تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد عن القرظي عن نوف البكالي، وكان يقرأ الكتب، قال: إني لأجد صفة ناسٍ من هذه الأمة في كتاب الله المنزل قومها يحتالون الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس لباس مسوك الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب؛ يقول الرب: فعلي يجترؤون وبي يغترون، أحلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران؛
قال القرظي: تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون، فوجدتها: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قبله وهو ألد الخصام} {ومن الناس من يعبد الله على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأن به}). [الجامع في علوم القرآن: 2/17-18] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف قال شك فإن أصابه خير يقول فإن كثر ماله وكثرت ماشيته أطمأن وقال لم يصبني في ديني هذا منذ دخلته إلا خير وإن أصابته فتنة يقول إن ذهب ماله وذهبت ماشيته انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة). [تفسير عبد الرزاق: 2/33]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(باب {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} [الحج: 11] : شكٍّ، {فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به، وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة} [الحج: 11] إلى قوله: {ذلك هو الضّلال البعيد} [الحج: 12] ، {أترفناهم} [المؤمنون: 33] : «وسّعناهم»
- حدّثني إبراهيم بن الحارث، حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، حدّثنا إسرائيل، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} [الحج: 11] قال: " كان الرّجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلامًا، ونتجت خيله، قال: هذا دينٌ صالحٌ، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله، قال: هذا دين سوءٍ "). [صحيح البخاري: 6/98]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ شكٍّ سقط لفظ شكٍّ لغير أبي ذرٍّ وأراد بذلك تفسير قوله حرفٌ وهو تفسير مجاهد أخرجه بن أبي حاتمٍ من طريقه وقال أبو عبيدة كلّ شاكٍّ في شيءٍ فهو على حرفٍ لا يثبت ولا يدوم وزاد غير أبي ذرٍّ بعد حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة إلى قوله ذلك هو الضلال البعيد
.....
- قوله يحيى بن أبي بكيرٍ هو الكرمانيّ وهو غير يحيى بن بكيرٍ المصريّ يلتبسان لكنّهما يفترقان من أربعة أوجهٍ أحدها النّسبة الثّاني أبو هذا فيه أداة الكنية بخلاف المصريّ الثّالث ولا يظهر غالبًا أنّ بكيرًا جدّ المصريّ وأبا بكيرٍ والد الكرمانيّ الرّابع المصريّ شيخ المصنّف والكرمانيّ شيخ شيخه قوله حدّثنا إسرائيل كذا رواه يحيى عنه بهذا الإسناد موصولًا ورواه أبو أحمد الزّبيريّ عن إسرائيل بهذا الإسناد فلم يجاوز سعيد بن جبير أخرجه بن أبي شيبة عنه وقد أخرجه الإسماعيليّ من طريق محمّد بن إسماعيل بن سالم الصّائغ عن يحيى بن أبي بكيرٍ كما أخرجه البخاريّ وقال في آخره قال محمّد بن إسماعيل بن سالمٍ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وقد أخرجه بن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبيرٍ فذكر فيه بن عبّاسٍ قوله كان الرّجل يقدم المدينة فيسلم في رواية جعفرٍ كان ناسٌ من الأعراب يأتون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيسلمون قوله فإن ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله هو بضمّ نونٍ نتجت فهي منتوجةٌ مثل نفست فهي منفوسة زاد العوفيّ عن بن عبّاس وصحّ جسمه أخرجه بن أبي حاتمٍ ولابن المنذر من طريق الحسن البصريّ كان الرّجل يقدم المدينة مهاجرًا فإن صحّ جسمه الحديث وفي رواية جعفرٍ فإن وجدوا عام خصبٍ وغيثٍ وولادٍ وقوله قال هذا دينٌ صالحٌ في رواية العوفيّ رضي واطمأنّ وقال ما أصبت في ديني إلّا خيرًا وفي رواية الحسن قال لنعم الدّين هذا وفي رواية جعفرٍ قالوا إنّ ديننا هذا لصالحٌ فتمسّكوا به قوله وإن لم تلد إلخ في رواية جعفرٍ وإن وجدوا عام جدبٍ وقحطٍ وولاد سوءٍ قالوا ما في ديننا هذا خيرٌ وفي رواية العوفيّ وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جاريةً وتأخّرت عنه الصّدقة أتاه الشّيطان فقال واللّه ما أصبت على دينك هذا إلّا شرًّا وذلك الفتنة وفي رواية الحسن فإن سقم جسمه وحبست عنه الصّدقة وأصابته الحاجة قال واللّه ليس الدّين هذا ما زلت أتعرّف النّقصان في جسمي وحالي وذكر الفرّاء أنّها نزلت في أعاريب من بني أسدٍ انتقلوا إلى المدينة بذراريّهم وامتنّوا بذلك على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ ذكر نحوما تقدم وروى بن مردويه من حديث أبي سعيدٍ بإسنادٍ ضعيفٍ أنّها نزلت في رجلٍ من اليهود أسلم فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام فقال لم أصب في ديني خيرا). [فتح الباري: 8/442-443]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ومن النّاس من يعبد الله على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة} إلى قوله: {ذالك هو الضّلال البعيد} (الحج: 11 12).
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: {ومن النّاس} ... الآية. قال الواحدي: روى عطيّة عن أبي سعيد قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله فتشاءم بالإسلام، فأتى النّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أقلني. قال: إن الإسلام لا يقال والإسلام يسكب الرّجال كما تسكب النّار خبث الحديد، فنزلت هذه الآية. وسيأتي عن ابن عبّاس وجه آخر.
قوله: (على حرف) ، أي: طرف واحد وجانب في الدّين لا يدخل فيه على الثّبات والتمكين، والحرف منتهى الجسم، وعن مجاهد: على شكّ، وعن الحسن: هو المنافق يعبد بلسانه دون قلبه. قوله: (خيرا) ، أي: صحة في جسمه وسعة في معيشته. قوله: (اطمأن به) ، أي: أي: رضي به وأقام عليه. قوله: (فتنة) ، أي: بلاء في جسمه وضيقاً في معيشته. قوله: (انقلب على وجهه) ارتدّ فرجع إلى وجهه الّذي كان عليه من الكفر. قوله: (الخسران المبين) ، أي: الضلال الظّاهر. قوله: (الضلال البعيد) ، أي: ذهب عن الحق ذهابًا بعيدا.
شكّ أترافناهم وسّعناهم
قوله: (شكّ) تفسير قوله: حرف، ولم يوجد ذلك إلاّ في رواية أبي ذر). [عمدة القاري: 19/68-69]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثني إبراهيم بن الحارث حدثنا يحيى بن أبي بكيرٍ حدثنا إسرائيل عن أبي حصينٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال ومن الناس من يعبد الله على حرفٍ قال كان الرّجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال هذا دينٌ صالحٌ وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هاذا دين سوءٍ.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وإبراهيم بن الحارث الكرماني سكن بغداد روى عنه البخاريّ حديثين أحدهما هنا والآخر في الوصايا، ويحيى بن أبي بكير، واسم أبي بكير قيس الكوفي قاضي كرمان، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وأبو حصين، بفتح الحاء وكسر الصّاد المهملتين: واسمه عثمان بن عاصم الأسدي. والحديث من أفراده.
قوله: (كان الرجل يقدم المدينة) ، وفي رواية لابن مردويه: كان أحدهم إذا قدم المدينة، وفي رواية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير: كان ناس من الأعراب يأتون النّبي صلى الله عليه وسلم، يسلمون. قوله: (ونتجت خيلة) ، بضم النّون على صيغة المجهول، يقال: نتجت النّاقة فهي منتوجة مثل نفست المرأة فهي منفوسة، فإذا أردت أنّها حاضت قلت: نفست، بفتح النّون، ونتجها أهلها، ومنهم من حكى الضّم في نفست في الثّاني والفتح في الأول، وزاد العوفيّ عن ابن عبّاس: وصحّ جسمه. أخرجه ابن أبي حاتم. قوله: (قال هذا دين صالح) وفي رواية الحسن. قال: لنعم الدّين هذا، وفي رواية جعفر، قالوا: إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به. قوله: (قال هذا دين سوء) يجوز بالصّفة وبالإضافة وفي رواية جعفر: وإن وجدوا عام جدب وقحط وولاد سوء قالوا ما في ديننا هذا خير، وفي رواية العوفيّ: وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصّدقة أتاه الشّيطان فقال: والله ما أصبت على دينك هذا إلّا شرا، وفي رواية الحسن: فإن سقم جسمه وحبست عنه الصّدقة وأصابته الحاجة قال: والله ليس الدّين هذا، ما زلت أتعرف النّقصان في جسمي ومالي، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/69]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} شكٍّ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة} -إلى قوله- {ذلك هو الضّلال البعيد} [الحج: 11، 12] {أترفناهم}: وسّعناهم
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ومن الناس من يعبد الله على حرف}) أي (شك) قاله مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم وهو قول أكثر المفسرين وأصله من حرف الشيء وهو طرفه وقيل على انحراف أو على طرف الدين لا في وسطه كالذي يكون في طرف الجيش فإن أحس بظفر قرّ وإلاّ فر وهو المراد بقوله: ({فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه}) أي ارتدّ فرجع إلى وجهه الذي كان عليه من الكفر حال كونه ({خسر الدنيا والآخرة}) بذهاب عصمته وحبوط عمله بالارتداد (إلى قوله: {ذلك هو الضلال البعيد}) [الحج: 11، 12] عن الحق والرشد وسقط لغير أبي ذر قوله شك وسقط لأبي ذر قوله فإن أصابه الخ.
(أترفناهم) في قوله في سورة المؤمنين {وأترفناهم في الحياة الدنيا} [المؤمنون: 33] أي (وسعناهم) قاله أبو عبيدة ولفظه في مجازه وسعنا عليهم.
- حدّثني إبراهيم بن الحارث، حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، حدّثنا إسرائيل عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} قال: كان الرّجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله قال: هذا دينٌ صالحٌ وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوءٍ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدثنا (إبراهيم بن المنذر) الكرماني قال: (حدّثنا
يحيى بن أبي بكير) قيس الكوفي قاضي كرمان قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال) في قوله تعالى: ({ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: كان الرجل يقدم المدينة) يثرب (فإن ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله) بضم النون. قال الجوهري على ما لم يسم فاعله تنتج نتاجًا وقد نتجها أهلها نتجًا وأنتجت الفرس إذا حان نتاجها، وقال في الأساس: نتجت الناقة فهي منتوجة وأنتجت فهي منتجة إذا وضعت وقد نتجت إذا حملت. اهـ.
وهي مثل نفست المرأة فهي منفوسة إذا ولدت وزاد العوفي عن ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم وصح جسمه.
(قال: هذا دين صالح) وفي رواية الحسن البصري فيما أخرجه ابن المنذر قال: لنعم الدين هذا وفي رواية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم قالوا إن ديننا هذا صالح فتمسكوا به (وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله) بضم التاء الأولى وفتح الثانية بينهما نون ساكنة مبنيًّا لما لم يسم فاعله (قال: هذا دين سوء) بفتح السين المهملة والجر على الإضافة. وفي رواية العوفي وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال له: والله ما أصبت على دينك هذا إلا شرًّا وذلك الفتنة. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة وإن فسدت عليه دنياه انقلب فلا يقيم على العبادة.
واستشكل على هذا قوله: انقلب لأن المنافق في الحقيقة لم يسلم حتى ينقلب، وأجيب: بأنه أظهر بلسانه خلاف ما كان أظهره فصار يذم الدين عند الشدّة وكان من قبل يمدحه وذلك انقلاب على الحقيقة.
وهذا الحديث من أفراده). [إرشاد الساري: 7/246]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {يعبد اللّه على حرفٍ} قال: يعبد اللّه على وجلٍ وشكٍّ). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}.
يعني جلّ ذكره بقوله: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} أعرابًا كانوا يقدمون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، مهاجرين من باديتهم، فإن نالوا رخاءً من عيشٍ بعد الهجرة، والدّخول في الإسلام أقاموا على الإسلام، وإلاّ ارتدّوا على أعقابهم، فقال اللّه: {ومن النّاس من يعبد اللّه} على شكٍّ، {فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به} وهو السّعة من العيش وما يشبهه من أسباب الدّنيا {اطمأنّ به} يقول: استقرّ بالإسلام، وثبت عليه. {وإن أصابته فتنةٌ} وهو الضّيق بالعيش وما يشبهه من أسباب الدّنيا {انقلب على وجهه} يقول: ارتدّ فانقلب على وجهه الّذي كان عليه من الكفر باللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} إلى قوله: {انقلب على وجهه} قال: " الفتنة: البلاء، كان أحدهم إذا قدم المدينة وهي أرضٌ وبيئةٌ، فإن صحّ بها جسمه، ونتجت فرسه مهرًا حسنًا، وولدت امرأته غلامًا رضي به، واطمأنّ إليه وقال: ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلاّ خيرًا، وإن أصابه وجع المدينة، وولدت امرأته جاريةً، وتأخّرت عنه الصّدقة، أتاه الشّيطان فقال: واللّه ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلاّ شرًّا وذلك الفتنة ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، قال: حدّثنا عنبسة أبو بكرٍ، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} قال: " على شكٍّ ".
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {على حرفٍ} قال: " على شكٍّ. {فإن أصابه خيرٌ} رخاءٌ وعافيةٌ {اطمأنّ به} استقرّ. {وإن أصابته فتنةٌ} عذابٌ ومصيبةٌ {انقلب} ارتدّ {على وجهه} كافرًا ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
قال ابن جريجٍ: كان ناسٌ من قبائل العرب وممّن حولهم من أهل القرى يقولون: نأتي محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فإن صادفنا خيرًا من معيشة الرّزق، ثبتنا معه، وإلاّ لحقنا بأهلنا.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {من يعبد اللّه على حرفٍ} قال: " شكٍّ. {فإن أصابه خيرٌ} يقول: أكثر ماله، وكثرت ماشيته اطمأنّ وقال: لم يصبني في ديني هذا منذ دخلته إلاّ خيرٌ {وإن أصابته فتنةٌ} يقول: وإن ذهب ماله، وذهبت ماشيته {انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة} ".
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، نحوه.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} الآية، " كان ناسٌ من قبائل العرب وممّن حول المدينة من القرى، كانوا يقولون: نأتي محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فننظر في شأنه، فإن صادفنا خيرًا ثبتنا معه، وإلاّ لحقنا بمنازلنا وأهلينا. وكانوا يأتونه فيقولون: نحن على دينك فإن أصابوا معيشةً، ونتجوا خيلهم، وولدت نساؤهم الغلمان، اطمأنّوا وقالوا: هذا دين صدقٍ وإن تأخّر عنهم الرّزق وأزلقت خيولهم، وولدت نساؤهم البنات، قالوا: هذا دين سوءٍ فانقلبوا على وجوههم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإنّ أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة} قال: " هذا المنافق، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه وتغيّرت انقلب، ولا يقيم على العبادة إلاّ لما صلح من دنياه. وإذا أصابته شدّةٌ أو فتنةٌ أو اختبارٌ، أو ضيقٌ، ترك دينه، ورجع إلى الكفر.
وقوله: {خسر الدّنيا والآخرة} يقول: غبن هذا الّذي وصف جلّ ثناؤه صفته دنياه، لأنّه لم يظفر بحاجته منها بما كان من عبادته اللّه على الشّكّ، ووضع في تجارته فلم يربح {والآخرة} يقول: وخسر الآخرة، لأنّه معذّبٌ فيها بنار اللّه الموقدة.
وقوله {ذلك هو الخسران المبين} يقول: وخسارته الدّنيا والآخرة هي الخسران يعني الهلاك {المبين} يقول: يبيّن لمن فكّر فيه وتدبّره أنّه قد خسر الدّنيا والآخرة.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء الأمصار جميعًا غير حميدٍ الأعرج: {خسر الدّنيا والآخرة} على وجه المضيّ. وقرأه حميدٌ الأعرج: " خاسر " نصبًا على الحال على مثال فاعلٍ). [جامع البيان: 16/472-475]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يعبد الله على حرف يعني على شك). [تفسير مجاهد: 419-420]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل فإن أصابه خير يعني رخاء اطمأن به يعني استقر وإن أصابته فتنة يعني عذابا ومصيبة لا انقلب على وجهه يقول ارتد على وجهه كافرا). [تفسير مجاهد: 420]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} [الحج: 11] كان الرّجل يقدم المدينة [فيسلم]، فإن ولدت امرأته غلاماً، ونتجت خيله. قال: هذا دينٌ صالحٌ، وإن لم تلد امرأته، ولم تنتج خيله، قال: هذا دين سوءٍ. أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(على حرف) حرف كل شيء: جانبه). [جامع الأصول: 2/241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين * يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد * يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير * إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد.
أخرج البخاري، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال: هذا دين صالح وان لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء). [الدر المنثور: 10/412-413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان ناس من الأعراب يأتون النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيسلمون فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا: إن ديننا هذا صالح فتمسكوا به وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا: ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله {ومن الناس من يعبد الله على حرف} ). [الدر المنثور: 10/413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: كان أحدهم إذا قدم المدينة - وهي أرض وبيئة - فإن صح بها جسمه ونتجبت فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته غلاما رضي به واطمأن إليه وقال: ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيرا وإن رجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرا، وذلك الفتنة). [الدر المنثور: 10/413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: إن الإسلام لا يقال، فقال: لم أصب في ديني هذا خيرا.
ذهب بصري ومالي ومات ولدي، فقال: يا يهودي الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة، ونزلت: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} ). [الدر المنثور: 10/413-414]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: على شك، وفي قوله {فإن أصابه خير} قال: رخاء وعافية {اطمأن به} قال: استقر {وإن أصابته فتنة} قال: عذاب ومصيبة {انقلب على وجهه} قال: ارتد على وجهه كافرا). [الدر المنثور: 10/414]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في قوله {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: كان الرجل يأتي المدينة مهاجرا فإن صح جسمه وتتابعت عليه الصدقة وولدت امرأته غلاما وأنتجت فرسه مهرا قال: والله لنعم الدين وجدت دين محمد صلى الله عليه وسلم هذا ما زلت أعرف الزيادة في جسدي وولدي وإن سقم بها جسمه واحتبست عليه الصدقة وأزلقت فرسه وأصابته الحاجة وولدت امرأته الجارية قال: والله لبئس الدين دين محمد هذا والله ما زلت أعرف النقصان في جسدي وأهلي وولدي ومالي). [الدر المنثور: 10/414]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: على شك {فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه} يقول: إن أصاب خصبا وسلوة من عيش وما يشتهي اطمأن إليه وقال: أنا على حق وأنا أعرف الذي أنا عليه {وإن أصابته فتنة} أي بلاء {انقلب على وجهه} يقول: ترك ما كان عليه من الحق فأنكر معرفته خسر الدنيا والآخرة، يقول: خسر دنياه التي كان لها يحزن وبها يفرح ولها يسخط ولها يرضى وهي همه وسدمه وطلبته ونيته ثم أفضى إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها خيرا {ذلك هو الخسران المبين} ). [الدر المنثور: 10/414-415]
تفسير قوله تعالى: (يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يدعو من دون اللّه ما لا يضرّه وما لا ينفعه ذلك هو الضّلال البعيد}.
يقول تعالى ذكره: وإن أصابت هذا الّذي يعبد اللّه على حرفٍ فتنةٌ، ارتدّ عن دين اللّه، يدعو من دون اللّه آلهةً لا تضرّه إن لم يعبدها في الدّنيا، ولا تنفعه في الآخرة، إن عبدها {ذلك هو الضلال البعيد} يقول: ارتداده ذلك داعيًا من دون اللّه هذه الآلهة هو الأخذ على غير استقامةٍ، والذّهاب عن دين اللّه ذهابًا بعيدًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يدعو من دون اللّه ما لا يضرّه وما لا ينفعه "} يكفر بعد إيمانه {ذلك هو الضلال البعيد} "). [جامع البيان: 16/475-476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {يدعو من دون الله ما لا يضره} إن عصاه في الدنيا {وما لا ينفعه} إن أطاعه وهو الصنم {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} يقول: ضره في الآخرة من أجل عبادته إياه في الدنيا {لبئس المولى} يقول: الصنم). [الدر المنثور: 10/415]
تفسير قوله تعالى: (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير}.
يقول تعالى ذكره: يدعو هذا المنقلب على وجهه من أن أصابته فتنةٌ آلهةً لضرّها في الآخرة له، أقرب وأسرع إليه من نفعها.
وذكر أنّ ابن مسعودٍ كان يقرؤه: " يدعو من ضرّه أقرب من نفعه ".
واختلف أهل العربيّة في موضع {من}، فكان بعض نحويّي البصرة يقول: موضعه نصبٌ بـ {يدعو}، ويقول: معناه: يدعو لآلهةٌ ضرّها أقرب من نفعها، ويقول: هو شاذّ لأنّه لم يوجد في الكلام: يدعو لزيدًا.
وكان بعض نحويّي الكوفة يقول: اللاّم من صلة ما بعد {من}، كأنّ معنى الكلام عنده: يدعو من لضرّه أقرب من نفعه. وحكي عن العرب سماعًا منها: عندي لما غيره خيرٌ منه، بمعنى: عندي ما لغيره خيرٌ منه، وأعطيتك لما غيره خيرٌ منه، بمعنى: ما لغيره خيرٌ منه. وقال: جائزٌ في كلّ ما لم يتبيّن فيه الإعراب الاعتراض باللاّم دون الاسم.
وقال آخرون منهم: جائزٌ أن يكون معنى ذلك: ذلك هو الضّلاّل البعيد يدعو، فيكون {يدعو} صلة {الضّلاّل البعيد}، وتضمر في {يدعو} الهاء، ثمّ تستأنف الكلام باللاّم، فتقول: لمن ضرّه أقرب من نفعه: لبئس المولى، كقولك في الكلام في مذهب الجزاء: لما فعلت لهو خيرٌ لك.
فعلى هذا القول {من} في موضع رفعٍ بالهاء في قوله {ضرّه}، لأنّ {من} إذا كانت جزاءً، فإنّما يعربها ما بعدها، واللاّم الثّانية في {لبئس المولى} جواب اللاّم الأولى. وهذا القول الآخر على مذهب العربيّة أصحّ، والأوّل إلى مذهب أهل التّأويل أقرب.
وقوله: {لبئس المولى} يقول: لبئس ابن العمّ هذا الّذي يعبد اللّه على حرفٍ. {ولبئس العشير} يقول: ولبئس الخليط المعاشر، والصّاحب هو.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولبئس العشير} قال: " العشير: هو المعاشر الصّاحب ".
وقد قيل: عني بالمولى في هذا الموضع: الوليّ النّاصر.
وكان مجاهدٌ يقول: عني بقوله: {لبئس المولى ولبئس العشير} الوثن
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولبئس العشير} قال: " الوثن "). [جامع البيان: 16/476-477]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولبئس العشير يعني الوثن). [تفسير مجاهد: 420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {يدعو من دون الله ما لا يضره} إن عصاه في الدنيا {وما لا ينفعه} إن أطاعه وهو الصنم {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} يقول: ضره في الآخرة من أجل عبادته إياه في الدنيا {لبئس المولى} يقول: الصنم). [الدر المنثور: 10/415] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {لبئس المولى ولبئس العشير} قال: الصاحب). [الدر المنثور: 10/415]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار إنّ اللّه يفعل ما يريد}.
يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه يدخل الّذين صدقوا اللّه ورسوله، وعملوا بما أمرهم اللّه في الدّنيا، وانتهوا عمّا نهاهم عنه فيها {جنّاتٍ} يعني: بساتين، {تجري من تحتها الأنهار} يقول: تجري الأنهار من تحت أشجارها. فيعطي ما شاء من كرامته أهل طاعته، وما شاء من الهوان أهل معصيته). [جامع البيان: 16/478]