غزيرا دائما.
{أنشأنا}: ابتدأنا). [غريب القرآن وتفسيره: 134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):{القرن} يقال: هو ثمانون سنة.
قال أبو عبيدة: يروون أن أقل ما بين القرنين ثلاثون سنة.
{مدراراً} بالمطر. أي غزيرا. من درّيدرّ). [تفسير غريب القرآن: 150]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم وأرسلنا السّماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين * ولو نزّلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحر مبين}
موضع {كم} نصب بـ {أهلكنا} إلّا أن هذا الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وقيل القرن ثمانون سنة وقيل سبعون، والذي يقع عندي - واللّه أعلم – أن القرن أهل مدة كان فيها نبي أو كان فيها طبقة من أهل العلم.
قلّت السنون أو كثرت، والدليل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((خيركم قرني)) أي أصحابي رحمة اللّه عليهم، ((ثم الذين يلونهم)) يعني التابعين، ((ثم الذين يلونهم)) يعني الذين أخذوا عن التابعين.
وجائز أن يكون القرن لجملة الأمة وهؤلاء قرون فيها، وإنما اشتقاق القرن من الاقتران، فتأويله أن القرن الذين كانوا مقترنين في ذلك الوقت، والذين يأتون بعدهم ذوو اقتران آخر.
وقوله عزّ وجلّ: {وأرسلنا السّماء عليهم مدرارا}: أي ذات غيث كثير، ومفعال من أسماء المبالغة يقال ديمة مدرار، إذا كان مطرها غزيرا دائما، وهذا كقولهم امرأة مذكار، إذا كانت كثيرة الولادة للذكور، وكذا مئناث في الإناث). [معاني القرآن: 2/228-229]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن} قيل القرن ستون عاما وقيل سبعون فيكون التقدير على هذا من أهل قرن وأصح من هذا القول القرن كل عالم في عصر لأنه مأخوذ من الاقتران أي عالم مقترن بعضهم إلى بعض وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس القرن الذي أنا فيه)) -يعني أصحابه- ((ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) وأكثر أصحاب الحديث على أن القرن مائة سنة، واحتجوا بأن النبي قال لعبد الله بن بسر ((تعيش قرنا)) فعاش مائة سنة). [معاني القرآن: 2/400-401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأرسلنا السماء عليهم مدرارا}: أي تدر عليهم ومدرار على التكثير كما يقال امرأة مذكار إذا كثرت ولادتها للذكور ومئناث). [معاني القرآن: 2/401]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والقرن}: ثمانون سنة وقيل ثلاثون سنة.
{مِّدْرَارًا} غزيراً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 75]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مِّدْرَارًا}: متواترا كثيراً غزيراً
{أَنْشَأْنَا}: ابتدأنا
{القَرْن}: قوماً آخرين، ثمانين سنة). [العمدة في غريب القرآن: 125]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ} أي صحفية.
وكذلك قوله :{تجعلونه قراطيس} أي صحفا.
قال المرّار:


عفت المنازل غير مثل الأنقس = بعد الزمان عرفته بالقرطس
فوقفت تعترف الصحيفة بعد ما = عمس الكتاب وقد يرى لم يعمس

والأنقس: جمع نقس مثل قدح وأقدح وأقداح.
أراد: غير مثل النّقس عرفته بالقرطاس.
ثم قال: «فوقفت تعترف الصحيفة» فأعلمك أن القرطاس هو الصحيفة، ومنه يقال للرامي إذا أصاب: قرطس. إنما يراد أصاب الصحيفة). [تفسير غريب القرآن: 150-151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولو نزّلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحر مبين}
أعلم الله عزّ وجلّ أنهم قد أصلوا في السّيئ الباطل في دفع النبوة لأنهم قد رأوا القمر انشق فأعرضوا، وقالوا سحر مستمرّ.
وكذلك يقولون في كل ما يعجز عنه المخلوقون سحر، هذا عين الدفع لغاية الحق والنور الساطع المبين، فلو رأوا الكتاب ينزل من السماء لقالوا سحر كما أنهم قالوا في انشقاق القمر سحر). [معاني القرآن: 2/229-230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز:{ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} أي قد جعلوا في أنفسهم الكفر والعناد فإذا رأوا آية قالوا سحر كما أنهم سألوا انشقاق القمر فلما انشق قالوا {هذا سحر مستمر} كذلك أيضا لو نزل الله عليهم كتابا من السماء لقالوا {إن هذا إلا سحر مبين}). [معاني القرآن: 2/401-402]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون} يريد: لو أنزلنا ملكا فكذبوه أهلكناهم). [تفسير غريب القرآن: 151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون}: يعنون على النبي صلى الله عليه وسلم.
{ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون}: يعني -واللّه أعلم- أن الآيات مما لا يقع معه إنظار.
ومعنى {لقضي الأمر} أي لتم بإهلاكهم.
و "قضي" في اللغة على ضروب كلها يرجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه، فمنه قوله تعالى: {ثمّ قضى أجلا وأجل مسمّى عنده} معناه ثمّ حتم بعد ذلك فأتمّه، ومنه الأمر وهو قوله: {وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه} معناه أمر إلا أنّه أمر قاطع حتم.
ومنه الإعلام وقوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين} أي أعلمناهم إعلاما قاطعا، ومنه القضاء الفصل في الحكم، وهو قوله: {ولولا كلمة سبقت من ربّك إلى أجل مسمّى لقضي بينهم}
ومثل ذلك قولك قد قضى القاضي بين الخصوم، أي قد قطع بينهم في الحكم، ومن ذلك قد قضى فلان دينه، تأويله قطع ما لغريمه عليه فأدّاه إليه وقطع ما بينه وبينه.
وكل ما أحكم فقد قضي، تقول قد قضيت هذا الثوب، وقد قضيت هذه الدار إذا عملتها وأحكمت عملها.
قال أبو ذؤيب الهذلي:
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السّوابغ تبّع).
[معاني القرآن: 2/230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وقالوا لولا أنزل عيه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: أي لقامت القيامة.
والمعنى عند أهل اللغة: لحتم بهلاكهم وهو يرجع إلى ذلك القول). [معاني القرآن: 2/402]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو جعلناه ملكاً لّجعلناه رجلاً...}
في صورة رجل؛ لأنهم لا يقدرون على النظر إلى صورة الملك). [معاني القرآن: 1/328]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولو جعلناه ملكاً}: أي لو جعلنا الرسول إليهم ملكا.
{لجعلناه رجلًا}: أي في صورة رجل. لأنه لا يصلح ان يخاطبهم بالرسالة ويرشدهم إلا من يرونه.
{وللبسنا عليهم ما يلبسون}: أي أضللناهم بما ضلّوا به قبل أن يبعث الملك). [تفسير غريب القرآن: 151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون}: أي لو أرسلنا إليهم ملكا لم نرسله إلا في صورة إنسان، لأن الملك فيما قيل لو نظر إليه ناظر على هيئته لصعق، وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس،
فمن ذلك أن جبريل كان يأتي النبي عليه السلام إذا نزل بالوحي في صورة دحية الكلبي ومنه نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب، لأنّهما وردا على داود وهما ملكان في صورة رجلين يختصمان إليه.
ومنه أنّ الملائكة أتت إبراهيم في صورة الضّيفان وكذلك أتت لوطا، فلذلك قيل: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا}.
وقوله عزّ وجلّ: {وللبسنا عليهم ما يلبسون}: يقال لبست الأمر على القوم ألبسه إذا شبّهته عليهم، وأشكلته عليهم، وكانوا هم يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقولون: إنما هذا بشر مثلكم فقال {ولو أنزلنا ملكا} فرأوا هم الملك رجلا لكان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم). [معاني القرآن: 2/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا}
قال قتادة: أي في صورة بني آدم). [معاني القرآن: 2/402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} قال الضحاك: يعني أهل الكتاب لأنهم غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابهم وعصوا ما أمروا به.
قال الكسائي: يقال لبست عليهم الأمر ألبسه لبسا إذا خلطته؛ أي أشكلته). [معاني القرآن: 2/403]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالّذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون}: الحيق في اللغة ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله.
ومنه قوله عزّ وجلّ: {ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله)، أي لا ترجع عاقبة مكروهه إلّا عليهم}). [معاني القرآن: 2/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون}: الحيق في اللغة ما يعود على الإنسان من مكروه فعله ومنه {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}). [معاني القرآن: 2/403]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله:{كتب على نفسه الرّحمة...}
إن شئت جعلت {الرحمة} غاية كلام.
ثم استأنفت بعدها {ليجمعنّكم} وإن شئت جعلته في موضع نصب؛ كما قال: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم} والعرب تقول في الحروف التي يصلح معها جواب الأيمان بأن المفتوحة وباللام. فيقولون: أرسلت إليه أن يقوم، وأرسلت إليه ليقومنّ. وكذلك قوله: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه} وهو في القرآن كثير؛ ألا ترى أنك لو قلت: بدا لهم أن يسجنوه كان صوابا). [معاني القرآن: 1/328]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({الّذين خسروا أنفسهم} أي غبنوا أنفسهم وأهلكوها.
قال الأعشى:
لا يأخذ الرشوة في حكمه = ولا يبالي غبن الخاسر

أي: خسر الخاسر). [مجاز القرآن:1/187]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل لّمن مّا في السّماوات والأرض قل للّه كتب على نفسه الرّحمة ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}
وقال: {كتب على نفسه الرّحمة ليجمعنّكم} فنصب لام {ليجمعنّكم} لأن معنى {كتب}كأنه قال "و الله ليجمعنّكم" ثم أبدل فقال: {الّذين خسروا أنفسهم}: أي ليجمعنّ الذين خسروا أنفسهم). [معاني القرآن: 1/234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب على نفسه الرّحمة}: أي أوجبها على نفسه لخلقه.
{ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الّذين خسروا أنفسهم} هذا مردود إلى قوله: {قل سيروا في الأرض ثمّ انظروا كيف كان عاقبة المكذّبين} ... {الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}). [تفسير غريب القرآن: 151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قل لمن ما في السّماوات والأرض قل للّه كتب على نفسه الرّحمة ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}: اللّه عزّ وجلّ تفضل على العباد بأن أمهلهم عند كفرهم وإقدامهم على كبائر ما نهاهم عنه بأن أنظرهم وعمرهم وفسح لهم ليتوبوا، فذلك كتبه الرحمة على نفسه.
فأما {ليجمعنّكم إلى يوم القيامة} فهو احتجاج على المشركين الذين دفعوا البعث فقال عزّ وجل: {ليجمعنّكم إلى يوم القيامة}: أي إلى اليوم الذي أنكرتموه، كما تقول قد جمعت هؤلاء إلى هؤلاء، أي ضممت بينهم في الجمع.
وقوله: {الّذين خسروا أنفسهم}
ذكر الأخفش أن {الذين} بدل من الكاف والميم المعنى ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم إلى هذا اليوم الذي يجحدونه ويكفرون به، والذي عندي أن قوله: {الذين خسروا أنفسهم}في موضع رفع على الابتداء، وخبره {فهم لا يؤمنون} لأن {ليجمعنّكم} مشتمل على سائر الخلق على الذين خسروا أنفسهم وغيرهم، وهذه اللام في ليجمعنّكم لام قسم.
فجائز أن يكون تمام الكلام كتب ربكم على نفسه الرحمة، ثم استأنف فقال (ليجمعنّكم)، وكأنّ المعنى: واللّه ليجمعنكم، وجائز أن - يكون ليجمعنكم بدلا من الرحمة مفسّرا لها، لأنه لما قال (كتب ربكم على نفسه الرحمة)، فسّر رحمته بأنه يمهلهم إلى يوم القيامة، ويكون في الإمهال ما فسرنا آنفا). [معاني القرآن: 2/231-232]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {قل لمن ما في السموات والأرض قل لله} هذا احتجاج عليهم لأنهم مقرون أن ما في السموات والأرض لله فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم بأن الذي خلق ما في السموات والأرض قادر على أن يحييهم بعد الموت). [معاني القرآن: 2/404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} لأنه أمهلهم إلى يوم القيامة ويجوز أن يكون هذا تمام الكلام ويجوز أن تكون ما هذه تبيينا لأن قوله: {ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} معناه يمهلكم فهذا من رحمته جل وعز). [معاني القرآن: 2/404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي أوجبها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 75]

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وله ما سكن في اللّيل والنّهار وهو السّميع العليم}
هذا أيضا احتجاج على المشركين لأنهم لم ينكروا أنّ ما استقر في الليل والنّهار للّه، أي هو خالقه ومدبّره، فالذي هو كذلك قادر على إحياء الموتى.
ثم زاد في الاحتجاج والبيان فقال عزّ وجلّ: {قل أغير اللّه أتّخذ وليّا فاطر السّماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ من المشركين}). [معاني القرآن: 2/232]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعلا: {وله ما سكن في الليل والنهار}
أي ثبت وهذا احتجاج عليهم أيضا). [معاني القرآن: 2/405]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وله ما سكن في الليل والنهار}

أي: ما حل في الليل والنهار). [ياقوتة الصراط: 217-218]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل أغير اللّه أتّخذ وليّاً فاطر السّماوات...}: مخفوض في الإعراب؛ تجعله صفة من صفات الله تبارك وتعالى ولو نصبته على المدح كان صوابا، وهو معرفة ولو نويت الفاطر الخالق نصبته على القطع؛ إذ لم يكن فيه ألف ولام. ولو استأنفته فرفعته كان صوابا؛ كما قال: {ربّ السموات والأرض وما بينهما الرحمن}). [معاني القرآن: 1/328-329]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فاطر السّموات} أي خالق السموات.
{هل ترى من فطور}: أي من صدوع، ويقال: انفطرت زجاجتك أي انصدعت،
ويقال: فطر ناب الجمل: أي انشقّ فخرج). [مجاز القرآن: 1/187]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل أغير اللّه أتّخذ وليّاً فاطر السّماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إنّي أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكوننّ من المشركين} [وقال] {أغير اللّه أتّخذ وليّاً فاطر السّماوات والأرض} على النعت.
وقال بعضهم: {فاطر} بالرفع على الابتداء أي: هو فاطر.
وقال بعضهم: {وهو يطعم ولا يطعم}.
وقال بعضهم: {ولا يطعم} و{يطعم} هو الوجه، لأنك إنّما تقول: {هو يطعم} لمن يطعم فتخبر أنّه لا يأكل شيئا.
وإنّما تقرأ {يطعم} لاجتماع الناس عليها.
وقال: {إنّي أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكوننّ} أي: وقيل لي {لا تكوننّ}.
وصارت {أمرت} بدلاً من ذلك لأنه حين قال: {أمرت} قد أخبر أنّه قد قيل له). [معاني القرآن: 1/234-235]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فاطر السموات}: خالقها). [غريب القرآن وتفسيره: 134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فاطر السّماوات والأرض} أي مبتدئهما. ومنه قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: ((كل مولود يولد على الفطرة))
أي :على ابتداء الخلقة. يعني الإقرار باللّه حين أخذ العهد عليهم في أصلاب آبائهم). [تفسير غريب القرآن: 151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({قل أغير اللّه أتّخذ وليّا فاطر السّماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ من المشركين} أي خالق السّماوات والأرض.
فإن قال قائل فقوله: {إذا السّماء انفطرت} معناه انشقت فكيف يكون الفطر في معنى الخلق والانفطار في معنى الانشقاق؛ فإنهما يرجعان إلى شيء واحد، لأن معنى فطرهما خلقهما خلقا قاطعا، - والانفطار والفطور تقطع وتشقق.
وقوله: {وهو يطعم ولا يطعم}.
ويقرأ (ولا يَطْعَمُ)، والاختيار عند البصراء بالعربية، وهو يطعم ولا يطعم بفتح الياء في الثاني.
قالوا معناه: وهو يرزق ويطعم ولا يأكل لأنه الحي الذي ليس كمثله شيء،
ومن قرأ (ولا يُطْعَمُ) فالمعنى أنه المولى الذي يرزق ولا يرزق، كما أن بعض العبيد يرزق مولاه.
والاختيار في {فاطر} الجر لأنّه من صفة الله جلّ وعزّ، والرفع والنصب جائزان على المدح لله جلّ وعزّ والثّناء عليه.
فمن رفع فعلى إضمار هو المعنى هو فاطر السّماوات والأرض، وهو يطعم ولا يطعم، ومن نصب فعلى معنى اذكر، وأعني بهذا الاحتجاج عليهم، لأن من فطر السّماوات والأرض وأنشأ ما فيهما وأحكم - تدبيرهما وأطعم من فيهما فهو الذي ليس كمثله شيء). [معاني القرآن: 2/232-233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو يطعم ولا يطعم}: كما تقول هو يرزق ولا يرزق ويعول ولا يعال وروي عن الأعمش أنه قرأ {وهو يطعم ولا يطعم} وهي قراءة حسنة أي ولا يأكل). [معاني القرآن: 2/405]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فاطر السماوات}: خالق). [ياقوتة الصراط: 218]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَاطِرِ}: خالق). [العمدة في غريب القرآن: 125]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
تفسير قوله تعالى: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين}: أي من يصرف اللّه عنه العذاب يومئذ - يعني يوم القيامة الذي ذكر أنهم يجمعون فيه،
وتقرأ أيضا {من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه}: أي من يصرف عنه العذاب يومئذ). [معاني القرآن: 2/233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه} المعنى من يصرف عنه العذاب ثم حذف لعلم السامع وكذلك معنى من يصرف). [معاني القرآن: 2/405-406]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الضَرّ: بفتح الضاد- ضد النفع، قال الله عز وجل: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ}
وقال: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} أي: لا أملك جرّ نفع ولا دفع ضرّ؟.
والضُّرّ: الشدة والبلاء، كقوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ}، {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}). [تأويل مشكل القرآن: 483](م)

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وهو القاهر فوق عباده...}: كلّ شيء قهر شيئا فهو مستعلٍ عليه). [معاني القرآن: 1/329]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لأنذركم به ومن بلغ...}: يريد ومن بلغه القرآن من بعدكم، و(بلغ) صلة لـ (من). ونصبت (من) بالإنذار.
وقوله: {آلهةً أخرى} ولم يقل أخر؛ لأن الآلهة جمع، (والجمع) يقع عليه التأنيث؛
كما قال الله تبارك وتعالى: {وللّه الأسماء الحسنى}
وقال الله تبارك وتعالى: {فما بال القرون الأولى} ولم يقل: الأول والأوّلين. وكلّ ذلك صواب). [معاني القرآن: 1/329]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحي: كلّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة، قال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ}، وقال: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، فهذا إرسال جبريل بالقرآن). [تأويل مشكل القرآن: 489](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {قل أيّ شيء أكبر شهادة قل اللّه شهيد بيني وبينكم وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنّكم لتشهدون أنّ مع اللّه آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنّما هو إله واحد وإنّني بريء ممّا تشركون} والشاهد هو المبيّن لدعوى المدعي، فأمر الله جل ثناؤه نبيه بأن يحتج عليهم باللّه الواحد الذي خلق السموات الأرض وخلق الظلمات والنور، وخلقهم أطوارا على ما بين في كتابه، وأمر أن يعلمهم أن شهادة اللّه بأنه واحد، وإقامة البراهين في توحيده أكبر شهادة، وأن القرآن الذي أتى به يشهد له بأنه رسوله فقال: {قل اللّه شهيد بيني وبينكم}، الذي اعترفتم بأنه خالق هذه الأشياء {وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به}.
ففي الإنذار دليل على نبوته، لأنه لم يأت أحد بمثله، ولا يأتي بمثله لأن فيه أخبار الأمم السالفة، جاء بها عليه السلام.
وهو أمّيّ لا يقرأ الكتب، وأنبأ بما سيكون، وكان ما أنبأ به حقا،
ثم قال: {واللّه يعصمك من النّاس} وكان -صلى الله عليه وسلم- معصوما منهم.
وقال: {ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون}: فأظهر الله دين الإسلام على سائر الأديان بالحجة القاطعة.وغلبة المسلمين على أكثر أقطار الأرض
وقال في اليهود وكانوا في وقت مبعثه أعز قوم وأمتنه {وضربت عليهم الذّلّة والمسكنة} فهم أذلّاء إلى يوم القيامة.
فأنبأ الله في القرآن بما كان وما يكون، وأتى به مؤلّفا تأليفا لم يقدر أحد من العرب أن يأتي بسورة مثله، وهو في الوقت الذي قيل لهم ليأتوا بسورة من مثله، خطباء شعراء لم يكن عندهم أوجز من الكلام المنثور والموزون فعجزوا عن ذلك). [معاني القرآن: 2/233-234]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}
المعنى: ومن بلغه القرآن ثم حذف الهاء لطول الاسم
وقال مجاهد: ومن أسلم من فصيح وأعجم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((بلغوا القرآن عن الله جل وعز ومن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله)).
وقيل المعنى: ومن بلغ الحلم كما يقال قد بلغ فلان). [معاني القرآن: 2/406]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ومن بلغ}: أي ومن بلغه القرآن إلى يوم القيامة). [ياقوتة الصراط: 218]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم...} ذكر أنّ عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام: ما هذه المعرفة التي تعرفون بها محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: والله لأنا به إذا رأيته أعرف مني بابني وهو يلعب مع الصبيان؛ لأني لا أشكّ فيه أنه محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولست أدري ما صنع النساء في الابن. فهذه المعرفة لصفته في كتابهم.
- وجاء التفسير في قوله: {خسروا أنفسهم} يقال: ليس من مؤمن ولا كافر إلا له منزل في الجنة وأهل وأزواج، فمن أسلم وسعد صار إلى منزله وأزواجه (ومن كفر صار منزله وأزواجه) إلى من أسلم وسعد.
فذلك قوله: {الذين يرثون الفردوس} يقول: يرثون منازل الكفار، وهو قوله: {الذين خسروا أنفسهم وأهليهم}). [معاني القرآن: 1/329-330]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}: أي يعرفون محمدا -صلى الله عليه وسلم- أنّه نبي كما يعرفون أبناءهم.
ويروى عن عمر بن الخطاب أنه قال لعبد اللّه بن سلام: يا أبا حمزة هل عرفت محمدا كما عرفت ابنك؟ قال نعم، لأن الله بعث أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته، فأمّا ابني فما أدري ما أحدثت أمّه. فقال صدقت يا حمزة.
وقوله: {الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} رفع على نعت {الذين آتيناهم الكتاب} وجائز أن يكون على الابتداء ويكون {فهم لا يؤمنون} خبره، والذين خسروا أنفسهم الأشبه أن يكون ههنا يعني به أهل الكتاب.
وجائز أن يكون يعني به: جملة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم). [معاني القرآن: 2/234-235]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} ويجوز أن يكون المعنى القرآن والحديث يدل أن المعنى يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي أن عمر قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ابنك فقال نعم وأكثر بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته وابني لا أدري ما كان من أمه). [معاني القرآن: 2/407]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({يعرفونه}: أي يعرفون محمدا - صلى الله عليه وسلم - في التوراة بصفته ونعته، بشرعه وشرائعه.
قال ابن الأعرابي: ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعبد الله بن سلام: ما هذه المعرفة، التي وصفها الله -عز وجل- في صفة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعرفه كما نعرف أبناءنا، ونعرفه بعد هذا معرفة أبين من معرفة أولادنا، قال: فقال عمر: كيف ؟ قال: يا أمير المؤمنين إن أحدنا ليشك في ولده، حتى يقول: هو ابني، ليس هو ابني، ونحن لا نشك في محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه صادق مصدق). [ياقوتة الصراط: 218-219]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 09:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 21 إلى 35]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)}


تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أين شركاؤكم} أي: أين آلهتكم التي جعلتموها لي شركاء فنسبها إليهم لما ادّعوا لها من شركته جلّ وعز). [تفسير غريب القرآن:152]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين...} تقرأ: ربّنا وربّنا خفضا ونصبا...
- وحدثني الحسن بن عيّاش أخو أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن الشعبيّ عن علقمة أنه قرأ {واللّه ربّنا}
قال: معناه والله يا ربّنا.
فمن قال (ربّنا) جعله محلوفا به). [معاني القرآن:1/330]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا والله ربّنا} مرفوعة إذا علمت فيها {ثم لم تكن} فتجعل قولهم الخبر لتكن، وقوم ينصبون {فتنتهم} لأنهم يجعلونها الخبر، ويجعلون قولهم الاسم، بمنزلة قولك ثم لم يكن قولهم إلا فتنةً، لأن {إلاّ أن قالوا} في موضع {قولهم}.
- ومجاز (فتنتهم): مجاز كفرهم وشركهم الذي كان في أيديهم). [مجاز القرآن: 1/188]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين}
- وقال {ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا واللّه ربّنا} على الصفة.
- وقال بعضهم: {ربّنا} على "يا ربنا.
وأمّا {والله} فجره على القسم، ولو لم تكن فيه الواو نصبت فقلت {الله ربّنا}، ومنهم من يجر بغير واو لكثرة استعمال هذا الاسم وهذا في القياس رديء.
وقد جاء مثله شاذا قولهم:
* وبلدٍ عاميّةٍ أعماؤه *
[و] إنّما هو: ربّ بلدٍ وقال:
نهيتك عن طلابك أمّ عمرٍو = بعاقبةٍ وأنت إذٍ صحيح

- يقول: "حينئذٍ" فألقى "حين" وأضمرها. وصارت الواو عوضا من "ربّ" في "وبلدٍ". وقد يضعون "بل" في هذا الموضع. قال الشاعر:
ما بال عينٍ عن كراها قد جفت = مسبلةً تستنّ لمّا عرفت
داراً لليلى بعد حولٍ قد عفت = بل جوز تيهاء كظهر الحجفت

فيمن قال "طلحت"). [معاني القرآن: 1/235]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثمّ لم تكن فتنتهم} أي مقالتهم ويقال حجّتهم.
وقد ذكرت هذا في كتاب «تأويل المشكل» في باب الفتنة. وبينت كيف هو). [تفسير غريب القرآن: 152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الفتنة: الاختبار.
يقال فتنت الذهب في النّار: إذا أدخلته إليها لتعلم جودته من رداءته.
وقال تعالى {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: اختبرناهم.
وقال لموسى عليه السلام: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}.
ومنه قوله {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} أي: جوابهم لأنهم حين سئلوا اختبر ما عندهم بالسؤال، فلم يكن الجواب عن ذلك الاختبار إلا هذا القول). [تأويل مشكل القرآن:472](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين}
إن شئت نصبت "فتنتهم" على خبر يكن، ويكون أن قالوا هو الاسم وأنث "تكن" وهو {إلا أن قالوا} لأن " أن قالوا " ههنا هو الفتنة.
- ويجوز أن يكون: تأويل "أن قالوا" إلا مقالتهم.
- ويجوز: رفع الفتنة وتأنيث "تكن" ويكون الخبر (أن قالوا) والاسم (فتنتهم).
- ويجوز: ثم لم يكن فتنتهم إلا أن قالوا، فتذكر "يكن" لأنه معلق ب (أن قالوا)، ويجوز ثم لم يكن فتنتهم بالياء ورفع الفتنة، لأن الفتنة والافتتان في معنى واحد.
وتأويل هذه الآية تأويل حسن في اللغة لطيف لا يفهمه إلا من عرف معاني الكلام وتصرّف العرب في ذلك، واللّه جلّ وعزّ ذكر في هذه الأقاصيص التي جرت في أمر المشركين وهم مفتتنون بشركهم.
أعلم اللّه أنه لم يكن افتتانهم بشركهم، وإقامتهم عليه إلا أن تبرأوا منه وانتفوا منه، فحلفوا أنهم ما كانوا مشركين، ومثل ذلك في اللغة أن ترى إنسانا يحب غاويا، فإذا وقع في هلكة تبرأ منه، فتقول له ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه.
- ويجوز: (واللّه ربّنا) على جر (ربّنا) على النعت والثناء لقوله (واللّه).
- ويجوز: (واللّه ربّنا) بنصب (ربّنا)، ويكون النصب على وجهين، على الدعاء، قالوا واللّه يا ربّنا ما كنا مشركين.
- ويجوز: نصبه على أعني: المعنى أعني (ربّنا).
وأذكر ربنا، ويجوز رفعه على إضمار هو، ويكون مرفوعا على المدح.
والقراءة الجر والنّصب، فأمّا الرفع فلا أعلم أحدا قرأ به). [معاني القرآن: 2/235-236]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين}
قال أبو إسحاق: تأويل هذه الآية لطيف جدا أخبر الله جل وعز بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حين رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك، ونظير هذا في اللغة أن ترى إنسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فيقول له ما كانت محبتك إياه إلا أن تبرأت منه.
فأما معنى قولهم: {والله ربنا ما كنا مشركين} وقال في موضع آخر {ولا يكتمون الله حديثا} معطوف على ما قبله
- والمعنى: وودوا أن لا يكتموا الله حديثا والدليل على صحة هذا القول أنه روي عن سعيد بن جبير في قوله: {والله ربنا ما كنا مشركين} قال اعتذروا وحلفوا.
- وكذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة وروي عن مجاهد أنه قال: لما رأوا الذنوب تغفر إلا الشرك والناس يخرجون من النار إلا المشركين قال {والله ربنا ما كنا مشركين}
- وقول بعض أهل اللغة: إنما قالوا هذا على أنهم صادقون عند أنفسهم ولم يكونوا ليكذبوا وقد عاينوا ما عاينوا وقطرب يذهب إلى هذا القول، وهو قول مردود لأنه قال لم يكونوا ليكذبوا وبعدها {انظر كيف كذبوا على أنفسهم} ويبين لك الغلط في هذا القول قوله جل وعز: {يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له} الآية،
- قال مجاهد: كذبهم الله وقيل معنى ولا يكتمون الله حديثا أنه ظاهر عنده). [معاني القرآن: 2/407-409]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ} أي مقالتهم وقيل معذرتهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 75]

تفسير قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}
أي ذهب عنهم ما كانوا يدعون ويختلقون). [تفسير غريب القرآن:152]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أكنّةً أن يفقهوه} واحدها كنان، ومجازها: عطاء،
قال عمر بن أبي ربيعة:
أيّنا بات ليلةً = بين غصنين يوبل
تحت عينٍ كنانها = ظلّ بردٍ مرحّل

أي غطاؤنا الذي يكنّنا.
{وفي آذانهم وقراً} مفتوح، ومجازه: الثّقل والصمم وإن كانوا يسمعون، ولكنهم صمّ عن الحق والخير والهدى؛ والوقر هو الحمل إذا كسرته.
{أساطير الأوّلين} واحدتها أسطورة، وإسطارة لغة، ومجازها مجار الترّهات البسابس ليس له نظام، وليس بشيء). [مجاز القرآن: 1/188-189]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومنهم مّن يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنّةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن يروا كلّ آيةٍ لاّ يؤمنوا بها حتّى إذا جاءوك يجادلونك يقول الّذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين}
[و] قال: {وجعلنا على قلوبهم أكنّةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً}
وواحد "الأكنّة" الكنان.
و"الوقر" في الأذن [بالفتح]، و"الوقر" على الظهر بالكسر.
وقال يونس: "سألت رؤبة" فقال: "وقرت أذنه" "توقر" إذا كان فيها "الوقر".
وقال أبو زيد: سمعت العرب تقول: "أذنٌ موقورةٌ" فهذا يقول: "وقرت".
قال الشاعر:
وكلامٍ سيّئ قد وقرت = أذني منه وما بي من صمم

وقال: {أساطير الأوّلين} فبعضهم يزعم أنّ واحده "أسطورة" وبعضهم "إسّطارة"، ولا أراه إلاّ من الجمع الذي ليس له واحدٌ نحو: "عباديد" و"مذاكير" و"أبابيل".
وقال بعضهم: "واحد الأبابيل": إبّيل.
وقال بعضهم: "إبّول" مثل: "عجّول" ولم أجد العرب تعرف له واحدا. فأمّا "الشّماطيط" فإنهم يزعمون أنّ واحده "شمطاط" وكل هذه لها واحد إلا أنه ليس يستعمل، ولم يتكلّم به لأن هذا المثال لا يكون إلا جميعاً.
وسمعت العرب الفصحاء يقولون: "أرسل إبله أبابيل" يريدون "جماعات" فلم يتكلّم لها بواحد). [معاني القرآن:1/236]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({في آذانهم وقرا}: ثقلا ويقال قد وقرت أذنه.
{أساطير الأولين}: أباطيلهم). [غريب القرآن وتفسيره:135-134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوَقْرُ: الصّمم.
والوِقر: الحمل على الظهر). [تفسير غريب القرآن: 152]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها حتّى إذا جاءوك يجادلونك يقول الّذين كفروا إن هذا إلّا أساطير الأوّلين}
{أكنّة} جمع كنان وهو الغطاء، مثل عنان وأعنّة.
فأمّا {أن يفقهوه} فمنصوب على أنه مفعول له، والمعنى وجعلنا على قلوبهم أكنّة، لكراهة أن يفقهوه فلما حذفت اللام نصبت الكراهة، ولما حذفت الكراهة انتقل نصبها إلى أن.
وقوله{وفي آذانهم وقرا}، الوقر: ثقل السمع وهو بالفتح، يقال في أذنه وقر، وقد وقرت الأذن توقر.
قال الشاعر:
وكلام سيّئ قد وقرت = أذني منه وما بي من صمم

والوقر - بكسر الواو - أن يحمل البعير أو غيره مقدار ما يطيق، يقال عليه وقر، ونخلة موقر وموقرة بالكسر أكثر، وموقر مثل مرضع، أي ذات وقر، كما أن تلك ذات رضاع، وإنما فعل بهم ذلك مجازاة لهم بإقامتهم على كفرهم.
وليس المعنى أنهم لم يفهموه ولم يسمعوه، ولكنهم لما عدلوا عنه وصرفوا فكرهم عما هم عليه، في سوء العاقبة كانوا بمنزلة من لم يعلم ولم يسمع.
وقوله: {وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها} أي: كل علامة تدلهم على نبوتك، ثم أعلم الله عزّ وجلّ مقدار احتجاجهم وجدلهم وأنهم إنما يستعملون في الاحتجاج أن يقولوا هذا أساطير الأولين، ويقولون افترى على الله كذبا، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم ليس يعارضون ما احتج به عليهم من الحق، حيث قيل لهم: {فأتوا بسورة من مثله}، وحيث شق لهم القمر، وحيث أنزل على نبيه عليه السلام {واللّه يعصمك من النّاس}.
فما أتى أحد بسورة ولا قدر على ضر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا على قتله، وأنبأ عزّ وجلّ بما سيكون في كتابه فوجد ذلك أجمع.
فقال اللّه عزّ وجلّ: {حتّى إذا جاءوك يجادلونك يقول الّذين كفروا إن هذا إلّا أساطير الأوّلين}، واحدها إسطار، وأسطورة.
وتأويل السّطر في اللغة: أن تجعل شيئا ممتدا مؤلفا، فمن ذلك سطر الكتاب، يقال: سطر وسطر، فمن قال سطر جمعه أسطار.
قال رؤبة:
إني وأسطار سطرن سطرا = لقائل يا نصر نصرا نصرا

وجمع أسطار أساطير، فعلى هذا - عندي - أساطير الأولين.
ومن قال سطر فجمعه أسطر، وجمع الجمع أساطرة، وأساطير.
قال الشماخ في جمع سطر:
كما خط عبرانية يمنية = بتيماء حبر ثم عرّض أسطرا).
[معاني القرآن: 2/236-238]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} قيل فعل بهم هذا مجازاة على كفرهم وليس المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ولكن لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ولا ينقادون إلى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم،
ثم خبر بعنادهم فقال: {وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} لأنهم لما رأوا القمر منشقا قالوا سحر فأخبر الله عز وجل بردهم الآيات بغير حجة وقال {حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين فخبر} أن هذا مقدار احتجاجهم). [معاني القرآن: 2/409-410]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والوقر) الصمم.
و(الوقر) بالكسر: الحمل على الظهر). [تفسير المشكل من غريب القرآن:75]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((الوَقْر): الثقل في الأذن
{أَسَاطِيرُ}: أباطيل). [العمدة في غريب القرآن: 126]

