العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:40 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (88) إلى الآية (91) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (88) إلى الآية (91) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88) وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (89) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (91)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:29 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عبد الرّحمن بن زيدٍ عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطب النّاس فقال: كيف ترون في رجلٍ يجادل بين أصحاب رسول اللّه ويسيء القول لأهل رسول اللّه وقد برّأهم اللّه، ثمّ قرأ ما أنزل اللّه في براءة عائشة؛ فقال سعد بن معاذٍ: إن كان منّا قتلناه، وإن كان من غيرنا جاهدناه؛ فقال سعد بن عبادة: إنّك، واللّه، لا تقدر على ذلك وما تستطيعه؛ فقال محمّد بن مسلمة: أتتكلّم دون منافقٍ عدوّ اللّه؛ فقال: أسيد بن الحضير: فيما تكثرون، دعونا من هذا بيننا وبينه إن يأمرنا به رسول اللّه لم ننظر هل تمنعه، فلم تبرح المقالة بهم حتّى تداعوا بالأوس والخزرج، فنزل عليه القرآن في ذلك
[الجامع في علوم القرآن: 1/150]
{فما لكلم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله}، فلم يكن بعد هذه الآية ينصره أحدٌ ولا يتكلّم فيه أحدٌ، قال: فلقد كان رجلٌ من بني ثعلبة يأتيه وهو جالسٌ في المسجد فيأخذ بلحيته ويقول: اخرج منافقٌ، خبيثٌ، فيقول: أما أحدٌ ينصرني من أسيد بني ثعلبة، هذا فما يتكلّم فيه أحدٌ). [الجامع في علوم القرآن: 1/151]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال أبو صخر عن القرظي أنه قال في هذه الآية: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}، أتى رهطٌ إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله، إن المدينة قد ضاق علينا ترابها وسباخها، فأذن لنا نخرج
[الجامع في علوم القرآن: 2/77]
إلى هذه الحرة فنكون منك قريبا، [ ....... ] إلى حرتنا هذه، فقعد رهطٌ من أصحاب النبي فيهم محمد بن مسلمة الأنصاري [ .... ] هم، فقال بعضهم: ما تقولون في هؤلاء الذين خرجوا إلى هذه الحرة، فقالوا: اسأل [ ........ ا] وهم إخواننا وقد أذن لهم نبينا، فقالت طائفةٌ من القوم لعمر: والله، ما [ .. .. ] خير حين تركوا مجالستنا ومسجدنا، وأن يحضروا معنا؛ وخرجوا إلى [ ........ ] الحرة ليس بيننا وبينهم إلا دعوة، فأكثروا القول في ذلك الطائفتان جميعا [ .... {فما لكم] في المنافقين فئتين}، وذلك: تريدون أن تقتتلوا فيهم فأنا أخبركم خبرهم، فإن الله {أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ودوا}، للذين كفروا، {لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله}). [الجامع في علوم القرآن: 2/78]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن الكلبي أن ناسا من أهل مكة كتبوا إلى أصحاب النبي أنهم قد أسلموا وكان منهم كذبا فلقوهم فاختلف فيهم المسلمون فقالت طائفة دماؤهم حلال وقالت طائفة دماؤهم حرام فأنزل الله تعالى فما لكم في المنفقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا قال معمر قال قتادة أهلكهم بما كسبوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/167]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {[فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد العزيز بن محمّدٍ، عن زيد بن أسلم، عن ابن (سعد) بن معاذٍ، قال: خطب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم النّاس فقال: ((من لي ممّن يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني؟)) فقال سعد بن معاذٍ: إن كان من الأوس قتلناه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فأطعناك، فقام سعد بن عبادة، فقال: ما بك يا ابن معاذٍ طاعة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، ولقد تكلّمت ما هو منك، فقام أسيد بن حضير فقال: إنّك يا ابن عبادة منافقٌ وتحبّ المنافقين، فقام محمّد بن مسلمة، فقال: اسكتوا أيّها النّاس، فإنّ فينا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وهو يأمرنا فننفّذ أمره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا}). [سنن سعيد بن منصور: 4/1313-1314]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا} [النساء: 88]
قال ابن عبّاسٍ: " بدّدهم. فئةٌ: جماعةٌ "
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا غندرٌ، وعبد الرّحمن، قالا: حدّثنا شعبة، عن عديٍّ، عن عبد اللّه بن يزيد، عن زيد بن ثابتٍ رضي اللّه عنه: {فما لكم في المنافقين فئتين} [النساء: 88] رجع ناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أحدٍ، وكان النّاس فيهم فرقتين: فريقٌ يقول: اقتلهم، وفريقٌ يقول: لا، فنزلت: {فما لكم في المنافقين فئتين} [النساء: 88] وقال: «إنّها طيبة تنفي الخبث كما تنفي النّار خبث الفضّة»). [صحيح البخاري: 6/47]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا)
قال بن عبّاس بددهم وصله الطّبريّ من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ في قوله واللّه أركسهم بما كسبوا قال بدّدهم ومن طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ قال أوقعهم ومن طريق قتادة قال أهلكهم وهو تفسيرٌ باللّازم لأنّ الرّكس الرّجوع فكأنّه ردّهم إلى حكمهم الأوّل قوله فئةٌ جماعةٌ روى الطّبريّ من طريق سعيد بن جبيرٍ عن بن عبّاسٍ في قوله فئةٌ تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة قال الأخرى كفّار قريشٍ وقال أبو عبيدة في قوله تعالى كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئة كثيرة قال الفئة الجماعة قوله

[4589] حدّثنا غندرٌ هو محمّد بن جعفرٍ قوله وعبد الرّحمن هو بن مهدي قوله عن عدى هو بن ثابتٍ قوله عن عبد اللّه بن يزيد هو الخطميّ بفتح المعجمة ثمّ سكون المهملة وهو صحابيٌّ صغيرٌ قوله رجع ناسٌ من أحد هم عبد الله بن أبي بن سلول ومن تبعه وقد تقدّم بيان ذلك في غزوة أحدٍ من كتاب المغازي مستوفًى وقوله في آخره خبث الفضّة في رواية الحمويّ خبث الحديد وقد تقدّم بيان الاختلاف في قوله تنفي الخبث في فضل المدينة). [فتح الباري: 8/256-257]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا
قال ابن عبّاس بددهم فئة جماعة
وقال ابن جرير ثنا القاسم حدثني الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس {والله أركسهم بما كسبوا} 88 النّساء قال بددهم
وقال أيضا ثنا أبو كريب ثنا يونس بن بكير عن محمّد بن إسحاق حدثني محمّد بن أبي محمّد عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس في قوله فئة قال كفار قريش). [تغليق التعليق: 4/197]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا} (النّساء: 88)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {فما لكم في المنافقين} إلى آخره. أي: مالكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقًا ظاهرا وتفرقتم فيه فئتين أي: فرقتين، وما لكم تبينوا القول بكفرهم؟ وقال الزّمخشريّ: فئتين، نصب على الحال كقولك: مالك قائما. قوله: (والله أركسهم) أي: ردهم في حكم المشركين كما كانوا بما كسبوا من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين. وعن قريب نذكر من هؤلاء المنافقون.
قال ابن عبّاسٍ بدّدهم
أراد إن ابن عبّاس فسر قوله تعالى: {أركسهم} بقوله بددهم، وهذا التّعليق وصله الطّبريّ من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس في قوله: {والله أركسهم بما كسبوا} قال: بددهم انتهى. يقال: بددهم تبديدا أي: فرقهم ومزق شملهم، وكذا بددت بدا. وعن ابن عبّاس أوقعهم، وعن قتادة. أهلكهم.
فئةٌ جماعةٌ
أشار بهذا إلى أن فئتين، في الآية المذكورة تثنية فئة قوله: (جماعة) أي: معناها جماعة. وكذا كل ما ذكر في القرآن. نحو قوله تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت على فئة كثيرة} (البقرة: 249) وقوله: {فئة تقاتل في سبيل الله} (آل عمران: 13) .

