سورة فاطر
[ من الآية (1) إلى الآية (4) ]
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)}
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرا الضحاك: [الْحَمْدُ لِلَّهِ فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ].
قال أبو الفتح: هذا على الثناء على الله سبحانه، وذكر النعمة التي استحق بها الحمد. وأفرد ذلك في الجملة التي هي "جعل" بما فيها من الضمير، فكان أذهب في معنى الثناء؛ لأنه جملة بعد جملة. وكلما زاد الإسهاب في الثناء أو الذم كان أبلغ فيهما ألا ترى إلى قول خِرنِق:
لا يَبعَدًا قومِي الذين هُمُ ... سمُّ العُدَاة وَآفَةُ الجُزْرِ
النازِلِينَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ ... والطَّيِّبِينَ مَعَاقِدَ الأُزْرِ
ويروى: النازلون والطيبون، والنازلين والطيبون، والطيبين والنازلون. والرفع على هُمُ، والنصب على أعني. فكلما اختلفتِ الجملُ كان الكلام أفانينَ وضروبا، فكان أبلغ منه إذا أُلْزِم شرحًا واحدًا. فقولك: أُثْنِي على الله، أعطانا فأغنى، أبلغ من قولك: أُثْنِي على الله، المعطينا والمغنينا؛ لأن معك هنا جملة واحدة، وهناك ثلاث جمل.
ويدلك على صحة هذا المعنى قراءة الحسن: [جَاعِلُ الْمَلائِكَةِ]، بالرفع؛ فهذا على قولك: هو جاعل الملائكة، ويشهد به أيضا قراءة خليد بن نشيط: [جَعَلَ الْمَلائِكَةَ].
قال أبو عبيدة: إذا طال الكلام خرجوا من الرفع إلى النصب، ومن النصب إلى الرفع. يريد ما نحن عليه؛ لتختلف ضروبه، وتتباين تراكيبه). [المحتسب: 2/198]
قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {هل من خالق غير الله} [3].
قرأ حمزة والكسائي {غير} بالخفض على النعت.
وقرأ الباقون بالرفع، ولهم حجتان:
إحدهما: إن يرد «غير» على موضع «من» إذا كانت زائدة لتأكيد الجحد والتقدير: هل خالق غير الله، فيكون نعتًا له قبل دخول «من».
والجواب الثاني: أن «غير» على موضع «من» إذا كانت زائدة لتأكيد الجحد والتقدير: هل خالق غير الله، فيكون نعتًا له قبل دخول «من».
والجواب الثاني: أن «غير» هاهنا بمعنى «إلا» فجعلت إعراب الاسم بإعراب «غير» كقولك: هل م رجل إلا ظريف وهل من رجل غير ظريف. و{ولو كان فيهما ءالهة إلا الله} وهل هاهنا بمعنى «ما» الجحد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/224]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ حمزة والكسائي: هل من خالق غير الله خفضا [3].
وقرأ الباقون: هل من خالق غير الله رفعا.
[قال أبو علي]: من قال غير* جعله صفة على اللّفظ، وذلك حسن لاتباعه الجرّ الجرّ، فأمّا الخبر على قولهما فيجوز أن يكون: يرزقكم من السماء والأرض [فاطر/ 3] ويرزقكم في موضع رفع على أنّه الخبر.
ومن قال: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] احتمل الرفع غير وجه، يجوز أن يكون خبر المبتدأ، وارتفاع غير بأنه خبر المبتدأ،
[الحجة للقراء السبعة: 6/26]
ويجوز أن يكون صفة على الموضع، والخبر مضمر تقديره: هل من خالق غير الله في الوجود أو العالم؟ ويجوز أن يكون غير استثناء، والخبر مضمر كأنّه: هل من خالق إلّا الله. والخبر مضمر قبل، كقولك: ما خالق إلّا الله، وموضع الجارّ والمجرور رفع بالابتداء، وزيادة هذا الحرف في غير الإيجاب كثير نحو: هل من رجل؟ وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62] فقوله: وما من إله إلا الله يدلّ على جواز الاستثناء في «غير» من قوله: سبحانه: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] والخبر مضمر كما كان مضمرا في قوله: وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/27]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هل من خالق غير الله يرزقكم} 3
قرأ حمزة والكسائيّ {هل من خالق غير الله} خفضا جعلاه صفة للفظ وذلك حسن لإتباعه الجرّ الحر
وقرأ الباقون {غير الله} بالرّفع جعلوه صفة للموضع المعنى هل خالق غير الله لأن {من} مؤكدة). [حجة القراءات: 592]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {غيرُ الله} قرأ حمزة والكسائي بخفض «غير» جعلاه نعتًا لـ {خالق} على اللفظ، و{يرزقكم} خبر الابتداء، وهو {خالق}؛ لأن {من} زادة، دخلت على الابتداء للتأكيد والعموم، ويجوز أن يكون الخبر محذوفًا، أي: هل خالق رازق غير الله موجود، وقرأ الباقون برفع {غير} جعلوه نعتًا لـ {خالق} على الموضع؛ لأن {من} زائدة، والتقدير: هل خالق غير الله، ويكون الخبر {يرزقكم} أو يكون محذوفًا، أي: هل خالق غير الله موجود، ويجوز أن ترفع {غير} على أنه خبر الخالق؛ لأن «خالقا» مبتدأ والقراءتان بمعنى واحد، وقد تقدم ذكر «الريح، وميت، ولؤلؤ» فأغنى ذلك عن إعادته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/210]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرِ الله} [آية/ 3] بالجر:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن {غَيْرِ} على هذا صفة لخالق على اللفظ، كأنه قال: هل من خالقٍ مغايرٍ لله، وخبر المبتدأ قوله {يَرْزُقُكُمْ}.
وقرأ الباقون {غَيْرُ الله} بالرفع.
والوجه أنه يجوز أن يكون صفةً لخالقٍ أيضًا، إلا أنها على الموضع؛ لأن موضع {هَلْ مِنْ خَالِقٍ} رفع بالابتداء، و{مِنْ} زائدةٌ، كأنه قال: هل خالقٌ غير الله.
ويجوز أن يكون {غَيْرُ} استثناءً بمنزلة إلا، فيكون بدلًا على الموضع أيضًا، كأنه قال: هل خالقٌ إلا الله، والخبر على هذا محذوف، والتقدير: هل خالقٌ في الوجود أو موجودٌ.
[الموضح: 1061]
ويجوز أن يكون {غَيْرُ} خبر لمبتدأ محذوفٍ، كأنه قال: هل مِنْ خالق هو غير الله، فتكون الجملة صفةً لخالقٍ. وخبر هل من خالقٍ على هذا يجوز أن يكون مضمرًا، والتقدير: هل مِنْ خالقٍ في الوجود، ويجوز أن يكون الخبر قوله {يَرْزُقُكُمْ} على ما سبق). [الموضح: 1062]
قوله تعالى: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)}