التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر...}, يقول: وجد عيسى.
والإحساس: الوجود، تقول في الكلام: هل أحسست أحداً, وكذلك قوله: {هل تحسّ منهم من أحدٍ}, فإذا قلت: حسست، بغير ألف, فهي في معنى الإفناء والقتل, من ذلك قول الله عز وجل: {إذ تحسّونهم بإذنه}, والحسّ أيضاً: العطف والرقّة؛ كقول الكميت:
هل من بكى الدار راجٍ أن تحسّ له = أو يبكي الدار ماء العبرة الخضل
وسمعت بعض العرب يقول: ما رأيت عقيليّاً إلا حسست له، وحسست لغة, والعرب تقول: من أين حسيت هذا الخبر؟, يريدون: من أين تخبّرته؟, وربما قالوا حسيت بالخبر, وأحسيت به، يبدلون من السين ياء, كقول أبي زبيد.
= حسين به فهنّ إليه شوس =
وقد تقول العرب: ما أحست بهم أحداً, فيحذفون السين الأولى، وكذلك في وددت، ومسست وهممت، قال: أنشدني بعضهم:
هل ينفعنك اليوم إن همت بهمّ = كثرة ما تأتى وتعقاد الرتم
وقوله: {من أنصاري إلى اللّه}, المفسّرون يقولون: من أنصاري مع الله، وهو وجه حسن, وإنما يجوز أن تجعل (إلى) موضع (مع) إذا ضممت الشيء إلى الشيء مما لم يكن معه؛ كقول العرب: إن الذود إلى الذود إبل؛ أي: إذا ضممت الذود إلى الذود صارت إبلاً, فإذا كان الشيء مع الشيء لم تصلح مكان مع إلى، ألا ترى أنك تقول: قدم فلان, ومعه مال كثير، ولا تقول في هذا الموضع: قدم فلان, وإليه مال كثير, وكذلك تقول: قدم فلان إلى أهله، ولا تقول: مع أهله، ومنه قوله: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}, معناه: ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم.
والحواريّون كانوا خاصّة عيسى, وكذلك خاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع عليهم الحواريّون, وكان الزبير يقال له: حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, وربما جاء في الحديث لأبي بكر وعمر, وأشباههما حواريّ, وجاء في التفسير أنهم سمّوا حواريين: لبياض ثيابهم). [معاني القرآن: 1/217-218]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر}, أي: عرف منهم الكفر.
{قال من أنصاري إلى الله}, أي: من أعواني في ذات الله.
{قال الحواريّون}: صفوة الأنبياء الذين اصطفوهم، وقالوا: القصّارون؛ والحواريات: من النساء اللاتى لا ينزلن البادية، وينزلن القرى، قال الحادي:
لما تضمّنت الحواريّات= وقال أبو جلدة اليشكرىّ:
وقل للحواريات تبكين غيرنا= ولا تبكنا إلاّ الكلاب النوابح). [مجاز القرآن: 1/94-95]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون}
قال تعالى: {فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر}؛ لأنّ هذا من "أحسّ" , "يحسّ", "إحساساً", وليس من قوله: {تحسّونهم بإذنه} إذ ذلك من "حسّ" "يحسّ" "حسّاً", وهو في غير معناه؛ لأن معنى حسست: قتلت, وأحسست هو: ظننت). [معاني القرآن: 1/172]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): {الحواريون}: قال بعض المفسرين: هم صفوة الأنبياء.
ويقال في القصارين الحواريين لتبيض الثياب ومنه سمي الدقيق الحواري.
وقال أنه سموا لبياض ثيابهم الحواريين وكانوا صيادين، ويقال حرت الثوب، أي: غسلته وبيضته وأحورت القدر إذ ا أبيض لحمها قبل النضج والعين الحوراء النقية المحاجر، وقالوا شديدة بياض البياض وسواد السواد ويقال للنساء اللواتي ينزلن القرى ولا يكن بالبادية حواريات).[غريب القرآن وتفسيره:105-106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({قال من أنصاري إلى اللّه}, أي: من أعواني مع اللّه؟). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): («إلى» مكان «مع»
قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}، أي: مع أموالكم. ومثله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}، أي: مع الله.
والعرب تقول: الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إِبِلٌ، أي مع الذَّوْدِ.
قال ابن مفرِّغ:
شَدَخَتْ غُرَّةُ السَّوابِقَ فِيهِمْ = فِي وُجُوهٍ إِلَى اللِّمَام ِالجِعَادِ
أراد مع اللِّمَامِ الجِعَادِ). [تأويل مشكل القرآن: 571]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون}
معنى أحسّ في اللغة: علم ووجد، ويقال: هل أحست في معنى هل أحسست ؟, ويقال: حسيت بالشيء إذا علمته وعرفته , وأنشد الأصمعي:
سوى أنّ العتاق من المطايا= أحسن به فهنّ إليه شوس
ويقال: حسّم القائد، أي: قتلهم.
ومعنى {من أنصاري إلى اللّه}:
جاء في التفسير: من أنصاري مع اللّه، و (إلى) ههنا إنما قاربت (مع) معنى بأن صار اللفظ لو عبر عنه بـ " مع " أفاد مثل هذا المعنى، لا أن (إلى) في معنى " مع " , لو قلت ذهب زيد إلى عمرو, لم يجز ذهب زيد مع عمرو، لأن (إلى) غاية, و ( مع ) تضم الشيء إلى الشيء, فالمعنى: يضيف نصرته إياي إلى نصرة اللّه, وقولهم إنّ، (إلى) في معنى (مع) ليس بشيء. والحروف قد تقاربت في الفائدة, فيظن الضعيف العلم باللغة أن معناهما واحد.
من ذلك قوله جلّ وعزّ: {ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل}, ولو كانت (على) ههنا؛ لأدّت هذه الفائدة، لأنك لو قلت لأصلبنكم على جذوع النخل كان مستقيما.
وأصل (في) إنما هو للوعاء، وأصل " على " لما مع الشيء كقولك: التمر في الجراب, ولو قلت التمر على الجراب لم يصلح في هذا المعنى،
ولكن جاز {ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل} ؛ لأن الجذع يشتمل على المصلوب، لأنه قد أخذه من أقطاره, ولو قلت زيد على الجبل , وفي الجبل يصلح؛ لأن الجبل قد اشتمل على زيد، فعلى هذا مجاز هذه الحروف.
وقوله جلّ وعزّ: {قال الحواريّون نحن أنصار اللّه}, قال الحذاق باللغة: {الحواريون}: صفوة الأنبياء عليهم السلام الذين خلصوا, وأخلصوا في التصديق بهم, ونصرتهم, فسماهم الله جلّ وعزّ: {الحواريون}, وقد قيل: أنهم كانوا قصارين , فسموا الحواريين لتبييضهم الثياب، ثم صار هذا الاسم يستعمل فيمن أشبههم من المصدقين تشبيهاً بهم.
وقيل: إنهم كانوا ملوكاً, وقيل كانوا صيادين، والذي عليه أهل اللغة أنهم الصفوة كما أخبرتك, ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنّه قال: ((الزبير ابن عمتي, وحواريّي من أمتي)), ويقال: لنساء الأنصار حواريات، لأنهن تباعدن عن قشف الأعرابيات بنظافتهن.
وأنشد أبو عبيدة , وغيره لأبي جلدة اليشكري:
فقل للحواريات يبكين غيرنا= ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
وقال أهل اللغة في المحور: وهو العود الذي تدور عليه البكرة قولين:-
قال بعضهم: إنما قيل له محور للدوران؛ لأنه يرجع إلى المكان الذي زال منه.
وقيل: إنما قيل له محور؛ لأنه بدورانه ينصقل حتى يصير أبيض، ويقال : دقيق حوّاري من هذا, أي : قد أخذ لبابه, وكذلك عجين محوّر للذي يمسح وجهه بالماء حتى يصفو، ويقال عين حوراء إذا اشتد بياضها, وخلص, واشتد سوادها، ولا يقال امرأة حوراء إلا أن تكون مع حور عينها بيضاء، وما روي، في الحديث: (( نعوذ باللّه من الحور بعد الكور)).
معناه: نعوذ باللّه من الرجوع والخروج عن الجماعة بعد الكور, أي: بعد أن كنا في الكور، أي: في الجماعة, يقال: كار الرجل عمامة إذا لفّها على رأسه، وحار عمامته إذا نقضها، وقد قيل: " بعد الكون " , ومعناه: بعد أن كنا على استقامة، إلا أن مع الكون محذوفاً في الكلام دليلاً عليه). [معاني القرآن: 1/416-418]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر}, قال أبو عبيدة : أحس بمعنى: عرف, قال: من أنصاري إلى الله.
قال سفيان، أي: مع الله,
وقد قال هذا بعض أهل اللغة, وذهبوا إلى أن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض, واحتجوا بقوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل}, قالوا: معنى في معنى على, وهذا القول عند أهل النظر لا يصح ؛ لأن لكل حرف معناه , وإنما يتفق الحرفان ؛ لتقارب المعنى, فقوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} كان الجذع مشتملاً على من صلب, ولهذا دخلت في؛ لأنه قد صار بمنزلة الظرف .
ومعنى{ من أنصاري إلى الله}: من يضم نصرته إياي إلى نصرة الله عز وجل.
ثم قال تعالى: {قال الحواريون نحن أنصار الله}
روى سعيد بن جبير, عن ابن عباس أنه قال: إنما سموا حواريين لبياض ثيابهم, وكانوا صيادين.
وقال ابن أرطاة: إنما كانوا غسالين يحورون الثياب, أي: يغسلونها .
وقال أهل اللغة: الحواريون: صفوة الأنبياء, وهم المخلصون.
وروى جابر بن عبد الله, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( الزبير ابن عمتي, وحواري من أمتي )), أي: صفوتي ومنه قيل عن حوراء إذا اشتد بياضها وسوادها, وامرأة حوراء: إذا خلص بياضها مع حور العين، ومنه قيل لنساء الأنصار: حواريات؛ لنظافتهن, وقال أبو جلدة اليشكري:
فقل للحوريات يبكين غيرنا = ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
ومنه: الحواري). [معاني القرآن: 1/404-407]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{الحواريون}: الأنصار، و{الحواريون}: الخاصة من الصحابة). [ياقوتة الصراط: 188]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({من أنصاري إلى الله} أي: من أعواني إلى الله، أي: مع الله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْحَوَارِيُّونَ}: الصفوة). [العمدة في غريب القرآن: 99]
تفسير قوله تعالى:{رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ويكون كتب بمعنى جعل، كقوله: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ}.
وقوله: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.
وقال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}). [تأويل مشكل القرآن:462-463] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرّسول فاكتبنا مع الشّاهدين}, وأما معنى قوله:{فاكتبنا مع الشّاهدين}, أي: اكتبنا مع الذين شهدوا للأنبياء بالتصديق، وحقيقة الشاهد أنه الذي يبين تصحيح دعوى المدعي، فالمعنى: صدقنا باللّه, واعترفنا بصحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم, وثبتنا، فاكتبنا مع من فعل فعلنا). [معاني القرآن: 1/418]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فاكتبنا مع الشاهدين}, أي: مع الشاهدين لرسولك بالتصديق
وروى إسرائيل, عن سماك بن عكرمة, عن ابن عباس: {فاكتبنا مع الشاهدين}, قال: محمد صلى الله عليه وسلم, وأمته شهدوا له أنه قد بلغ, وشهدوا للرسل أنهم قد بلغوا). [معاني القرآن: 1/407-408]
تفسير قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (ومعنى قوله {ومكروا ومكر اللّه...}:
نزل هذا في شأن عيسى إذ أرادوا قتله، فدخل بيتاً فيه كوّة وقد أيّده الله تبارك وتعالى بجبريل صلى الله عليه وسلم، فرفعه إلى السماء من الكوّة، ودخل عليه رجل منهم ليقتله، فألقى الله على ذلك الرجل شبه عيسى ابن مريم , فلمّا دخل البيت, فلم يجد فيه عيسى خرج إليهم, وهو يقول: ما في البيت أحد، فقتلوه, وهم يرون أنه عيسى.
فذلك قوله: {ومكروا ومكر اللّه}, والمكر من الله استدراج، لا على مكر المخلوقين). [معاني القرآن: 1/218]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومكروا ومكر الله} : أهلكهم الله). [مجاز القرآن: 1/95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان:
نحو قول الله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، أي: يجازيهم جزاء الاستهزاء.
وكذلك: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ}، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، هي من المبتدئ سيئة، ومن الله جل وعز جزاء.
وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} فالعدوان الأول: ظلم، والثاني: جزاء، والجزاء لا يكون ظلما، وإن كان لفظه كلفظ الأول.
ومنه (قول النبي) صلّى الله عليه وسلم: ((اللهم إنّ فلانا هجاني، وهو يعلم أني لست بشاعر، اللهم والعنه عدد ما هجاني، أو مكان ما هجاني))، أي: جازه جزاء الهجاء.
وكذلك قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}). [تأويل مشكل القرآن:277-278] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين}المكر من الخلائق خبّ وخداع، والمكر من اللّه المجازاة على ذلك, فسمي باسم ذلك ؛لأنه مجازاة عليه كما قال عزّ وجلّ: {اللّه يستهزئ بهم}، فجعل مجازاتهم على الاستهزاء بالعذاب، لفظه لفظ الاستهزاء.
وكما قال جل وعز: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها}, فالأولى سيئة, والمجازاة عليها سمّيت باسمها، وليست في الحقيقة سيئة.
وجائز أن يكون: مكر اللّه استدراجهم من حيث لا يعلمون ؛ لأن الله سلّط عليهم فارس, فغلبتهم وقتلتهم، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض}.
وقيل في التفسير أيضاً: إن مكر اللّه بهم كان في أمر عيسى أنه صلى الله عليه وسلم كان في بيت فيه كوة , فدخل رجل ليقتله، ورفع عيسى من البيت, وخرج الرجل في شبهه يخبرهم أنه ليس في البيت فقتلوه, وجملة المكر من اللّه مجازاتهم على ما فعلوا). [معاني القرآن: 1/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين}, هذا راجع إلى قوله تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر} والمكر من الخلائق خب، ومن الله مجازة كما قال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}). [معاني القرآن: 1/408]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( (ومكروا), أي: ودبروا، ومكر الله، أي: دبر الله, (والله خير الماكرين), أي: خير المدبرين). [ياقوتة الصراط: 188]
تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {إذ قال اللّه يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليّ...}, يقال: إن هذا مقدّم ومؤخّر, والمعنى فيه: إني رافعك إليّ, ومطهّرك من الذين كفروا, ومتوفّيك بعد إنزالي إيّاك في الدنيا, فهذا وجه.
وقد يكون الكلام غير مقدّم ولا مؤخّر؛ فيكون معنى متوفّيك: قابضك؛ كما تقول: توفيت مالي من فلان: قبضته من فلان. فيكون التوفّي على أخذه, ورفعه إليه من غير موت). [معاني القرآن: 1/219]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وجاعل الّذين اتّبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة}، أي: هم عند الله خير من الكفار). [مجاز القرآن: 1/95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({متوفّيك}: قابضك من الأرض من غير موت). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إذ قال اللّه يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الّذين كفروا وجاعل الّذين اتّبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة ثمّ إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون},(عيسى) اسم أعجمي عدل عن لفظ الأعجمية إلى هذا البناء، وهو غير مصروف في المعرفة ؛ لاجتماع العجمية والتعريف فيه, ومثال اشتقاقه من كلام العرب أنّ عيسى: فعلى, فالألف يصلح أن تكون للتأنيث، فلا تتصرف في معرفة ولا نكرة، ويكون اشتقاقه من شيئين:
أحدهما: العيس، وهو بياض الإبل،
والآخر: من العوس والعياسة؛ إلا أنه قلبت الواو يا لانكسار ما قبلها, فأمّا عيسى عليه السلام , فمعدول من يشوع كذا يقول أهل السريانية.
وقال النحويون في معنى قوله عزّ وجلّ {إنّي متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك}:
التقديم والتأخير، المعنى: إني رافعك, ومطهرك, ومتوفيك.
وقال بعضهم: المعنى على هذا اللفظ كقوله عزّ وجل: {اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها}, فالمعنى على مذهب هؤلاء: أن الكلام على هذا اللفظ.
ومعنى {وجاعل الذين اتبعوك فوق الّذين كفروا}: القراءة بطرح التنوين، والتنوين جائز، ولكن لا تقرأ به إلا أن تكون ثبتت بذلك رواية.
ومعنى {فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة}, فيه قولان:
أحدهما: أنهم فوقهم في الحجة, وإقامة البرهان.
والآخر: أنهم فوقهم في اليد والبسطة والغلبة، ويكون {الذين اتبعوك} : محمداً صلى الله عليه وسلم, ومن اتبعه؛ فهم منصورون عالون). [معاني القرآن: 1/419-420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} , في الآية قولان:
أحدهما: أن المعنى إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا, ومتوفيك, وهذا جائز في الواو؛ لأنه قد عرف المعنى, وأنه لم يمت بعد.
والقول الآخر: أن يكون معنى {متوفيك}: قابضك من غير موت مثل: توفيت مالي من فلان, أي: قبضته كما قال جل وعز: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها}
وقال الربيع بن أنس، يعني: وفاة المنام رفعه الله عز وجل في منامه.
وقال مطر الوراق: متوفيك, ورافعك واحدة, ولم يمت بعد .
وروى ابن أبي طلحة, عن ابن عباس: متوفيك, أي: مميتك.
ثم قال وهب: توفاه الله ثلاث ساعات من النهار.
ومحمد بن جرير يميل إلى قول من قال: إني قابضك من الأرض بغير موت, ورافعك إلي؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(( ليهبطن عيسى ابن مريم إلى الأرض)).
ثم قال تعالى: {وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة}, قال قتادة: يعني المسلمين؛ لأنهم اتبعوه, فلا يزالون ظاهرين إلى يوم القيامة.
وقال غيره: الذين اتبعوه محمد,والمسلمون؛ لأن دينهم التوحيد كما كان التوحيد دين عيسى صلى الله عليه وسلم.
وروي, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( أنا أولى الناس بابن مريم)).
وروى يونس بن ميسرة بن حلبس, عن معاوية, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لن تبرح طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله, وهم على ذلك)), ونزع بهذه الآية: {يا عيسى أني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك يا محمد فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة}.
ثم قال تعالى: {إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون}, أي: فافصل بينكم, وتقع المجازاة عليه؛لأنه قد بين لهم في الدنيا). [معاني القرآن: 1/408-412]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({متوفيك}, قابضك من الأرض، {ورافعك}, أي: إلى السماء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فأمّا الّذين كفروا فأعذّبهم عذابا شديدا في الدّنيا والآخرة وما لهم من ناصرين}, العذاب في الدنيا: القتل الذي نالهم, وينالهم، وسبي الذراري, وأخذ الجزية، وعذاب الآخرة ما أعده اللّه لهم من النار.
{وما لهم من ناصرين}, أي: ما لهم من يمنعهم في الدنيا؛ لأن اللّه عزّ وجلّ قد أظهر الإسلام على دينهم, وجعل الغلبة لأهله، ولا أحد ينصرهم في الآخرة من عذاب اللّه). [معاني القرآن: 1/420-421]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة}, عذابهم في الدنيا: القتل, والأسر,وأخذ الجزية, وفي الآخرة: النار, وما لهم من ناصرين؛ لأن المسلمين عالون عليهم , ظاهرون). [معاني القرآن: 1/412]
تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لا يحبّ الظّالمين}: الكافرين). [مجاز القرآن: 1/95]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({وأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم واللّه لا يحبّ الظّالمين}
ومعنى {واللّه لا يحب الظّالمين}, أي: لا يرحمهم، ويعذبهم, ولا يثني عليهم خيراً, هذا معنى البغض من الله، ومعنى المحبة منه: الرحمة , والمغفرة, والثناء والجميل). [معاني القرآن: 1/421]
تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذّكر الحكيم},أي: القصيص الذي جرى نتلوه عليك.
{من الآيات},أي: من العلامات, البينات, الدلالات على تثبيت رسالتك إذ كانت أخباراً لا يعلمها إلا قارئ كتاب, أو معلّم, أو من أوحيت إليه, وقد علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمّيّاً: لا يكتب, ولا يقرأ الكتب على جهله النظر فيها, والفائدة منها: فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعلمه أحد من الناس, فلم يبق إلا الوحي، والإخبار بهذه الأخبار التي يجتمع أهل الكتاب على الموافقة بالإخبار بها من الآيات المعجزات.
ومعنى {والذّكر الحكيم}، أي: ذو الحكمة في تأليفه, ونظمه, وإبانة الفوائد فيه, ويصلح أن تكون (ذلك) في معنى الذي ويكون (نتلوه) صلة، فيكون المعنى: الذي نتلوه عليك من الآيات, والذكر الحكيم, فيكون ذلك ابتداء, والخبر من الآيات). [معاني القرآن: 1/421-422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم}, أي: من العلامات التي لا تعرف إلا بوحي, أو بقراءة كتاب, ومعنى {الحكيم}: ذو الحكمة). [معاني القرآن: 1/414]