تفسير قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {وهم ينهون عنه وينأون عنه} أي يتباعدون عنه،
قال النّابغة:
فأبلغ عامراً عني رسولاً = وزرعة إن دنوت وإن نأيت).
[مجاز القرآن:1/189]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلاّ أنفسهم وما يشعرون}
وأمّا قوله: {وينأون عنه} فانه من: "نأيت" "ينأى" "نأياً"). [معاني القرآن: 1/236]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ينؤن عنه}: يبعدون نأيت عن الموضع). [غريب القرآن وتفسيره: 135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وهم ينهون عنه} أي: عن محمد.
{وينأون} أي: يبعدون). [تفسير غريب القرآن: 152]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلّا أنفسهم وما يشعرون}
أي: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتبع.
{وينأون عنه}
أي: يتباعدون عنه، يقال: نأيت عن الشيء أنأى نأيا، إذا بعدت عنه، والنّؤى حاجز يجعل حول البيت لئلا يدخله الماء من خارج، تحفر حفيرة حول البيت فيجعل ترابها على شفير الحفيرة، فيمنع التراب الماء أن يدخل من خارج، وهو مأخوذ من النأي أي مباعد للماء من البيت.
وقال بعضهم: إنه يعنى به بعض أهل النبي صلى الله عليه وسلم، أي وهم ينهون عن أذى النّبي -صلى الله عليه وسلم- ويتباعدون عنه، أي لا يتّبعونه.
والكلام متصل بذكر جماعة أهل الكتاب، والمشركين.
والقول الأول أشبه بالمعنى). [معاني القرآن: 2/238-239]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} أكثر أهل التفسير يذهب إلى أن المعنى للكفار أي ينهون عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ويبعدون عنه.
قال مجاهد: يعني به قريش.
وكذلك قال قتادة والضحاك: يعني به الكفار.
وروى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال أخبرني من سمع ابن عباس يقول: نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم ويتباعد عنه والقول الأول أشبه لأنه متصل بأخبار الكفار وقولهم). [معاني القرآن: 2/410-411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإن يهلكون إلا أنفسهم} أي: وبال ذلك يرجع عليهم لأن الله جل وعز يبدد جموعهم وينصره عليهم). [معاني القرآن: 2/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وما يشعرون}

أي: وما يشعرون أن وبال ذلك يرجع عليهم). [معاني القرآن:2/412]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ} أي: عن محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} أي: يبعدون عنه،

يعني أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم كان يمنع من أذى النبي صلى الله عليه وسلم، ويمتنع من الإيمان به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَنْأَوْنَ}: ينفرون). [العمدة في غريب القرآن: 126]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين}
وقال: {ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين} نصب لأنه جواب للتمني وما بعد الواو كما بعد الفاء، وإن شئت رفعت وجعلته على مثل اليمين، كأنهم قالوا "ولا نكذّب والله بآيات ربّنا ونكون والله من المؤمنين".
هذا إذا كان ذا الوجه منقطعاً من الأول. والرفع وجه الكلام وبه نقرأ الآية [و] إذا نصب جعلها واو عطف، فكأنهم قد تمنوا ألا يكذبوا وأن يكونوا. وهذا - والله أعلم - لا يكون، لأنهم لم يتمنوا الإيمان إنما تمنوا الرد وأخبروا أنهم لا يكذبون ويكونون من المؤمنين). [معاني القرآن:1/237]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين}
القراءة - أكثر ها بالفتح والتفخيم، والإمالة حسنة جيدة، وهي مذهب أبي عمرو، أعني كسر الألف من " النّار "،
وإنما حسنت الإمالة في قوله {كمثل الحمار يحمل أسفارا}، وأصحاب النّار، لأن الراء بعد الألف مكسورة، وهي حرف كأنّه مكرر في اللسان، فصارت الكسرة فيه كالكسرتين.
ومعنى {وقفوا على النّار} يحتمل ثلاثة أوجه :
- جائز أن: يكونوا عاينوها.
- وجائز أن يكونوا عليها وهي تحتهم، والأجود أن يكون معنى {وقفوا على النار} أدخلوها فعرفوا مقدار عذابها، كما تقول في الكلام: قد وقفت على ما عند فلان، تريد قد فهمته وتبينته.
{فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين}:
أكثر القراء بالرفع في قوله: {ولا نكذّب بآيات ربّنا}، ويكون المعنى: أنّهم تمنوا الرد، وضمنوا أنهم لا يكذّبون.
المعنى: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب، بآيات ربنا رددنا أم لم نرد.
{ونكون من المؤمنين}: أي قد عاينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدا.
- قال سيبويه: مثله دعني ولا أعود، أي وأنا لا أعود تركتني أو لم تتركني.
ويجوز الرفع على وجه آخر، على معنى يا ليتنا نرد، ويا ليتنا لا نكذّب بآيات ربّنا، كأنّهم تمنّوا الرد والتوفيق للتصديق، ونكون من المؤمنين الرفع والنصب أيضا فيه جائزان، فأمّا النصب فعلى يا ليتنا نرد وتكون يا ليتنا نرد ولا نكذب على الجواب بالواو في التمني كما تقول ليتك تصير إلينا ونكرمك، المعنى ليت مصيرك يقع، وإكرامنا، ويكون المعنى: ليت ردّنا وقع وأن لا نكذّب.
أي إن رددنا لم نكذب). [معاني القرآن: 2/239-240]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولو ترى إذ وقفوا على النار} في معناه ثلاثة أقوال:
1- منها أن معنى وقفوا على النار أدخلوها كما يقال وقفت على ما عند فلان أي عرفت حقيقته.
2- وقيل معناه رأوها.
3- وقيل جازوا عليها وهي من تحتهم). [معاني القرآن: 2/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز:{فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}
المعنى: ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أو لم نرد
قال سيبوبه: ومثله دعني ولا أعود أي ولا أعود تركتني أو لم تتركني ومن قرأ {ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}،فمعناه: عنده يا ليتنا وقع لنا الرد وأن لا نكذب.
قال أبو إسحاق: وفيه معنى إن رددنا لم نكذب.
وقرأ ابن عامر: {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} بالنصب.
وقرأ عبد الله بن مسعود:{ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}.
وقرأ أبي بن كعب:{ولا نكذب بآيات ربنا أبدا}). [معاني القرآن: 2/413-414]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَلَوْ تَرَىَ}: لو تعلم). [العمدة في غريب القرآن: 126]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون}
أي: بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والنشور لأن المتصل بهذا قوله عزّ وجلّ: {وقالوا إن هي إلّا حياتنا الدّنيا وما نحن بمبعوثين}، فأنكروا البعث ليجرّئوا على المعاصي.
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه}
قال بعضهم: لو ردوا ولم يعاينوا العذاب لعادوا، كأنّه يذهب إلى أنهم لم يشاهدوا ما يضطرهم إلى الارتداع، وهذا - علّه - بيّن.
لأن هذا القول منهم بعد أن بعثوا وعلموا أمر القيامة وعاينوا النّار،
فالمعنى: أن أكثر من عاين من اليهود والمشركين قد علم أن أمر اللّه حق فركن إلى الرفاهية، وأن الشيء متأخر عنه إلى أمد كما فعل إبليس الذي قد شاهد من براهين الله ما لا غاية بعده، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لو ردّوا لعادوا لأنهم قد كفروا بعد وجوب الحجة عليهم.
وقال بعض المفسرين: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل فقيل له: ما بال أهل النار عملوا في عمر قصير بعمل أهل النار فخلّدوا في النار وأهل الجنة عملوا في عمر قصير بعمل أهل الجنّة فخلدوا في الجنّة، فقال: ((إن الفريقين كان كل واحد منهما على أنه لو عاش أبدا عمل بذلك العمل)).) [معاني القرآن: 2/240]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقال جل وعز: {بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل}المعنى: بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة لأن بعده وقالوا {إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين}
وقال بعض أهل اللغة: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فيه شيء محذوف.
والمعنى: ولو ردوا قبل أن يعاينوا العذاب لأنهم لا يكفرون بعدما عاينوا وهذا القول مردود لأن الله جل ثناؤه أخبر عنهم أنهم يقولون هذا يوم القيامة وقد خبّر جلّ وعز عن إبليس أنه كفر بعدما رأى، وعنهم أنهم كفروا عنادا وإيثارا للرئاسة). [معاني القرآن: 2/414-415]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({بل بدا لهم} أي: ظهر لهم، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الأياتِ} أي: ظهر لهم من الرأي أن يسجنوه). [ياقوتة الصراط: 219-220]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)}
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ( {نَمُوتُ وَنَحْيَا}
قال ثعلب اختلف الناس:
1- فقالت طائفة: هو مقدم ومؤخر، ومعناه: نحيا ونموت ولا نحيا بعد ذلك.
2- وقالت طائفة معناه: نحيا ونموت ولا نحيا أبدا، وتحيا أولادنا بعدنا، فجعلوا حياة أولادهم بعدهم كحياتهم، ثم قالوا: ويموت أولادنا بعدنا، فلا نحيا نحن ولا هم). [ياقوتة الصراط: 220-221]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)}
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فذوقوا العذاب} قال: الذوق كون بالفم وبغير الفم). [ياقوتة الصراط: 221]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ما فرّطنا} مجازه: ما ضيّعنا.
{أوزارهم} واحدها: وزر مكسورة،
ومجازها: آثامهم، والوزر والوزر واحد، يبسط الرجل ثوبه فيجعل فيه المتاع فيقال له: أحمل وزرك، ووزرك، ووزرتك). [مجاز القرآن: 1/190]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}
وقال: {ألا ساء ما يزرون} لأنه من "وزر" "يزر" "وزراً" ويقال أيضاً: "وزر" فـ"هو موزورٌ". وزعم يونس أنهما جميعاً يقالان). [معاني القرآن: 1/237]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فرطنا}: ضيعنا.
{أوزراهم}: آثامهم والوزر الحمل). [غريب القرآن وتفسيره: 135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يحملون أوزارهم على ظهورهم} أي: آثامهم.
وأصل الوزر: الحمل على الظهر.
قال اللّه سبحانه: {ووضعنا عنك وزرك*الّذي أنقض ظهرك} أي: أثقله حتى سمع نقيضه). [تفسير غريب القرآن: 152]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}، كل ما جاء فجاءة فقد بغت، يقال قد بغته الأمر يبغته بغتا وبغتة، إذا أتاه فجاءة.
قال الشاعر:
ولكنهم ماتوا ولم أخش بغتة = وأفظع شيء حين يفجؤك البغت

وقوله: {يا حسرتنا على ما فرطنا فيها}
إن قال قائل: ما معنى دعاء الحسرة وهي لا تعقل ولا تجيب؟
فالجواب: عن ذلك أن العرب إذا اجتهدت في الإخبار عن عظيم تقع فيه جعلته نداء، فلفظه لفظ ما ينبّه، والمنبّه غيره.
مثل قوله عزّ وجلّ: {يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه}.
وقوله: {يا ويلتى أألد وأنا عجوز}.
وقوله: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا}.
فهذا أبلغ من أن تقول: أنا حسر على العباد.
وأبلغ من أن تقول: الحسرة علينا في تفريطنا.
قال سيبويه: " إنّك إذا قلت يا عجباه، فكأنك قلت احضر وتعال يا عجب فإنه من أزمانك، وتأويل "يا حسرتاه" انتبهوا على أننا قد خسرنا " وهذا مثله في الكلام في أنك أدخلت عليه يا للتنبيه، وأنت تريد الناس قولك: لا أرينّك ههنا، فلفظك لفظ الناهي نفسه، ولكنه لما علم أن الإنسان لا يحتاج أن يلفظ بنهي نفسه دخل المخاطب في النهي فصار المعنى: لا تكوننّ ههنا، فإنك إذا كنت رأيتك، وكذلك يا حسرتنا، قد علم أن الحسرة لا تدعى، فوقع التنبيه للمخاطبين.
ومعنى: {فرطنا فيها} قدّمنا العجز.
وقوله: {وهم يحملون أوزارهم}أي: يحملون ثقل ذنوبهم، وهذا مثل جائز أن يكون جعل ما ينالهم من العذاب بمنزلة أثقل ما يحمّل، لأن الثقل قد يستعمل في الوزر، وفي الحال، فتقول في الحال قد ثقل على خطاب فلان، تأويله قد كرهت خطابه كراهة اشتدت عليّ، فتأويل الوزر الثقل من هذه الجهة، واشتقاقه من الوزر، وهو الجبل الذي يعتصم به الملك والنبي، أي يعينه.
ومنه قوله تعالى: {وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا}، سأل موسى ربّه أن يجعل أخاه وزيرا له.
وكذلك قوله تعالى: {ألا ساء ما يزرون} أي: بئس الشّيء شيئا أي يحملونه، وقد فسرنا عمل نعم وبئس فيما مضى من الكتاب، وكذلك {ساء مثلا القوم} أي: مثل القوم). [معاني القرآن: 2/240-242]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {جاءتهم الساعة بغتة} البغتة الفجاءة يقال بغتهم الأمر يبغتهم بغتا وبغتة). [معاني القرآن: 2/415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها} الفائدة في نداء الحسرة وما كان مثلها مما لا يجيب أن العرب إذا أرادت تعظيم الشيء والتنبيه عليه نادته ومنه قولهم يا عجباه.
قال سيبويه: إذا قلت يا عجباه فمعناه أحضر وتعال يا عجب فإن هذا من أزمانك فهذا أبلغ من قولك تعجبت،
ومنه قول الشاعر:
[معاني القرآن: 2/415-416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} واحد الأوزار وزر والفعل منه وزر يزر يراد به الإثم وهو تمثيل وأصله الوزر وهو الجبل ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة فقال لهن ((ارجعن موزورات غير مأجورات)).
قال أبو عبيد: والعامة تقول مأزورات كأنه لا وجه له عنده لأنه من الوزر ومنه قيل وزير كأنه يحمل الثقل عن صاحبه). [معاني القرآن: 2/416]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وهم يحملون أوزارهم} أي: أثقال الآثام). [ياقوتة الصراط: 221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَا فَرَّطْنَا}: ما ضيعنا
{أَوْزَارَهُمْ}: أثقالهم وآثامهم). [العمدة في غريب القرآن: 126]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وللدّار الآخرة...}
جعلت الدار ها هنا اسما، وجعلت الآخرة من صفتها، وأضيفت في غير هذا الموضع،
ومثله: ممّا يضاف إلى مثله في المعنى قوله: {إنّ هذا لهو حقّ اليقين} والحق هو اليقين؛ كما أنّ الدار هي الآخرة. وكذلك أتيتك بارحة الأولى، والبارحة الأولى،
ومنه: يوم الخميس، وليلة الخميس. يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه؛ كما اختلف الحق واليقين، والدار [و] والآخرة، واليوم الخميس.
فإذا اتفقا لم تقل العرب: هذا حقّ الحقّ، ولا يقين اليقين؛ لأنهم يتوهمون إذا اختلفا في اللفظ أنهما مختلفان في المعنى.
ومثله: في قراءة عبد الله {وذلك الدين القيّمة}.
وفي قراءتنا: {دين القيّمة} والقيّم والقيّمة بمنزلة قولك: رجل راوية وهّابة للأموال؛ ووهّاب وراو، وشبهه). [معاني القرآن: 1/330-331]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فإنّهم لا يكذّبونك...}، قرأها العامّة بالتشديد...
- حدثني قيس بن الربيع الأسديّ عن أبي إسحاق السبيعيّ عن ناجية بن كعب عن عليّ أنه قرأ {يكذبونك} مخفّفة.
ومعنى التخفيف - والله أعلم -: لا يجعلونك كذّابا، وإنما يريدون أن ما جئت به باطل؛ لأنهم لم يجرّبوا عليه صلى الله عليه وسلم كذبا فيكذّبوه وإنما أكذبوه؛ أي ما جئت به كذب لا نعرفه.
والتكذيب: أن يقال كذبت. والله أعلم). [معاني القرآن: 1/331]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}
وقال: {قد نعلم إنّه ليحزنك} بكسر "إنّ" لدخول اللام الزائدة بعدها). [معاني القرآن: 1/237]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {فإنّهم لا يكذّبونك} أي: لا ينسبونك إلى الكذب.
ومن قرأ {لا يكذبونك} أراد: لا يلفونك كاذبا.
{ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} والجحود [الإنكار] عي ما بيناه). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}يريد: أنهم كانوا لا ينسبونك إلى الكذب ولا يعرفونك به، فلما جئتهم بآيات الله، جحدوها، وهم يعلمون أنك صادق.
والجحد يكون: ممن علم الشيء فأنكره، بقول الله عز وجل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}). [تأويل مشكل القرآن: 322]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}
{لا يكذّبونك} ولا يكذبونك، ومعنى: كذبته قلت له كذبت، ومعنى أكذبته ادعيت أن ما أتى به كذب.
وتفسير قوله: {لا يكذّبونك} أي: لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبات به مما في كتبهم كذبت.
ووجه آخر: إنهم لا يكذبونك بقلوبهم، أي يعلمون أنك صادق.
{ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}لأنهم إنما جحدوا براهين الله جلّ وعزّ وجائز أن يكون فإنّهم لا يكذبونك، أي أنت عندهم صادق، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسمّى فيهم الأمين قبل الرسالة، ولكنهم جحدوا بألسنتهم ما تشهد قلوبهم يكذبهم فيه). [معاني القرآن: 2/242-243]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {فإنهم لا يكذبونك} هكذا روي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قرأ وهو اختيار أبي عبيد واحتج بأنه روي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نكذبك ولكنا نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل: {فإنهم لا يكذبونك}.
وقد خولف أبو عبيد في هذا وروي لا نكذبك فأنزل الله جل وعز: {فإنهم لا يكذبونك}،
ويقوي هذا أنه روي أن رجلا قرأ على ابن عباس {فإنهم لا يكذبونك} فقال له ابن عباس فإنهم لا يكذبونك لأنهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم الأمين.
ومعنى يكذبونك عند أهل اللغة: ينسبونك إلى الكذب ويروون عليك ما قلت
ومعنى لا يكذبونك: لا يجدونك كاذبا كما تقول أحمدته إذا وجدته محمودا.
ويجوز أن يكون: معنى المخففة لا يبينون عليك أنك كاذب لأنه يقال أكذبته إذا احتججت عليه وبينت أنه كاذب.
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري حدثنا شعيب بن أيوب الواسطي عن معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
والقول في هذا: مذهب أبي عبيد واحتجاجه لازم لأن عليا رحمة الله عليه هو الذي روى الحديث، وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف وحكى الكسائي عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه وكذبته أخبرت أنه كاذب). [معاني القرآن: 2/417-419]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لاَ يُكَذِّبُونَكَ} أي: لا ينسبونك إلى الكذب،
ومن خفف فمعناه: لا يجدونك كاذبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}:
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولقد كذّبت رسلٌ مّن قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نّبأ المرسلين}
وقال: {ولقد جاءك من نّبأ المرسلين} كما تقول: "قد أصابنا من مطرٍ" و"قد كان من حديث"). [معاني القرآن: 1/237]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكتبوا: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} بالياء.
{أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} بالياء في الحرفين جميعا، كأنهما مضافان ولا ياء فيهما، إنما هي مكسورة). [تأويل مشكل القرآن: 56-58]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم عزّى الله نبيه وصبره بأن أخبره أن الرسل قبله قد كذبتهم أمم فقال:
{ولقد كذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين}
أي: إذ قال الله لرسوله {واللّه يعصمك من النّاس}، وإذ قال{ليظهره على الدّين كلّه} فلا مبدّل لكلمات اللّه أي لا يخلف الله وعده ولا يغلب أولياءه أحد). [معاني القرآن: 2/243]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء فتأتيهم بآيةٍ...}فافعل، مضمرة، بذلك جاء التفسير،
وذلك معناه: وإنما تفعله العرب في كل موضع يعرف فيه معنى الجواب؛ ألا ترى أنك تقول للرجل: إن استطعت أن تتصدق، إن رأيت أن تقوم معنا، بترك الجواب؛ لمعرفتك بمعرفته به. فإذا جاء ما لا يعرف جوابه إلا بظهوره أظهرته؛ كقولك للرجل: إن تقم تصب خيرا، لا بدّ في هذا من جواب؛ لأن معناه لا يعرف إذا طرح). [معاني القرآن: 1/331-332]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({تبتغى نفقاً في الأرض} يريد أهوية ومنه نافقاء اليربوع الجحر الذي ينفق منه فيخرج ينفق نفقاً مصدر.
{أو سلّماً في السّماء} أي: مصعداً.
قال ابن مقبل:
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا = تبنى له في السموات السلاليم).
[مجاز القرآن:1/190]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء فتأتيهم بآيةٍ ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين}
وقال {نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء} فـ"النفق" ليس من "النفقة" ولكنه من "النّافقاء"، يريد دخولا في الأرض.
وقال {فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء} ولم يقل "فافعل" وذلك أنّه أضمر.
وقال الشاعر:
فبحظٍّ ممّا نعيش ولا تذ = هب بك الترّهات في الأهوال

فأضمر "فعيشى"). [معاني القرآن: 1/238]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({نفقا}: مدخلا تحت الأرض ويقال لحجر اليربوع النافقاء.
{سلما في السماء}: مصعدا).[غريب القرآن وتفسيره: 136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({النّفق} في الأرض المدخل، وهو السّرب.
و{السّلم في السماء}: المصعد). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم أعلم الله عزّ وجلّ رسوله أنه يأتي من الآيات بما أحب، وأنه - صلى الله عليه وسلم - بشر لا يقدر على الإتيان بآية إلا بما شاء الله من الآيات فقال: {وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلّما في السّماء فتأتيهم بآية ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين}
أي: إن كان عظم عليك أن أعرضوا إذ طلبوا منك أن تنزّل عليهم ملكا.
لأنهم قالوا {لولا أنزل عليه ملك} ثم أعلم اللّه جلّ وعزّ أنهم لو نزلت عليهم الملائكة وأتاهم عظيم من الآيات ما آمنوا.
وقوله: {فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض}، والنفق: الطريق النافذ في الأرض، والنافقاء: ممدود أحد جحرة اليربوع يخرقه من باطن الأرض إلى جلدة الأرض فإذا بلغ الجلدة أرقها حتى إن رابه دبيب رفع برأسه هذا المكان وخرج منه، ومن هذا سمّي المنافق منافقا، لأنه أبطن غير ما أظهر، كالنافقاء الذي ظاهره غير بين، وباطنه حفر في الأرض.
وقوله: {أو سلّما في السّماء}، والسّلّم: مشتق من السّلامة، وهو الشيء الذي يسلمك إلى مصعدك.
المعنى: فإن استطعت هذا فافعل، وليس في القرآن فافعل لأنه قد يحذف ما في الكلام دليل عليه، ومثل ذلك قولك: إن رأيت أن تمضي معنا إلى فلان.
ولا تذكر فافعل.
فأعلم اللّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنّه لا يستطيع أن يأتي بآية إلا بإذن اللّه. وإعلامه النبي هذا هو إعلام الخلق أنهم إنما اقترحوا هم الآيات وأعلم الله جلّ وعزّ أنّه قادر على أن ينزل آية آية، وأنّه لو أنزلت الملائكة وكلمهم الموتى ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه.
وقوله {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى} فيه غير قول:
فأحدها: أنه لو شاء الله أن يطبعهم على الهدى لفعل ذلك.
وقول آخر: {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى} أي: لو شاء لأنزل عليهم آية تضطرهم إلى الإيمان كقوله جلّ وعزّ: {إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين}
فإنما أنزل الله الآيات التي يفكر الناس معها، فيؤجر ذو البصر، ويثاب على الإيمان بالآيات، ولو كانت نار تنزل على من يكفر أو يرمى بحجر من السّماء لان كل واحد). [معاني القرآن: 2/243-245]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء}.
قال قتادة: النفق الشرب في الأرض والسلم الدرج وكذلك هو في اللغة ومنه النافقاء أحد جحر اليربوع.
قال أبو إسحاق: والسلم مشتق من السلامة كأنه يسلمك إلى الموضع الذي تريد.
والمعنى: إن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية فافعل ثم حذف هذا لعلم السامع أي ليس لك من الأمر شيء). [معاني القرآن: 2/419-420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} أي; لأراهم آية تضطرهم إلى الإيمان ولكنه أراد جل وعز أن يثيب من آمن منهم ومن أحسن ويجوز أن يكون المعنى لطبعهم على الإيمان). [معاني القرآن: 2/420]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({نَفَقًا} أي مدخلاً، وهو السرب.
{أَوْ سُلَّمًا} أي مصعداً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({نَفَقًا}: مدخلاً في الأرض
{سُلَّمًا}: مصعداً). [العمدة في غريب القرآن: 126]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 09:44 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 36 إلى 55]

{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49) قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إنّما يستجيب الّذين يسمعون} أي: يجيبك من يسمع، فأما الموتى فاللّه يبعثهم شبههم بالموتى). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:ة311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّما يستجيب الّذين يسمعون والموتى يبعثهم اللّه ثمّ إليه يرجعون} أي: الذين يسمعون سماع قابلين، وجعل من لم يقبل بمنزلة الأصم.
قال الشاعر:
أصمّ عمّا ساءه سميع
{والموتى يبعثهم اللّه} أي: يحييهم {ثم إليه يرجعون}). [معاني القرآن: 2/245]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إنما يستجيب الذين يسمعون}
قال الحسن ومجاهد: يراد به المؤمنون والمعنى الذين يسمعون سماع قبول). [معاني القرآن: 2/420-421]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {والموتى يبعثهم الله}
قال الحسن ومجاهد: يراد به الكفار وقال غيرهما يراد به كل ميت). [معاني القرآن: 2/421]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({لولا نزّل عليه}
مجازها: هلاّ نزل عليه،
قال:

تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم = بنى ضوطرى لولا الكمىّ المقنّعا
أي فهلا تعدّون الكميّ). [مجاز القرآن: 1/191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربّه قل إنّ اللّه قادر على أن ينزّل آية ولكنّ أكثرهم لا يعلمون * قل إنّ اللّه قادر على أن ينزّل آية} أي: آية تجمعهم على الهدى). [معاني القرآن: 2/245]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما من دآبّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه...}
(الطائر) مخفوض. ورفعه جائز (كما تقول: ما عندي من) رجل ولا امرأةٍ، وامرأةٌ؛
من رفع قال: ما عندي من رجلٍ ولا عندي امرأة.
وكذلك قوله: {وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرةٍ} ثم قال (ولا أصغر من ذلك، ولا أصغر ولا أكبر، ولا أكبر) إذا نصبت (أصغر) فهو في نيّة خفض، ومن رفع ردّه على المعنى.
وأمّا قوله: {ولا طائرٍ يطير بجناحيه} فإنّ الطائر لا يطير إلا بجناحيه. وهو في الكلام بمنزلة قوله (له تسع وتسعون نعجة [ولي نعجة] أنثى)،
وكقولك للرجل: كلّمته بفي، ومشيت إليه على رجليّ، إبلاغا في الكلام.
يقال: إنّ كل صنف من البهائم أمّة، والعرب تقول صنف [وصنف].
{ثم إلى ربّهم يحشرون} حشرها: موتها، ثم تحشر مع الناس فيقال لها: كوني ترابا وعند ذلك يتمنّى الكافر أنه كان ترابا مثلها). [معاني القرآن: 1/332]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولا طائرٌ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم}
مجازه: إلا أجناس يعبدون الله، ويعرفونه، وملكٌ.
{ما فرّطنا في الكتب من شيءٍ}
مجازه: ما تركنا ولا ضيّعنا ولا خلقنا). [مجاز القرآن: 1/191]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وما من دآبّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم مّا فرّطنا في الكتاب من شيءٍ ثمّ إلى ربّهم يحشرون}
وقال: {ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم} يريد: جماعة أمة.
{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم السّاعة أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين}
وقال: {أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم السّاعة أغير اللّه تدعون} فهذا الذي بعد التاء من قوله: {أرأيتكم} إنما جاء للمخاطبة، وترك التاء مفتوحة كما كانت للواحد، وهي مثل كاف "رويدك زيداً" إذا قالت: أرود زيداً" فهذه الكاف ليس لها موضع فتسمى بجر ولا رفع ولا نصب، وإنما هي من المخاطبة مثل كاف "ذاك".
ومثل ذلك قول العرب: "أبصرك زيداً" يدخلون الكاف للمخاطبة وإنما هي "أبصر زيداً"). [معاني القرآن: 1/238]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ} أي: ما تركنا شيئا ولا أغفلناه ولا ضيعناه). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله سبحانه: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}كما تقول رأي عيني وسمع أذني نفسي التي بين جنبيّ). [تأويل مشكل القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلّا أمم أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيء ثمّ إلى ربّهم يحشرون}
يجوز ولا طائر بالرفع على العطف على موضع دابّة.
التأويل وما دابّة في الأرض ولا طائر، والجر أجود وأكبر على معنى وما من دابة ولا طائر.
وقال {يطير بجناحيه} على جهة التوكيد لأنك قد تقول للرجل: طر في حاجتي أي أسرع، وجميع ما خلق اللّه عزّ وجلّ فليس يخلو من هاتين المنزلتين، إما أن يدبّ أو يطير.
{إلّا أمم أمثالكم}أي: في الخلق والموت والبعث). [معاني القرآن:2/245]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل جلاله: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}
وأكثر أهل التفسير يذهب إلى: أن المعنى أنهم يخلقون كما يخلقون ويبعثون كما يبعثون
وكذلك قال أبو هريرة: يحشر الله جل وعز يوم القيامة الطير والبهائم فيبلغ من عدله أن يأخذ من القرناء للجماء ثم يقول كوني ترابا فعند ذلك {يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا} وقال مجاهد: في قوله جل وعز: {إلا أمم أمثالكم} قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون ومعنى يطير بجناحيه على التوكيد لأنك قد تقول طرت في حاجتي). [معاني القرآن: 2/421-422]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({صمّ وبكمٌ في الظّلمات}
مثل للكفار، لأنهم لا يسمعون الحق والدين وهم قد يسمعون غيره، وبكمٌ لا يقولونه، وهم ليسوا بخرسٍ). [مجاز القرآن: 1/191]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل أرأيتكم...}
العرب لها في (أرأيت) لغتان، ومعنيان:
- أحدهما: أن يسأل الرجل الرجل: أرأيت زيدا بعينك؟، فهذه مهموزة. فإذا أوقعتها على الرجل منه قلت: أرأيتك على غير هذه الحال؟ تريد: هل رأيت نفسك على غير هذه الحال. ثم تثنّى وتجمع؛ فتقول للرجلين: أرأيتماكما، وللقوم: أرأيتموكم، -وللنسوة: أرأيتنّكنّ، وللمرأة: أرأيتك، تخفض التاء والكاف، لا يجوز إلا ذلك.
- والمعنى الآخر أن تقول: أرأيتك، وأنت تريد: أخبرني (وتهمزها) وتنصب التاء منها؛ وتترك الهمز إن شئت، وهو أكثر كلام العرب، وتترك التاء موحّدة مفتوحة للواحد والواحدة [والجميع في] مؤنّثه ومذكّره، فتقول للمرأة: أرايتك زيدا هل خرج، وللنسوة: أرايتكنّ زيدا ما فعل. وإنما تركت العرب التاء واحدة لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل منها واقعا على نفسها، فاكتفوا بذكرها في الكاف، ووجّهوا التاء إلى المذكّر والتوحيد؛ إذ لم يكن الفعل واقعا. وموضع الكاف نصب وتأويله رفع؛
-كما أنك إذا قلت للرجل: دونك زيدا وجدت الكاف في اللفظ خفضا وفي المعنى رفعا؛ لأنها مأمورة.
والعرب إذا أوقعت فعل شيء على نفسه قد كني فيه عن الاسم قالوا في الأفعال التامّة غير ما يقولون في الناقصة. فيقال للرجل: قتلت نفسك، وأحسنت إلى نفسك، ولا يقولون: قتلتك ولا أحسنت إليك.
كذلك قال الله تبارك وتعالى: {فاقتلوا أنفسكم} في كثير من القرآن؛ كقوله: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} فإذا كان الفعل ناقصا - مثل حسبت وظننت - قالوا: أظنّني خارجا، وأحسبني خارجا، ومتى تراك خارجا. ولم يقولوا: متى ترى نفسك، ولا متى تظنّ نفسك. وذلك أنهم أرادوا أن يفرقوا بين الفعل الذي قد يلغى، وبين الفعل الذي لا يجوز إلغاؤه؛ ألا ترى أنك تقول: أنا - أظن ّ- خارج، فتبطل (أظنّ) ويعمل في الاسم فعله، وقد قال الله تبارك وتعالى: {إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى} ولم يقل: رأى نفسه. وربما جاء في الشعر: ضربتك أو شبهه من التامّ. من ذلك قول الشاعر:
خذا حذراً يا جارتيّ فإنني = رأيت جران العود قد كاد يصلح
لقد كان لي في ضرّتين عدمتني = وما كنت ألقى من رزينة أبرح

-والعرب يقولون: عدمتني، ووجدتني، وفقدتني، وليس بوجه الكلام). [معاني القرآن: 1/333-334]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم السّاعة أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين}
- الساعة: اسم للوقت الذي يصعق فيه العباد، واسم للوقت الذي يبعث فيه العباد.
- والمعنى: إن أتتكم الساعة التي وعدتم فيها بالبعث والفناء، لأنّ قبل البعث موت الخلق كله.
وقوله جلّ وعزّ: {أغير اللّه تدعون}أي: أتدعون هذه الأصنام والحجارة التي عبدتموها من دون اللّه، فاحتج اللّه عليهم بما لا يدفعونه، لأنهم كانوا إذا مسّهم الضر دعوا اللّه.
وقال النحويون في هذه الكاف التي في قوله {أرأيتكم} غير قول:
- قال الفراء: لفظها لفظ نصب، وتأويلها تأويل رفع، قال: ومثلها الكاف في قوله: دونك زيدا، قال: الكاف في موضع خفض، وتأويلها تأويل الرفع، لأن المعنى خذ زيدا.
وهذا لم يقله من تقدّم من النحويين، وهو خطأ لأن قولك أرأيتك زيدا ما شأنه! تصير " أرأيت " قد تعدت إلى الكاف وإلى زيد، فيصير لـ " رأيت " اسمان، فيصير المعنى أرأيت نفسك زيدا ما حاله، وهذا محال.
والذي يذهب إليه النحويون الموثوق بعلمهم أن الكاف لا موضع لها، وإنما المعنى أرأيت زيدا ما حاله، وإنما الكاف زيادة في بيان الخطاب،
وهي المعتمد عليها في الخطاب، اعلم أنك تقول إذا كانت الكاف زائدة للخطاب للواحد الذكر: "أرأيتك زيدا ما حاله" بفتح التاء والكاف، وتقول للمؤنث "أرأيتك زيدا ما حاله يا امرأة".
وتفتح على أصل خطاب الذكر، وتكسر الكاف لأنها قد صارت آخر ما في الكلمة والمبيّنة عن الخطاب،
-وتقول للاثنين أرأيتكما زيدا ما حاله وأرأيتكم زيدا ما حاله - للجماعة، فتوحد التاء، فكما وجب أن توحدها في الشية والجمع وجب أن تذكرها مع المؤنث، فإذا سألت النسوة قلت أرأيتكن زيدا ما حاله.
وتثنية المؤنث كتثنية المذكر في كل شيء، فإن عديت الفاعل إلى المفعول في هذا الباب، صارت الكاف مفعوله، تقول: رأيتني عالما بفلان، فإذا سألت عن هذا الشرط قلت للرجل:
أرأيتك عالما بفلان، وتقول للاثنين على هذا: أرأيتاكما عالمين بفلان.
- وللجميع أرأيتموكم عالمين بفلان، لأن هذا في تأويل أرأيتم أنفسكم.
- وتقول للمرأة: أرأيتك عالمة بفلان - بكسر التاء والكاف -
- وتقول للاثنين أرأيتما كما عالمين بفلان وللجماعة أرأيتكن عالمات بفلان فعلى هذا قياس هذين البابين). [معاني القرآن: 2/246-247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة}
والمعنى: أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها). [معاني القرآن: 2/422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أغير الله تدعون إن كنتم صادقين} في هذا أعظم الاحتجاج عليهم لأنهم كانوا يعبدون الأصنام فإذا وقعوا في شدة دعوا الله). [معاني القرآن: 2/422-443]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {بل إيّاه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}
(بل) استدراك، وإيجاب بعد نفي تقول: ما جاء زيد بل عمرو فأعلمهم الله جلّ وعزّ أنهم لا يدعون في حال الشدائد إلا إياه، وفي ذلك أعظم الحجة عليهم، لأنهم قد عبدوا الأصنام.
وقوله: {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء}
المعنى، فيكشف الضر الذي من أجله دعوتم، وهذا على اتساع الكلام.
مثل سل القرية: المعنى سل أهل القرية.
وقوله جلّ وعزّ: {وتنسون ما تشركون}
" وتنسون " ههنا على ضربين:
- جائز أن يكون: تنسون تتركون.
- وجائز أن يكون المعنى: إنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من يسهون). [معاني القرآن:2/247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقال جل وعز: {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} هذا مجاز،
والمعنى: فيكشف الضر الذي من أجله دعوتموه وهو مثل واسأل القرية في المجاز). [معاني القرآن: 2/423]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({بالبأساء} هي: البأس من الخوف والشر والبؤس.
{والضّرّاء} من الضّرّ). [مجاز القرآن:1/191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({البأساء}: من البؤس.
-{والضراء}: من الضر). [غريب القرآن وتفسيره: 136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({بالبأساء}: الفقر وهو البؤس
{ والضّرّاء}: البلاء). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (البأس والبأساء: الشدة، قال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}). [تأويل مشكل القرآن: 505]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون}
قيل البأساء " الجوع، والضراء النقص في الأموال والأنفس.
والمعنى: أن اللّه جلّ ثناؤه أعلم نبيه -صلى الله عليه وسلم- أنّه قد أرسل الرسل قبله إلى قوم بلغوا من القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم ليخضعوا ويذلوا لأمر اللّه، لأنّ القلوب تخشع، والنفوس تضرع عند ما يكون من أمر الله في البأساء والضراء، فلم تخشع ولم تضرع.
وقال: {لعلّهم يتضرّعون}
ومعنى: لعل ترج، وهذا الترجي للعباد، أخذهم اللّه بذلك ليكون ما يرجوه العباد منه بالتضرع، كما قال عزّ وجلّ في قصة فرعون: {لعلّه يتذكّر أو يخشى}
قال سيبويه: المعنى اذهبا على رجائكما، واللّه عالم بما يكون وراء ذلك). [معاني القرآن: 2/248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء}
قيل البأساء: الجوع والفقر
والضراء: نقص الأموال والأنفس بالمرض والثمرات). [معاني القرآن: 2/423]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {لعلهم يتضرعون}
أي: ليكون العباد على رجاء من التضرع). [معاني القرآن: 2/423-424]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْبَأْسَاء}: البؤس
{الضَّرَّاء}: الضر). [العمدة في غريب القرآن: 127]

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا...}
معنى (فلولا): فهلاّ. ويكون معناها على معنى لولا؛ كأنك قلت: لولا عبد الله لضربتك. فإذا رأيت بعدها اسما واحدا مرفوعا فهو بمعنى لولا التي جوابها اللام؛ وإذا لم تر بعدها اسما فهي استفهام؛ كقوله: {لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريب [فأصدّق وأكن من الصالحين]} وكقوله: {فلولا إن كنتم غير مدينين [ترجعونها إن كنتّم صادقين]}.
وكذلك (لوما) فيها ما في لولا: الاستفهام والخبر). [معاني القرآن: 1/334-335]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا} أي: فهلّا إذ جاءهم بأسنا). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (لولا ولوما
لولا: تكون في بعض الأحوال بمعنى: هلّا وذلك إذا رأيتها بغير جواب، تقول: لولا فعلت كذا، تريد هلّا فعلت كذا، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ}، {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ}،{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}، {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}، أي فهلا. وقال: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ}.
وقال الشاعر:
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ = بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلا الكَمِيَّ المقنَّعَا

أي: فهّلا تعدُّونَ الكميَّ.
وكذلك (لوما): قال {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} أي: هلّا تأتينا). [تأويل مشكل القرآن: 540-541](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون}
المعنى: فهلّا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا.
{ولكن قست قلوبهم} أي: أقاموا على كفرهم). [معاني القرآن: 2/248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} أي: فهلا وأعلم الله النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أرسل قبله رسولا إلى قوم بلغ من قسوتهم أن أخذوا بالبأساء والضراء فلم يتضرعوا). [معاني القرآن: 2/424]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ...}
يعني: أبواب الرزق والمطر وهو الخير في الدنيا لنفتنهم فيه. وهو مثل قوله: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا} ومثله {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا لنفتنهم فيه} والطريقة طريقة الشرك؛ أي لو استمرّوا عليها فعلنا ذلك بهم.
وقوله: {فإذا هم مّبلسون}
المبلس: اليائس المنقطع رجاؤه. ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب: قد أبلس؛
وقد قال الراجز:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا = قال نعم أعرفه، وأبلسا

أي لم يحر إليّ جوابا). [معاني القرآن: 1/335]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({بغتةً} أي: فجأة، يقال: بغتنى أي فاجأني.
{فإذا هم مبلسون}
المبلس: الحزين الدائم، قال العجّاج:
يا صاح هل تعرف رسماً مكرسا = قال نعم أعرفه وأبلسا

وقال رؤبة:
وحضرت يوم خميس الأخماس = وفي الوجوه صفرةٌ وإبلاس

أي اكتئاب وكسوف وحزن). [مجاز القرآن: 1/191-192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بغتة}: فجأة.
{المبلس}: الحزين المكتئب).[غريب القرآن وتفسيره:136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أخذناهم بغتةً}: فجأة وجهرة، معاينة.
{فإذا هم مبلسون}: يائسون ملقون بأيديهم). [تفسير غريب القرآن:153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}أي: فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان مغلقا عليهم من الخير.
{حتّى إذا فرحوا بما أوتوا} أي: حتى إذا ظنّوا أنّ كل ما نزل بهم لم يكن انتقاما من اللّه جلّ وعزّ،
وأنهم لمّا فتح عليهم ظنوا أن ذلك باستحقاقهم {أخذناهم بغتة} أي: فاجأهم عذابنا من حيث لا يشعرون.
وقوله جلّ وعزّ: {فإذا هم مبلسون}
"المبلس" الشديد الحسرة.
واليائس الحزين). [معاني القرآن: 2/248-249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء}
قال مجاهد: من رخاء الدنيا ويسرها.
والتقدير عند أهل اللغة: فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم). [معاني القرآن: 2/424-425]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإذا هم مبلسون}
قال أبو عبيدة: المبلس الحزين النادم قال الفراء المبلس المنقطع الحجة). [معاني القرآن:2/425]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فلما نسوا ما ذكروا به} أي: تركوا). [ياقوتة الصراط: 221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((المبْلِسُ): الحزين المبهت.
{بَغْتَةً}: فجاءةً). [العمدة في غريب القرآن: 127]

تفسير قوله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فقطع دابر القوم} أي: آخر القوم الذي يدبرهم). [مجاز القرآن: 1/192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فقطع دابر القوم}: آخرهم). [غريب القرآن وتفسيره: 137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فقطع دابر القوم} أي: آخرهم كما يقال: اجتثّ أصلهم). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد للّه ربّ العالمين}
حمد الله عزّ وجلّ نفسه على أن قطع دابرهم، واستأصل شأفتهم، لأنه جلّ وعزّ أرسل إليهم الرسل، وأنظرهم بعد كفرهم، وأخذهم بالبأساء
والضراء فبالغ جلّ وعزّ في إنذارهم وإمهالهم، فحمد نفسه، لأنه محمود في إمهاله من كفر به وانتظاره توبته). [معاني القرآن: 2/249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا}
الدابر في اللغة: الآخر يقال دبرهم يدبرهم إذا جاء آخرهم وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود من الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبريا أي في آخر الوقت). [معاني القرآن:2/425]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: آخرهم،
والمعنى: استؤصلوا فلم يبق منهم أحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({دَابِر}: آخر). [العمدة في غريب القرآن: 127]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يأتيكم به...}
كناية عن ذهاب السمع والبصر والختم على الأفئدة. وإذا كنيت عن الأفاعيل وإن كثرت وحّدت الكناية؛ كقولك للرجل: إقبالك وإدبارك يؤذيني. وقد يقال: إن الهاء التي في (به) كناية عن الهدى، وهو كالوجه الأوّل). [معاني القرآن: 1/335]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصركم}
مجازه: إن أصم الله أسماعكم وأعمى أبصاركم، تقول العرب: قد أخذ الله سمع فلانٍ، وأخذ بصر فلانٍ.
{ثمّ هم يصدفون} مجازه: يعرضون، يقال: صدف عني بوجهه، أي أعرض). [مجاز القرآن: 1/192]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم مّن إله غير اللّه يأتيكم به انظر كيف نصرّف الآيات ثمّ هم يصدفون}
وقال: {أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم}
ثم قال: {يأتيكم به} حمله على السمع أو على ما أخذ منهم). [معاني القرآن: 1/239]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يصدفون}: يعرضون، يقال صدف عني أعرض عني). [غريب القرآن وتفسيره: 137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يصدفون} يعرضون، يقال: صدف عني وصد، أي أعرض). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير اللّه يأتيكم به انظر كيف نصرّف الآيات ثمّ هم يصدفون}أي: بسمعكم، ويكون ما عطف على السمع داخلا في القصة إذ كان معطوفا على السمع.
وقوله: {انظر كيف نصرّف الآيات ثمّ هم يصدفون} أي "يعرضون".
أعلم الله جلّ وعزّ أنّه يصرف لهم الآيات، وهي العلامات التي تدل على توحيده، وصحة نبوة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ثم هم يعرضون عما وضح لهم وظهر عندهم). [معاني القرآن: 2/249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به}
المعنى: من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم والهاء كناية عن المصدر فلذلك وحدت ويجوز أن يكون تعود على السمع مثل {والله ورسوله أحق أن يرضوه}). [معاني القرآن: 2/426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون}
قال قتادة: أي يصدفون عنها). [معاني القرآن:2/426]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَصْدِفُونَ}: يعرضون). [العمدة في غريب القرآن: 127]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({إن أتاكم عذاب الله بغتةً أو جهرةً}
مجاز بغتة: فجأة وهم لا يشعرون.
{أو جهرة} أي: أو علانية وهم ينظرون). [مجاز القرآن: 1/193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه بغتة أو جهرة هل يهلك إلّا القوم الظّالمون}
البغتة المفاجأة، والجهر أو يأتيهم وهم يرونه.
{هل يهلك إلّا القوم الظّالمون}أي: هل يهلك إلا أنتم ومن أشبهكم، لأنكم كفرتم معاندين، فقد علمتم أنكم ظالمون). [معاني القرآن: 2/249-250]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة}
قال مجاهد: البغتة أن يأتيهم فجاءة آمنين والجهرة أن يأتيهم وهم ينظرون). [معاني القرآن: 2/426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {هل يهلك إلا القوم الظالمون} أي: هل يهلك إلا أنتم لأنهم كفروا وعاندوا). [معاني القرآن: 2/427]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما نرسل المرسلين إلّا مبشّرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
أي: ليس إرسالهم بأن يأتوا الناس بما يقترحون عليهم من الآيات وإنّما يأتون من الآيات بما يبين الله به براهينهم، وإنما قصدهم التبشير والإنذار). [معاني القرآن: 2/250]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل ثناؤه: {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} أي: لم نرسلهم ليأتوا بالآيات المقترحات وإنما يأتون من الآيات بما تظهر معه براهينهم وإنما مذهبهم التبشير والإنذار). [معاني القرآن: 2/427]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل لا أقول لكم عندي خزائن اللّه ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنّي ملك إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكّرون}
هذا متصل بقوله: {لولا نزّل عليه آية من ربّه}. فأعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يملك خزائن الله التي بها يرزق ويعطي، وأنه لا يعلم الغيب فيخبرهم بما غاب عنه ممّا مضى، وما سيكون إلا بوحي من اللّه جلّ وعزّ.
{ولا أقول لكم إنّي ملك} أي: الملك يشاهد من أمور الله عزّ وجلّ ما لا يشاهده البشر،
فأعلمهم أنه يتبع الوحي فقال: {إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ} أي: ما أنبأتكم به من غيب فيما مضى، وفيما سيكون فهو بوحي من اللّه، فأمّا الإنباء بما مضى، فإخبار بقصص الأمم السالفة، والإخبار بما سيكون كقوله: {غلبت الرّوم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين}، فوجد من ذلك ما أنبأ به،
ونحو قوله: {واللّه يعصمك من النّاس} فاجتهدوا في قتله، فلم يصلوا إلى ذلك.
وقوله: {ليظهره على الدّين كلّه} وما يروى من الأخبار عنه بما يكون أكثر من أن يحصى). [معاني القرآن: 2/250-251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب} هذا متصل بقوله جل وعز: {لولا نزل عليه آية من ربه} أي: لا أقول لكم عندي خزائن الله التي يرزق منها ويعطي {ولا أعلم الغيب} فأخبركم بما غاب عنكم إلا بوحي {ولا أقول لكم اني ملك} لأن الملك يشاهد من أمر الله جل وعلا ما لا يشاهد البشر). [معاني القرآن: 2/427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل هل يستوي الأعمى والبصير}
قال مجاهد: يعني المسلم والكافر). [معاني القرآن: 2/428]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم...}
يقول: يخافون أن يحشروا إلى ربهم علما بأنه سيكون.
ولذلك فسّر المفسرون {يخافون}: يعلمون). [معاني القرآن: 1/336]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(خشيت) بمعنى: (علمت)، قال عز وجل: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}، أي: علمنا.
وفي قراءة أبيّ: فخاف ربك.
ومثله: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}.
وقوله: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} أي: علم.
وقوله: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ}، لأنّ في الخشية والمخافة طرفا من العلم). [تأويل مشكل القرآن: 190-191](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه وليّ ولا شفيع لعلّهم يتّقون}
قوله: {وأنذر به} أي: بالقرآن،
وإنما ذكر الذين يخافون الحشر، دون غيرهم وهو -صلى الله عليه وسلم- منذر جميع الخلق، لأن الذين يخافون الحشر الحجة عليهم أوجب، لأنهم أفهم بالميعاد.
فهم أحد رجلين:
- إما رجل مسلم فيؤدي حق اللّه في إسلامه.
- وإما رجل من أهل الكتاب، فأهل الكتاب أجمعون معترفون بأن اللّه جل ثناؤه خالقهم، وأنّهم مبعوثون.
وقوله: {ليس لهم من دونه وليّ ولا شفيع}لأن النصارى، واليهود ذكرت أنّها أبناء اللّه وأحباؤه، فأعلم اللّه أنّه لا ولي له إلّا المؤمنون، وأنّ أهل الكفر ليس لهم عن دون اللّه ولي ولا شفيع). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} أي: بالقرآن وخص من يخاف الحشر لأن الحجة عليهم أوكد فإن كان مسلما أنذر ليترك المعاصي وإن كان من أهل الكتاب أنذر ليتبع الحق). [معاني القرآن: 2/428]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ليس لهم من دونه من ولي ولا شفيع} لأن اليهود والنصارى قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه). [معاني القرآن: 2/428]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم...}
يقول القائل: وكيف يطرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعوا ربه حتى ينهى عن ذلك؟ فإنه بلغنا أن عيينة بن حصن الفزاريّ دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده سلمان وبلال وصهيب وأشباههم، فقال عيينة: يا رسول الله لو نحّيت هؤلاء عنك لأتاك أشراف قومك فأسلموا، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}). [معاني القرآن: 1/336]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم مّن شيءٍ وما من حسابك عليهم مّن شيءٍ فتطردهم فتكون من الظّالمين}
وقال: {فتطردهم فتكون من الظّالمين} فالأولى أن ينصب جواباً لقوله: {ما عليك من حسابهم مّن شيءٍ وما من حسابك عليهم مّن شيءٍ فتطردهم}
والأخرى [أن] ينصب بقوله: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم} {فتكون من الظّالمين}). [معاني القرآن: 1/239]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومما يزاد في الكلام: (الوجه)، يقول الله عز وجل: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي: يريدونه بالدعاء.
و{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} أي: إلا هو.
و{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي: فثمّ الله.
و{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أي: لله). [تأويل مشكل القرآن: 254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظّالمين}
كان قوم من المشركين أرادوا الحيلة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا لو باعدت عنك هؤلاء السفلة والعبيد لجلس إليك الكبراء والأشراف وكانوا عنوا بالذين قدروا أن يباعدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- صهيبا وخبّابا، وعمّار بن ياسر وسلمان الفارسي وبلالا، فأعلم اللّه عزّ وجلّ، أن أمر الدّين هو المقدّم، ونهاه أن يباعد هؤلاء، وأعلمه أنهم يريدون ما عند الله فشهد لهم بصحة النيات وأنهم مخلصون في ذلك لله، فقال: {يريدون وجهه}أي: يريدون اللّه ويقصدون الطرق التي أمرهم بقصدها وإنما قدروا بهذا أن يباعدهم فتكون لهم حجة عليه، واللّه قد أعلم .
في قصة نوح إنّه اتبع نوحا من كان عندهم من أراذلهم فقال:{قالوا أنومن لك واتبعك الأرذلون}، وقالوا: {ما نراك اتبعك إلا الّذين هم أراذلنا}
وقوله عزّ وجل: {فتكون من الظّالمين} جواب {ولا تطرد}
وقوله {فتطردهم} جواب {ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم}). [معاني القرآن: 2/251-252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}
قال سعد: نزلت في ستة أنا وعبد الله بن مسعود وأربعة قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نستحيي أن نكون تبعا لهؤلاء فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} إلى قوله: {أليس الله بأعلم بالشاكرين}
قال مجاهد: نزلت في بلال وعبد الله بن مسعود.
وقال غيره: إنما أراد المشركون بهذا أن يحتجوا على النبي صلى الله عليه وسلم لأن أتباع الأنبياء الفقراء فطلبوا أن يطردهم فيحتجوا عليه بذلك فعصمه الله مما أرادوا منه). [معاني القرآن: 2/429-430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين}
المعنى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين وما من حسابك من شيء فتطردهم؛ على التقديم والتأخير). [معاني القرآن: 2/430]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): {وكذلك فتنّا بعضهم ببعضٍ} أي: ابتلينا بعضا ببعض). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: العبرة، كقوله: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
وفي موضع آخر: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}أي: يعتبرون أمرهم بأمرنا، فإذا رأونا في ضرّ وبلاء ورأوا أنفسهم في غبطة ورخاء- ظنّوا أنهم على حق، ونحن على باطل.
وكذلك قوله: {فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}). [تأويل مشكل القرآن: 473-474](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى: {كذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين} أي: اختبرنا وابتلينا، {ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا}أي: ليكون ذلك آية أنّهم اتبعوا الرسول وصبروا على الشدة، وهم في حال شديدة). [معاني القرآن: 2/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} أي: اختبرنا وابتلينا لأن الفقراء صبروا على الجهد مع فقرهم فكان ذلك أوكد على الأغنياء في الحجة). [معاني القرآن: 2/430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا}
أي: ليقول الأغنياء). [معاني القرآن:
2/430]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَكَذَلِكَ فَتَنَّا} أي: ابتلينا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم...}
تكسر الألف من (أنّ) والتي بعدها في جوابها على الاستئناف، وهي في قراءة القرّاء.
- وإن شئت فتحت الألف من (أنّ) تريد: {كتب ربكم على نفسه أنه من عمل}.
- ولك في (أنّ) التي بعد الفاء الكسر والفتح.
- فأمّا من فتح فإنه يقول: إنما يحتاج الكتاب إلى (أنّ) مرة واحد؛ ولكن الخبر هو موضعها، فلما دخلت في ابتداء الكلام أعيدت إلى موضعها؛ كما قال: {أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم تراباً وعظاماً أنّكم مخرجون} فلمّا كان موقع أنّ: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم دخلت في أوّل الكلام وآخره. ومثله: {كتب عليه أنّه من تولاّه فأنّه يضلّه} بالفتح.
ومثله: {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم}
- ولك أن تكسر (إن) التي بعد الفاء في هؤلاء الحروف على الاستئناف؛ ألا ترى أنك قد تراه حسنا أن تقول: "كتب أنه من تولاه فهو يضله" بالفتح.
وكذلك "وأصلح فهو غفور رحيم" لو كان لكان صوابا. فإذا حسن دخول (هو) حسن الكسر). [معاني القرآن: 1/336-337]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل} و{أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ} فقوله: {أنّه} بدلٌ من قوله: {الرّحمة} أي: كتب أنّه من عمل.
وقوله: {فأنّه} على الابتداء أي: فله المغفرة والرّحمة فهو غفورٌ رحيم.
وقال بعضهم {فأنّه} أراد به الاسم وأضمر الخبر. أراد "فأنّ"). [معاني القرآن: 1/239]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم} أي: الذين يصدقون بحججنا، وبراهيننا {فقل سلام عليكم}
خلا سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يذكر أن، "السلام" في اللغة أربعة:
1- أشياء فمنها سلّمت سلاما - مصدر سلّمت.
2- ومنها السلام جمع سلامة.
3- ومنها السلام اسم من أسماء الله تعالى.
4- ومنها السلام شجر، ومنه قوله: إلّا سلام وحرمل.
ومعنى السلام: الذي هو مصدر سلّمت، إنّه دعاء للإنسان أن يسلم من الآفات " في دينه ونفسه، وتأويله التخلص.
و "السلام" اسم من أسماء اللّه "
تأويله -واللّه أعلم- ذو السلام أي: هو الذي يملك السلام الذي هو تخليص من المكروه، فأما السلام الشجر فهو شجر عظام قوي أحسبه سمي بذلك لسلامته من الآفات.
- والسّلام الحجارة الصلبة سميت بذلك لسلامتها من الرخاوة.
- والصلح يسمّى السّلم والسّلم والسّلم، سمي بهذا لأن معناه السلامة من الشر.
- والسّلم دلو لها عروة واحدة نحو دلو السّقائين، سميت الدلو سلما لأنها أقل عرى من سائر الدّلاء فهي أسلمها من الآفات والسّلّم الذي يرتقى عليه سمّي بهذا لأنه يسلّمك إلى حيث تريد.
والسّلّم السبب إلى الشيء، سمّي بهذا لأنه يؤدي إلى غيره، كما يؤدي السّلّم الذي يرتقى عليه.
وقوله: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم}
1- بفتحهما جميعا.
2- ويجوز أن يكون " إنّه - فإنّه " بكسرهما جميعا.
3- ويجوز فتح الأولى وكسر الثانية.
4- ويجوز كسر الأولى وفتح الثانية.
- فأما فتح الأولى والثانية فعلى أن موضع أن الأولى نصب، المعنى: كتب ربكم على نفسه المغفرة، وهي بدل من الرحمة، كأنّه قال: كتب ربّكم على نفسه الرّحمة وهي المغفرة للمذنبين التائبين، لأن معنى إنّه (غفور رحيم) المغفرة منه.
- ويجوز أن تكون الثانية وقعت مؤكدة للأولى، لأن المعنى: كتب ربكم أنه (غفور رحيم) فلما طال الكلام أعيد ذكر إنّ.
- فأما كسرهما جميعا فعلى مذهب الحكاية، كأنّه لما قال {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} قال: {أنّه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفور رحيم} بالكسر.
وجعلت الفاء جوابا للجزاء وكسرت إنّ دخلت على ابتداء وخبر، كأنك قلت فهو غفور رحيم. إلا أن الكلام بـ إنّ أوكد، ومن كسر الأولى فعل ما ذكرنا من الحكاية، وإذا فتح الثانية مع كسر الأولى. لأن معناها المصدر، والخبر محذوف.
المعنى إنه من عمل كذا وكذا فمغفرة اللّه له.
- ومن فتح الأولى وكسر الثانية فالمعنى راجع إلى المصدر.
وكأنك لم تذكر إن الثانية، المعنى كتب ربكم على نفسه أنه غفور رحيم.
ومعنى {كتب}: أوجب ذلك إيجابا مؤكدا، وجائز أن يكون كتب ذلك في اللوح المحفوظ، وإنما خوطب الخلق بما يعقلون، فهم يعقلون أن توكيد الشيء المؤخر إنما يحفظ بالكتاب، ونحن نشرح ذلك في موضعه شرحا أوكد من هذا إن شاء اللّه.
ومعنى: يعملون السوء بجهالة، أي ليس بأنهم يجهلون أنه سوء.
لو أتى المسلم ما يجهل أنّه سوء لكان كمن لم يتعمد سوءا، ولم يوقع سوءا.
وقولك عمل فلان كذا وكذا بجهالة يحتمل أمرين، فأحدهما أنّه عمله وهو جاهل بالمكروه فيه، أي لم يعرف أن فيه مكروها، والآخر أقدم عليه على بصيرة، وعلم أن عاقبته مكروهة، فآثر العاجل فجعل جاهلا، فإنه آثر القليل على الراحة الكثيرة والعافية الدائمة.
فهذا معنى: {من عمل منكم سوءا بجهالة}). [معاني القرآن: 2/252-254]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة}
السلام والسلامة بمعنى واحد، ومعنى سلام عليكم: سلمكم الله في دينكم وأنفسكم
والسلام اسم من أسماء الله جل وعز معناه ذو السلامة.
- وقرأ الحسن وعاصم وعيسى {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}: بفتحها جميعا فالأولى بدل من الرحمة والثانية مؤكدة مكررة لطول الكلام هذا مذهب سيبويه.
- وقرأ أبو عمر والكسائي والأعمش وابن كثير وشبل: بكسرهما جميعا والمعنى الأولى قال انه وكسر الثانية لأنها مبتدأة بعد الفاء
- وقرأ أهل المدينة: بفتح الأولى لأنها تبيين للرحمة وكسروا الثانية لما تقدم). [معاني القرآن: 2/430-432]

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وليستبين سبيل المجرمين...}
ترفع {السبيل} بقوله: {وليستبين} لأنّ الفعل له من أنّث السبيل
قال: {ولتستبين سبيل المجرمين} ، وقد يجعل الفعل للنبيّ صلى الله عليه وسلم فتنصب السبيل،
يراد به: ولتستبين يا محمد سبيلّ المجرمين). [معاني القرآن: 1/337]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وكذلك نفصّل الآيات} أي: نميزها ونبيّنها.
قال يزيد ابن ضبّة في البغتة:
ولكنّهم بانوا ولم أدر بغتةً = وأفظع شيءٍ حين يفجؤك البغت).
[مجاز القرآن: 1/193]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}
وقال: {ولتستبين سبيل المجرمين} لأنّ أهل الحجازّ يقولن:"هي السّبيل".
وقال بعضهم: {ولتستبين} يعني النبيّ صلى الله عليه.
وقال بعضهم: {وليستبين سبيل} في لغة بني تميم). [معاني القرآن: 1/239-240]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({نفصّل الآيات} أي: نأتي بها متفرّقة شيئا بعد شيء، ولا ننزلها جملة). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}
يقرأ بالتاء والياء، فمن قرأ بالتاء فلان السبيل الطريق، وهو يذكر ويؤنث.
ويجوز وجه ثالث: ولتستبين سبيل المجرمين -بنصب السبيل-، لأن المعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين.
فإن قال قائل أفلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم– مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنّه قال ولتستبينوا المجرمين، أي: لتزدادوا استبانة لها، ولم يحتج أن يقول ولتستبين سبيل المؤمنين مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا استبانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين.
وجائز أن يكون المعنى: ولتستبين سبيل المجرمين ولتستبين سبيل المؤمنين. إلا أن الذكر والخطاب ههنا في ذكر المجرمين فذكروا وترك ذكر سبيل المؤمنين، لأن في الكلام دليلا عليها كما قال عز وجلّ: {سرابيل تقيكم الحرّ} ولم يقل تقيكم البرد، لأن الساتر يستر من الحر والبرد، ولكن جرى ذكر الحرّ لأنهم كانوا في مكانهم أكثر معاناة له من البرد). [معاني القرآن: 2/254-255]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} المعنى على هذه القراءة ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين فإن قيل فقد كان صلى الله عليه وسلم يستبينها فالجواب عند الزجاج أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته بالمعنى ولتستبينوا سبيل المجرمين فإن قيل فلم لم تذكر سبيل المؤمنين ففي هذا جوابان:
أحدهما: أنه إذا استبينت سبيل المجرمين فقد استبينت سبيل المؤمنين
والجواب الآخر: أن يكون مثل قوله: {سرابيل تقيكم الحر} فالمعنى وتقيكم البرد ثم حذف وكذلك هذا يكون المعنى ولتستبين سبيل المؤمنين ثم حذف). [معاني القرآن: 2/432-433]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({نفَصِّلُ الآيَاتِ} أي نأتي بها متفرقة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 09:53 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 56 إلى 73]

{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قد ضللت}
تضلّ تقديرها: فررت تفرّ وضللت تضلّ، تقديرها: مللت نملّ، لغتان). [مجاز القرآن: 1/193]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل إنّي نهيت أن أعبد الّذين تدعون من دون اللّه قل لاّ أتّبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين}
وقال: {قد ضللت إذاً وقال بعضهم {ضللت} وهما لغتان:
- من قال "ضللت" قال "تضلّ" .
- ومن قال "ضللت" قال "تضلّ" ونقرأ بالمفتوحة). [معاني القرآن: 1/240]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {قل إنّي نهيت أن أعبد الّذين تدعون من دون اللّه قل لا أتّبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين}
كانوا يعبدون الأصنام، وقالوا {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى}فأعلم اللّه عز وجل أنه لا يعبد غيره.
وقوله: {قل لا أتّبع أهواءكم} أي: إنما عبدتموها على طريق الهوى لا على طريق البيّنة والبرهان.
وقوله: {قد ضللت إذا} معنى إذن معنى الشرط، المعنى: قد ضللت إن عبدتها.
وقوله: {وما أنا من المهتدين} أي: وما أنا من النبيين الذين سلكوا طريق الهدى). [معاني القرآن: 2/255]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إن الحكم إلاّ للّه يقصّ الحقّ...} كتبت بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام؛
كما كتب {سندع الزّبانية} بغير واو،
وكما كتب {فما تغن النّذر} بغير ياء على اللفظ، فهذه قراءة أصحاب عبد الله.
وذكر عن عليّ أنه قال: {يقصّ الحقّ} بالصاد...
- وحدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ عن رجلٍ عن ابن عباسٍ أنه قرأ {يقضي بالحق}
قال الفراء: وكذلك هي في قراءة عبد الله). [معاني القرآن: 1/337-338]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({على بيّنةٍ من ربّي} أي بيان،
وقال:
أبيّنةً تبغون بعد اعترافه = وقول سويدٍ قد كفيتكم بشرا

أي: بياناً). [مجاز القرآن: 1/193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل إنّي على بيّنة من ربّي وكذّبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلّا للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين}أي: على أمر بين، لا متبع هوى.
{وكذبتم به} هذه الهاء كناية عن البيان، أي: وكذبتم بالبيان، لأن البينة والبيان في معنى واحد،
ويكون
{وكذبتم به} أي: بما أتيتكم به، لأنه هو البيان.
وقوله: {ما عندي ما تستعجلون به}
والذي استعجلوا به الآيات التي اقترحوها عليه. فأعلم - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك عند الله، فقال: {إن الحكم إلّا للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين}
هذه كتبت ههنا بغير ياء على اللفظ، لأن الياء أسقطت لالتقاء السّاكنين
كما كتبوا.. {سندع الزّبانية} بغير واو.
وقرئت: {يَقُصُّ الحقّ}، وقرأ ابن عباس (يقضي بالحق)، إلا أنّ القراء لا يقرأون (يقضي بالحق) لمخالفة المصحف.
و(يقضي الحق)فيه وجهان:
1- جائز أن يكون الحق صفة للمصدر، المعنى يقضي القضاء الحق.
2- ويجوز أن يكون يقضي الحق يصنع الحق، أي كل ما صنعه عزّ وجلّ فهو حق وحكمة، إلا أن {وهو خير الفاصلين} يدل على معنى القضاء الذي هو الحكم، فأما قضى في معنى صنع فمثله قول الهذلي.
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السّوابغ تبّع

أي صنعهما داود، ومن قرأ {يقصّ الحقّ} فمعناه أن جميع ما أنبأ به وأمر به فهو من أقاصيص الحق). [معاني القرآن: 2/255-257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به} أي:
- ما تستعجلون من اقتراح الآيات.
- ويجوز أن يكون المعنى ما تستعجلون به من العذاب). [معاني القرآن: 2/433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: (إن الحكم إلا لله يقضي الحق) كذلك قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب.
واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأن بعده {وهو خير الفاصلين} والفصل لا يكون إلا في القضاء والحكم
وقرأ ابن عباس ومجاهد والأعرج {يَقُصُّ الحق}.
قال ابن عباس كما قال جل وعز: {نحن نقص عليك أحسن القصص} واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأنه في السواد بلا ياء. قال: ولو كانت يقضي لكانت بالحق وهذا الاحتجاج لا يلزم لأن مثل هذه الياء تحذف كثيرا.
وأما قوله لو كانت يقضي لكانت بالحق فلا يلزم أيضا لأن معنى يقضي يأتي ويصنع فالمعنى:
- يأتي الحق
- ويجوز أن يكون المعنى يقضي القضاء الحق). [معاني القرآن: 2/434-435]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به} من عقوبة اللّه.
{لقضي الأمر بيني وبينكم} أي: لعجّلته لكم فأنقضي ما بيننا). [تفسير غريب القرآن:154]

تفسير قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض...}، يجوز رفعها). [معاني القرآن: 1/338]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلاّ يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلاّ في كتابٍ مّبينٍ}
وقال: {وما تسقط من ورقةٍ إلاّ يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلاّ في كتابٍ مّبينٍ} جر على {من} وإن شئت رفعت على"تسقط"، وإن شئت جعلته على الابتداء وتقطعه من الأول). [معاني القرآن: 1/240]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلّا هو ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقة إلّا يعلمها ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين}
معنى مفاتح الغيب أي: عنده الوصلة إلى علم الغيب، وكل ما لا يعلم إذا استعلم يقال فيه افتح على.
قوله: {ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقة إلّا يعلمها}، المعنى: أنه يعلمها ساقطة وثابتة،
وأنت تقول: ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه، فليس معناه إلا وأنا أعرفه في حال مجيئه فقط.
ويجوز {ولا حبّة} ويجوز {ولا حبّة} فمن رفع فعلى ضربين:
1- جائز أن يكون على معنى ما تسقط ورقة ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس {إلّا في كتاب مبين} و{في كتاب مبين} هنا على معنيين يتصرف.
2- ويجوز أن يكون معنى {في كتاب مبين}أن يكون اللّه أثبت ذلك في كتاب من قبل أن يخلق كما قال: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها}، فأعلم أنه قد أثبت ما خلق من قبل خلقه). [معاني القرآن: 2/257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}
جمع مفتح: مفاتح .
وجمع مفتاح: مفاتيح، أي: الوصلة إلى علم الغيب
حدثنا محمد بن الحسن يعرف بابن بدينا قال حدثنا أبو مصعب الزهري قال حدثنا صالح بن قدامة الجمحي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((مفاتح الغيب خمسة لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله جل وعز))). [معاني القرآن: 436-2/435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} المعنى: أنه يعلمها سقطت أو لم تسقط كما تقول ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه فليس أنك لا تعرفه إلا في حال مجيئه.
ومن للتوكيد والدليل على أنها للتوكيد أن الحسن قرأ {ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} أي: إلا يعلمه علما يقينا
- ويجوز أن يكون المعنى إلا قد كتبه قبل أن يخلقه والله أعلم بما أراد.
* فإن قيل ما الفائدة على هذا الجواب في كتبه وهو يعلمه؟
- فالجواب: عن هذا أنه لتعظيم الأمر أي اعلموا أن هذا الذي ليس فيه ثواب ولا عقاب مكتوب فكيف بما فيه ثواب وعقاب). [معاني القرآن: 2/436-437]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({جرحتم بالنّهار} أي: كسبتم). [مجاز القرآن: 1/194]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({جرحتم}: كسبتم وكذلك اجترحتم، والجوارح الكواسب. مثال عبد الرجل وأمته ومن كسب عليه يقال لا ترك الله له جارحا أي لا ترك الله له عبدا ولا أمة ولا شيئا ممال يكتسبه). [غريب القرآن وتفسيره: 137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({جرحتم بالنّهار} أي: كسبتم.
{ثمّ يبعثكم فيه} أي: يبعثكم في النهار من نومكم.
{ليقضى أجلٌ مسمًّى}: الموت). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنّهار ثمّ يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمّى ثمّ إليه مرجعكم ثمّ ينبّئكم بما كنتم تعملون} أي: ينيمكم فيتوفى نفوسكم التي بها تميزون كما قال - عزّ وجلّ -:{اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها}
ومعنى: {يبعثكم فيه} أي: ينبهكم من نومكم فيه في النهار.
{ليقضى أجل مسمّى}أي: يبعثكم من نومكم إلى أن تبلغوا أجالكم). [معاني القرآن: 2/257-258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} أي: ينيمكم فيتوفى الأنفس التي تميزون بها كما قال الله عز وجل: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} ). [معاني القرآن: 2/437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ويعلم ما جرحتم بالنهار}،
قال ابن أبي نجيح: أي كسبتم ومعروف في اللغة أنه يقال جرح إذا كسب ومنه وما علمتم من الجوارح مكلبين). [معاني القرآن: 2/438]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ثم يبعثكم فيه}،
قال: ابن أبي نجيح أي في النهار). [معاني القرآن: 2/438]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل عز {ليقضى أجل مسمى} أي: لتستوفوا أجلكم). [معاني القرآن: 2/438]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ويعلم ما جرحتم بالنهار} أي: ما كسبتم). [ياقوتة الصراط: 221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} أي: كسبتم.
{ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} أي: النهار من نومكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({جَرَحْتُم}: كسبتم). [العمدة في غريب القرآن: 127]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وهم لا يفرّطون} أي: لا يتوانون ولا يتركون شيئاً، ولا يخلفونه ولا يغادرون). [مجاز القرآن: 1/194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتّى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا وهم لا يفرّطون}الحفظة الملائكة، واحدهم حافظ والجمع حفظة، مثل كاتب وكتبة، وفاعل وفعلة.
وقوله: {حتّى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا} أي: هؤلاء الحفظة لأنه قال: {ويرسل عليكم حفظة}
{وهم لا يفرّطون} أي: لا يغفلون ولا يتوانون، ومعنى التفريط في اللغة: تقدمة العجز.
فالمعنى أنهم لا يعجزون). [معاني القرآن: 2/258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا}،
قال إبراهيم النخعي: يعني أعوان ملك الموت يتوفون الأرواح ويدفعونها إلى ملك الموت أو يرفعونها كذا في الحديث). [معاني القرآن: 2/438-439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وهم لا يفرطون}،
قال أبو عبيدة: لا يتوانون.
وقال غيره معنى فرطت: قدمت العجز). [معاني القرآن: 2/439]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({وهم لا يفرطون} أي: لا يقصرون). [ياقوتة الصراط: 221]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ردّوا إلى الله مولاهم الحقّ} مجازه: مولاهم ربهم). [مجاز القرآن: 1/194]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل من ينجّيكم مّن ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعاً وخفيةً...}
يقال: خفية وخفية. وفيها لغة بالواو، - ولا تصلح في القراءة -: خفوة وخفوة؛ كما قيل: قد حلّ حبوته وحبوته وحبيته). [معاني القرآن: 1/338]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لّئن أنجانا من هذه...}
قراءة أهل الكوفة، - وكذلك هي في مصاحفهم - "أن ج ى ن ألف" وبعضهم بالألف (أنجانا) وقراءة الناس (أنجيتنا) بالتاء). [معاني القرآن: 1/338]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({تضرّعاً وخفيةً} أي: تخفون في أنفسكم). [مجاز القرآن: 1/194]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل من ينجّيكم مّن ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعاً وخفيةً لّئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}
وقال: {تدعونه تضرّعاً وخفيةً} وقال في موضع آخر {وخيفةً}
و"الخفية": الإخفاء و"الخيفة" من الخوف والرّهبة). [معاني القرآن: 1/240]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل من ينجّيكم من ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}: يجوز في القراءة ينجيكم بالتخفيف.
لقوله: {لئن أنجيتنا} و{لئن أنجانا}، والأجود {ينجّيكم} بالتشديد للكثرة.
ومعنى {ظلمات البر والبحر} شدائد البر والبحر،
والعرب تقول لليوم الذي تلقى فيه شدة يوم مظلم، حتى إنهم يقولون يوم ذو كواكب أي قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل.
قال الشاعر:
بني أسد هل تعلمون بلاءنا = إذا كان يوم ذو كواكب أشهب
وأنشدوا:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي = إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا
فمعنى: {ظلمات البرّ والبحر} شدائدهما.
وقوله: {تدعونه تضرّعا وخفية}بالضم والكسر في {خفية}: والمعنى تدعونه مظهرين الضراعة،
وهي: شدة الفقر إلى الشيء والحاجة.
وتدعونه خفية أي: تدعونه في أنفسكم تضمرون في فقركم وحاجاتكم إليه كما تضمرون.
وقوله: {لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين} أي: في أي شدة وقعتم قلتم: لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين). [معاني القرآن: 2/258-259]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} الظلمات ههنا الشدائد والعرب تقول يوم مظلم إذا كان شديدا فإذا عظمت ذلك قالت يوم ذو كواكب وأنشد سيبوبه:
بني أسد لو تعلمون بلاءنا = إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا).
[معاني القرآن: 2/439-440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {تدعونه تضرعا وخفية} أي: تظهرون التضرع وهو أشد الفقر إلى الشيء والحاجة إليه.
وخفية أي: وتبطنون مثل ذلك فأمر الله النبي صلى الله عيه وسلم أن يوبخهم إذ كانوا يدعون الله تبارك وتعالى في الشدائد ثم يدعون معه في غير الشدائد الأصنام وهي لا تضر ولا تنفع). [معاني القرآن: 2/440]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً...}
كما فعل بقوم نوح: المطر والحجارة والطوفان {أو من تحت أرجلكم}: الخسف
{أو يلبسكم شيعاً}: يخلطكم شيعا ذوي أهواء). [معاني القرآن: 1/338]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أو يلبسكم شيعاً} يخلطهم، وهو من الالتباس.
و{شيعاً}: فرقاً، واحدتها: شيعة). [مجاز القرآن: 1/194]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً مّن فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعضٍ انظر كيف نصرّف الآيات لعلّهم يفقهون}
وقال: {أو يلبسكم شيعاً} لأنها من "لبس" "يلبس" "لبساً"). [معاني القرآن: 1/241]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أو يلبسكم شيعا}: من الالتباس. والشيع الفرق).[غريب القرآن وتفسيره: 137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({عذاباً من فوقكم}: الحجارة والطوفان. {أو من تحت أرجلكم}: الخسف. {أو يلبسكم شيعاً}: من الالتباس عليكم حتى تكونوا شيعا أي: فرقا مختلفين.
{ويذيق بعضكم بأس بعضٍ}: بالقتال والحرب). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (فأمر اللّه عزّ وجلّ - أن يسألهم على جهة التوبيخ لهم والتقرير بأنه ينجيهم ثمّ هم يشركون معه الأصنام التي علموا أنها من صنعتهم، أنّها لا تنفع ولا تضر، وأنه قادر على تعذيبهم فقال: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرّف الآيات لعلّهم يفقهون} نحو الحجارة التي أمطرها على قوم لوط، ونحو الطوفان الذي غرق به قوم فرعون.
{أو من تحت أرجلكم} نحو الخسف الذي نال قارون ومن خسف به.
{أو يلبسكم شيعا}
معنى {يلبسكم}: يخلط أمركم خلط اضطراب، لا خلط اتفاق، يقال: لبست الأمر ألبسه لم أبينه، وخلطت بعضه ببعض، ويقال: لبست الثوب ألبسه.
ومعنى {شيعا} أي: يجعلكم فرقا، لا تكونون شيعة واحدة فإذا كنتم مختلفين قاتل بعضكم بعضا، وهو معنى قوله {ويذيق بعضكم بأس بعض}.
ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل اللّه جلّ وعزّ ألّا يبتلي هذه الأمة بعذاب يستأصلها به، وألّا يذيق بعضها بأس بعض، فأجابه في صرف العذاب، ولم يجبه في ألا يذيق بعضها بأس بعض وأن لا تختلف). [معاني القرآن: 2/259-260]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}،
قال عامر بن عبد الله كان ابن عباس يقول: أما العذاب من فوقكم فأئمة السوء وأما العذاب من تحت أرجلكم فخدم السوء.
وقال الضحاك: {من فوقكم} من كباركم. {أو من تحت أرجلكم}: من سفلتكم
قال أبو العباس: {من فوقكم} يعني الرجم. {أو من تحت أرجلكم} يعني الخسف). [معاني القرآن: 2/440-441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أو يلبسكم شيعا} الشيع الفرق والمعنى شيعا متفرقة مختلفة لا متفقة ولبست خلطت ويبينه قوله جل وعز: {ويذيق بعضكم بأس بعض}،
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: يعني الفتن والاختلاف). [معاني القرآن:2/441]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَلْبِسَكُمْ}: يغشيكم بالبلاء). [العمدة في غريب القرآن: 127]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {وكذّب به قومك وهو الحقّ قل لست عليكم بوكيل}أي: إنما أدعوكم إلى اللّه وإلى شريعته، ولم أومر بحربكم ولا أخذكم بالإيمان كما يؤخذ الموكل بالشيء يلزم بلوغ آخره). [معاني القرآن: 2/260]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل} هذا من قبل أن يؤمر بالحرب، أي لست أحاربكم حتى تؤمنوا، أي لست بمنزلة الموكل بكم حتى تؤمنوا). [معاني القرآن: 2/441-442]

تفسير قوله تعالى: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لكلّ نبإٍ أي خبر مستقرٌّ} أي: غاية). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {لكلّ نبإ مستقرّ وسوف تعلمون}أي: لأخذكم بالإيمان على جهة الحرب، واضطراركم إليه ومقاتلتكم عليه، مستقر، أي وقت.
{وسوف تعلمون}
- جائز أن يكون وعدهم بعذاب الآخرة.
- وجائز أن يكون وعدهم بالحرب، وأخذهم بالإيمان شاءوا أو أبوا، إلا أن يعطي أهل الكتاب الجزية). [معاني القرآن: 2/260]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون} وهذا تهديد إما بعذاب يوم القيامة وإما بالأمر بالحرب). [معاني القرآن:2/442]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ} أي: غاية). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({الذّكرى} والذّكر واحد). [مجاز القرآن: 1/194]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يخوضون في آياتنا} بالاستهزاء). [تفسير غريب القرآن: 155]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}،
روى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هم الذين يستهزئون بكتاب الله نهاه الله أن يجلس معهم إلا أن ينسى فإذا ذكر قام قال تعالى: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}.
وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هم الذين يقولون في القرآن غير الحق). [معاني القرآن: 2/442]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} بالاستهزاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]

تفسير قوله تعالى:{وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولكن ذكرى...}
في موضع نصب أو رفع؛ بفعل مضمر؛ {ولكن}نذكرهم {ذكرى} والرفع على قوله {ولكن} هو {ذكرى}). [معاني القرآن: 1/339]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلّهم يتّقون}أي: وما عليك أيها النبي وعلى المؤمنين من حسابهم أي من كفرهم ومخالفتهم أمر اللّه.
{ولكن ذكرى}أي: ولكن عليكم أن تذكروهم.
و {ذكرى}:
1- يجوز أن يكون في موضع رفع ونصب، فمن نصب فالمعنى ولكن ذكروهم ذكرى، ومن رفع فعلى وجهين، أحدهما ولكن عليكم أن تذكروهم، كما قال: {إن عليك إلاّ البلاغ}.
2- وجائز أن يكون: ولكن الذين تأمرون به ذكرى.
{لعلّهم يتّقون} أي: لترجى منهم التقوى). [معاني القرآن: 2/261]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء}،
قال مجاهد: أي لو جلسوا ولكن لا يجلسوا أي لأن الله قد نهاهم). [معاني القرآن:2/443]

تفسير قوله تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعباً ولهواً...}
يقال: ليس من قوم إلاّ ولهم عيد فهم يلهون في أعيادهم، إلا أمّة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن أعيادهم برّ وصلاة وتكبير وخير.
وقوله: {وذكّر به أن تبسل نفسٌ} أي: ترتهن .
(والعرب تقول: هذا عليك بسل أي: حرام.
ولذلك قيل: أسد باسل أي: لا يقرب)
والعرب تقول: أعط الراقي بسلته، وهو أجر الرقية). [معاني القرآن: 1/339]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أن تبسل نفسٌ} أي: ترتهن وتسلم،
قال عوف ابن الأحوص بن جعفر:
وإبسالي بنيّ بغير جرمٍ = بعوناه ولا بدمٍ مراق

بعوناه، أي: جنيناه، وكان حمل عن غنيٍّ لبنى قشيرٍ دم ابنى السّجفيّة، فقالوا: لا نرضى بك، فرهنهم بنيه، قال النابغة الجعديّ:
ونحن رهنّا بالافاقة عامراً = بما كان في الدّرداء رهناً فأبسلا

وقال الشّنفري:
هنالك لا أرجو حياةً تسرّني = سمير الليالي مبسلا بالجزائر

أي: أبد الليالي.
وكذلك في آية أخرى: {أولئك الّذين أبسلوا}.
{وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها} مجازه: إن تقسط كل قسطٍ لا يقبل منها. لأنّما التوبة في الحياة). [مجاز القرآن: 1/194-195]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرّتهم الحياة الدّنيا وذكّر به أن تبسل نفسٌ بما كسبت ليس لها من دون اللّه وليٌّ ولا شفيعٌ وإن تعدل كلّ عدلٍ لاّ يؤخذ منها أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا لهم شرابٌ مّن حميمٍ وعذابٌ أليمٌ بما كانوا يكفرون}
وقال: {أن تبسل نفسٌ بما كسبت} وهي من "أبسل" "إبسالاً".
[و] قال: {أولئك الّذين أبسلوا}). [معاني القرآن: 1/241]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أن تبسل نفس بما كسبت}: تسلم وترتهن، ومنه {أبسلوا بما كسبوا}). [غريب القرآن وتفسيره:138-137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أن تبسل نفسٌ} أي: تسلم للهلكة.
قال الشاعر:
وإبسالي بنيّ بغير جرم = بعوناه ولا بدم مراق

أي بغير جرم أجرمناه. والبعو: الجناية.
{لهم شرابٌ من حميمٍ} وهو الماء الحار. ومنه سمي الحمام). [تفسير غريب القرآن: 155]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرّتهم الحياة الدّنيا وذكّر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون اللّه وليّ ولا شفيع وإن تعدل كلّ عدل لا يؤخذ منها أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون (70)}
معنى تبسل - بعملها تكون غير قادرة على التخلص، والمستبسل المستسلم الذي يعلم أنه لا يقدر على التخلص.
قال الشاعر:
وإبسالي بنيّ بغير جرم = بعوناه ولا بدم مراق

أي: إسلامي إياهم،
وقيل {أن تبسل} ترهن، والمعنى واحد،
ويقال أسد باسل، وشجاع باسل، وتأويله أن معه من الإقدام ما يستبسل له قرنه.
ويقال هذا بسل عليك أي حرام عليك فجائز أن يكون أسد باسل من هذا، أي لا يقدر عليه، ويقال أعط الرافي بسلته، أي أجرته، وإنما تأويله أنه عمل الشيء الذي قد استبسل صاحبه معه). [معاني القرآن: 2/261]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا}،
قال قتادة: هذا منسوخ نسخه قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}). [معاني القرآن:2/443]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت}،
قال مجاهد: تسلم.
وقال الكسائي والأخفش: أي: تجزى.
وقال الفراء: أي: ترتهن.
وهذه المعاني متقاربة، وقول مجاهد حسن؛ أي تسلم بعملها، لا تقدر على التخلص؛ لأنه يقال استبسل فلان للموت أي رأى ما لا يقدر على دفعه وينشد:
وإبسالي بنيّ بغير جرم = بعوناه ولا بدم مراق

قال أبو جعفر بعوناه أي: جنيناه). [معاني القرآن: 2/443-444]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها}،
قال قتادة: العدل الفدية وقد بيناه فيما تقدم). [معاني القرآن: 2/444-445]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({أن تبسل} أي: أن تحبس في جهنم). [ياقوتة الصراط:222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ} تسلم للهلكة.
{أُبْسِلُواْ} أي: أسلموا وارتهنوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تبْسِلُ}: ترتهن). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {يدعونه إلى الهدى ائتنا...}
كان أبو بكر الصدّيق وامرأته يدعوان عبد الرحمن ابنهما إلى الإسلام فهو قوله: {إلى الهدى ائتنا} أي :أطعنا، ولو كانت "إلى الهدى أن ائتنا" لكان صوابا؛ كما قال: {إنّا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك} في كثير من أشباهه، يجيء بأن، ويطرحها). [معاني القرآن: 1/339]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ونردّ على أعقابنا} يقال: ردّ فلان على عقيبيه أي: رجع ولم يظفر بما طلب ولم يصب شيئاً). [مجاز القرآن: 1/196]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({كالّذي استهوته الشّياطين}؛ وهو: الحيران الذي يشبّه له الشياطين فيتبعها حتى يهوى في الأرض فيضلّ). [مجاز القرآن: 1/196]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل أندعوا من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض حيران له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إنّ هدى اللّه هو الهدى وأمرنا لنسلم لربّ العالمين}
وأمّا قوله: {حيران له أصحابٌ} فإنّ كلّ "فعلان" له "فعلى" فإنّه لا ينصرف في المعرفة ولا النكرة.
وأمّا قوله: {إلى الهدى ائتنا} فان الألف التي في {ائتنا} ألف وصل ولكن بعدها همزة من الأصل هي التي في "أتى" وهي الياء التي في قولك "إيتنا"، ولكنها لم تهمز حين ظهرت ألف الوصل. لأن ألف الوصل مهموزة إذا استؤنفت فكرهوا اجتماع همزتين.
وقال: {وأمرنا لنسلم لربّ العالمين} يقول: إنّما أمرنا كي نسلم لربّ العالمين، كما قال: {وأمرت أن أكون من المؤمنين} أي: إنما أمرت بذلك). [معاني القرآن: 1/241-242]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({نرد على أعقابنا}: نرجع.
{استهوته الشياطين}: استمالته). [غريب القرآن وتفسيره: 138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض} أي: هوت به وذهبت
{حيران له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا} يقولون له: ائتنا نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر وأصحابه: أبوه وأمه). [تفسير غريب القرآن: 155]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل أندعو من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إنّ هدى اللّه هو الهدى وأمرنا لنسلم لربّ العالمين}
{ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه} أي: نرجع إلى الكفر، ويقال لكل من أدبر قد رجع إلى خلف ورجع القهقرى.
وقوله: {كالذي استهوته الشياطين في الأرض} أي: كالذي زينت له الشياطين هواه.
وقوله {حيران} منصوب على الحال، أي: كالذي استهوته في حال حيرته.
وقوله:{له أصحاب يدعونه إلى الهدى} قيل في التفسير: يعنى بهذا عبد الرحمن بن أبي بكر، {ائتنا}أي تابعنا في إيماننا.
{وأمرنا لنسلم لربّ العالمين} أي: يدعونه ويقولون له {أمرنا لنسلم لربّ العالمين}
العرب تقول أمرتك بأن تفعل، وأمرتك لتفعل، وأمرتك بأن تفعل،
- فمن قال أمرتك بأن تفعل فالباء للإلصاق، المعنى وقع الأمر بهذا الفعل.
- ومن قال أمرتك أن تفعل فعلى حذف الباء.
- ومن قال أمرتك لتفعل فقد أخبر بالعلّة التي لها وقع الأمر.
المعنى أمرنا للإسلام). [معاني القرآن: 2/262]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا}،
قال مجاهد: يعني الأوثان). [معاني القرآن: 2/445]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله} أي: إلى الكفر،
قال أبو عبيدة: يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: معناه: يعقب بالشر بعد الخير وأصله من العاقبة والعقبى وهما ما كان تاليا للشيء راجيا أن يتبعه ومنه والعاقبة للمتقين ومنه عقب الرجل ومنه العقوبة لأنها تالية للذنب وعنه تكون). [معاني القرآن: 2/445]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران} معنى استهوته زينت له هواه). [معاني القرآن: 2/446]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا}). [معاني القرآن: 2/446]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): {اسْتَهْوَتْهُ} أي: هوت به وذهبت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اسْتَهْوَتْهُ}: استمالته). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى:{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأن أقيموا الصّلاة...}
مردودة على اللام التي في قوله: {وأمرنا لنسلم} والعرب تقول: أمرتك لتذهب (وأن تذهب) فأن في موضع نصب بالردّ على الأمر. ومثله في القرآن كثير). [معاني القرآن: 1/339]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأن أقيموا الصّلاة واتّقوه وهو الّذي إليه تحشرون}
ثم قال: {وأن أقيموا الصّلاة واتّقوه} أي: وأمرنا أن أقيموا الصّلاة واتّقوه. أو يكون أوصل الفعل بالّلام،
والمعنى: أمرت أن أكون. كما أوصل باللام في قوله: {لربّهم يرهبون}). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وأن أقيموا الصّلاة واتّقوه وهو الّذي إليه تحشرون}
فيه وجهان:
1- أحدهما أن تكون أمرنا لأن نسلم ولأن نقيم الصلاة
2- ويجوز أن يكون محمولا على المعنى، لأن المعنى أمرنا بالإسلام. وبإقامة الصلاة.
وموضع أن نصب، لأن الباء لما سقطت أفضى الفعل فنصب.
وفيه وجه آخر، يجوز أن يكون محمولا على قوله: {يدعونه إلى الهدى ائتنا}،

{وأن أقيموا الصلاة} أي: ويدعونه أن أقيموا الصلاة). [معاني القرآن: 2/263]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كن فيكون...}
يقال إنّ قوله: {فيكون}للصّور خاصّة، أي يقول للصّور: {كن فيكون}.
ويقال إن قوله: {كن فيكون} لقوله هو الحقّ من نعت القول، ثم تجعل فعله {يوم ينفخ في الصّور} يريد: يكون قوله الحقّ يومئذ.
وقد يكون أن تقول: {ويوم يقول كن فيكون} لكل شيء فتكون كلمة مكتفية وترفع القول بالحقّ، وتنصب (اليوم) لأنه محل لقوله الحقّ.
والعرب تقول: نفخ في الصور ونفخ.
وفي قراءة عبد الله: {كهيئة الطير فأنفخها فتكون طيرا بإذني}
وقال الشاعر:
لولا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم = ولا خراسان حتى ينفخ الصور
ويقال: إن الصّور قرن.
ويقال: هو جمع للصور ينفخ في الصور في الموتى. والله أعلم بصواب ذلك). [معاني القرآن: 1/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({يوم ينفخ في الصّور} يقال: إنها جمع صورة تنفخ فيها روحها فتحيا، بمنزلة قولهم: سور المدينة واحدتها سورة، وكذلك كل ما علا وارتفع، كقول النابغة:
ألم تر أنّ الله أعطاك سورةً = ترى كلّ ملكٍ دونها يتذبذب

وقال العجّاج:
فربّ ذي سرادقٍ محجور = سرت إليه في أعالي السّور

ومنها: سورة المجد أعاليه؛ وقال جرير:
لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت = سور المدينة والجبال الخشّع).
[مجاز القرآن: 1/196-197]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهو الّذي خلق السّماوات والأرض بالحقّ ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ وله الملك يوم ينفخ في الصّور عالم الغيب والشّهادة وهو الحكيم الخبير}
وقال: {ويوم يقول كن فيكون}
قال: {يوم} مضاف إلى قوله: {كن فيكون} وهو نصب وليس له خبر ظاهر والله اعلم. وهو على ما فسرت لك.
وكذلك {يوم ينفخ في الصّور} وقال بعضهم {يوم ينفح في الصّور} وقال بعضهم {ينفخ} {عالم الغيب والشّهادة}). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي خلق السّماوات والأرض بالحقّ ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ وله الملك يوم ينفخ في الصّور عالم الغيب والشّهادة وهو الحكيم الخبير}
{ويوم يقول كن فيكون}
نصب " يوم " على وجهين:
-أحدهما: على معنى: واتقوه ويوم يقول فيكون نسقا على الهاء، كما قال عزّ وجلّ: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا}.
- والأجود: أن يكون على معنى: واذكر يقول كن فيكون، لأن بعده.. {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر}
- وفيه وجه ثالث: وهو العطف على السّماوات والأرض.
المعنى: وهو الذي خلق السّماوات والأرض بالحق وخلق يوم يقول كن فيكون.
فإن قال قائل: إن يوم القيامة لم يأت بعد. فإن ما أنبأنا اللّه بكونه فحقيقته واقع لا محالة.
وقوله: {كن فيكون}
قال بعضهم: المخاطبة ههنا للصور المعنى ويوم يقول للصور كن فيكون، وما ذكر من الصور يدل عليه.
وقيل إن قوله (كن) فيه أسماء جميع ما يخلق في ذلك الوقت المعنى:
{ويوم يقول كن فيكون} وهذا ذكر ليدل على سرعة أمر البعث والساعة.
كأنه قال: ويوم يقول للخلق موتوا فيموتون وانتشروا فينتشرون.
كأنه يأمر الحياة فتكون فيهم، والموت فيحل أولا يفنى جميع الخلق.
وقيل {ويوم يقول كن فيكون} (قوله) أي يأمر فيقع أمره، و (الحقّ) من نعت (قوله) كما تقول: قد قلت فكان قولك، فالمعنى ليس أنك قلت فكان الكلام، إنما المعنى أنه كان ما دلّ عليه القول.
وعلى القول الأول قد رفع (قوله) بالابتداء و (الحقّ) خبر الابتداء.
وقوله: {يوم ينفخ في الصّور}.
يجوز أن يكون نصب (يوم) على {وله الملك يوم ينفخ في الصّور} مبينا عن قوله: {ويوم يقول كن فيكون}.
ويجوز أن يكون منصوبا بقوله (الحق).
المعنى و {قوله الحق يوم ينفخ في الصور} .
* فإن قال قائل: للّه الملك في كل وقت فلم خصّ يوم القيامة، ويوم ينفخ في الصور؟
- فالجواب: في هذا أنه في اليوم الذي لا يظهر فيه من أحد نفع لأحد ولا ضر، كما قال: {والأمر يومئذ للّه} والأمر في كل وقت للّه جلّ وعزّ.
وقالوا في الصور قولين:
1- قيل: في التفسير إن الصور اسم لقرن ينفخ فيه.
2- وقيل: الصور جمع صورة، وكلاهما جائز، وأثبتها في الحديث.
والرواية أن الصور قرن، والصور جمع صورة: أهل اللغة على هذا). [معاني القرآن: 2/263-264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون} والمعنى: اتقوا يوم يقول كن فيكون، ويجوز أن يكون معطوفا على قوله تعالى: {وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق}.
* فإن قيل ما معنى وخلق يوم يقول كن فيكون؟
- فالجواب:
- أن ما أخبر الله جل وعز أنه كائن فهو بمنزلة ما قد كان
- ويجوز أن يكون المعنى واذكروا وهذا أحسن الأجوبة لأن بعده {وإذ قال إبراهيم}.
وقيل المعنى: {ويوم يقول كن فيكون} للصور.
وقيل المعنى: فيكون ما أراد من موت الخلائق وبعثهم والتمام على هذين الجوابين عند قوله: {فيكون}.
وقيل المعنى: فيكون قوله أي فيكون يأمر به ويكون التمام على هذا فيكون قوله الحق.
قال أبو عبيدة: الصور جمع صورة وهذا القول مما رد عليه لأن عبد الله بن مسعود قال: الصور قرن.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لم يزل صاحب الصور ملتقمه منذ خلقه الله ينتظر متى يؤمر بالنفخ فيه))
وقال عمرو بن عبيد: قرأ عياض {يوم ينفخ في الصور} وهذا يعني به الخلق. والله أعلم). [معاني القرآن: 2/446-448]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 10:15 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 95 إلى 110]

{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ ذلكم اللّه فأنّى تؤفكون}
أي يشق الحبة اليابسة الميتة والنواة اليابسة فيخرج منها ورقا أخضر.
وهو معنى، {يخرج الحيّ من الميّت} أي يخرج النبات الغض الطريّ الخضر من الحب اليابس.
{ومخرج الميّت من الحيّ} ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي.
احتج اللّه جل ثناؤه عليهم بما يشاهدون من خلقه لأنّهم أنكروا البعث فأعلمهم أنه الذي خلق هذه الأشياء وأنه قادر على بعثهم.
وقوله: {فأنّى تؤفكون} أي فمن أين تصرفون عن الحق). [معاني القرآن:2/273]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله فالق الحب والنوى} قال مجاهد يعني الشق فيها وقال الضحاك فالق خالق). [معاني القرآن:2/460]

تفسير قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فالق الإصباح...}
والإصباح مصدر أصبحنا إصباحا، والأصباح صبح كل يوم بمجموع.
وقوله: {وجعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر حسباناً} الليل في موضع نصب في المعنى. فردّ الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما بقوله: (سكنا) فإذا لم تفرق بينهما بشيء آثروا الخفض. وقد يجوز أن ينصب وإن لم يحل بينهما بشيء؛ أنشد بعضهم:
وبينا نحن ننظره أتانا = معلّق شكوةٍ وزناد راع

وتقول: أنت آخذٌ حقّك وحقّ غيرك فتضيف في الثاني وقد نوّنت في الأوّل؛ لأن المعنى في قولك: أنت ضارب زيدا وضارب زيدٍ سواء. وأحسن ذلك أن تحول بينهما بشيء؛ كما قال امرؤ القيس:
فظلّ طهاة اللحم من بين منضج = صفيف شواءٍ أو قديرٍ معجّل

فنصب الصفيف وخفض القدير على ما قلت لك). [معاني القرآن:1/346]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وجاعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر} منصوبتين، لأنه فرق بينهما وبين الليل المضاف إلى جاعل قوله: (سكناً)، فأعملوا فيهما الفعل الذي عمل في قوله: سكناً، فنصبوهما كما أخرجوهما من الإضافة، كما قال الفرزدق:
قعوداً لدى الأبواب طالب حاجةٍ = عوانٍ من الحاجات أو حاجةٍ بكرا

{والشّمس والقمر حسباناً}، وهو جميع حساب، فخرج مخرج شهاب، والجميع شهبان). [مجاز القرآن:1/201]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فالق الإصباح وجعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم}
وقال: {فالق الإصباح} جعله مصدرا من "أصبح". وبعضهم يقول (فالق الأصباح) جماع "الصّبح".
وقال: {والشّمس والقمر حسباناً} أي: بحسابٍ. فحذف الباء كما حذفها من قوله: {أعلم من يضلّ عن سبيله} أي: أعلم بمن يضلّ. و"الحسبان" جماعة "الحساب" مثل "شهاب" و"شهبان"، ومثله "الشمس والقمر بحسبان" أي: بحساب). [معاني القرآن:1/245]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({حسبانا}: جماعة حساب).[غريب القرآن وتفسيره:139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(الحسبان) الحساب. يقال: خذ كل شيء بحسبانه [أي بحسابه]). [تفسير غريب القرآن:157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنا والشّمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم}
معنى الإصباح والصبح واحد، جائز أن يكون خالق الإصباح وجائز أن يكون معناه شاق الصبح، وهو راجع إلى معنى خالق الصبع.
وقوله: {والشّمس والقمر حسبانا}.
النصب في (الشمس والقمر) هي القراءة. والجر جائز على معنى وجاعل (الشمس والقمر حسبانا)، لأن في جاعل معنى جعل.
وبه نصبت {سكنا} ولا يجوز جاعل الليل سكنا، لأن أسماء الفاعلين إذا كان الفعل قد رفع أضيفت إلى ما بعدها لا غير تقول هذا ضارب زيد أمس.
فإجماع النحويين أنه لا يجوز في زيد النصب، وعلى ذلك أكثر الكوفيين، وبعض الكوفيين يجيز النصب. فإذا قلت هذا معطي زيد درهما فنصب الدرهم محمول على أعطى). [معاني القرآن: 2/273-274]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فالق الإصباح} ويقرأ {الإصباح} وقرأ به الحسن وعيسى وهو جمع صبح والإصباح كما تقول الإمساء وقرأ النخعي (فلق الإصباح) ). [معاني القرآن:2/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا}
والحسبان والحساب واحد أي ذوي حساب يعني دورانهما.
وقال ابن عباس في قوله جل وعز: {الشمس والقمر بحسبان} أي بحساب). [معاني القرآن:2/460-461]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((الحسبان) والحساب واحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن:78]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({حُسْبَانًا}: ما بينكم). [العمدة في غريب القرآن:129]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}:

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وهو الّذي أنشأكم مّن نّفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ...}
يعني في الرحم {ومستودعٌ} في صلب الرجل. ويقرأ {فمستقرّ} يعني الولد في الرحم {ومستودع} في صلب الرجل. ورفعها على إضمار الصفة؛ كقولك: رأيت الرجلين عاقل وأحمق، يريد منهما كذا وكذا). [معاني القرآن:1/347]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فمستقرٌّ ومستودعٌ} مستقرٌّ في صلب الأب، ومستودع في رحم الأم). [مجاز القرآن:1/201]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهو الّذي أنشأكم مّن نّفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون}
وقال: {أنشأكم مّن نّفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ} فنراه يعنى: فمنها مستقرٌّ ومنها مستودعٌ والله أعلم. وتقرأ {مستقرّ}). [معاني القرآن:1/246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فمستقر}: في الصلب.
{ومستودع}: في الرحم). [غريب القرآن وتفسيره:140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمستقرٌّ} في الصلب. {ومستودعٌ} في الرحم). [تفسير غريب القرآن:157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وهو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ ومستودع قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون}
الأكثر في القراءة {مستقرّ} بفتح القاف، وقد قرئت بكسرها. و{مستودع} بالفتح لا غير.
- وأما رفع (مستقر ومستودع) فعلى معنى: لكم مستقرّ ولكم مستودع.
- ومن قرأ بالكسر (فمستقر ومستودع) فعلى معنى: فمنكم مستقر ومنكم مستودع.
وتأويل مستقر أي مستقر في الرحم ومستودع أي منكم مستودع في أصلاب الرجال، وعلى هذا أيضا فمستقر بفتح القاف، ومستودع.
أي فلهم مستقر ولكم في الأصلاب مستودع وجائز أن يكون فمستقر -بالكسر- ومستودع أي: فمنكم مستقر في الأحياء ومنكم مستودع أي مستقر في الدنيا موجود، ومستودع في الأصلاب لم يخلق بعد.
- وجائز أن يكون (فمستقرّ) بالكسر، (ومستودع): فمنكم مستقر في الأحياء ومنكم مستودع في الثرى.
وهذه الأقوال كلها قد قيلت واللّه أعلم بحقيقة ذلك). [معاني القرآن: 2/274-275]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع} قال عطاء ومجاهد وقتادة والضحاك وألفاظهم متقاربة: فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب.
وقرأ جماعة بالفتح.

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "المستقر": الرحم، و"المستودع": الأرض التي تموت بها. والفتح على معنى: ولكم في الأرحام مستقر وفي الأصلاب مستودع. والكسر بمعنى: فمنكم مستقر.
وقال سعيد بن جبير: قال ابن عباس: هل تزوجت؟ فقلت: لا. فقال: إن الله جل وعز يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه.
وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما (فمستقر) بالكسر {ومستودع}.

وقال إبراهيم النخعي: المعنى: فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب.
وقال الحسن: فمستقر في القبر ومستودع في الدنيا يوشك أن يلحق بصاحبه.
- حدثني محمد بن إدريس قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا أبو داود عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز: {فمستقر ومستودع} قال: المستقر ما كان في الرحم والمستودع الصلب). [معاني القرآن: 2/461-463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون}
قال قتادة: (فصلنا) بمعنى بينا). [معاني القرآن:2/463]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَمُسْتَقَرٌّ} أي في الصلب، {وَمُسْتَوْدَعٌ} أي في الرحم).[تفسير المشكل من غريب القرآن:78]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَمُسْتَقَرٌّ}: في الأصلاب
{وَمُسْتَوْدَعٌ}: في الأرحام). [العمدة في غريب القرآن:129]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ...}
يقول: رزق كل شيء، يريد ما ينبت ويصلح غذاء لكل شيء. وكذا جاء التفسير، وهو وجه الكلام.

وقد يجوز في العربية أن تضيف النبات إلى كل شيء وأنت تريد بكل شيء النبات أيضا، فيكون مثل قوله: {إنّ هذا لهو حقّ اليقين} واليقين هو الحقّ.
وقوله: {من النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ} الوجه الرفع في القنوان؛ لأن المعنى: ومن النخل قنوانه دانية. ولو نصب: وأخرج من النخل من طلعها قنوانا دانية لجاز في الكلام، ولا يقرأ بها لمكان الكتاب.
وقوله: {وجنّاتٍ مّن أعنابٍ} نصب، إلا أن جمع المؤنث بالتاء يخفض في موضع النصب، ولو رفعت الجنات تتبع القنوان كان صوابا.
وقوله: {وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجنّاتٌ} الوجه فيه الرفع، تجعلها تابعة للقطع. ولو نصبتها وجعلتها تابعة للرواسي والأنهار كان صوابا.
وقوله: {والزّيتون والرّمّان} يريد شجرة الزيتون وشجر الرمان، كما قال: {واسأل القرية} يريد أهل القرية.
وقوله: {انظروا إلي ثمره إذا أثمر} يقول: انظروا إليه أول ما يعقد.

{وينعه}: بلوغه وقد قرئت (وينعه، ويانعه). فأما قوله: {وينعه} فمثل نضجه، ويانعه مثل ناضجه وبالغه). [معاني القرآن: 1/347-348]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قنوانٌ}: القنو هو العذق، والاثنان: قنوان، النون مكسورة، والجميع قنوانٌ على تقدير لفظ الاثنين، غير أن نون الاثنين مجرورة في موضع الرفع والنصب والجر، ونون الجميع يدخله الرفع والجر والنصب، ولم نجد مثله غير قولهم صنوٌ، وصنوان، والجميع صنوانٌ.
{وينعه إنّ في ذلكم}، ينعه: مصدر من ينع إذا أينع؛ أي: من مدركه، واحده يانع والجميع ينع، بمنزلة تاجر والجميع تجر، وصاحب والجميع صحب، ويقال: قد ينع الثمر فهو يينع ينوعاً، فمنه اليانع؛ ويقال: قد ينعت الثمرة وأينعت لغتان، فالآية فيها اللغتان جميعاً، قال:
في قبابٍ حول دسكرة = حولها الزيتون قد ينعا).
[مجاز القرآن:1/202]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهو الّذي أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ فأخرجنا منه خضراً نّخرج منه حبّاً مّتراكباً ومن النّخل من طلعها قنوان دانيةٌ وجنّاتٍ مّن أعنابٍ والزّيتون والرّمّان مشتبهاً وغير متشابهٍ انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إنّ في ذلكم لآياتٍ لّقومٍ يؤمنون}
وقال: {فأخرجنا منه خضراً} يريد "الأخضر" كقول العرب: "أرنيها نمرةً أركها مطرةً".
وقال: {ومن النّخل من طلعها قنوان دانيةٌ} ثم قال: {وجنّاتٍ مّن أعنابٍ} أي: "وأخرجنا به جنّاتٍ من أعنابٍ".
ثم قال: {والزّيتون} وواحد: "القنوان": قنوٌ، وكذلك "الصّنوان" واحدها: صنوٌ). [معاني القرآن:1/246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({خضرا}: أخضر وفي الحديث " تجنبوا من خضراتكم ذوات الريح" يعني البصل والثوم.
{قنوان}: أعذاق الواحد قنو.
{وينعه}: إدراكه، يقال "أينعت الثمرة" إذا أدركت وينعت). [غريب القرآن وتفسيره:140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ((القنوان) عذوق النّخل. واحدها قنو. جمع على لفظ تثنيته، غير أن الحركات تلزم نونه في الجمع، وهي في الاثنين مكسورة، مثل:
صنو وصنوان في التّثنية. وصنوان في الجمع.
{انظروا إلى ثمره إذا أثمر} وهو غضّ.
{و ينعه} أي إدراكه ونضجه. يقال: ينعت الثّمرة وأينعت: إذا أدركت. وهو الينع والينع والينوع). [تفسير غريب القرآن:157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وهو الّذي أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به نبات كلّ شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبّا متراكبا ومن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنّات من أعناب والزّيتون والرّمّان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون}
قال أهل اللغة: أصل كلمة ماء ماه إلا أن الهمزة أبدلت من الهاء لخفاء الهاء، والدليل على ذلك قولهم أمواه في جمعه، ومياه، ويصغر مويه.
قال الشاعر:
سقى الله أمواها عرفت مكانها = جرابا وملكوما وبذّر والغمرا

وقوله: {فأخرجنا منه خضرا}
معنى خضر كمعنى أخضر، يقال اخضر فهو أخضر وخضر، مثل أعوز فهو أعور وعور.
وقوله: {ومن النّخل من طلعها قنوان دانية}
{قنوان} جمع قنو مثل صنو وصنوان، وإذا ثنيت القنو فهما قنوان يا هذا بكسر النون، والقنو العذق بكسر العين وهي الكباسة، والعذق النخلة.
و(دانية) أي قريبة المتناول، ولم يقل ومنها قنوان بعيدة.
لأن في الكلام دليلا أن البعيدة السحيقة من النخل قد كانت غير سحيقة، واجتزئ بذكر القريبة عن ذكر البعيدة، كما قال عزّ وجلّ:
{سرابيل تقيكم الحرّ} ولم يقل وسرابيل تقيكم البرد.
لأن في الكلام دليلا على أنها تقي البرد لأن ما يستر من الحر يستر من البرد.
وقوله: {وجنّات من أعناب}
عطف على قوله {خضرا} أي فأخرجنا من الماء خضرا وجناب من أعناب والجنة البستان، وإنما سمي البستان جنة، وكل نبت متكاثف يستر بعضه بعضا فهو جنة، وهو مشتق من جننت الشيء إذا سترته.
ومن هذا قيل للترس مجن لأنه يستر.
وقوله: {والزّيتون والرّمّان مشتبها وغير متشابه}.
أي في الطعم وفيه ما يشبه طعم بعضه طعم بعض.
وقرن الزيتون بالرمان لأنهما شجرتان تعرف العرب أن ورقهما يشتمل على الغصن من أوله إلى آخره.
قال الشاعر:
بورك الميت الغريب كما = بورك نضر الرمّان والزيتون

ومعناه أن البركة في ورقه واشتماله على عوده كله.
وقوله: {انظروا إلى ثمره}
يقال ثمرة وثمر وثمار، وثمر جمع ثمار، فمن قرأ إلى ثمره بالضم أراد جمع الجمع، وإن شئت قلت إلى ثمره فخففت لثقل الضمة.
{وينعه}، الينع: النضج، يقال ينع الشجر وأينع إذا أدرك.
قال الشاعر:
في قباب حول دسكرة = حولها الزيتون قد ينعا
قال أبو عبيدة البيت ليزيد بن معاوية أو للأحوص.
احتج اللّه عليهم بتصريف ما خلق ونقله من حال إلى حال، بما يعلمون أنه لا يقدر عليه المخلوقون، وأنه كذلك يبعثهم لأنهم كانوا ينكرون البعث فقال لهم: {إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون}.
فأعلمهم أن فيما قص دليلا لمن صدّق). [معاني القرآن: 2/275-277]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا} خضرا بمعنى أخضر). [معاني القرآن:2/463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {ومن النخل من طلعها قنوان دانية}

قال قتادة: (القنوان): العذوق، وكذلك هو عند أكثر أهل اللغة يقال: عذق، وقنو بمعنى واحد؛ فأما العذق: فالنخلة، وقيل القنوان: الجمار.
وقال البراء بن عازب: دانية قريبة والمعنى ومنها قنوان بعيدة كما قال تعالى: {سرابيل تقيكم الحر}). [معاني القرآن:2/463-464]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه} أي مشتبها في المنظر وغير متشابه في الطعم). [معاني القرآن:2/464]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه} أي ونضجه يقال ينع وينع وأينع وينع إذا نضج وأدرك
وقال الحجاج في خطبته: أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها). [معاني القرآن: 2/464-465]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((القنوان) عذوق النخل، واحدها قنو، جمع على لفظ تثنينه، ومثله صنوان.
{ويَنْعِهِ} إدراكه. يقال: ينعت وأينعت، وهو الينع والينع). [تفسير المشكل من غريب القرآن:78]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قنوان}: أعذاق
{وَيَنْعِهِ}: إدراكه). [العمدة في غريب القرآن:129]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ}
إن شئت جعلت الْجِنَّ تفسيرا للشركاء. وإن شئت جعلت نصبه على : جعلوا الجنّ شركاء للّه تبارك وتعالى.
وقوله : {وَخَرَقُوا}: واخترقوا وخلقوا واختلقوا، يريد: افتروا). [معاني القرآن:1/348]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وخرقوا له بنين وبناتٍ}

افتعلوا لله بنين وبنات وجعلوها له واختلقوه من كفرهم كذباً). [مجاز القرآن:1/203]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وجعلوا للّه شركاء الجنّ وخلقهم وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ سبحانه وتعالى عمّا يصفون}
وقال: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ} على البدل كما قال: {إلى صراطٍ مّستقيمٍ * صراط اللّه}. وقال الشاعر:
ذريني إنّ أمرك لن يطاعا = وما ألفيتني حلمي مضاعا

وقال:
إنّي وجدتك يا جرثوم من نفرٍ = جرثومة اللّؤم لا جرثومة الكرم


إنّا وجدنا بني جلان كلّهم = كساعد الضّبّ لا طولٌ ولا عظم
وقال:
ما للجمال مشيها وئيدا = أجندلاً لا يحملن أم حديدا

ويقال: ما للجمال مشيها وئيدا. كما قيل:
فكيف ترى عطيّة حين تلقى = عظاماً هامهنّ قرآسيات).
[معاني القرآن: 1/246-247]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وخرقوا له بنين وبنات}: اخترقوا واختلقوا سواء أي فعلوا كذبا). [غريب القرآن وتفسيره:141]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وجعلوا للّه شركاء الجنّ}: يعني الزّنادقة، جعلوا إبليس يخلق الشرّ، واللّه يخلق الخير.
{وخرقوا له بنين وبناتٍ} أي اختلقوا وخلقوا ذلك بمعنى واحد، كذبا وإفكا). [تفسير غريب القرآن:157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عمّا يصفون}
المعنى أنهم أطاعوا الجن فيما سولت لهم من شركهم.
فجعلوهم شركاء للّه عزّ وجلّ وكان بعضهم ينسب إلى الجن الأفعال التي لا تكون إلا لله عزّ وجلّ فقال: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ وخلقهم}.
فالهاء والميم إن شئت كانت عائدة عليهم، أي فجعلوا للّه الذي خلقهم شركاء لا يخلقون. وجائز إن تكون الهاء والميم تعودان على الجن، فيكون المعنى: وجعلوا للّه شركاء الجن واللّه خلق الجن.
وكيف يكون الشريك لله المحدث الذي لم يكن ثمّ كان.
فأما نصب الجن فمن وجهين أحدهما أن يكون الجن مفعولا فيكون المعنى وجعلوا للّه الجن شركاء، ويكون الشركاء مفعولا ثانيا كما قال:
{وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثا}
وجائز أن يكون الجن بدلا من {شركاء} ومفسرا للشركاء.
وقوله: {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم}
معنى خرقوا اختلقوا وكذبوا، وذلك لأنهم زعموا أن الملائكة بنات الله، وزعمت النصارى أن المسيح ابن اللّه، وذكرت اليهود أن عزير ابن اللّه، فأعلم جل ثناؤه أنهم اختلقوا ذلك بغير علم، أي لم يذكروه عن علم، وإنما ذكروه تكذبا.
وقوله: {سبحانه وتعالى} أي: براءته من السوء، ومعنى سبحانه التبرئة عن كل سوء، لا اختلاف بين أهل اللغة في معنى التسبيح أن التبرئة للّه جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 2/277-278]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وجعلوا لله شركاء الجن} قيل معناه إنهم أطاعوهم كطاعة الله وقيل معناه نسبوا إليهم الأفاعيل التي لا تكون إلا لله جل وعز أي فكيف يكون الشريك لله المحدث الذي لم يكن ثم كان). [معاني القرآن:2/465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وخلقهم} يجوز أن يكون المعنى وخلق الشركاء ويجوز أن يكون المعنى وخلق الذين جعلوا وقرأ يحيى بن يعمر (وخلقهم) بإسكان اللام قال ومعناه وجعلوا خلقهم لله شركاء
وسئل الحسن عن معنى {وخرقوا له بنين وبنات} بالتشديد فقال إنما هو وخرقوا بالتخفيف كلمة عربية كان الرجل إذا كذب في النادي قيل خرقها ورب الكعبة وقال أهل اللغة معنى خرقوا اختلفوا وافتعلوا خرقوا على التكثير). [معاني القرآن: 2/465-466]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ((وخرقوا) أي: كذبوا.

وليقولوا دارست: أي: ذاكرت وقارأت). [ياقوتة الصراط:223]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ} يعني من زعم من الزنادقة أن إبليس يخلق الشر، والله يخلق الخير.
{وَخَرَقُواْ} أي اختلقوا).[تفسير المشكل من غريب القرآن:78]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وخَرَقُواْ}: كذبوا). [العمدة في غريب القرآن:129]

تفسير قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({بديع السّموات والأرض} أي مبتدع). [مجاز القرآن:1/203]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أنّى: يكون بمعنيين. يكون بمعنى: كيف، نحو قول الله تعالى: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ} أي كيف يحييها؟ وقوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي كيف شئتم.
وتكون بمعنى: من أين، نحو قوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، وقوله: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ}، والمعنيان متقاربان، يجوز أن يتأول في كل واحد منهما الآخر.
وقال الكميت:
أَنَّى ومِن أَين آبَكَ الطَّرَبُ = مِن حيث لا صبوةٌ ولا رِيَبُ

فجاء بالمعنيين جميعا). [تأويل مشكل القرآن:525](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {بديع السّماوات والأرض أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كلّ شيء وهو بكلّ شيء عليم} أي هو خالق السّماوات والأرض.
{أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة}.
أي من أين يكون له ولد، والولد لا يكون إلا من صاحبة.
{وخلق كلّ شيء} فاحتج جلّ وعزّ في نفي الولد بأنه خالق كل شيء، فليس كمثله شيء.
وكيف يكون الولد لمن لا مثل له، فإذا نسب إليه الولد فقد جعل له مثل). [معاني القرآن:2/278]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} أي من أين يكون له ولد والولد لا يكون له إلا من صاحبة وخلق كل شيء أي فليس شيء مثله فكيف يكون له ولد). [معاني القرآن:2/466]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله : {ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}
يرفع خالِقُ على الابتداء، وعلى أن يكون خبرا.

ولو نصبته إذ لم يكن فيه الألف واللام على القطع كان صوابا، وهو مثل قوله: {غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ}.
وكذلك: {فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لو نصبته إذا كان قبله معرفة تامّة جاز ذلك لأنك قد تقول: الفاطر السموات، الخالق كل شيء، القابل التوب، الشديد العقاب.

وقد يجوز أن تقول: مررت بعبد اللّه محدّث زيد، تجعله معرفة وإن حسنت فيه الألف واللام إذا كان قد عرف بذلك، فيكون مثل قولك: مررت بوحشيّ قاتل حمزة، وبابن ملجم قاتل علىّ، عرف به حتى صار كالاسم له). [معاني القرآن: 1/348-349]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({على كلّ شيء وكيلٌ} أي حفيظ ومحيط). [مجاز القرآن: 1/203]

تفسير قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير}
أعلم عزّ وجلّ أنّه يدرك الأبصار، وفي هذا الإعلام دليل أن خلقه لا يدركون الأبصار، أي لا يعرفون كيف حقيقة البصر، وما الشيء الذي صار به الإنسان يبصر بعينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه، فأعلم أن خلقا من خلقه لا يدرك المخلوقون كنهه، ولا يحيطون بعلمه، فكيف به عزّ وجلّ؟! فالأبصار لا تحيط به {وهو اللّطيف الخبير}.
فأما ما جاء من الأخبار في الرؤية وصح عن رسول اللّه فغير مدفوع.
وليس في هذه الآية دليل على دفعه، لأن معنى هذه الآية معنى إدراك الشيء والإحاطة بحقيقته.
وهذا مذهب أهل السنة والعلم والحديث). [معاني القرآن: 2/278-279]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {لا تدركه الإبصار}
قيل: معناه في الدنيا، وقال الزجاج: أي لا يبلغ كنه حقيقته، كما تقول أدركت كذا وكذا؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث في الرؤية يوم القيامة). [معاني القرآن: 2/466-467]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قد جاءكم بصائر من ربّكم} واحدتها بصيرة، ومجازها: حجح بّينة واضحة ظاهرة). [مجاز القرآن: 1/203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قد جاءكم بصائر من ربّكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ}
أي قد جاءكم القرآن الذي فيه البيان والبصائر.
{فمن أبصر فلنفسه} المعنى: فلنفسه نفع ذلك.
{ومن عمي فعليها} أي فعلى نفسه ضرر ذلك، لأن اللّه جل ثناؤه غني عن خلقه.
وقوله: {وما أنا عليكم بحفيظ} أي لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ والوكيل، وهذا قبل الأمر بالقتال، فلما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقتال صار حفيظا عليهم ومسيطرا على كل من تولّى). [معاني القرآن: 2/279]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه} المعنى فلنفسه نفع ذلك ومن عمي فعليها أي فعليها ضرر ذلك). [معاني القرآن: 2/467]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ}
يقولون: تعلمت من يهود. وفى قراءة عبد اللّه وليقولوا درس يعنون محمدا صلى اللّه عليه وسلم. وهو كما تقول فى الكلام: قالوا لي: أساء ، وقالوا لي: أسأت. ومثله : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سيغلبون وسَتُغْلَبُونَ}.
وقرأ بعضهم (دارست) يريد : جادلت اليهود وجادلوك. وكذلك قال ابن عباس. وقرأها مجاهد (دارَسْت) وفسّرها : قرأت على اليهود وقرءوا عليك.
وقد قرئت (دُرِسَتَ) أي قرئت وتليت.
وقرءوا (دَرُسَتْ) وقرءوا (دَرَسَتْ) يريد : تقادمت ، أي هذا الذي يتلوه علينا شىء قد تطاول ومرّ بنا). [معاني القرآن: 1/349]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ((دارست): من المدارسة، و(درست) أي: امتحنت). [مجاز القرآن: 1/203]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وكذلك نصرّف الآيات وليقولوا درست ولنبيّنه لقومٍ يعلمون}
وقوله: {وليقولوا درست} أي: دارست أهل الكتاب {وكذلك نصرّف الآيات} يعني: هكذا. وقال بعضهم {دَرَسْتَ} وبها نقرأ لأنها أوفق للكتاب. وقال بعضهم (دَرَسَتْ)). [معاني القرآن: 1/247]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وليقولوا درست} أي قرأت الكتب.
و«دارست»: أي دارست أهل الكتاب. و«درست»: انمحت). [تفسير غريب القرآن: 157-158]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وكذلك نصرّف الآيات وليقولوا درست ولنبيّنه لقوم يعلمون}
أي ومثل ما بيّنّا نبيّن الآيات.
وموضع الكاف نصب. التي في أول كذلك.
المعن:ى ونصرف الآيات في مثل ما صرفناهما فيما تلي عليك.
وقوله: (وليقولوا درست) فيها خمسة أوجه:

- فالقراءة (درست) بفتح الدال وفتح التاء، ومعناه: وليقولوا قرأت كتب أهل الكتاب.
- وتقرأ أيضا (دارست) أي: ذاكرت أهل الكتاب.
- وقال بعضهم: (وليقولوا درست) أي هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة قد درست، أي قد مضت وامّحت.
- وذكر الأخفش (درست) بضم الراء ومعناها (درست) إلا أن (درست) بضم الراء أشد مبالغة، وحكى (درست) بكسر الراء أي قرئت.
وقوله: {ولنبيّنه لقوم يعلمون}
* إن قال قائل: إنما صرفت الآيات ليقولوا درست؟
فالجواب في هذا أن: السبب الذي أدّاهم إلى أن يقولوا (درست) هو تلاوة الآيات.
وهذه اللام يسميها أهل اللغة لام الصيرورة، وهذا كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا} فهم لم يلتقطوه يطلبون بأخذه أن يعاديهم ولكن كانت عاقبة أمره أن صار لهم عدوا وحزنا.
وكما تقول: كتب فلان هذا الكتاب لحتفه، فهو لم يقصد بالكتاب أن يهلك نفسه، ولكن العاقبة كانت الهلاك). [معاني القرآن: 2/279-280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست} هذه قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة وابن الزبير، ومعناها: تلوت.

- وقرأت وقرأ علي بن أبي طالب (دارست) وهو الصحيح من قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأبي عمرو وأهل مكة. قال ابن عباس: معنى (دارست): تاليت. قال سعيد بن جبير: أي دارست أهل الكتاب.
وقرأ قتادة(درست) أي قرئت. وقرأ الحسن (درست) أي امحت وقدمت.
وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه قرأ (دارست)، وكان أبو حاتم يذهب إلى أن هذه القراءة لا تجوز، قال: لأن الآيات لا تدارس.
وقال غيره: القراءة بهذا تجوز وليس المعنى على ما ذهب إليه أبو حاتم ولكن معناه دارست أمتك أي دارستك أمتك فإن كان لم يتقدم لها ذكر فإنه يكون مثل قوله تعالى: {حتى توارت بالحجاب} وحكى الأخفش وليقولوا درست وهو بمعنى درست إلا أنه أبلغ وحكى أبو العباس أنه يقرأ وليقولوا درست بإسكان اللام على الأمر وفيه معنى التهديد أي فليقولوا ما شاءوا فإن الحق بين كما قال جل وعز: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا} فأما من كسر اللام فإنها عنده لام كي قال أبو أسحاق وأهل اللغة يسمونها لام الصيرورة أي صار إلى هذا كما قال جل وعز: {ربنا ليضلوا عن سبيلك} وكما تقول كتب فلان هذا الكتاب لحتفه أي فصار أمره إلى ذلك وهذه القراءات كلها يرجع اشتقاقها إلى شيء واحد إلى التليين والتذليل ودرست قرأت وذللت ودرست الدار ذلت وأمحقت ودرس الحنطة أي داسها). [معاني القرآن: 2/467-470]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (و(درست) أي: قرأت أنت وحدك حتى حفظت). [ياقوتة الصراط: 223]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} الكتب، ودارسته أهل الكتاب. ودرست: امحت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 78]

تفسير قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولو شاء اللّه ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل}
أي لو شاء اللّه لجعلهم مؤمنين، وقيل لو شاء اللّه لأنزل عليهم آية تضطرهم إلى الإيمان، وقال بعضهم (لو شاء اللّه ما أشركوا).
أي لو شاء لاستأصلهم فقطع سبب شركهم). [معاني القرآن: 2/280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولو شاء الله ما أشركوا} قيل معناه لو شاء الله لاستأصلهم والله أعلم بما أراد). [معاني القرآن: 2/470]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل} وهذا قبل أن يؤمر بالقتال). [معاني القرآن: 2/471]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فيسبّوا الله عدواً بغير علمٍ} عدواً أي اعتداءً). [مجاز القرآن: 1/203]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدواً بغير علمٍ كذلك زيّنّا لكلّ أمّةٍ عملهم ثمّ إلى ربّهم مّرجعهم فينبّئهم بما كانوا يعملون}
وقال: {فيسبّوا اللّه عدوّاً بغير علمٍ} ثقيلة مشددة و{عدواً} خفيفة، والأصل من "العدوان". وقال بعضهم {عدوّاً} بغير علم. أي: سبّوه في هذه الحال. ولكن "العدوّ" جماعة كما قال: {فإنّهم عدوٌّ لي} وكما قال: {لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} ونقرأ {عدواً} لأنها أكثر في القراءة وأجود في المعنى لأنك تقول: عدواً علينا" مثل "ضربه ضرباً"). [معاني القرآن: 1/247]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({فيسبوا الله عدوا}: اعتداء). [غريب القرآن وتفسيره: 141]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوا بغير علم كذلك زيّنّا لكلّ أمّة عملهم ثمّ إلى ربّهم مرجعهم فينبّئهم بما كانوا يعملون}
نهوا في ذلك الوقت قبل القتال أن يلعنوا الأصنام التي يعبدها المشركون.
(فيسبّوا اللّه عدوا بغير علم) أي فيسبّوا اللّه ظلما، وقال بعضهم فيسبوا اللّه عدوّا.
وعدوّا ههنا في معنى جماعة، كأنه قيل: فيسبوا اللّه أعداء.
وعدوّا منصوب في هذا القول على الحال. وعدوا منصوب على المصدر على إرادة اللام، لأن المعنى فيعتدون عدوا، أي يظلمون ظلما.
ويكون بإرادة اللام [أي فيسبوا الله للظلم]، وفيها وجه آخر. فيسبواالله عدوا - بضم الدال - وهو في معنى عدوا ويقال في الظلم عدا فلان عدوا وعدوا، وعدوانا، وعداء. أي ظلما جاوز فيه القدرا.
وقوله تعالى عزّ وجلّ: {كذلك زيّنّا لكلّ أمّة عملهم} فيه غير قول: أنه بمنزلة {طبع اللّه على قلوبهم} فذلك تزيين أعمالهم.
قال اللّه عزّ وجلّ: {بل طبع الله عليها بكفرهم}.
وقال بعضهم: {زيّنّا لكلّ أمّة عملهم} أي زيّن لكل أمّة العمل الذي هو فرض عليهم. والقول الأول أجود. لأنة بمنزلة (طبع الله على قلوبهم). والدليل على ذلك، ونقض هذا قوله: (أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا فإنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء) ). [معاني القرآن: 2/280-281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} قال قتادة كان المسلمون يسبون الأصنام فيسب المشركون الله عدوا بغير علم وروي أن في قراءة أهل مكة عدوا بغير علم والقراءة حسنة ومعنى عدوا بمعنى أعداء كما قال تعالى: {إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا}
وتقرأ (عدوا) يقال إذا تجاوز في الظلم عدا يعدو عدوا وعدوا وعدوانا وعداء). [معاني القرآن: 2/471-472]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {كذلك زينا لكل أمة عملهم} قيل معناه مجازاة على كفرهم وقيل أعمالهم يعني الأعمال التي يجب أن يعملوا بها وهي الإيمان والطاعة والله أعلم بحقيقة ذلك). [معاني القرآن: 2/472]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عَدْوًا}: اعتداء). [العمدة في غريب القرآن: 130]

تفسير قوله تعالى {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم...}
المقسمون الكفار. سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالآية التي نزلت في الشعراء {إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آيةً فظلّت أعناقهم لها خاضعين}
فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلها وحلفوا ليؤمنن، فقال المؤمنون: يا رسول الله سل ربك ينزلها عليهم حتى يؤمنوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: قل للذين آمنوا: وما يشعركم أنهم يؤمنون. فهذا وجه النصب في أنّ؛ وما يشعركم أنهم يؤمنون (و) نحن {نقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا}، وقرأ بعضهم: (إنها) مكسور الألف (إذا جاءت) مستأنفة، ويجعل قوله (وما يشعركم) كلاما مكتفيا.
وهي في قراءة عبد الله: (وما يشعركم إذا جاءتهم أنهم لا يؤمنون).
و(لا) في هذا الموضع صلة؛ كقوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون}: المعنى: حرام عليهم أن يرجعوا. ومثله: {ما منعك أن لا تسجد} معناه: أن تسجد.
وهي في قراءة أبيّ: (لعلها إذا جاءتهم لا يؤمنون) وللعرب في (لعلّ) لغة بأن يقولوا: ما أدري أنك صاحبها، يريدون: لعلك صاحبها، ويقولون: ما أدري لو أنك صاحبها، وهو وجه جيد أن تجعل (أنّ) في موضع لعل). [معاني القرآن: 1/350-351]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وما يشعركم} أي ما يدريكم.
(إنّها إذا جاءت) ألف (إنها) مكسورة على ابتداء (إنها)، أو تخبير عنها؛ ومن فتح ألف (أنها) فعلى إعمال (يشعركم) فيها، فهي في موضع اسم منصوب). [مجاز القرآن: 1/204]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ لّيؤمننّ بها قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}
وقال: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} وقرأ بعضهم {أنّها} وبها نقرأ وفسر على "لعلها" كما تقول العرب: "اذهب إلى السوق أنّك تشتري لي شيئاً" أي: لعلّك. وقال الشاعر:
قلت لشيبان اذن من لقائه = أنّا نغذّي القوم من شوائه

في معنى "لعلّنا"). [معاني القرآن: 1/247-248]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله سبحانه: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} يريد وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، فزاد (لا) لأنهم لا يؤمنون إذا جاءت.
ومن قرأها بكسر إنّ، فإنه يجعل الكلام تاما عند قوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} ثم يبتدئ فيقول: {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}). [تأويل مشكل القرآن: 244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}
أي اجتهدوا في المبالغة في اليمين.
{لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها}.
وإنما حلفوا على ما اقترحوا هم من الآيات، وإنما قالوا: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} إلى قوله: {والملائكة قبيلا}.
أي تأتي بهم كفيلا، أي يكفلون.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الآيات عند اللّه.
ويروى أن المؤمنين قالوا: لو أنزل عليهم آية لعلهم كانوا يؤمنون، فقال الله عزّ وجلّ: {قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} أي وما يدريكم، أي لستم تعلمون الغيب، فلا تدرون أنهم يؤمنون.
كما تقول للرجل إذا قال لك: افعل بي كذا وكذا حتى أفعل كذا وكذا مما لا تعلم أنه يفعله لا محالة: ما يدريك. ثم استأنف فقال:
{أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} هذه هي القراءة، وقرئت أيضا (إنّها إذا جاءت لا يؤمنون).
وزعم سيبويه عن الخليل أن معناها لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، وهي قراءة أهل المدينة، وقال الخليل: إنها كقولهم إيت السوق أنك تشتري شيئا، أي لعلك.
وقد قال بعضهم إنها "أن" التي على أصل الباب، وجعل "لا" لغوا.
قال: والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، كما قال عزّ وجلّ: {وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون}
والقول الأول أقوى وأجود في العربية والكسر أحسنها وأجودها.
والذي ذكر أن "لا" لغو غالط، لأن ما كان لغوا لا يكون غير لغو.
من قرأ: إنها إذا جاءت -بكسر إنّ- فالإجماع أن " لا " غير لغو، فليس يجوز أن يكون معنى لفظة مرة النفي ومرة الإيجاب.
وقد أجمعوا أن معنى أن ههنا إذا فتحت معنى لعل، والإجماع أولى بالإتباع.
وقد بينت الحجة في دفع. ما قاله من زعم أن لا لغو). [معاني القرآن: 2/281-283]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} أي اجتهدوا في الحلف لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها يعنون آية مما يقترحون). [معاني القرآن: 2/472]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}
قال مجاهد: معناه وما يدريكم قال ثم ابتدأ فقال إنها إذا جاءت لا يؤمنون وقرأ أهل المدينة أنها إذا جاءت قال الكسائي لا ههنا زائدة والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون وشبهه بقوله جل وعز: {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} وهذا عند البصريين غلط لأن «لا» لا تكون زائدة في موضع تكون فيه نافيه قال الخليل المعنى لعلها وشبهه بقول العرب ايت السوق أنك تشتري لنا شيئا بمعنى لعلك.
وروي أنها في قراءة أبي وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وأنشد أهل اللغة في أن بمعنى لعل:
أريني جوادا مات هزلا لأنني = أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا

وقيل في الكلام حذف والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ثم حذف هذا لعلم السامع ويروى أن المشركين قالوا ادع الله أن ينزل علينا الآية التي قال فيها {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} ونحن والله نؤمن فقال المسلمون يا رسول الله ادع الله أن ينزلها فأنزل الله عز وجل: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}). [معاني القرآن: 2/472-475]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وما يشعركم} أي: وما يعلمكم). [ياقوتة الصراط: 223]

تفسير قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} وأفئدة جمع فؤاد). [معاني القرآن: 2/475]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 10:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 111 إلى 129]

{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة...}
هذا أمر قد كانوا سألوه، فقال الله تبارك وتعالى: لو فعلنا بهم ذلك لم يؤمنوا {إلاّ أن يشاء اللّه}.
وقوله: (قبلاً) جمع قبيل. والقبيل: الكفيل. وإنما اخترت ها هنا أن يكون القبل في معنى الكفالة لقولهم: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} يضمنون ذلك. وقد يكون (قبلا): من قبل وجوههم؛ كما تقول: أتيتك قبلا ولم آتك دبرا. وقد يكون القبيل جميعا للقبيلة كأنك قلت: أو تأتينا بالله والملائكة قبيلة قبيلة وجماعة جماعة. ولو قرئت قبلا على معنى: معاينةً كان صوابا، كما تقول: أنا لقيته قبلا). [معاني القرآن: 1/351-352]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً}
ومجاز {حشرنا}: سقنا وجمعنا.
{قبلاً} جميع، قبيل قبيل؛ أي: صنف صنف؛ ومن قرأها (قبلاً)؛ فإنه يجعل مجازها عياناً، كقولهم: (من ذي قبل)، وقال آخرون (قبلاً) أي مقابلة، كقولهم: (أقبل قبله، وسقاها قبلاً، لم يكن أعدّ لها الماء، فاستأنفت سقيها، وبعضهم يقول: (من ذي قبلٍ) ). [مجاز القرآن: 1/204]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً مّا كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون}
قال: {وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً} أي: قبيلاً قبيلا، جماعة "القبيل" "القبل". ويقال "قبلا" أي: عيانا.
وقال: {أو يأتيهم العذاب قبلاً} أي: عيانا. وتقول: "لا قبل لي بهذا" أي: لا طاقة. وتقول: "لي قبلك حقٌ" أي: عندك). [معاني القرآن: 1/248]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كل شيء قبلا}: جماعة قبيل. {يأتيهم العذاب قبلا}: معاينة). [غريب القرآن وتفسيره: 141]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلًا} جماعة قبيل. أي أصناما، ويقال: القبيل: الكفيل كقوله تعالى: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلًا} أي ضمناء. ومن قرأها «قبلا» أراد: معانية). [تفسير غريب القرآن: 158]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلّا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون}
هذا جواب قول المؤمنين: لعلهم يؤمنون.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لا يؤمنون، وهذا كإعلام نوح: {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}.
ومعنى (قبلا) جمع قبيل، ومعناه الكفيل.
ويكون المعنى: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا.
ويجوز أن يكون "قبل" جمع قبيل، ومعناه الكفيل.
ويكون المعنى: لو حشرنا عليهم كل شيء ونجعل لهم بصحة ما نقول ما كانوا ليؤمنوا، ويجوز أن يكون " قبلا " في معنى ما يقابلهم، أي لو حشرنا عليهم كل شيء فقابلهم.
ويجوز وحشرنا عليهم كل شيء قبلا أي عيانا، ويجوز قبلا على تخفيف قبل وكل ما كان على هذا المثال فتخفيفه جائز، نحو الصّحف والصحف والكتب والكتب، والرسل والرسل.
ومعنى {إلا أن يشاء اللّه} أي إلا أن يهديهم اللّه.
وجائز أن يكون ننزّل عليهم آية تضطرهم إلى الإيمان). [معاني القرآن: 2/283-284]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} ويروى أنهم سألوا هذه الأشياء فنزل هذا قال مجاهد قبلا أفواجا أي قبيلا قبيلا يذهب إلى أنه جمع قبيل وهو الفرقة وقيل هو جمع قبيل وقبيل بمعنى كفيل أي لو كفل لهم الملائكة وغيرهم بصحة هذا لم يؤمنوا كما قال تعالى: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} ويجوز أن يكون معنى قبلا كمعنى مقابلة كما قال تعالى: {إن كان قميصه قد من قبل}، ومن قرأ (قبلا) فمعناه عنده معاينة). [معاني القرآن: 2/475-476]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قُبُلاً} جماعة قبيل، أي أصناف.
ومن قرأ (قِبلاً) بكسر القاف، فمعناه: مُعاينة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قُبُلاً}: جمع قبل). [العمدة في غريب القرآن: 130]

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس والجنّ...}
نصبت العدوّ والشياطين بقوله: جعلنا.
وقوله: {يوحي بعضهم إلى بعضٍ} فإن إبليس -فيما ذكر- جعل فرقة من شياطينه مع الإنس، وفرقة مع الجنّ، فإذا التقى شيطان الإنسيّ وشيطان الجنيّ قال: أضللت صاحبي بكذا وكذا، فأضلل به صاحبك، ويقوله له (شيطان الجنيّ) مثل ذلك. فهذا وحى بعضهم إلى بعض. قال الفراء: حدثني بذلك حيان عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس). [معاني القرآن: 1/352]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({زخرف القول غروراً} كل شيء حسّنته وزيّتته وهو باطل فهو زخرف؛ ويقال: زخرف فلان كلامه وشهادته). [مجاز القرآن: 1/205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (
{زخرف القول}: كل شيء حسنته وهو باطل فهو زخرف). [غريب القرآن وتفسيره: 141]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({زخرف القول} ما زيّن منه وحسّن وموّه. وأصل الزخرف: الذهب). [تفسير غريب القرآن: 158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحي: كلّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
والوحي: إعلام بالوسوسة من الشيطان، قال: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ}، وقال: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}). [تأويل مشكل القرآن: 490](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوّا شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربّك ما فعلوه فذرهم وما يفترون}
أي وكما جعلنا لك ولأمّتك شياطين الجن والإنس أعداء كذلك جعلنا لمن تقدّمك من الأنبياء وأممهم. و (عدوّا) في معنى أعداء.
و{شياطين الإنس والجنّ} منصوب على البدل من (عدوّا)، ومفسّرا له.
ويجوز أن يكون (عدوّا) منصوبا على أنه مفعول ثان، المعنى: وكذلك شياطين الجن والإنس أعداء للأنبياء وأممهم.
{يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا}.
"الزخرف" في اللغة: الزينة، والمعنى: أن بعضهم يزيّن لبعض الأعمال القبيحة.
و(غرورا) منصوب على المصدر، وهذا المصدر محمول على المعنى؛ لأن مبنى إيحاء الزخرف من القول معنى الغرور، وكأنه قال يغرون غرورا.
{ولو شاء ربّك ما فعلوه} أي لو شاء الله لمنع الشياطين من الوسوسة للإنس والجنّ ولكن اللّه يمتحن ما يعلم أنه الأبلغ في الحكمة والأجزل في الثواب والأصلح للعباد). [معاني القرآن: 2/284]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا} أي كما جعلنا لك ولأمتك أعداء وعدو بمعنى أعداء). [معاني القرآن: 2/476]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {شياطين الإنس والجن}

وقرأ الأعمش (شياطين الجن والإنس) والمعنى واحد). [معاني القرآن: 2/476]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى:
{يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} قال مجاهد: أي يزينون لهم ذاك؛ أي يزينون لهم العمل القبيح، وكذلك الزخرف في اللغة هو التزيين، ومنه قيل للذهب زخرف). [معاني القرآن: 2/477]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز:
{ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} أي لو شاء لمنعهم من وسوستهم الإنس ولكنه يبتلي بما شاء ليجزل الثواب). [معاني القرآن: 2/477]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ) : (
{زخرف القول غرورا} أي: حسن القول بترقيش الكذب، والزخرف في غير هذا الموضع: الذهب). [ياقوتة الصراط: 224]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({زُخْرُفَ الْقَوْلِ} ما موه منه وزين، أصله الذهب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({زُخْرُفَ}: حسن). [العمدة في غريب القرآن: 130]

تفسير قوله تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله:
{وليقترفوا ما هم مّقترفون...}
الاقتراف: الكسب؛ تقول العرب: خرج فلان يقترف أهله). [معاني القرآن: 1/352]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ):
({ولتصغى إليه أفئدة الّذين} من صغوت إليه أي ملت إليه وهويته؛ وأصغيت إليه لغة، قال ذو الرمة:
تصغى إذا شدّها بالرّحل جانحةً = حتى إذا ما استوى في غرزها تثب

{وليقترفوا ما هم مقترفون} مجاز الاقتراف القرفة والتّهمة والإدعاء. ويقال: بئسما اقترفت لنفسك، قال رؤبة:
أعيا اقتراف الكذب المقروف = تقوى التقيّ وعفّة العفيف

يقال: أنت قرفتى، وقارفت الأمر أي واقعته). [مجاز القرآن: 1/205-206]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : (
{ولتصغى إليه أفئدة الّذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مّقترفون}
[و] قال:
{ولتصغى إليه أفئدة الّذين لا يؤمنون بالآخرة} هي من "صغوت" "يصغا"، مثل "محوت" "يمحا"). [معاني القرآن: 1/248]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): (
{ولتصغى إليه}: تميل صغوت إليه أي ملت.
{وليقترفوا ماهم مقترفون}: يدعون الكذب). [غريب القرآن وتفسيره: 142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (
{وليقترفوا} أي ليكتسبوا وليدعوا ما هم مدّعون). [تفسير غريب القرآن: 158]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله:
{ولتصغى إليه أفئدة الّذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون}
معنى {لتصغى} لتميل، أي وليصير أمرهم إلى ذلك.
ويجوز، ولتصغى إليه أفئدة.
يقال صغوت أصغى مثل محوت أمحى، وإنما جاز أصغى وكان ينبغي أن يكون أصغو لموضع الغين، لأنها تفتح هي وأخواتها.
وهو أن يفعل ويفعل يصير معها في كثير من الكلام يفعل نحو صبغ يصبغ وأصله يصبغ، وهو يقال ومثل ذهب يذهب، كأنه كان يذهب، ويقال صغيت أصغى أيضا، وأصغيت، أصغى شاذ، وأصغيت أصغي جيّد بالغ كثير وأفئدة: جمع فؤاد، مثل غراب وأغربة.
ومعنى: {وليقترفوا ما هم مقترفون} جائز أن يكون وليعملوا ما هم عاملون من الذنوب، يقال قد اقترف فلان ذنبا، أي قد عمل ذنبا.
ويجوز " وليقترفوا " أي ليختلقوا وليكذبوا، وهذه لام أن، المعنى ولأن يرضوه وليقترفوا على أن اللام لام أمر ومعناه معنى التهدّد والوعيد، كما تقول افعل ما شئت، فلفظه لفظ الأمر ومعناه معنى التهدّد). [معاني القرآن: 2/284-285]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة} يقال صغى يصغى وصغا يصغو وأصغى يصغي إذا مال كما قال الشاعر:
تصغي إذا شدها بالرحل جانحة = حتى إذا ما استوى في غرزها تثب).
[معاني القرآن: 2/477-478]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون} أي وليكتسبوا ويقال قرفت الجلد إذا قلعته ويقرأ وليقترفوا وفيه معنى التهديد قال قتادة صدقا فيما وعد وعدلا فيما حكم). [معاني القرآن: 2/478]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({ولتصغى إليه} أي: لتميل إليه، ومنه قوله - جل وعز: {فقد صغت قلوبكما} أي: مالت). [ياقوتة الصراط: 224]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَلِيَقْتَرِفُواْ} أي: يكتسبوا ويًدعوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَلِتَصْغَى}: ولتميل
{مقْتَرِفُونَ}: يدعون الكذب). [العمدة في غريب القرآن: 130]

تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {منزّلٌ مّن رّبّك بالحقّ فلا تكوننّ من الممترين...}
من الشاكّين أنهم يعلمون أنه منزل من ربك). [معاني القرآن: 1/352]

تفسير قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن تطع أكثر من في الأرض...}
في أكل الميتة {يضلّوك} لأن أكثرهم كانوا ضلاّلا. وذلك أنهم قالوا للمسلمين: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربّكم! فأنزلت هذه الآية {وإن تطع أكثر من في الأرض}). [معاني القرآن: 1/353]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({يخرصون} أي: يظنون ويوقعون، ويقال: يتخرص، أي يتكذب). [مجاز القرآن: 1/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يخرصون}: يكذبون). [غريب القرآن وتفسيره: 142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يخرصون}: يحدسون ويوقعون. ومنه قيل للحازر: خارص). [تفسير غريب القرآن: 158]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه إن يتّبعون إلّا الظّنّ وإن هم إلّا يخرصون}
أعلم اللّه عزّ وجلّ - أن أكثرهم من الذين اتبعوا أكابرهم ليس عند أنفسهم أنهم على بصائر، وأنهم إنما يظنون، ومنهم من عاند، ومن يعلم أن النبي حق.
فإن قال قائل: كيف يعذبون وهم ظانون، وهل يجوز أن يعذب من كفر وهو ظانّ، ومن لم يكفر وهو على يقين؟
فالجواب في هذا أن اللّه جل ثناؤه قد ذكر أنّه يعذب على الظنّ، وذلك قوله: {وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الّذين كفروا فويل للّذين كفروا من النّار}. والحجة في هذا أنهم عذبوا على هذا الظن، لأنهم اتبعوا أهواءهم وتركوا التماس البصيرة من حيث يجب واقتصروا على الظن والجهل). [معاني القرآن: 2/285-286]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن يتبعون إلا الظن} أعلم جل وعز أنهم ليسوا على بصائر ولا يقين وأنهم لا يتبعون الحق ويقرأ {إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله}.
وهذا على حذف المفعول وفتح الياء أحسن لأن بعده {وهو أعلم بالمهتدين}). [معاني القرآن: 2/478-479]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَخْرُصُون} يحسدون، أي يكذبون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَخْرُصُونَ}: يكذبون). [العمدة في غريب القرآن: 130]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هو أعلم من يضلّ...}
(من) في موضع رفع كقوله: {لنعلم أي الحزبين أحصى} إذا كانت (من) بعد العلم والنظر والدراية -مثل نظرت وعلمت ودريت- كانت في مذهب أيّ. فإن كان بعدها فعل لها رفعتها به، وإن كان بعدها فعل يقع عليها نصبتها؛ كقولك: ما أدرى من قام، ترفع (من) بقام، وما أدرى من ضربت، تنصبها بضربت). [معاني القرآن: 1/353]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
موضعا من" رفع بالابتداء، ولفظها. لفظ الاستفهام.
المعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله، وهذا مثل قوله: {لنعلم أيّ الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا}). [معاني القرآن: 2/286]

تفسير قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه إن كنتم بآياته مؤمنين}
معناه كلوا مما أخلصتم ذبحه للّه، والمنع من الميتة داخل في هذا.
وليس بين الناس اختلاف في أن المشركين ناظروا المسلمين، فقالوا لهم: تتركون ما سبقكم الله إلى إماتته وتأكلون ما أمتّم أنتم فأعلم جلّ وعزّ أن الميتة حرام وأن ما قصد بتزكيته اتباع أمر اللّه عزّ وجلّ فذلك الحلال). [معاني القرآن: 2/286]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} أي مما أخلص لله، وتحريم الميتة داخل في هذا).
[معاني القرآن: 2/479]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وما لكم ألاّ تأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه وقد فصّل لكم مّا حرّم عليكم إلاّ ما اضطررتم إليه وإنّ كثيراً لّيضلّون بأهوائهم بغير علمٍ إنّ ربّك هو أعلم بالمعتدين}
وقال: {وما لكم ألاّ تأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه} يقول -والله أعلم- "وأيّ شيءٍ لكم في ألاّ تأكلوا" وكذلك {وما لنا ألاّ نقاتل} يقول: "أيّ شيءٍ لنا في ترك القتال". ولو كانت {أن} زائدة لارتفع الفعل، ولو كانت في معنى "وما لنا وكذا" لكانت "ومالنا وألاّ نقاتل".
وقال: {وإنّ كثيراً لّيضلّون بأهوائهم} ويقرأ {ليضلّون}. أوقع "أنّ" على النكرة لأنّ الكلام إذا طال احتمل ودل بعضه على بعض). [معاني القرآن: 1/248-249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (فقال: {وما لكم ألّا تأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلّا ما اضطررتم إليه وإنّ كثيرا ليضلّون بأهوائهم بغير علم إنّ ربّك هو أعلم بالمعتدين}
وموضع (أن) نصب لأن "في" سقطت فوصل المعنى إلى (أن) فنصبها.
المعنى أي شيء يقع لكم في أن لا تأكلوا.
وسيبويه يجيز أن يكون موضع (أن) جرا وإن سقطت "في"، والنصب عنده أجود. -
قال أبو إسحاق: ولا اختلاف بين الناس في أن الموضع نصب.
(وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) وحرم جميعا، أي فصل لكم الحلال من الحرام، وأحلّ لكم في الاضطرار ما حرّم عليكم.
فموضع (ما) نصب في قوله: {إلا ما اضطررتم إليه}.
ومعنى ما اضطررتم دعتكم شدة الضرورة، أي شدة المجاعة إلى أكله.
{وإنّ كثيرا ليضلّون بأهوائهم بغير علم} أي إن الذين يحلّون الميتة ويناظرونكم في إحلالها، وكذلك كل ما يضلون فيه، إنما يتبعون فيه الهوى والشهوة ولا بصيرة ولا علم عندهم). [معاني القرآن: 2/286-287]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} وروى عكرمة عن ابن عباس أن المشركين قالوا للمسلمين لم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله لكم فأنزل الله جل وعز: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم}). [معاني القرآن: 2/479]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}

قال قتادة فصل بين وقرأ عطية العوفي (وقد فصل لكم) خفيفة ومعناه أبان وظهر،
كما قرئ (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت) أي استبانت). [معاني القرآن: 2/480]

تفسير قوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه...}
فأما ظاهره فالفجور والزنى، وأما باطنه فالمخالّة: أن تتخذ المرأة الخليل وأن يتخذها). [معاني القرآن: 1/353]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ظاهر الإثم}: الزنا. وباطنه المخالّة). [تفسير غريب القرآن: 159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه إنّ الّذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون}
جاء في التفسير أن ظاهره الزنا، وباطنه اتخاذ الأخدان والأصدقاء على جهة الريبة.
والذي يدل عليه الكلام أن المعنى -واللّه أعلم- اتركوا الإثم - ظهرا، أو بطنا، أي لا تقربوا ما حرّم اللّه عليكم جهرا ولا سرّا). [معاني القرآن: 2/287]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}

قال قتادة: أي علانيته وسره. وقال غيره: ظاهر الإثم الزنا، وباطنه اتخاذ الأخدان.
والأشبه باللغة قول قتادة). [معاني القرآن: 2/480]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون}
أي يكسبون ويعملون ويقال قرفت الجلد أي قلعته قال أبو جعفر اختلف أهل العلم في معنى {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} فكان مذهب ابن عباس أن هذا جواب للمشركين حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم وتخاصموا فقالوا كيف لا نأكل مما قتل ربك ونأكل مما قتلنا فأنزل الله عز وجل: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} ورواه عنه سعيد بن جبير وعكرمة فالمعنى على هذا ولا تأكلوا من الميتة وقال الشعبي ومحمد بن سيرين لا يؤكل من الذبائح التي لم يسم الله جل وعز عليها كان ذلك عمدا أو نسيانا وقال سعيد بن جبير وعطاء إذا ترك التسمية عمدا لم يؤكل وإذا نسي أكل وهذا حسن لأنه لا يسمى فاسقا إذا كان ناسيا). [معاني القرآن: 2/480-481]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ظَاهِرَ الإِثْمِ} الصديقة يتخذها الرجل للزنا، ويأتيها علانية.
{وَبَاطِنَهُ} الزنا في السر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإنّه لفسقٌ...}
يقول: أكلكم ما لم يذكر اسم الله عليه فسق أي كفر. وكنى عن الأكل، كما قال: {فزادهم إيماناً} يريد: فزادهم قول الناس إيمانا). [معاني القرآن: 1/353]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم} أي يقذفون في قلوبهم، أن يجادلوكم). [تفسير غريب القرآن: 159]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحي: كلّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
والوحي: إعلام بالوسوسة من الشيطان، قال: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ}، وقال: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}). [تأويل مشكل القرآن: 490]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: جلّ وعزّ: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسق وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون} أي مما لم يخلص ذبحه للّه عزّ وجلّ.
{وإنّه لفسق} ومعنى الفسق الخروج عن الحق والدّين، يقال فسقت الرطبة، إذا خرجت عن قشرتها.
{وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} أي يوسوس الشيطان لوليّه فيلقي في قلبه الجدال بالباطل، وهو ما وصفنا من أن المشركين جادلوا المسلمين في الميتة. -
{وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون} هذه الآية فيها دليل أنّ كل من أحلّ شيئا مما حرم الله عليه أو حرّم شيئا مما أحلّ الله له فهو مشرك.
لو أحلّ محل الميتة في غير اضطرار، أو أحل الزنا لكان مشركا بإجماع الأمّة، وإن أطاع اللّه في جميع ما أمر به، وإنما سمّي مشركا لأنه اتبع غير اللّه، فأشرك باللّه غيره). [معاني القرآن: 2/287]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ومعنى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه مما لم يخلص لله وإنه لفسق أي خروج من الطاعة ويقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها). [معاني القرآن: 2/482]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} أي يوسوسون إليهم وقد ذكرت معنى ليجادلوكم). [معاني القرآن: 2/482]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} وقال أهل النظر في هذا دليل على أنه من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله فقد أشرك، وقيل له مشرك لأنه اتبع غير الله فأشرك به غيره جل وعز). [معاني القرآن: 2/483]

تفسير قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أو من كان ميتاً فأحييناه...}
أي كان ضالاّ فهديناه.
وقوله: {نوراً يمشي به في النّاس} يعني إيمانه). [معاني القرآن: 1/354]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أومن كان ميتاً فأحييناه} أي كان كافرا فهديناه.
{وجعلنا له نوراً}: إيمانا.
{يمشي به في النّاس} أي: يهتدي به.
{كمن مثله في الظّلمات} أي في الكفر). [تفسير غريب القرآن: 159]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قوله عز وجل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} أي كان كافرا فهديناه وجعلنا له إيمانا يهتدى به سبل الخير والنّجاة {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} أي في الكفر. فاستعار الموت مكان الكفر، والحياة مكان الهداية، والنّور مكان الإيمان). [تأويل مشكل القرآن: 140]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون}
جاء في التفسير أنه يعني به النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو جهل بن هشام فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هدي وأعطي نور الإسلام والنبوة والحكمة، وأبو جهل في ظلمات الكفر.
ويجوز أن تكون هذه الآية عامة لكل من هداه الله ولكل من أضلّه اللّه. فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن مثل المهتدي مثل الميت الذي أحيي وجعل مستضيئا يمشي في الناس بنور الحكمة والإيمان، ومثل الكافر مثل من هو في الظلمات لا يتخلص منها). [معاني القرآن: 2/288]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أومن كان ميتا فأحييناه} قال مجاهد المعنى {أومن كان ضالا فهديناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} أي هدى {كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}، قال مجاهد: أي في الضلالة. قال السدي: هذا نزل في عمر بن الخطاب رحمة الله عليه وأبي جهل، والذي يوجب المعنى أن يكون عاما إلا أن تصح فيه رواية). [معاني القرآن: 2/483]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} أي كافرا فهديناه).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:2 10هـ): ({أكابر مجرميها} أي العظماء.
{ليمكروا فيها} مصدره المكر، وهو الخديعة والحيلة بالفجور والغدو والخلاف). [مجاز القرآن: 1/206]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلاّ بأنفسهم وما يشعرون}
وقال: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها} فبناه على "أفاعل"، وذلك أنه يكون على وجهين يقول "هؤلاء الأكابر" و"الأكبرون" وقال: {ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} وواحدهم "أخسر" مثل "الأكبر"). [معاني القرآن: 1/249]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها} أي جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر. وأكابر لا ينصرف، وهم العظماء). [تفسير غريب القرآن: 159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلّا بأنفسهم وما يشعرون}
موضع الكاف نصب معطوفة على ما قبلها، وهو قوله: {كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون} المعنى: مثل ذلك الذي قصصنا عليك زيّن للكافرين عملهم.
{وكذلك جعلنا} أي ومثل ذلك {جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها}، لأن الأكابر ما هم فيه من الرياسة والسّعة أدعى لهم
إلى المكر والكفر، والدليل على ذلك قوله: {ولو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض} وقوله: {ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفا من فضّة}.
ومعنى: {وما يمكرون إلّا بأنفسهم} أي ذلك المكر يحيق بهم، لأنهم بمكرهم يعذبون). [معاني القرآن: 2/288]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها} قال مجاهد أي عظماءهم وقال غيره وخص العظماء والرؤساء لأنهم أقدر على الفساد). [معاني القرآن: 2/484]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وما يمكرون إلا بأنفسهم} أي إن وبال ذلك يرجع عليهم). [معاني القرآن: 2/484]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه...}
أي من عند الله، كذلك قال المفسرون. وهو في العربية؛ كما تقول: سيأتيني رزق عندك، كقولك: سيأتيني الذي عند الله. سيصيبهم الصغار الذي عنده، ولمحمد صلى الله عليه وسلم أن ينزله بهم. ولا يجوز في العربية أن تقول: جئت عند زيد، وأنت تريد: من عند زيد.
وقد يكون قوله: {صغارٌ عند اللّه} أنهم اختاروا الكفر تعزّزا وأنفة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل الله ذلك صغارا عنده). [معاني القرآن: 1/354]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({صغارٌ} الصغار: هو أشدّ الذّلّ). [مجاز القرآن: 1/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ((والصغار): الذل). [غريب القرآن وتفسيره: 142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({صغارٌ عند اللّه}: أي ذلة). [تفسير غريب القرآن: 159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه اللّه أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الّذين أجرموا صغار عند اللّه وعذاب شديد بما كانوا يمكرون}
هذه الهاء والميم تعودان على الأكابر الذين جرى ذكرهم لأنهم قالوا: لن نؤمن حتى نعطى من الآيات مثل ما أعطي الأنبياء وأعلم اللّه
عزّ وجلّ أنه أعلم من يصلح، فقال جلّ وعزّ: {ولقد اخترناهم على علم على العالمين}.
وقوله: {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته} أي هو أعلم بمن يختصّ للرسالة.
وقال بعضهم: لا يبلغ في تصديق الرسل إلا أن يكونوا قبل مبعثهم مطاعين في قومهم، لأن الطعن كان يتسع عليهم، ويقال إنما كانوا أكابر ورؤساء فاتبعوا.
{سيصيب الّذين أجرموا صغار عند اللّه} أي هم وإن كانوا أكابر في الدنيا سيصيبهم صغار عند اللّه أي مذلّة.
و"عند" متصلة بـ (سيصيبهم) عند اللّه صغار.
وجائز أن تكون "عند" متصلة بصغار فيكون المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت لهم عند، للّه.
ولا تصلح أن تكون "من" محذوفة من (عند) إنما المحذوف (في) من (عند) في المعنى إذا قلت: زيد عند عمرو والمعنى زيد في حضرة عمرو). [معاني القرآن: 2/288-289]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله} وإن كانوا أعزاء في الدنيا فستلحقهم الذلة يوم القيامة وفي الآية ثلاثة أقوال:

- أحدهما: أن المعنى سيصيب الذين أجرموا عند الله صغار على التقديم والتأخير.
- والقول الثاني: أن المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت عند الله وهذا أحسن الأقوال لأن عند في موضعها.
- والقول الثالث: ذكره الفراء أنه يجوز أن يكون المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار من عند الله وهذا خطأ عند البصريين لأن من لا تحذف في مثل هذا). [معاني القرآن: 2/484-485]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({صغار عند الله} أي: ذل). [ياقوتة الصراط: 224]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَغَارٌ}: ذله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((الصَغَار): الذل). [العمدة في غريب القرآن: 130]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه...}
[من] ومن في موضع رفع بالهاء التي عادت عليهما من ذكرهما.
وقوله: {يجعل صدره ضيّقاً حرجاً} قرأها ابن عبّاس وعمر (حرجا). وقرأها الناس: حرجا. والحرج - فيما فسر ابن عباس - الموضع الكثير الشجر الذي لا تصل إليه الراعية. قال: فكذلك صدر الكافر لا تصل إليه الحكمة. وهو في كسره وفتحه بمنزلة الوحد والوحد، والفرد والفرد، والدنف والدنف: تقوله العرب في معنى واحد.
وقوله: {كأنّما يصّعّد في السّماء} يقول: ضاق عليه المذهب فلم يجد إلا أن يصعد في السماء وليس يقدر. وتقرأ (كأنما يصّاعد) يريد يتصاعد، (ويصعد) مخففة). [معاني القرآن: 1/354-355]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (الرجز و{الرّجس} سواء، وهما العذاب). [مجاز القرآن: 1/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يشرح صدره للإسلام} أي يفتحه. ومنه يقال: شرحت الأمر. وشرحت اللحم: إذا فتحته.
(الحرج) الذي ضاق فلم يجد منفذا إلا أن {يصّعّد في السّماء} وليس يقدر على ذلك). [تفسير غريب القرآن: 159-160]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما الضيق بعينه فقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي ضيق. و{يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} وحَرِجًا. ومنه الحرجة وهي: الشجر الملتفّ). [تأويل مشكل القرآن: 484]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنّما يصّعّد في السّماء كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون}
يروى عن ابن مسعود أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: وهل ينشرح الصدر؟
فقال: نعم، يدخل القلب النور، فقال ابن مسعود: هل لذلك من علم؟
قال: نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الموت.
{ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا}
يروى عن ابن عباس أنه قال: الحَرَجُ موضع الشجر الملتف، فكان قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة.
كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي يلتف فيه الشجر.
وأهل اللغة أيضا يقولونه: الشجر الملتف يقال له الْحَرَجُ.
والحرج في اللغة: أضيق الضيق. والذي قال ابن عباس صحيح حسن.
فالمعنى عند أهل اللغة إنّه ضيق جدّا.
ويجوز حرجا -بكسر الراء- فمن قال "حرج" فهو بمنزلة قولهم: رجل دنف، لأن قولك دنف ههنا وحرج ليس من أسماء الفاعلين. إنما هو بمنزلة قولهم: رخل عدل أي ذو عدل.
وقوله: {كأنّما يصّعّد في السّماء}، ويصّاعد أيضا، وأصله يتصاعد ويتصعّد، إلّا أنّ التاء تدغم في الصاد لقربها منها.
ومعنى كأنما يصّعّد في السماء -واللّه أعلم- كأنه قد كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه.
ويجوز أن يكون -واللّه أعلم- كأنّ قلبه يصعد في السماء نبوّا على الإسلام واستماع الحكمة.
{كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون} أي مثل قصصنا عليك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون.
و{الرجس}: اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة). [معاني القرآن: 2/290]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} روي أن عبد الله بن مسعود قال يا رسول الله هل ينشرح الصدر فقال نعم يدخل القلب نور فقال وهل لذلك من علامة فقال صلى الله عليه وسلم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الموت). [معاني القرآن: 2/485]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} أي شديد الضيق وقرأ عمر وابن عباس ضيقا حرجا وروي أن عمر أحضر أعرابيا من كنانة من بني مدلج فقال له ما الحرجة فقال شجرة لا تصل إليها وحشية ولا راعية فقال كذلك قلب الكافر لا يصل إليه شيء من الإيمان والخير). [معاني القرآن: 2/486]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {كأنما يصعد في السماء} وقرأ ابن محيص وابن كثير وشبل (كأنما يصعد في السماء) وقرأ ابن عبد الرحمن المقرئ وإبراهيم النخعي (كأنما يصاعد).
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ (كأنما يتصعد)، ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ (يصعد) و(يصاعد) واحد، والمعنى فيها أن الكافر من ضيق صدره؛ كأنه يريد أن يصعد إلى السماء، وهو لا يقدر على ذلك، كأنه يستدعي ذلك.
ومن قرأ (يَصْعَدُ) فمعناه أنه من ضيق صدره كأنه في حال صعود قد كلفه.
وقال أبو عبيد: من هذا قول عمر ما تصعَّدَتني خطبة ما تصعَّدتني خطبة النكاح وقد أنكر هذا على أبي عبيد وقيل إنما هذا من الصعود وهي العقبة الشاقة، قال الله جل وعز: {سأرهقه صعودا}). [معاني القرآن: 2/486-488]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} قال مجاهد: "الرجس" ما لا خير فيه.
وكذلك الرجس عند أهل اللغة هو النتن، فمعنى الآية والله أعلم: ويجعل اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة على الذين لا يؤمنون). [معاني القرآن: 2/488]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ضيقا حرجا} الحرج: أشد الضيق). [ياقوتة الصراط: 225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَشْرَحْ صَدْرَهُ} أي يفسحه.
(الحرج) الضيق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون} أي بينا). [معاني القرآن: 2/488]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لهم دار السّلام عند ربّهم} أي الجنة. ويقال: السلام اللّه ويقال: السلام السلامة). [تفسير غريب القرآن: 160]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {لهم دار السّلام عند ربّهم وهو وليّهم بما كانوا يعملون}
أي للمؤمنين دار السلام، وقال بعضهم: "السلام" اسم من أسماء اللّه، ودليله: {السّلام المؤمن المهيمن}.
ويجوز أن تكون سميت الجنة دار السلام؛ لأنها دار السلامة الدائمة التي لا تنقطع). [معاني القرآن: 2/290-291]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {لهم دار السلام عند ربهم} ويجوز أن يكون المعنى دار السلامة أي التي يسلم فيها من الآفات ويجوز أن يكون المعنى دار الله جل وعز وهو السلام). [معاني القرآن: 2/488]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم...}
يقول: قد أضللتم كثيرا.
وقوله: {وقال أوليآؤهم مّن الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ} فالاستمتاع من الإنس بالجنّ أن الرجل كان إذا فارق فاستوحش أو قتل صيدا من صيدهم فخاف قال: أعوذ بسيّد هذا الوادي، فيبيت آمنا في نفسه. وأما استمتاع الجنّ بالإنس فما نالوا بهم من تعظيم الإنس إيّاهم، فكان الجنّ يقولون: سدنا الجنّ والإنس). [معاني القرآن: 1/355]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} أي أضللتم كثيرا منهم.
{وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ} أي أخذ كل من كل نصيبا.
{بلغنا أجلنا} أي الموت). [تفسير غريب القرآن: 160]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا قال النّار مثواكم خالدين فيها إلّا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيم عليم}
المعنى - واللّه أعلم - فيقال لهم: {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس}.
المعنى قد استكثرتم ممن أضللتموهم من الإنس.
{وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعض}
جاء في التفسير أن استمتاع الإنس بالجن أن الرجل كان إذا سافر سفرا فخاف أو أصاب صيدا، قال أعوذ بربّ هذا الوادي، وبصاحب هذا الوادي يعني به الجنّ، واستمتاع الجنّ بالإنس أنّ الإنسي قد اعترف له بأنّه يقدر أن يدفع عنه.
والذي يدل عليه اللفظ -واللّه أعلم- هو قبول الإنس من الجن ما كانوا يغوونهم به لقوله: {استكثرتم من الإنس}.
فأما من كان يقول هذا أعني يستعيذ بالجنّ فقليل.
{قال النّار مثواكم} المثوى المقام.
{خالدين فيها} منصوب على الحال، المعنى: النار مقامكم في حال خلود دائم.
وقوله: {إلّا ما شاء اللّه} معنى الاستثناء عندي ههنا - واللّه أعلم - إنّما هو من يوم القيامة، لأن قوله: (ويوم يحشرهم جميعا) هو يوم القيامة، فقال خالدين فيها مذ يبعثون إلّا ما شاء ربّك من مقدار حشرهم من قبورهم، ومقدار مدّتهم في محاسبتهم، وجائز أن يكون إلا ما شاء الله أن يعذبهم به من أصناف العذاب، كما قال جلّ وعزّ: {لهم فيها زفير وشهيق} خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلّا ما شاء ربّك).
فيجوز واللّه أعلم إلا ما شاء ربك من مقدار حشرهم ومحاسبتهم ويجوز أن يكون إلا ما شاء ربك مما يزيدهم من العذاب.
وقوله: {إنّ ربّك حكيم عليم} أي هو حكيم فيما جعله من جزائهم، وحكيم في غيره). [معاني القرآن: 2/291-292]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس} المعنى فيما يقال لهم يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس أي كثر من أغويتم). [معاني القرآن: 2/489]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} ففي هذا قولان: أحدهما: أن الجن أغوت الإنس وقبلت الإنس منهم
والقول الآخر: أن الرجل كان إذا سافر في الجاهلية فخاف قال أعوذ بصاحب هذا الوادي من شر ما أحذر فهذا استمتاع الإنس بالجن واستمتاع الجن بالإنس أنهم يعترفون أن الجن يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يجدون.
والقول الأول أحسن ويدل عليه {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس}). [معاني القرآن: 2/490]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال النار مثواكم} المثوى المقام). [معاني القرآن: 2/490]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {خالدين فيها إلا ما شاء الله} في هذا قولان:

- أحدهما: أنه استثناء ليس من الأول والمعنى على هذا إلا ما شاء الله من الزيادة في عذابهم.
وسيبويه يمثل هذا بمعنى "لكن"، والفراء يمثله بمعنى "سوى" كما تقول "لأسكننك هذه الدار حولا إلا ما شئت" أي سوى ما شئت من الزيادة ومثله {خالدين فيه ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} أي سوى ما شاء ربك من الزيادة.

قال أبو جعفر وقال أبو إسحاق: معنى الاستثناء عندي ههنا -والله أعلم- إنما هو من يوم القيامة؛ أي إلا ما شاء ربك من مقدار محشرهم ومحاسبتهم ويدل على هذا الجواب ويوم يحشرهم جميعا لأن هذا يراد به يوم القيامة.
ويجوز أن يكون معنى ما شاء الله عز وجل أن يعذبهم من أصناف العذاب). [معاني القرآن: 2/490-491]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ} أي أضللتم كثيرا منهم.
{اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} أي أخذ كل منا من كل نصيبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 10:36 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 130 إلى 141]

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)}

تفسير قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ مّنكم...}
فيقول القائل: إنما الرسل من الإنس خاصّة، فكيف قال للجنّ والإنس (منكم)؟ قيل: هذا كقوله: {مرج البحرين يلتقيان}. ثم قال: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح دون العذب. فكأنك قلت: يخرج من بعضهما، ومن أحدهما). [معاني القرآن: 1/355]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجتمع شيئان ولأحدهما فعل فيجعل الفعل لهما:
كقوله سبحانه: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا}.
روي في التفسير: أن النّاسي كان يوشع بن نون ويدلّك قوله لموسى، صلّى الله عليه وسلم: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ}.
وقوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ} والرسل من الإنس دون الجن). [تأويل مشكل القرآن: 286-287](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرّتهم الحياة الدّنيا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين}
فقال: {رسل منكم} وإنما المرسل من الإنس دون الجن، فإنما جاز ذلك لأن الجماعة تعقل وتخاطب، فالرسل: هم بعض من يعقل.
وهذا كقوله: عزّ وجلّ: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان}.
وإنّما يخرج ذلك من الملح، أي البحر الذي ليس بعذب، فقال منهما لأن ذكرهما قد جمع.
فهذا جائز في اللغة، في كل ما اتّفق في أصله كما اتفقت الجن مع الإنس في باب التمييز). [معاني القرآن: 2/292]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} والرسل من الإنس ففي هذا جوابان أحدهما أنه روي عن ابن عباس أنه قال رسل الجن الذين لقوا قومهم فبلغوهم يعني ابن عباس الذين قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا وهم بمنزلة الرسل إلى قومهم لأنهم قد بلغوهم وكذلك قال مجاهد الرسل في الإنس والنذارة في الجن والقول الآخر أنه لما كانت الإنس والجن ممن يخاطب ويعقل قيل ألم يأتكم رسل منكم وإن كانت الرسل من الإنس خاصة). [معاني القرآن: 2/492]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ذلك أن لّم يكن رّبّك...}
إن شئت جعلت (ذلك) في موضع نصب، وجعلت (أن) مما يصلح فيه الخافض فإذا حذفته كانت نصبا. يريد: فعل ذلك أن لم يكن مهلك القرى. وإن شئت جعلت (ذلك) رفعا على الاستئناف إن لم يظهر الفعل. ومثله: {ذلك بما قدّمت يداك} و{ذلك بما قدّمت أيديكم}.
ومثله: {ذلك ليعلم أنّي لم أخنه بالغيب}، و {ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين} الرفع والنصب فيه كله جائز.
وقوله: {مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون} يقول: لم يكن ليهلكهم بظلمهم وهم غافلون لمّا يأتهم رسول ولا حجّة. وقوله في هود: {وما كان ربّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون} يقول: لم يكن ليهلكهم بظلمهم، يقول: بشركهم {وأهلها مصلحون} يتعاطون الحقّ فيما بينهم. هكذا جاء التفسير. وفيها وجه -وهو أحبّ إليّ من ذا؛ لأن الشرك أعظم الذنوب- والمعنى والله أعلم: لم يكن ليهلكهم بظلم منه وهم مصلحون). [معاني القرآن: 1/356]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون}
زعم سيبويه أنّ موضع ذلك رفع.
المعنى: الأمر ذلك لأنه {لم يكن ربّك مهلك القرى بظلم}.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون موضعها نصبا.
المعنى: قيل ذلك لأنه لم يكن ربّك مهلك القرى بظلم، والمعنى يخرج على جميع القولين لأن المعنى يدل على أمر الإرسال، فكأنه -واللّه أعلم- ذلك الذي قصصنا عليك من أمر الرسل أمر عذاب من كذّب بها لأنه لم يكن مهلك القرى بظلم، أي لا يهلكهم حتى يبعث إليهم رسولا.
كما قال عزّ وجلّ: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا}). [معاني القرآن: 2/292-293]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)}

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وربّك الغنيّ ذو الرّحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرّيّة قوم آخرين}
{كما أنشأكم من ذرّيّة قوم آخرين} موضع الكاف نصب.
المعنى {ويستخلف من بعدكم ما يشاء} مثل ما أنشأكم.
يقال: أنشأ اللّه الخلق إذا خلقه وأبدأه، وكل من ابتدأ شيئا فقد أنشأه.
ومن ذلك قولك فأنشأ الشاعر يقول، أي ابتدأ من نفسه، والنشأ الصغار من الأولاد.
قال نصيب:

ولولا أن يقال صبا نصيب = لقلت بنفسي النشأ الصّغار
ولهذا يقال للصغار نشء حسن، ونشوء حسن، أي قد ظهر له ابتداء حسن). [معاني القرآن: 2/293]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {كما أنشاكم من ذرية قوم آخرين}
الإنشاء ابتداء الخلق). [معاني القرآن: 2/492]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وما أنتم بمعجزين} أي فائتين، ويقال: أعجزني فلان فاتني وغلبني وسبقني، وأعجز مني، وهما سواء). [مجاز القرآن: 1/206]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار...}
(من تكون له) في موضع رفع، ولو نصبتها كان صوابا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {واللّه يعلم المفسد من المصلح}.
وقوله: {من تكون له عاقبة الدّار} إذا كان الفعل في مذهب مصدر مؤنثا مثل العاقبة، والموعظة، والعافية، فإنك إذا قدّمت فعله قبله أنّثته وذكّرته؛ كما قال الله عزّ وجلّ: {فمن جاءه موعظةٌ من ربّه} بالتذكير، وقال: {قد جاءتكم موعظةٌ من ربّكم} بالتأنيث. وكذلك {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} {وأخذت} فلا تهابنّ من هذا تذكيرا ولا تأنيثا). [معاني القرآن: 1/356-357]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({على مكانتكم}: ناحيتكم). [غريب القرآن وتفسيره: 142]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اعملوا على مكانتكم} أي على حيالكم وناحيتكم). [مجاز القرآن: 1/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يا قوم اعملوا على مكانتكم} أي على موضعكم. يقال: مكان ومكانة. ومنزل ومنزلة. وتسع وتسعة. ومتن ومتنة. وعماد وعمادة). [تفسير غريب القرآن: 160]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار إنّه لا يفلح الظّالمون}
ومكاناتكم، المعنى اعملوا على تمكنكم.
ويجوز أن يكون المعنى اعملوا على ما أنتم عليه، ويقال للرجل إذا أمرته أن يثبت على حال: على مكانتك يا فلان، أي أثبت على ما أنت عليه.
فإن قال قائل فكيف يجوز أن يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقيموا على الكفر فيقول لهم: {اعملوا على مكانتكم}، فإنما معنى هذا الأمر المبالغة في الوعيد، لأن قوله لهم: {فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار إنّه لا يفلح الظّالمون}.
قد أعلمهم أن من عمل بعملهم فإلى النار مصيره، فقال لهم: أقيموا على ما أنتم عليه إن رضيتم العذاب بالنار). [معاني القرآن: 2/293-294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل عز: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم} فيه قولان:

- أحدهما: أن المعنى على تمكنكم.
- والقول الآخر: أنه كما تقول "أثبت مكانك" أي اثبت على ما أنت عليه فإن قيل كيف يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار فالجواب أن هذا تهدد كما قال جل وعز: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا} ودل عليه قوله: {فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار} والمعنى على هذا اثبتوا على ما أنتم عليه إن رضيتم بالنار). [معاني القرآن: 2/493]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَكَانَتِكُمْ} أي موضعكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَكَانَتِكُمْ}: ناحيتكم). [العمدة في غريب القرآن: 131]


تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هذا للّه بزعمهم...}
وبرعمهم، وزعمهم، ثلاث لغات. ولم يقرأ بكسر الزاي أحد نعلمه. والعرب قد تجعل الحرف في مثل هذا؛ فيقولون: الفتك والفتك والفتك، والودّو الودّو الودّ، في أشباه لها. وأجود ذلك ما اختارته القرّاء الذين يؤثر عنهم القراءة. وفي قراءة عبد الله "وهذا لشركائهم" وهو كما تقول في الكلام: قال عبد الله: إنّ له مالا، وإنّ لي مالا، وهو يريد نفسه. وقد قال الشاعر:

رجلان من ضبّة أخبرانا = إنا رأينا رجلا عريانا
ولو قال: أخبرانا أنهما رأيا كان صوابا). [معاني القرآن: 1/357]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ذرأ} بمنزلة برأ، ومعناهما خلق). [مجاز القرآن: 1/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ذرأ}: وبرأ خلق). [غريب القرآن وتفسيره: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ممّا ذرأ من الحرث والأنعام} أي: مما خلق من الحرث وهو الزرع. والأنعام الإبل والبقر والغنم. نصيباً أي حظا.
وكانوا إذا زرعوا خطّوا خطا فقالوا: هذا للّه، وهذا لآلهتنا. فإذا حصدوا ما جعلوا للّه فوقع منه شيء فيما جعلوا لآلهتهم تركوه. وقالوا: هي إليه محتاجة.
وإذا حصدوا ما جعلوا لألهتهم فوقع منه شيء فيما جعلوه للّه، أعادوه إلى موضعه.
وكانوا يجعلون من الأنعام شيئا للّه. فإذا ولدت إناثها ميتا أكلوه. وإذا جعلوا لآلهتهم شيئا من الأنعام فولد ميتا، عظموه ولم يأكلوه فقال اللّه:
{وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون}). [تفسير غريب القرآن: 160-161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا}
في الكلام حذف والمعنى وجعلوا لأصنامهم نصيبا ودل عليه فقالوا {هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا}. قال مجاهد: كانوا يجعلون لله جزء ولشركائهم جزءا فإذا ذهب ما لشركائهم عوضوا منه مما لله وإذا ذهب ما لله لم يعوضوا منه شيئا، قال الأنعام البحيرة والسائبة. وقال قتادة: كانوا يجعلون لله نصيبا ولشركائهم نصيبا فإذا هلك بعير لشركائهم أخذوا مما لله فجعلوه لشركائهم وإذا هلك بعير مما لله جل وعز تركوه وقالوا الله مستغن عن هذا وإذا أصابهم سنة أخذوا ما لله جل وعز فنحروه وأكلوه). [معاني القرآن: 2/493-494]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقال الله عز وجل: {ساء ما يحكمون} فذم الله ذلك من فعلهم ويقال ذرأ يذرأ ذرء أي خلق). [معاني القرآن: 2/495]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَجَعَلُواْ ُلِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا} الآية.. كانوا إذا زرعوا خطوا خطوطا، فقالوا: هذا لله وهذا لآلهتنا، فإذا حصدوا ما جعلوا لله، فوقع منه شيء فيما جعلوا لآلهتهم، تركوه وقالوا: هي إليه محتاجة، وإذا حصدوا ما جعلوا لآلهتهم فوقع شيء منه فيما جعلوا لله أعادوه إلى موضعه، وكانوا يجعلون من الأنعام شيئا لله، فإذا ولدت إناثها ميتًا أكلوه، وإذا ولدت ما لآلهتهم ميتا عظموه ولم يأكلوه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 80]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ذَرَأَ}: خلق). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وكذلك زيّن لكثيرٍ مّن المشركين قتل أولادهم شركآؤهم...}
وهم قوم كانوا يخدمون آلهتهم، فزيّنوا لهم دفن البنات وهنّ أحياء. وكان أيضا أحدهم يقول: لئن ولد لي كذا وكذا من الذكور لأنحرنّ واحداً. فذلك قتل أولادهم. والشركاء رفع؛ لأنهم الذين زيّنوا.
وكان بعضهم يقرأ: "وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتلُ أولادهم" فيرفع القتل إذا لم يسمّ فاعله، ويرفع (الشركاء) بفعل ينويه؛ كأنه قال: زيّنه لهم شركاؤهم.
ومثله قوله: (يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال) ثم قال: {رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ}.
وفي بعض مصاحف أهل الشام (شركايهم) بالياء، فإن تكن مثبتة عن الأوّلين فينبغي أن يقرأ (زيّن) وتكون الشركاء هم الأولاد؛ لأنهم منهم في النسب والميراث. فإن كانوا يقرءون (زيّن) فلست أعرف جهتها؛ إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون: أتيتها عشايا ثم يقولون في تثنية (الحمراء: حمرايان) فهذا وجه أن يكونوا قالوا: "زَيَّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادِهم شركايُهُمْ" وإن شئت جعلت (زيّن) إذا فتحته فعلا لإبليس ثم تخفض الشركاء بإتباع الأولاد. وليس قول من قال: إنما أرادوا مثل قول الشاعر:
فزججتها متمكّنا = زجّ القلوص أبي مزاد
بشيء. وهذا مما كان يقوله نحويّو أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية). [معاني القرآن: 1/358-359]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وكذلك زيّن لكثيرٍ مّن المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء اللّه ما فعلوه فذرهم وما يفترون}
وقال: {وكذلك زيّن لكثيرٍ مّن المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} لأن الشركاء زينوا.
ثم قال: {ليردوهم} من "أردى" "إرداء"). [معاني القرآن: 1/249]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ليردوهم} أي ليهلكوهم. والرّدى: الهلاك). [تفسير غريب القرآن: 161]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقد كان بعض القراءة يقرأ: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}، أي: قتل شركائهم أولادهم). [تأويل مشكل القرآن: 207-208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} يعني الموءودة قال مجاهد زين لهم الشياطين قتل البنات وخوفوهم العيلة قال غير مجاهد شركاؤهم ههنا الذين يخدمون الأصنام). [معاني القرآن: 2/495]


تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({حجرٌ} أي حرام، قال المتلمّس:
حنّت إلى النّخلة القصوى فقلت لها = حجرٌ حرامٌ ألا ثمّ الدّهاريس
الدهاريس: الدواهي). [مجاز القرآن: 1/207]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقالوا هذه أنعامٌ وحرثٌ حجرٌ لاّ يطعمها إلاّ من نّشاء بزعمهم وأنعامٌ حرّمت ظهورها وأنعامٌ لاّ يذكرون اسم اللّه عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون}
وقال: {حجرٌ لاّ يطعمها} و"الحجر" "الحرام" وقد قرئت بالضم {حجرٌ}، وكذلك قرئت (حجراً محجورا) بضم الحاء و{حجراً} في معنى واحد. وقد يكون "الحجر": العقل، قال الله تعالى: {هل في ذلك قسمٌ لّذي حجرٍ} أي ذي عقل. وقال بعضهم: "لا يكون في قوله: {وحرثٌ حجرٌ} إلا الكسر. وليس ذا بشيء لأنه حرام. وأما "حجر المرأة" ففيه الفتح والكسر و"حجر اليمامة" بالفتح و"الحجر" ما حجرته وهو قول أصحاب الحجر). [معاني القرآن: 1/249-250]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): (و(الحجر): الحرام وقد قرئت حجرا بالضم والمعنى واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وحرثٌ حجرٌ} أي زرع حرام. وإنما قيل للحرام: حجر، لأنه حجر على الناس أن يصيبوه يقال: حجرت على فلان كذا حجرا. ولما حجرته وحرّمته: حجرا.
{وأنعامٌ حرّمت ظهورها} يعني «الحامي».
{وأنعامٌ لا يذكرون اسم اللّه عليها} يعني «البحيرة»: لأنها لا تركب ولا يحمل عليها شيء، ولا يذكر اسم اللّه عليها). [تفسير غريب القرآن: 161]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلّا من نشاء بزعمهم وأنعام حرّمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم اللّه عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون}
والحامي الذي حمى ظهره أن يركب، {وأنعام لا يذكرون اسم اللّه عليها}.
فأعلم الله عزّ وجلّ أن ذلك افتراء، أي يفعلون ذلك افتراء عليه، وهو منصوب بقوله: {لا يذكرون اسم اللّه}.
وهذا يسميه سيبويه مفعول له.
وحقيقته أن قوله: {لا يذكرون} بمعنى يفترون، فكأنه قال يفترون افتراء). [معاني القرآن: 2/294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر} قال قتادة: الحجر الحرام.
وقيل هذه أشياء كانوا يجعلونها لأصنامهم لا يأكل منها إلا من يشاؤهم خدم الأصنام والحرث هو الذي يجعلونه لنفقة أوثانهم ويحرمونها على الناس إلا خدمها). [معاني القرآن: 2/495-496]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأنعام حرمت ظهورها}

قال قتادة: يعني السائبة والوصيلة). [معاني القرآن: 2/496]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها} أي يذبحونها لآلهتهم ولا يذكرون عليها اسم الله فأعلم الله جل وعز أنه لم يأمرهم بهذا ولا جاءهم به نبي فقال تعالى: {افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون} وقيل معنى وأنعام حرمت ظهورها هو الحامي الذي ذكره الله جل وعز في قوله: {ولا وصيلة ولا حام}
وقيل معنى وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها السائبة لأنها لا تركب فيذكر اسم الله عليها وقيل يذبحونها لأصنامهم فلا يذكرون اسم الله عليها والمحرمة ظهورها السائبة والحامي والبحيرة وأصحها ما بدأنا به). [معاني القرآن: 2/496-497]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَحَرْثٌ حِجْرٌ} أي زرع حرام.
{وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} يعني الحامي.
{وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْها} يعني البحيرة، كانوا لا يحملون عليها شيئا ولا يذكرون اسم الله عليها، ولا تُركب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 80]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((الحِجْرٌ): الحرام). [العمدة في غريب القرآن: 131]


تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصةٌ لّذكورنا...}
وفي قراءة عبد الله "خالص لذكورنا" وتأنيثه لتأنيث الأنعام؛ لأن ما في بطونها مثلها فأنث لتأنيثها. ومن ذكّره فلتذكير (ما) وقد قرأ بعضهم "خالصه لذكورنا" يضيفه إلى الهاء وتكون الهاء لما. ولو نصبت الخالص والخالصة على القطع وجعلت خبر ما في اللام التي في قوله (لذكورنا) كأنك قلت: ما في بطون هذه الأنعام لذكورنا خالصا وخالصةً كما قال: {وله الدّين واصباً} والنصب في هذا الموضع قليل؛ لا يكادون يقولون: عبد الله قائما فيها، ولكنه قياس.
وقوله: {وإن يكن مّيتةً فهم فيه شركاء} إن شئت رفعت الميتة، وإن شئت نصبتها فقلت (ميتةً) ولك أن تقول تكن ويكن بالتاء والياء.
وقد تكون الخالصة مصدرا لتأنيثها كما تقول: العاقبة والعافية. وهو مثل قوله: {إنّا أخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدّار}). [معاني القرآن: 1/359-360]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصةٌ لّذكورنا ومحرّمٌ على أزواجنا وإن يكن مّيتةً فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنّه حكيمٌ عليمٌ}
وقوله عز وجل: {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصةٌ لّذكورنا ومحرّمٌ على أزواجنا وإن يكن مّيتةً فهم فيه شركاء} رفعٌ أي: وإن تكن في بطونها ميتةٌ. وقد يجوز الرفع إذا قلت (يكن) لأن المؤنّث قد يذكر فعله.

و{خالصةٌ} أنثت لتحقيق الخلوص كأنه لما حقق لهم الخلوص أشبه الكثرة فجرى مجرى "راوية" و"نسّابة"). [معاني القرآن: 1/250]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصةٌ لذكورنا} يعني «الوصيلة» من الغنم، و«البحيرة» من الإبل.
{ومحرّمٌ على أزواجنا} يعني الإناث.
{سيجزيهم وصفهم} أي بكذبهم). [تفسير غريب القرآن: 161-162]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنّه حكيم عليم}
وكأنّه إذا جعلوا لأصنامهم مما في بطون الأنعام شيئا جعلوه ما يكون ذكرا مولودا حيا يأكله الذكران خاصة.
ولا يجيزون أن يأكل النساء شيئا.
فإن كان ذكرا ميتا اشترك فيه الرجال والنساء وهو قوله عزّ وجلّ: (وإن يكن ميتة فهم فيه شركا).
ثم قال: {خالصة لذكورنا} فهو على ضربين:
- أجودهما: أن يكون أنث الخبر، وجعل معنى "ما" التأنيث لأنها في معنى الجماعة، كأنّهم قالوا جماعة ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا، ويردّ (ومحرّم) على لفظ ما.
- وقال بعضهم: أنثه لتأنيث الأنعام، والذي في بطون الأنعام ليس بمنزلة بعض الشيء، لأن قولك: سقطت بعض أصابعه "بعض أصابع" إصبع وهي واحدة منها، والذي في بطون الأنعام: ما في بطن كل واحد غيرها.
ومن قال يجوز على أن الجملة أنعام فكأنه قال: وقالوا الأنعام التي في بطون الأنعام خالصة لذكورنا.
والقول الأول الذي شرحنا أبين، لقوله (ومحرّم)، لأنه دليل على الحمل المعنى في "ما" على اللفظ.
وقرأ بعضهم (خالصةً لذكورنا)، فهو عندي - واللّه أعلم - ما خلص حيا.
ويجوز (وإن يكن ميتة) بالياء والتاءات، ونصب (ميتة).
المعنى وإن تكن تلك الحمول التي في البطون ميتة، ومن قرأ وإن يكن فعلى لفظ ما، المعنى إن يكن ما في البطن ميتة، ويجوز "وإن تكن ميتة" بالتاء ورفع الميتة، ويكون "تكن" بمعنى الحدوث والوقوع كأنّه وإن تقع ميتة وإن تحدث ميتة.
وقوله: {سيجزيهم وصفهم} المعنى -واللّه أعلم- سيجزيهم جزاء وصفهم الذي هو كذب). [معاني القرآن: 2/294-295]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا}
قال مجاهد: يعني البحيرة والسائبة.
قال غيره: كانوا إذا جعلوا لأصنامهم شيئا مما في بطون الأنعام فولدت مولودا حيا ذكرا كان للذكران دون الإناث، وإذا ولدت ميتا ذكرا اشترك فيه الذكران والإناث فذلك قوله تعالى: {وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء}
وقال قطرب: إذا أتأمت عشرا فما ولدت بعد ذلك فهو للذكور إلا أن يموت فيشترك فيه أكله الذكر والأنثى.
وقرأ الأعمش (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالص لذكورنا).
قال الكسائي معنى "خالص" و"خالصة" واحد إلا أن الهاء للمبالغة، كما يقال رجل داهية وعلامة.
وقال الفراء: الخاء لتأنيث الأنعام لأن ما في بطون الأنعام مثلها.
وقرئ (خالصه لذكورنا) والمعنى على هذه القراءة: ما خلص منه حيا لذكورنا ومحرم على أزواجنا أي الإناث.
قال مجاهد: معنى {سيجزيهم وصفهم} أي سيجزيهم كذبهم.
والتقدير عند النحويين سيجزيهم جزاء وصفهم الذي هو كذب). [معاني القرآن: 2/498-499]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَقَالُوا ْمَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا} يعني الوصيلة من الغنم، والبحيرة من الإبل، {وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} يعني الإناث). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 80]


تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قتلوا أولادهم سفهاً} أي جهلا). [تفسير غريب القرآن: 162]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قد خسر الّذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرّموا ما رزقهم اللّه افتراء على اللّه قد ضلّوا وما كانوا مهتدين}
(سفها) منصوب على معنى اللام أي للسفه، مثل فعلت ذلك حذر الشر.
ويجوز أن يكون منصوبا على تأويل المصدر، لأن قتلهم أولادهم قد سفهوا فيه، فكأنّه قال: سفهوا سفها، فقال عز وجل: {قد خسر الّذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرّموا ما رزقهم اللّه افتراء على اللّه}.
وقد فسرنا نصب (افتراء).
ومعنى الافتراء ههنا الكذب). [معاني القرآن: 2/295-296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} يعني قتلهم البنات جهلا). [معاني القرآن: 2/499]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين} قال أبو رزين: ولم يكونوا مهتدين قبل ذلك). [معاني القرآن: 2/499]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وهو الّذي أنشأ جنّاتٍ مّعروشاتٍ وغير معروشاتٍ...}
هذه الكروم، ثم قال: {والزّيتون والرّمّان متشابهاً} في لونه و{غير متشابهٍ} في طعمه، منه حلو ومنه حامض.
وقوله: {وآتوا حقّه يوم حصاده} هذا لمن حضره من اليتامى والمساكين.
وقوله: {ولا تسرفوا} في أن تعطوا كله. وذلك أن ثابت بن قيس خلّى بين الناس وبين نخله، فذهب به كله ولم يبق لأهله منه شيء، فقال الله تبارك وتعالى: {ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}). [معاني القرآن: 1/360]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({جنّاتٍ معروشاتٍ} قد عرش عنبها.
{وغير معروشاتٍ} من سائر الشجر الذي لا يعرش، ومن النخل.
{كلوا من ثمره إذا أثمر} جميع ثمرة، ومن قرأها: (من ثُمُره) فضمّها، فإنه يجعلها جميع ثمر). [مجاز القرآن: 1/207]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهو الّذي أنشأ جنّاتٍ مّعروشاتٍ وغير معروشاتٍ والنّخل والزّرع مختلفاً أكله والزّيتون والرّمّان متشابهاً وغير متشابهٍ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقّه يوم حصاده ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}
[وقال] {جنّاتٍ} جر لأن تاء الجميع في موضع النصب مجرورة بالتنوين). [معاني القرآن: 1/250]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({جنات معروشات}: ما عرش من العنب وغيره). [غريب القرآن وتفسيره: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({مختلفاً أكله} أي: ثمرة سماه أكلا: لأنه يؤكل تصدّقوا منه، {ولا تسرفوا} في ذلك.
{وآتوا حقّه يوم حصاده} أي تصدّقوا منه، {ولا تسرفوا} في ذلك). [تفسير غريب القرآن: 162]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم احتج الله عليهم ونبّه على عظم ما أتوه في أن أقدموا على الكذب على اللّه وأقدموا على أن شرعوا من الدّين ما لم يأذن به اللّه فقال: {وهو الّذي أنشأ جنّات معروشات وغير معروشات والنّخل والزّرع مختلفا أكله والزّيتون والرّمّان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقّه يوم حصاده ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}
فكأنه قال افتروا على اللّه وهو المحدث للأشياء الفاعل ما لا يقدر أحد على الإتيان بمثله، فقال عزّ وجل: {وهو الّذي أنشأ} أي: ابتدع جنات معروشات، والجنات البساتين.
{وغير معروشات} ومعنى المعروشات ههنا: الكروم.
{والنّخل والزّرع مختلفا أكله} في حال اختلاف أكله. وهذه مسألة شديدة في النحو إلا على من عرف حقيقتها، لأن للقائل أن يقول كيف أنشأه في حال اختلاف أكله وهو قد نشأ من قبل وقوع أكله. وأكله ثمره؟
فالجواب في ذلك أنه عز وجلّ قدّر إنشاءه بقوله: {هو خالق كلّ شيء}
فأعلم عزّ وجلّ إنّه المنشئ له في حال اختلاف أكله، ويجوز أنشأه ولا أكل فيه مختلفا أكله، لأن المعنى مقدّرا ذلك فيه، كما تقول.: لتدخلنّ منزل زيد آكلين شاربين، المعنى تدخلون مقدّرين ذلك.
وسيبويه دل على ذلك وبيّنه في قوله: مررت برجل معه صقر - صائدا به غدا، فنصب صائدا على الحال، والمعنى مقدّرا الصيد.
ومعنى {متشابها وغير متشابه} على ضربين:
فأحدهما: أن بعضه يشبه بعضا، وبعضه يخالف بعضا ويكون أن يكون متشابها وغير متشابه، أن تكون الثمار يشبه بعضها بعضا في النظر وتختلف في الطعوم.
وقوله: {كلوا من ثمره إذا أثمر}
"ثمر" جمع ثمرة، ويجوز من ثمره، ويكون الثمر جمع ثمار فيكون بمنزلة حمر جمع حمار. ويجوز من ثمره.. بإسكان الميم.
وقوله عزّ وجلّ: {وآتوا حقّه يوم حصاده}
يجوز الحصاد والحصاد، وتقرأ بهما جميعا، ومثله الجداد والجداد لصرام النّخل.
اختلف الناس في تأويل {وآتوا حقّه يوم حصاده} فقيل إن الآية مكيّة.
وروي أن ثابت بن قيس بن شماس صرم خمسمائة نخلة ففرّق ثمارها كلّه ولم يدخل منه شيئا إلى منزله، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ -: {وآتوا حقّه يوم حصاده ولا تسرفوا}.
فيكون على هذا التأويل أن الإنسان إذا أعطى كل ماله ولم يوصل إلى عياله وأهله منه شيئا فقد أسرف، لأنه جاء في الخبر: ابدأ بمن تعول.
وقال قوم إنها مدنية، ومعنى {وآتوا حقّه يوم حصاده}: أدّوا ما افترض عليكم في صدقته، ولا اختلاف بين المسلمين في أمر الزكوات أن الثمار إذا حصدت وجب إخراج ما يجب فيها من الصدقة فيما فرض فيه الصدقة، فعلى هذا التأويل يكون: (ولا تسرفوا) أي لا تنفقوا أموالكم وصدقاتكم على غير الجهة التي افترضت عليكم، كما قال المشركون: " هذا ليس كائنا " وحرموا ما أحل اللّه، فلا يكون إسراف أبين من صرف الأموال فيما يسخط اللّه). [معاني القرآن: 2/296-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات} أنشأ خلق وابتدع والجنات البساتين.
وقيل المعروشات الكروم والنخل والزرع مختلفا أكله أي ثمره لأنه مما يؤكل والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه قيل مشتبه في المنظر ومختلف في المطعم فيه حلو وحامض وقيل يشبه بعضه بعضا في الطعم ومنه ما لا يشبه بعضه بعضا في الطعم). [معاني القرآن: 2/499-500]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} في هذه الآية ثلاثة أقوال:
- فمذهب ابن عمر وأبي الدرداء وسعيد بن جبير وأبي العالية ومجاهد وعطاء أن عليه أن يصدق منه سوى الزكاة المفروضة.
- والقول الثاني أن الآية منسوخة، قال إبراهيم النخعي: نسخها العشر ونصف العشر. وروى عن الحسن قولان: روى سفيان عن يونس عن الحسن قال: نسختها الزكاة المفروضة.
- والقول الآخر، وهو القول الثالث في الآية رواه شعبة عن أبي الرجاء قال: سألت الحسن عن قوله جل وعز: {وآتوا حقه يوم حصاده} فقال: الزكاة المفروضة.
وكذلك قال ابن عباس، وأنس بن مالك، وابن الحنفية، وجابر بن زيد، وسعيد بن المسيب، وطاووس، وقتادة، والضحاك رواه ابن وهب عن مالك قال: هي الصدقة المفروضة.
والقول الأول أولاها؛ لأنه يبعد أن يعني به الزكاة المفروضة لأن الأنعام مكية والزكاة إنما فرضت بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. ويقوي القول الأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن جذاذ الليل. قال سفيان: كي يحضر المساكين.
قال سعيد بن المسيب: ومعنى {ولا تسرفوا} ولا تمتنعوا من الصدقة فتهلكوا.
وقال غيره: معنى {ولا تسرفوا}: لا تدفعوا كل ما لكم إلى الغرباء وتتركوا عيالكم كما روي ابدأ بمن تعول السرف في اللغة المجاوزة إلى ما لا يحل وهو اسم ذم أي لا تنفقوا في الوجوه المحرمة حتى لا يجد السائل شيئا.
وقيل معنى {ولا تسرفوا}: لا تنفقوا أموالكم فيما لا يحل لأنه قد أخبر عنهم أنهم قالوا وهذا لشركائنا). [معاني القرآن: 2/500-503]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَّعْرُوشَاتٍ}: ما عرش من الكرم). [العمدة في غريب القرآن: 131]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 09:53 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 74 إلى 94]

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر...}
يقال: آزر في موضع خفض ولا يجرى لأنه أعجميّ. وقد أجمع أهل النسب على أنه ابن تارح، فكأن آزر لقب له. وقد بلغني أن معنى (آزر) في كلامهم معوجّ، كأنه عابه بزيغه وبعوجه عن الحقّ. وقد قرأ بعضهم (لأبيه ازر) بالرفع على النداء (يا) وهو وجه حسن.
وقوله: {أتتّخذ أصناماً آلهةً} نصبت الأصنام بإيقاع الفعل عليها، وكذلك الآلهة). [معاني القرآن: 1/340]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصناماً آلهةً إنّي أراك وقومك في ضلالٍ مّبينٍ}
وقال: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} فتح إذا جعلت {آزر} بدلاً من {أبيه} وقد قرئت رفعا على النداء كأنه قال "يا آزر". وقال الشاعر:

إنّ عليّ الله أن تبايعا = تقتل صبحاً أو تجيء طائعا
فأبدل "تقتل صبحاً" من "تبايع"). [معاني القرآن: 1/242-243]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قد ذكرته في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصناما آلهة إنّي أراك وقومك في ضلال مبين}
{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر}
بالنصب والضم، فمن قرأ بالضم فعلى النداء، المعنى يا آزر أتتّخذ أصناما. وليس بين النسّابين خلاف أن اسم أبي إبراهيم " تارح " والذي في القرآن يدل على أن: اسمه آزر، وقيل آزر عندهم ذمّ في لغتهم، كأنه: وإذ قال إبراهيم لأبيه يا مخطئ أتتخذ أصناما.
وإذا كان كذلك فالاختيار الرفع. وجائز أن يكون وصفا له، كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه المخطئ.
وقيل "آزر" اسم صنم، فإذا كان اسم صنم فموضعه نصب على إضمار الفعل، كأنه قال (وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ آزر إلها؟) أتتخذ أصناما آلهة؟ ). [معاني القرآن: 2/265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة} فقرأ الحسن {آزر} بالرفع وفي حرف أبي (يا آزر) قال الحسن هو اسم أبيه وذهب الحسن إلى أنه نداء وقال سليمان التيمي معنى آزر يا أعوج وقيل كان لأبيه اسمان كان يقال له تارح وآزر وقيل "آزر" اسم صنم: والمعنى على هذا القول "أتتخذ آزر" أي: أتتخذ أصناما). [معاني القرآن: 2/448]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ملكوت السّموات} أي: ملك السموات،
خرجت مخرج قولهم في المثل: رهبوت خيرٌ من رحموت، أي: رهبة خير من رحمة). [مجاز القرآن: 1/197-198]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ملكوت السموات والأرض}: ملك السموات وفي التفسير آيات السموات، ومثل للعرب " الرهبوت خير من الرحموت" يريد أن ترهب خير من أن ترحم). [غريب القرآن وتفسيره: 138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ملكوت السّماوات والأرض} ملكهما. زيدت فيه الواو والتاء وبني بناء جبروت ورهبوت). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض وليكون من الموقنين}
أي ومثل ما وصفنا من قصة إبراهيم من قوله لأبيه ما قال نريه ملكوت السّماوات والأرض، أي القدرة التي تقوى بها دلالته على توحيد اللّه جلّ وعزّ.
وتقول في الكلام لمن فعل بك خيرا أو شرا كذلك أجزيك.
ومعنى قوله: {وليكون من الموقنين} أي نريه ملكوت السّماوات والأرض لما فعل، وليثبت على اليقين.
والملكوت بمنزلة الملك، إلا أن الملكوت أبلغ في اللغة من الملك، لأن الواو والتاء تزادان للمبالغة، ومثل الملكوت الرغبوت، والرهبوت.
ووزنه من الفعل فعلوت وفي المثل رهبوتي خير من رغبوتي، وهذا كقولهم، أو فرقا خيرا من حبّ، ومن روى رهبوتي خير من رحموتي فمعنى صحيح. يحقق من اللسان أن تكون له هيبة ترهب بها خير من أن يرحم). [معاني القرآن: 2/265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض} ملكوت في اللغة بمعنى ملك إلا أن فيه معنى المبالغة وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني الآيات وروى ابن جريج عن القاسم عن إبراهيم النخعي قال فرجت له السموات السبع فنظر إليهن حتى انتهى إلى العرش وفرجت له الأرضون فنظر إليهن). [معاني القرآن: 2/449]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَلَكُوتَ}: ملك). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلمّا جنّ عليه اللّيل...}
يقال: جنّ عليه الليل، وأجنّ، وأجنّه الليل وجنّه الليل؛ وبالألف أجود إذا ألقيت (على) وهي أكثر من جنّه الليل.
يقال في قوله: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكباً قال هذا ربّي} قولان: إنما قال: هذا ربّي استدراجا للحجّة على قومه ليعيب آلهتهم أنها ليست بشيء، وأن الكوكب والقمر والشمس أكبر منها ولسن بآلهة؛ ويقال: إنه قاله على الوجه الآخر؛ كما قال الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {ألم يجدك يتيماً فآوى. ووجدك ضالاّ فهدى}
واحتجوا ها هنا بقول إبراهيم: {لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين}). [معاني القرآن: 1/341]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فلمّا جنّ عليه اللّيل} أي: غطّى عليه وأظلم عليه، ومصدره، جنّ الليل جنوناً، قال دريد بن الصّمًّة:
ولولا جنون الليل أدرك ركضنا = بذي الرّمث والأرطي عياض بن ناشب
وبعضهم ينشده: ولولا جنان الليل، أي غطاؤه وسواده، وما جنّك من شيء فهو جنان لك، وقال سلامة بن جندل:
ولولا جنان الليل ما آب عامرٌ = إلى جعفرٍ سرباله لم يمزّق
قال ابن أحمر يخاطب ناقته:
جنان المسلمين أودّ مسّا = وإن جاورت أسلم أو غفارا
أي: سوادهم، يقول: دخولك في المسلمين أودّ لك {فلمّا أفل} أي غاب؛ يقال: أين أفلت عنا، أي أين غبت عنا، وهو يأفل مكسورة الفاء، والمصدر: أفل أفولاً كقوله:
وإذا ما الثّريّا أحسّت أفولا
أي: غيبوبة. قال ذو الرّمّة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها = نجومٌ ولا بالآفلات الدّوالك
{لا أحبّ الآفلين} أي من الأشياء، ولم يقصد قصد الشمس والقمر والنجوم فيجمعها على جميع الموات). [مجاز القرآن: 1/198-200]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكباً قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين}
وقال: {فلمّا جنّ عليه اللّيل} وقال بعضهم {أجنّ}. وقال الشاعر:
فلمّا أجنّ اللّيل بتنا كأنّنا = على كثرة الأعداء محترسان
وقال:
* أجنّك اللّيل ولمّا تشتف *
فجعل "الجنّ" مصدرا لـ"جنّ". وقد يستقيم أن يكون "أجنّ" ويكون ذا مصدره كما قال "العطاء" و"الإعطاء".
وأما قوله: {أكننتم في أنفسكم} فإنهم يقولون في مفعولها: "مكنونٌ" ويقول بعضهم "مكنّ" وتقول: "كننت الجارية" إذا صنتها و"كننتها من الشّمس" و"أكننتها من الشّمس" أيضاً. ويقولون "هي مكنونة" و"مكنّةٌ" وقال الشاعر:
قد كنت أعطيهم مالي وأمنحهم = عرضي وعندهم في الصّدر مكنون
لأنّ قيساً تقول: "كننت العلم" فهو "مكنون". وتقول بنو تميم "أكننت العلم" فـ"هو مكنّ"، و"كننت الجارية فـ"هي مكنونةٌ". وفي كتاب الله عز وجل: {أو أكننتم في أنفسكم} وقال: {كأنّهنّ بيضٌ مّكنونٌ} وقال الشاعر:
قد كنّ يكننّ الوجوه تستّراً = فاليوم حين بدون للنّظّار
وقيس تنشد "قدكن يكننّ".
وقال: {فلمّا أفل} فهو من "يأفل" "أفولاً"). [معاني القرآن: 1/243]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({جن عليه الليل}: أظلم.
{فلما أفل}: غاب يقال أين أفلت أي أين غبت). [غريب القرآن وتفسيره: 138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({جنّ عليه اللّيل}: أظلم. يقال: جنّ جنانا وجنونا، وأجنّة الليل إجنانا). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
كان العصر الذي بعث الله، عز وجل، فيه إبراهيم، صلّى الله عليه وسلم، عصر نجوم وكهانة، وإنما أمر نمروذ بقتل الولدان في السنة التي ولد فيها إبراهيم، صلّى الله عليه وسلم، لأن المنجمين والكهّان قالوا: إنه يولد في تلك السنة من يدعو إلى غير دينه، ويرغب عن سنّته.
وكان القوم يعظّمون النجوم، ويقضون بها على غائب الأمور، ولذلك نظر إبراهيم نظرة في النجوم فقال: {إِنِّي سَقِيمٌ}وكان القوم يريدون الخروج إلى مجمع لهم، فأرادوه على أن يغدو معهم، وأراد كيد أصنامهم خلاف مخرجهم، فنظر نظرة في النجوم، يريد علم النجوم، أي في مقياس من مقاييسها، أو سبب من أسبابها، ولم ينظر إلى النجوم أنفسها.
يدلك على ذلك قوله: { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} ولم يقل: إلى النجوم. وهذا كما يقال: فلان ينظر في النجوم، إذا كان يعرف حسابها، وفلان ينظر في الفقه والحساب والنحو.
وإنما أراد بالنظر فيها: أن يوهمهم أنه يعلم منها ما يعلمون، ويتعرف في الأمور من حيث يتعرفون، وذلك أبلغ في المحال، وألطف في المكيدة {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} أي سأسقم فلا أقدر على الغدوّ معكم. هذا الذي أوهمهم بمعاريض الكلام، ونيّته أنه سقيم غدا لا محالة، لأن من كانت غايته الموت ومصيره إلى الفناء- فسيسقم. ومثله قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} ولم يكن النبي، صلّى الله عليه وسلم، ميّتا في ذلك الوقت، وإنما أراد: أنك ستموت وسيموتون.
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى} الزّهرة {قَالَ هَذَا رَبِّي} يريد: أن يستدرجهم بهذا القول، ويعرّفهم خطأهم، وجهلهم في تعظيمهم شأن النجوم، وقضائهم على الأمور بدلالتها. فأراهم أنه معظّم ما عظّموا، وملتمس الهدى من حيث التمسوا. وكلّ من تابعك على هواك وشابعك على أمرك، كنت به أوثق، وإليه أسكن وأركن. فأنسوا واطمأنوا.
فلمّا أفل أراهم النقص الداخل على النجم بالأفول، لأنه ليس ينبغي لإله أن يزول ولا أن يغيب، فقال لا أحبّ الآفلين واعتبر مثل ذلك في الشمس والقمر، حتى تبين للقوم ما أراد، من غير جهة العناد والمبادأة بالتّنقص والعيب.
ثم قال: {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا} وما فيها من نجم وقمر وشمس والأرض وما فيها من بحر وجبل وحجر وصنم {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ومثل هذا: الحواريّ حين ورد على قوم يعبدون (بدّا) لهم فأظهر تعظيمه وترفيله، وأراهم الاجتهاد في دينهم، فأكرموه وفضّلوه وائتمنوه، وصدروا في كثير من الأمور عن رأيه. إلى أن دهمهم عدوّ لهم خافه الملك على مملكته، فشاور الحواريّ في أمره، فقال: الرأي أن ندعو إلهنا- يعني البدّ- حتى يكشف ما قد أظلّنا، فإنا لمثل هذا اليوم كنّا نرشّحه. فاستكفّوا حوله يتضرّعون إليه ويجأرون، وأمر عدوّهم يستفحل، وشوكته تشتد يوما بعد يوم. فلما تبين لهم من هذه الجهة أن (بدّهم) لا ينفع ولا يدفع، ولا يبصر ولا يسمع، قال: هاهنا إله آخر، أدعوه فيستجيب، وأستجيره فيجير، فهلموا فلندعه. فدعوا الله جميعا فصرف عنهم ما كانوا يحاذرون، وأسلموا.
ومن الناس من يذهب إلى أن إبراهيم صلّى الله عليه وسلم، كان في تلك الحال على ضلال وحيرة.
وكيف يتوهّم ذلك على من عصمه الله وطهّره في مستقرّه ومستودعه؟
والله سبحانه يقول: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي: لم يشرك به قط، كذلك قال المفسرون، أو من قال منهم.
ويقول في صدر الآية: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ثم قال على أثر ذلك: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ}.
فروي: أنه رأى في الملكوت عبدا على فاحشة فدعا الله عليه، ثم رأى آخر على فاحشة فدعا الله عليه، فقال له الله: (يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي، فإن عبدي بين خلال ثلاث: إما أن أخرج منه ذرّية طيّبة، أو يتوب فأغفر له، أو النار من ورائه).
أفترى الله أراه الملكوت ليوقن، فلما أيقن رأى كوكبا فقال: هذا ربي على الحقيقة والاعتقاد؟!). [تأويل مشكل القرآن: 335-338]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين}
يقال جنّ عليه الليل وأجنّه الليل إذا أظلم حتى يستتر بظلمته ويقال لكل ما ستر قد جنّ، وقد أجن، ويقال جنّه الليل، ولكن الاختيار جنّ عليه الليل وأجنّه الليل.
وقيل إنّ قوم إبراهيم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فلما بلغ إبراهيم المبلغ الذي يجب معه النظر، وتجب به على العبد الحجة، نظر في الأشياء التي كان يعبدها قومه فلما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه، قال لهم هذا ربّي أي في زعمكم، كما قال الله جلّ وعزّ: {أين شركائي الذين كنتم تزعمون} فأضافهم إلى نفسه حكاية لقولهم.
{فلمّا أفل} أي فلما غاب، يقال أفل النجم يأفل وبأفل أفولا، إذا غاب:
{قال لا أحبّ الآفلين} أي لا أحب من كانت حالته أن يطلع ويسير على هيئة يتبين معها أنه محدث منتقل من مكان إلى مكان، كما يفعل سائر الأشياء التي أجمعتم معي على أنها ليست بآلهة، أي لا أتخذ ما هذه حاله إلها، كما أنكم لا تتخذون كل ما جرى مجرى هذا من سائر الأشياء آلهة، ليس أنه جعل الحجة عليهم أنّ ما غاب ليس بإله، لأن السماء والأرض ظاهرتان غير غائبتين وليس يدعى فيهما هذه الدعوى.
وإنما أراد التبيين لهم القريب، لأن غيبوبته أقرب ما الناظرون به فيما يظهر لهم، كما قال: (فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب.
وقد قيل إنه قال هذا وهو ينظر لنفسه، فكأنه على هذا القول بمنزلة قوله: - {ووجدك ضالّا فهدى}
وإبراهيم قد أنبأ اللّه - عز وجل - عنه بقوله {إذ جاء ربّه بقلب سليم}، فلا شك أنه سليم من أن يكون الشك دخله في أمر اللّه. واللّه أعلم.
وجائز أن يكون على إضمار القول، كأنه قال: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبا قال هذا ربّي}، كأنه قال: تقولون هذا ربي، أي أنتم تقولون هذا ربي، كما قال جلّ وعزّ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا}
المعنى يقولان تقبل منا. واللّه أعلم بحقيقة هذا.
والذي عندي في هذا القول أنه قال لهم: تقولون هذا ربي، أي هذا يدبرني، لأنه فيما يروى أنهم كانوا أصحاب نجوم، فاحتج عليهم بأن الذي تزعمون أنه مدبّر إنما يرى فيه أثر مدبّر لا غير). [معاني القرآن: 2/266-267]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {فلما جن عليه الليل}

(جن عليه) و(أجنة): إذا ستره بظلمته). [معاني القرآن: 2/449]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {رأى كوكبا}
قال قتادة كنا نحدث أنه الزهرة قال السدي هو المشتري). [معاني القرآن: 2/449-450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {هذا ربي} في هذا أجوبة قال قطرب يجوز أن يكون على الاستفهام وهذا خطأ لأن الاستفهام لا يكون إلا بحرف أو يكون في الكلام أم وقال بعض أهل النظر إنما قال لهم هذا من قبل أن يوحى إليه واستشهد صاحب هذا القول بقوله تعالى: {لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} قال أبو إسحاق هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قاله
وقد أخبر الله جل وعز عن إبراهيم أنه قال: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} وقال جل وعز: {بقلب سليم} أي لم يشرك قط قال والجواب عندي أنه قال هذا ربي على قولكم لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر ونظير هذا قول الله جل وعز: {أين شركائي} وهو جل وعز لا شريك له والمعنى أين شركائي على قولكم ويجوز أن يكون المعنى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا يقولون هذا ربي ثم حذف القول كما قال جل وعز: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} فحذف القول).
[معاني القرآن: 2/450-451]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما أفل} قال قتادة أي ذهب قال الكسائي: يقال أفل النجم أفولا إذا غاب). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَلَمَّا جَنّ َعَلَيْهِ اللَّيْلُ} أي أظلم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({جَنَّ}: غطى
{أَفَلَ}: غاب). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فلمّا رأى القمر بازغاً} أي طالعاً). [مجاز القرآن: 1/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بازغا}: طالعا). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({بازغاً} طالعا يقال: بزغت الشمس تبزغ {أفلت} غابت). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما رأى القمر بازغا}
يقال بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَازِغًا} أي طالعاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَازِغًا}: طالعاً). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)}:
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلماّ رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريءٌ مّمّا تشركون}
وأما قوله للشمس {هذا ربّي} فقد يجوز على "هذا الشيء الطالع ربّي".
أو على أنّه ظهرت الشمس وقد كانوا يذكرون الرب في كلامهم قال لهم {هذا ربّي}. وإنما هذا مثل ضربه لهم ليعرفوا إذا هو زال أنه لا ينبغي أن يكون مثله آلها، وليدلهم على وحدانية الله، وأنه ليس مثله شيء. وقال الشاعر:
مكثت حولاً ثمّ جئت قاشراً = لا حملت منك كراعٌ حافرا).
[معاني القرآن: 1/244]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ} أي لم يخلطوه بشرك. ومنه قول لقمان: {إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ} ). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا رأى الشّمس بازغة قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريء ممّا تشركون}
{فلمّا رأى الشّمس بازغة}..{فلمّا رأى القمر بازغا}.
يقال قد بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع، وكذلك الشمس.
والحجة في الشمس والقمر كالحجة في الكوكب.
واحتج الذين قالوا إنّه قال {هذا ربّي} على وجه الظن والتفكر بقوله: {لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين}.
وهذا لا يوجب ذلك. لأن الأنبياء تسأل اللّه أن يثبتها على الهدى وتعلم أنه لولا هداية اللّه ما اهتدت.
وإبراهيم يقول: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام}). [معاني القرآن: 2/267-268]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَفَلَتْ} غابت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين}
{إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا}
أي مائلا إلى الإسلام ميلا لا رجوع معه، والحنف أن يكون في القدم ميل، وهو أن تميل إبهام القدم إلى إبهام القدم، فتقبل هذه القدم على هذه القدم، ويكون ذلك خلقة. والحنيف الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت فيه.
ومعنى {وجّهت وجهي} أي جعلت قصدي بعبادتي توحيدي اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 2/268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا} فطر خلق والحنيف المائل إلى الإسلام كل الميل). [معاني القرآن: 2/452]

تفسير قوله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جل وعلا: {وحاجّه قومه قال أتحاجّونّي في اللّه وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلّا أن يشاء ربّي شيئا وسع ربّي كلّ شيء علما أفلا تتذكّرون}
المعنى حاجوه في اللّه، فقال: {أتحاجّونّي في اللّه}.
ومحاجتهم إياه كانت - واللّه أعلم - فيما عبدوا مع اللّه عزّ وجلّ من الكواكب والشمس والقمر والأصنام، فقال: {أتحاجّونّي في اللّه}.
أي في توحيد اللّه.
{وقد هداني} وقد بين لي ما به اهتديت.
{ولا أخاف ما تشركون به} أي هذه الأشياء التي تعبدونها لا تضر ولا تنفع، ولا أخافها.
{إلّا أن يشاء ربّي شيئا}
إلا أن يشاء أن يعذبني بذنب إن كان مني. وموضع (أن) نصب، أي لا أخاف إلا مشيئة اللّه). [معاني القرآن: 2/268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وحاجه قومه} المعنى وحاجه قومه أي في توحيد الله). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا}
المعنى إلا أن يشاء ربي أن يلحقني شيئا بذنب عملته وهذا استثناء ليس من الأول). [معاني القرآن: 2/452-453]

تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ما لم ينزّل به عليكم سلطاناً} أي ما لم يجعل لكم فيه حجة، ولا برهاناً، ولا عذراً). [مجاز القرآن: 1/200]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({كيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنّكم أشركتم باللّه ما لم ينزّل به عليكم سلطانا فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون}
أي ولا تخافون أنتم شرككم باللّه ما لم ينزل به عليكم سلطانا، أي حجة بينة.
{فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن}
أي أحق بأن يأمن من العذاب، الموحّد أم المشرك). [معاني القرآن: 2/269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فأي الفريقين أحق بالأمن} المعنى المؤمن أحق بالأمن أم المشرك). [معاني القرآن: 2/453]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أصل الظلم في كلام العرب: وضع الشيء في غير موضعه.
ويقال: (من أشبه أباه فما ظلم)، أي: فما وضع الشّبه غير موضعه.
وظلم السّقاء: هو أن يشرب قبل إدراكه.
وظلم الجزور: أن يعتبط، أي ينحر، من غير علّة.
وأرض مظلومة: أي حفرت وليست موضع حفر.
ويقال: الزم الطريق ولا تظلمه، أي: لا تعدل عنه.
ثم قد يصير الظلم بمعنى الشّرك، لأنّ من جعل لله شريكا: فقد وضع الرّبوبيّة غير موضعها.
يقول الله سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وقال: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، أي: يشرك). [تأويل مشكل القرآن: 467]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}
قالوا جائز أن يكون هذا قول اللّه {أولئك لهم الأمن} غير حكاية عن إبراهيم، وجائز أن يكون إبراهيم قال ذلك). [معاني القرآن: 2/269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} يجوز أن يكون هذا إخبار عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه قاله ويجوز أن يكون مستأنفا من قول الله جل وعز وفي بعض الروايات عن مجاهد ما يدل أنه إخبار عن إبراهيم
وروي عن مجاهد أنه قال في قول الله جل وعز: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} قال هو قوله: {فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} قال أبو بكر وعلي رضي الله عنهما وسلمان وحذيفة في قوله تعالى: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} أي بشرك وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لا يظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كما تظنون إنما هو كما قال لقمان إن الشرك لظلم عظيم). [معاني القرآن: 2/453-454]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} أي لم يخلطوه بشرك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]

تفسير قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه...}
وذلك أنهم قالوا له: أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبّك إياها؟ فقال لهم: أفلا تخافون أنتم ذلك منها إذ سوّيتم بين الصغير والكبير والذكر والأنثى أن يغضب الكبير إذ سوّيتم به الصغير. ثم قال لهم: أمن يعبد إلها واحدا أحقّ أن يأمن أم من يعبد آلهة شتّى؟ قالوا: من يعبد إلها واحدا، فغضبوا على أنفسهم. فذلك قوله: {وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه}). [معاني القرآن: 1/341]

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن ذرّيّته...}
هذه الهاء لنوح: و(هدينا) من ذرّيته داود وسليمان. ولو رفع داود وسليمان على هذا المعنى إذ لم يظهر الفعل كان صوابا؛ كما تقول: أخذت صدقاتهم لكل مائة (شاةٍ شاةً) وشاةٌ). [معاني القرآن: 1/342]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاًّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّيّته داوود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ مّن الصّالحين}
قال: {ومن ذرّيّته داوود وسليمان} يعني: {ووهبنا له} {ومن ذرّيّته داوود وسليمان} وكذلك {وزكريّا ويحيى وعيسى}). [معاني القرآن: 1/244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلّا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذرّيّته داوود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين}
داود وسليمان نسق على نوح، كأنه قال: وهدينا داود وسليمان وجائز أن يكون من ذرية نوح، وجائز أن يكون من ذرية إبراهيم، لأن ذكرهما جميعا قد جرى، وأسماء الأنبياء التي جاءت بعد قوله: {ونوحا هدينا من قبل} نسق على نوح، إلا أن اليسع يقال فيه اللّيسع واليسع، بتشديد اللام وتخفيفها). [معاني القرآن: 2/269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن ذريته داود وسليمان}
ويجوز أن يكون المعنى وهدينا داود وسليمان ويكون معطوفا على كل ويجوز أن يكون المعنى ووهبنا له داود وسليمان). [معاني القرآن: 2/454-455]

تفسير قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)}:

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واليسع...}
يشدّد أصحاب عبد الله اللام، وهي أشبه بأسماء العجم من الذين يقولون (واليسع) لا تكاد العرب تدخل الألف واللام فيما لا يجرى؛ مثل يزيد ويعمر إلا في شعر؛ أنشد بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا = شديدا بأحناء الخلافة كاهله
وإنما أدخل في يزيد الألف واللام لمّا أدخلها في الوليد. والعرب إذا فعلت ذلك فقد أمسّت الحرف مدحا). [معاني القرآن: 1/342]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاًّ فضّلنا على العالمين}
وقال بعضهم: {واليسع}، وقال بعضهم: (واللّيسع)، ونقرأ بالخفيفة). [معاني القرآن: 1/244]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({واجتبيناهم} أي اخترناهم، يقال: اجتبي فلان كذا لنفسه، أي اختار). [مجاز القرآن: 1/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({اجتبيناهم}: اخترناهم). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم}
أي هدينا هؤلاء، وهدينا بعض آبائهم وإخوانهم.
ومعنى قوله: {واجتبيناهم}
مثل اخترناهم، وهو مأخوذ من جبيت الماء في الحوض إذا جمعته). [معاني القرآن: 2/269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واجتبيناهم} قال مجاهد: (أخلصناهم)، وهو عند أهل اللغة بمعنى: اخترناهم). [معاني القرآن: 2/455]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اجْتَبَيْنَاهُمْ}: اخترناهم). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)}

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فإن يكفر بها هؤلاء...} يعني أهل مكّة {فقد وكّلنا بها قوماً} يعني أهل المدينة {لّيسوا بها بكافرين} بالآية). [معاني القرآن: 1/342]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فقد وكّلنا بها قوماً} أي فقد رزّقناها قوماً). [مجاز القرآن: 1/200]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوّة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين}
{فإن يكفر بها هؤلاء} أي: الذين قد كفروا، ويكفرون، ممن أرسلت إليه.
{فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} أي قد وكلنا بالإيمان بها، وقيل في هذه ثلاثة أقوال:
- قيل يعني بذلك الأنبياء الذين جرى ذكرهم آمنوا بما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- في وقت مبعثهم.
- وقيل يعني به الملائكة.
- وقيل أيضا يعني به من آمن من أصحاب النبي وأتباعه.
وهو -واللّه أعلم- يعني به الأنبياء الذين تقدموا لقوله تبارك وتعالى: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلّا ذكرى للعالمين}). [معاني القرآن: 2/270]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء} قال مجاهد يعني أهل مكة وقال قتادة يعني قوم محمد عليه السلام). [معاني القرآن:2/455]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ({فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} قال مجاهد يعني أهل المدينة وقال قتادة يعني النبيين الذين قص الله عز وجل
وهذا القول أشبه بالمعنى لأنه قال بعد أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وحدثني محمد بن إدريس قال حدثنا إبراهيم حدثنا عثمان المؤذن عن عوف عن أبي رجاء في قول الله جل وعز: {فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} قال هم الملائكة). [معاني القرآن: 2/455-456]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}:
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لاّ أسألكم عليه أجراً إن هو إلاّ ذكرى للعالمين}
وقال: {فبهداهم اقتده}. وكلّ شيء من بنات الياء والواو في موضع الجزم فالوقف عليه بالهاء ليلفظ به كما كان). [معاني القرآن: 1/244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلّا ذكرى للعالمين}
أي الأنبياء الذين ذكرناهم الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده أي اصبر كما صبروا، فإن قومهم قد كذبوهم فصبروا على ما كذبوا وأوذوا، فاقتد بهم.
وهذه الهاء التي في " اقتده " إنما تثبت في الوقف، تبين بها كسرة الدال، فإن وصلت قلت "اقتد"
{قل لا أسألكم}
قال أبو إسحاق: والذي أختار من أثق بعلمه أن يوقف عند هذه الهاء.
وكذلك في قوله {فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه * إنّي ظننت أنّي ملاق حسابيه}.
وكذلك {لم يتسنّه} وكذلك {وما أدراك ما هيه}
وقد بيّنّا ما في " يتسنّه " في سورة البقرة). [معاني القرآن: 2/270]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره...}
ما عظّموه حقّ تعظيمه. وقوله: {تجعلونه قراطيس} يقول: كيف قلتم: لم ينزل الله على بشر من شيء وقد أنزلت التوراة على موسى {تجعلونه قراطيس} والقرطاس في هذا الموضع صحيفة. وكذلك قوله: {ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ} يعني: في صحيفة.
{تبدونها وتخفون كثيراً} يقول: تبدون ما تحبون، وتكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول {قل اللّه} أي: أنزله الله عليكم. وإن شئت قلت: قل (هو) الله. وقد يكون قوله: {قل اللّه} جوابا لقوله: {من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى}، {قل اللّه} أنزله. وإنما اخترت رفع {اللّه} بغير الجواب لأن الله تبارك وتعالى الذي أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يسألهم: {من أنزل الكتاب} وليست بمسألة منهم فيجابوا، ولكنه جاز لأنه استفهام، والاستفهام يكون له جواب.
وقوله: {ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} لو كانت جزما لكان صوابا؛ كما قال {ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا} ). [معاني القرآن: 1/343]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وما قدروا الله حقّ قدره} أي ما عرفوا الله حقّ معرفته). [مجاز القرآن: 1/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ما قدروا الله حق قدره}: ما عرفوا الله حق معرفته). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وما قدروا اللّه حقّ قدره} أي ما وصفوه حقّ صفته، ولا عرفوه حقّ معرفته. يقال: قدرت الشيء وقدّرته. وقدرت فيك كذا وكذا، وقدرته). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورا وهدى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون}
معناه ما عظّموا اللّه حق عظمته إذ جحدوا تنزيله، وذلك أن جماعة من اليهود -من منافقيهم- جاءوا وهم يعاندون النبي -صلى الله عليه وسلم- يجادلونه ويصدّون عنه.
وكان سمتهم سمة الأحبار، وكانوا يتنعّمون ولا يتعبدون، فأعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن في التوراة أن الله جلّ وعزّ لا يحب الحبر السّمين، فجحدوا التوراة، وقالوا: {ما أنزل اللّه على بشر من شيء}، فقال الله عزّ وجل: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورا وهدى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} يظهرون ما يحبون من ذلك ويخفون كثيرا.
{وعلّمتم ما لم تعلموا} أي علّمتم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم {ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون}.
يقال لكل من كان في عمل لا يجدي إنما أنت لاعب). [معاني القرآن: 2/270-271]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وما قدروا الله حق قدره} قال أبو عبيدة أي ما عرفوا الله حق معرفته هذا قول حسن لأن معنى قدرت الشيء وقدّرتُه عرفت مقداره ويدل عليه قوله جل وعلا: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} أي لم يعرفوه حق معرفته إذ أنكروا أن يرسل رسولا وقال غير أبي عبيدة المعنى وما عظموا الله حق عظمته ومن هذا لفلان قدر
والمعنيان متقاربان ويروى أن هذا نزل في بعض اليهود ممن كان يظهر العبادة ويتنعم في السر فقيل له إن في الكتاب أن الله لا يحب الحبر السمين فقال {ما أنزل الله على بشر من شيء}). [معاني القرآن: 2/456-457]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عرفوه حق معرفته، ولا وصفوه حق صفته). [تفسير المشكل من غريب القرآن:77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَا قَدَرُواْ اللّهَ}: ما عرفوا الله
{حق قدره}: حق معرفته). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولتنذر أمّ القرى...}
يقال في التفسير: إنّ أمّ القرى مكّة.
وقوله: {والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به} الهاء تكون لمحمد صلى الله عليه وسلم وللتنزيل). [معاني القرآن: 1/344]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مّصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى ومن حولها والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون}
وقال: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مّصدّق الّذي} رفع على الصفة، ويجعل نصبا حالا لـ{أنزلناه}). [معاني القرآن: 1/245]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أمّ القرى}: مكة لأنها أقدمها). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى ومن حولها والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون}
{ولتنذر أمّ القرى ومن حولها} تقرأ بالتاء والياء جميعا في لتنذر المعنى أنزلناه للبركة والإنذار.
ومعنى {أم القرى} أي أهل أم القرى، و {من حولها} عطف عليهم.
وأمّ القرى مكة سميت أمّ القرى لأنها كانت أعظم القرى شأنا). [معاني القرآن: 2/271]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولتنذر أم القرى ومن حولها} المعنى ولتنذر أهل أم القرى قال قتادة:كنا نتحدث أنها مكة؛ لأن الأرض منها دحيت.
وقيل: إنما سميت أم القرى؛ لأنها تقصد من كل قرية).
[معاني القرآن: 2/457-458]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذباً...}
يقال: إنها نزلت في مسيلمة الكذّاب، وذلك أنه ادّعى النبوّة.
{ومن قال سأنزل} ومن في موضع خفض. يريد: ومن أظلم من هذا ومن هذا الذي قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وذلك أنه كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {واللّه غفورٌ رحيم} كتب (سميع عليم) أو (عزيز حكيم) فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: سواء؛ حتى أملّ عليه قوله: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ} إلى قوله: {ثمّ أنشأناه خلقاً آخر} فقال ابن أبي سرح {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} تعجّبا من تفصيل خلق الإنسان، قال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت عليّ، فشكّ وارتدّ. وقال: لئن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقا لقد أوحى إليّ (كما أوحى إليه) ولئن كان كاذبا لقد قلت مثل ما قال، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه: {ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه}.
وقوله: {والملائكة باسطو أيديهم} ويقال: باسطو أيديهم بإخراج أنفس الكفار. وهو مثل قوله: {يضربون وجوههم وأدبارهم} ولو كانت (باسطون) كانت (أيديهم) ولو كانت "باسطو أيديهم أن أخرجوا" كان صوابا. مثله مما تركت فيه أن قوله: {يدعونه إلى الهدى ائتنا} وإذا طرحت من مثل هذا الكلام (أن) ففيه القول مضمرٌ كقوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم} يقولون: {ربّنا}). [معاني القرآن: 1/344-345]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {تجزون عذاب الهون} مضموم؛ وهو الهوان، وإذا فتحوا أوله؛ فهو الرفق والدّعة ). [مجاز القرآن: 1/200]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذباً أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيءٌ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحقّ وكنتم عن آياته تستكبرون}
وقال: {والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم} فنراه يريد: يقولون {أخرجوا أنفسكم} والله أعلم. وكان في قوله: {باسطو أيديهم} دليل على ذلك لأنه قد أخبر أنهم يريدون منهم شيئاً). [معاني القرآن: 1/245]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الهون}: والهوان واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({عذاب الهون}: أي الهوان). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحقّ وكنتم عن آياته تستكبرون}
جاء في التفسير أنه يعني به مسيلمة، وصاحب صنعاء، لأنهما ادعيا النبوة.
{ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه}
موضع "من" جر.
المعنى: ومن أظلم ممن افترى ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه، وهذا جواب لقولهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا.
وقوله: {ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت}
جواب "لو" محذوف، المعنى: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت لرأيت عذابا عظيما، ويقال لكل من كان في شي كثير: قد غمر فلانا ذلك، ويقال قد غمر فلانا الدّين، تأويله: قد كثر فصار فيما يعلم بمنزلة ما يبصر قد غمر وغطى من كثرته.
وقوله عزّ وجلّ: {والملائكة باسطو أيديهم} (أي) عليهم بالعذاب.
ومعنى {أخرجوا أنفسكم} فيه وجهان والله أعلم:
- يقولون {أخرجوا أنفسكم} فجائز أن يكون كما تقول للذي تعذبه لأزهقنّ نفسك، ولأخرجنّ نفسك - فهم يقولون - واللّه أعلم.
{أخرجوا أنفسكم} على هذا المعنى.
- وجائز أن يكون المعنى خلّصوا أنفسكم. أي لستم تقدرون على الخلاص.
{اليوم تجزون عذاب الهون} أي العذاب الذي يقع به العذاب الشديد). [معاني القرآن: 2/271-272]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} قال قتادة بلغنا أن هذا أنزل في مسيلمة قال أبو إسحاق وهذا جواب لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا وروي عن ابن عباس الذي افترى على الله كذبا مسيلمة والذي قال {سأنزل مثل ما أنزل الله} عبد الله بن سعد بن أبي سرح
وروى حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث لأنه عارض القرآن فقال والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا فالخابزات خبزا فاللاقمات لقما). [معاني القرآن: 2/458-459]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت} أي شدائده {والملائكة باسطو أيديهم} أي باسطو أيديهم بالعذاب). [معاني القرآن: 2/459]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {عذاب الهون} أي: عذاب الهوان. وقال: هان يهون هونا، والهون الاسم. ومن الرفق: هان يهون هونا، يتفق فيهما المصدران.
وقوله - جل وعز: {يمشون على الأرض هونا} أي: برفق وسكون ووقار). [ياقوتة الصراط: 222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْهُونِ} أي الهوان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْهُونِ}: الهوان). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد جئتمونا فرادى...}
وهو جمع. والعرب تقول: [قوم] فرادى وفراد يا هذا فلا يجرونها، شبهت بثلاث ورباع. وفرادى واحدها فرد، وفرد، وفريد، وفراد للجمع، ولا يجوز فرد في هذا المعنى. وأنشدني بعضهم:
ترى النعرات الزرق تحت لبانه = فراد ومثنى أصعقتها صواهله).
[معاني القرآن: 1/345]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لقد تّقطّع بينكم...}
قرأ حمزة ومجاهد {بينكم} يريد وصلكم.
وفي قراءة عبد الله {لقد تقطع ما بينكم} وهو وجه الكلام. إذا جعل الفعل لبين ترك نصبا؛ كما قالوا: أتاني دونك من الرجال فترك نصبا وهو في موضع رفع؛ لأنه صفة. وإذا قالوا: هذا دون من الرجال رفعوه في موضع الرفع. وكذلك تقول: بين الرجلين بين بعيد، وبون بعيد؛ إذا أفردته أجريته في العربية وأعطيته الإعراب). [معاني القرآن: 1/345-346]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فردى} أي فرداً فرداً.
{تقطّع بينكم} أي وصلكم مرفوع؛ لأن الفعل عمل فيه، كما قال مهلهل:
كأنّ رماحهم أشطان بئرٍ = بعيدٍ بين جاليها جرور).
[مجاز القرآن: 1/200-201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({تقطع بينكم}: وصلكم).[غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فرادى} جمع فرد. وكأنه جمع فردان. كما قيل: كسلان وكسالي، وسكران وسكارى.
{وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم} أي ملّكناكم.
{الّذين زعمتم أنّهم فيكم شركاء} أي زعمتم أنهم لي في خلقكم شركاء.
{لقد تقطّع بينكم} أي تقطعت الوصل التي كانت بينكم في الدنيا من القرابة الحلف والمودّة). [تفسير غريب القرآن: 157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّة وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الّذين زعمتم أنّهم فيكم شركاء لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون}
أمّا معنى {فرادى} فكل واحد منفرد من شريكه في الغيّ وشقيقه.
ومعنى: {كما خلقناكم أوّل مرّة}.
جاء في التفسير: عراة غرلا، والغرل هم الغلف. والذي تحتمله اللغة أيضا. كما بدأناكم أول مرة، أي كان بعثكم كخلقكم.
وقوله: {لقد تقطّع بينكم}
الرفع أجود، ومعناه لقد تقطع وصلكم. والنصب جائز.
المعنى: لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم). [معاني القرآن: 2/273]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {لقد تقطع بينكم} قال مجاهد أي تواصلكم ومن قرأ {بينكم} فالمعنى لقد تقطع الأمر بينكم). [معاني القرآن: 2/459]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({لقد تقطع بينكم} أي: تقطع وصلكم، ومن قرأ: {بينكم} أي: انقطع الذي بينكم). [ياقوتة الصراط: 222-223]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خَوَّلْنَاكُمْ} أي ملكناكم.
{أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء} أي في خلقكم شركاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَيْنَكُمْ}: وصلكم). [العمدة في غريب القرآن: 129]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة