التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه عالم غيب السّموات والأرض} [فاطر: 38] غيب السّموات ما ينزل من المطر وما فيها، وغيب الأرض ما يخرج منها من نباتٍ وما فيها.
{إنّه عليمٌ بذات الصّدور} [فاطر: 38] كقوله: {أوليس اللّه بأعلم بما في صدور
[تفسير القرآن العظيم: 2/794]
العالمين} [العنكبوت: 10] كقوله: {ويعلم ما تسرّون وما تعلنون} [التغابن: 4] وأشباه ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/795]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: ({إنّ اللّه عالم غيب السّماوات والأرض إنّه عليم بذات الصّدور (38)}
القراءة الكثيرة بالخفض , ويجوز عالم غيب السّماوات على معنى : يعلم، وعالم غيب على معنى قد علم ذلك.). [معاني القرآن: 4/272]
تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {هو الّذي جعلكم خلائف في الأرض} [فاطر: 39] خلفًا بعد خلفٍ.
{فمن كفر فعليه كفره} [فاطر: 39] يثاب عليه النّار.
{ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربّهم إلا مقتًا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارًا} [فاطر: 39] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/795]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: ( {هو الّذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربّهم إلّا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلّا خسارا (39)}
" خلائف " : جمع خليفة، المعنى : جعلكم أمّة خلفت من قبلها, و ورأت وشاهدت فيمن سلف ما ينبغي أن يعتبر به.
{فمن كفر فعليه كفره}:المعنى : فعليه جزاء كفره.
{ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربّهم إلّا مقتاً}:المقت: أشدّ الإبغاض.). [معاني القرآن: 4/272]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض}
أي : تخلفون من كان قبلكم , وتعتبرون بما نزل بهم .
ثم قال جل وعز: {فمن كفر فعليه كفره}: أي : جزاء كفره .
{ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا}:المقت أسد الإبغاض.). [معاني القرآن: 5/462]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل أرأيتم شركاءكم الّذين تدعون من دون اللّه أروني ماذا خلقوا من الأرض} [فاطر: 40]، يعني: في الأرض وهو تفسير السّدّيّ.
{أم لهم شركٌ في السّموات} [فاطر: 40] في خلق السّموات، على الاستفهام، أي: لم يخلقوا فيها مع اللّه شيئًا.
{أم آتيناهم كتابًا} [فاطر: 40] في ما هم عليه من الشّرك.
{فهم على بيّنةٍ منه} [فاطر: 40]، أي: لم يفعل كقوله: {أم آتيناهم كتابًا من قبله} [الزخرف: 21] بما هم عليه من الشّرك {فهم به مستمسكون} [الزخرف: 21].
قال: {بل إن يعد الظّالمون} [فاطر: 40] المشركون.
{بعضهم بعضًا إلا غرورًا} [فاطر: 40]، يعني: الشّياطين الّتي دعتهم إلى عبادة الأوثان والمشركين الّذين دعا بعضهم بعضًا إلى ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/795]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {أروني ماذا خلقوا من الأرض...}
أي: إنهم لم يخلقوا في الأرض شيئاً.
ثم قال: {أم لهم شركٌ في السّماوات} : أي في خلقها، أي : أعانوه على خلقها.). [معاني القرآن: 2/370]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («من» مكان «في»
قال الله تعالى: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}، أي في الأرض). [تأويل مشكل القرآن: 577]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل أرأيتم شركاءكم الّذين تدعون من دون اللّه أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السّماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بيّنت منه بل إن يعد الظّالمون بعضهم بعضا إلّا غرورا (40)}
{قل أرأيتم شركاءكم الّذين تدعون}: معناه : قل أخبروني عن شركائكم.
{ماذا خلقوا من الأرض}:المعنى : بأي شيء أوجبتم لهم شركة اللّه، أبخلق خلقوه من الأرض : {أم لهم شرك في السّماوات أم آتيناهم كتابا}. أي: أم أعطيناهم كتابا بما يدعونه من الشركة.
{فهم على بيّنت منه}: ويقرأ : {بيّنات}.
{بل إن يعد الظّالمون بعضهم بعضا إلّا غروراً}:والغرور : الأباطيل التي تغرّ.
ومعنى إن يعد: ما يعد، و (بعضهم) : بدل من الظالمين.). [معاني القرآن: 4/272-273]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله}
المعنى عند سيبويه : أخبروني عن الذين تدعون من دون الله على التوقيف.
ثم قال جل وعز: {أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات}
أي : أعبدتموهم لأنهم خلقوا من الأرض شيئا ً, أم لهم شركة في خلق السموات , أم آتيناهم كتابا بالشركة , فهم على بينة منه, أي: على بينات منه .
وقوله جل وعز: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا}
المعنى: عند البصريين كراهة أن تزولا كما قال سبحانه: {واسأل القرية} ). [معاني القرآن: 5/464]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه يمسك السّموات والأرض أن تزولا} [فاطر: 41]، يعني:
[تفسير القرآن العظيم: 2/795]
لئلا تزولا، وهو تفسير السّدّيّ.
{ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده} [فاطر: 41] وهذه صفةٌ.
يقول: إن زالتا ولن تزولا.
قال يحيى: أخبرني صاحبٌ لي، عن الأعمش، عمّن حدّثه، عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّ رجلا جاء إليه فرأى عبد اللّه بن مسعودٍ عليه أثر السّفر فقال: من أين قدمت؟ قال: من الشّام، قال: فمن لقيت؟ قال: لقيت فلانًا وفلانًا، قال: ولقيت كعب الأحبار، قال: فما حدّثك؟ قال: حدّثني أنّ السّموات تدور على منكبي ملكٍ، قال: ليتك افتديت من لقيك إيّاه براحلتك ورحلك، كذب كعبٌ، إنّ اللّه
يقول: {إنّ اللّه يمسك السّموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده إنّه كان حليمًا غفورًا} [فاطر: 41] وقوله: {غفورًا} لمن آمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/796]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولئن زالتا...} بمنزلة قوله: ولو زالتا :{إن أمسكهما} , (إن) بمعنى (ما) وهو بمنزلة قوله: {ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفرّاً لظلّوا من بعده}.
وقوله: {ولئن أتيت الّّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك} , المعنى : معنى (لو) , وهما متآخيتان يجابان بجواب واحدٍ.). [معاني القرآن: 2/370]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّ اللّه يمسك السّموات والأرض أن تزولا }, مجازه مجاز قوله :{ إنّ السّموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما }, ثم جاء :{ ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ منبعده } , مجازه: لا يمسكهما أحد , و " إن " في موضع آخر معناه معنى " ما " ,.
{وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} معناه:{ما كان مكرهم لتزول منه الجبال}.). [مجاز القرآن: 2/156]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ اللّه يمسك السّماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ مّن بعده إنّه كان حليماً غفوراً}
وقال: {إنّ اللّه يمسك السّماوات والأرض أن تزولا ولئن تزولا إن أمسكهما} , فثنى , وقد قال: {السّماوات والأرض} : فهذه جماعة , وأرى - والله أعلم - أنه جعل السماوات صنفا كالواحد). [معاني القرآن: 3/37]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه: أن تحذف (لا) من الكلام والمعنى إثباتها ...
ومنه قوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}، أي: لئلا تضلوا. و{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا}، أي: لئلا تزولا). [تأويل مشكل القرآن: 225] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {إنّ اللّه يمسك السّماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنّه كان حليما غفورا (41)}
معنى : يمسك : يمنع السماوات والأرض من أن تزولا.
ولما قالت النصارى المسيح ابن اللّه , وقالت اليهود عزير ابن اللّه؟, كادت السّماوات يتفطرن منه، وكادت الجبال تزول، وكادت الأرض تنشق، قال اللّه: {وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدا (88) لقد جئتم شيئا إدّا (89)}., الثلاث الآيات : فأمسكها اللّه. وقال السماوات والأرض؛ لأن الأرض تدل على الأرضين: {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}
يحتمل هذا - والله أعلم - وجهين من الجواب:
أحدهما : زوالهما في القيامة , قال اللّه: {وإذا السّماء كشطت}, ويحتمل أن يقال: إن زالتا , وهما لا يزولان.
وقوله في هذا الموضع:{إنّه كان حليما غفورا}
فإن قوما سألوا , فقالوا: لم كان في هذا الموضع ذكر الحلم , والمغفرة , وهذا موضع يدل على القدرة؟.
فالجواب في هذا : أنه لما أمسك السّماوات , والأرض عند قولهم: {اتخذ الرحمن ولدا} , حلم , فلم يعجل لهم بالعقوبة , وأمسك السماوات والأرض أن تزولا من عظم فريتهم.). [معاني القرآن: 4/273-274]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}
يجوز أن يكون المعنى : لزوالهما يوم القيامة .
ويجوز أن يقال هذا , وإن لم تزولا , وإن بمعنى ما , وهو يشبه قوله تعالى: {ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا}
قال أبو جعفر : وفي الآية سؤال , يقال : هذا موضع قدرة , فكيف : قال: {إنه كان حليما غفورا}.؟.
فالجواب: أنهم لما قالوا اتخذ الرحمن ولدا , كادت الجبال تزول, وكادت السموات ينفطرن , وكادت الأرض تخر لعظم ما قالوا , فأسكنها الله جل وعز وأخر عقابهم , وحلم عنهم , فذلك قوله سبحانه: {إنه كان حليما غفورا} . ). [معاني القرآن: 5/464-465]