- حدّثني محمّد بن بشّارٍ حدّثنا غندرٌ وعبد الرّحمان قالا حدّثنا شعبة عن عديٍّ عن عبد الله بن يزيد عن زيدٍ بن ثابتٍ رضي الله عنه فما لكم في المنافقين فئتين رجع ناسٌ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم من أحدٍ وكان النّاس فيهم فرقتين فريقٌ يقول اقتلهم وفريقٌ يقول لا فنزلت: {فما لكم في المنافقين فئتين} وقال إنّها طيّبة تنفي الخبث كما تنفي النّار خبث الفضة.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة وغندر، بضم الغين المعجمة وسكون النّون، لقب محمّد بن جعفر، وعبد الرّحمن هو ابن مهدي، وعدي، بفتح العين المهملة وكسر الدّال، ابن ثابت التّابعيّ، وعبد الله بن يزيد الخطمي، بفتح الخاء المعجمة وسكون الطّاء المهملة، صحابيّ صغير.
والحديث مضى في: باب المدينة تنفي الخبث، في أواخر الحج عن سليمان بن حرب، وفي المغازي عن أبي الوليد، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (رجع ناس) هم عبد الله بن أبي سلول ومن تبعه. وكذر ابن إسحاق في وقعة أحد أن عبد الله بن أبي سلول رجع يومئذٍ بثلث الجيش. ورجع بثلاثمائة وبقي النّبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة. قوله: (طيبة) بفتح الطّاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وهو اسم من أسماء مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (الخبث) ، بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة، وخبث الفضة والحديد ما نقاه الكير، وفي رواية الحمويّ: خبث الحديد، وقال العوفيّ عن ابن عبّاس: نزلت هذه الآية في قوم كانوا بمكّة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكّة يطلبون حاجة لهم. فقالوا: إن لقينا أصحاب محمّد فليس علينا منهم بأس، وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكّة. قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم فإنّهم يظاهرون عليكم عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله، أو كما قالوا: أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم أتستحل دماؤهم وأموالهم؟ فكانوا كذلك فئتين والرّسول عندهم لا ينهى واحدًا من الفريقين عن شيء. فنزلت: {فما لكم في المنافقين فئتين} (النّساء: 88) رواه ابن أبي حاتم، وقال زيد بن أسلم عن ابن سعد ابن معاذ أنّها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبي حين استعذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في قضيّة الإفك، وهذا غريب، وقيل غير ذلك). [عمدة القاري: 18/180]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا} قال ابن عبّاسٍ: بدّدهم. فئةٌ: جماعةٌ
({فما لكم}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى: {فما لكم} مبتدأ وخبر ({في المنافقين}) يجوز تعلقه بما تعلق به الخبر وهو لكم ويجوز تعلقه بمحذوف على أنه حال من ({فئتين}) والمعنى ما لكم لا تتفقون في شأنهم بل افترقتم في شأنهم بالخلاف في نفاقهم مع ظهوره ({والله أركسهم}) ردهم في حكم المشركين كما كانوا ({بما كسبوا}) الباء سببية وما مصدرية أو بمعنى الذي والعائد محذوف على الثاني لا الأوّل وسقط لغير أبوي ذر والوقت بما كسبوا.
(قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله الطبري في قوله: ({أركسهم}) أي (بددهم) يعني فرقهم ومزق شملهم وقوله: (فئة) واحد فئتين ومعناه (جماعة) كقوله تعالى: {كم من فئة قليلة} [البقرة: 249] {وفئة تقاتل في سبيل الله} [آل عمران: 13].
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا غندرٌ وعبد الرّحمن، قالا: حدّثنا شعبة، عن عديٍّ، عن عبد اللّه بن يزيد، عن زيد بن ثابتٍ -رضي الله عنه- {فما لكم في المنافقين فئتين} رجع ناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من أحدٍ وكان النّاس فيهم فرقتين، فريقٌ يقول: اقتلهم، وفريقٌ يقول: لا. فنزلت: {فما لكم في المنافقين فئتين} وقال: إنّها طيبة، تنفي الخبث كما تنفي النّار خبث الفضّة.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) هو بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر (وعبد الرحمن) بن مهدي (قالا: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين ابن ثابت التابعي (عن عبد الله بن يزيد) الخطمي الصحابي (عن زيد بن ثابت) الأنصاري (رضي الله تعالى عنه) أنه قال في قوله تعالى: ({فما لكم في المنافقين فئتين} رجع ناس من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من أحد) وهم عبد الله بن أبيّ المنافق وأتباعه وكانوا ثلاثمائة وبقي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في سبعمائة (وكان الناس فيهم فرقتين فريق يقول اقتلهم) يا رسول الله فإنهم منافقون
(وفريق يقول لا) تقتلهم فإنهم تكلموا بكلمة الإسلام (فنزلت: {فما لكم في المنافقين فئتين} وقال): أي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ولأبي ذر: فقال: (إنها) أي المدينة (طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة) ولأبي ذر عن الحموي خبث الحديد بدل الفضة، وقيل نزلت في قوم رجعوا إلى مكة وارتدوا وقيل في عبد الله بن أبي المنافق لما تكلم في حديث الإفك وتقاولت الأوس والخزرج بسببه. قال ابن كثير: وهذا غريب وقيل غير ذلك). [إرشاد الساري: 7/88-89]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم}
قوله: (رجع ناس من أصحاب النبي الخ) وهم: عبدالله بن أبي المنافق وأتباعه، وكانوا ثلاثمائة، وبقي النبي صلى الله عليه وسلّم في سبعمائة). [حاشية السندي على البخاري: 3/47]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عديّ بن ثابتٍ، قال: سمعت عبد الله بن يزيد، يحدّث عن زيد بن ثابتٍ، في هذه الآية {فما لكم في المنافقين فئتين} قال: رجع ناسٌ من أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحدٍ، فكان النّاس فيهم فرقتين: فريقٌ منهم يقول: اقتلهم، وفريقٌ يقول: لا، فنزلت هذه الآية: {فما لكم في المنافقين فئتين} وقال: إنّها طيبة وقال: إنّها تنفي الخبث كما تنفي النّار خبث الحديد.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وعبد الله بن يزيد هو: الأنصاريّ الخطميّ وله صحبةٌ). [سنن الترمذي: 5/89]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم}
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّدٌ، عن شعبة، عن عديّ بن ثابتٍ، عن عبد الله بن يزيد، عن زيد بن ثابتٍ، قال في هذه الآية: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا قال: رجع ناسٌ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحدٍ، فكان النّاس فيهم فرقتين: فريقٌ منهم يقول: اقتلهم، وفريقٌ يقول: لا، فنزلت الآية فما لكم في المنافقين فئتين وقال: إنّها تنفي الخبث كما تنفي النّار خبث الفضّة "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/69]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً}
- يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} فما شأنكم أيّها المؤمنون في أهل النّفاق فرقتين مختلفتين {واللّه أركسهم بما كسبوا} يعني بذلك: واللّه ردّهم إلى أحكام أهل الشّرك في إباحة دمائهم وسبي ذراريهم،{بما كسبوا} يعني بما كذبوا الله ورسوله وكفروا بعد إسلامهم والإركاس: الرّدّ، ومنه قول أمّية بن أبي الصّلت الثقفي
فأركسوا في حميم النّار إنّهم = كانوا عصاةً وقالوا الإفك والزّورا
يقال منه: أركسهم وركسهم.
وقد ذكر أنّها في قراءة عبد اللّه وأبيّ: واللّه ركسهم بغير ألفٍ.
واختلف أهل التّأويل في الّذين نزلت فيهم هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت في اختلاف أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الّذين تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحدٍ، وانصرفوا إلى المدينة، وقالوا لرسول اللّه عليه الصّلاة والسّلام ولأصحابه: {لو نعلم قتالاً لاتّبعناكم}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الفضل بن دواد الواسطيّ، قال: حدّثنا أبو داود، عن شعبة، عن عديّ بن ثابتٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن يزيد الأنصاريّ، يحدّث عن زيد بن ثابتٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا خرج إلى أحدٍ، رجعت طائفةٌ ممّن كان معه، فكان أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم فرقتين، فرقةٌ تقول: نقتلهم، وفرقةٌ تقول: لا. فنزلت هذه الآية: {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا} الآية، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المدينة: إنّها طيّبةٌ وإنّها تنفي خبثها كما تنفي النّار خبث الفضّة.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا أبو أسامة قال: حدّثنا شعبة، عن عديّ بن ثابتٍ، عن عبد اللّه بن يزيد، عن زيد بن ثابتٍ قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر مثله.
- حدّثني زريق بن السّخت قال: حدّثنا شبابة حدثنا شعبه، عن عديّ بن ثابتٍ، عن عبد اللّه بن يزيد، عن زيد بن ثابتٍ قال: ذكروا المنافقين عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال فريقٌ: نقتلهم، وقال فريقٌ: لا نقتلهم فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {فما لكم في المنافقين فئتين} إلى آخر الآية.
وقال آخرون: بل نزلت في اختلافٍ كان بين أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قومٍ كانوا قدموا المدينة من مكّة، فأظهروا للمسلمين أنّهم مسلمون، ثمّ رجعوا إلى مكّة وأظهروا لهم الشّرك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فما لكم في المنافقين فئتين} قال: قومٌ خرجوا من مكّة حتّى أتوا المدينة يزعمون أنّهم مهاجرون، ثمّ ارتدّوا بعد ذلك، فاستأذنوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى مكّة ليأتوا ببضائع لهم يتّجرون فيها. فاختلف فيهم المؤمنون، فقائلٌ يقول: هم منافقون، وقائلٌ يقول: هم مؤمنون. فبيّن اللّه نفاقهم، فأمر بقتالهم. فجاءوا ببضائعهم يريدون المدينة، فلقيهم على بن عوميراو هلال بن عويمرٍ الأسلميّ، وبينه وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حلفٌ، وهو الّذي حصر صدره أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه، فدفع عنهم بأنّهم يؤمّنون هلالا، وبينه وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله بنحوه، غير أنّه قال: فبيّن اللّه نفاقهم، وأمر بقتالهم فلم يقاتلوا يومئذٍ، فجاءوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويمرٍ الأسلميّ، وبينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حلفٌ وقال حلف أيضا فدفع عنهم بأنهم يؤمون هلال وبينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلام حلف
وقال آخرون: بل كان اختلافهم في قومٍ من أهل الشّرك كانوا أظهروا الإسلام بمكّة، وكانوا يعينون المشركين على المسلمين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} وذلك أنّ قومًا كانوا بمكّة قد تكلّموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكّة يطلبون حاجةً لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، فليس علينا منهم بأسٌ. وأنّ المؤمنين لمّا أخبروا أنّهم قد خرجوا من مكّة قالت فئةٌ من المؤمنين: اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم، فإنّهم يظاهرون عليكم عدوّكم. وقالت فئةٌ أخرى من المؤمنين: سبحان اللّه، أو كما قالوا، أتقتلون قومًا قد تكلّموا بمثل ما تكلّمتم به؟ من أجل أنّهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم تستحلّ دماؤهم وأموالهم لذلك. فكانوا كذلك فئتين، والرّسول عليه الصّلاة والسّلام عندهم لا ينهى واحدًا من الفريقين عن شيءٍ؛ فنزلت: {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه} الآية.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} الآية، ذكر لنا أنّهما كانا رجلين من قريشٍ كانا مع المشركين بمكّة، وكانا قد تكلّما بالإسلام، ولم يهاجرا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فلقيهما ناسٌ من أصحاب نبيّ اللّه وهما مقبلان إلى مكّة، فقال بعضهم: إنّ دماءهما وأموالهما حلالٌ، وقال بعضهم: لا تحلّ لكم. فتشاجروا فيهما، فأنزل اللّه في ذلك: {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا} حتّى بلغ: {ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم}.
- حدّثنا القاسم، قال حدثنا الحسين: حدّثنا أبو سفيان، عن معمر بن راشدٍ، قال: بلغني أنّ ناسًا، من أهل مكّة كتبوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّهم قد أسلموا، وكان ذلك منهم كذبًا. فلقوهم، فاختلف فيهم المسلمون، فقالت طائفةٌ: دماؤهم حلالٌ، وقالت طائفةٌ: دماؤهم حرامٌ؛ فأنزل اللّه: {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} هم ناسٌ تخلّفوا عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأقاموا بمكّة، وأعلنوا الإيمان، ولم يهاجروا. فاختلف فيهم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتولاّهم ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وتبرّأ من ولايتهم آخرون، وقالوا: تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يهاجروا. فسمّاهم اللّه منافقين، وبرّأ المؤمنين من ولايتهم، وأمرهم أن لا يتولّوهم حتّى يهاجروا.
وقال آخرون: بل كان اختلافهم في قومٍ كانوا بالمدينة أرادوا الخروج عنها نفاقًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا} قال: كان ناسٌ من المنافقين أرادوا أن يخرجوا من المدينة، فقالوا للمؤمنين: إنّا قد أصابنا أوجاعٌ في المدينة واتّخمناها، فلعلّنا أن نخرج إلى الظّهر حتّى نتماثل ثمّ نرجع، فإنّا كنّا أصحاب بريّةٍ. فانطلقوا؛ واختلف فيهم أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت طائفةٌ: أعداء اللّه المنافقون، وددنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أذن لنا فقاتلناهم. وقالت طائفةٌ: لا، بل إخواننا غمتهم المدينة فاتّخموها. فخرجوا إلى الظّهر يتنزّهون، فإذا برءوا رجعوا. فقال اللّه: {فما لكم في المنافقين فئتين} يقول: ما لكم تكونون فيهم فئتين {واللّه أركسهم بما كسبوا}.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أمر أهل الإفك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا} حتّى بلغ: {فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه} قال: هذا في شأن ابن أبيٍّ حين تكلّم به.
- وحدثني يونس قال أخبرنا وهب قال: قال ابن زيد أن هذه الآية أنزلت حين أنزلت {فما لكم في المنافقين فئتين} فقرأ حتى بلغ {فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه} فقال. سعد بن معاذٍ: فإنّي أبرأ إلى اللّه وإلى رسوله من فئته. يريد عبد اللّه بن أبيّ ابن سلولٍ
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب في ذلك قول من قال: نزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قومٍ كانوا ارتدّوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكّة. وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب؛ لأنّ اختلاف أهل التويل في ذلك إنّما هو على قولين:أحدهما أنّهم قومٌ كانوا من أهل مكّة على ما قد ذكرنا الرّواية عنهم، والآخر أنّهم قومٌ كانوا من أهل المدينة.
وفي قول اللّه تعالى ذكره: {فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا} أوضح الدّليل على أنّهم كانوا من غير أهل المدينة لأنّ الهجرة كانت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر، فأمّا من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيمًا من المنافقين وأهل الشّرك، فلم يكن عليه فرض هجرةٍ؛ لأنّه في دار الهجرة كان وطنه ومقامه.
واختلف أهل العربيّة في نصب قوله: {فئتين} فقال بعضهم: هو منصوبٌ على الحال، كما تقول: ما لك قائمًا، يعني ما لك في حال القيام. وهذا قول بعض البصريّين.
وقال بعض نحويّي الكوفيّين: هو منصوبٌ على فعل ما لك قال: ولا يبالى كان المنصوب في ما لك معرفةً أو نكرةً. قال: ويجوز في الكلام أن يقول: ما لك السّائر معنا، لأنّه كالفعل الّذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما. قال: وكلّ موضعٍ صلحت فيه فعل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنّكرة، كما ينصب كان وأظنّ لأنّهنّ نواقص في المعنى وإن ظننت أنّهنّ تامّاتٌ.
وهذا القول أولى بالصّواب في ذلك، لأنّ المطلوب في قول القائل: ما لك قائمًا، القيام، فهو في مذهب كان وأخواتها وأظنّ وصواحباتها). [جامع البيان: 7/280-287]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله عزّ وجلّ: {واللّه أركسهم بما كسبوا}
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {واللّه أركسهم} فقال بعضهم: معناه: ردّهم؛ كما قلنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم قال حدثنا الحسن، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {واللّه أركسهم بما كسبوا} ردّهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: واللّه أوقعهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني عبد اللّه قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {واللّه أركسهم بما كسبوا} يقول: أوقعهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: أضلّهم وأهلكهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة: {واللّه أركسهم} قال: أهلكهم.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة: {واللّه أركسهم بما كسبوا} أهلكهم بما عملوا.
- حدّثنا محمّد، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {واللّه أركسهم بما كسبوا} يقول أضلهم بما كسبوا
- حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة أركسهم أهلكهم
وقد أتينا على البيان عن معنى ذلك قبل بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 7/287-289]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه} أتريدون أيّها المؤمنون أن تهدوا إلى الإسلام، فتوفّقوا للإقرار به والدّخول فيه من أضلّه اللّه عنه، يعني بذلك: من خذله اللّه عنه فلم يوفّقه للإقرار به.
وإنّما هذا خطابٌ من اللّه تعالى ذكره للفئة الّتي دافعت عن هؤلاء المنافقين الّذين وصف اللّه صفتهم في هذه الآية، يقول لهم جلّ ثناؤه: أتبغون هداية هؤلاء الّذين أضلّهم اللّه فخذلهم عن الحقّ واتّباع الإسلام بمدافعتكم عن قتالهم من أراد قتالهم من المؤمنين؟ {ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً} يقوله: ومن خذله عن دينه واتّباع ما أمره به من الإقرار به وبنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاء به من عنده، فأضلّه عنه، فلن تجد له يا محمّد سبيلاً، يقول: فلن تجد له طريقًا تهديه فيها إلى إدراك ما خذله اللّه فأضله عنه، ولا منهجًا يصل به منه إلى الأمر الّذي قد حرمه الوصول إليه). [جامع البيان: 7/289]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلًا (88)
قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن عديّ بن ثابتٍ قال: سمعت عبد اللّه بن زيدٍ الأنصاريّ يحدّث عن زيدٍ يعني ابن ثابتٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا خرج إلى أحدٍ رجعت طائفةٌ ممّن كان معه، وكان أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم فرقتان، فرقةٌ تقول: نقتلهم، وفرقةٌ تقول:
لا، فنزلت هذه الآية: فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا الآية كلّها
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو هارون الخراز، ثنا يحيى بن أبي الخصيب، ثنا عبد العزيز بن محمّدٍ، عن زيد بن أسلم، عن ابن سعد بن معاذٍ الأنصاريّ، أنّ هذه الآية أنزلت فينا فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا فخطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال: من لي بمن يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني فقام سعد بن معاذٍ فقال: إن كان منّا قتلناه يا رسول اللّه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فأطعناك، فقام سعد بن عبادة فقال: ما بك طاعة رسول اللّه يا ابن معاذٍ، ولكن عرفت ما هو منك، فقام أسيد بن حضيرٍ فقال: يا ابن عبادة إنّك منافقٌ تحبّ المنافقين، فقام محمّد بن مسلمة فقال: اسكتوا أيّها النّاس فإنّ فينا رسول اللّه فهو يأمر فينفذ لأمره، فأنزل اللّه تعالى فما لكم في المنافقين فئتين
والوجه الثّالث:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: فما لكم في المنافقين فئتين وذلك أنّ قوماً كانوا بمكّة قد تكلّموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكّة يطلبون حاجةً لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمّدٍ فليس علينا فيهم بأسٌ، فإنّ المؤمنين لمّا أخبروا أنّهم قد خرجوا من مكّة، قالت فئةٌ من المؤمنين: اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم، فإنّهم يظاهرون عليكم عددهم، وقالت فئةٌ أخرى من المؤمنين: سبحان اللّه، أو كما قالوا: تقتلون قوماً قد تكلّموا مثل ما تكلّمتم به من أجل أنّهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم تستحلّ أموالهم ودمائهم، فكانوا كذلك فئتين والرّسول عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شيءٍ، فنزلت فما لكم في المنافقين فئتين
والوجه الرّابع:
- ذكره أبي، ثنا الفضل بن سهلٍ الأعرج، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ، ثنا أبي، عن الوليد بن كثيرٍ حدّثني إسماعيل بن عبيد اللّه بن أبي سفيان، أنّ ابن شهابٍ حدّثه، أنّ أبا سلمة بن عبد الرّحمن حدّثه، أنّ نفراً من طوائف العرب هاجروا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فمكثوا معه ما شاء اللّه أن يمكثوا ثمّ ارتكسوا، فرجعوا إلى قومهم فلقوا سريّةً من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعرفوهم فسألوهم ماردكم؟ فاعتلّوا لهم، فقال بعض القوم لهم: نافقتم، فلم يزل بعض ذلك حتّى فشا فيهم القول فنزلت هذه الآية: فما لكم في المنافقين فئتين. وروي عن الزّهريّ، والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، أخبرني عمران بن حديرٍ، عن عكرمة: فما لكم في المنافقين فئتين قال: أخذ أناسٌ من المسلمين أموالا من المشركين فانطلقوا بها، فاختلف المسلمون فيهم، فقالت طائفةٌ: لو لقيناهم قتلناهم وأخذنا ما في أيديهم، وقال بعضٌ: لا يصلح لكم ذلك إخوانكم انطلقوا تجّاراً، فنزلت هذه الآية.
والوجه السّادس:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: فما لكم في المنافقين فئتين قومٌ خرجوا من مكّة حتّى جاءوا المدينة يزعمون أنّهم مهاجرون، ثمّ ارتدّوا بعد ذلك، فاستأذنوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى مكّة ليأتوا ببضائع يتّجرون فيها، فاختلف فيهم المؤمنون، فقائلٌ يقول: منافقون، وقائلٌ يقول: هم مؤمنون، فبيّن اللّه نفاقهم، فأمر بقتلهم فجاءوا ببضائع يريدون هلال بن عويمرٍ الأسلميّ، وبينه وبين محمّدٍ حلفٌ، فدفع عنهم بأنّهم يؤمّون هلالٌ وبينه وبين محمد عهد). [تفسير القرآن العظيم: 3/1022-1024]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فما لكم في المنافقين فئتين قال هم قوم خرجوا من مكة حتى قدموا المدينة يزعمون أنهم يهاجرون ثم ارتدوا بعد ذلك فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم فاختلف فيهم المؤمنون فقال بعضهم هم منافقون فبين الله عز وجل حالهم وأمر بقتالهم فجاؤوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويس الأسلمي وكان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف وفي قوله حصرت صدورهم يقول حصر صدره يقول ضاق صدره أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه يدافع عنهم بأنهم يؤمون هلالا بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد ثم قال ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم وهم ناس من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قومهم ويرتكسون في الأوثان ويريدون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم إن لم يعتزلوا). [تفسير مجاهد: 168-169]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فما لكم في المنافقين فئتين} [النساء: 88]
- عن عبد الرّحمن بن عوفٍ - رضي اللّه عنه - «أنّ قومًا من العرب أتوا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بالمدينة، فأسلموا، وأصابهم وباء المدينة حمّاها، فأركسوا فخرجوا من المدينة، فاستقبلهم نفرٌ من أصحابه - يعني أصحاب النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة فاجتوينا المدينة. فقال: ما لكم في رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أسوةٌ حسنةٌ؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا هم مسلمون، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ -: {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا} [النساء: 88]- الآية».
رواه أحمد وفيه ابن إسحاق وهو مدلّسٌ، وأبو سلمة لم يسمع من أبيه). [مجمع الزوائد: 7/7]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الطيالسي، وابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين: فرقة تقول: نقتلهم، وفرقة تقول: لا، فأنزل الله {فما لكم في المنافقين فئتين} الآية كلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن سعد بن معاذ الأنصاري أن هذه الآية أنزلت فينا {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا} خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: من لي بمن يؤذيني ويجمع لي في بيته من يؤذيني فقام سعد بن معاذ فقال: إن كان منا يا رسول الله قتلناه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فأطعناك، فقام سعد بن عبادة فقال: ما بك يا ابن معاذ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عرفت ما هو منك، فقام أسيد بن حضير فقال: إنك يا ابن عبادة منافق تحب المنافقين، فقام محمد بن مسلمة فقال: استكوا أيها الناس فإن فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأمرنا فننفذ لأمره، فأنزل الله {فما لكم في المنافقين فئتين} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: إن قوما كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا فيهم بأس وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم وقالت فئة أخرى من المؤمينن: سبحان الله، تقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم تستحل دماؤهم وأموالهم فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهى واحد من الفريقين عن شيء، فنزلت {فما لكم في المنافقين فئتين} إلى قوله {حتى يهاجروا في سبيل الله} يقول: حتى يصنعوا كما صنعتم {فإن تولوا} قال: عن الهجرة.
وأخرج أحمد بسند فيه انقطاع عن عبد الرحمن بن عوف أن قوما من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلموا وأصابهم وباء المدينة حماها فأركسوا خرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من الصحابة فقالوا لهم: ما لكم رجعتم قالوا: أصابنا وباء المدينة فقالوا: ما لكم في رسول الله أسوة حسنة، فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا إنهم مسلمون، فأنزل الله {فما لكم في المنافقين فئتين} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سلمة عن عبد الرحمن أن نفرا من طوائف العرب هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثوا معه ما شاء الله أن يمكثوا ثم ارتكسوا فرجعوا إلى قومهم فلقوا سرية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفوهم فسألوهم: ما ردكم فاعتلوا لهم فقال بعض القوم لهم: نافقتم فلم يزل بعض ذلك حتى فشا فيهم القول فنزلت هذه الآية {فما لكم في المنافقين فئتين}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {فما لكم في المنافقين فئتين} قال: قوم خرجوا من مكة حتى جاؤوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون ثم ارتدوا بعد ذلك فاستأذنوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فاختلف فيهم المؤمنون فقائل يقول: هم منافقون، وقائل يقول: هم مؤمنون فبين الله نفاقهم فأمر بقتلهم فجاءوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويمر الأسلمي وبينه وبين محمد عليه السلام حلف وهو الذي حصر صدره أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه فدفع عنهم بأنهم يؤمون هلالا وبينه وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم عهد.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {فما لكم في المنافقين فئتين}
قال: ذكر لنا أنهما كانا رجلين من قريش كانا مع المشركين بمكة وكانا قد تكلما بالإسلام ولم يهاجرا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلقيهما ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما مقبلان إلى مكة فقال بعضهم: إن دماءهما وأموالهما حلال، وقال بعضهم: لا يحل ذلك لكم، فتشاجروا فيهما فأنزل الله {فما لكم في المنافقين فئتين} حتى بلغ {ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم}.
وأخرج ابن جرير عن معمر بن راشد قال: بلغني أن ناسا من أهل مكة كتبوا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنهم قد أسلموا أو كان ذلك منهم كذبا فلقوهم فاختلف فيهم المسلمون فقالت طائفة: دماءهم حلال، وطائفة قالت: دماءهم حرام، فأنزل اله {فما لكم في المنافقين فئتين}.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في الآية قال: هم ناس تخلفوا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأقاموا بمكة وأعلنوا الإيمان ولم يهاجروا فاختلف فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتولاهم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ من ولايتهم آخرون وقالوا: تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهاجروا فسماهم الله منافقين وبرأ المؤمنين من ولايتهم وأمرهم أن لا يتولوهم حتى يهاجروا.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: كان ناس من المنافقين أرادوا أن يخرجوا من المدينة فقالوا للمؤمنين: إنا قد أصابنا أوجاع في المدينة واتخمناها فلعلنا أن نخرج إلى الظهر حتى نتماثل ثم نرجع فإنا كنا أصحاب برية، فانطلقوا واختلف فيهم أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت طائفة: أعداء الله منافقون وددنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا فقاتلناهم، وقالت طائفة: لا بل إخواننا تخمتهم المدينة فاتخموها فخرجوا إلى الظهر يتنزهون فإذا برئوا رجعوا، فأنزل الله في ذلك {فما لكم في المنافقين فئتين}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: أخذ ناس من المسلمين أموالا من المشركين فانطلقوا بها تجارا إلى اليمامة فاختلف المسلمون فيهم فقالت طائفة: لو لقيناهم قتلناهم وأخذنا ما في أيديهم، وقال بعضهم: لا يصلح لكم ذلك إخوانكم انطلقوا تجارا، فنزلت هذه الآية {فما لكم في المنافقين فئتين}.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن وهب عن ابن زيد في قوله {فما لكم في المنافقين فئتين}
قال: هذا في شأن ابن أبي حين تكلم في عائشة ما تكلم فنزلت إلى قوله {فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله} فقال سعد بن معاذ: فإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله منه، يريد عبد الله بن أبي بن سلول.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: كيف ترون في الرجل يخاذل بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسيء القول لأهل رسول الله وقد برأها الله ثم قرأ ما أنزل الله في براءة عائشة فنزل القرآن في ذلك {فما لكم في المنافقين فئتين} الآية، فلم يكن بعد هذه الآية ينطق ولا يتكلم فيه أحد.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس {والله أركسهم} يقول: أوقعهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس {أركسهم} قال: ردهم.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قول {أركسهم} قال: حبسهم في جهنم بما عملوا، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول أمية بن الصلت في شعره:
أركسوا في جهنم أنهم كانوا عتاة = يقولوا مينا وكذبا وزورا
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {أركسهم بما كسبوا} قال: أهلكهم بما عملوا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {أركسهم} قال: أضلهم). [الدر المنثور: 4/565-572]

تفسير قوله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال أبو صخر عن القرظي أنه قال في هذه الآية: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}، أتى رهطٌ إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله، إن المدينة قد ضاق علينا ترابها وسباخها، فأذن لنا نخرج إلى هذه الحرة فنكون منك قريبا، [ ....... ] إلى حرتنا هذه، فقعد رهطٌ من أصحاب النبي فيهم محمد بن مسلمة الأنصاري [ .... ] هم، فقال بعضهم: ما تقولون في هؤلاء الذين خرجوا إلى هذه الحرة، فقالوا: اسأل [ ........ ا] وهم إخواننا وقد أذن لهم نبينا، فقالت طائفةٌ من القوم لعمر: والله، ما [ .. .. ] خير حين تركوا مجالستنا ومسجدنا، وأن يحضروا معنا؛ وخرجوا إلى [ ........ ] الحرة ليس بيننا وبينهم إلا دعوة، فأكثروا القول في ذلك الطائفتان جميعا [ .... {فما لكم] في المنافقين فئتين}، وذلك: تريدون أن تقتتلوا فيهم فأنا أخبركم خبرهم، فإن الله {أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ودوا}، للذين كفروا، {لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله}). [الجامع في علوم القرآن: 2/77-78] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أنزلت في ضبيعة بين شرحبيل، فنسختها: {واقتلوهم حيث وجدتموهم}، {فاعف عنهم واصفح}؛
فنسختها: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}، {أو أعرض عنهم}؛ نسختها: {فاحكم بينهم بما أنزل الله}). [الجامع في علوم القرآن: 3/85-86]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل الله فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتّموهم ولا تتّخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ودّوا لو تكفرون} تمنّى هؤلاء المنافقون الّذين أنتم أيّها المؤمنون فيهم فئتان أن تكفروا فتجحدوا وحدانيّة ربّكم وتصديق نبيّكم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {كما كفروا} يقول: كما جحدوا هم ذلك {فتكونون سواءً} يقول: فتكونون كفّارًا مثلهم، وتستوون أنتم وهم في الشّرك باللّه {فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا} يقول جل ثناؤه فاستغشوهم ولا تنصحوهم ولا تستنصروهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصير ولا خللا مصافيا {حتّى يهاجروا في سبيل الله} يقول: حتّى يخرجوا من دار الشّرك ويفارقوا أهلها الّذين هم باللّه مشركون إلى دار الإسلام وأهلها {في سبيل اللّه} يعني في ابتغاء دين اللّه، وهو سبيله، فيصيروا عند ذلك مثلكم، ويكون لهم حينئذٍ حكمكم. كما:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا} يقول: حتّى يصنعوا كما صنعتم، يعني: الهجرة في سبيل اللّه يقول حتّى يهاجروا في سبيل الله). [جامع البيان: 7/290]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله: {فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فإن أدبر هؤلاء المنافقون عن الإقرار باللّه ورسوله، وتولّوا عن الهجرة من دار الشّرك إلى دار الإسلام،وعن مفارقة أهل الكفر إلى الإسلام، فخذوهم أيّها المؤمنون، واقتلوهم حيث وجدتموهم من بلادهم وغير بلادهم، أين أصبتموهم من أرض اللّه. {ولا تتّخذوا منهم وليًّا} يقول: ولا تتّخذوا منهم خليلاً يواليكم على أموركم، ولا ناصرًا ينصركم على أعدائكم، فإنّهم كفّارٌ لا يألونكم خبالا، ودّوا ما عنتّم.
وهذا الخبر من اللّه جلّ ثناؤه إبانةٌ عن صحّة نفاق الّذين اختلف المؤمنون في أمرهم، وتحذيرٌ لمن دافع عنهم عن المدافعة عنهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم} فإن تولّوا عن الهجرة فخذوهم واقتلوهم.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم} يقول: إذا أظهروا كفرهم فاقتلوهم حيث وجدتموهم). [جامع البيان: 7/291-292]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا (89)
قوله تعالى: والله أركسهم بما كسبوا. [الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: واللّه أركسهم بما كسبوا يقول: أوقعهم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: واللّه أركسهم بما كسبوا يقول: أضلّهم بما كسبوا.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، أخبرني محمّد بن شعيبٍ أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه عطاءٍ قوله: أركسهم بما كسبوا فيقال: ردّهم بما كسبوا
قوله تعالى: أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا. [5748]
قريء على يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطب النّاس فقال: كيف ترون في الرّجل يخاذل بين أصحاب رسول الله، ويسيء القول لأهل رسول اللّه، وقد برّأها اللّه، ثمّ قرأ ما أنزل اللّه عزّ وجلّ في براءة عائشة رضي اللّه عنها في حديثٍ، فنزل القرآن في ذلك: فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا فلم يكن بعد هذه الآية ينطق ولا يتكلّم فيه أحدٌ.
قوله تعالى: ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا سعيد يعني ابن أبي مريم أنبأ عبد اللّه يعني ابن سويدٍ، أخبرني أبو صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ قوله: ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً يقول: ودّ الّذين كفروا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً.
قوله تعالى: فلا تتّخذوا منهم أولياء. [5750]
حدّثنا أبي، ثنا أبو سلمة، ثنا حمّادٌ بن سلمة، عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن الحسن، أنّ سراقة بن مالكٍ المدلجيّ حدّثهم قال: لمّا ظهر يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أهل بدرٍ وأحدٍ، وأسلم من حولهم، قال سراقة: بلغني أنّه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلجٍ، فأتيته فقلت: أنشدك النّعمة فقالوا: مه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: دعوه ما يريد. فقلت: بلغني أنّك تريد أن تبعث إلى قومي، وأنا أريد أن توادعهم فإن أسلم قومك ودخلوا في الإسلام، وإن لم يسلموا لم تخشن لقلوب قومك عليهم، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيد خالد بن الوليد فقال: اذهب معه، فافعل ما يريد، فصالحهم خالدٌ على أن لا يعينوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإن أسلمت قريشٌ أسلموا معهم، فأنزل اللّه تعالى: ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتخذوا منهم أولياء.
قوله تعالى: حتّى يهاجروا في سبيل اللّه. [5751]
أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله حتّى يهاجروا في سبيل اللّه يقول: حتّى يصنعوا كما صنعتم يعني الهجرة.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، أخبرني عمران بن حديرٍ عن عكرمة قوله: حتّى يهاجروا في سبيل اللّه قال: حتّى يهاجروا هجرةً أخرى.
قوله تعالى: فإن تولوا.
[الوجه الأول]
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: فإن تولّوا قال: عن الهجرة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فإن تولّوا يقول: إذا أظهروا كفرهم.
قوله تعالى: فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليّاً ولا نصيرا. [5755]
حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكر وعثمان بنا أبي شيبة قالا: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: واقتلوهم حيث وجدتموهم قال: نسخت ما كان قبلها من منٍّ أو فداً، واللّفظ لعثمان). [تفسير القرآن العظيم: 3/1025-1027]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة النساء: {إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}؛
وقال: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً}؛
وقال في سورة الممتحنة: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين}؛
ثم قال فيها: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون}؛
فنسخ هؤلاء الآيات في شأن المشركين، فقال: {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين}؛
فجعل لهم أجلا أربعة أشهر يسيحون فيها وأبطل ما كان قبل ذلك، ثم قال في الآية التي تليها: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ}؛
ثم نسخ واستثنى: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}؛
وقال: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه). [الجامع في علوم القرآن: 3/70-72]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة فإن اعتزلوكم قال نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/167]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (ويذكر عن ابن عبّاسٍ {حصرت} [النساء: 90]:ضاقت). [صحيح البخاري: 6/46-47] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله ويذكر عن ابن عبّاس حصرت ضاقت وصله بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله تعالى حصرت صدورهم قال ضاقت وعن الحسن أنه قرأ حصرت صدورهم بالرّفع حكاه الفرّاء وهو على هذا خبرٌ بعد خبرٍ وقال المبرّد هو على الدّعاء أي أحصر اللّه صدورهم كذا قال والأول أولى وقد روى بن أبي حاتمٍ من طريق مجاهدٍ أنّها نزلت في هلال بن عويمرٍ الأسلميّ وكان بينه وبين المسلمين عهدٌ وقصده ناسٌ من قومه فكره أن يقاتل المسلمين وكره أن يقاتل قومه). [فتح الباري: 8/256]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
ويذكر عن ابن عبّاس حصرت ضاقت تلووا ألسنتكم بالشّهادة
قال ابن أبي حاتم ثنا أبو صالح ثنا معاوية عن علّي عن ابن عبّاس في قوله حصرت صدورهم قال ضاقت). [تغليق التعليق: 4/196-197]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (ويذكر عن ابن عبّاسٍ حصرت ضاقت
أشار به إلى تفسير: حصرت. في قوله تعالى: {حصرت وهم صدورهم} (النّساء: 90) وفسره بقوله: (ضاقت) . وهذا التّعليق وصله ابن أبي حاتم في تفسيره عن حديث عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، وحكى الفراء عن الحسن أنه قرأ: (أحصرت صدورهم) ، بالرّفع وقال بعضهم: على هذا خبر بعد خبر. قلت: ليس كذلك، بل هو خبر مبتدأ محذوف تقديره: أو جاؤكم حصرت صدورهم، أي: ضيقة منقبضة وقرئ: حصرات، صدوهم، وحاصرت، وقال الزّمخشريّ: وجعله المبرد صفة المحذوف. أي: أو جاؤكم قوما حصرت صدورهم وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد أنّها نزلت في هلال بن عويمر الأسلميّ، وكان بينه وبين المسلمين عهد وقصده ناس من قومه فكره أن يقاتل المسلمين وكره أن يقاتل قومه، وفي (تفسير ابن كثير) وهؤلاء قوم من المستثنين من الأمر بقتالهم، وهم الّذين يجيئون إلى المصاف وهم حصرت صدورهم مبغضين أن يقاتلوكم ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوهم معكم، بل هم لا لكم ولا عليكم). [عمدة القاري: 18/179]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (ويذكر عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما مما وصله ابن أبي حاتم في تفسيره في قوله تعالى: {حصرت} [النساء: 90] أي (ضاقت) صدورهم). [إرشاد الساري: 7/88] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} فإن تولّى هؤلاء المنافقون الّذين اختلفتم فيهم عن الإيمان باللّه ورسوله، وأبوا الهجرة، فلم يهاجروا في سبيل اللّه، فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم، سوى من وصل منهم إلى قومٍ بينكم وبينهم موادعةٌ وعهدٌ وميثاقٌ، فدخلوا بينهم وصاروا منهم ورضوا بحكمهم، فإنّ لمن وصل إليهم فدخل فيهم من أهل الشّرك راضيًا بحكمهم حكمهم في حقن دمائهم بدخوله فيهم،ولا تسبى نساؤهم وذراريّهم، ولا تغنم أموالهم. كما:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} يقول: إذا أظهروا كفرهم فاقتلوهم حيث وجدتموهم، فإن أحدٌ منهم دخل في قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ، فأجروا عليه مثل ما تجرون على أهل الذّمّة.
- حدّثني يونس، عن ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} قال الذين يصلون إلى هؤلاء الّذين بينكم وبينهم ميثاقٌ من القوم، لهم من الأمان مثل ما لهؤلاء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قوله: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} قال: نزلت في هلال بن عويمرٍ الأسلميّ وسراقة بن مالك بن جعشمٍ وجذيمة بن عامر بن عبد مناة وقد زعم بعض أهل العربيّة، أنّ معنى قوله: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ} إلاّ الّذين يتّصلون في أنسابهم لقومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ؛ من قولهم: اتّصل الرّجل، بمعنى: انتمى وانتسب، كما قال الأعشى في صفة امرأةٍ انتسبت إلى قومٍ:.
إذا اتّصلت قالت أبكر بن وائلٍ = وبكرٌ سبتها والأنوف رواغم
يعني بقوله: اتّصلت: انتسبت.
ولا وجه لهذا التّأويل في هذا الموضع، لأنّ الانتساب إلى قومٍ من أهل الموادعة أو العهد لو كان يوجب للمنتسبين إليهم ما لهم إذا لم يكن لهم من العهد والأمان ما لمن له العهد والامان منهم، لما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليقاتل قريشًا، وهم أنسباء السّابقين الأوّلين. ولأهل الإيمان من الحقّ بإيمانهم أكثر ممّا لأهل العهد بعهدهم، وفي قتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مشركي قريشٍ بتركها الدّخول فيما دخل فيه أهل الإيمان منهم، مع قرب أنسابهم من أنساب المؤمنين منهم، الدّليل الواضح أنّ انتساب من لا عهد له إلى ذي العهد منهم، لم يكن موجبًا له من العهد ما لذي العهد من انتسابه.
فإن ظنّ ذو غفلةٍ أنّ قتال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من قاتل من أنسباء المؤمنين من مشركي قريشٍ إنّما كان بعد ما نسخ قوله: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} فإنّ أهل التّأويل أجمعوا على أنّ ذلك نسخ ببراءة وبراءة نزلت بعد فتح مكّة ودخول قريشٍ في الإسلام). [جامع البيان: 7/292-294]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم، إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ، أو: إلاّ الّذين جاءوكم منهم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم.
ويعني بقوله: {حصرت صدورهم} ضاقت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو أن يقاتلوا قومهم والعرب تقول لكلّ من ضاقت نفسه عن شيءٍ من فعلٍ أو كلامٍ قد حصر، ومنه الحصر في القراءة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أو جاءوكم حصرت صدورهم} يقول: ضاقت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم.
وفي قوله: {أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} متروكٌ، ترك ذكره لدلالة الكلام عليه، وذلك أنّ معناه: أو جاءوكم قد حصرت صدورهم، فترك ذكر قد لأنّ من شأن العرب فعل مثل ذلك، تقول: أتاني فلانٌ ذهب عقله، بمعنى: قد ذهب عقله؛ ومسموعٌ منهم: أصبحت نظرت إلى ذات التّنانير، بمعنى: قد نظرت. ولإضمار قد مع الماضي جاز وضع الماضي من الأفعال في موضع الحال، لأنّ قد إذا دخلت معه أدنته من الحال وأشبهته الأسماء.
وعلى هذه القراءة، أعني: {حصرت} قرأ القرّاء في جميع الأمصار، وبها يقرأ لإجماع الحجّة عليها.
وقد ذكر عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرأ ذلك: أو جاءوكم حصرت صدورهم نصبًا، على الحال وهي صحيحةٌ في العربيّة فصيحةٌ، غير أنّه غير جائزٍ القراءة بها عندي لشذوذها وخروجها عن قراءة قرّاء الإسلام.
- حدثنا أبو كريب نا يونس بن محمد عن أبان عن قتادة: {أو جاءوكم حصرت صدورهم} أي كارهة صدرهم). [جامع البيان: 7/294-296]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}
يعني جلّ ثناؤه: {ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم} ولو شاء اللّه لسلّط هؤلاء الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ، فيدخلون في جوارهم وذمّتهم، والّذين يجيئونكم قد حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم عليكم أيّها المؤمنون، فقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكنّ اللّه تعالى ذكره كفّهم عنكم. يقول جلّ ثناؤه: فأطيعوا الّذي أنعم عليكم بكفّهم عنكم مع سائر ما أنعم به عليكم فيما أمركم به من الكفّ عنهم إذا وصلوا إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ، أو جاءوكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم. ثمّ قال جلّ ثناؤه: {فإن اعتزلوكم}
يقول: فإن اعتزلكم هؤلاء الّذين أمرتكم بالكفّ عن قتالهم من المنافقين بدخولهم في أهل عهدكم أو مصيرهم إليكم. حصرة صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم، فلم يقاتلوكم {وألقوا إليكم السّلم} يقول: وصالحوكم. والسّلم: هو الاستسلام، وإنّما هذا مثلٌ كما يقول الرّجل للرّجل: أعطيتك قيادي وألقيت إليك خطامي، إذا استسلم له وانقاد لأمره، فكذلك قوله: {وألقوا إليكم السّلم} إنّما هو: ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لكم صلحًا منهم لكم وسلمًا. ومن السّلم قول الطّرمّاح:
وذاك أنّ تميمًا غادرت سلمًا = للأسد كلّ حصانٍ وعثة اللّبد
يعني بقوله سلمًا: استسلامًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم} قال: الصّلح.
وأمّا قوله: {فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً} فإنّه يقول: إذا استسلم لكم هؤلاء المنافقون الّذين وصف صفتهم صلحًا منهم لكم، فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً: أي فلم يجعل اللّه لكم على أنفسهم وأموالهم وذراريّهم ونسائهم طريقًا إلى قتلٍ أو سباءٍ أو غنيمةٍ، بإباحةٍ منه ذلك لكم ولا إذنٍ، فلا تعرّضوا لهم في ذلك إلا سبيل خيرٍ.
ثمّ نسخ اللّه جميع حكم هذه الآية والّتي بعدها بقوله تعالى ذكره: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} إلى قوله: {فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
ذكر من قال في ذلك مثل الّذي قلنا:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، والحسن، قالا: قال: {فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} إلى قوله: {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مبينًا} وقال في الممتحنة {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم} وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين وقال فيها: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم} إلى: {فأولئك هم الظّالمون} فنسخ هؤلاء الآيات الأربعة في شأن المشركين، فقال: {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين}
فجعل لهم أربعة أشهرٍ يسيحون في الأرض، وأبطل ما كان قبل ذلك. وقال في الّتي تليها: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ} ثمّ نسخ واستثنى فقال: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} إلى قوله: {ثمّ أبلغه مأمنه}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فإن اعتزلوكم} قال: نسختها: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا همّام بن يحيى، قال: سمعت قتادة، يقول في قوله: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} إلى قوله: {فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً} ثمّ نسخ ذلك بعد في براءة، وأمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقاتل المشركين حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقول: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} الآية، قال: نسخ هذا كلّه جميع، نسخه الجهاد، ضرب لهم أجل أربعة أشهرٍ، إمّا أن يسلموا وإمّا أن يكون الجهاد). [جامع البيان: 7/296-300]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إلّا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلًا (90)
قوله تعالى: إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاج بن حمزة، عن ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ نسختها براءةٌ: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.
وروي عن الزّهريّ، وعكرمة، والحسن، وقتادة نحو ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا ابن أبي حمّادٍ، ثنا إبراهيم بن المختار، عن ابن جريجٍ عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاق نزلت في هلال بن عويمرٍ الأسلميّ وسراقة بن مالكٍ المدلجيّ وفي بني جذيمة بن عامر بن عبد منافٍ.
قوله تعالى: أو جاؤكم. [5758]
حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: أو جاؤكم يقول: رجعوا فدخلوا فيكم.
قوله تعالى: حصرت صدورهم. [5759]
حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا يزيد بن مخلدٍ الواسطيّ أبو خداشٍ، أنبأ بشر ابن مبشّرٍ، ثنا هشيمٌ، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله:
حصرت صدورهم فقال: عن هؤلاء وعن هؤلاء.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: أو جاؤكم حصرت صدورهم يريدون: هلال بن عويمرٍ وهو الّذي حصر صدره أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: حصرت صدورهم يقول: ضاقت صدورهم. وروي عن ابن عبّاسٍ من رواية عليّ بن أبي طلحة مثل ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: أو جاؤكم حصرت صدورهم أي: كارهةٌ صدورهم.
قوله تعالى: أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم. [5763]
حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: إن يقاتلوكم أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه.
قوله تعالى: ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم. [5764]
حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا سعيد بن عامرٍ، عن همّامٍ، عن قتادة قوله: ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم الآية، ثمّ ذلك نسخ بعد في براءةٍ، فنبذ إلى كلّ ذي عهدٍ عهده، وأمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقاتل المشركين حتّى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه، فقال تعالى:
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ.
قوله تعالى: وألقوا إليكم السّلم. [5765]
حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع في قوله: فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم قال:
الصّلح.
قوله تعالى: فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا. [5766]
حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا سعيد بن عامرٍ، عن همّامٍ، عن قتادة قوله: فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا ثمّ نسخ ذلك بعد في براءةٍ فنبذه إلى كلّ ذي عهدٍ عهده، وأمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقاتل المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 3/1027-1028]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال: لما ظهر النّبيّ صلى الله عليه وسلم على أهل بدر وأحد وأسلم من حولهم قال سراقة: بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج فأتيته فقلت: أنشدك النعمة، فقالوا: مه، فقال: دعوه ما تريد قلت: بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي وأنا أريد أن توادعهم فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام وإن لم يسلموا لم تخشن لقلوب قومك عليهم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد فقال: اذهب معه فافعل ما يريد فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسلموا معهم ومن وصل إليهم من الناس كانوا على مثل عهدهم، فأنزل الله {ودوا لو تكفرون} حتى بلغ {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} فكان من وصل إليهم كانوا معهم على عهدهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} يقول: إذا أظهروا كفرهم فاقتلوهم حيث وجدتموهم فإن أحد منهم دخل في قوم بينكم وبينهم ميثاق فأجروا عليه مثل ما تجرون على أهل الذمة.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس
والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {إلا الذين يصلون إلى قوم} الآية، قال: نسختها براءة (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية 5).
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {حصرت صدورهم} قال: عن هؤلاء وعن هؤلاء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي {أو جاؤوكم} يقول: رجعوا فدخلوا فيكم {حصرت صدورهم} يقول: ضاقت صدورهم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قرأ {حصرت صدورهم} أي كارهة صدورهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع {وألقوا إليكم السلم} قال: الصلح.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس عن قتادة في قوله {فإن اعتزلوكم} الآية، قال: نسختها (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية 5).
وأخرج ابن جرير عن الحسن وعكرمة في هذه الآية قالا: نسخها في براءة). [الدر المنثور: 4/572-575]

تفسير قوله تعالى: (سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة النساء: {إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}؛
وقال: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً}؛
وقال في سورة الممتحنة: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين}؛
ثم قال فيها: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون}؛
فنسخ هؤلاء الآيات في شأن المشركين، فقال: {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين}؛
فجعل لهم أجلا أربعة أشهر يسيحون فيها وأبطل ما كان قبل ذلك، ثم قال في الآية التي تليها: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ}؛
ثم نسخ واستثنى: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}؛
وقال: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه). [الجامع في علوم القرآن: 3/70-72] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لّم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولائكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مّبينًا}.
وهؤلاء فريقٌ آخر من المنافقين كانوا يظهرون الإسلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه ليأمنوا به عندهم من القتل والسّباء وأخذ الأموال وهم كفّارٌ، يعلم ذلك منهم قومهم، إذا لقوهم كانوا معهم وعبدوا ما يعبدونه من دون اللّه ليأمنوهم على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وذراريّهم، يقول اللّه: {كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} يعني: كلّما دعاهم قومهم إلى الشّرك باللّه ارتدّوا فصاروا مشركين مثلهم.
واختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: هم ناسٌ كانوا من أهل مكّة أسلموا على ما وصفهم اللّه به من التّقية وكانو كفّارٌا، ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريّهم ونسائهم، يقول اللّه: {كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} يعني: كلّما دعاهم إلى الشّرك باللّه ارتدّوا، فصاروا مشركين مثلهم ليأمنوا عند هؤلاء وهؤلاء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يريدون أن يأمنوكم، ويأمنوا، قومهم} قال ناسٌ كانوا يأتون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيسلمون رياءً، فيرجعون إلى قريشٍ فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} يقول: كلّما أرادوا أن يخرجوا من فتنةٍ أركسوا فيها. وذلك أنّ الرّجل كان يوجد قد تكلّم بالإسلام، فيقرّب إلى العود والحجر وإلى العقرب والخنفساء، فيقول المشركون لذلك المتكلّم بالإسلام: قل هذا ربّي، للخنفساء والعقرب.
وقال آخرون: بل هم قومٌ من أهل الشّرك كانوا طلبوا الأمان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليأمنوا عنده وعند أصحابه وعند المشركين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم} قال: حيّ كانوا بتهامة، قالوا: يا نبيّ اللّه لا نقاتلك ولا نقاتل قومنا، وأرادوا أن يأمنوا نبيّ اللّه ويأمنوا قومهم. فأبى اللّه ذلك عليهم، فقال: {كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} يقول: كلّما عرض لهم بلاءٌ هلكوا فيه.
وقال آخرون: نزلت هذه الآية في نعيم بن مسعودٍ الأشجعيّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: ثمّ ذكر نعيم بن مسعودٍ الأشجعيّ، وكان يأمن في المسلمين والمشركين، بنقل الحديث بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّما ردّوا إلى الفتنة} يقول: إلى الشّرك.
وأمّا تأويل قوله: {كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} فإنّهم كما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} قال: كلّما ابتلوا بها عمّوا فيها.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: كلّما عرض لهم بلاءٌ هلكوا فيه.
والقول في ذلك ما قد بيّنت قبل، وذلك أنّ الفتنة في كلام العرب: الاختبار، والإركاس: الرّجوع.
فتأويل الكلام: كلّما ردّوا إلى الاختبار ليرجعوا إلى الكفر والشّرك رجعوا إليه). [جامع البيان: 7/300-303]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مبينًا}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فإن لم يعتزلوكم أيّها المؤمنون هؤلاء الّذين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم، وهي كلّما دعوا إلى الشّرك أجابوا إليه، ويلقوا إليكم السّلم، ولم يستسلموا إليكم فيعطوكم المقاد ويصالحوكم. كما:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم} قال: الصّلح.
{ويكفّوا أيديهم} يقول: ويكفّوا أيديهم عن قتالكم {فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم} يقول جلّ ثناؤه: فإن لم يفعلوا ذلك فخذوهم أين أصبتموهم من الأرض ولقيتموهم فيها فاقتلوهم، فإنّ دماءهم لكم حينئذٍ حلالٌ {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مبينًا}
يقول جلّ ثناؤه: وهؤلاء الّذين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم وهم على ما هم عليه من الكفر، إن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم، جعلنا لكم حجّةً في قتلهم أينما لقيتموهم، لمقامهم على كفرهم وتركهم هجرة دار الشّرك {مبينًا} يعني أنّها تبين عن استحقاقهم ذلك منكم وإصابتكم الحقّ في قتلهم، وذلك قوله: {سلطانًا مبينًا}، والسّلطان: هو الحجّة. كما:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا قبيصة، قال: حدّثنا سفيان، عن رجلٍ، عن عكرمة، قال: ما كان في القرآن من سلطانٍ فهو حجّةٌ.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {سلطانًا مبينًا} أمّا السّلطان المبين: فهو الحجّة). [جامع البيان: 7/303-304]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مبينًا (91)
قوله تعالى: ستجدون آخرين
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: ثمّ ذكر نعيم بن مسعودٍ الأشجعيّ وكان يأمن في المشركين والمسلمين بنقل الحديث بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والمشركين، فقال: ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم.
- حدّثنا محمّد بن يحي، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: ستجدون آخرين يريدون قال: حيّاً كانوا بتهامة، قالوا: يا نبيّ اللّه، إنّا لا نقاتلك ولا نقاتل قومنا فأرادوا أن يأمنوا رسول اللّه ويأمنوا قومهم فأبى اللّه ذلك عليهم.
قوله تعالى: يريدون أن يأمنوكم. [5769]
حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم أناسٌ من أهل مكّة يأتون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيسلمون رياءً، ثمّ يرجعون إلى قريشٍ، فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا هنا وهاهنا، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.
قوله تعالى: كلّما ردّوا إلى الفتنة. [5770]
أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها يقول: كلّما أرادوا أن يخرجوا من الفتنة أركسوا فيها.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها كلّما عرض لهم بلاءً هلكوا فيه.
قوله تعالى: الفتنة. [5772]
حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: كلّما ردّوا إلى الفتنة يقول: إلى الشرك.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ، عن قتادة إلى الفتنة قال: بلاءً.
قوله تعالى: أركسوا فيها. [5774]
حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية قوله: كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها قال: كلّما ابتلوا بها عموا فيها.
قوله تعالى: فإن لم يعتزلوكم. [5775]
حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: فإن لم يعتزلوكم قال: أمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.
قوله تعالى: فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم. [5776]
حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكر وعثمان، بنا أبي شيبة قالا: ثنا جريرٌ عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قوله: فخذوهم واقتلوهم نسخت ما كان قبلها من من أو فدًا.
قوله تعالى: وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً. [5777]
حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً أمّا السّلطان: فهو الحجّة.
- حدّثنا أبي، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرٍو عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كلّ سلطانٍ في القرآن حجّةٌ. وروي عن أبي مالكٍ، ومحمّد بن كعبٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك، والنّضر بن عربيٍّ مثله). [تفسير القرآن العظيم: 3/1029-1030]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ستجدون آخرين} الآية، قال: ناس من أهل مكة كانوا يأتون النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصالحوا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها} يقول: كلما أرادوا أن يخرجوا من فتنة أركسوا فيها وذلك أن الرجل كان يوجد قد تكلم بالإسلام فيتقرب إلى العود والحجر وإلى العقرب والخنفساء فيقول المشركون لذلك المتكلم بالإسلام: قل هذا ربي للخنفساء والعقرب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ستجدون آخرين} الآية، قال: حي كانوا بتهامة قالوا: يا نبي الله لا نقاتلك ولا نقاتل قومنا وأرادوا أن يأمنوا نبي الله ويأمنوا قومهم فأبى الله ذلك عليهم فقال {كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها} يقول: كلما عرض لهم بلاء هلكوا فيه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: ثم ذكر نعيم بن مسعود الأشجعي وكان يأمن في المسلمين والمشركين بنقل الحديث بين النّبيّ صلى الله عليه وسلم
والمشركين فقال {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة} يقول: إلى الشرك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها} قال: كلما ابتلوا بها عموا فيها). [الدر المنثور: 4/575-576]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فما لكم في المنافقين فئتين...}
إنما كانوا تكلّموا في قوم هاجروا إلى المدينة من مكة، ثم ضجروا منها واستوخموها فرجعوا سرّا إلى مكة، فقال بعض المسلمين: إن لقيناهم قتلناهم وسلبناهم، وقال بعض المسلمين: أتقتلون قوما على دينكم أن استوخموا المدينة؛ فجعلهم الله منافقين، فقال الله: {فما لكم مختلفين في المنافقين}، فذلك قوله
{فئتين}.
ثم قال تصديقا لنفاقهم {ودّوا لو تكفرون كما كفروا} فنصب {فئتين} بالفعل، تقول: مالك قائما، كما قال الله تبارك وتعالى: {فما للّذين كفروا قبلك مهطعين} فلا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة؛ يجوز في الكلام أن تقول: مالك الناظر في أمرنا، لأنه كالفعل الذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما. وكل موضع صلحت فيه فعل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة؛ كما تنصب كان وأظنّ؛ لأنهن نواقص في المعنى وإن ظننت أنهن تامّات، ومثل مال، ما بالك، وما شأنك.

والعمل في هذه الأحرف بما ذكرت لك سهل كثير.
ولا تقل: ما أمرك القائم، ولا ما خطبك القائم، قياسا عليهن؛ لأنهن قد كثرن، فلا يقاس الذي لم يستعمل على ما قد استعمل؛ ألا ترى أنهم قالوا: أيش عندك؟ ولا يجوز القياس على هذه في شيء من الكلام.
وقوله: {والله أركسهم بما كسبوا} يقول: ردّهم إلى الكفر، وهي في قراءة عبد الله وأبيّ {واللّه ركسهم}). [معاني القرآن: 1/280-281]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والله أركسهم} أي: نكّسهم وردّهم فيه).
[مجاز القرآن: 1/136]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً}
قال: {فما لكم في المنافقين فئتين} فنصب على الحال كما تقول: "مالك قائما" أي: "مالك في حال القيام"). [معاني القرآن: 1/208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أركسهم}: نكسهم). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فما لكم في المنافقين فئتين} أي: فرقتين مختلفتين.

{واللّه أركسهم} أي: نكّسهم وردّهم في كفرهم.

وهي في قراءة عبد اللّه بن مسعود: «ركّسهم».

وهما لغتان: ركست الشيء وأركسته). [تفسير غريب القرآن: 133]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا }
هذا خطاب للمسلمين، وذلك أن قوما من المنافقين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد اجتوينا المدينة، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى البدو، فلما خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين، فقال قوم من المسلمين:
هم كفار هم كفار، وقال قوم: هم مسلمون حتى نعلم أنهم بدّلوا، فأمر اللّه بأن يتفق المسلمون على تكفير من احتال على النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالفه فقال - عزّ وجلّ -: {فما لكم في المنافقين فئتين} أي: أيّ شيء لكم في الاختلاف في أمرهم {واللّه أركسهم بما كسبوا}
وتأويل {أركسهم} في اللغة: نكسهم وردّهم، يقال أركسه وركسه.

ومعنى {واللّه أركسهم بما كسبوا} أي: ردّهم إلى حكم الكفار.
وقوله:
{أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه} أي: أتقولون أن هؤلاء مهتدون واللّه قد أضلّهم.
{ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا} أي: طريقا إلى الحجة.

وقال النحويون في نصب {فئتين} إنها منصوبة على الحال.
وقال سيبويه: إذا قلت مالك قائما، فإنما معناه; لم قمت ونصب على تأويل أي شيء يستقر لك في هذه الحال.
قال غيره إن " قائما " ههنا منصوب على جهة فعل " مال " ويجيز مالك قائما، ومالك القائم يا هذا، ومالك القائم خطأ، لأن القائم معرفة فلا يجوز أن تقع حالا، و " ما " حرف من حروف الاستفهام لا تعمل عمل كان، ولو جاز مالك القائم يا هذا، جاز أن يقول ما عندك القائم، وما بك القائم، وبالإجماع أن ما عندك القائم خطأ، فمالك القائم مثله لا فرق في ذلك). [معاني القرآن: 2/87-88]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فما لكم في المنافقين فئتين} أي: فرقتين مختلفتين.
قال زيد بن ثابت: تخلف قوم عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فقال بعضهم: اقتلهم، وقال بعضهم: اعف عنهم فأنزل الله عز وجل: {فما لكم في المنافقين فئتين}.
قال مجاهد: هم قوم أسلموا ثم استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى مكة فيأخذوا بضائع لهم فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين قوم يقولون هم منافقون وقوم يقولون هم مؤمنون حتى نتبين أمرهم أنهم منافقون فأنزل الله عز وجل: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (ركسهم) بغير ألف يقال أركسهم وركسهم إذا ردهم والمعنى ردهم إلى حكم الكفار). [معاني القرآن: 2/152-153]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{أتريدون أن تهدوا من أضل الله} أي: أنهم قد ضلوا {ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} أي: طريقا مستقيما). [معاني القرآن: 2/153-154]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{أَرْكَسَهُم} نكسهم وردهم في كفرهم، وفي قراءة عبد الله (ركسهم) وهي لغة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَرْكَسَهُم}: نكسهم). [العمدة في غريب القرآن: 114]


تفسير قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(89)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليّا ولا نصيرا}
{فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه} أي: لا تتخذوا من هؤلاء الذين احتالوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فارقوه أولياء، أي: لا تقولوا إنهم مؤمنون {حتى يهاجروا في سبيل اللّه}، أي: حتى يرجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم.
وقوله:
{فإن تولّوا}أي: تولوا عن أن يهاجروا، ولزموا الإقامة على ما هم عليه {فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليّا ولا نصيرا} ). [معاني القرآن: 2/88]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ...}
يقول: إذا واثق القوم النبي صلى الله عليه وسلم ألاّ يقاتلوه ولا يعينوا عليه، فكتبوا صلحا لم يحلّ قتالهم ولا من اتّصل بهم، فكان رأيه في قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم كرأيهم فلا يحلّ قتاله، فذلك قوله
{يصلون} معناه: يتصلون بهم.
وقوله:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم}، يقول: ضاقت صدورهم عن قتالكم أو قتال قومهم، فذلك معنى قوله: {حصرت صدورهم} أي: ضاقت صدورهم.

وقد قرأ الحسن "حصرةً صدورهم".
والعرب تقول: أتاني ذهب عقله، يريدون قد ذهب عقله.
وسمع الكسائيّ بعضهم يقول: فأصبحت نظرت إلى ذات التنانير، فإذا رأيت فعل بعد كان ففيها قد مضمرة، إلا أن يكون مع كان جحد فلا تضمر فيها (قد مع جحد) لأنها توكيد والجحد لا يؤكّد؛ ألا ترى أنك تقول: ما ذهبت، ولا يجوز ما قد ذهبت). [معاني القرآن: 1/281-282]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ الّذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاقٌ}، يقول: فإذا كانوا من أولئك القوم الذين بينكم وبينهم ميثاق فلا تقتلوهم).
[مجاز القرآن: 1/136]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أو جاءوكم حصرت صدورهم} من الضيق، وهي من الحصور، وقد قال الأعشى:

إذا اتصلت قالت أبكر بن وائلٍ... وبكرٌ سبتها والأنوف رواغم
أخذه من وصل، أي: انتسب.

{وألقوا إليكم السّلم} أي: المقادة، يقول: استسلموا). [مجاز القرآن: 1/136]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}
قال: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم} أو {حصرت صدورهم} فـ(حصرةً) اسمٌ نصبته على الحال و{حصرت} "فعلت" وبها نقرأ). [معاني القرآن: 1/208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({حصرت صدورهم}: ضاقت. {السلم}: المقادة). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا الّذين يصلون إلى قومٍ} أي: يتصلون بقوم.

{بينكم وبينهم ميثاقٌ} أي: عهد.

ويتصلون: ينتسبون، وقال الأعشى - وذكر امرأة سبيت:
إذا اتّصلت قالت: أبكر بن وائل وبكر سبتها والأنوف رواغم
أي: انتسبت.

وفي الحديث ((من اتصل فأعضّوه)) يريد: من ادّعى دعوى الجاهلية.
{حصرت صدورهم} أي: ضاقت.
والحصر: الضيق.
{ألقوا إليكم السّلم} أي: القادة، يريد: استسلموا لكم). [تفسير غريب القرآن:133-134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إلّا الّذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا} أي: فاقتلوهم إلا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق.
ويروى أن: هؤلاء اتصلوا ببني مدلج وكانوا صلحا للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} معناه: ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم.
وقال النحويون إن
{حصرت صدورهم} معناه: أو جاءوكم قد حصرت صدورهم، لأن حصرت لا يكون حالا إلا بقد.

وقال بعضهم {حصرت صدورهم} خبر بعد خبر، كأنه قال: {أو جاءوكم}، ثم أخبر فقال: {حصرت صدورهم أن يقاتلوكم}
وقوله جلّ وعزّ: {ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم} أي: ضيق صدورهم عن قتالكم إنما هو لقذف اللّه الرعب في صدورهم.

وقرأ بعضهم "حصرة صدورهم" على الحال). [معاني القرآن: 2/89]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال مجاهد: صاروا إلى هلال بن عويمر وكان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف.

وقال غيره: كان قوم يوادعون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاتلونه فأمر المسلمون أن لا يقاتلوا من صار إليهم واتصل بهم ووادع كما وادعوا.
وقال أبو عبيدة: معنى يصلون ينتسبون.
وهذا خطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل قريشا وهم أنسباء المهاجرين الأولين). [معاني القرآن: 2/154-155]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم} أي: أو يصلون إلى قوم جاؤوكم حصرت صدروهم
قال الكسائي: "معنى حصرت" ضاقت.

قال مجاهد: وهو هلال بن عويمر الذي حصر أن يقاتل المسلمين أو يقاتل قومه فدفع عنهم.

قال أبو العباس محمد بن يزيد: المعنى على الدعاء، أي: أحصر الله صدورهم

وقال أبو إسحاق: يجوز أن يكون خبرا بعد خبر، فالمعنى: {أو جاؤوكم} ثم خبر بعد فقال {حصرت صدورهم} كما قال جل وعز: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} وقيل المعنى: أو جاؤوكم قد حصرت صدورهم ثم حذف قد وقد قرأ الحسن (حصرة صدورهم).

وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} و{حصرت صدورهم} فالمعنى على هذه القراءة (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم) أي: قوم حصرة صدورهم، أي: ضيقة). [معاني القرآن: 2/155-157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم} أي كفوا عن قتالكم وألقوا إليكم السلم أي الانقياد فما جعل الله لكم عليهم سبيلا قال قتادة هذه الآية منسوخة نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم في براءة).

[معاني القرآن: 2/157]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (يصلون) ينتسبون). [ياقوتة الصراط: 201]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (حصرت صدورهم) أي: ضاقت، و(حَصِرَةْ صُدُورُهُمْ) أي: ضيقة صدورهم). [ياقوتة الصراط: 201]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ} أي: يتصلون بهم، أي: ينتسبون.

و{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: ضاقت.
{السَّلَمَ} الاستسلام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{حَصِرَتْ}: ضاقت.
{السَّلمَ}: المقادة والطاعة). [العمدة في غريب القرآن: 114]

تفسير قوله تعالى: {سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم...} معناه: أن يأمنوا فيكم ويأمنوا في قومهم. فهؤلاء بمنزلة الذين ذكرناهم في أن قتالهم حلال إذا لم يرجعوا). [معاني القرآن: 1/282]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم} هؤلاء منافقون يعطون المسلمين الرضا ليأمنوهم، ويعطون قومهم الرضي ليأمنوهم). [تفسير غريب القرآن: 134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} ستجدون من يظهر لكم الصلح ليأمنكم، وإذا سنحت فتنة كانوا مع أهلها عليكم.
وقوله:
{كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} أي: انتكسوا عن عهدهم الذي عقدوه.
وقوله:
{فإن لم يعتزلوكم} أي: فإن لم يعتزلوا قتالكم ولم يعاونوا عليكم.
{ويلقوا إليكم السّلم} أي: المقادة والاستسلام.
{ويكفّوا أيديهم} أي: عن الحرب.
{فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} أي: حجة بينة بأنهم غدرة، لا يفون بما يفارقونكم عليه من الهدنة والصلح). [معاني القرآن: 2/89-90]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها} قال مجاهد: هؤلاء قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ثم يرجعون إلى الكفار فيرتكسون في الأوثان). [معاني القرآن: 2/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم}

ومعنى {ثقفتموهم}: وجدتموهم واحد {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} أي: حجة بينة بأنهم غدرة لا يوفون بعهد ولا هدنة). [معاني القرآن: 2/158]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:38 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الاستنجاء أنه كان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة.
قال: حدثنيه يحيى بن سعيد القطان عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمرو وغيره: أما الروث فروث الدواب.
وأما الرمة فهي العظام البالية، قال لبيد:
والنيب إن تعرمني رمة خلقا = بعد الممات فإني كنت أثئر
والرميم مثل الرمة، قال الله تبارك وتعالى: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم}.
يقال منه: قد رم العظم فهو يرم، ويروى منه أن
أبي بن خلف أنه لما نزلت هذه الآية أتى بعظم بال إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يفته ويقول: أترى الله يا محمد يحيي هذا بعد ما قد رم؟
وفي حديث آخر أنه نهى أن يستنجى برجيع أو عظم. فأما الرجيع فقد يكون الروث والعذرة جميعا، وإنما سمي رجيعا لأنه رجع عن حاله الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا إلى غير ذلك.
وكذلك كل شيء يكون من قول أو فعل يرد فهو رجيع، لأن معناه مرجوع أي مردود.
وقد يكون الرجيع الحجر الذي قد استنجى به مرة ثم رجع إليه فاستنجى به، وقد روي عن مجاهد أنه كان يكره أن يستنجى بالحجر الذي قد استنجى به مرة. وفي غير هذا الحديث أنه أتي بروث في الاستنجاء فقال: ((إنه ركس)). وهو شبيه المعنى بالرجيع.
يقال: ركست الشيء وأركسته لغتان إذا رددته، قال الله تبارك وتعالى: {والله أركسهم بما كسبوا} وتأويله فيما نرى أنه ردهم إلى كفرهم). [غريب الحديث: 3/240-243] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) }

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال قد أحصره المرض إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها قال الله عز وجل: {فإن أحصرتم} وقد حصره العدو يحصرونه حصرا إذا ضيقوا عليه ومنه قوله: {أو جاءوكم حصرت صدورهم} أي ضاقت ومنه:
(جرداء يحصر دونها جرامها )
أي: تضيق صدورهم من طول هذه النخلة ومنه قيل للمحبس حصير أي يضيق به على المحبوس قال الله جل وعز: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} أي محبسا ومنه رجل حصور وحصير وهو الضيق الذي لا يخرج مع القوم ثمنا إذا اشتروا الشراب وقال الأخطل:

(وشارب مربح بالكأس نادمني = لا بالحصور ولا فيها بسوار)
أي: بمعربد). [إصلاح المنطق: 230] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقد أجاز قوم أن يضعوا فعل في موضعها. كما تقول: إن ضربتني ضربتك، والمعنى: إن تضربني أضربك.
وهذا التشبيه بعيد؛ لأن الحروف إذا دخلت حدثت معها معان تزيل الأفعال عن مواضعها.
ألا ترى أنك تقول: زيد يضرب غدا، فإذا أدخلت لم قلت لم يضرب أمس، فبدخول لم صارت يضرب في معنى الماضي. وتأولوا هذه الآية من القرآن على هذا القول، وهي قوله: {أو جاءوكم حصرت صدورهم}.
وليس الأمر عندنا كما قالوا. ولكن مخرجها والله أعلم إذا قرئت كذا الدعاء؛ كما تقول: لعنوا قطعت أيديهم. وهو من الله إيجاب عليهم.
فأما القراءة الصحيحة فإنما هي (أو جاءوكم حصرةً صدورهم).
ومثل هذا من الجمل قولك: مررت برجل أبوه منطلق، ولو وضعت في موضع رجل معرفة لكانت الجملة في موضع حال. فعلى هذا تجري الجمل.
وإذا كان في الثانية ما يرجع إلى الأول جاز ألا تعلقه به بحرف عطف، وإن علقته به فجيد.
وإذا كان الثاني لا شيء فيه يرجع إلى الأول فلا بد من حرف العطف وذلك قولك: مررت برجل زيد خير منه، وجاءني عبد الله أبوه يكلمه.
وإن شئت قلت: مررت بزيد عمرو في الدار فهو محال إلا على قطع خبر واستئناف آخر. فإن جعلته كلاماً واحداً قلت: مررت بزيد وعمرو في الدار.
وهذه الواو التي يسميها النحويون واو الابتداء، ومعناها: غذ. ومثل ذلك قوله: {يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} والمعنى والله أعلم: إذ طائفة في هذه الحال، وكذلك قول المفسرين). [المقتضب: 4/124-125]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (تفسير قوله تعالى: {وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8]
قال: وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري، قال في قوله عز وجل: {وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8] ، قال: معناه سجنًا وحبسًا، ويقال: حصرت الرجل أحصره حصرًا إذا حبسته وضيّقت عليه، قال الله عز وجل: {أو جاءوكم حصرت صدورهم} [النساء: 90] أي ضاقت صدورهم وقرأ الحسن: (حصرةً صدورهم) معناه ضيقة صدورهم، ويقال: أحصره المرض إذا حبسه، والحصير: الملك لأنه حصر أن يراه الناس، قال الشاعر:
ومقامةٍ غلب الرقاب كأنهم = جنٌّ لدى باب الحصير قيام).
[الأمالي: 2/306] (م)

تفسير قوله تعالى: {سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91) }
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والسَّلم والسِّلم: الصّلح، والسَّلَم: الاستسلام). [الأمالي: 2/152]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: فما لكم في المنافقين الآية. الخطاب للمؤمنين، وهذا ظاهره استفهام، والمقصد منه التوبيخ، واختلف المتأولون فيمن المراد ب المنافقين؟ فقال ابن عباس: هم قوم كانوا بمكة فكتبوا إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، أنهم قد آمنوا وتركوا الهجرة، وأقاموا بين أظهر الكفار، ثم سافر قوم منهم إلى الشام فأعطتهم قريش بضاعات وقالوا لهم: إنكم لا تخافون أصحاب محمد، لأنكم تخدعونهم بإظهار الإيمان لهم، فاتصل خبرهم بالمدينة، فاختلف المؤمنون فيهم، فقالت طائفة: نخرج إلى أعداء الله المنافقين، وقالت طائفة: بل هم مؤمنون لا سبيل لنا إليهم، فنزلت الآية، وقال مجاهد: بل نزلت في قوم جاؤوا إلى المدينة من مكة، فأظهروا الإسلام، ثم قالوا: لنا بضاعات بمكة فانصرفوا إليها وأبطنوا الكفر، فاختلف فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذان القولان يعضدهما ما في آخر الآية من قوله تعالى حتّى يهاجروا [النساء: 89]، وقال زيد بن ثابت: نزلت في المنافقين الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، عبد الله بن أبيّ وأصحابه، لأن أصحاب النبي عليه السلام اختلفوا فيهم، وقال السدي: بل نزلت في قوم منافقين كانوا بالمدينة فطلبوا الخروج عنها نفاقا وكفرا، وقالوا: إنّا اجتويناها، وقال ابن زيد: إنما نزلت في المنافقين الذين تكلموا في حديث الإفك، لأن الصحابة اختلفوا فيهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: الاختلاف في هذه النازلة كان بين أسيد بن حضير وسعد بن عبادة، حسبما وقع في البخاري، وكان لكل واحد أتباع من المؤمنين على قوله، وكل من قال في هذه الآية: إنها فيمن كان بالمدينة يرد عليه قوله: حتّى يهاجروا [النساء: 89] لكنهم يخرجون المهاجرة إلى هجر ما نهى الله عنه، وترك الخلاف والنفاق، كما قال عليه السلام، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، وفئتين معناه فرقتين، ونصبهما على الحال كما تقول: ما لك قائما، هذا مذهب البصريين، وقال الكوفيون: نصبه بما يتضمنه ما لكم من الفعل، والتقدير ما لكم كنتم فئتين، أو صرتم، وهذا الفعل المقدر ينصب عندهم النكرة والمعرفة، كما نقول ما لك الشاتم لزيد، وخطأ هذا القول الزجّاج، لأن المعرفة لا تكون حالا، وأركسهم معناه رجعهم في كفرهم وضلالهم، «والركس» الرجيع، ومنه حديث النبي عليه السلام في الاستنجاء، «فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال إنها ركس» ومنه قول أمية بن أبي الصلت: [البسيط]
فأركسوا في حميم النّار إنّهم = كانوا عصاة وقالوا الإفك والزّورا
وحكى النضر بن شميل والكسائي، «ركس وأركس» بمعنى واحد، أي رجعهم، ومن قال من المتأولين: أهلكهم أو أضلهم فإنما هي بالمعنى، لأن ذلك كله يتضمنه ردهم إلى الكفر، وبما كسبوا معناه بما اجترحوا من الكفر والنفاق، أي إن كفرهم بخلق من الله واختراع وبتكسب منهم، وقوله:
أتريدون استفهام معناه الإبعاد واليأس مما أرادوه، والمعنى أتريدون أيها المؤمنون القائلون: بأن أولئك المنافقين مؤمنون أن تسموا بالهدى من قد يسره الله لضلالة وحتمها عليه، ثم أخبر تعالى أنه من يضلل فلا سبيل إلى إصلاحه ولا إلى إرشاده). [المحرر الوجيز: 2/619-622]


تفسير قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليًّا ولا نصيراً (89)
الضمير في ودّوا عائد على المنافقين، وهذا كشف من الله لخبث معتقدهم، وتحذير للمؤمنين منهم. والمعنى تمنوا كفركم، وهي غاية المصائب بكم، وهذا الود منهم يحتمل أن يكون عن حسد منهم لهم على ما يرون للمؤمنين من ظهور في الدنيا، فتجري الآية مع ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم، ويحتمل أمر المنافقين أن يكون أنهم رأوا المؤمنين على غير شيء فودوا رجوعهم إلى عبادة الأصنام، والأول أظهر، وقوله: فلا تتّخذوا الآية. هذا نهي عن موالاتهم حتى يهاجروا، لأن الهجرة في سبيل الله تتضمن الإيمان، وفي سبيل اللّه معناه في طريق مرضاة الله، لأن سبل الله كثيرة، وهي طاعاته كلها، المعنى فإن أعرضوا عن الهجرة وتولوا عن الإيمان فخذوهم، وهذا أمر بالحمل عليهم ومجاهرتهم بالقتال). [المحرر الوجيز: 2/622]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاؤكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً (90)
كان هذا الحكم في أول الإسلام قبل أن يستحكم أمر الطاعة من الناس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هادن من العرب قبائل، كرهط هلال بن عويمر الأسلمي، وسرقة بن مالك بن جعشم، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف، فقضت هذه الآية بأنه من وصل من المشركين الذين لا عهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء أهل العهد فدخل في عدادهم وفعل من الموادعة فلا سبيل عليه، قال عكرمة والسدي وابن زيد: ثم لما تقوى الإسلام وكثر ناصروه نسخت هذه والتي بعدها بما في سورة براءة، وقال أبو عبيدة وغيره: يصلون في هذا الموضع معناه، ينتسبون، ومنه قول الأعشى: [الطويل]
إذا اتّصلت قالت: أبكر بن وائل = وبكر سبتها والأنوف رواغم
يريد إذا انتسبت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غير صحيح، قال الطبري: قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا وهم قرابة السابقين إلى الإسلام يقضي بأن قرابة من له ميثاق أجدر بأن تقاتل، فإن قيل: إن النبي عليه السلام لم يقاتل قريشا إلا بعد نسخ هذه الآية، قيل: التواريخ تقضي بخلاف ذلك، لأن الناسخ لهذه الآية هي سورة براءة، ونزلت بعد فتح مكة وإسلام جميع قريش، وقوله تعالى: أو جاؤكم عطف على يصلون، ويحتمل أن يكون على قوله: بينكم وبينهم ميثاقٌ والمعنى في العطفين مختلف وهذا أيضا حكم كان قبل أن يستحكم أمر الإسلام، فكان المشرك إذا اعتزل القتال وجاء إلى دار الإسلام مسالما كارها لقتال قومه، مع المسلمين ولقتال المسلمين مع قومه لا سبيل عليه، وهذه نسخت أيضا بما في براءة. وحصرت: ضاقت وحرجت، ومنه الحصر في القول، وهو: ضيق الكلام على المتكلم، وقرأ الحسن وقتادة «حصرة» كذا قال الطبري: وحكى ذلك المهدوي عن عاصم من رواية حفص، وحكي عن الحسن أنه قرأ «حصرات» وفي مصحف أبيّ سقط أو جاؤكم، وحصرت عند جمهور النحويين في موضع نصب على الحال بتقدير قد حصرت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا يصحب الفعل الماضي إذا كان في موضع الحال والداعي إليه أن يفرق بين تقدير الحال وبين خبر مستأنف، كقولك جاء زيد ركب الفرس، فإن أردت بقولك ركب الفرس خبرا آخر عن زيد، لم تحتج إلى تقدير قد، وإن أردت به الحال من زيد قدرته بقد، قال الزجاج:
حصرت خبر بعد خبر، وقال المبرد: حصرت دعاء عليهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقال بعض المفسرين: لا يصح هنا الدعاء، لأنه يقتضي الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم، ذلك فاسد.
قال المؤلف: وقول المبرد يخرج على أن الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم، والدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم تحقير لهم، أي هم أقل وأحقر، ويستغنى عنهم، كما تقول إذا أردت هذا المعنى: لا جعل الله فلانا عليّ ولا معي أيضا، بمعنى استغنى عنه واستقل دونه، واللام في قوله:
لسلّطهم جواب لو، وفي قوله: فلقاتلوكم لام المحاذاة والازدواج، لأنها بمثابة الأولى، لو لم تكن الأولى كنت تقول: لو شاء الله لقاتلوكم، والمعنى تقرير المؤمنين على مقدار النقمة وصرفها، أي لو شاء الله لقواهم وجرأهم عليكم، فإذ قد أنعم الله عليكم بالهدنة فاقبلوها وأطيعوا فيها، وقرأت طائفة «فلقتلوكم». وقرأ الجحدري والحسن «فلقتّلوكم» بتشديد التاء، والمعنى فإن اعتزلوكم أي هادنوكم وتاركوكم في القتل، والسّلم هنا الصلح، قاله الربيع، ومنه قول الطرماح بن حكيم:
وذاك أن تميما غادرت سلما = للأسد كل حصان رعثة الكبد
وقال الربيع: السّلم هاهنا الصلح، وكذا قرأته عامة القراء، وقرأ الجحدري «السلم» بسكون اللام، وقرأ الحسن «السّلم» بكسر السين وسكون اللام، فمعنى جملة هذه الآية، خذوا المنافقين الكافرين واقتلوهم حيث وجدتموهم، إلا من دخل منهم في عداد من بينكم وبينهم ميثاقٌ والتزم مهادنتكم أو من جاءكم وقد كره قتالكم وقتال قومه، وهذا بفضل الله عليكم ودفاعه عنكم، لأنه لو شاء لسلط هؤلاء الذين هم بهذه الصفة من المتاركة عليكم فلقاتلوكم، فإن اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم، فلا سبيل لكم عليهم، وهذا والذي في سورة الممتحنة من قوله تعالى لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم، إنّ اللّه يحبّ المقسطين [الممتحنة: 8] منسوخ بما في سورة براءة، قاله قتادة وابن زيد وغيرهما). [المحرر الوجيز: 2/622-625]


تفسير قوله تعالى: {سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً (91)
لما وصف الله تعالى فيما تقدم صفة المحقين في المتاركة، المجدين في إلقاء السلم، نبه على طائفة مخادعة مبطلة مبطنة كانوا يريدون الإقامة في مواضعهم مع أهليهم، يقولون لهم: نحن معكم وعلى دينكم، ويقولون أيضا للمسلمين إذا وفدوا وأرسلوا: نحن معكم وعلى دينكم خبثة منهم وخديعة، قيل:
كانت أسد وغطفان بهذه الصفة، وقيل: نزلت في نعيم بن مسعود الأشجعي، كان ينقل بين النبي عليه السلام والكفار الأخبار، وقيل: نزلت في قوم يجيئون من مكة إلى النبي عليه السلام رياء، يظهرون الإسلام ثم يرجعون إلى قريش فيكفرون، ففضح الله تعالى هؤلاء، وأعلم أنهم على غير صفة من تقدم، وقوله:
إلى الفتنة معناه إلى الاختبار، حكي أنهم كانوا يرجعون إلى قومهم فيقال لأحدهم: قل: ربي الخنفساء، وربي العود، وربي العقرب، ونحوه، فيقولها، ومعنى أركسوا رجعوا رجع ضلالة أي أهلكوا في الاختيار بما واقعوه من الكفر، وقرأ عبد الله بن مسعود، «ركسوا» بضم الراء من غير ألف، وحكاه عنه أبو الفتح بشد الكاف على التضعيف، والخلاف في السّلم حسبما تقدم، وهذه الآية حض على قتل هؤلاء المخادعين إذا لم يرجعوا عن حالهم إلى حال الآخرين المعتزلين الملقين للسلم.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: وتأمل فصاحة الكلام في أن سياقه في الصيغة المتقدمة قبل هذه سياق إيجاب الاعتزال. وإيجاب إلقاء السلم، ونفي المقاتلة، إذ كانوا محقين في ذلك معتقدين له، وسياقه في هذه الصيغة المتأخرة سياق نفي الاعتزال، ونفي إلقاء السلم، إذ كانوا مبطلين فيه مخادعين، والحكم سواء على السياقين، لأن الذين لم يجعل الله عليهم سبيلا لو لم يعتزلوا لكان حكمهم حكم هؤلاء الذين جعل عليهم «سلطان مبين»، وكذلك هؤلاء الذين عليهم السلطان، إذ لم يعتزلوا، لو اعتزلوا لكان حكمهم حكم الذين لا سبيل عليهم. ولكنهم بهذه العبارة تحت القتل إن لم يعتزلوا، وثقفتموهم مأخوذ من الثقاف، أي ظفرتم بهم مغلوبين متمكنا منهم، والسلطان الحجة، قال عكرمة: حيث ما وقع السلطان في كتاب الله تعالى فهو الحجة). [المحرر الوجيز: 2/625-626]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا (88) ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا (89) إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا (90) ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مبينًا (91)}
يقول تعالى منكرًا على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين على قولين، واختلف في سبب ذلك، فقال الإمام أحمد: حدّثنا بهز، حدّثنا شعبة، قال عديّ بن ثابتٍ: أخبرني عبد اللّه بن يزيد، عن زيد بن ثابتٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج إلى أحد، فرجع ناسٌ خرجوا معه، فكان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم فرقتين: فرقةٌ تقول: نقتلهم. وفرقةٌ تقول: لا فأنزل اللّه: {فما لكم في المنافقين فئتين} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّها طيبة، وإنّها تنفي الخبث كما تنفي النّار خبث الفضّة".
أخرجاه في الصّحيحين، من حديث شعبة.
وقد ذكر محمّد بن إسحاق بن يسار في وقعة أحدٍ أنّ عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ رجع يومئذٍ بثلث الجيش، رجع بثلاثمائةٍ وبقي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في سبعمائةٍ.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: نزلت في قومٍ كانوا بمكّة، قد تكلّموا بالإسلام، كانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكّة يطلبون حاجةً لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمّدٍ فليس علينا منهم بأسٌ، وأنّ المؤمنين لمّا أخبروا أنّهم قد خرجوا من مكّة، قالت فئةٌ من المؤمنين: اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم، فإنّهم يظاهرون عليكم عدوّكم. وقالت فئةٌ أخرى من المؤمنين: سبحان اللّه! أو كما قالوا: أتقتلون قومًا قد تكلّموا بمثل ما تكلّمتم به؟ أمن أجل أنّهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم تستحلّ دماؤهم وأموالهم. فكانوا كذلك فئتين، والرّسول عندهم لا ينهى واحدًا من الفريقين عن شيءٍ فأنزل اللّه: {فما لكم في المنافقين فئتين}
رواه ابن أبي حاتمٍ، وقد روي عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن وعكرمة ومجاهدٍ والضّحّاك وغيرهم قريبٌ من هذا.
وقال زيد بن أسلم، عن ابنٍ لسعد بن معاذٍ: أنّها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد اللّه بن أبيٍّ، حين استعذر منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المنبر في قضيّة الإفك.
وهذا غريبٌ، وقيل غير ذلك.
وقوله: {واللّه أركسهم بما كسبوا} أي: ردّهم وأوقعهم في الخطأ.
قال ابن عبّاسٍ: {أركسهم} أي: أوقعهم. وقال قتادة: أهلكهم. وقال السّدّيّ: أضلّهم.
وقوله: {بما كسبوا} أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرّسول واتّباعهم الباطل.
{أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا} أي: لا طريق له إلى الهدى ولا مخلص له إليه). [تفسير القرآن العظيم: 2/370-371]

تفسير قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً} أي: هم يودّون لكم الضّلالة لتستووا أنتم وإيّاهم فيها، وما ذاك إلّا لشدّة عداوتهم وبغضهم لكم؛ ولهذا قال: {فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه فإن تولّوا} أي: تركوا الهجرة، قاله العوفيّ عن ابن عبّاسٍ. وقال السّدّيّ: أظهروا كفرهم {فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا} أي: لا توالوهم ولا تستنصروا بهم على الأعداء ما داموا كذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/371-372]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ استثنى اللّه، سبحانه من هؤلاء فقال: {إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} أي: إلا الذين لجؤوا وتحيّزوا إلى قومٍ بينكم وبينهم مهادنةٌ أو عقد ذمّةٍ، فاجعلوا حكمهم كحكمهم. وهذا قول السّدّيّ، وابن زيدٍ، وابن جريرٍ.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي حدّثنا أبو سلمة حدّثنا حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن الحسن: أنّ سراقة بن مالكٍ المدلجيّ حدّثهم قال: لمّا ظهر -يعني النبي صلّى اللّه عليه وسلّم -على أهل بدرٍ وأحد، وأسلم من حولهم قال سراقة: بلغني أنّه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي -بني مدلج -فأتيته فقلت: أنشدك النّعمة. فقالوا: صهٍ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "دعوه، ما تريد؟ ". قال: بلغني أنّك تريد أن تبعث إلى قومي، وأنا أريد أنّ توادعهم، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام، وإن لم يسلموا لم تخشن قلوب قومك عليهم. فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيد خالد بن الوليد فقال: "اذهب معه فافعل ما يريد". فصالحهم خالدٌ على ألّا يعينوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وإن أسلمت قريشٌ أسلموا معهم، [ومن وصل إليهم من النّاس كانوا على مثل عهدهم] فأنزل اللّه: {ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتّخذوا منهم أولياء}
ورواه ابن مردويه من طريق حمّاد بن سلمة، وقال فأنزل اللّه: {إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} فكان من وصل إليهم كانوا معهم على عهدهم وهذا أنسب لسياق الكلام.
وفي صحيح البخاريّ في قصّة صلح الحديبية فكان من أحبّ أن يدخل في صلح قريشٍ وعهدهم، ومن أحبّ أن يدخل في صلح محمّدٍ وأصحابه وعهدهم.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: نسخها قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين [حيث وجدتموهم]} [التّوبة: 5].
وقوله: {أو جاءوكم حصرت صدورهم [أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم]} الآية، هؤلاء قومٌ آخرون من المستثنين عن الأمر بقتالهم، وهم الّذين يجيئون إلى المصافّ وهم حصرةٌ صدورهم أي: ضيّقةٌ صدورهم مبغضين أن يقاتلوكم، ولا يهون عليهم أيضًا أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم لا لكم ولا عليكم. {ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم} أي: من لطفه بكم أن كفّهم عنكم {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم} أي: المسالمة {فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا} أي: فليس لكم أن تقتلوهم، ما دامت حالهم كذلك، وهؤلاء كالجماعة الّذين خرجوا يوم بدرٍ من بني هاشمٍ مع المشركين، فحضروا القتال وهم كارهون، كالعبّاس ونحوه، ولهذا نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذ عن قتل العباس وعبّر بأسره). [تفسير القرآن العظيم: 2/372]

تفسير قوله تعالى: {سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم [كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها]} الآية، هؤلاء في الصّورة الظّاهرة كمن تقدّمهم، ولكن نيّة هؤلاء غير نيّة أولئك، فإنّ هؤلاء منافقون يظهرون للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولأصحابه الإسلام؛ ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ويصانعون الكفّار في الباطن، فيعبدون معهم ما يعبدون، ليأمنوا بذلك عندهم، وهم في الباطن مع أولئك، كما قال تعالى: {وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم [إنّما نحن مستهزئون]} [البقرة: 14] وقال هاهنا: {كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} أي: انهمكوا فيها.
وقال السّدّيّ: الفتنة هاهنا: الشّرك. وحكى ابن جريرٍ، عن مجاهدٍ: أنّها نزلت في قومٍ من أهل مكّة، كانوا يأتون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيسلّمون رياءً، ثمّ يرجعون إلى قريشٍ فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا؛ ولهذا قال تعالى: {فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم} أي: عن القتال {فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم} أي: أين لقيتموهم {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مبينًا} أي: بيّنا واضحًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/373]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة