سورة الأنفال
[ من الآية (9) إلى الآية (14) ]
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}
قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (بألفٍ من الملائكة مردفين (9).
قرأ نافع ويعقوب (مردفين) بفتح الدال، وكذلك روى المعلى ابن منصور عن أبي بكر عن عاصم، وقرأ الباقون بكسر الدال.
قال أبو منصور: من قرأ (مردفين) بكسر الدال فهو بمعنى: رادفين، يقال: ردفت فلانًا أردفه، وأردفته أردفه بمعنى واحد، ومنه قول الشاعر:
إذا الجوزاء أردفت الثّريّا... ظننت بآل فاطمة الظّنونا
وقال بعضهم: أردفت فلانا: جئت بعده.
فمعنى (مردفين) على هذا القول: يأتون فرقة بعد فرقة.
ومن قرأ (مردفين) فمعناه: متبعين، ويقال: ردفت الراكب، إذا ركبت خلفه.
وأردفته، إذا جعلته خلفك رديفًا.
[معاني القراءات وعللها: 1/436]
وقال الفراء: معنى (مردفين): مسوّمين. ومعنى (مردفين): فعل بهم). [معاني القراءات وعللها: 1/437]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {مردفين} [9].
قرأ نافع وحده {مردفين} بفتح الدال جعلهم مفعولين، من أردفها الله.
وقرأ الباقون {مردفين} بكسر الدال، الفعل للملائكة، يقال: أردفت الرجل: إذا جئت بعده، ويقال: تقدم قدامه، ويقال: ردفه أيضًا، من ذلك قوله تعالى: {تتبعها الرادفة} ولم يقل المردفة، ويقال: ردفت الرجل: ركبت خلفه، وأردفته: أركبته خلفي. وأما قوله: {ردف لكم بعض الذي تستعجلون} فقال النحويون: مناه: ردفكم واللام زائدة، كما يقال: نقدتك مائة ونقدت لك مائة، وإنما دخلت اللام في {ردف لكم}، لأنه بمعنى دنا لكم، وقال:
فقلت لها الحاجات تطرحن بالفتى = وهم تعناني معن ركائبه
وروى الخليل رضي الله عنه عن ابن كثير {مردفين} قال سيبويه:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/221]
اراد مرتدفين فأدغم، فيجوز بعد الإدغام [ضم] الراء وفتحها وإسكانها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/222]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الدال وكسرها من قوله جلّ وعز: مردفين [الأنفال/ 9].
فقرأ نافع وحده: مردفين بفتح الدال، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: مردفين [بكسر الدال]، وروى المعلّى بن منصور عن أبي بكر عن عاصم مردفين بفتح الدال.
قال أبو علي: من قال مردفين احتمل وجهين: أحدهما أن يكونوا مردفين مثلهم. كما تقول: أردفت زيدا دابّتي، فيكون المفعول الثاني محذوفا في الآية، وحذف المفعول كثير.
والوجه الآخر في مردفين: أن يكونوا جاءوا بعدهم.
[الحجة للقراء السبعة: 4/124]
قال أبو الحسن: تقول العرب: بنو فلان يردفوننا، أي: يجيئون بعدنا.
قال أبو عبيدة: مردفين: جاءوا بعد، وردفني، وأردفني واحد، وهذا الوجه كأنّه أبين لقوله: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [الأنفال/ 9] أي: جائين بعد لاستغاثتكم ربّكم، وإمداده إياكم بهم، فمردفين على هذا صفة للألف الذين هم الملائكة.
ومردفين: على أردفوا الناس أي: أنزلوا بعدهم، فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب في ممدّكم مردفين بألف من الملائكة). [الحجة للقراء السبعة: 4/125]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة رجل من أهل مكة، زعم الخليل أنه سمعه يقرأ: [مُرَدِّفين]، واختلفت الرواية عن الخليل في هذا الحرف، فقال بعضهم: [مُرُدِّفين][، وقال آخر: [مُرِدِّفين].
قال أبو الفتح: أصله [مُرْتَدِفين] مفتعلين من الرَّدْف، فآثر إدغام التاء في الدال، فأسكنها وأدغمها في الدال، فلما التقى ساكنان -وهما الراء والدال- حرك الراء لالتقاء الساكنين، فتارة ضمها إتباعًا لضمة الميم، وأخرى كسرها إتباعًا لكسرة الدال.
ومثله {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ}، ومن كسر الراء فلالتقاء الساكنين، وعليه جاء: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ}، ويجوز فيهما أن تُنقل حركة الحرف الساكن على الساكن قبله فيقول: [مُرَدِّفِين]، {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُون} مُفَعِّلين من الاعتذار، على قولهم: عذَّر في الحاجة: أي قصَّر، وأعذر: تقدم). [المحتسب: 1/273]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنّي ممدكم بألف من الملائكة مردفين}
قرأ نافع {مردفين} بفتح الدّال مفعول بهم أي الله أردفهم أي بعثهم على آثار من تقدمهم قال أبو عبيد تأويله أن الله تبارك وتعالى أردف المسلمين بهم وكان مجاهد يفسّرها ممدين وهو تحقيق هذا المعنى
وقرأ الباقون {مردفين} بكسر الدّال أي جاؤوا بعدهم على آثارهم أي ردفوا أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأردف بمعنى ردف قال الشّاعر:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا
قال أبو عبيد أراد بقوله أردفت ردفت أي جاءت بعدها ألا ترى أن الجوزاء تطلع بعد طلوع الثريا وعلى أثرها وقال ابن عبّاس مردفين أي متتابعين وقال آخرون منهم أبو عمرو مردفين أي أردف بعضهم بعضًا فالإرداف أن يحمل الرجل
[حجة القراءات: 307]
صاحبه خلفه تقول ردفت الرجل أي ركبت خلفه وأردفته إذا أركبته خلفي وقال آخرون منهم أبو بكر بن مجاهد مردفين أي متقدمين لمن وراءهم كأن من يأتي بعدهم ردف لهم أي أتوا في ظهورهم فعلى هذا الوجه لا يكون أردف بمعنى ردف لأنهم أردفوا خلفهم). [حجة القراءات: 308]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {مردفين} قرأه نافع بفتح الدال، وقرأ الباقون بالكسر، وحجة من فتح أنه بناه على ما لم يسم فاعله، لأن الناس الذين قاتلوا يوم بدر أردفوا بألف من الملائكة، أي: أنزلوا إليهم لمعونتهم على الكفار، فـ «مردفين» بفتح الدال نعت لـ «ألف»، وقيل: هو حال من الضمير المنصوب في «ممدكم» أي: ممدكم في حال إردافكم بـ «ألف» من الملائكة.
2- وحجة من كسر الدال أنه بناه على ما سُمي فاعله، فجعله صفة لـ «ألف» أي: بألف من الملائكة مردفين لكم، يأتون لنصركم بعدكم، حكى الأخفش: بنو فلان يردفوننا، أي: يأتون بعدنا، فيكون المعنى: فاستجاب لكم ربكم أني ممدكم بألف من الملائكة جائين بعد استغاثتكم ربكم، وقيل: إن معناه: بألف من الملائكة مردفين غيرهم خلفهم لنصركم، فالمفعول محذوف، وحكى أبو عبيدة: إن «ردفني وأردفني» واحد، وكسر الدال أحب إلي، لأنه قد يكون بمعنى الفتح، ولأن عليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/489]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {مُرْدَفِينَ} [آية/ 9] بفتح الدال:
قرأها نافع ويعقوب.
والوجه أنه من أردفت زيداً القوم، فهو متعد إلى مفعولين، وقوله {مُرْدَفِينَ} مفعول من أردفت، والتقدير: أردفوا الناس، وهو صفة لألف.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في {مُمِدُّكُم} أي ممدكم مردفين بألف.
وقرأ الباقون {مُرْدِفِينَ} بكسر الدال.
والوجه أنه يجوز أن يكون بمعنى رادفين، يقال: ردفت الشيء وأردفته.
ويجوز أن يكون فاعلاً من أردفت الدابة، فيكون متعديًا إلى مفعولين، وكلاهما محذوفان، والتقدير: مردفين مثلهم الناس). [الموضح: 574]
قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)}
قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إذ يغشّيكم النّعاس... (11).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إذ يغشاكم النّعاس) بفتح الياء والشين (النّعاس) رفعًا.
وقرأ نافع (يغشيكم) بضم الياء وكسر الشين خفيفة، (النّعاس) نصبًا.
وقرأ الباقون: (يغشّيكم النّعاس) مشددًا.
قال أبو منصور: من قرأ (يغشاكم النعاس) فهو من غشي يغشى، و(النعاس) رفعًا، لأن الفعل له، ومن قرأ (يغشيكم) أو (يغشّيكم) فالمعنى واحد، والفعل لله هو الذي أغشاهم النعاس، ونصب (النعاس) لأنه مفعول ثانٍ). [معاني القراءات وعللها: 1/437]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {وإذ يغشيكم النعاس} [11].
قرأ نافع {يغشيكم} مخففًا.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير {يغشاكم}.
والباقون {يغشيكم} مشددًا. وقد ذكرت علته في (الأعراف) وإنما نزلت هذه الآية؛ لأن المسلمين أصبحوا يوم بدر جُنُبًا على غير ماء والعدو على ماء فوسوس إليهم الشيطان، فأرسل الله تعالى مطرًا فاغتسلوا وذلك قوله: {ويثبت به الأقدام}. وقوله تعالى: {أمنة} مصدر أمن يأمن أمنة وأمانا وأمنة، وقد حكى أمنًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/222]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جل وعز]: إذ يغشاكم النعاس [الأنفال/ 11] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إذ يغشاكم النعاس بفتح الياء [وجزم الغين] وفتح الشين، [وألف بعدها] النعاس رفعا.
[الحجة للقراء السبعة: 4/125]
وقرأ نافع: يغشيكم بضم الياء وجزم الغين وكسر الشين النعاس نصبا.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يغشيكم بضم الياء وفتح الغين مشدّدة الشين مكسورة: النعاس بنصب السين.
قال أبو علي: حجّة من قرأ يغشاكم قوله سبحانه: أمنة نعاسا يغشى [آل عمران/ 154]، فكما أسند الفعل إلى النعاس أو الأمنة التي هي من النعاس، كذلك على هذا: إذ يغشاكم النعاس.
وأما من قرأ: يغشيكم ويغشيكم فالمعنى واحد، وقد جاء بهما التنزيل قال: فأغشيناهم فهم لا يبصرون [يس/ 9]، وقال: فغشاها ما غشى [النجم/ 54] وقال: كأنما أغشيت وجوههم قطعا [يونس/ 27].
ومن حجّة من قرأ: إذ يغشيكم أو يغشيكم أنه أشبه بما بعده، ألا ترى أنّ بعده وينزل عليكم من السماء [الأنفال/ 11]، فكما أنّ ينزل* مسندا إلى اسم الله سبحانه، كذلك يغشيكم ويغشيكم). [الحجة للقراء السبعة: 4/126]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن: [أَمْنَةً نُعَاسًا] بسكون الميم.
[المحتسب: 1/273]
قال أبو الفتح: لا يجوز أن يكون [أمْنة] مخففًا من {أمَنة} كقراءة الجماعة، من قِبَلِ أن المفتوح في نحو هذا لا يُسكن كما يُسكن المضموم في المكسور لخفة الفتحة. وأما قوله:
وما كل مبتاع ولو سَلْف صَفقُه
بِرَاجعِ ما قد فاته بِرِداد
قال أبو الفتح: فشاذ على أننا قد ذكرنا وجه الصنعة في كتابنا الموسوم بالمنصف). [المحتسب: 1/274]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الناس: {مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}، وقرأ الشعبي: [مَا لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ] على معنى: الذي به.
قال أبو الفتح: "ما" هاهنا موصولة، وصلتها حرف الجر بما جره، وكأنه قال: ما لِلطَّهور، كقولك: كسوته الثوب الذي لدفع البرد، ودفعت إليه المال الذي للجهاد، واشتريت الغلام الذي للقتال.
ألا ترى أن تقديره: ويُنَزِّل عليكم من السماء الماء الذي لأن يطهركم به؛ أي: الماء الذي لطهارتكم أو لتطهيركم به. وهذه اللام في قراءة الجماعة: {مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} هي لام المفعول له، كقوله: زرتك لتكرمني، وهي متعلقة بزرتك، ولا ضمير فيها لتعلقها بالظاهر.
فهي كقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ}، فهي كما ترى متعلقة بنفس "فتحنا" تعلقَ حرف الجر بالفعل قبله.
وأما اللام في قراءة من قرأ: [ما لِيُطَهِّرَكم به] أي: الذي للطهارة به، فمتعلقة بمحذوف، كقولك: دفعت إليه المال الذي له؛ أي: استقر أو ثبت له، وفيها ضمير لتعلقها بالمحذوف.
وأما لام المفعول له فلا تكون إلا متعلقة بالظاهر نحو: زرته ليكرمني وأعطيته ليشكرني، أو بظاهر يقوم مقام الفعل كقولك: المال لزيد لينتفع به، فاللام في لزيد متعلقة بمحذوف على ما مضى، والتي في قولك: لينتفع به هي لام المفعول له، وهي متعلقة بنفس قولك:
[المحتسب: 1/274]
لزيد، تعلقها بالظرف النائب عن المحذوف في نحو قولك: أزيد عندك لتنتفع بحضوره؟ وزيد بين يديك ليُؤْنِسك.
فاللام هنا متعلقة بنفس الظرفين اللذين هما عندك وبين يديك.
وعلى كل حال، فمعنى القراءة بقوله: {مَاءً لِيُطَهِّرَكم بِهِ}، والقراءة بقوله: [مَا لِيطَهَّركم به] يرجعان إلى شيء واحد، إلا أن أشدهما إفصاحًا بأن الماء أُنزل للتطهر به هي قراءة مَن قرأ: {مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} ؛ لأن فيه تصريحًا بأن الماء أنزل للطهارة، وتلك القراءة الشاذة إنما يُعْلَم أنه أُنزل للطهارة به، فالقراءة الأخرى وبغيرها مما فيه إصراح بذلك.
وعلى كل حال، فلام المفعول له لا تتعلق بمحذوف أبدًا، إنما تعلقها بالظاهر، فعلًا كان أو غيره مما يُقام مقامه). [المحتسب: 1/275]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي العالية: [رِجْسَ الشيطان] بالسين.
قال أبو الفتح: كل شيء يُستقذَر عندهم فهو رجس، كالخنزير ونحوه.
وفيما قرئ على أبي العباس أحمد بن يحيى قال: الرجس في القرآن: العذاب كالرجز، ورجس الشيطان: وسوستُه وهمزُه ونحو ذلك من أمره، والرجز: عبادة الأوثان، ويقال: هو إثم الشرك كله.
وقرئ: [وَالرِّجْزَ] {وَالرُّجْزَ} جميعًا {فَاهْجُرْ}، قال: وقال بعضهم: أراد به الصنم. قال: وكل عذاب أُنزل على قوم فهو رجز، ووسواس الشيطان رجز، وقد ترى إلى تزاحم السين والزاي في هذا الموضع، فقراءة الجماعة: {رِجْزَ الشَّيْطَانِ} معناه كمعنى رجس الشيطان.
[المحتسب: 1/275]
وقد نبهنا في كتابنا المعروف بالخصائص من هذه الطريق في تزاحم الحروف المتقاربة ما في بعضه كل مَقْنَع بمشيئة الله). [المحتسب: 1/276]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السّماء ماء ليطهركم به}
قرأ أبو عمرو وابن كثير (إذ يغشاكم) بالألف {النعاس} رفع فعل الفعل النعاس لأنّك تقول غشيني النعاس يغشاني وحجتهما في أن الفاعل هو النعاس قوله {أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم} ألا ترى أن النعاس هو الّذي يغشى فهو الفاعل والقصة واحدة فلذلك اختارا هذا الوجه
وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة {إذ يغشيكم} بضم الياء وتشد الشين {النعاس} نصب أي الله يغشيكم النعاس وحجتهم أن الفعل أتى عقيب ذلك مسندًا إلى الله وهو قوله {وينزل عليكم من السّماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان} فكان الأولى بما قبله أن يكون خبرا عن الله أنه هو الفاعل له لينتظم الكلام على سياق واحد وحجّة التّشديد قوله {فغشاها ما غشى}
[حجة القراءات: 308]
وقرأ أهل المدينة {إذ يغشيكم} بضم الياء وسكون الغين {النعاس} نصب أي يغشيكم الله النعاس وحجتهم قوله {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} ). [حجة القراءات: 309]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {إذ يغشيكم النعاس} قرأه نافع بضم الياء والتخفيف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والتخفيف، وبألف بعد الشين، وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين، والتشديد من غير ألف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع «النعاس»، وقرأ بالنصب الباقون.
وحجة من قرأ بألف ورفع «النعاس» أنه أضاف الفعل إلى «النعاس»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/489]
فرفعه به، ودليله قوله: {أمنة نعاسًا يغشى} «آل عمران 154» في قراءة من قرأه بالياء أو التاء، فأضاف الفعل إلى «النعاس» أو إلى «الأمنة»، والأمنة هي النعاس، فأخبر أن النعاس هو الذي يغشى القوم.
4- وحجة من ضم الياء وخفف أو شدد أنه أضاف الفعل إلى الله، لتقدم ذكره في قوله: {وما النصر إلا من عند الله} «10» فنصب «النعاس» لتعدي الفعل إليه، وقوى ذلك أن بعده: {وينزل عليكم} فأضاف الفعل إلى الله جل ذكره، وكذلك الإغشاء يضاف إلى الله، ليتشاكل الكلام، والتشديد والتخفيف لغتان بمعنى، قال الله جل ذكره: {فأغشيناهم} «يس 9» وقال: {فغشاها ما غشى} «النجم 54» وقال: {كأنما أغشيت وجوهم} «يونس 27» والاختيار ضم الياء والتشديد، ونصب «النعاس » لأن بعده {أمنة منه} فالهاء لله، وهو الذي يغشيهم النعاس، ولأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/490]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {إذْ يُغْشاكُمُ النُّعَاسُ} [آية/ 11] بالألف وفتح الياء، ورفع {النُّعَاسُ}:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو.
والوجه أن الفعل مسند إلى {النُّعَاسُ}، والفعل من غشي يعشى على فعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في المستقبل.
وقرأ نافع {إذْ يُغَشِّيكُمُ} مضمومة الياء، ساكنة الغين، مخففة الشين مكسورتها، {النُّعَاسَ} نصبا.
والوجه أن الفعل من أغشى فهو منقول بالهمزة، فيتعدى إلى مفعولين، تقول: أغشيته الشيء، قال الله تعالى {فَأَغْشَيْنَاهُمْ}، والفعل في {يُغَشِّيكُمُ} مسند إلى الله تعالى موافقة لما (بعده)، وهو قوله تعالى {ويُنَزِّلُ عَلَيْكُم}، فكما أن {يُنَزِّلُ}، مسند إلى الله تعالى، فلذلك {يُغْشِي}.
وقرأ ابن عامر ويعقوب والكوفيون {يُغَشِّيكُمُ} مضمومة الياء، مفتوحة الغين، مشددة الشين مكسورتها، {النُّعَاسَ} نصبًا.
والوجه أنه كقراءة نافع؛ لأن من كان منقولاً بالتضعيف، فهو متعدٍ إلى المفعولين، والفعل فيه مسندٌ إلى الله تعالى، كما سبق في قراءة نافع). [الموضح: 575]
قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)}
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)}
قوله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين