العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الإسراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:21 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير سورة الإسراء [ من الآية (83) إلى الآية (85) ]

{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)
}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:22 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ونأى} [الإسراء: 83] : «تباعد»). [صحيح البخاري: 6/83] - قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله ونأى تباعد هو قول أبي عبيدة قال في قوله ونأي بجانبه أي تباعد). [فتح الباري: 8/393]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (ونأى تباعد
أشار به إلى قوله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} (الإسراء: 83) وفسّر قوله: (نأى) بقوله: (تباعد) . قال المفسّرون: أي: تباعد منا بنفسه، وعن عطاء: تعظم وتكبر، ويقال: نأى من الأضداد). [عمدة القاري: 19/24]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({ونأى}) في قوله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى} [الإسراء: 83] قال أبو عبيدة أي (تباعد) ومنه النؤي لحفرة حول الخباء تباعد الماء عنه وقرأ ابن ذكوان بتقديم الألف على الهمزة بوزن شاء من ناء ينوء إذا نهض وأظنها رواية غير أبي ذر في البخاري). [إرشاد الساري: 7/202]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشّرّ كان يئوسًا}.
يقول تبارك وتعالى: وإذا أنعمنا على الإنسان، فنجّيناه من ربّ ما هو فيه في البحر، وهول ما قد أشرف فيه عليه من الهلاك بعصوف الرّيح عليه إلى البرّ، وغير ذلك من نعمنا، أعرض عن ذكرنا، وقد كان بنا مستغيثًا دون كلّ أحدٍ سوانا في حال الشّدّة الّتي كان فيها {ونأى بجانبه} يقول: وبعد منّا بجانبه، يعني بنفسه، كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه قبل ذلك، كما؛
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن مجاهدٍ، في قوله: {ونأى بجانبه} قال: تباعد منّا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ، مثله.
والقراءة على تصيير الهمزة في نأى قبل الألف، وهي اللّغة الفصيحة، وبها نقرأ.
وكان بعض أهل المدينة يقرأ ذلك ( وناء ) فيصير الهمزة بعد الألف.
وذلك وإن كان لغةً جائزةً قد جاءت عن العرب بتقديمهم في نظائر ذلك الهمز في موضعٍ هو فيه مؤخّرٌ، وتأخيرهموه في موضعٍ هو مقدّمٌ، كما قال الشّاعر:
أغلامٌ معلّل راء رؤيا = فهو يهذي بما رأى في المنام
وكما قال آبارٌ وهي أبآرٌ، فقدّموا الهمزة، فليس ذلك هو اللّغة الجودى، بل الأخرى هي الفصيحة.
وقوله عزّ وجلّ: {وإذا مسّه الشّرّ كان يئوسًا} يقول: وإذا مسّه الشّرّ والشّدّة كان قنوطًا من الفرج والرّوح.
وبنحو الّذي قلنا في اليئوس، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذا مسّه الشّرّ كان يئوسًا} يقول: قنوطًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وإذا مسّه الشّرّ كان يئوسًا} يقول: إذا مسّه الشّرّ أيس وقنط). [جامع البيان: 15/63-65]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أعرض ونأى بجانبه يقول تباعد منا). [تفسير مجاهد: 368]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 83 - 84.أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ونأى بجانبه} قال: تباعد منا). [الدر المنثور: 9/430]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {كان يؤوسا} قال: قنوطا، وفي قوله: {قل كل يعمل على شاكلته} قال: على ناحيته). [الدر المنثور: 9/431]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84) )

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({شاكلته} [الإسراء: 84] : «ناحيته، وهي من شكله»). [صحيح البخاري: 6/83] - قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله شاكلته ناحيته وهي من شكلته وصله الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله على شاكلته قال على ناحيته ومن طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال على طبيعته وعلى حدته ومن طريق سعيدٍ عن قتادة قال يقول على ناحيته وعلى ما ينوي وقال أبو عبيدة قل كلٌّ يعمل على شاكلته أي على ناحيته وخلقته ومنها قولهم هذا من شكل هذا). [فتح الباري: 8/393]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (شاكلته ناحيته وهي من شكلته
أشار به إلى قوله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} (الإسراء: 84) وفسرها بقوله: ناحيته، وكذا رواه الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، وعن مجاهد: على حدته، وعن الحسن وقتادة: على نيّته، وعن أبي زيد. على دينه، وعن مقاتل: على جبلته، وعن الفراء: على طريقته الّتي جبل عليها، وعن أبي عبيدة والقتبي: على خليقته وطبيعته: (وهي من شكلته) أي: الشاكلة مشتقّة من شكلته إذا قيدته، ويروى: (من شكلته) ، بالفتح بمعنى المثل، وبالكسر بمعنى الدن). [عمدة القاري: 19/24]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({شاكلته}) في قوله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} [الإسراء: 84] قال ابن عباس فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه أي على (ناحيته)، وزاد أبو عبيدة وخليقته
(وهي) أي الشاكلة مشتقة (من شكله) بفتح الشين وهو المثل قال امرؤ القيس:
حيّ المحمول بجانب العزل = إذ لا يلائم شكلها شكلي
أي: لا يلائم مثلها مثلي، ولأبي ذر من شكلته إذا قيدته. قال في الدر: والشاكلة أحسن ما قيل فيها ما قاله في الكشاف إنها مذهبه الذي يشاكل حاله في الهدى والضلالة من قولهم: طريق ذو شواكل وهي الطرق التي تشعبت منه، والدليل عليه قوله: {فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلًا} [الإسراه: 84] وقال الراغب: على شاكلته أي سجيته التي قيدته من شكلت الدابة وذلك أن سلطان السجية على الإنسان قاهر). [إرشاد الساري: 7/202]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (شاكلته: ناحيته). [صحيح البخاري: 6/82]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله شاكلته ناحيته كذا وقع هنا وإنّما هو في السّورة الّتي تليها وقد أعاده فيها ووقع في رواية أبي ذرٍّ عن الحمويّ نيّته بدل ناحيته وسيأتي الكلام عليها هناك). [فتح الباري: 8/385]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عبّاس {تسيمون} ترعون {شاكلته} ناحيته
قال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علّي ابن أبي طلحة عن ابن عبّاس قوله 10 النّحل {شجر فيه تسيمون} ترعون
وبه في قوله 84 الإسراء {قل كل يعمل على شاكلته} يقول على ناحيته). [تغليق التعليق: 4/235] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({شاكلته}) في سورة الإسراء أي على (ناحيته) ولأبي ذر عن الحموي نيته بدل ناحيته أي التي تشاكل حاله في الهدى والضلال وذكر هذا هنا لعله من ناسخ). [إرشاد الساري: 7/196]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل كلٌّ يعمل على شاكلته فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً}.
يقول عزّ وجلّ لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد للنّاس: كلّكم يعمل على شاكلته: على ناحيته وطريقته {فربّكم أعلم بمن هو} منكم {أهدى سبيلاً} يقول: ربّكم أعلم بمن هو منكم أهدى طريقًا إلى الحقّ من غيره.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {كلٌّ يعمل على شاكلته} يقول: على ناحيته.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {على شاكلته} قال: على ناحيته.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ {قل كلٌّ يعمل على شاكلته} قال: على طبيعته على حدته.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {قل كلٌّ يعمل على شاكلته} يقول: على ناحيته وعلى ما ينوي.
وقال آخرون: الشّاكلة: الدّين
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {كلٌّ يعمل على شاكلته} قال: على دينه، الشّاكلة: الدّين). [جامع البيان: 15/65-66]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قل كل يعمل على شاكلته قال على حدته). [تفسير مجاهد: 369]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {كان يؤوسا} قال: قنوطا، وفي قوله: {قل كل يعمل على شاكلته} قال: على ناحيته). [الدر المنثور: 9/431] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج هناد، وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {على شاكلته} قال: على نيته). [الدر المنثور: 9/431]
تفسير قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني الليث بن سعد عن خالد بن] يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن [ ........ .. ] هذه الآية: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}، [ .......... ] ب، وقال الآخر: بل، أمة محمدٍ، فانطلق [ ............. ] عنها، فقال: ألست تقرأ سورة البقرة [ ............. ] سورة البقرة ثلاث مرات، فقال: قلت بلى، قال: فدفع بكفه في صدري، ثم قال: ثكلتك أمك، وأي العلم ليس في سورة البقرة، إنما أريد بها أهل الكتاب). [الجامع في علوم القرآن: 2/17]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة والحسن في قوله تعالى ويسألونك عن الروح قال هو جبريل قال قتادة وكان ابن عباس يكتمه). [تفسير عبد الرزاق: 1/388]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى قال هو ملك واحد له عشرة آلاف جناح جناحان ما بين المشرق والمغرب له ألف وجه في كل وجه ألف وجه لكل وجه لسان وعينان وشفتان تسبحان الله إلى يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 1/388]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال ما بين منكبي جبريل خفق طائر خمس مائة عام). [تفسير عبد الرزاق: 1/388]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال لله لوح محفوظ مسيرة مائة عام له دفتان من ياقوت أحمر والدفتان لوحان الله ينظر فيه كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة يمحو ما يشاء ويثبت عنده أم الكتاب). [تفسير عبد الرزاق: 1/389]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {ويسألونك عن الرّوح} [الإسراء: 85]
- حدّثنا عمر بن حفص بن غياثٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، قال: حدّثني إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال: بينا أنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرثٍ، وهو متّكئٌ على عسيبٍ، إذ مرّ اليهود، فقال بعضهم لبعضٍ: سلوه عن الرّوح، فقال: ما رأيكم إليه؟ وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيءٍ تكرهونه، فقالوا: سلوه، فسألوه عن الرّوح، فأمسك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يردّ عليهم شيئًا، فعلمت أنّه يوحى إليه، فقمت مقامي فلمّا نزل الوحي، قال: " {ويسألونك عن الرّوح، قل: الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلّا قليلًا} [الإسراء: 85] "). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ويسألونك عن الرّوح)
ذكر فيه حديث إبراهيم وهو النّخعيّ عن علقمة عن عبد الله وهو بن مسعودٍ
- قوله في حرثٍ بفتح المهملة وسكون الرّاء بعدها مثلّثةٌ ووقع في كتاب العلم من وجهٍ آخر بخاءٍ معجمةٍ وموحّدةٍ وضبطوه بفتح أوّله وكسر ثانيه وبالعكس والأوّل أصوب فقد أخرجه مسلمٌ من طريق مسروقٍ عن بن مسعودٍ بلفظ كان في نخلٍ وزاد في رواية العلم بالمدينة ولابن مردويه من وجهٍ آخر عن الأعمش في حرثٍ للأنصار وهذا يدلّ على أنّ نزول الآية وقع بالمدينة لكن روى التّرمذيّ من طريق داود بن أبي هندٍ عن عكرمة عن بن عبّاسٍ قال قالت قريشٌ لليهود أعطونا شيئًا نسأل هذا الرّجل فقالوا سلوه عن الرّوح فسألوه فأنزل اللّه تعالى ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي ورجاله رجال مسلم وهو عند بن إسحاق من وجه آخر عن بن عبّاسٍ نحوه ويمكن الجمع بأن يتعدّد النّزول بحمل سكوته في المرّة الثّانية على توقّع مزيد بيانٍ في ذلك وإن ساغ هذا وإلّا فما في الصّحيح أصحّ قوله يتوكّأ أي يعتمد قوله على عسيبٍ بمهملتين وآخره موحّدةٌ بوزن عظيمٍ وهي الجريدة الّتي لا خوص فيها ووقع في رواية بن حبان ومعه جريدة قال بن فارسٍ العسبان من النّخل كالقضبان من غيرها قوله إذ مرّ اليهود كذا فيه اليهود بالرّفع على الفاعليّة وفي بقيّة الرّوايات في العلم والاعتصام والتّوحيد وكذا عند مسلمٍ إذ مرّ بنفرٍ من اليهود وعند الطّبريّ من وجهٍ آخر عن الأعمش إذ مررنا على يهود ويحمل هذا الاختلاف على أنّ الفريقين تلاقوا فيصدق أنّ كلًّا مرّ بالآخر وقوله يهود هذا اللّفظ معرفةٌ تدخله اللّام تارةً وتارةً يتجرّد وحذفوا منه ياء النّسبة ففرّقوا بين مفرده وجمعه كما قالوا زنجٌ وزنجيٌّ ولم أقف في شيءٍ من الطّرق على تسمية أحدٍ من هؤلاء اليهود قوله ما رأيكم إليه كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي من الرّيب ويقال فيه رابه كذا وأرابه كذا بمعنًى وقال أبو زيدٍ رابه إذا علم منه الرّيب وأرابه إذا ظنّ ذلك به ولأبي ذرٍّ عن الحمويّ وحده بهمزةٍ وضمّ الموحّدة من الرّأب وهو الإصلاح يقال فيه رأب بين القوم إذا أصلح بينهم وفي توجيهه هنا بعدٌ وقال الخطّابيّ الصّواب ما أربكم بتقديم الهمزة وفتحتين من الأرب وهو الحاجة وهذا واضح المعنى لو ساعدته الرّواية نعم رأيته في رواية المسعوديّ عن الأعمش عند الطّبريّ كذلك وذكر بن التّين أنّ رواية القابسيّ كرواية الحمويّ لكن بتحتانيّةٍ بدل الموحّدة من الرّأي واللّه أعلم قوله وقال بعضهم لا يستقبلكم بشيءٍ تكرهونه في رواية العلم لا يجيء فيه بشيءٍ تكرهونه وفي الاعتصام لا يسمعكم ما تكرهون وهي بمعنًى وكلّها بالرّفع على الاستئناف ويجوز السّكون وكذا النّصب أيضًا قوله فقالوا سلوه في رواية التّوحيد فقال بعضهم لنسألنه واللّام جواب قسمٍ محذوفٍ قوله فسألوه عن الرّوح في رواية التّوحيد فقام رجلٌ منهم فقال يا أبا القاسم ما الرّوح وفي رواية العوفيّ عن بن عبّاسٍ عند الطّبريّ فقالوا أخبرنا عن الرّوح قال بن التّين اختلف النّاس في المراد بالرّوح المسئول عنه في هذا الخبر على أقوالٍ الأوّل روح الإنسان الثّاني روح الحيوان الثّالث جبريل الرّابع عيسى الخامس القرآن السّادس الوحي السّابع ملكٌ يقوم وحده صفًّا يوم القيامة الثّامن ملكٌ له أحد عشر ألف جناحٍ ووجهٍ وقيل ملكٌ له سبعون ألف لسانٍ وقيل له سبعون ألف وجهٍ في كلّ وجهٍ سبعون ألف لسانٍ لكلّ لسانٍ ألف لغةٍ يسبّح اللّه تعالى يخلق اللّه بكلّ تسبيحةٍ ملكًا يطير مع الملائكة وقيل ملكٌ رجلاه في الأرض السّفلى ورأسه عند قائمة العرش التّاسع خلقٌ كخلق بني آدم يقال لهم الرّوح يأكلون ويشربون لا ينزل ملكٌ من السّماء إلّا نزل معه وقيل بل هم صنفٌ من الملائكة يأكلون ويشربون انتهى كلامه ملخّصًا بزياداتٍ من كلام غيره وهذا إنّما اجتمع من كلام أهل التّفسير في معنى لفظ الرّوح الوارد في القرآن لا خصوص هذه الآية فمن الّذي في القرآن نزل به الرّوح الأمين وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا يلقى الرّوح من أمره وأيّدهم بروحٍ منه يوم يقوم الرّوح والملائكة صفا تنزل الملائكة والروح فيها فالأوّل جبريل والثّاني القرآن والثّالث الوحي والرّابع القوّة والخامس والسّادس محتملٌ لجبريل ولغيره ووقع إطلاق روح اللّه على عيسى وقد روى بن إسحاق في تفسيره بإسناد صحيح عن بن عبّاسٍ قال الرّوح من اللّه وخلقٌ من خلق اللّه وصورٌ كبني آدم لا ينزل ملكٌ إلّا ومعه واحدٌ من الرّوح وثبت عن بن عبّاسٍ أنّه كان لا يفسّر الرّوح أي لا يعيّن المراد به في الآية وقال الخطّابيّ حكوا في المراد بالرّوح في الآية أقوالًا قيل سألوه عن جبريل وقيل عن ملكٍ له ألسنةٌ وقال الأكثر سألوه عن الرّوح الّتي تكون بها الحياة في الجسد وقال أهل النّظر سألوه عن كيفيّة مسلك الرّوح في البدن وامتزاجه به وهذا هو الّذي استأثر اللّه بعلمه وقال القرطبيّ الرّاجح أنّهم سألوه عن روح الإنسان لأنّ اليهود لا تعترف بأنّ عيسى روح اللّه ولا تجهل أنّ جبريل ملكٌ وأنّ الملائكة أرواحٌ وقال الإمام فخر الدّين الرّازيّ المختار أنّهم سألوه عن الرّوح الّذي هو سبب الحياة وأنّ الجواب وقع على أحسن الوجوه وبيانه أنّ السّؤال عن الرّوح يحتمل عن ماهيّته وهل هي متحيّزةٌ أم لا وهل هي حالّةٌ في متحيّزٍ أم لا وهل هي قديمةٌ أو حادثةٌ وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك من متعلّقاتها قال وليس في السّؤال ما يخصّص أحد هذه المعاني إلّا أنّ الأظهر أنّهم سألوه عن الماهيّة وهل الرّوح قديمةٌ أو حادثةٌ والجواب يدلّ على أنّها شيءٌ موجودٌ مغايرٌ للطّبائع والأخلاط وتركيبها فهو جوهرٌ بسيطٌ مجرّدٌ لا يحدث إلّا بمحدث
وهو قوله تعالى كن فكأنّه قال هي موجودةٌ محدثةٌ بأمر اللّه وتكوينه ولها تأثيرٌ في إفادة الحياة للجسد ولا يلزم من عدم العلم بكيفيّتها المخصوصة نفيه قال ويحتمل أن يكون المراد بالأمر في قوله من أمر ربّي الفعل كقوله وما أمر فرعون برشيد أي فعله فيكون الجواب الرّوح من فعل ربّي وإن كان السّؤال هل هي قديمةٌ أو حادثةٌ فيكون الجواب إنّها حادثةٌ إلى أن قال وقد سكت السّلف عن البحث في هذه الأشياء والتّعمّق فيها اهـ وقد تنطّع قومٌ فتباينت أقوالهم فقيل هي النّفس الدّاخل والخارج وقيل الحياة وقيل جسمٌ لطيفٌ يحلّ في جميع البدن وقيل هي الدّم وقيل هي عرضٌ حتّى قيل إنّ الأقوال فيها بلغت مائة ونقل بن منده عن بعض المتكلّمين أنّ لكلّ نبيٍّ خمسة أرواحٍ وأنّ لكلّ مؤمنٍ ثلاثةً ولكلّ حيّ واحدة وقال بن العربيّ اختلفوا في الرّوح والنّفس فقيل متغايران وهو الحقّ وقيل هما شيءٌ واحدٌ قال وقد يعبّر بالرّوح عن النّفس وبالعكس كما يعبّر عن الرّوح وعن النّفس بالقلب وبالعكس وقد يعبّر عن الرّوح بالحياة حتّى يتعدّى ذلك إلى غير العقلاء بل إلى الجماد مجازًا وقال السّهيليّ يدلّ على مغايرة الرّوح والنّفس قوله تعالى فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي وقوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فإنّه لا يصحّ جعل أحدهما موضع الآخر ولولا التّغاير لساغ ذلك قوله فأمسك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يردّ عليهم في رواية الكشميهنيّ عليه بالإفراد وفي رواية العلم فقام متوكّئًا على العسيب وأنا خلفه قوله فعلمت أنّه يوحى إليه في رواية التّوحيد فظننت أنّه يوحى إليه وفي الاعتصام فقلت إنّه يوحى إليه وهي متقاربةٌ وإطلاق العلم على الظّنّ مشهورٌ وكذا إطلاق القول على ما يقع في النّفس ووقع عند بن مردويه من طريق بن إدريس عن الأعمش فقام وحنى من رأسه فظننت أنّه يوحى إليه قوله فقمت مقامي في رواية الاعتصام فتأخّرت عنه أي أدبًا معه لئلّا يتشوّش بقربي منه قوله فلمّا نزل الوحي قال في رواية الاعتصام حتّى صعد الوحي فقال وفي رواية العلم فقمت فلمّا انجلى قوله من أمر ربّي قال الإسماعيليّ يحتمل أن يكون جوابًا وأنّ الرّوح من جملة أمر اللّه وأن يكون المراد أنّ اللّه اختصّ بعلمه ولا سؤال لأحد عنه وقال بن القيّم ليس المراد هنا بالأمر الطّلب اتّفاقًا وإنّما المراد به المأمور والأمر يطلق على المأمور كالخلق على المخلوق ومنه لمّا جاء أمر ربك وقال بن بطّالٍ معرفة حقيقة الرّوح ممّا استأثر اللّه بعلمه بدليل هذا الخبر قال والحكمة في إبهامه اختبار الخلق ليعرّفهم عجزهم عن علم ما لا يدركونه حتّى يضطرّهم إلى ردّ العلم إليه وقال القرطبيّ الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء لأنّه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده كان عجزه عن إدراك حقيقة الحقّ من باب الأولى وجنح بن القيّم في كتاب الرّوح إلى ترجيح أنّ المراد بالرّوح المسئول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى يوم يقوم الرّوح والملائكة صفا قال وأمّا أرواح بني آدم فلم يقع تسميتها في القرآن إلّا نفسًا كذا قال ولا دلالة في ذلك لما رجّحه بل الرّاجح الأوّل فقد أخرج الطّبريّ من طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ في هذه القصّة أنّهم قالوا عن الرّوح وكيف يعذّب الرّوح الّذي في الجسد وإنّما الرّوح من اللّه فنزلت الآية وقال بعضهم ليس في الآية دلالةٌ على أنّ اللّه لم يطلع نبيّه على حقيقة الرّوح بل يحتمل أن يكون أطلعه ولم يأمره أنّه يطلعهم وقد قالوا في علم السّاعة نحو هذا واللّه أعلم وممّن رأى الإمساك عن الكلام في الرّوح أستاذ الطّائفة أبو القاسم فقال فيما نقله في عوارف المعارف عنه بعد أن نقل كلام النّاس في الرّوح وكان الأولى الإمساك عن ذلك والتّأدّب بأدب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ نقل عن الجنيد أنّه قال الرّوح استأثر اللّه تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحدًا من خلقه فلا تجوز العبارة عنه بأكثر من موجودٍ وعلى ذلك جرى بن عطيّة وجمعٌ من أهل التّفسير وأجاب من خاض في ذلك بأنّ اليهود سألوا عنها سؤال تعجيزٍ وتغليطٍ لكونه يطلق على أشياء فأضمروا أنّه بأيّ شيءٍ أجاب قالوا ليس هذا المراد فردّ اللّه كيدهم وأجابهم جوابًا مجملًا مطابقًا لسؤالهم المجمل وقال السّهرورديّ في العوارف يجوز أن يكون من خاض فيها سلك سبيل التّأويل لا التّفسير إذ لا يسوغ التّفسير إلّا نقلًا وأمّا التّأويل فتمتدّ العقول إليه بالباع الطّويل وهو ذكر ما لا يحتمل إلّا به من غير قطعٍ بأنّه المراد فمن ثمّ يكون القول فيه قال وظاهر الآية المنع من القول فيها لختم الآية بقوله وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا أي اجعلوا حكم الرّوح من الكثير الّذي لم تؤتوه فلا تسألوا عنه فإنّه من الأسرار وقيل المراد بقوله أمر ربّي كون الرّوح من عالم الأمر الّذي هو عالم الملكوت لا عالم الخلق الّذي هو عالم الغيب والشّهادة وقد خالف الجنيد ومن تبعه من الأئمّة جماعةٌ من متأخّري الصّوفيّة فأكثروا من القول في الرّوح وصرّح بعضهم بمعرفة حقيقتها وعاب من أمسك عنها ونقل ابن منده في كتاب الرّوح له عن محمّد بن نصرٍ المروزيّ الإمام المطّلع على اختلاف الأحكام من عهد الصّحابة إلى عهد فقهاء الأمصار أنّه نقل الإجماع على أنّ الرّوح مخلوقةٌ وإنّما ينقل القول بقدمها عن بعض غلاة الرّافضة والمتصوّفة واختلف هل تفنى عند فناء العالم قبل البعث أو تستمرّ باقيةً على قولين واللّه أعلم ووقع في بعض التّفاسير أنّ الحكمة في سؤال اليهود عن الرّوح أنّ عندهم في التّوراة أنّ روح بني آدم لا يعلمها إلّا اللّه فقالوا نسأله فإن فسّرها فهو نبيٌّ وهو معنى قولهم لا يجيء بشيءٍ تكرهونه وروى الطّبريّ من طريق مغيرة عن إبراهيم في هذه القصّة فنزلت الآية فقالوا هكذا نجده عندنا ورجاله ثقاتٌ إلّا أنّه سقط من الإسناد علقمة قوله وما أوتيتم من العلم كذا للكشميهنيّ هنا وكذا لهم في الاعتصام ولغير الكشميهنيّ هنا وما أوتوا وكذا لهم في العلم وزاد قال الأعمش هكذا قراءتنا وبيّن مسلمٌ اختلاف الرّواة عن الأعمش فيها وهي مشهورةٌ عن الأعمش أعني بلفظ وما أوتوا ولا مانع أن يذكرها بقراءة غيره وقراءة الجمهور وما أوتيتم والأكثر على أنّ المخاطب بذلك اليهود فتتّحد القراءتان نعم وهي تتناول جميع علم الخلق بالنّسبة إلى علم الله ووقع في حديث بن عبّاسٍ الّذي أشرت إليه أوّل الباب أنّ اليهود لما سمعوها قالوا أوتينا علمًا كثيرًا التّوراة ومن أوتي التّوراة فقد أوتي خيرًا كثيرًا فنزلت قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربّي الآية قال التّرمذيّ حسنٌ صحيحٌ قوله إلّا قليلًا هو استثناءٌ من العلم أي إلّا علمًا قليلًا أو من الإعطاء أي الإعطاء قليلًا أو من ضمير المخاطب أو الغائب على القراءتين أي إلّا قليلًا منهم أو منكم وفي الحديث من الفوائد غير ما سبق جواز سؤال العالم في حال قيامه ومشيه إذا كان لا يثقل ذلك عليه وأدب الصّحابة مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والعمل بما يغلب على الظّنّ والتّوقّف عن الجواب بالاجتهاد لمن يتوقّع النّصّ وأنّ بعض المعلومات قد استأثر اللّه بعلمه حقيقةً وأنّ الأمر يرد لغير الطّلب واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/401-404]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ويسألونك عن الرّوح} )
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {ويسألونك عن الرّوح} (الإسراء: 85) قال الزّمخشريّ: الأكثر على أن الّذي سألوه عنه هو حقيقة الرّوح فأخبر أنه من أمر الله أي: ممّا استأثر بعلمه. وعن أبي بريدة: مضى صلى الله عليه وسلم وما يعلم الرّوح، وعن ابن عبّاس: قالت اليهود للنّبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن الرّوح؟ وكيف يعذب؟ وإنّما هي من الله، ولم يكن نزل عليه فيه شيء فلم يحر إليهم جوابا، فجاءه جبريل عليه الصّلاة والسّلام، بهذه الآية. وقال الأشعريّ: هو النّفس الدّاخل من الخارج، قال: وقيل: هو جسم لطيف يشارك الأجسام الظّاهرة والأعضاء الظّاهرة، وقال بعضهم: لا يعلمها إلاّ الله تعالى، وقال الجمهور: هي معلومة، وقيل: هي الدّم، وقيل: هي نور من نور الله وحياة من حياته، وقيل: هي أمر من أمر الله عز وجل، أخفى حقيقتها وعلمها على الخلق. وقيل: هي روحانية خلقت من الملكوت فإذا صفت رجعت إلى الملكوت، وقيل: الرّوح روحان روح اللاهوتية وروح الناسوتية، وقيل: الرّوح نورية وروحانية وملكوتية إذا كانت صافية، وقيل: الرّوح لاهوتية، والنّفس أرضية طينية نارية، وقيل: الرّوح استنشاق الهواء، وقالت عامّة المعتزلة: إنّها عرض، وأغرب ابن الراوندي، فقال: إنّها جسم لطيف يسكن البدن، وقال الواقديّ: المختار أنه جسم لطيف توجد به الحياة، وقيل: الأرواح على صور الخلق لها أيد وأرجل وسمع وبصر.
ثمّ أعلم أن أرواح الخلق كلها مخلوقة وهو مذهب أهل السّنة والجماعة والأثر، واختلفوا: هل تموت بموت الأبدان والأنفس أو لا تموت؟ فقالت طائفة: لا تموت ولا تبلى، وقال بعضهم: تموت ولا تبلى وتبلى الأبدان، وقيل: الأرواح تعذب كما تعذب الأجسام، وقال بعضهم: تعذب الأرواح والأبدان جميعًا، وكذلك تنعم، وقال بعضهم: الأرواح تبعث يوم القيامة لأنّها من حكم السّماء ولا تبعث الأبدان لأنّها من الأرض خلقت، وهذا مخالف للكتاب والأثر وأقوال الصّحابة والتّابعين، وقال بعضهم: نبعث الأرواح يوم القيامة وينشئ الله عز وجل لها أجساماً من الجنّة، وهذا أيضا مخالف لما ذكرنا، واختلفوا أيضا في الرّوح والنّفس، فقال أهل الأثر: الرّوح غير النّفس، وقوام النّفس بالروح، والنّفس تريد الدّنيا والروح تدعو إلى الآخرة وتؤثرها، وقد جعل الهوى تبعا للنّفس والشيطان مع النّفس والهوى، والملك مع العقل والروح، وقيل: الأرواح تتناسخ وتنتقل من جسم إلى جسم، وهذا فاسد، وهو شرّ الأقاويل وقال الثّعلبيّ: اختلفوا في تفسير الرّوح المسؤول عنه في الآية: ما هو؟ فقال الحسن وقتادة: هو جبريل عليه الصّلاة والسّلام، وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: هو ملك من الملائكة له سبعون ألف رأس، في كل رأس سبعون ألف وجه، لكل وجه منها سبعون ألف فم، في كل فم سبعون ألف لسان لكل لسان منها سبعون ألف لغة، يسبح الله تعالى بتلك اللّغات كلها، يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة. وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما: الرّوح ضرب من الملائكة خلق الله صورهم على صور بني آدم لهم أيد وأرجل ورؤوس، وكذا روي عن مجاهد وأبي صالح والأعمش، وذكر أبو إسحاق الثّعلبيّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، موقوفا عليه، قال: الرّوح ملك عظيم أعظم من السّموات والأرض والجبال والملائكة، وهو في السّماء الرّابعة يسبح كل يوم إثني عشر ألف تسبيحة، يخلق من كل تسبيحة ملك يجيء يوم القيامة صفا واحدًا وحده الملائكة بأسرهم يجيئون صفا وقيل: المراد به بنو آدم، قال ابن عبّاس والحسن وقتادة، وعن ابن عبّاس: هو الّذي ينزل ليلة القدر زعيم الملائكة وبيده لواء طوله ألف عام، فيغرزه على ظهر الكعبة، ولو أذن الله له أن يلتقم السّموات والأرض لفعل.
وعن سعيد بن جبير: لم يخلق الله خلقا أعظم من الرّوح، ومن عظمته لو أراد أن يبلع السّموات السّبع والأرضين السّبع ومن فيهما لقمة واحدة لفعل، صورة خلقه على صورة الملائكة، وصورة وجهه على صورة وجه الآدميّين، فيقوم يوم القيامة عن يمين العرش والملائكة معه في صفة، وهو أقرب الخلق إلى الله تعالى اليوم عند الحجب السّبعين، وهو ممّن يشفع لأهل التّوحيد، ولولا أن بينه وبين الملائكة سترا من نور لاحترق أهل السّموات من نوره، وقال قوم هو المركب في الخلق الّذي بفقده فناؤهم وهم وبوجوده بقاؤهم، وقال بعضهم: أراد بالروح القرآن، وذلك أن المشركين قالوا: يا محمّد من أتاك بهذا القرآن؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، وبين أنه من عنده.
- حدّثنا عمر بن حفص بن غياثٍ حدّثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدّثني إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال بينا أنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في حرثٍ وهو متّكىءٌ على عصيبٍ إذ مرّ اليهود فقال بعضهم لبعضٍ سلوه عن الرّوح فقال ما رابكم إليه وقال بعضهم لا يستقبلكم بشيءٍ تكرهونه فقالوا سلوه فسألوه عن الرّوح فأمسك النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يردّ عليهم شيئاً فعلمت أنّه يوحى إليه فقمت مقامي فلمّا نزل الوحي قال: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} (الإسراء: 85) ..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. والأعمش هو سليمان، وإبراهيم هو النّخعيّ، وعلقمة هو ابن قيس النّخعيّ، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه البخاريّ أيضا في العلم عن قيس بن حفص، وأخرجه أيضا في التّوحيد عن موسى بن إسماعيل وعن يحيى عن وكيع وفي الاعتصام عن محمّد بن عبيد. وأخرجه مسلم في التّوبة عن عمر بن حفص وغيره. وأخرجه التّرمذيّ والنّسائيّ جميعًا في التّفسير عن عليّ بن حشرم به.
قوله: (بينا أنا) . قد مر غير مرّة أن: بين، زيدت فيه الألف ويضاف إلى جملة ويحتاج إلى جواب وهو قوله: (إذ مر اليهود) . قوله: (في حرث) ، بفتح الحاء المهملة وسكون الرّاء والثاء المثلّثة، ووقع في كتاب العلم من وجه آخر في: خرب، بفتح الخاء المعجمة وكسر الرّاء وبالباء الموحدة، وفي رواية مسلم بلفظ: كان في نخل، وزاد في رواية العلم: بالمدينة، ووقع في رواية ابن مردويه عن الأعمش: في حرث الأنصار. قوله: (وهو متكىء) ، الواو فيه للحال، ويروى: وهو يتوكّأ، أي: يعتمد. قوله: (عسيب) ، بفتح العين وكسر السّين المهملتين وفي آخره باء موحدة: وهو الجريدة الّتي لا خوص فيها، ووقع في رواية ابن حبان: ومعه جريدة. قوله: (اليهود) ، بالرّفع على الفاعلية، ووقع في بقيّة روايات البخاريّ في المواضع الّتي ذكرناها الآن: إذ مر بنفر من اليهود، وكذا في رواية مسلم، ووقع في رواية الطّبرانيّ عن الأعمش: إذ مررنا على يهود، واليهود تارة بالألف وتارة يجرد عنها وهو جمع يهوديّ. قوله: (ما رابكم إليه) ، كذا بصيغة الفعل الماضي في رواية الأكثرين من الريب، ويقال: رابه كذا، وأرا به كذا، بمعنى واحد. وفي رواية أبي ذر عن الحمويّ وحده بهمزة وضم الباء الموحدة: من الرأب، وهو الإصلاح، فيقال فيه: رأب بين القوم إذا أصلح بينهم، وقال الخطابيّ: الصّواب ما أربكم؟ بفتح الهمزة والرّاء، أي: ما حاجتكم؟ قال الكرماني: ويروى: ما رأيكم، أي: فكركم. قوله: (لا يستقبلكم بشيء) ، بالرّفع، وقال بعضهم: ويجوز السّكون والنّصب قلت: السّكون ظاهر لأنّه يكون في صورة النّهي، وأما النصب فليس له وجه، وفي رواية العلم: لا يجيء فيه بشيء تكرهونه، وفي الاعتصام: لا يسمعكم ما تكرهونه. قوله: (سلوه) أصله: سألوه، وفي رواية التّوحيد لنسألنه واللّام فيه جواب قسم محذوف. قوله: (فسألوه عن الرّوح) ، ويروى: في التّوحيد، فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الرّوح وفي رواية الطّبريّ، فقالوا: أخبرنا عن الرّوح. قوله: (فلم يرد عليهم) وفي رواية الكشميهني: فلم يرد عليه بالإفراد. قوله: (فعلمت أنه يوحى إليه) ، وفي رواية: فظننت أنه يوحى إليه، وفي الاعتصام: فقلت: إنّه يوحى إليه. قوله: (فقمت مقامي) ، وفي رواية الاعتصام: فتأخرت عنه. قوله: (فلمّا نزل الوحي) ، وفي رواية الاعتصام: حتّى صعد الوحي، وفي رواية العلم: فقمت فلمّا انجلى. قوله: (من أمر ربّي) قال الإسماعيليّ: يحتمل أن يكون جوابا، وأن الرّوح من أمر الله تعالى، يعني: من جملة أمر الله، ويحتمل أن يكون المراد: أن الله اختصّ بعلمه، وقد مر الكلام فيه عن قريب. قوله: (وما أوتيتم) ، كذا للكشميهني هنا، وكذا: الهم، في الاعتصام، ولغير الكشميهني هنا {وما أوتوا} وكذا لهم في العلم. قوله: (إلاّ قليلا) ، الاستثناء من العلم أي: إلّا علما قليلا. أو من الإعطاء، أي إلاّ إعطاء قليلا، أو من ضمير المخاطب أو الغائب على القراءتين، أي: إلاّ قليلا منكم أو منهم). [عمدة القاري: 19/33-35]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {ويسألونك عن الرّوح} [الإسراء: 85]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ويسألونك عن الروح}) [الإسراء: 85] وسقط باب لغير أبي ذر.
- حدّثنا عمر بن حفص بن غياثٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثني إبراهيم عن علقمة، عن عبد اللّه -رضي الله عنه- قال: بينا أنا مع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- في حرثٍ وهو متّكئٌ على عسيبٍ، إذ مرّ اليهود فقال بعضهم لبعضٍ: سلوه عن الرّوح؟ فقال: ما رابكم إليه؟ وقال بعضهم
لا يستقبلكم بشيءٍ تكرهونه فقالوا سلوه فسألوه عن الرّوح فأمسك النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فلم يردّ عليهم شيئًا فعلمت أنّه يوحى إليه فقمت مقامي فلمّا نزل الوحى قال: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلًا} [الإسراء: 85].
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين المعجمة وآخره مثلثة ابن طلق بفتح الطاء وسكون اللام الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال بينا) بغير ميم (أنا مع النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- في حرث) بفتح الحاء المهملة آخره مثلثة وفي العلم من وجه آخر في قرب المدينة بخاء معجمة ثم موحدة آخره بدل المثلثة، وعند مسلم في نخل (وهو متكئ على عسيب) بفتح العين وكسر السين المهملتين وبعد التحتية الساكنة وحدة عصًا من جريد النخل (إذ مرّ اليهود) رفع على الفاعلية (فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح) الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره أو جبريل أو القرآن أو الوحي أو ملك يقوم وحده صفًّا يوم القيامة أو ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه أو ملك له سبعون ألف لسان أو خلق كخلق بني آدم يقال لهم الروح يأكلون ويشربون أو سلوه عن كيفية مسلك الروح في البدن وامتزاجها به أو عن ماهيتها وهل هي متحيزة أم لا وهل هي حالة في متحيز أم لا وهل هي قديمة أو حادثة وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك من متعلقاتها قال الإمام فخر الدين وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهيّة وهل الروح قديمة أو حادثة (فقال) أي بعضهم (ما رأبكم إليه) بلفظ الفعل الماضي من غير همز من الريب ولأبي ذر عن الحموي كما قال في فتح الباري ما رأبكم بهمزة مفتوحة وضم الموحدة من الرأب وهو الإصلاح يقال فيه رأب بين القوم إذا أصلح بينهم قال وفي توجيهه هنا بعد. وقال الخطابي: الصواب ما أربكم بتقديم الهمزة وفتحتين من الأرب وهو الحاجة. قال الحافظ ابن حجر: وهذا واضح المعنى لو ساعدته الرواية نعم رأيته في رواية المسعودي عن الأعمش عند الطبري كذلك، وذكر ابن التين أن في رواية القابسي كرواية الحموي لكن بتحتية بدل الموحدة ما رأيكم أي بسكون الهمزة من الرأي انتهى. وهذا الذي حكاه عن رواية القابسي رأيته كذلك في فرع اليونينية كأصله عن أبي ذر عن الحموي.
(وقال بعضهم لا يستقبلكم بشيء) بالرفع على الاستئناف ويجوز الجزم على النهي وفي العلم وقال بعضهم لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء (تكرهونه) إن لم يفسره لأنهم قالوا إن فسره فليس بنبي وذلك أن في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه ولا يطلع عليه أحدًا من عباده فإذا لم يفسره دل على نبوّته وهم يكرهونها وفيه قيام الحجة عليهم في نبوّته (فقالوا: سلوه فسألوه عن الروح، فأمسك النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- فلم يرد عليهم) ولأبي ذر عن الكشميهني فلم يرد عليه (شيئًا) بالإفراد أي على
السائل وفي العلم فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ قال ابن مسعود (فعلمت أنه يوحى إليه) في التوحيد فظننت بدل فعلمت وإطلاق الظن على العلم معروف (فقمت مقامي) أي في مقامي أي لأحول بينه وبين السائلين أو فقمت عنه أي لئلا يتشوش بقربي منه وفي الاعتصام فتأخرت عنه (فلما نزل الوحي) عليه -صلّى اللّه عليه وسلّم- (قال: {ويسألونك عن الروح}) قال البرماوي وغيره ظاهر السياق يقتضي أن الوحي لم يتأخر لكن في مغازي ابن إسحاق أنه تأخر خمس عشرة ليلة، وكذا قال القاضي عياض أنه ثبت كذلك في مسلم أي ما يقتضي الفورية وهو وهم بين لأنه إنما جاء هذا القول عند انكشاف الوحي وفي البخاري في كتاب الاعتصام فلما صعد الوحي وهو صحيح، قال في المصابيح: هذه الإطلاقات صعبة في الأحاديث لا سيما ما اجتمع على تخريجه الشيخان ولا أدري ما هذا الوهم ولا كيف هو ولما حرف وجود لوجود أي أن مضمون الجملة الثانية وجد لأجل مضمون الأولى كما تقول لما جاءني زيد أكرمته فالإكرام وجد لوجود المجيء كذلك تلاوته عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} الآية كانت لأجل وجود إنزالها ولا يضر في ذلك كون الإنزال تأخر عن وقت السؤال وأما قوله أن هذا القول إنما كان بعد انكشاف الوحي فمسلم إذ هو لا يتكلم بالمنزل عليه في نفس وقت الإنزال، وإنما يتكلم به بعد انقضاء زمن الوحي واتحاد زمني الفعلين الواقعين في جملتي لما غير شرط كما إذا قلت لما جاءني زيد أكرمته فلا يشترط في صحة هذا الكلام أن يكون الإكرام والمجيء واقعين في زمن واحد لا يتقدم أحدهما على الآخر ولا يتأخر بل هذا التركيب صحيح إذا كان الإكرام متعقبًا للمجيء.
فإن قلت: لعله بناه على رأي الفارسي ومن تبعه في أن لما ظرف بمعنى حين فيلزم أن يكون الفعل الثاني واقعًا في حين الفعل الأول؟ قلت: ليس مراد الفارسي ولا غيره من كونها بمعنى حين ما فهمته من اتحاد الزمنين باعتبار الابتداء والانتهاء إلا أنه يصح أن تقول جئت حين جاء زيد وإن كان ابتداء مجيئك في آخر مجيء زيد ومنتهاه بعد ذلك والمشاحة في مثل هذا والمضايقة فيه مما لم تبن لغة العرب عليه اهـ.
({قل الروح من أمر ربي}) أي مما استأثر الله بعلمه فهو من أمر رب لا من أمري فلا أقول لكم ما هي والأمر بمعنى الشأن أي معرفة الروح من شأن الله لا من شأن غيره ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه فإن أكثر حقائق الأشياء وماهيتها مجهولة ولم يلزم من كونها مجهولة نفيها ويؤيده قوله تعالى: ({وما أوتيتم من العلم إلا}) علمًا أو إيتاءً ({قليلًا}) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وما أوتوا بضمير الغائب وهي قراءة شاذة مروية عن الأعمش مخالفة للمصحف ليست من طرق كتابي الذي جمعته في القراءات الأربعة عشر وإنما رأيتها في كتب التفسير قيل: وليس في الآية دلالة على أن الله تعالى لم يطلع نبيه على حقيقة الروح بل يحتمل أن يكون أطلعه ولم يأمره أن يطلعهم، وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا فالله أعلم.
وقد قرر السهيلي فيما ذكره ابن كثير أن الروح هي ذات لطيفة كالهواء سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر وإن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم فهي إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء كما أن الماء حياة الشجر ثم يكتسب بسبب اختلاطه معها اسمًا خاصًا فماذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار ماء مصطارًا وخمرًا ولا يقال له ماء حينئذٍ إلا على سبيل المجاز وهكذا لا يقال للنفس روح إلا على هذا النحو وكذلك لا يقال للروح نفس إلا على هذا النحو باعتبار ما تؤول إليه فحاصل ما نقول إن الروح هي أصل النفس ومادّتها والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن فهي هي من وجه لا من كل وجه وهذا معنى حسن انتهى. ثم إن ظاهر سياق هذا الحديث يقتضي أن هذه الآية مدنية وإن نزولها إنما كان حين سأل اليهود عن ذلك بالمدينة مع أن السورة كلها مكية وقد يجاب باحتمال أن تكون نزلت مرة ثانية بالمدينة كما نزلت بمكة قبل.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه أيضًا في التوحيد والاعتصام ومسلم في التوبة والترمذي والنسائي في التفسير). [إرشاد الساري: 7/211-213]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {ويسألونك عن الروح}
قوله: (سلوه عن الروح) أي: الذي يحيا به بدن الإنسان، ويدبره أو جبريل أو القرآن أو الوحي أو ملك يقوم وحده صفاً يوم القيامة، أو ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه، أو ملك له سبعون ألف لسان، أو خلق كخلق بني آدم يقال لهم: الروح يأكلون، ويشربون. أو سلوه عن كيفية ملك الروح في البدن وامتزاجها به، أو عن ماهيتها، وهل هي متحيزة أم لا ؟ وهل هي حالة في متحيز أم لا ؟، وهل هي قديمة أو حادثة، وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى، وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/57]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قالت قريشٌ ليهود: أعطونا شيئًا نسأل هذا الرّجل، فقال: سلوه عن الرّوح، فسألوه عن الرّوح، فأنزل اللّه تعالى {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً}، قالوا: أوتينا علمًا كثيرًا أوتينا التّوراة، ومن أوتي التّوراة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، فأنزلت {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربّي لنفد البحر} إلى آخر الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه). [سنن الترمذي: 5/155]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عليّ بن خشرمٍ، قال: أخبرنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حرثٍ بالمدينة وهو يتوكّأ على عسيبٍ فمرّ بنفرٍ من اليهود، فقال بعضهم: لو سألتموه، فقال بعضهم: لا تسألوه فإنّه يسمعكم ما تكرهون، فقالوا له: يا أبا القاسم حدّثنا عن الرّوح، فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ساعةً ورفع رأسه إلى السّماء فعرفت أنّه يوحى إليه حتّى صعد الوحي، ثمّ قال: {الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/155]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ويسألونك عن الرّوح}
- أخبرنا عليّ بن خشرمٍ، أخبرنا عيسى، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرثٍ بالمدينة وهو يتوكّأ على عسيبٍ، فمرّ بنفرٍ من اليهود، فقال بعضهم: لو سألتموه، وقال بعضهم: لا تسألوه فيسمعكم ما تكرهون، فقاموا إليه فقالوا: يا أبا القاسم، حدّثنا عن الرّوح، فقام ساعةً ورفع رأسه، فعرفنا أنّه يوحى إليه، حتّى صعد الوحي ثمّ قال: {الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلّا قليلًا} [الإسراء: 85]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/156]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم مّن العلم إلاّ قليلاً}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ويسألك الكفّار باللّه من أهل الكتاب عن الرّوح ما هي؟ قل لهم: الرّوح من أمر ربّي، وما أوتيتم أنتم وجميع النّاس من العلم إلاّ قليلاً.
وذكر أنّ الّذين سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرّوح، فنزلت هذه الآية بمسألتهم إيّاه عنها، كانوا قومًا من اليهود
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه، قال: كنت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حرثٍ بالمدينة، ومعه عسيبٌ يتوكّأ عليه، فمرّ بقومٍ من اليهود، فقال بعضهم: اسألوه عن الرّوح، وقال بعضهم: لا تسألوه، فقام متوكّئًا على عسيبه، فقمت خلفه، فظننت أنّه يوحى إليه، فقال: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} فقال بعضهم لبعضٍ: ألم نقل لكم لا تسألوه؟
- حدّثنا يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه، قال: بينا أنا أمشي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حرّةٍ بالمدينة، إذ مررنا على يهود، فقال بعضهم: سلوه عن الرّوح، فقالوا: ما رابكم إلى أن تسمعوا ما تكرهون، فقاموا إليه، فسألوه، فقام فعرفت أنّه يوحى إليه، فقمت مكاني، ثمّ قرأ: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} فقالوا: ألم ننهكم أن تسألوه.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، قال: سأل أهل الكتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرّوح، فأنزل اللّه تعالى: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} فقالوا: أتزعم أنّا لم نؤت من العلم إلاّ قليلاً، وقد أوتينا التّوراة، وهي الحكمة {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} قال: فنزلت: {ولو أنّ ما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحرٍ ما نفدت كلمات اللّه} قال: ما أوتيتم من علمٍ، فنجّاكم اللّه به من النّار، فهو كثيرٌ طيّبٌ، وهو في علم اللّه قليلٌ.
- حدّثني إسماعيل بن المتوكّل الأشجعيّ أبو هاشمٍ الحمصيّ، قال: حدّثنا إسحاق بن عيسى أبو يعقوب، قال: حدّثنا القاسم بن معنٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه، قال: إنّي لمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حرثٍ بالمدينة، إذ أتاه يهوديّ، قال: يا أبا القاسم، ما الرّوح؟ فسكت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ويسألونك عن الرّوح} لقيت اليهود نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتغشّوه وسألوه وقالوا: إن كان نبيًّا علّم فسيعلم ذلك، فسألوه عن الرّوح، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، فأنزل اللّه في كتابه ذلك كلّه {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} يعني اليهود.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ويسألونك عن الرّوح،} قال: يهود تسأل عنه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {ويسألونك عن الرّوح،} قال: يهود تسأله.
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ويسألونك عن الرّوح،} الآية: وذلك أنّ اليهود قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أخبرنا ما الرّوح، وكيف تعذّب الرّوح الّتي في الجسد، وإنّما الرّوح من اللّه عزّ وجلّ، ولم يكن نزل عليه فيه شيءٌ، فلم يحر إليهم شيئًا، فأتاه جبرئيل عليه السّلام، فقال له: {قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} فأخبرهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك، قالوا له: من جاءك بهذا؟ فقال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " جاءني به جبريل من عند اللّه "، فقالوا: واللّه ما قاله لك إلاّ عدوٌّ لنا، فأنزل اللّه تبارك اسمه: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه، قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يومٍ، فمررنا بأناسٍ من اليهود، فقالوا: يا أبا القاسم ما الرّوح؟ فأسكت، فرأيت أنّه يوحى إليه، قال: فتنحّيت عنه إلى سباطةٍ، فنزلت عليه: {ويسألونك عن الرّوح} الآية، فقالت اليهود: هكذا نجده عندنا.
واختلف أهل التّأويل في الرّوح الّذي ذكر في هذا الموضع ما هي؟ فقال بعضهم: هي جبرئيل عليه السّلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {ويسألونك عن الرّوح،} قال: هو جبرائيل، قال قتادة: وكان ابن عبّاسٍ يكتمه.
وقال آخرون: هي ملكٌ من الملائكة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ويسألونك عن الرّوح،} قال: الرّوح: ملكٌ.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني أبو هزان يزيد بن سمرة صاحب قيساريّة، عمّن حدّثه عن عليّ بن أبي طالبٍ، أنّه قال في قوله: {ويسألونك عن الرّوح} قال: هو ملكٌ من الملائكة له سبعون ألف وجهٍ، لكلّ وجهٍ منها سبعون ألف لسانٍ، لكلّ لسانٍ منها سبعون ألف لغةٍ يسبّح اللّه عزّ وجلّ بتلك اللّغات كلّها، يخلق من كلّ تسبيحةٍ ملكً يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة.
وقد بيّنّا معنى الرّوح في غير هذا الموضع من كتابنا، بما أغنى عن إعادته.
وأمّا قوله: {من أمر ربّي} فإنّه يعني: أنّه من الأمر الّذي يعلمه اللّه عزّ وجلّ دونكم، فلا تعلمونه ويعلم ما هو.
وأمّا قوله: {وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في المعنيّ بقوله {وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} فقال بعضهم: عنى بذلك: الّذين سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرّوح وجميع النّاس غيرهم، ولكن لمّا ضمّ غير المخاطب إلى المخاطب، خرج الكلام على المخاطبة، لأنّ العرب كذلك تفعل إذا اجتمع في الكلام مخبرٌ عنه غائبٌ ومخاطبٌ أخرجوا الكلام خطابًا للجمع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسارٍ، قال: نزلت بمكّة {وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة أتاه أحبار يهود، فقالوا: يا محمّد ألم يبلغنا أنّك تقول {وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} أفعنيتنا أم قومك؟ قال: " كلًّا قد عنيت " قالوا: فإنّك تتلو أنّا أوتينا التّوراة وفيها تبيان كلّ شيءٍ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " هي في علم اللّه قليلٌ، وقد آتاكم ما إن عملتم به انتفعتم " فأنزل اللّه {ولو أنّ ما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ}.. إلى قوله {إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله عزّ وجلّ {وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} قال: يا محمّد والنّاس أجمعون.
وقال آخرون: بل عنى بذلك الّذين سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرّوح خاصّةً دون غيرهم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً} يعني: اليهود.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: خرج الكلام خطابًا لمن خوطب به، والمراد به جميع الخلق، لأنّ علم كلّ أحدٍ سوى اللّه، وإن كثر في علم اللّه قليلٌ. وإنّما معنى الكلام: وما أوتيتم أيّها النّاس من العلم إلاّ قليلاً من كثيرٍ ممّا يعلم اللّه). [جامع البيان: 15/66-73]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا أبو عصام عن خليد عن قتادة قال لقي اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فتعنتوه قالوا إن كان نبيا سيعلم فسألوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين فأنزل الله عز وجل يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا يعني اليهود وقص عليهم نبأ أصحاب الكهف وذي القرنين). [تفسير مجاهد: 369]

قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) ابن مسعود - رضي الله عنه -: قال: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوكّأ على عسيبٍ - مرّ بنفر من اليهود، فقال بعضهم: سلوه عن الروح؟ وقال بعضهم: لا تسألوه لا يسمعكم ما تكرهون، فقاموا إليه فقالوا: يا أبا القاسم، حدّثنا عن الروح، فقام ساعة ينظر، فعرفت أنه يوحى إليه فتأخرت حتى صعد الوحي، ثم قال: {ويسألونك عن الروح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85] فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم: لا تسألوه.
وفي رواية: «وما أوتوا من العلم إلا قليلاً» قال الأعمش: هكذا في قراءتنا. أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي.
[شرح الغريب]
(عسيب) العسيب: سعف النخل، وأهل العراق يسمونه الجريد). [جامع الأصول: 2/216-218]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه عن الروح، فأنزل الله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل: الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} قالوا: أوتينا علماً كثيراً، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزل الله: {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً} [الكهف: 109]. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/218]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 85.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ويسألونك عن الروح} قال: يهود يسألونه). [الدر المنثور: 9/431]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حبان، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في معا في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكئ على عسيب فمر بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، فسألوه فقالوا: يا محمد ما الروح فما زال يتوكأ على العسيب وظننت أنه يوحى إليه فأنزل الله {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} ). [الدر المنثور: 9/431-432]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي، وابن المنذر، وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا: سلوه عن الروح فسألوه فنزلت {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} قالوا: أوتينا علما كثيرا: أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا، فأنزل الله تعالى (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) (الكهف آية 109) ). [الدر المنثور: 9/432]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا ما الروح وكيف تعذب الروح التي في الجسد وإنما الروح من الله ولم يكن نزل عليه فيه شيء فلم يجر إليهم شيئا فأتاه جبريل عليه السلام فقال له: {قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقالوا: من جاءك بهذا قال: جبريل، قالوا: والله ما قاله لك إلا عدو لنا، فأنزل الله تعالى (قل من كان عدوا لجبريل) (البقرة آية 97) الآية). [الدر المنثور: 9/432-433]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {ويسألونك عن الروح} قال: هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه منها سبعون ألف لسان، لكل لسان منها سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بتلك اللغات يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة). [الدر المنثور: 9/433]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ويسألونك عن الروح} قال: هو ملك واحد له عشرة آلاف جناح جناحان منهما ما بين المشرق والمغرب له ألف وجه لكل وجه لسان وعينان وشفتان يسبحان الله تعالى إلى يوم القيامة). [الدر المنثور: 9/433]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الروح أمر من أمر الله وخلق من خلق الله وصورهم على صور بني آدم وما ينزل من السماء من ملك إلا ومعه واحد من الروح، ثم تلا (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) (النبأ آية 38) ). [الدر المنثور: 9/433-434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه قال: سئل ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} لا تنال هذه المنزلة فلا تزيدوا عليها، قولوا كما قال الله وعلم نبيه صلى الله عليه وسلم {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} ). [الدر المنثور: 9/434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن بريدة رضي الله عنه قال: لقد قبض النّبيّ صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح). [الدر المنثور: 9/434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن زياد أنه بلغه أن رجلين اختلفا في هذه الآية {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فقال أحدهما: إنما أريد بها أهل الكتاب وقال الآخر: بل إنه محمد صلى الله عليه وسلم، فانطلق أحدهما إلى ابن مسعود رضي الله عنه فسأله فقال: ألست تقرأ سورة البقرة فقال: بلى، فقال: وأي العلم ليس في سورة البقرة إنما أريد بها أهل الكتاب). [الدر المنثور: 9/434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ويسألونك عن الروح} قال: {الروح} ملك). [الدر المنثور: 9/434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أم الحكم الثقفي رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة إذ عرض له اليهود فقالوا: يا محمد ما الروح وبيده عسيب نخل فاعتمد عليه - ورفع راسه إلى السماء ثم قال: {ويسألونك عن الروح} إلى قوله: {قليلا} قال ابن عساكر: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أم الحكم الثقفي قيل إن له صحبة). [الدر المنثور: 9/435]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد رضي الله عنه قال: {الروح} خلق مع الملائكة لا يراهم الملائكة كما لا ترون أنتم الملائكة، و{الروح} حرف استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، وهو قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}). [الدر المنثور: 9/435]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن سلمان رضي الله عنه قال: الإنس والجن عشرة أجزاء: فالإنس جزء والجن تسعة أجزاء، والملائكة والجن عشرة أجزاء: فالجن من ذلك جزء والملائكة تسعة، والملائكة والروح عشرة أجزاء: فالملائكة من ذلك جزء والروح تسعة أجزاء، والروح والكروبيون عشرة أجزاء: فالروح من ذلك جزء والكروبيون تسعة أجزاء). [الدر المنثور: 9/435]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا: يا محمد ألم يبلغنا أنك تقول: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} أفعنيتنا أم قومك قال: كلا قد عنيت، قالوا: فإنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما عملتم به انتفعتم، فأنزل الله (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) إلى قوله: (إن الله سميع بصير) (لقمان آية 27 - 28) ). [الدر المنثور: 9/435-436]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جرير في قوله: {وما أوتيتم من العلم} قال: يا محمد والناس أجمعون). [الدر المنثور: 9/436]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} يعني اليهود). [الدر المنثور: 9/436]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:25 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا أنعمنا على الإنسان} [الإسراء: 83]، يعني: المشرك، أعطيناه السّعة والعافية.
{أعرض} [الإسراء: 83] عن اللّه.
{ونأى بجانبه} [الإسراء: 83] وقال مجاهدٌ: تباعد منّا.
وهو واحدٌ.
{وإذا مسّه الشّرّ} [الإسراء: 83] الأمراض والشّدائد.
{كان يئوسًا} [الإسراء: 83] قال قتادة: يئس وقنط.
[تفسير القرآن العظيم: 1/158]
قال يحيى: يقول: يئس أن يفرج ذلك عنه؛ لأنّه ليست له نيّةٌ ولا حسبةٌ ولا رجاءٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/159]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كان يئوساً...}

إذا تركت الهمزة من قوله: {يؤوساً} فإن العرب تقول يوساً ويووساً تجمعون بين ساكنين وكذلك {ولا يؤوده حفظهما} وكذلك {بعذابٍ بئيسٍ} يقول بيس و(بييسٍ) و(ويؤوده) يجمعون ساكنين. فهذا كلام العرب: والقراء يقولون (يووساً) و(يووده) فيحرّكون الواو إلى الرفع و(بييسٍ) يحرّكون الياء الأولى إلى الخفض. ولم نجد ذلك في كلامهم،
لأن تحرك الياء والواو أثقل من ترك الهمزة، فلم يكونوا ليخرجوا من ثقل إلى ما هو أثقل منه). [معاني القرآن: 2/130]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نأي بجانبه} أي تباعد بناحيته وقربه.
{وإذا مسّه الشّرّ كان يئوساً} أي قنوطاً، أي شديد اليأس لا يرجو). [مجاز القرآن: 1/389]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشّرّ كان يئوساً}
وقال: {يئوساً} لأنه من "يئس"). [معاني القرآن: 2/73]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة القراء {ونأى بجانبه} وإنما هي من نأى ينأى نأيًا؛ أي بعد.
قراءة أبي جعفر {وناء بجانبه} على قلب الهمزة إلى لام الفعل؛ وقال يونس: قد شأى زيد، وقد نأى زيد؛ يريد: شاء من شأوت؛ أي سبقت؛ ويريد ناء؛ وقال بعضهم: شآني زيد، يريد شائني، فقدم الهمزة.
وقال الشاعر:
[معاني القرآن لقطرب: 829]
لقد لقيت قريظة ما سآها = وحل بدارها ذل ذليل
وقال حميد الهلالي:
مطوقة ورقاء تصدح كلما جئا الصيف وانجال الربيع فأنجما
وقال الآخر:
ماذا تراؤك تغني في أخي ثقة = من أسد خفان جأب العين ذي لبد
تراؤك مثل تراعك؛ كأنه قال: تراك فحقق الهمزة، على مثل قول الآخر:
أري عيني ما لم ترأياه = كلانا عالم بالترهات
وقال حسان:
نجالد عنه بأسيافنا = وناءت معد بأرض الحرم
فقلب؛ على قراءة أبي جعفر.
وقال الهذلي أيضًا:
أو وليد معلل راء رؤيا = فهو يهذي بما رأى في المنام
فقلب الأولى.
وقال عنترة:
فإن تك خلتي شخصت وناءت = كذاك الدهر عسرًا بعد يسر
وقال الآخر أيضًا:
إذا قام قوم يأسلون مليكهم عطاء فدهماء الذي أنا سائله
أي الشخص الذي أنا سائله؛ كأنه يريد يسألون.
[معاني القرآن لقطرب: 830]
والعرب تقلب فيما كان "يفعل" منه مضموما أو مفتوحًا؛ مثل: بأي يبأى؛ أي فخر وشأى يشأى؛ فأما المكسورة مثل: يجيء ويقيء، فلم نسمعه، يجئي ويقئي). [معاني القرآن لقطرب: 831]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {نأى بجانبه}: أي تباعد.
{كان يؤسا}: من اليأس). [غريب القرآن وتفسيره: 220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ونأى بجانبه} أي تباعد.
{كان يؤساً} أي قانطا يائسا). [تفسير غريب القرآن: 260]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه}
قال مجاهد أي تباعد منا وقرأ يزيد بن القعقاع وناء بجانبه الهمزة مؤخرة واللغة الأولى أعرف وهذا على قلب الهمزة). [معاني القرآن: 4/187]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وإذا مسه الشر كان يؤوسا}
روى سعيد عن قتادة قال يئس قنط). [معاني القرآن: 4/188-187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أَعْرَضَ وَنئا بِجَانِبِهِ} أخبرنا أبو عمر - قال: أنا ثعلب عن ابن الأعرابي،
قال: يقال للمتكبر على الحق: أعرض ونأى بجانبه). [ياقوتة الصراط: 314]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَؤُوسا}: من اليأس). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قل كلٌّ يعمل على شاكلته} [الإسراء: 84] سعيدٌ، عن قتادة، قال: على ناحيته وما ينوي، أي: المؤمن على إيمانه والكافر على كفره.
{فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا} [الإسراء: 84]، أي: فهو يعلم أنّ المؤمن أهدى سبيلا من الكافر). [تفسير القرآن العظيم: 1/159]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قل كلٌّ يعمل على شاكلته...}:

ناحيته. وهي الطريقة والجديلة. وسمعت بعض العرب من قضاعة يقول: وعبد الملك إذ ذاك على جديلته وابن الزبير على جديلته. والعرب تقول: فلان على طريقة صالحة، وخيدبة صالحة، وسرجوجة. وعكل تقول. سرجيجة). [معاني القرآن: 2/130]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يعمل على شاكلته} أي على ناحيته وخليقته ومنها قولهم: هذا من شكل هذا). [مجاز القرآن: 1/389]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {قل كل يعمل على شاكلته} أي ناحيته؛ ومثلها من قول العرب: على حوزيته، وعلى جديلته: أي على أمره الذي هو عليه). [معاني القرآن لقطرب: 841]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {على شاكلته}: أي على نيته التي هي من شكل فعله في التفسير. وقالوا على شاكلته: على ناحيته،
ويقال: إن لفلان لشاكلة من فلان أي ناحية). [غريب القرآن وتفسيره: 220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كلٌّ يعمل على شاكلته} أي على خليقته وطبيعته. وهو من الشّكل، يقال: لست على شكلي ولا شاكلتي).
[تفسير غريب القرآن: 260]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل كلّ يعمل على شاكلته فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا }
معناه على طريقته وعلى مذهبه، ويدل عليه: {فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا}.
أي أهدى طريقا. ويقال هذا طريق ذو شواكل، أي يتشعّب منه طرق جماعة). [معاني القرآن: 3/257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل كل يعمل على شاكلته} قال الحسن على نيته
وقال مجاهد أي على حدته وعلى طبيعته وقال الضحاك على ناحيته وهذا يرجع إلى قول الحسن ومجاهد
وحقيقة المعنى والله أعلم كل يعمل على النحو الذي جرت به عادته وطبعة
والمعنى وليس ينبغي أن يكون كذلك إنما ينبغي أن يتبع الحق حيث كان وقد ظهرت البراهين وتبين الحق
قال أبو جعفر وهذا يرجع إلى قول الحسن). [معاني القرآن: 4/188]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {على شاكلته} : على طبعه وشكله). [ياقوتة الصراط: 314]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {على شاكلته} أي على طبيعته وخليقته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شَاكِلَتِهِ}: نيته طريقته). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح} [الإسراء: 85]
يحيى، عن صاحبٍ له، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، أنّ ناسًا من اليهود لقوا نبيّ اللّه وهو على بغلته، فسألوه عن الرّوح، فأنزل اللّه: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85].
وفي تفسير الكلبيّ أنّ المشركين بعثوا رسلا إلى المدينة فقالوا لهم: سلوا اليهود عن محمّدٍ، وصفوا لهم نعته وقوله، ثمّ ائتونا فأخبرونا.
فانطلقوا حتّى قدموا المدينة فوجدوا بها علماء اليهود من كلّ أرضٍ قد اجتمعوا فيها لعيدٍ لهم، فسألوهم عن محمّدٍ ونعتوا لهم نعته، فقال لهم حبرٌ من أحبار اليهود: إنّ هذا لنعت النّبيّ الّذي نتحدّث أنّ اللّه باعثه في هذه الأرض.
فقالت لهم رسل قريشٍ: إنّه فقيرٌ، عائلٌ، يتيمٌ، لم يتبعه من قومه من أهل الرّأي أحدٌ ولا من ذوي الأسنان.
فضحك الحبر وقال كذلك نجده.
قالت لهم رسل قريشٍ: فإنّه يقول قولا عظيمًا، يدعو إلى الرّحمن، ويقول: إنّ الّذي باليمامة السّاحر الكذّاب، يعنون مسيلمة.
فقالت لهم اليهود: اذهبوا فسلوا صاحبكم عن خلالٍ ثلاثٍ، فإنّ الّذي باليمامة قد عجز عنهنّ.
فأمّا اثنتان من الثّلاث فإنّه لا يعلمهما إلا نبيٌّ، فإن أخبركم بهما فقد صدق.
وأمّا الثّالثة فلا يجترئ عليها أحدٌ.
فقالت لهم رسل قريشٍ: أخبرونا بهنّ.
فقالت لهم اليهود: سلوه عن أصحاب الكهف والرّقيم.
فقصّوا عليهم قصّتهم.
وسلوه عن ذي القرنين، وحدّثوهم بأمره.
وسلوه عن الرّوح، فإن أخبركم فيه بشيءٍ فهو كاذبٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/159]
فرجعت رسل قريشٍ إليهم فأخبروهم بذلك، فأرسلوا إلى النّبيّ فلقيهم، فقالوا: يابن عبد المطّلب، إنّا سائلوك عن خلالٍ ثلاثٍ فإن أخبرتنا بهنّ فأنت صادقٌ وإلا فلا تذكرنّ آلهتنا بشيءٍ.
فقال لهم رسول اللّه: «وما هنّ؟».
قالوا: أخبرنا عن أصحاب الكهف فإنّا قد أخبرنا عنهم بآيةٍ بيّنةٍ، وأخبرنا عن ذي القرنين فإنّا قد أخبرنا عنه بأمرٍ بيّنٍ، وأخبرنا عن الرّوح.
فقال لهم رسول اللّه: أنظروني حتّى أنظر ماذا يحدث إليّ فيه ربّي.
قالوا: فإنّا ناظروك فيه ثلاثًا.
فمكث نبيّ اللّه ثلاثة أيّامٍ لا يأتيه جبريل، ثمّ أتاه، فاستبشر به النّبيّ وقال: «يا جبريل، قد رأيت ما سأل عنه قومي ثمّ لم تأتني»، قال له جبريل: {وما نتنزّل إلا بأمر ربّك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربّك نسيًّا} [مريم: 64] فإذا شاء ربّك أرسلني إليك، ثمّ قال له جبريل: إنّ اللّه قال: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من
العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85].
ثمّ قال له: {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم} [الكهف: 9] فذكر قصّتهم.
قال: {ويسألونك عن ذي القرنين} [الكهف: 83] فذكر قصّته.
ثمّ لقي رسول اللّه قريشًا في آخر اليوم الثّالث فقالوا: ماذا أحدث إليك ربّك في الّذي سألناك عنه؟ فقصّه عليهم.
فعجبوا، وغلب عليهم الشّيطان أن يصدّقوه.
- هشامٌ، عن قتادة، أنّ ابن عبّاسٍ فسّر الرّوح مرّةً واحدةً ثمّ كفّ عن تفسيرها.
وأحسب أنّ هشامًا أو غيره ذكر أنّ قتادة فسّرها مرّةً ثمّ كفّ.
وقال السّدّيّ: الرّوح ملكٌ من الملائكة في السّماء السّابعة، ووجهه على صورة الإنسان وجسده على صورة الملائكة، وذلك قوله في عم يتساءلون: {يوم يقوم الرّوح} [النبأ: 38]، يعني ذلك الملك، وهو أعظم من كلّ مخلوقٍ، وتحت العرش، وهو حافظٌ على الملائكة يقوم على يمين العرش صفًّا واحدًا والملائكة صفٌّ، فذلك قوله: {ويسألونك عن الرّوح} [الإسراء: 85]، يعني ذلك الملك {قل الرّوح من
أمر ربّي} [الإسراء: 85] لم يحيطوا به علمًا.
[تفسير القرآن العظيم: 1/160]
وتفسير الحسن أنّ الرّوح القرآن.
قال: {قل الرّوح من أمر ربّي} [الإسراء: 85] من وحي ربّي {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]، أي: إنّ علمكم الّذي أتاكم اللّه قليلٌ في علم اللّه.
وبلغني عن الأعمش، عن بعض أصحابه التّابعين قال: الرّوح خلقٌ من خلق اللّه لهم أيدٍ وأرجلٌ.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: لقيت اليهود نبيّ اللّه فتعنّتوه وسألوه عن الرّوح، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين.
فأنزل اللّه: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]، أي: اليهود.
- مالك بن أنسٍ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " خمسٌ لا يعلمهنّ إلا اللّه: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزّل الغيث} [لقمان: 34] إلى آخر السّورة.
الآيات الخمس "). [تفسير القرآن العظيم: 1/161]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قل الرّوح من أمر ربّي...}

يقول: من علم ربّي، ليس من علمكم). [معاني القرآن: 2/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرُّوح- فيما ذكر المفسرون-: مَلَكٌ عظيم من ملائكة الله يقوم وحده فيكون صفا وتقوم الملائكة صفّا
قال: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} ، وقال عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}.
ويقال للملائكة: الرُّوحانيُّون، لأنهم أرواح، نسبوا إلى الرُّوح- بالألف والنون- لأنها نسبة الخلقة، كما يقال: رقبانيّ وشعرانيّ). [تأويل مشكل القرآن: 486]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا}
سألت اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم -عن الروح وهم مقدرون أن يجيبهم بغير ما علم من تفسيرها، فأعلمهم أن الروح من أمر اللّه.
ثم قال: {وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا} فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أوتينا التوراة، وفيها الحكمة، وقد تلوت: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}.
فأعلمهم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ علم التوراة قليل في علم اللّه.
فقال: {ولو أنّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه}
أي ما نفدت الحكمة التي يأتي بها اللّه عزّ وجلّ، فالتوراة قليلة بالإضافة إلى كلمات اللّه.
وقليل وكثير لا يصح إلا بالإضافة، فإنما يقل الشيء عندما يعلم أكثر منه، وكذلك يكثر عند معلوم هو أقل منه.
وقد اختلف الناس في تفسير الروح فقيل إن الروح جبريل ومن تأول ذلك فدليله قوله: {نزل به الرّوح الأمين * على قلبك}.
وقيل إن الروح خلق لخلق بني آدم في السماء.
وقال بعض المفسرين: إن الروح إنما يعنى به القرآن.
قال: ودليل ذلك قوله: ({كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} وكذلك قيل: الروح من أمر ربي، وتأويله تسمية القرآن بالروح أن القرآن حياة القلوب وحياة النفس فيما تصير إليه من الخير عند اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 3/258-257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}
روي عن عبد الله بن مسعود قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسألته اليهود عن الروح فسكت فحسبت أنه يوحى اليه فتنحيت فأنزل عليه {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
يعني اليهود فقالوا نجد مثله في التوراة قل الروح من أمر ربي
قال أبو جعفر وقد تكلم العلماء في الروح
فروى عطاء عن ابن عباس قال الروح ملك له أحد عشر ألف جناح وألف وجه يسبح الله إلى يوم القيامة
وقال أبو صالح الروح خلق كخلق بني آدم وليسوا بني آدم لهم أيد وأرجل
وقيل الروح جبريل عليه السلام واحتج صاحب هذا القول بقوله سبحانه: {نزل به الروح الأمين}
قال محمد بن إسحاق وزعموا أنه ناداهم يعني النبي صلى الله عليه وسلم الروح جبريل وكذا روى عن ابن عباس والحسن
قال ابن عباس وجبريل قائم بين يدي الله جل ثناؤه يوم القيامة
وقيل هو عيسى صلى الله عليه وسلم أي هو من أمر الله وليس كما يقول النصارى
وقيل الروح القرآن لقوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} والله أعلم بما أراد غير أنه قد أخبرنا أنه من أمر الله جل وعز
فإن قال قائل كيف قيل لليهود وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وقد أوتوا التوراة
فالجواب أن قليلا وكثيرا إنما يعرفان بالإضافة إلى غيرهما فإذا أضيفت التوراة إلى علم الله جل وعز كانت قليلا من كثير ألا ترى إلى قوله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} ). [معاني القرآن: 4/191-189]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:29 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) }
قال أبو فَيدٍ مُؤَرِّجُ بنُ عمروٍ السَّدُوسِيُّ (ت: 195هـ) : (الْمَنْأَى: الْمَوْضِعُ الذي يَبْعُدُ به عن الأَذَى). [شرح لامية العرب: --] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
تحمل منها أهلها فنأت بهم = لطيتهم مر النوى وشعوبها
نأت: بعدت). [شرح ديوان كعب بن زهير: 208] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
فإن تنأ عنها حقبة لم تلاقها = فإنك مما أحدثت بالمجرب
تنأ: أي تبعد، يقال: نأيته ونأيت عنه. والنأي: البعد). [شرح ديوان امرئ القيس: 368] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
أتنكرت ليلى عن الوصل = ونأت فرث معاقد الحبل
نأت: بعدت). [شرح ديوان امرئ القيس: 600]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84) }
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال: كل يعمل على شاكلته: على ناحيته). [كتاب الجيم: 2/137]
تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومنها أيضا الروح؛ روح الإنسان؛ يقال: هي النفس، ويقال: هي غيرها، فالروح التي في الإنسان يكون بها النفس والتقلب في النوم والتحرك، والنفس هي التي يقع بها العقل والمشي. وقالوا: إذا أنام الله الرجل قبض نفسه، ولم يقبض روحه. والروح أيضا: جبرئيل عليه السلام، والروح: خلق من خلق الله عز وجل لهم أيد، وأرجل يشبهون الناس، وليسوا بناس.
وحدثنا محمد بن يونس، قال: حدثنا أبو عاصم، عن
معروف المكي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قال: الروح خلق مع الملائكة لا تراهم الملائكة، كما لا ترون أنتم الملائكة، والروح حرف استأثر الله تعالى بعلمه، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، وهو قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}.
وأخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا أبو هزان يزيد بن سمرة، قال: حدثني من سمع عليا رضوان الله عليه يقول: الروح ملك من الملائكة، له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة، يسبح الله تبارك وتعالى بتلك اللغات كلها، يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة). [كتاب الأضداد: 422-423]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومنه: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}، سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه
عن الروح، فأجابهم بهذا ولم يكشف حقيقته، كما كشف حقيقة أمر أصحاب الكهف، وحقيقة أمر ذي القرنين، لأنه انفرد بعلمه وغيبه عن خلقه.
وقال ابن بريدة: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وهو يعلم الروح). [كتاب الأضداد: 425-426]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 06:59 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 07:00 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 07:02 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان} الآية. "الإنسان" في هذه الآية لا يراد به العموم، وإنما يراد به بعضه وهم الكفرة، وهذا كما تقول عند غضب: "لا خير في الأصدقاء ولا أمانة في الناس"، فأنت تعمم مبالغة، ومرادك البعض، وهذا بحسب ذكر الظالمين والخسار في الآية، قيل: فاتصل ذكر الكفرة، ويحتمل أن يكون "الإنسان" في هذه الآية عاما للجنس، على معنى: إن هذا الخلق الذميم في سجيته، فالكافر يبالغ في الإعراض، والعاصي يأخذ بحظه منه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مؤمن: "فأعرض فأعرض الله عنه". ومعنى "أعرض" ولانا عرضه، "ونأى" أي: بعد، وهذه، وهذا استعارة، وذلك أنه يفعل أفعال المعرض النائي في تركه الإيمان بالله وشكر نعمه عليه. وقرأ ابن عامر وحده: "وناء"، ومعناه: نهض متباعدا، هذا قول طائفة، وقال أخرى: هو قلب الهمزة بعد الألف من "نأى" بعينه، وهي لغة كرأى وراء، ونحو هذه اللفظة قول الشاعر في صفة رام:
حتى إذا ما التأمت مفاصله ... وناء في شق الشمال كاهله
[المحرر الوجيز: 5/532]
أي: نهض متوركا على شماله.
والذي عندي أن "ناء" و"نأى" فعلان متباينان. وناء بجانبه عبارة عن التحير والاستبداد، و"ناء" عبارة عن البعد والفراق.
ثم وصف الله تعالى الكفرة بأنهم إذا مسهم شر من مرض أو مصيبة في مال أو غير ذلك يئسوا من حيث لا يؤمنون بالله، ولا يرجون تصرف أقداره). [المحرر الوجيز: 5/533]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قال عز وجل: {قل} يا محمد: {كل يعمل على شاكلته}، أي: طريقته وبحسب نيته ومذهبه الذي يشبهه. وهو شكل له، وهذه الآية تدل دلالة على أن "الإنسان" أولا لم يرد به العموم، أي أن الكفار بهذه الصفات، والمؤمنون بخلافها، وكل منهم يعمل على ما يليق به، والرب تعالى أعلم بالمهتدي. وقال مجاهد: على شاكلته معناه: على طبيعته، وقال أيضا: معناه: على حدته، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: على ناحيته، وقال قتادة: معناه: على حدته وعلى ما ينوي، وقال ابن زيد: معناه: على دينه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله):
وأرجح هذه العبارات قول ابن عباس وقتادة. وقوله تعالى: {فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا} توعد بين). [المحرر الوجيز: 5/533]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا إلا رحمة من ربك إن فضله كان
[المحرر الوجيز: 5/533]
عليك كبيرا قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}
الضمير في "يسألونك" قيل: هو لليهود وأن الآية مدنية، وروى عبد الله بن مسعود أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر على حرث بالمدينة - ويروى على خرب- وإذا فيه جماعة من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فإن أجاب فيه عرفتم أنه ليس بنبي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه، ولا يطلع عليه أحدا من عباده. قال ابن مسعود: وقال بعضهم: لا تسألوه لئلا يأتي فيه بشيء تكرهونه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
يعني -والله أعلم- من أنه لا يفسره فتقوى الحجة عليهم في نبوته، قال: فسألوه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عسيب، فظننت أنه يوحى إليه، ثم تلا عليهم الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقيل: الآية مكية، والضمير لقريش، وذلك أنهم قالوا: نسأل عن محمد عليه الصلاة والسلام- أهل الكتاب من اليهود، فأرسلوا إليهم إلى المدينة النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، فقال اليهود: جربوا بثلاث مسائل، سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح، فإن فسر الثلاثة فهو كذاب، وإن سكت عن الروح فهو نبي، فسألته قريش عن الروح، فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "غدا أخبركم به"، ولم يقل: "إن شاء الله"، فاستمسك الوحي عنه خمسة عشر يوما معاتبة على وعده لهم دون استثناء، ثم نزلت هذه الآية.
[المحرر الوجيز: 5/534]
واختلف الناس في الروح المسؤول عنه، أي روح هو؟ فقالت فرقة هي الجمهور: وقع السؤال عن الروح التي في الأشخاص الحيوانية، ما هي؟ فالروح اسم جنس على هذا، وهذا هو الصواب، وهو المشكل الذي لا تفسير له. وقال قتادة: الروح المسؤول عنه جبريل عليه السلام، قال: وكان ابن عباس يكتمه. وقالت فرقة: هو عيسى ابن مريم عليهما السلام، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ملك له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة، يسبح الله سبحانه بكل تلك اللغات، فيخلق من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة، ذكره الطبري. وما أظن هذا القول يصح عن علي رضي الله عنه. وقالت فرقة: الروح القرآن، وهذه كلها أقوال مفسرة، والأول أظهرها وأصوبها.
وقوله: {من أمر ربي} يحتمل تأويلين: أحدهما أن يكون "الأمر" اسم جنس للأمور، أي: الروح من جملة أمور الله التي استأثر بعلمها، فهي إضافة خلق إلى خالق، والثاني أن يكون مصدرا، من أمر يأمر، أي: الروح مما أمر الله تعالى أمرا بالكون فكان. وقرأ ابن مسعود، والأعمش: "وما أوتوا"، ورواها ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ الجمهور: "وما أوتيتم".
واختلف فيمن خوطب بذلك -فقالت فرقة: السائلون فقط، ترجم الطبري بذلك، ثم أدخل تحت الترجمة عن قتادة أنهم اليهود. وقالت فرقة: المراد اليهود بجملتهم، وعلى هذا هي قراءة ابن مسعود. وقالت فرقة: العالم كله، وهذا هو الصحيح; لأن قول الله تعالى له: {قل الروح} إنما هو أمر بالقول لجميع العالم; إذ كذلك هي أقواله كلها، وعلى ذلك تمت الآية من مخاطبة الكل. ويحتمل أيضا أن تكون مخاطبة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ولجميع الناس. ويتصف ما عند جميع الناس من العلم بالقلة بإضافته إلى علم الله عز وجل الذي هو بهذه الأمور التي عندنا من علمها طرف يسير جدا، كما قال الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام: "ما نقص علمي وعلمك وعلم الخلائق من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر"، وأراد الخضر علم الله بهذه
[المحرر الوجيز: 5/535]
الموجودات التي عند البشر من علمها طرف يسير جدا نسبة إلى ما يخفى عنهم، نسبة النقطة إلى البحر، وأما علم الله تبارك وتعالى على الإطلاق فغير متناه، ويحتمل أن يكون التجوز في قول الخضر عليه السلام: "كما نقص هذا العصفور"، أي: إنا لا ينقص علمنا شيئا من علم الله تعالى على الإطلاق، ثم مثل بنقرة العصفور في عدم النقص; إذ نقصه غير محسوس فكأنه معدوم، فهذا احتمال، ولكن فيه نظر، وقد قالت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا؟ فعارضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلم الله فغلبوا، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث بقوله: "كلا". يعني أن المراد بـ "أوتيتم" جميع العالم، وذلك أن يهود قالت له: أنحن عنيت أم قومك؟ فقال: "كلا"، وفي هذا المعنى نزلت: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام}، حكى ذلك الطبري رحمه الله). [المحرر الوجيز: 5/536]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 05:42 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 05:44 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشّرّ كان يئوسًا (83) قل كلٌّ يعمل على شاكلته فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا (84)}.
يخبر تعالى عن نقص الإنسان من حيث هو، إلّا من عصم اللّه تعالى في حالتي سرّائه وضرّائه، بأنّه إذا أنعم اللّه عليه بمالٍ وعافيةٍ، وفتحٍ ورزقٍ ونصرٍ، ونال ما يريد، أعرض عن طاعة اللّه وعبادته ونأى بجانبه.
قال مجاهدٌ: بعد عنّا.
قلت: وهذا كقوله تعالى: {فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه} [يونس: 12]، وقوله {فلمّا نجّاكم إلى البرّ أعرضتم} [الإسراء: 67].
وبأنّه إذا مسّه الشّرّ -وهو المصائب والحوادث والنّوائب - {كان يئوسًا} أي: قنط أن يعود يحصل له بعد ذلك خيرٌ، كما قال تعالى: {ولئن أذقناه نعماء بعد ضرّاء مسّته ليقولنّ ذهب السّيّئات عنّي إنّه لفرحٌ فخورٌ إلا الّذين صبروا وعملوا الصّالحات أولئك لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبيرٌ} [هودٍ: 10، 11]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 113]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {قل كلٌّ يعمل على شاكلته} قال ابن عبّاسٍ: على ناحيته. وقال مجاهدٌ: على حدّته وطبيعته. وقال قتادة: على نيّته. وقال ابن زيدٍ: دينه.
وكلّ هذه الأقوال متقاربةٌ في المعنى. وهذه الآية -واللّه أعلم- تهديدٌ للمشركين ووعيدٌ لهم، كقوله تعالى: {وقل للّذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنّا عاملون وانتظروا إنّا منتظرون} [هودٍ: 121، 122] ولهذا قال: {قل كلٌّ يعمل على شاكلته فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا} أي: منّا ومنكم، وسيجزي كلّ عاملٍ بعمله، فإنّه لا تخفى عليه خافيةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 113]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه -قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حرثٍ في المدينة، وهو متوكّئٌ على عسيب، فمرّ بقومٍ من اليهود، فقال بعضهم لبعضٍ: سلوه عن الرّوح. فقال بعضهم: لا تسألوه. قال: فسألوه عن الرّوح فقالوا يا محمّد، ما الرّوح؟ فما زال متوكّئًا على العسيب، قال: فظننت أنّه يوحى إليه، فقال: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
فقال بعضهم لبعضٍ: قد قلنا لكم لا تسألوه.
وهكذا رواه البخاريّ ومسلمٌ من حديث الأعمش، به. ولفظ البخاريّ عند تفسير هذه الآية، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: بينا أنا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حرث، وهو متوكّئٌ على عسيبٍ، إذ مرّ اليهود فقال بعضهم لبعضٍ: سلوه عن الرّوح، فقال: ما رابكم إليه. وقال بعضهم: لا يستقبلنّكم بشيءٍ تكرهونه. فقالوا سلوه فسألوه عن الرّوح، فأمسك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم فلم يرد عليه شيئًا، فعلمت أنّه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلمّا نزل الوحي قال: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي} الآية.
وهذا السّياق يقتضي فيما يظهر بادي الرّأي: أنّ هذه الآية مدنيّةٌ، وأنّها إنّما نزلت حين سأله اليهود، عن ذلك بالمدينة، مع أنّ السّورة كلّها مكّيّةٌ. وقد يجاب عن هذا: بأنّه قد يكون نزلت عليه بالمدينة مرّةً ثانيةً كما نزلت عليه بمكّة قبل ذلك، أو أنّه نزل عليه الوحي بأنّه يجيبهم عمّا سألوا بالآية المتقدّم إنزالها عليه، وهي هذه الآية: {ويسألونك عن الرّوح} وممّا يدلّ على نزول هذه الآية بمكّة ما قال الإمام أحمد:
حدّثنا قتيبة، حدّثنا يحيى بن زكريّا، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قالت قريشٌ ليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرّجل. فقالوا: سلوه عن الرّوح. فسألوه، فنزلت: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} قالوا: أوتينا علمًا كثيرًا، أوتينا التّوراة، ومن أوتي التّوراة فقد أوتي خيرًا كثيرًا. قال: وأنزل اللّه: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربّي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مددًا} [الكهف: 109].
وقد روى ابن جريرٍ، عن محمّد بن المثنّى، عن عبد الأعلى، عن داود، عن عكرمة قال: سأل أهل الكتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرّوح، فأنزل اللّه: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فقالوا يزعم أنّا لم نؤت من العلم إلّا قليلًا وقد أوتينا التّوراة، وهي الحكمة {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا}؟ [البقرة: 269] قال: فنزلت: {ولو أنّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحرٍ ما نفدت كلمات اللّه} [لقمان: 27]. قال: ما أوتيتم من علمٍ، فنجّاكم اللّه به من النّار، فهو كثيرٌ طيّبٌ وهو في علم اللّه قليلٌ.
وقال محمّد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسارٍ قال: نزلت بمكّة: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة، أتاه أحبار يهود. وقالوا يا محمد، ألم يبلغنا عنك أنّك تقول: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} أفعنيتنا أم عنيت قومك؟ فقال: "كلًّا قد عنيت". قالوا: إنّك تتلو أنّا أوتينا التّوراة، وفيها تبيان كلّ شيءٍ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هي في علم اللّه قليلٌ، وقد آتاكم ما إن عملتم به استقمتم"، وأنزل اللّه: {ولو أنّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحرٍ ما نفدت كلمات اللّه إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ} [لقمان: 27].
وقد اختلف المفسّرون في المراد بالرّوح هاهنا على أقوالٍ:
أحدها: أنّ المراد [بالرّوح]: أرواح بني آدم.
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ويسألونك عن الرّوح} الآية، وذلك أنّ اليهود قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أخبرنا عن الرّوح؟ وكيف تعذّب الرّوح الّتي في الجسد، وإنّما الرّوح من اللّه؟ ولم يكن نزل عليه فيه شيءٌ، فلم يحر إليهم شيئًا. فأتاه جبريل فقال له: {قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فأخبرهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك، فقالوا: من جاءك بهذا؟ فقال: "جاءني به جبريل من عند اللّه؟ " فقالوا له: واللّه ما قاله لك إلّا عدوٌّ لنا. فأنزل اللّه: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزله على قلبك بإذن اللّه [مصدّقًا لما بين يديه]} الآية [البقرة: 97].
وقيل: المراد بالرّوح هاهنا: جبريل. قاله قتادة، قال: وكان ابن عبّاسٍ يكتمه.
وقيل: المراد به هاهنا: ملكٌ عظيمٌ بقدر المخلوقات كلّها. قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ويسألونك عن الرّوح} يقول: الرّوح: ملكٌ.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عرس المصريّ، حدّثنا وهب بن رزقٍ أبو هريرة حدّثنا بشر بن بكرٍ، حدّثنا الأوزاعيّ، حدّثنا عطاءٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ للّه ملكًا، لو قيل له: التقم السّماوات السّبع والأرضين بلقمةٍ واحدةٍ، لفعل، تسبيحه: سبحانك حيث كنت".
وهذا حديثٌ غريبٌ، بل منكرٌ.
وقال أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه: حدّثني عليٌّ، حدّثني عبد اللّه، حدّثني أبو نمران يزيد بن سمرة صاحب قيسارية، عمّن حدّثه عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، أنّه قال في قوله: {ويسألونك عن الرّوح} قال: هو ملك من الملائكة، له سبعون ألف وجهٍ، لكلّ وجهٍ منها سبعون ألف لسانٍ، لكلّ لسانٍ منها [سبعون] ألف لغةٍ، يسبّح اللّه تعالى بتلك اللّغات كلّها، يخلق اللّه من كلّ تسبيحةٍ ملكًا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة.
وهذا أثرٌ غريبٌ عجيبٌ، واللّه أعلم.
وقال السّهيليّ: روي عن عليٍّ أنّه قال: هو ملكٌ، له مائة ألف رأسٍ، لكلّ رأسٍ مائة ألف وجهٍ، في كلّ وجهٍ مائة ألف فمٍ، في كلّ فمٍ مائة ألف لسانٍ، يسبّح اللّه تعالى بلغاتٍ مختلفةٍ.
قال السّهيليّ: وقيل المراد بذلك: طائفةٌ من الملائكة على صور بني آدم.
وقيل: طائفةٌ يرون الملائكة ولا تراهم فهم للملائكة كالملائكة لبني آدم.
وقوله: {قل الرّوح من أمر ربّي} أي: من شأنه، وممّا استأثر بعلمه دونكم؛ ولهذا قال: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} أي: وما أطلعكم من علمه إلّا على القليل، فإنّه لا يحيط أحدٌ بشيءٍ من علمه إلّا بما شاء تبارك وتعالى.
والمعنى: أنّ علمكم في علم اللّه قليلٌ، وهذا الّذي تسألون عنه من أمر الرّوح ممّا استأثر به تعالى، ولم يطلعكم عليه، كما أنّه لم يطلعكم إلّا على القليل من علمه تعالى. وسيأتي إن شاء اللّه في قصّة موسى والخضر: أنّ الخضر نظر إلى عصفورٍ وقع على حافّة السّفينة، فنقر في البحر نقرةً، أي: شرب منه بمنقاره، فقال: يا موسى، ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم اللّه إلّا كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر. أو كما قال صلوات اللّه وسلامه عليه؛ ولهذا قال تبارك وتعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
وقال السّهيليّ: قال بعض النّاس: لم يجبهم عمّا سألوا؛ لأنّهم سألوا على وجه التّعنّت. وقيل: أجابهم، وعوّل السّهيليّ على أنّ المراد بقوله: {قل الرّوح من أمر ربّي} أي: من شرعه، أي: فادخلوا فيه، وقد علمتم ذلك لأنّه لا سبيل إلى معرفة هذا من طبعٍ ولا فلسفةٍ، وإنّما ينال من جهة الشّرع. وفي هذا المسلك الّذي طرقه وسلكه نظرٌ، واللّه أعلم.
ثمّ ذكر السّهيليّ الخلاف بين العلماء في أنّ الرّوح هي النّفس، أو غيرها، وقرّر أنّها ذاتٌ لطيفةٌ كالهواء، ساريةٌ في الجسد كسريان الماء في عروق الشّجر. وقرّر أنّ الرّوح الّتي ينفخها الملك في الجنين هي النّفس بشرط اتّصالها بالبدن، واكتسابها بسببه صفات مدحٍ أو ذمٍّ، فهي إمّا نفسٌ مطمئنةٌ أو أمّارةٌ بالسّوء. قال: كما أنّ الماء هو حياة الشّجر، ثمّ يكسب بسبب اختلاطه معها اسمًا خاصًّا، فإذا اتّصل بالعنبة وعصر منها صار إمّا مصطارًا أو خمرًا، ولا يقال له: "ماءٌ" حينئذٍ إلّا على سبيل المجاز، وهكذا لا يقال للنّفس: "روحٌ" إلّا على هذا النّحو، وكذلك لا يقال للرّوح: نفسٌ إلّا باعتبار ما تئول إليه. فحاصل ما يقول أنّ الرّوح أصل النّفس ومادّتها، والنّفس مركّبةٌ منها ومن اتّصالها بالبدن، فهي هي من وجهٍ لا من كلّ وجهٍ وهذا معنًى حسنٌ، واللّه أعلم.
قلت: وقد تكلّم النّاس في ماهية الرّوح وأحكامها وصنّفوا في ذلك كتبًا. ومن أحسن من تكلّم على ذلك الحافظ ابن منده، في كتابٍ سمعناه في: الروح). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 113-116]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:33 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة