العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 02:55 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة النساء


التفسير اللغوي لسورة النساء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 09:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 6]

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله تبارك وتعالى: {الّذي خلقكم مّن نّفسٍ واحدةٍ...}
قال {واحدة} لأن النفس مؤنثة، فقال: واحدة لتأنيث النفس، وهو [يعني] آدم، ولو كانت {من نفس واحد} لكان صوابا، يذهب إلى تذكير الرجل.

وقوله: {وبثّ منهما} العرب تقول: بثّ الله الخلق
، أي: نشرهم.
وقال في موضع آخر: {كالفراش المبثوث} ومن العرب من يقول: أبثّ الله الخلق، ويقولون: بثثتك ما في نفسي، وأبثثتك.
وقوله: {الّذي تساءلون به والأرحام} فنصب الأرحام؛ يريد واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم أنه خفض الأرحام، قال: هو كقولهم: بالله والرحم؛ وفيه قبح؛ لأن العرب لا تردّ مخفوضا على مخفوض وقد كني عنه، وقد قال الشاعر في جوازه:
نعلّق في مثل السّواري سيوفنا * وما بينها والكعب غوط نفانف
وإنما يجوز هذا في الشعر لضيقه.
وقرأ بعضهم "تسّاءلون به" يريد: تتساءلون به، فأدغم التاء عند السين). [معاني القرآن: 1/252-253]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام}: اتّقوا الله والأرحام نصب، ومن جرها فإنما يجرها بالباء.
{كان عليكم رقيبا}: حافظاً، وقال أبو دؤاد الإياديّ:
كمقاعد الرّقباء للضّرباء أيديهم نواهد
الضريب الذي يضرب بالقداح؛ نهدت أيديهم أي مدّوها). [مجاز القرآن: 1/113]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم مّن نّفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام إنّ اللّه كان عليكم رقيباً}
قال تعالى: {تساءلون به} خفيفة لأنها من تساؤلهم فإنهم "يتساءلون" فحذف التاء الأخيرة، وذلك كثير في كلام العرب نحو {تكلّمون} وإن شئت ثقلّت فأدغمت.
قال الله تعالى: {والأرحام} منصوبة،
أي: اتقوا الأرحام.
وقال بعضهم {والأرحام} جرّ. والأوّل أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور.
و[قال تعالى: {إنّ اللّه كان عليكم رقيباً}] تقول من "الرقيب": "رقب" "يرقب" "رقباً" و"رقوبا"). [معاني القرآن: 1/190-191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({رقيبا}: حافظا). [غريب القرآن وتفسيره: 113]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وبثّ منهما رجالًا كثيراً ونساءً} أي: نشر في الأرض.

{تسائلون به والأرحام} من نصب أراد: اتقوا اللّه الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها.

ومن خفض أراد: الذي تساءلون به وبالأرحام، وهو مثل قول الرجل: نشدتك باللّه والرحم). [تفسير غريب القرآن: 118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والزّوج: القرين، قال الله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، وقال: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}أي: قرناءهم). [تأويل مشكل القرآن: 498]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله - عزّ وجلّ -
{يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام إنّ اللّه كان عليكم رقيبا}
ابتدأ اللّه السورة بالموعظة، أخبر بما يوجب أنه واحد وأن حقه عز وجلّ - أن يتقى فقال: {الّذي خلقكم من نفس واحدة} يعني من آدم عليه السلام، وإنما قيل في اللغة واحدة لأن لفظ النفس مؤنث، ومعناها مذكر في هذا الموضع، ولو قيل من نفس واحد لجاز.
{وخلق منها زوجها} حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم، وبث اللّه جميع خلق الناس منها.
ومعنى {بث} نشر، يقال: بث الله الخلق، وقال - عزّ وجلّ - {كالفراش المبثوث
}، فهذا يدل على بث.
وبعض العرب يقول: أبث اللّه الخلق، ويقال بثثتك سري وأبثثتك سري.
وقوله - عزّ وجلّ: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به
} بالتشديد، فالأصل تتساءلون. وأدغمت التاء في السين لقرب مكان هذه من هذه.
ومن قرأ بالتخفيف فالأصل تتساءلون، إلا أن التاء الثانية حذفت لاجتماع التاءين، وذلك يستثقل في اللفظ فوقع الحذف استخفافا، لأن الكلام غير ملبس.
ومعنى {تساءلون به}: تطلبون حقوقكم به.
{والأرحام
} القراءة الجيّدة نصب الأرحام.
المعنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، فأما الجر في الأرحام فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر، وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تحلفوا بآبائكم)).
فكيف يكون تساءلون به وبالرحم على ذا؟.
رأيت أبا إسحاق إسماعيل بن إسحاق يذهب إلى: أن الحلف بغير اللّه أمر عظيم، وأن ذلك خاص للّه - عزّ وجلّ - على ما أتت به الرواية.
فأما العربية فإجماع النحويين أنه: يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الجر إلا بإظهار الجار، يستقبح النحويون: مررت به وزيد.
وبك وزيد، إلا مع إظهار الخافض حتى يقولوا بك وبزيد، فقال بعضهم: لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل، فكأنّه كالتنوين في الاسم، فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه. وقد فسر المازي هذا تفسيرا مقنعا فقال: الثاني في العطف شريك للأول، فإن كان الأول يصلح شريكا للثاني وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكا له.
قال: فكما لا تقول مررت بزيد و " ك " فكذلك لا يجوز مررت بك وزيد.
وقد جاز ذلك في الشعر.
أنشد سيبويه:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا... فاذهب فما بك والأيّام من عجب). [معاني القرآن: 2/5-7]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (من ذلك قوله عز وجل: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} قال مجاهد:
خلقت حواء من قصيرى آدم وفي الحديث خلقت المرأة من ضلع عوجاء .
وقيل {منها} من جنسها). [معاني القرآن: 2/7-8]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وبث منهما رجالا كثيرا ونساء} يقال بثثت الشيء وأبثثته إذا نشرته ومنه {كالفراش المبثوث}). [معاني القرآن: 2/8]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} قال عكرمة:
المعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
وقال إبراهيم: هو من قولهم أسألك بالله والرحم.
قال أبو جعفر: وهذا على قراءة من قرأ بالخفض). [معاني القرآن: 2/8]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَبَثَّ مِنْهُمَا}: خلق منهما. {الرَّقِيب}: الحافظ). [العمدة في غريب القرآن: 105]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب...}
يقول: لا تأكلوا أموال اليتامى بدل أموالكم، وأموالهم عليكم حرام، وأموالكم حلال.
وقوله: {إنّه كان حوباً كبيراً}
الحوب: الإثم العظم. ورأيت بني أسد يقولون الحائب: القاتل، وقد حاب يحوب.
وقرأ الحسن (إنه كان حوبا كبيرا) ). [معاني القرآن: 1/253]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّه كان حوباً كبيراً}
أي: إثماً، قال أميّة بن الأسكر اللّيثيّ:
وإنّ مهاجرين تكنّفاه... غداة إذٍ لقد خطئا وحابا
وقال الهذليّ:
ولا تخنوا عليّ ولا تشطّوا... بقول الفخر إنّ الفخر حوب). [مجاز القرآن: 1/113-114]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنّه كان حوباً كبيراً}
قال: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} أي: "مع أموالكم" {إنّه كان حوباً كبيرا} يقول: "أكلها كان حوباً كبيراً").
[معاني القرآن: 1/191]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({حوبا}: إثما). [غريب القرآن وتفسيره: 113]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}
أي: مع أموالكم مضمومة إليها.

و(الحوب) الإثم. وفيه ثلاث لغات: حوب. وحوب. وحاب). [تفسير غريب القرآن: 118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): («إلى» مكان «مع»
قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}،
أي: مع أموالكم. ومثله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}، أي: مع الله.

والعرب تقول: الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إِبِلٌ، أي مع الذَّوْدِ.
قال ابن مفرِّغ:
شَدَخَتْ غُرَّةُ السَّوابِقَ فِيهِمْ = فِي وُجُوهٍ إِلَى اللِّمَام ِالجِعَادِ
أراد مع اللِّمَامِ الجِعَادِ). [تأويل مشكل القرآن: 571] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنّه كان حوبا كبيرا
}أي: أعطوهم أموالهم إذا آنستم منهم رشدا، وإنما يسمون يتامى – بعد أن يؤنس منهم الرّشد، وقد زال عنهم اسم يتامى - بالاسم الأول الذي كان لهم، وقد كان يقال في النبي - صلى الله عليه وسلم - يتيم أبي طالب.
وقوله - عزّ وجلّ -: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب
} الطيب مالكم، والخبيث مال اليتيم وغيره مما ليس لكم، فلا تأكلوا مال اليتيم بدلا من مالكم، وكذلك لا تأكلوا (أيضا) {أموالهم إلى أموالكم}.
أي: لا تضيفوا أموالهم في الأكل إلى أموالكم، أي: إن احتجتم إليها فليس لكم أن تأكلوها مع أموالكم.
{إنّه كان حوبا كبيرا
}والحوب: الإثم العظيم، والحوب فعل الرجل، تقول: حاب حوبا كقولك قد خان خونا). [معاني القرآن: 2/7-8]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} قال الضحاك:
لا تعطوهم زيوفا بجياد.
وقال غيره: لا تتبدلوا الحرام بالحلال). [معاني القرآن: 2/9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} قيل المعنى مع أموالكم والأجود أن تكون إلى في موضعها ويكون المعنى: ولا تضموا أموالهم إلى أموالكم). [معاني القرآن: 2/9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {إنه كان حوبا كبيرا} قال قتادة: ا
لحوب الإثم.
وروي أن أبا أيوب طلق امرأته أو عزم على أن يطلقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن طلاق أم أيوب لحوب)).). [معاني القرآن: 2/10]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (قوله تبارك وتعالى: {حوبا كبيرا} أي: إثما عظيما). [ياقوتة الصراط: 195]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (قوله: {إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي: مع أموالكم.

(والحوب) الإثم، ويقال: حوب وحاب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 57]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الحُوبُ): الإثم). [العمدة في غريب القرآن: 105]


تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم...}
واليتامى في هذا الموضع أصحاب الأموال، فيقول القائل: ما عدل الكلام من أموال اليتامى إلى النكاح؟ فيقال: إنهم تركوا مخالطة اليتامى تحرّجا، فأنزل الله تبارك وتعالى: فإن كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فاحرجوا من جمعكم بين النساء ثم لا تعدلون بينهن، {فانكحوا ما طاب لكم} يعني الواحدة إلى الأربع.
فقال تبارك وتعالى: {ما طاب لكم} ولم يقل: من طاب. وذلك أنه ذهب إلى الفعل كما قال {أو ما ملكت أيمانكم} يريد: أو ملك أيمانكم. ولو قيل في هذين (من) كان صوابا، ولكن الوجه ما جاء به الكتاب، وأنت تقول في الكلام: خذ من عبيدي ما شئت، إذا أراد مشيئتك، فإن قلت: من شئت، فمعناه: خذ الذي تشاء.
وأما قوله: {مثنى وثلاث ورباع} فإنها حروف لا تجرى، وذلك أنهن مصروفات عن جهاتهنّ؛ ألا ترى أنهنّ للثلاث والثلاثة، وأنهن لا يضفن إلى ما يضاف إليه الثلاثة والثلاث، فكان لامتناعه من الإضافة كأنّ فيه الألف واللام، وامتنع من الألف واللام لأن فيه تأويل الإضافة؛ كما كان بناء الثلاثة أن تضاف إلى جنسها، فيقال: ثلاث نسوة، وثلاثة رجال، وربما جعلوا مكان ثلاث ورباع مثلث ومربع، فلا يجري أيضا؛ كما لم يجر ثلاث ورباع لأنه مصروف، فيه من العلّة ما في ثلاث ورباع، ومن جعلها نكرة وذهب بها إلى الأسماء أجراها.
والعرب تقول: ادخلوا ثلاث ثلاث، وثلاثا ثلاثا.
وقال الشاعر:
[وإنّ الغلام المستهام بذكره] * قتلنا به من بين مثنىً وموحد
بأربعةٍ منكم وآخر خامسٍ * وسادٍ مع الإظلام في رمح معبد
فوجه الكلام ألاّ تجرى وأن تجعل معرفة؛ لأنها مصروفة، والمصروف خلقته أن يترك على هيئته، مثل: لكع ولكاع، وكذلك قوله: {أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع}.
والواحد يقال فيه: موحد وأحاد ووحاد، ومثنى وثناء؛ وأنشد بعضهم:
ترى النّعرات الزّرق تحت لبانه * أحاد ومثنى أصعقتها صواهله
وقوله: {فواحدةً} تنصب على: فإن خفتم ألاّ تعدلوا على الأربع في الحبّ والجماع فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم لا وقت عليكم فيه، ولو قال: فواحدةٌ، بالرفع كان كما قال {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} كان صوابا على قولك: فواحدة (مقنع، فواحدة) رضا.
وقوله: {ذلك أدنى ألاّ تعولوا}: ألاّ تميلوا.
وهو أيضا في كلام العرب: قد عال يعول. وفي قراءة عبد الله: (ولا يعل أن يأتيني بهم جميعا) كأنه في المعنى: ولا يشق عليه أن يأتيني بهم جميعا. والفقر يقال منه عال يعيل عيلة؛ وقال الشاعر:
ولا يدري الفقير متى غناه * ولا يردى الغني متى يعيل). [معاني القرآن: 1/253-255]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإن خفتم ألاّ تقسطوا} وإن أيقنتم ألاّ تعدلوا.

{من النّساء مثنى}
أي: ثنتين، ولا تنوين فيها، قال ابن عنمة الضّبي:
يباعون بالبعران مثنى وموحدا
وقال الشاعر:
ولكنما أهلي بوادٍ أنيسه... ذئابٌ تبغّي الناس مثنى وموحدا
قال النحويون: لا ينوّن (مثنى) لأنه مصروف عن حدّه، والحدّ أن يقولوا: اثنين؛ وكذلك ثلاث ورباع لا تنوين فيهما، لأنه ثلاثٌ وأربعٌ في قول النحويين، قال صخر بن عمرو بن الشّريد السلميّ:
ولقد قتلتكم ثناء وموحداً... وتركت مرّة مثل أمس المدير
فأخرج اثنين على مخرج ثلاث، قال صخر الغيّ الهذلي:
منت لك أن تلاقيني المنايا... أحاد أحاد في شهرٍ حلال
منت لك، تقول: قدّرت لك، والمنايا: الأقدار، يقال: منت تمنى له منياً؛ فأخرج الواحد مخرج ثناء وثلاث، ولا تجاوز العرب رباع، غير أن الكميت بن زيد الأسديّ قال:
فلم يستريثوك حتى رمي... ت فوق الرّجال خصالاً عشارا
فجعل عشار على مخرج ثلاث ورباع.
{فإن خفتم ألاّ تعدلوا}: مجازه: أيقنتم، قالت ليلى بنت الحماس:

قلت لكم خافوا بألف فارس... مقنّعين في الحديد اليابس
أي: أيقنوا. قال: لم أسمع هذا من أبي عبيدة.
{ذلك أدنى ألاّ تعولوا} أي: أقرب ألا تجوروا، تقول: علت عليّ أي جرت عليّ). [مجاز القرآن: 1/114-117]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعولوا}
قال: {وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى} لأنه من "أقسط" "يقسط".
و"الإقساط": العدل. وأما "قسط" فإنّه "جار" قال: {وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً} فـ"أقسط": عدل.
و"قسط": جار، قال: {وأقسطوا إنّ اللّه يحبّ المقسطين}.
قال: {مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدةً} يقول: "فانكحوا واحدة {أو ما ملكت أيمانكم}
أي: انكحوا ما ملكت أيمانكم، وأما ترك الصرف في {مثنى وثلاث ورباع} فإنه عدل عن "اثنين" و"ثلاثٍ" و"أربعٍ" كما أنه من عدل "عمر" عن "عامر" لم يصرف.
وقال تعالى: {أولي أجنحةٍ مّثنى وثلاث ورباع} فنصب.
وقال: {أن تقوموا للّه مثنى وفرادى} فهو معدول كذلك، ولو سميت به صرفت لأنه إذا كان اسما فليس في معنى "اثنين" و"ثلاثة" و"أربعة".
كما قال "نزال" حين كان في معنى "انزلوا" وإذا سميت به رفعته.
قال الشاعر:
أحمّ اللّه ذلك من لقاءٍ = أحاد أساد في شهرٍ حلال
وقال :
ولكنّما أهلي بوادٍ أنيسه = ذئابٌ تبغّى الناس مثنى وموحدا
وقال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء} يقول: "لينكح كلٌّ واحدٍ منكم كلّ واحدةٍ من هذه العدّة".
كما قال تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدةً} يقول: "فاجلدوا كلّ واحدٍ منهم"). [معاني القرآن: 1/191-192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({إلا تقسطوا}: تعدلوا.
{ما طاب لكم}: حل لكم.
{مثنى وثلاث ورباع}: ثنتين وثلاثا وأربعا.
{أدنى ألا تعدلوا}: أقرب إلى أن لا تجوروا أو تضلوا. عال في حكمه يعول إذا جار). [غريب القرآن وتفسيره:113-114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإن خفتم ألّا تقسطوا في اليتامى} أي: فإن علمتم أنكم لا تعدلون بين اليتامى. يقال: أقسط الرجل: إذا عدل ومنه

قول النبي صلّى اللّه عليه وعلى آله:
((المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة))
ويقال: قسط الرجل: إذا جار، بغير ألف، ومنه قول اللّه: {أمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً}.
{ذلك أدنى ألّا تعولوا} أي: ذلك أقرب إلى ألا تجوروا وتميلوا، يقال: علت عليّ، أي: جرت علي، ومنه العول في الفريضة). [تفسير غريب القرآن: 119]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وأما قولهم: أين قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} من قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}فهل شيء أشبه بشيء أليق به من أحد الكلامين بالآخر؟!.
والمعنى: أن الله تعالى قصر الرجال على أربع نسوة وحرّم عليهم أن ينكحوا أكثر منهن، لأنه لو أباح لهم أن ينكحوا من الحرائر ما أباح من ملك اليمن لم يستطيعوا العدل عليهن بالتّسوية بينهن، فقال لنا: فكما تخافون ألا تعدلوا بين اليتامى إذا كفلتموهم، فخافوا أيضا ألا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن، فانكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا، ولا تتجاوزوا ذلك فتعجزوا عن العدل.
ثم قال: فإن خفتم أيضا ألا تعدلوا بين الثلاث والأربع، فانكحوا واحدة، أو اقتصروا على ما ملكت أيمانكم من الإماء، ذلك أدنى ألا تعولوا، أي: لا تجوروا وتميلوا.

وقال ابن عباس:
قصر الرجال على أربع من أجل اليتامى.
يقول: لما كان النساء مكفولات بمنزلة اليتامى، وكان العدل على اليتامى شديدا على كافلهم قصر الرجال على ما بين الواحدة إلى الأربع من النساء، ولم يطلق لهم ما فوق ذلك، لئلا يميلوا). [تأويل مشكل القرآن: 72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن خفتم ألّا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألّا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألّا تعولوا}
قال مجاهد:
إن تحرجتم أن تتركوا ولاية اليتامى إيمانا وتصديقا فكذلك تحرجوا من الزنا.
وقال غيره: وإن خفتم ألا تعدلوا في أمر النساء فانكحوا ما ذكر اللّه عزّ وجلّ.
وقال بعض المفسرين قولا ثالثا، قال أهل البصرة من أهل العربية: يقول ذلك المفسّر - قال إنهم كانوا يتزوجون العشر من اليتامى ونحو ذلك رغبة في مالهن فقال اللّه - جلّ وعزّ - {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى}
أي: في نكاح اليتامى.
ودل عليه{فانكحوا} كذلك قال أبو العباس محمد ابن يزيد، وهو مذهب أهل النظر من أهل التفسير.

{فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع} لم يقل من طاب والوجه في الآدميين أن يقال من، وفي الصفات وأسماء الأجناس أن يقال (ما).
تقول: ما عندك؟ فيقول فرس وطيب.
فالمعنى: فانكحوا الطيب الحلال على هذه العدة التي وصفت، لأن ليس كل النساء طيبا، قال - عزّ وجلّ -: {حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمّاتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمّهاتكم اللّاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرّضاعة وأمّهات نسائكم وربائبكم اللّاتي في حجوركم من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ فإن لم تكونوا دخلتم بهنّ فلا جناح عليكم}
فليس ممن ذكر ما يطيب.
وقوله - عزّ وجلّ - {مثنى وثلاث ورباع} بدل من {ما طاب لكم}
ومعناه: اثنين اثنين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا، إلا أنه لا ينصرف لجهتين لا أعلم أن أحدا من النحويين ذكرهما، وهي أنه اجتمع فيه علتان أنّه معدول عن اثنين اثنين، وثلاث ثلاث، وأنه عدل عن تأنيث.
قال أصحابنا: إنه اجتمع فيه علتان أنه عدل عن تأنيث، وأنه نكرة.
والنكرة: أصل للأسماء بهذا كان ينبغي أن نخففه. لأن النكرة تخفف ولا تعد فرعا.
وقال غيرهم: هو معرفة وهذا محال لأنه صفة للنكرة، قال اللّه - جلّ وعزّ -:
{جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع}.
فهذا محال أن يكون أولي أجنحة الثلاثة والأربعة، وإنما معناه: أولي أجنحة ثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة.

قال الشاعر:
ولكنما أهلي بواد أنيسه ذئاب... تبغي الناس مثنى وموحد
فإن قال قائل من الرافضة: إنه قد أحلّ لنا تسع، لأنّ قوله: {مثنى وثلاث ورباع} يراد به تسع، قيل
هذا يبطل من جهات:
أحدها: في اللغة أن مثنى لا يصلح إلا لاثنين اثنين على التفريق.
ومنها: أنه يصير أعيى كلام، لو قال قائل في موضع تسعة أعطيك اثنين وثلاثة وأربعة يريد تسعة، قيل تسعة تغنيك عن هذا، لأن تسعة وضعت لهذا العدد كله، أعني من واحد إلى تسعة.
وبعد فيكون - على قولهم - من تزوج أقل من تسع أو واحدة فعاص لأنه إذا كان الذي أبيح له تسعا أو واحدة فليس لنا سبيل إلى اثنين.
لأنه إذا أمرك من تجب عليك طاعته فقال ادخل هذا المسجد في اليوم تسعا أو واحدة، فدخلت غير هاتين اللتين حددهما لك من المرات فقد عصيته.
هذا قول لا يعرج على مثله ولكنا ذكرناه ليعلم المسلمون أن أهل هذه المقالة مباينون لأهل الإسلام في اعتقادهم، ويعتقدون في ذلك ما لا يشتبه على أحد من الخطأ.
فأمّا قوله:
{ذلك أدنى ألّا تعولوا} فمعناه: ذلك أقرب ألا تجوروا.
وقيل في التّفسير: ألّا تميلوا، ومعنى{تميلوا}: تجوروا.
فأما من قال: {ألّا تعولوا}: ألا تكثر عيالكم، فزعم جميع أهل اللغة أنّ هذا خطأ، لأن الواحدة تعول، وإباحة كل ما ملكت اليمين أزيد في العيال من أربع، ولم يكن في العدد في النكاح حين نزلت هذه الآية.
والدليل على أنهم كانوا يرغبون في التزويج من اليتامى لمالهنّ: أنهم كانوا لا يبالون ألّا يعدلوا في أمرهم.
وقوله - عزّ وجلّ - {ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء اللّاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن تنكحوهنّ} فالمعنى: وإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح يتامى فانكحوا الطيب الذي قد أحل لكم من غيرهنّ، والمعنى: إن أمنتم الجور في اليتامى فانكحوا منهن كهذه العدة، لأن النساء تشتمل على اليتامى وغيرهن). [معاني القرآن: 2/8-11]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} يقال أقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار فكأن أقسط أزال القسوط فأما
معنى {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} ففيه قولان:
أحدهما: أن ابن عباس قال فيما روي عنه: قصر الرجل على أربع من أجل اليتامى، وروي عن جماعة من التابعين شرح هذا القول، وروي عن مجاهد والضحاك وقتادة وهذا معنى قولهم إن المسلمين كانوا يسألون عن أمر اليتامى لما شدد في ذلك فقال جل وعز: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أي: فكما تخافون في أمر اليتامى فخافوا في أمر النساء إذا اجتمعن أن تعجزوا عن العدل بينهن.
والقول الآخر: رواه الزهري عن عروة عن عائشة قال: سألت عائشة عن قول الله جل وعز: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} فقالت: يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيعجبه مالها وجمالها فيريد تزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينكحوا اليتامى إذا خافوا هذا وأبيح لهم من النساء أربع، قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله عز وجل: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن} إلى قوله: {وترغبون أن تنكحوهن} قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى التي فيها فانكحوا ما طاب لكم من النساء قالت وقوله: {وترغبون أن تنكحوهن} رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهن، وأهل النظر على هذا القول.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: التقدير وإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى ثم حذف هذا ودل عليه فانكحوا .
وقد قال بالقول الأول جماعة من أهل اللغة منهم الفراء وابن قتيبة.
والقول الثاني أعلى إسنادا وأجود عند أهل النظر.
وأما من قال معنى {مثنى وثلاث ورباع}: تسع فلا يلتفت إلى قوله: ولا يصح في اللغة لأن معنى مثنى عند أهل العربية اثنتين اثنتين وليس معناه اثنتين فقط وأيضا فإن من كلام العرب الاختصار، ولا يجوز أن يكون معناه: تسعا لأنه لو كان معناه تسعا لم يكن اختصارا أن يقال انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا لأن تسعا أخصر من هذا وأيضا فلو كان على هذا القول لما حل لأحد أن يتزوج إلا تسعا أو واحدة فقد تبين بطلان هذا).
[معاني القرآن: 2/10-14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ذلك أدنى ألا تعولوا}
أدنى بمعنى: أقرب وروى عمر بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: {ذلك أدنى ألا تعولوا} قال: ((أن لا تجوروا)) .
وقال ابن عباس والحسن وأبو مالك ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك:
معنى أن {لا تعولوا} أن لا تميلوا.
وقال أبو العباس في قول من قال: {أن لا تعولوا} من العيال هذا باطل وخطأ لأنه قد أحل له مما ملكت اليمين ما كان من العدد وهن مما يعال .
وأيضا فإنه إنما ذكر النساء وما يحل منهن والعدل بينهن والجور فليس لـ {أن لا تعولوا} من العيال ههنا معنى وهو على قول أهل التفسير أن لا تميلوا ولا تجوروا ومنه عالت الفريضة إذا زادت السهام فنقص من له الفرض ومنه معولتي على فلان أي أنا أميل إليه وأتجاور في ذلك ومنه عالني الشيء إذا تجاوز المقدار ومنه فلان يعول والعويل إنما هو المجاوزة وأيضا فإنه إنما يقال أعال الرجل يعيل إذا كثر عياله). [معاني القرآن: 2/14-16]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {وإن خفتم ألا تقسطوا} أي: لا تعدلوا).
[ياقوتة الصراط: 195]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {ألا تعولوا}: ألا تجوروا). [ياقوتة الصراط: 195]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَلاَّ تُقْسِطُواْ} ألا تعدلوا، أي: أن تجوروا وتميلوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 57]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تُقْسِطُواْ}: تعدلوا.
{طَابَ لَكُم}: حل لكم.
{مَثْنَى}: اثنين اثنين.
{ثُلاَثَ}: ثلاث ثلاث.
{رُبَاعَ}: أربع أربع. {تَعُولُواْ}: تجوروا).[العمدة في غريب القرآن:105-106]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً...}
يعني: أولياء النساء لا الأزواج وذلك أنهم كانوا في الجاهلية لا يعطون النساء من مهورهن شيئا، فأنزل الله تعالى: أعطوهن صدقاتهن نحلة، يقول: هبة وعطية.
وقوله: {فإن طبن لكم عن شيءٍ مّنه نفساً} ولم يقل طبن. وذلك أن المعنى - والله أعلم -: فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء فنقل الفعل من الأنفس إليهن فخرجت النفس مفسّرة؛ كما قالوا: أنت حسن وجها، والفعل في الأصل للوجه، فلمّا حوّل إلى صاحب الوجه خرج الوجه مفسّرا لموقع الفعل ولذلك وحّد النفس ولو جمعت لكان صوابا؛ ومثله ضاق به ذراعي، ثم تحول الفعل من الذراع إليك: فتقول قررت به عينا.
قال الله تبارك وتعالى: {فكلي واشربي وقرّي عينا}.
وقال: {سيء بهم وضاق بهم ذرعا}؛ وقال الشاعر:
إذا التّيّاز ذو العضلات قلنا * إليك إليك ضاق بها ذراعا
وإنما قيل: ذرعا وذراعا لأن المصدر والاسم في هذا الموضع يدلاّن على معنى واحد، فلذلك كفى المصدر من الاسم). [معاني القرآن: 1/256]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً}
أي: مهورهن عن طيب نفس بالفريضة بذلك). [مجاز القرآن: 1/117]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً فإن طبن لكم عن شيءٍ مّنه نفساً فكلوه هنيئاً مّريئاً}
قال: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} وواحد "الصّدقات": صدقة وبنو عميم [تقول]: "صدقة" ساكنة الدال مضمومة الصاد.
وقال: {فإن طبن لكم عن شيءٍ مّنه نفساً} فقد يجري الواحد مجرى الجماعة لأنه إنما أراد "الهوى" و"الهوى" يكون جماعة. قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأمّا عظامها = فبيضٌ وأمّا جلدها فصليب
وأما "هنيءٌ مريء" فتقول: "هنؤ هذا الطعام ومرؤ" و"هنئ ومرئ" كما تقول: "فقه" و"فقه" يكسرون القاف ويضمونها. وتقول: "هنأني" و"هنئته" و"استمرأته"). [معاني القرآن: 1/192-193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({صدقاتهن}: مهورهن واحدتها صدقة). [غريب القرآن وتفسيره: 114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وآتوا النّساء صدقاتهنّ} يعني: المهور. واحدها: صدقة. وفيها لغة أخرى: صدقة.

{نحلةً} أي: عن طيب نفس. يقول ذلك لأولياء النساء، لا لأزواجهن؛
لأن الأولياء كانوا في الجاهلية لا يعطون النساء من مهورهن شيئا، وكانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئا لك النّافجة. يريدون أنه يأخذ مهرها إلا فيضمها إلى إبله فتنفجها، أي: تعظّمها وتكثّرها، ولذلك قالت إحدى النساء في زوجها:
لا يأخذ الحلوان من بناتيا تقول: لا تفعل ما يفعله غيره. والحلوان هاهنا: المهور.
وأصل النّحلة: العطية. يقال: نحلته نحلة حسنة، أي: أعطيته عطية حسنة، والنحلة لا تكون إلّا عن طيب نفس فأما ما أخذ بالحكم فلا يقال له نحلة). [تفسير غريب القرآن:119-120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا
}
يقال هو صداق المرأة، وصدقة المرأة، وصدقة المرأة، وصداق المرأة.
مفتوح أولها، والذي في القرآن جمع صدقة.
ومن قال صدقة قال صدقاتهنّ، كما يقول غرفة وغرفات.
ويجوز صدقاتهنّ، وصدقاتهنّ. بضم الصاد وفتح الدال.
ويجوز صدقاتهنّ، ولا تقرأنّ من هذا إلا ما قد قرئ به لأن القراءة سنة لا ينبغي أن يقرأ فيها بكل ما يجيزه النحويون، وإن تتبع فالذي روي من المشهور في القراءة أجود عند النحويين، فيجتمع في القراءة بما قد روى الاتباع وإثبات ما هو أقوى في الحجة إن شاء الله.
ومعنى قوله:{نحلة}فيه غير قول:
1- قال بعضهم: فريضة.
2- وقال بعضهم: ديانة، تقول: فلان ينتحل كذا وكذا، أي: يدين به.
3- وقال بعضهم: هي نحلة من اللّه لهن أن جعل على الرجال الصداق، ولم يجعل على المرأة شيئا من الغرم، فتلك نحلة من اللّه للنساء يقال - نحلت الرجل والمرأة - إذا وهبت له - نحلة ونحلا ويقال: قد نحل جسم فلان ونحل إذا دقّ.
والنّحل جائز أن تكون سميت نحلا، لأن الله جلّ ثناؤه نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها.
وقوله - جلّ؛ عزّ - {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} أي: عن شيء من الصداق.

و " لكم " خطاب للأزواج، وقال بعضهم للأولياء ههنا.
و{نفسا} منصوب على التمييز لأنه إذا قال: طبن لكم، لم يعلم في أي صنف وقع الطيب.
المعنى: فإن طابت أنفسهن بذلك، وقد شرحناه قبل هذا المكان شرحا وافيا.
وقوله:
{فكلوه هنيئا مريئا}
يقال: هنأني الطعام ومراني.
وقال بعضهم: يقال مع هنأني مراني.
فإذا لم تذكر هنأني قلت أمرأني بالألف.
وهذا حقيقته أن مرأني تبينت أنه سينهضم وأحمد مغبته، فإذا قلت أمرأني الطعام فتأويله أنه قد انهضم وحمدت فإن قال قائل: إنما قيل: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا) فكيف يجوز أن يقبل الرجل المهر كله، وإنما قيل له منه؟
فالجواب في ذلك أن " منه " ههنا للجنس لما قال عزّ وجلّ -: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان}.
فلم نؤمر أن نجتنب بعض الأوثان، ولكن المعنى اجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
أي: فكلوا الشيء الذي هو مهر). [معاني القرآن: 2/11-13]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قيل يعنى به الأزواج ويروى أن الولي كان يأخذ الصدقة لنفسه فأمر الله عز وجل أن يدفع إلى النساء هذا قول أبي صالح .
وقال أبو العباس: معنى نخلة أنه كان يجوز أن لا يعطين من ذلك شيئا فنحلهن الله عز وجل إياه.
وقيل معنى نحلة: دينا من قولهم فلان ينتحل كذا، أي: تعبدا من الله جل وعز.
وقيل فرضا، والمعنى واحد لأن الفرض متعبد به.
وقيل لا يكون نحلة إلا ما طابت به النفس فأما ما أكره عليه فلا يكون نحلة). [معاني القرآن: 2/16-17]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}
يعني: الصداق، أي: لا كدر فيه يقال أمرأني الشيء بالألف فإذا قلت هنأني ومرأني هذا مذهب أكثر أهل اللغة قالوا للإتباع
وأما أبو العباس فقال: لا يقال في الخير إلا أمرأني ليفرق بينه وبين الدعاء.
والمروءة من هذا لأن صاحبها يتجشم أمورا يستمرئ عاقبتها). [معاني القرآن: 2/17-18]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (قال وقوله: {نحلة} أي: دينا وتدينا). [ياقوتة الصراط: 196]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نِحْلَةً} عن طيب نفس.
وقيل: معناه عطية واجبة.
وقيل: نحلة: فريضة.
وقيل: نحلة معناه (هبة) من الله للنساء، إذ خصهن بالأخذ من الرجال). [تفسير المشكل من غريب القرآن:57-58]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({صَدُقَاتِهِنَّ}: مهورهن.
{نِحْلَةً}: هبة). [العمدة في غريب القرآن: 106]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم...}
السفهاء: النساء والصبيان {الّتي جعل اللّه لكم قياماً} يقول التي بها تقومون قواما وقياما. وقرأ نافع المدني (قيما) والمعنى - والله أعلم - واحد.
والعرب تقول في جمع النساء (اللاتي) أكثر مما يقولون (التي)، ويقولون في جمع الأموال وسائر الأشياء سوى النساء (التي) أكثر مما يقولون فيه (اللاتي) ). [معاني القرآن: 1/256-257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الّتي جعل الله لكم قياماً}: مصدر يقيمكم، ويجئ في الكلام في معنى قوام فيكسر، وإنما هو من الذي يقيمك، وإنما أذهبوا الواو لكسرة القاف، وتركها بعضهم كما قالوا: ضياءً للناس وضواءً للناس). [مجاز القرآن: 1/117]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({التي جعل الله لكم قياما}: تقول هذا قيام أمرك وقوامه). [غريب القرآن وتفسيره: 114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم}
أي: لا تعطوا الجهلاء أموالكم.
والسفه: الجهل. وأراد هاهنا النساء والصبيان.
{قياماً} وقواما بمنزلة واحدة. يقال: هذا قوام أمرك وقيامه، أي: ما يقوم به أمرك). [تفسير غريب القرآن: 120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم الّتي جعل اللّه لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا}
قال بعضهم: السفهاء النساء والصبيان.
وقال بعضهم: السفهاء اليتامى، والسفهاء يدل على أنّه لا يعني به النساء وحدهن، لأن النساء أكثر ما يستعمل فيهن جمع سفيهة وهو سفائه، ويجوز سفهاء، كما يقال فقيرة وفقراء.
وقال بعضهم، معناه: لا تهبوا للسفهاء أموالكم، وهذا عندي – واللّه أعلم - غير جائز، كذلك قال أصحابنا البصريون بل السفيه أحق بالهبة لتعذّر الكسب عليه، ولو منعنا من الهبة لهم لما جاز أن نورّثهم، وإنما معنى: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم
}، لا تؤتوا السفهاء أموالهم، والدليل على ذلك قوله: {وارزقوهم فيها واكسوهم}
وقوله: {فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم
}
وإنما قيل أموالكم لأن معناه الشيء الذي به قوام أمركم، كما قال اللّه: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} ولم يكن الرجل منهم يقتل نفسه، ولكن كان بعضهم يقتل بعضا، أي: تقتلون الجنس الذي هو جنسكم.

وقرئت " اللاتي جعل اللّه لكم قياما "، وقيما. يقال: هذا قوام الأمر وملاكه.
المعنى: التي جعلها الله تقيمكم فتقومون بها قياما، فهو راجع إلى هذا، والمعنى: جعلها الله قيمة الأشياء فبها يقوم أمركم.
{وقولوا لهم قولا معروفا} أي: علموهم - مع إطعامكم إياهم، وكسوتكم إيّاهم - أمر دينهم... ). [معاني القرآن: 2/13-14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}
قال عبد الله بن عمر وجماعة من التابعين:
السفهاء النساء والصبيان.
وإنما قالوا هذا لأن: السفه في هؤلاء أكثر.
والسفه: الجهل وأصله الخفة يقال ثوب سفيه إذا كان خفيفا، وقيل للفاسق سفيه لأنه لا قدر له عند المؤمنين وهو خفيف في أعينهم هين عليهم، والمعنى: ولا تؤتوا السفهاء فوق ما يحتاجون إليه فيفسدوه والدليل على هذا قوله بعد: {وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا} أي: علموهم أمر دينهم). [معاني القرآن: 2/18-19]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء} أي: الجهال، يريد النساء والصبيان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 58]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({السُّفَهَاء}: الجهال.
{قِيَاماً}: وفي معنى قوام). [العمدة في غريب القرآن: 106]

تفسير قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فإن آنستم مّنهم رشداً...}
يريد: فإن وجدتم، وفي قراءة عبد الله "فإن أحسيتم منهم رشدا".
{فادفعوا إليهم أموالهم} يعني: الأوصياء واليتامى.

وقوله: {وبداراً أن يكبروا} (أن) في موضع نصب، يقول: لا تبادروا كبرهم.
وقوله: {فليأكل بالمعروف} هذا الوصيّ، يقول: يأكل قرضا). [معاني القرآن: 1/257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وابتلوا اليتامى} أي: اختبروهم).
[مجاز القرآن: 1/117]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم مّنهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنيّاً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى باللّه حسيباً}
[وقال] {فإن آنستم مّنهم رشداً} وقال: {آنستم} ممدودة، تقول: "آنست منه رشداً وخيراً" و{آنست نارا} مثلها ممدودة وتقول: "أنست بالرّجل" "أنساً" فألف "أنست" مقصورة وألف "أنساً" مضمومة. ويقال "أنسا".
وقال: {إسرافاً وبداراً أن يكبروا} يقول لا تأكلوها مبادرة أن يشبّوا). [معاني القرآن: 1/193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وابتلوا اليتامى}: اختبروهم.
{وبدارا أن يكبروا}: مبادرة.
{وكفى بالله حسيبا}: كافيا يقال قد أحسبني ما عندك أي كفاني). [غريب القرآن وتفسيره: 115]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وابتلوا اليتامى} أي: اختبروهم.

{حتّى إذا بلغوا النّكاح} أي: بلغوا أن ينكحوا النساء.
{فإن آنستم منهم رشداً} أي: علمتم وتبينتم. وأصل آنست: أبصرت.
{وبداراً أن يكبروا} أي: تأكلوها مبادرة أن يكبروا فيأخذوها منكم.

{ومن كان غنيًّا فليستعفف} أي: ليترك ولا يأكل.

{ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} أي: يقتصد ولا يسرف). [تفسير غريب القرآن:120-121]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (أصل البلاء: الاختبار، قال الله جل وعلا: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} أي: اختبروهم.

وقال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} يعني: ما أمر به إبراهيم من ذبح ابنه، صلوات الله عليهما). [تأويل مشكل القرآن: 469]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -: {وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيّا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى باللّه حسيبا
} معناه: اختبروا اليتامى.
{حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا
}
معنى {آنستم}: علمتم.
ومعنى (الرشد): الطريقة المستقيمة التي تثقون معها بأنّهم يحفظون أموالهم، فادفعوا إليهم أموالهم.
{ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا}
أي: مبادرة كبرهم.
قال بعضهم: لا تأكلوها إسرافا، لا تأكلوا منها، وكلوا القوت على قدر نفعكم إياهم في توليكم عليهم.
وقال بعضهم، معنى {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} أي: يأكل قرضا ولا يأخذ من مال اليتيم شيئا، لأن المعروف أن يأكل
الإنسان ماله، ولا يأكل مال غيره: قال والدليل على ذلك قوله: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم}). [معاني القرآن: 2/14-15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} قال الحسن، أي: اختبروهم). [معاني القرآن: 2/19]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشدا}
{آنستم} بمعنى: علمتم وأحسستم ومنه قول الشاعر:
آنست نبأة وأفزعها القنا ص عصرا وقد دنا الإمساء
والرشد: الطريقة المستقيمة.
قال مجاهد: العقل.
وقال سفيان: العقل والحفظ للمال.
قال أبو جعفر: وهذا من أحسن ما قيل فيه لأنه أجمع أهل العلم على أنه إذا كان عاقلا مصلحا لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله). [معاني القرآن: 2/20]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} أي: مبادرة أن يكبروا فيأخذوها منكم). [معاني القرآن: 2/21]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف}
في هذه الآية أقوال:
أجودها: أن لولي اليتيم ما للولي أن يأخذ منه إن كان فقيرا بمقدار ما يقوم به وكذلك روي عن عمر أنه قال: أنا في هذا المال بمنزلة ولي اليتيم يأخذ منه ما يصلحه إذا احتاج .
وروى القاسم بن محمد أن أعرابيا سأل ابن عباس ما يحل لي من مال يتيمي فرخص له أن يأخذ منه إذا كان يخدمه ما لم يسرف.
وقال عبيدة والشعبي وأبو العالية: ليس له أن يأخذ شيئا إلا قرضا.
وحدثنا عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان، قال حدثنا داود الضبي، قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن عاصم عن أبي العالية {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} قال: قرضا، ثم تلا هذه الآية {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم}.
وقال أبو يحيى عن مجاهد: ليس له أن يأخذ قرضا ولا غير ذلك.
وقال بهذا القول من الفقهاء أبو يوسف وذهب إلى أن الآية منسوخة نسخها قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة} وليس بتجارة). [معاني القرآن: 2/21-23]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَابْتَلُواْ} اختبروا.
و{آنَسْتُم} أي: علمتم وتبينتم، وأصله أبصرتم.
{وَبِدَارً} أي: مبادرة، {أَن يَكْبَرُواْ} فيأخذوا أموالهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 58]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({آنَسْتُم}: علمتم.
{رُشْداً}: صلاحاً.
{إِسْرَافاً}: مجاوزة الحد.
{وبِدَاراً}: مبادرة.
{وابْتَلُواْ}: اخبروا.
{حَسِيباً}: كافياً). [العمدة في غريب القرآن:106-107]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 09:58 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 7 إلى 14]

{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)}

تفسير قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لّلرّجال نصيبٌ...}
ثم قال الله تبارك وتعالى: {نصيباً مّفروضاً} وإنما نصب النصيب المفروض وهو نعت للنكرة لأنه أخرجه مخرج المصدر، ولو كان اسما صحيحا لم ينصب، ولكنه بمنزلة قولك: لك عليّ حقّ حقّا، ولا تقول: لك على حقّ درهما، ومثله عندي درهمان هبةً مقبوضة، فالمفروض في هذا الموضع بمنزلة قولك: فريضة وفرضا). [معاني القرآن: 1/257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إسرافاً} الإسراف: الإفراط.
{وبداراً} أي: مبادرة قبل أن يدرك فيؤنس منه الرّشد فيأخذ منك.
{فليأكل بالمعروف} أي: لا يتأثّل مالاً، التأثل: اتخاذ أصل مالٍ، والأثلة الأصل، قال الأعشى:
ألست منتهياً عن نحت أثلتنا... ولست ضائرها ما أطّت الإبل
مجد مؤثّل: قديم له أصل). [مجاز القرآن: 1/117-118]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نصيباً مفروضاً}: نصب على الخروج من الوصف). [مجاز القرآن: 1/118]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لّلرّجال نصيبٌ مّمّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ مّمّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيباً مّفروضاً}
قال: {لّلرّجال نصيبٌ مّمّا ترك الوالدان} إلى قوله: {نصيباً مّفروضاً} فانتصابه كانتصاب {كتاباً مّؤجّلاً}). [معاني القرآن: 1/193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قال قتادة: وكانوا لا يورّثون النساء فنزلت: {وللنّساء نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيباً مفروضاً} موجبا فرضه اللّه، أي: أوجبه). [تفسير غريب القرآن: 121]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: عزّ وجلّ: {للرّجال نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيبا مفروضا}
كانت العرب لا تورّث إلا من طاعن بالرماح وزاد عن المال وحاز الغنيمة، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن حق الميراث على ما ذكر من الفرض.
وجاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعها بنات لها توفّي أبوهنّ وهو زوجها وقد همّ عمّا البنات بأخذ المال فنزلت: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين} الآية، فقال العمّان: يا رسول الله أيرث من لا يطاعن بالرماح ولا يزود عن المال ولا يحوز الغنيمة؟
فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أعطيا البنات الثلثين، وأعطيا الزوجة - وهي أمّهنّ - الثمن، وما بقي فلكما))، فقالا: فمن يتولى القيام بأمرهما؟ فأمرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوليا ذلك.
وقوله عزّ وجلّ: {نصيبا مفروضا} هذا منصوب على الحال، المعنى: لهؤلاء أنصبة على ما ذكرناها في حال الفرض، وهذا كلام مؤكّد لأن قوله - جل ثناؤه - {للرّجال نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيب...} معناه: إنّ ذلك مفروض لهنّ). [معاني القرآن: 2/15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} يروى أنهم كانوا لا يورثون النساء وقالوا: لا يرث إلا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف فأنزل الله: {وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}). [معاني القرآن: 2/23]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم مّنه وقولوا لهم قولاً مّعروفاً}
قال: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين} ثم قال: {فارزقوهم مّنه} لأن معناه المال والميراث فذكّر على ذلك المعنى). [معاني القرآن: 1/193-194]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} فيه قولان:
أحدهما: أن تكون القسمة الوصية، يقول: إذا حضرها أقرباؤكم الذين لا يرثونكم، والمساكين، واليتامى- فاجعلوا لهم فيها حظا، وألينوا لهم القول، وليخش من حضر الوصية، وهو لو كان له ولد صغار خاف عليهم بعده الضّيعة- أن يأمر الموصي بالإسراف فيما يعطيه اليتامى والمساكين وأقاربه الذين لا يرثون فيكون قد أمره بما لم يكن يفعله لو كان هو الميت، وهو معنى قول سعيد بن جبير وقتادة.
قال قتادة: إذا حضرت وصية ميت فمره بما كنت آمرا به نفسك، وخف على ورثته ما كنت خائفا على ضعفة أولادك لو تركتهم بعدك.
والقول الآخر: أن تكون القسمة قسمة الورثة الميراث بعد وفاة الرجل، يقول: فإذا حضرها الأقارب واليتامى والمساكين، فارضخوا لهم وعدوهم، ثم استأنف معنى آخر فقال: وليخش من لو ترك ولدا صغارا خاف عليهم الضّيعة، فليحسن إلى من كفله من اليتامى، وليفعل بهم ما يجب أن يفعل بولده من بعده. وهو معنى قول ابن عباس في رواية أبي صالح عنه). [تأويل مشكل القرآن: 323]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا}أي: فأعطوهم منه.
قال الحسن رحمة اللّه عليه والنخعي: أدركنا الناس وهم يقسمون على القرابات والمساكين. واليتامى من العين، يعنيان الورق، والذهب، فإذا قسم الورق والذهب وصارت القسمة إلى الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك؛ قالوا لهم قولا معروفا كانوا يقولون لهم: بورك فيكم.
وقال قوم: نسخ الأمر للمساكين ومن ذكر في هذه الآية الفرض في القسمة، وإباحة الثلث للميّت يجعله حيث شاء.
قال أبو إسحاق: وقد أجمعوا أن الأمر بالقسمة من الميراث للقرابة والمساكين واليتامى قد أمر بهما، ولم يجمعوا على نسخها، والأمر في ذلك على ما أجمع عليه، واللّه أعلم). [معاني القرآن: 2/15-16]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين} في هذه الآية أقوال:
أحدهما: أنها منسوخة، قال سعيد بن المسيب: نسختها الميراث والوصية.
والإجماع من أكثر العلماء في هذا الوقت: أنه لا يجب إعطاؤهم وإنما هذا على جهة الندبة إلى الخير أي إذا حضروا فأعطوهم كما كان المتوفى يؤمر بإعطائهم.
وقال عبيدة والشعبي والزهري والحسن: هي محكمة.
قال ابن أبي نجيح: يجب أن يعطوا ما طابت به الأنفس
قال أبو جعفر: وأن يكون ذلك شكرا على ما رزقهم الله دونه). [معاني القرآن: 2/23-25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وقولوا لهم قولا معروفا} قال سعيد بن جبير: يقال لهم خذوا بورك لكم). [معاني القرآن: 2/25]

تفسير قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قولاً سديداً} أي: قصداً). [مجاز القرآن: 1/118]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّةً ضعافاً خافوا عليهم فليتّقواّ اللّه وليقولوا قولاً سديداً}
قال: {وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّةً} لأنه يريد "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية يخافون عليهم" مثل ما يتركون منهم من ذرية غيرهم، أي: فلا يفعلن ذلك حتى لا يفعله بهم غيرهم؛ "فليخشوا" أي: "فليخشوا هذا" أي: فليتّقوا، ثم عاد أيضاً فقال: {فليتّقوا اللّه}). [معاني القرآن: 1/194]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({سديدا}: قصدا). [غريب القرآن وتفسيره: 115]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وليخش الّذين لو تركوا} مبينة في كتاب «المشكل».
{قولًا سديداً} من السّداد، وهو الصواب والقصد في القول). [تفسير غريب القرآن: 121]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّة ضعافا خافوا عليهم فليتّقوا اللّه وليقولوا قولا سديدا}
الكلام في ذرية: بضم الذال، ويجوز ذرية، - بكسر الذال، وقد قرئ بهما، إلا أن الضمّ أجود وهي منسوبة إلى الذر، وهي فعليّة منه.
ويجوز أن يكون: أصلها ذرّورة، ولكن الراء أبدلت ياء وأدغمت الواو فيها، فأما الكسر في الذال فلكسر الراء كما قالوا في عتي: عتي.
وضعاف جمع ضعيف وضعيفة، كما تقول ظريف وظراف وخبيث وخباث، وإن قيل ضعفاء جاز، تقول ضعيف وضعفاء.
قيل: ومعنى الآية أنهم كانوا يوصون بأموالهم على قدر أهوائهم ويتركون ضعفة ذراريهم وأولادهم فأمرهم اللّه - عز وجل - أن يوصوا لهم، وأن يجروا ذلك من سداد.
وقيل: قيل لهم هذا بسبب اليتامى، فوعظوا في توليتهم اليتامى بأن يفعلوا كما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم.
وكلا القولين جائر حسن، ألا أن تسمية الفرائض قد نسخ ذلك بما جعل من الأقسام للأولاد وذوي العصبة). [معاني القرآن: 2/16-17]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم} قال سعيد بن جبير ومجاهد في الرجل يحضر عند المريض فيقول له قدم خيرا أو تصدق على أقربائك فأمروا أن يشفقوا على ورثة المريض كما يشفقون على ورثتهم .
وقال مقسم: يقول له من حضره اتق الله وأمسك عليك مالك فليس أحد أحق بمالك من ولدك ولو كانوا ذوي قرابة من الذي أوصى لأحبوا أن يوصي لأولادهم، وقول سعيد بن جبير أشبه بمعنى الآية والله أعلم لأن المعنى خافوا عليهم الفقر فالخوف واقع على ذرية الموتى). [معاني القرآن: 2/25-26]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (قوله: {سديدا} أي: حقا مستويا). [ياقوتة الصراط: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قَوْلاً سَدِيدًا} أي: صوابا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 58]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سَدِيداً}: قصد). [العمدة في غريب القرآن: 107]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}
[و] قال: {سيصلون سعيراً} فالياء تفتح وتضم ههنا وكل صواب. وقوله: {في بطونهم} توكيد). [معاني القرآن: 1/194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم خوّف اللّه عزّ وجلّ وغلظ في أمر اليتامى وأوعد فقال:
{إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنّما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}
(يقرأ) {وسيصلون}
في هذا - أعني في قوله.. يأكلون أموال اليتامى} - دليل أن مال اليتيم إن أخذ منه على قدر القيام له ولم يتجاوز ذلك جاز، بل يستظهر فيه إن أمكن ألا يقرب ألبتّة لشدة الوعيد فيه، بأن لا يؤكل منه إلا قرضا، وإن أخذ القصد وقدر الحاجة على قدر نفعه فلا بأس إن شاء الله). [معاني القرآن: 2/17]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} اليتيم في اللغة: المنفرد فقيل لمن مات أبوه من بني آدم يتيم وهو في البهائم الذي ماتت أمه). [معاني القرآن: 2/26]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} هذا مجاز في اللفظ، وحقيقته في اللغة: أنه لما كان ما يأكلون يؤديهم إلى النار كانوا بمنزلة من يأكل النار وإن كانوا يأكلون الطيبات). [معاني القرآن: 2/27]

تفسير قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإن كان له إخوةٌ} أي: أخوان فصاعداً، لأن العرب تجعل لفظ الجميع على معنى الإثنين، قال الراعى:
أخليد إنّ أباك ضاف وساده... همّان باتا جنبةً ودخيلا
طرقا فتلك هما همى أقريهما... قلصاً لواقح كالقسيّ وحولا
فجعل الإثنين في لفظ الجميع وجعل الجميع في لفظ الاثنين.
{أقرب لكم نفعاً} أدنى نفعاً لكم). [مجاز القرآن: 1/118]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وإن كانت واحدةً فلها النّصف ولأبويه لكلّ واحدٍ مّنهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولدٌ فإن لّم يكن لّه ولدٌ وورثه أبواه فلأمّه الثّلث فإن كان له إخوةٌ فلأمّه السّدس من بعد وصيّةٍ يوصي بها أو دينٍ آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيّهم أقرب لكم نفعاً فريضةً مّن اللّه إنّ اللّه كان عليماً حكيماً}
قال: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين} فالمثل مرفوع على الابتداء وإنما هو تفسير الوصية كما قال: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مّغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ} فسر الوعد يقول: "هكذا وعدهم" أي: قال "لهم مغفرةٌ". قال الشاعر:
عشيّة ما ودّ ابن غرّاء أمّه = لها من سوانا إذ دعا أبوان
قال: {فإن كنّ نساءً} فترك الكلام الأول وقال "إذا كان المتروكات نساءً" نصب وكذلك {وإن كانت واحدةً}.
وقال: {ولأبويه لكلّ واحدٍ مّنهما السّدس} فهذه الهاء التي في "أبويه" ضمير الميت لأنه لما قال: {يوصيكم اللّه في أولادكم} كان المعنى: يوصي اللّه الميت قبل موته بأنّ عليه لأبويه كذا ولولده كذا، أي: فلا يأخذنّ إلاّ ماله.
وقال: {فإن كان له إخوةٌ} فيذكرون أن الإخوة اثنان ومثله "إنّا فعلنا" وأنتما اثنان، وقد يشبه ما كان من شيئين وليس مثله، ولكن اثنين قد جعل جماعة [في] قول الله عز وجل: {إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما} وقال: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} وذلك أن في كلام العرب أن كل شيئين من شيئين فهو جماعة وقد يكون اثنين في الشعر [قال الشاعر]:
بما في فؤادينا من الشوق والهوى = فيجبر منهاض الفؤاد المشعّف
وقال الفرزدق:
هما نفثا في فيّ من فمويهما = على النّابح العاوي أشدّ لجام
وقد يجعل هذا في الشعر واحدا. قال:
لا ننكر القتل وقد سبينا = في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
وقال الآخر:
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا = فإنّ زمانكم زمن خميص
ونظير هذا قوله: "تسع مائة" وإنما هو "تسع مئات" أو"مئين" فجعله واحدا، وذلك أن ما بين العشرة إلى الثلاثة يكون جماعة نحو: "ثلاثة رجال" و"عشرة رجال" ثم جعلوه في "المئين" واحدا.
وقال: {من بعد وصيّةٍ يوصي بها} لأنه ذكر الرجل حين قال: {وورثه أبواه}، وقال بعضهم {يوصى} وكلٌّ حسن. ونظير {يوصي} بالياء). [معاني القرآن: 1/194-196]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لّم يكن لّهنّ ولدٌ فإن كان لهنّ ولدٌ فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّةٍ يوصين بها أو دينٍ ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لّم يكن لّكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم مّن بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ مّنهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضآرٍّ وصيّةً مّن اللّه واللّه عليمٌ حليمٌ}
{توصون} و{يوصين} حين ذكرهن، واحتج الذي قال: {يوصي} بالياء بقوله: {غير مضارٍّ وصيّةً مّن اللّه} [فـ] نصب {وصيّةً} و{فريضةً مّن اللّه} كما نصب {كتاباً مؤجّلاً}.
وقال: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً} ولو قرئت {يورث} كان جيدا وتنصب {كلالةً} وقد ذكر عن الحسن، فإن شئت نصبت كلالةً على خبر {كان} وجعلت {يورث} من صفة الرجل، وإن شئت جعلت {كان} تستغني عن الخبر نحو "وقع"، وجعلت نصب {كلالةً} على الحال، أي: "يورث كلالةً" كما تقول: "يضرب قائماً" قال الشاعر في "كان" التي لا خبر لها:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي = إذا كان يومٌ ذو كواكب أشهب
قال: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ مّنهما} يريد من المذكورين.
ويجوز أن نقول: للرجل إذا قلت "زيدٌ أو عمرٌ منطلقٌ": "هذان رجلا سوء" أي: اللذان ذكرت).[معاني القرآن: 1/196-197]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الفرض: وجوب الشيء، ويقال: فرضت عليك كذا، أي: أوجبته...
ومنه قوله في آية الصدقات بعد أن عدّد أهلها: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ}
وقيل للصلاة المكتوبة: فريضة.
وقيل لسهام الميراث: فريضة). [تأويل مشكل القرآن: 475]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه جمع يراد به واحد واثنان كقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} واحد واثنان فما فوق.
وقال قتادة في قوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ}: كان رجل من القوم لا يمالئهم على أقاويلهم في النبي صلّى الله عليه وسلم، ويسير مجانبا لهم، فسماه الله طائفة وهو واحد.
وكان «قتادة» يقول في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} هو رجل واحد ناداه: يا محمد، إنّ مدحي زين، وإنّ شتمي شين، فخرج إليه النبي، صلّى الله عليه وسلم فقال: ((ويلك، ذاك الله جل وعز)) ونزلت الآية.
وقوله سبحانه: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}، أي: أخوان فصاعدا). [تأويل مشكل القرآن:282-283] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ - {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النّصف ولأبويه لكلّ واحد منهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمّه الثّلث فإن كان له إخوة فلأمّه السّدس من بعد وصيّة يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيّهم أقرب لكم نفعا فريضة من اللّه إنّ اللّه كان عليما حكيما}
معنى {يوصيكم}: يفرض عليكم، لأن الوصية من اللّه - عز وجل - فرض، والدليل على ذلك قوله: {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ذلكم وصّاكم به}وهذا من المحكم علينا.
{للذّكر مثل حظّ الأنثيين}المعنى: يستقر للذكر مثل حظ الأنثيين، له الثلثان وللابنة الثلث.
{فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النّصف}
يجوز واحدة وواحدة ههنا، وقد قرئ بهما جميعا إلا أن النصب عندي أجود بكثير، لأن قوله: {فإن كنّ نساء فوق اثنتين} قد بين أن المعنى فإن كان الأولاد نساء، وكذلك، وإن كانت المولودة واحدة فلذلك اخترنا النصب، وعليه أكثر القراءة.
فإن قال قائل إنما ذكر لنا ما فوق الثنتين وذكرت واحدة فلم أعطيت البنتان الثلثين فسوّي بين الثنتين والجماعة؟
فقد قال الناس في هذا غير قول: قال بعضهم: أعطيت البنتان الثلثين بدليل لا تفرض لهما مسمى، والدليل: أهو، قوله: {يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك}، فقد صار للأخت النصف كما أن للابنة النصف، {فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان} فأعطيت البنتان الثلثين كما أعطيت الأختان، وأعطي جملة الأخوات الثلثين قياسا على ما ذكر اللّه - عزّ وجلّ - في جملة البنات، وأعلم اللّه في مكان آخر أن حظ الابنتين وما فوقهما حظ واحد في قوله: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث}،فدلت هذه الآية: أن حظّ الجماعة إذا كان الميراث مسمى حظ واحدة.
وهذا أيضا في العربية كذا قياسه لأن منزلة الاثنتين من الثلاث كمنزلة الثلاث من الأربع فالاثنان جمع كما أن الثلاث جمع، وصلاة الاثنين وصلاة الاثنتين جماعة، والاثنان يحجبان كما تحجب الجماعة.
فهذا بيّن واضح.
وهذا جعله اللّه في كتابه يدل بعضه على بعض تفقيها للمسلمين وتعليما، ليعلموا فيما يحزبهم من الأمور على هذه الأدلة.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد، وكذا قال إسماعيل بن إسحاق – أنه قال: في الآية نفسها دليل أن للبنتين الثلثين، لأنه إذا قال: للذكر مثل حظ الأنثيين، وكان أول العدد ذكرا وأنثى، فللذّكر الثلثان وللأنثى الثلث، فقد بأن من هذا أن للبنتين الثلثين، واللّه قد أعلم أن ما فوق الثنثين لهما الثلثان.
وجميع هذه الأقوال التي ذكرنا: حسن جميل بين، فأمّا ما ذكر عن ابن عباس من أن البنتين بمنزلة البنت فهذا لا أحسبه صحيحا عن ابن عباس وهو يستحيل في القياس لأن منزلة الاثنين منزلة الجمع، فالواحد خارج عن الاثنين، ويقال ثلث وربع وسدس، ويجوز تخفيف هذه الأشياء لثقل الضم، فيقال ثلث وربع وسدس.
ومن زعم أن الأصل فيه: التخفيف وأنّه ثقل فخطأ، لأن الكلام موضوع على الإيجاز والتخفيف.
وقوله عزّ وجلّ: {ولأبويه لكلّ واحد منهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمّه الثّلث فإن كان له إخوة فلأمّه السّدس} فالأم لها في الميراث تسمية من جهتين:
1- تسمية السدس مع الولد.
2- وتسمية السدس مع الإخوة، وتسمية الثلث إن لم يكن له ولد.
والأب يرث: من جهة التسمية السدس، ويرث بعد التسمية على جهة التعصيب.
والأم يحجبها: الإخوة عن الثلث فترث معهم السدس.
قال أبو إسحاق: ونذكر من كل شيء من هذا مسألة، إذ كان أصل الفرائض في الأموال والمواريث في هذه السورة.
فإن مات رجل أو امرأة فخلفا أبوين، فلام الثلث، والثلثان الباقيان للأب، بهذا جاء التنزيل وعليه اجتمعت الأمة، فإن خلّف الميت ولدا وكان ذكرا فللأم السدس وللأب السدس، وما بقي فللابن، فإن خلّف بنتا وأبوين، فللبنت النصف وللأم السدس، وما بقي للأب يأخذ الأب سدسا بحق التسمية، ويأخذ السدس الآخر بحق التعصيب.
فإن خلّف الميت - وكانت امرأة - زوجا وأبوين، فللزوج النصف وللأم ثلث ما بقي للأب ثلثا ما بقي، وهو ثلث أصل المال.
وقد ذكر عن ابن عباس إنّه كان يعطي الأمّ الثلث من جميع المال.
ويعطي الأب السدس، فيفضل الأم على الأب في هذا الموضع.
والإجماع: على خلاف ما روي عنه.
وقال الذين احتجوا مع الإجماع: لو أعلمنا اللّه - عزّ وجلّ - أن المال بين الأب والأم ولم يسم لكل واحد لوجب أن نقسمه بينهما نصفين، فلما أعلمنا اللّه - عزّ وجلّ - أنّ للأم الثلث علمنا أن للأب الثلثين، فلما دخل على الأب والأم داخل أخذ نصف المال، دخل النقص عليهما جميعا، فوجب أن يكون الميراث للأبوين إنّما هو النص، فصار للأم ثلث النصف، وللأب ثلثا النصف..
وقيل في الاحتجاج في هذا قول آخر:
قال بعضهم: إنما قيل {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمّه الثّلث}
ولم يرثه ههنا أبواه فقط، بل ورثه أبواه وورثه مع الأبوين غير الأبوين، فرجع ميراث الأم إلى ثلث ما بقي.
وقال أصحاب هذا الاحتجاج: كيف تفضل الأم على الأب والإخوة يمنعون الأم الثلث فيقتصر بها على السدس، ويوفر الباقي على الأب، فيأخذ الأب خمسة أسداس، وتأخذ الأم سدسا.
فإن توفي رجل أو امرأة، وخلّف إخوة ثلاثة فما فوق، وأمّا وأبا أخذت الأم السدس وأخذ الأب الباقي. هذا إجماع.
وقد روي عن ابن عباس في هذا شيء شاذ: رووا أنّه كان يعطي الإخوة هذا السدس الذي منع الإخوة الأم أن تأخذه، فكان يعطي الأمّ السّدس، والإخوة السّدس. ويعطي الأب الثلثين، وهذا لا يقوله أحد من الفقهاء.
وقد أجمعت فقهاء الأمصار: أن الإخوة لا يأخذون مع الأبوين.
فإن توفّي رجل وخلف أخوين وأبوين، فقد أجمع الفقهاء أن الأخوين يحجبان الأم عن الثلث، إلا ابن عباس فإنه كان لا يحجب بأخوين، وحجته أن اللّه - عزّ وجلّ - قال: {فإن كان له إخوة فلأمّه السّدس}
وقال جميع أهل اللغة: إن الأخوين جماعة، كما أن الإخوة جماعة، لأنك إذا جمعت واحدا إلى واحد فهما جماعة، ويقال لهما إخوة.
وحكى سيبويه أن العرب تقول: قد وضعا رحالهما، يريدون رحليهما.
وما كان الشيء منه واحدا فتثنيته جمع، لأنّ الأصل هو الجمع.
قال اللّه تعالى: {إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما}.
وقال: {ولأبويه} لأن كل واحد منهما قد ولده.
والأصل في " أم " أن يقال " أبة "، ولكن استغني عنها بأم. وأبوان تثنية أب، وأبة، وكذلك لو ثنيت ابنا وابنة، - ولم تخف اللبس - قلت: ابنان.
{فلأمّه}
تقرأ بضم الهمزة وهي أكثر القراءات.
وتقرأ بالكسر " فلإمّه "، فأما إذا كان قبل الهمزة غير كسر، فالضم لا غير، مثل قوله:
{وجعلنا ابن مريم وأمّه آية} لا يجوز وإمّه، وكذلك قوله: {ما هنّ أمّهاتهم}، وإنما جاز " لإمّه " و {في أمّها رسولا} بالكسر، لأن قبل الهمزة كسرة.
فاستثقلوا الضمة بعد الكسرة، وليس في كلام العرب مثل: " فعل " بكسر الفاء وضم العين، فلما اختلطت اللام بالاسم شبه بالكلمة الواحدة، فأبدل من الصفة كسرة،.
ومن قال: فلامه كح - بضم الهمزة. أتى بها على أصلها، على أن اللام تقديرها تقدير الانفصال.
وقوله عزّ وجل: {من بعد وصيّة يوصي بها أو دين} أي: إن هذه الأنصبة إنما تجب بعد قضاء الدين، وإنفاذ وصية الميت في فإن قال قائل: فلم قال أو دين، وهلا كان " من بعد وصية يوصي بها ودين؟
فالجواب في هذا: أن " أو " تأتي للإباحة، فتأتي لواحد واحد على انفراد، وتضم الجماعة فيقال جالس الحسن أو الشعبي، والمعنى كل واحد من هؤلاء أهل أن يجالس، فإن جالست الحسن فأنت مصيب، ولو قلت جالس الرجلين فجالست واحدا منهما وتركت الآخر كنت غير متبع ما أمرت.
فلو كان " من بعد وصية يوصي بها ودين " احتمل اللفظ أن يكون هذا إذا اجتمعت الوصية والدين، فإذا انفردا كان حكم آخر، فإذا كانت " أو " دلّت على أن أحدهما إن كان فالميراث بعده، وكذلك إن كانا كلاهما وقوله - عزّ وجلّ -: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيّهم أقرب لكم نفعا} في هذا غير قول: أمّا التفسير فإنه يروى أن الابن إن كان أرفع درجة من أبيه في الجنة أن يرفع إليه أبوه فيرفع، وكذلك الأب إن كان أرفع درجة من ابنه سأل يرفع ابنه إليه فأنتم لا تدرون في الدنيا أيهم أقرب لكم نفعا، أي: إن اللّه - عزّ وجلّ - قد فرض الفرائض على ما هي عنده حكمة، ولو ذلك إليكم لم تعلموا أيهم لكم أنفع في الدنيا، فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة.
{إنّ اللّه كان عليما حكيما} أي: عليم بما يصلح خلقه - حكيم فيما فرض من هذه الأموال وغيرها.
وقوله: {فريضة من اللّه} منصوب على التوكيد والحال من.. ولأبويه... أي: ولهؤلاء الورثة ما
ذكرنا مفروضا، ففريضة مؤكدة لقوله {يوصيكم الله}
ومعنى {إن اللّه كان عليما حكيما}فيه ثلاثة أقوال:
1- قال سيبويه: كان القوم شاهدوا علما وحكمة ومغفرة وتفضلا، فقيل لهم إن الله كان كذلك ولم يزل، أي لم يزل على ما شاهدتم.
2- وقال الحسن: كان عليما بالأشياء قبل خلقها، حكيما فيما يقدر تدبيره منها.
3- وقال بعضهم: الخبر عن الله في هذه الأشياء بالمضي، كالخبر بالاستقبال والحال، لأن الأشياء عند الله في حال واحدة، ما مضى وما يكون وما هو كائن.
والقولان الأولان هما الصحيحان: لأن العرب خوطبت بما تعقل، ونزل القرآن بلغتها فما أشبه من التفسير كلامها فهو أصح، إذ كان القرآن بلغتها نزل.
وقال بعضهم: الأب تجب عليه النفقة للابن إذا كان محتاجا إلى ذلك، وكذلك الأب تجب نفقته على الابن إذا كان محتاجا إلى ذلك، فهما في النفع في هذا الباب لا يدرى أيهما أقرب نفعا.
والقول الأول هو الذي عليه أهل التفسير). [معاني القرآن: 2/18-25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {يوصيكم الله في أولادكم} أي: يفرض عليكم كما قال {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به}).[معاني القرآن: 2/27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {للذكر مثل حظ الأنثيين} خلافا على أهل الجاهلية لأنهم كانوا لا يورثون الإناث). [معاني القرآن: 2/27-28]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} ولم يسم للاثنتين شيئا ففي هذا أقوال:
أ- منها أنه قيل إن فوقا ههنا زائدة وأن المعنى فإن كن نساء اثنتين كما قال فاضربوا فوق الأعناق.
ب- وقيل أعطي الاثنتان الثلثين بدليل لا بنص لأن الله عز وجل جعل هذه الأشياء يدل بعضها على بعض ليتفقه لها المسلمون والدليل أنه جعل فرض الأخوات والإخوة للأم إذا كن اثنتين أو أكثر واحدا فقال عز وجل: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث}.
ج- ودليل آخر أنه جعل فرض الأخت كفرض البنت فلذلك يجب أن يكون فرض البنتين كفرض الأختين
قال الله عز وجل: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك}
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: في الآية نفسها دليل على أن للبنتين الثلثين لأنه قال {للذكر مثل حظ الأنثيين} وأقل العدد ذكر وأنثى فإذا كان للواحدة الثلث دل ذلك على أن للأنثيين الثلثين فهذه أقاويل أهل اللغة.
وقد قيل: ليس للبنات إلا النصف والثلثان فلما وجب أن لا يكون للابنتين وجب أن يكون لهما الثلثان، على أن ابن عباس قال: لهما النصف.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى البنتين الثلثين .
وروى جابر بن عبد الله أن امرأة سعد بن الربيع أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن زوجي قتل معك وإنما يتزوج النساء للمال وقد خلفني وخلف ابنتين وأخا وأخذ الأخ المال فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ادفع إليها الثمن وإلى البنتين الثلثين ولك ما بقي)).). [معاني القرآن: 2/28-31]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فإن كان له إخوة فلامه السدس} أجمعت الفقهاء أن: الإخوة اثنان فصاعدا، إلا ابن عباس فإنه قال: لا يكون الإخوة أقل من ثلاثة والدليل على أن الاثنين يقال لهما إخوة قوله: {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء}، فلا اختلاف بين أهل العلم أن هذا يكون للاثنين فصاعدا والاثنان جماعة لأنه واحد جمعته إلى آخر.
وقال {وأطراف النهار} يعني: طرفيه والله أعلم وصلاة الاثنين جماعة). [معاني القرآن: 2/31-32]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إنكم تقرؤون {من بعد وصية يوصي بها أو دين} وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية.
قال أبو جعفر: كأن هذا على التقديم والتأخير وليست أو ههنا بمعنى الواو وإنما هي للإباحة.
والفرق بينها وبين الواو: أنه لو قال من بعد وصية يوصي بها ودين جاز أن يتوهم السامع بأن هذا إذا اجتمعا فلما جاء بأو جاز أن يجتمعا وأن يكون واحد منهما). [معاني القرآن: 2/32-33]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} قال ابن عباس: في الدنيا.
وقال غيره: إذا كان الابن أرفع درجة من الأب سأل الله أن يلحقه به وكذلك الأب إذا كان أرفع درجة منه). [معاني القرآن: 2/33]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما} أي: عليم بما فرض حكيم به .
ومعنى كان ههنا فيه أقوال :
أحدهما: أن معناه لم يزل كأن القوم عاينوا حكمة وعلما فأعلمهم الله عز وجل أنه لم يزل كذلك وقيل الإخبار من الله في الماضي والمستقبل واحد لأنه عنده معلوم). [معاني القرآن: 2/33-34]

تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يورث كلالةً...}
الكلالة: ما خلا الولد والوالد.
وقوله: {وله أخٌ أو أختٌ} ولم يقل: ولهما؛ وهذا جائز؛ إذا جاء حرفان في معنى واحد بأو أسندت التفسير إلى أيّهما شئت.
وإن شئت: ذكرتهما فيه جميعا؛ تقول في الكلام: من كان له أخ أو أخت فليصله، تذهب إلى الأخ (و) فليصلها، تذهب إلى الأخت.
وإن قلت (فليصلهما) فذلك جائز.
وفي قراءتنا: {إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما}.
وفي إحدى القراءتين: (فالله أولى بهم) ذهب إلى الجماع لأنهما اثنان غير موقّتين.
وفي قراءة عبد الله: (والذين يفعلون منكم فآذوهما) فذهب إلى الجمع لأنهما اثنان غير موقتين، وكذلك في قراءته: (والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما).
وقوله: {غير مضارٍّ} يقول: يوصى بذلك غير مضارّ.
ونصب قوله وصية من قوله: {لكلّ واحدٍ منهما السّدس - وصيةً من الله} مثل قولك: لك درهمان نفقةً إلى أهلك، وهو مثل قوله: {نصيبا مفروضا}). [معاني القرآن: 1/257-258]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فلهنّ الثّمن}، (والرّبع) والمعنى واحد (؟).
{كلالةً}: كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة.
{يورث كلالةً}: مصدرٌ من تكلّله النسب، أي: تعطّف النسب عليه، ومن قال: {يورث كلالة} فهم الرجال الورثة، أي: يعطف النسب عليه). [مجاز القرآن: 1/118-119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقوله: {يورث كلالةً} هو الرجل يموت ولا ولد له ولا والد.
قال أبو عبيدة: هو مصدر من تكلّله النّسب. وتكلله النسب: أحاط به.
والأب والابن طرفان للرجل. فإذا مات ولم يخلفهما، فقد مات عن ذهاب طرفيه. فمسي ذهاب الطرفين: كلالة، وكأنها اسم للمصيبة في تكلل النسب مأخوذ منه، نحو هذا قولهم: وجهت الشيء: أخذت وجهه، وثغّرت الرجل: كسرت ثغره.
وأطراف الرجل: نسبه من أبيه وأمه. وأنشد أبو زيد:
فكيف بأطرافي إذا ما شتمتني وما بعد شتم الوالدين صلوح
أي: صلاح). [تفسير غريب القرآن:121-122]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجل: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولد فإن كان لهنّ ولد فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّة يوصين بها أو دين ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّة توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّة يوصى بها أو دين غير مضارّ وصيّة من اللّه واللّه عليم حليم}
{وإن كان رجل يورث كلالة}

يقرأ يورث ويورث.. بفتح الراء وكسرها -. فمن قرأ يورث - بالكسر - فكلالة.. مفعول، ومن قرأ " يورث " فكلالة منصوب على الحال.
زعم أهل اللغة أن: الكلالة من قولك " تكلله النسب، أي: لم يكن الذي يرثه ابنه ولا أباه.
والكلالة: سوى الولد والوالد، والدليل على أن الأب ليس بكلالة قول الشاعر:
فإن أبا المرء أحمى له... ومولى الكلالة لا يغضب
وإنما هو كالإكليل الذي على الرأس. وإنما استدل على أن الكلالة ههنا الإخوة لأمّ دون الأب بما ذكر في آخر السورة أن للأختين الثلثين وأن للإخوة كل المال، فعلم ههنا لما جعل للواحد السدس، وللاثنين الثلث، ولم يزادوا على الثلث شيئا ما كانوا، علم أنه يعني بهم الإخوة لأمّ.
فإن ماتت امرأة وخلّفت زوجا وأمّا وإخوة لأمّ فللزوج النصف وللام السدس، وللإخوة من الأم الثلث.
فإن خلّفت زوجا وأمّا وإخوة لأب وأمّ وإخوة لأمّ فإن هذه المسألة يسميها بعضهم المسألة المشتركة، وبعضهم يسميها الحمارية.
قال بعضهم: إن الثلث الذي بقي للإخوة للأمّ دون الإخوة للأب والأم، لأن لهؤلاء الذين للأمّ تسمية وهي الثلث وليس للإخوة للأب والأم تسمية، فأعطيناهم الثلث.
كما أنّه لو مات رجل وخلّف أخوين لأمّ، وخلّف مائة أخ لأب وأمّ لأعطي الأخوان للأمّ الثلث وأعطي المائة الثلثين، فقد صار الإخوة للأمّ يفضلون في الأنصباء الإخوة للأب والأمّ الأشقاء.
وقال بعضهم: الأمّ واحدة.
وسموها الحمارية بأن قالوا: هب أباهم كان حمارا واشتركوا بينه.
فسمّيت المشتركة.
وقوله عزّ وجلّ: {غير مضارّ وصيّة من اللّه} "غير" منصوب على الحال، المعنى: يوصي بها غير مضار، فمنع اللّه عزّ وجلّ من الضّرار في الوصية.
وروي عن أبي هريرة: من ضارّ في وصية ألقاه الله في واد من جهنّم أو من نار ".
فالضرار: راجع في الوصية إلى الميراث.
{واللّه عليم حليم}أي: عليم ما دبر من هذه الفرائض، حليم عمّن عصاه بأن أخرّه وقبل توبته). [معاني القرآن: 2/25-27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة} في الكلالة أقوال:
1- قال البصريون الكلالة: الميت الذي لا ولد له ولا والد، واحتجوا بأنه روي عن أبي بكر باختلاف وعن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس وجابر بن زيد أنهم قالوا: الكلالة من لا ولد له ولا والد.
وقال البصريون هذا مثل قولك رجل عقيم إذا لم يولد له، وهو مشتق من الإكليل: فكأن الورثة قد أحاطوا به وليس له ولد ولا والد فيحوز المال.
2- وقال أهل المدينة وأهل الكوفة: الكلالة الورثة الذين لا والد فيهم ولا ولد.
وروي عن عمر قولان:
أحدهما: أن الكلالة من لا ولد له ولا والد.
والآخر: أنها من لا ولد له .
قال أبو جعفر روي عن عطاء قول شاذ قال: الكلالة المال.
وقال ابن زيد: الكلالة الميت الذي لا والد له ولا ولد والحي كلهم كلالة هذا يرث بالكلالة وهذا يورث بالكلالة.
وقال محمد بن جرير: الصواب أن الكلالة الذي يرثون الميت من عدا ولده ووالده لصحة خبر جابر يعني ابن عبد الله أنه قال: قلت يا رسول الله إنما يرثني كلالة فكيف بالميراث فنزلت). [معاني القرآن: 2/34-36]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس}
وإنما يعني ههنا: الإخوة والأخوات للأم.
وكذلك روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ {وله أخ أو أخت من أمه فلكل واحد منهما السدس} وقرأ الحسن وأبو رجاء {يورث كلالة}.
وقال هارون القارئ قرأ بعض أهل الكوفة {يورث كلالة} فعلى هاتين القراءتين لا تكون الكلالة إلا الورثة أو المال). [معاني القرآن: 2/36-37]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار} وروي عن الحسن أنه قرأ (غير مضار وصية من الله) مضاف.
وقد زعم بعض أهل اللغة أن: هذا لحن لأن اسم الفاعل لا يضاف إلى المصدر.
والقراءة حسنة على حذف والمعنى غير مضار ذي وصية، أي: غير مضار بها ورثته في ميراثهم). [معاني القرآن: 2/37-38]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {يورث كلالة} الكلالة: النسب كله، ما خلا الولد والوالدين). [ياقوتة الصراط: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الكلالة) وهو الرجل يموت ولا ولد له ولا والد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 58]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تلك حدود اللّه...} معناه: هذه حدود الله). [معاني القرآن: 1/258]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تلك حدود الله}: فرائض الله). [مجاز القرآن: 1/119]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {تلك حدود اللّه ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم} أي: الأمكنة التي لا ينبغي أن تتجاوز.
{ومن يطع اللّه ورسوله}أي: يقيم حدوده على ما حدّ.
{يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها}أي: يدخلهم مقدّرين الخلود فيها، والحال يستقبل بها، تقول: مررت به معه باز صائدا به غدا، أي: مقدرا الصيد به غدا). [معاني القرآن: 2/27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {تلك حدود الله} أي: ما منع أن يجاوز وحددت منعت). [معاني القرآن: 2/38]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار} أي: من يطعه فيما فرض وحد). [معاني القرآن: 2/38]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ومن يعص اللّه ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}أي: يجاوز ما حدّه الله وأمر به.
{يدخله نارا خالدا فيها}خالدا من نعت النار.
ويجوز أن يكون: منصوبا على الحال، أي: يدخله مقدّرا له الخلود فيها). [معاني القرآن: 2/27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا} معنى يتعدى: يتجاوز، أي: يتجاوز ما حد له). [معاني القرآن: 2/38]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:07 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 15 إلى 24]

{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{واللاّتي يأتين الفاحشة...}
وفي قراءة عبد الله (واللاتي يأتين بالفاحشة).

والعرب تقول: أتيت أمرا عظيما، وأتيت بأمر عظيم، وتكلمت كلاما قبيحا، وبكلام قبيح.
وقال في مريم {لقد جئت شيئا فريّا} و{جئتم شيئا إدّا} ولو كانت فيه الباء لكان صوابا.
وقوله: {فأمسكوهن في البيوت} كن يحبسن في بيوت لهن إذا أتين الفاحشة حتى أنزل الله تبارك وتعالى: قوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما...}).
[معاني القرآن: 1/258]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {واللاتى يأتين الفاحشة}: واحدها التي، وبعض العرب يقول: اللواتي وبعضهم يقول: اللاتي، قال الراجز:

من اللّواتي والّتي واللاّتي... زعمن أني كبرت لداتي
أي: أسناني وقال الأخطل:
من اللّواتي إذا لانت عريكتها... يبقى لها بعده آلٌ ومجلود
آلها: شخصها، ومجلودها جلدها، وقال عمر بن أبي ربيعة:
من اللاتي لم يحججن يبغين حسبةً... ولكن ليقتلن البرئ المغفّلا). [مجاز القرآن: 1/119-120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({واللّاتي يأتين الفاحشة}
يعني: الزنا.
وقوله: {فأمسكوهنّ في البيوت} منسوخة نسختها). [تفسير غريب القرآن: 122]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله جلّ وعزّ:
{واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا}
{الفاحشة}: الزنا، والتي يجمع اللاتي، واللواتي.
قال الشاعر:
من اللواتي والتي واللاتي... زعمن أنّي كبرت لداتي
ويجمع اللاتي: بإثبات الياء ويحذف الياء.
قال الشاعر:
من اللاء لم يحججن يبغين حسبة... ولكن ليقتلن البريء المغفّلا
{فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم}أي: من المسلمين.
{فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا} هذا كان الفرض في الزنا قبل أن ينزل الجلد، ويأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرجم، فكان يحبس الزانيان أبدا.
وقال بعضهم {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا}: هو الحد الذي نسخ التخليد في الحبس والأذى). [معاني القرآن: 2/27-28]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت} هذه الآية منسوخة. قال ابن عباس:
كان الأمر كذا حتى نزلت الآية {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}
فأما معنى الآية المنسوخة فإن سفيان والسدي قالا: كان الثيب إذا زنا حبس حتى يموت وكان البكر إذا زنا سب بالقول، إلا أن الفائدة في الآية كان لا يقبل في الزنا إلا أربعة.
وزعم مجاهد أن قوله {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم}: أنها كانت خاصة على النساء دون الرجال والتي بعدها على الرجال خاصة وهي {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} بالسب ثم نسختا بالحد المفروض هذا معنى قوله .
قال أبو جعفر: وهذا الصحيح في اللغة الذي هو حقيقة فلا يغلب المذكر على المؤنث إلا بدليل
فأما معنى {أو يجعل الله لهن سبيلا}: فإن عبادة بن الصامت روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) قيل هذا الحديث منسوخ وهو أن: الثيب لا جلد عليه وإنما عليه الرجم،ونسخ هذا الحديث حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن ابني كان عسيفا لهذا وأنه فسق بامرأته فافتديت منه ثم خبرت أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليه ما أخذ منه وأن يجلد ابنه مائة ويغرب عاما وترجم المرأة ولم يأمر بجلدها.
ويقال: إن حديث عبادة كان في الابتداء وأن التغريب لا يجب إلا أن يراه السلطان لأنه يجوز أن يكون التغريب منه صلى الله عليه وسلم لشيء علمه من المجلود وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن: على الثيب الجلد والرجم، هو قول أهل النظر لأنه لم يتبين نسخ الجلد مع الرجم فالجلد ثابت وعليه غير دليل). [معاني القرآن: 2/39-42]


تفسير قوله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (قوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما...}
فنسخت هذه الأولى). [معاني القرآن: 1/259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({والّلذان يأتيانها منكم}
يعني: الفاحشة.
{فآذوهما} أي عزروهما. ويقال: حدوهما. {فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} أي: لا تعيروهما بالفاحشة.
ونحو هذا قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله في الأمة: ((فليجلدها الحد ولا يعيرها)).). [تفسير غريب القرآن: 122]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنّ اللّه كان توّابا رحيما}
قال بعضهم: كان الحبس للثيبين، والأذى للبكرين، يوبخان، فيقال لهما زنيتما وفجرتما وانتهكتما حرمات اللّه.

وقال بعضهم: نسخ الأذى لهما مع الحبس.
وقال بعضهم: الأذى لا ينبغي أن يكون منسوخا عنهما إلا أن يتوبا، وإن قوله عزّ وجلّ: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} هو من التوبيخ لهما بأن يفضحا على رؤوس الملأ.
أمّا ما سلف مما كان في أمر الفاجرين فقد استغنى عنه إلا أن الفائدة فيه أن الشهادة لم تزل في الزنا شهادة أربعة نفر). [معاني القرآن: 2/28-29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا}
أي: لا تعَيروهما بعد الحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 58]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ثمّ يتوبون من قريبٍ...} يقول: قبل الموت، فمن تاب في صحّته أو في مرضه قبل أن ينزل به الموت فتوبته مقبولة.
وقوله: {يعملون السّوء بجهالةٍ} لا يجهلون أنه ذنب، ولكن لا يعلمون كنه ما فيه كعلم العالم). [معاني القرآن: 1/259]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله تعالى:
{إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان اللّه عليما حكيما}
ليس معناه: أنهم يعملون السوء وهم جهّال، غير مميزين فإن من لا عقل له ولا تمييز لا حدّ عليه، وإنّما معنى {بجهالة}: أنهم في اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية جهّال، فليس ذلك الجهل مسقطا عنهم العذاب، لو كان كذلك لم يعذب أحد ولكنه جهل في الاختيار.
ومعنى {يتوبون من قريب}: يتوقفون قبل الموت، لأن ما بين الإنسان وبين الموت قريب، فالتوبة مقبولة قبل اليقين بالموت). [معاني القرآن: 2/29]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} قال قتادة: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل من عصى الله عز وجل فهو جاهل).
[معاني القرآن: 2/42]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ثم يتوبون من قريب} روي عن الضحاك أنه قال: كل ما كان دون الموت فهو قريب).
[معاني القرآن: 2/43]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ...}
{الذين} في موضع خفض، يقول: إن أسلم الكافر في مرضه قبل أن ينزل به الموت كان مقبولا، فإذا نزل به الموت فلا توبة). [معاني القرآن: 1/259]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أعتدنا لهم عذاباً أليماً}: أفعلنا من العتاد،
ومعناها: أعددنا لهم؛ و{أليماً} مؤلماً). [مجاز القرآن: 1/120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما}
{
حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} إنما لم تكن له التوبة، لأنه تاب في وقت لا يمكن الإقلاع بالتصرف فيما يحقق التوبة.
{أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما} أي: مؤلما موجعا، والمؤلم الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ). [معاني القرآن: 2/29]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: ما حضور الموت إلا السوق، يعني: أنه إذا عاين تبين له الحق ولا تنفعه التوبة عند ذلك كما قال عز وجل عن فرعون آمنت).
[معاني القرآن: 2/43]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرهاً...}
كان الرجل إذا مات عن امرأته وله ولد من غيرها وثب الولد فألقى ثوبه عليها، فتزوّجها بغير مهر إلا مهر الأول، ثم أضرّ بها ليرثها ما ورثت من أبيه، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرهاً ولا تعضلوهنّ} {تعضلوهن} في موضع نصب بأن، وهي في قراءة عبد الله (ولا أن تعضلوهنّ) ولو كانت جزما على النهي كان صوابا). [معاني القرآن: 1/259]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وعاشروهنّ بالمعروف} أي: خالقوهنّ).
[مجاز القرآن: 1/120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({عاشروهن بالمعروف}: خالقوهن). [غريب القرآن وتفسيره: 115]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرهاً} قالوا: كان الرجل إذا مات عن امرأته، وله ولد من غيرها، ألقى ثوبه عليها فيتزوجها بغير مهر إلّا المهر الأول. ثم أضرّ بها ليرثها ما ورثت من أبيه. وكذلك كان يفعل الوارث أيضا غير الولد.

والكره هاهنا، بمعنى: الإكراه والقهر، فأما الكره بالضم، فبمعنى: المشقة.
يقول الناس: لتفعلنّ ذلك طوعا أو كرها، أي: طائعا أو مكرها. ولا يقال:

طوعا أو كرها بالضم.
{وعاشروهنّ بالمعروف} أي: صاحبوهن مصاحبة جميلة). [تفسير غريب القرآن: 122]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -:
{يا أيّها الّذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرها ولا تعضلوهنّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل اللّه فيه خيرا كثيرا} معناه: تكرهوهن على التزويج بكم.
وهذه نزلت لأنهم: كانوا إذا مات زوج المرأة وله ولد من غيرها ضرب ابنه عليها حجابا، وقال: أنا أحقّ بها، فتزوجها على العقد الذي كان عقده أبوه من تزوجها ليرثها ما ورثت من أبيه، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن ذلك حرام.
وقوله تعالى:
{ولا تعضلوهنّ} هؤلاء غير أولئك.
حرم الله أن تعضل المرأة، ومعنى تعضل: تحبس عن التزوج.

كان الرجل منهم إذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها لتفتدي منه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ - أن ذلك لا يحل.
و {تعضلوهن} يصلح أن يكون نصبا ويصلح أن يكون جزما.

أما النصب: فعلى أن لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن.
ويصلح أن يكون: جزما على النّهي.
{إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة}والفاحشة: الزنا.
{وعاشروهنّ بالمعروف}أي: بالنصفة في المبيت والنفقة، والإجمال في القول). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}
قال الزهري وأبو مجلز: كان هذا في حي من الأنصار كان الرجل إذا توفي وخلف امرأة ألقى عليها وليه رداء فلا تقدر أن تتزوج، هذا معنى كلامهما،وزاد غيرهما ويتزوجها بغير مهر وربما ضارها ولا تقدر أن تتزوج حتى تفتدي منه فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} الآية،

فيكون المعنى: لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن فتكونوا أزواجا لهن
ويجوز أن يكون المعنى: لا تتزوجوهن لترثوهن كرها فيكون الميراث وقع منهن بالكراهة منهن للعقد الموجب للميراث .
ويقرأ (كرها) والفراء يذهب إلى أن معنى كرها أن تكره على الشيء والكره من قبله يذهب إلى أنه بمعنى المشقة.

قال الكسائي: الكره والكره واحد وهو عند البصريين كما قال الكسائي وهما لغتان). [معاني القرآن: 2/43-45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} قال مجاهد:
هو مثل الذي في البقرة، يذهب إلى أن معناه: ولا تحبسوهن
ويروى أن: الرجل كان يتزوج المرأة فلا تعجبه فيحبسها ويضارها حتى تفتدي منه). [معاني القرآن: 2/45-46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال الحسن والشعبي:
يعني الزنا.
قال الشعبي: فإن فعلت ذلك صلح لخلع وكان له أن يطالبها به.
وقال مقسم: هذا إذا عصتك وآذتك
وقال عطاء الخراساني: كان الرجل إذا تزوج المرأة فأتت بفاحشة كان له أن يأخذ منها كلما ساقه إليها فنسخ ذلك بالحدود). [معاني القرآن: 2/46-47]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وعاشروهن بالمعروف}
أي: في المبيت والنفقة والكلام). [معاني القرآن: 2/47]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {ولا تعضلوهن} أي: لا تمنعوهن).
[ياقوتة الصراط: 197]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا} أي: قهرا، وهذا نهي عما كان في الجاهلية، كان الرجل إذا مات وترك ولدا من غير امرأته، ألقى الولد عليها ثوبه فيتزوجها بذلك المهر الأول، يحبسها ليرث منها ما ورثت من أبيه).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 58]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عَاشِرُوهُنَّ}: خالقوهن). [العمدة في غريب القرآن: 107]


تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بهتاناً} أي: ظلماً).
[مجاز القرآن: 1/120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({بهتاناً} أي: ظلما).
[تفسير غريب القرآن: 122]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهنّ قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} معناه: إذا أردتم تخلية المرأة، إذا أراد الرجل أن يستبدل مكانها ولم ترد.
هذا شدد اللّه فيه بقوله:
{ولا تعضلوهنّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن}
{وآتيتم إحداهنّ قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا}القنطار: المال العظيم، وقد بيّنا ما قاله الناس فيه في سورة آل عمران.
وقوله - عزّ وجلّ:
{فلا تأخذوا منه شيئا}
فحرم اللّه الأخذ من المهر على جهة الإضرار بقوله:
{أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} والبهتان: الباطل الذي يتحير من بطلانه، وبهتان حال موضوعة في موضع المصدر، المعنى: أتأخذونه مباهتين وآثمين). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وان أردتم استبدال زوج مكان زوج}
أي: تطليقا وتزوجا ثم قال: {وآتيتم إحداهن قنطارا} القنطار: المال الكثير وقد ذكرناه في سورة آل عمران). [معاني القرآن: 2/47-48]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا}
والبهتان في اللغة: الباطل الذي يتحير من بطلانه ومنه بهت الرجل إذا تحير). [معاني القرآن: 2/48]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والزوج: المرأة، والزوج: الرجل). [ياقوتة الصراط: 197]

تفسير قوله تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وقد أفضى بعضكم إلى بعضٍ...} الإفضاء: أن يخلو بها وإن لم يجامعها.
وقوله: {مّيثاقاً غليظاً} الغليظ الذي أخذنه قوله تبارك وتعالى: {فإمساك بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان}). [معاني القرآن: 1/259]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أفضى بعضكم إلى بعضٍ}: المجامعة.

{ميثاقاً} الميثاق: مفعال من الوثيقة بيمين، أو عهد، أو غير ذلك، إذا استوثقت). [مجاز القرآن: 1/120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أفضى بعضكم إلى بعض} الإفضاء: الجماع). [غريب القرآن وتفسيره: 115]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أفضى بعضكم إلى بعضٍ} يعني: المجامعة.
{وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} أي: وثيقة.
قال ابن عباس: هو تزوجهن على إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان).[تفسير غريب القرآن:122-123]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}
الإفضاء: أصله الغشيان.
وقال بعضهم: إذا خلا فقد أفضى، غشي أو لم يغش.
{وأخذن منكم ميثاقا غليظا}
قال بعضهم: هو عقد المهر.

وقال بعضهم: الميثاق الغليظ قوله: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}
وقوله
{ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا}
والتسريح بإحسان: لا يكون بأن تأخذ منها مهرهان هذا تسريح بإساءة لا بإحسان). [معاني القرآن: 2/31-32]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} قال ابن عباس:
الإفضاء الغشيان.
وأصل الإفضاء في اللغة: المخالطة ويقال للشيء المختلط فضا
قال الشاعر:
فقلت لها يا عمتا لك ناقتي وتمر فضا في عيبتي وزبيب
ويقال القوم فوضى فضا أي مختلطون لا أمير عليهم). [معاني القرآن: 2/48-49]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وأخذن منكم ميثاقا غليظا} قال ابن عباس والحسن:
هو قوله {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} وجعله بمنزلة الميثاق المغلظ، أي: اليمين مجازا.
وقال مجاهد وعكرمة: استحللتموهن بأمانة الله وملكتموهن بكلمة الله عز وجل). [معاني القرآن: 2/49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}
يعني: المجامعة.
{مِّيثَاقًا غَلِيظًا} قال ابن عباس: تزوجهن على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
ومعنى {غليظا} أي: وثيقاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 59]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الإِفْضَاءُ): الجماع). [العمدة في غريب القرآن: 107]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النّساء إلاّ ما قد سلف}: نهاهم أن ينكحوا نساء آبائهم، ولم يحلّ لهم ما سلف،
أي: ما مضى، ولكنه يقول: إلاّ ما فعلتم.
{إنّه كان فاحشةً ومقتاً وساء سبيلاً} أي: بئس طريقةً ومسلكا، ومن كان يتزوج امرأة أبيه فولد له منها، يقال له: مقتيّ، ومقتوىٌ من قتوت، وهذا من مقت؛ (كان الأشعث بن قيس منهم، تزوج قيس بن معدي كرب امرأة أبيه، فولدت له الأشعث، وكان أبو عمرو بن أميّة خلف على العامرية امرأة أبيه فولدت له أبا معيط) ). [مجاز القرآن: 1/120-121]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم مّن النّساء إلاّ ما قد سلف إنّه كان فاحشةً ومقتاً وساء سبيلاً}
قال: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم مّن النّساء إلاّ ما قد سلف}
لأن معناه: فإنكم تؤخذون به، فلذلك قال: {إلاّ ما قد سلف}، أي: فليس عليكم جناح، ومثل هذا في كلام العرب كثير، تقول: "لا نصنع ما صنعت" "ولا نأكل ما أكلت"). [معاني القرآن: 1/197]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وساء سبيلا}: بئس طريقا ومسلكا). [غريب القرآن وتفسيره: 116]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وساء سبيلًا}
أي: قبح هذا الفعل فعلا وطريقا، كما تقول: ساء هذا مذهبا وهو منصوب على التمييز، كما قال: {وحسن أولئك رفيقاً). [تفسير غريب القرآن: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}يريد سوى ما سلف في الجاهلية قبل النهي). [تأويل مشكل القرآن: 78]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ -
{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النّساء إلّا ما قد سلف إنّه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا}المعنى: لا تنكحوا كما كان من قبلكم ينكح ما نكح أبوه، فهذا معنى {إلّا ما قد سلف}
{إنّه كان فاحشة}المعنى: إلا ما قد سلف فإنه كان فاحشة، أي: زنا {ومقتا} والمقت: أشد البغض.
{وساء سبيلا} أي: وبئس طريقا، أي: ذلك الطريق بئس طريقا.
فالمعنى: أنهم أعلموا أن ذلك في الجاهلية كان يقال له مقت، وكان المولود عليه يقال له المقتي، فأعلموا أن هذا الذي حرم عليهم لم يزل منكرا في قلوبهم ممقوتا عندهم.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: جائز أن تكون " كان " زائدة، فالمعنى على هذا: إنه فاحشة ومقت، وأنشد في ذلك قول الشاعر:
فكيف إذا حللت بدار قوم... وجيران لنا كانوا كرام
قال أبو إسحاق: هذا غلط من أبي العباس، لأنّ " كان " لو كانت زائدة لم تنصب خبرها. والدليل على هذا البيت الذي أنشده:
وجيران لنا كانوا كرام
ولم يقل: كانوا كراما). [معاني القرآن: 2/32-33]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} يقال كيف استثنى ما قد سلف مما لم يكن بعد؟

فالجواب: أن هذا استثناء ليس من الأول والعرب تقول ما زاد إلا ما نقص، وسيبوبه يجعل إلا بمعنى لكن المعنى لكن ما قد سلف فإنه مغفور أو فدعوه). [معاني القرآن: 2/50]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} يقال لم جيء بـ {كان} وهو بكل حال فاحشة
ففي هذا جوابان:
1- قال أبو إسحاق قال أبو العباس محمد بن يزيد: كان ههنا زائدة، والمعنى: أنه فاحشة وأنشد:
فكيف إذا رأيت ديار قوم وجيران لنا كانوا كرام
2- قال أبو جعفر قال أبو إسحاق: وهذا عندي خطأ لأن كان لو كانت زائدة وجب أن يكون إنه كان فاحشة ومقت والجواب أن هذا كان مستقبحا عندهم في الجاهلية يسمونه فاحشة ومقتا
والمقت أشد البغض ويسمون المولود منه المقتي فأعلم الله جل وعز أن هذا الذي حرمه كان قبيحا في الجاهلية ممقوتا). [معاني القرآن: 2/50-52]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سَبِيلاً}: طريقاً). [العمدة في غريب القرآن: 107]


تفسير قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وأن تجمعوا بين الأختين...}
أن في موضع رفع؛ كقولك: والجمع بين الأختين). [معاني القرآن: 1/260]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وربائبك الّلاتي في حجوركم من نسائكم} بنات المرأة من غيره. ربيبة الرجل: بنت امرأته، ويقال لها: المربوبة، وهي بمنزلة قتيلة ومقتولة.

{في حجوركم} في بيوتكم، ويقال: إن عائشة كتبت إلى حفصة:
إن ابن أبي طالب بعث ربيبه ربيب السّوء، تعنى محمد بن أبي بكرٍ، وكانت أمه أسماء بنت عميس، عند علي بن أبي طالب؛ ويقال للزوج أيضاً: هو ربيب ابن امرأته، وهو رابٌّ له، فخرجت مخرج عليم في موضع عالم.
{وحلائل أبنائكم} حليلة الرجل: امرأته). [مجاز القرآن: 1/121-122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وربائبكم} الربيبة: ابن
ة امرأة الرجل من غيره). [غريب القرآن وتفسيره: 116]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وحلائل أبنائكم} أزواج البنين). [تفسير غريب القرآن: 123]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: - جلّ وعزّ -:
{حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمّاتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمّهاتكم اللّاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرّضاعة وأمّهات نسائكم وربائبكم اللّاتي في حجوركم من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ فإن لم تكونوا دخلتم بهنّ فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الّذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلّا ما قد سلف إنّ اللّه كان غفورا رحيما}
هذا يسمى التحريم المبهم، وكثير من أهل العلم لا يفرق في المبهم وغير المبهم تفريقا مقنعا، وإنما كان يسمى هذا المبهم من المحرمات لأنه لا يحل بوجه ولا سبب، واللاحق به {وأمّهاتكم اللّاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرّضاعة} والرضاعة قد أدخلت هذه المحرمات في الإبهام.

{وأمّهات نسائكم}
قد اختلف الناس في هذه: فجعلها بعضهم مبهمة وجعلها بعضهم غير مبهمة.
فالذي جعلها مبهمة قال: إنّ الرجل إذا تزوج المرأة حرمت عليه أمها دخل بها أو لم يدخل بها، واحتج بأن {اللّاتي دخلتم بهنّ} إنما هو متصل بالربائب، وروي عن ابن عباس أنه قال: {وأمّهات نسائكم} من المبهمة.
{وربائبكم اللّاتي في حجوركم من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ}
قال أبو العباس محمد بن يزيد: {اللّاتي دخلتم بهنّ} نعت للنساء اللواتي هن أمهات الربائب لا غير، قال:
والدليل على ذلك إجماع الناس أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها، وأن من أجاز أن يكون قوله: {من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ} هو لأمهات نسائكم، يكون المعنى على تقديره، وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ.
فيخرج أن يكون اللاتي دخلتم بهن لأمهات الربائب.
والدليل على أن ما قاله أبو العباس هو الصحيح أن: الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا.
لا يجيز النحويون: مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات، على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء وهؤلاء النساء.
والذين قالوا بهذا القول أعني الذين جعلوا أمهات نسائكم بمنزلة قوله: {من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ} إنما يجوز لهم أن يكون منصوبا على " أعني "
فيكون المعنى: أعني اللاتي دخلتم بهنّ، وأن يكون {وأمهات نسائكم} تمام هذه التحريمات المبهمات، ويكون الربائب هن اللاتي يحللن إذا لم يدخل بأمهاتهنّ قط دون أمهات نسائكم هو الجيّد البالغ.
فأمّا الربيبة: فبنت امرأة الرجل من غيره، ومعناها: مربوبة، لأن الرجل هو يربّها، ويجوز أن تسمى: ربيبة لأنه تولى تربيتها، كانت في حجره أو لم تكن تربت في حجره، لأن الرجل إذا تزوج بأمها سمي ربيبها، والعرب تسمّي الفاعلين والمفعولين بما يقع بهم ويوقعونه، فيقولون: هذا مقتول وهذا ذبيح، أي: قد وقع بهم ذلك. وهذا قاتل أي: قد قتل، وهذه أضحية آل فلان لما قد ضحوا به، وكذلك هذه قتوبة، وهذه حلوبة، أي ما يقتب ويحلب.
وقوله:
{وحلائل أبنائكم}جمع حليلة وهي: امرأة ابن الرجل، لا تحل للأب، وهي من المبهمات وحليلة بمعنى: محلّة، مشتق من الحلال.
{وأن تجمعوا بين الأختين}
{أن} في موضع رفع، المعنى: حرمت هذه الأشياء والجمع بين الأختين.
{إلّا ما قد سلف} المعنى: سوى ما قد سلف فإنه مغفور لكم). [معاني القرآن: 2/33-35]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم} هذه المحرمات تسمى المبهمات لأنها لا تحل بوجه ولا سبب إلا قوله: {وأمهات نسائكم} فإن أكثر الفقهاء يجعله من الأول .
وقال بعضهم: إذا تزوجها ولم يدخل بها لم تحرم عليه أمها، وهذا القول على مذهب أهل اللغة بعيد لأن الشرط لمن يقع عليه ولأن قوله: {من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} متعلق بقوله: {وربائبكم اللاتي في حجوركم}.

ولا يجوز أن يكون قوله: {اللاتي} من نعتهما جميعا لأن الخبرين مختلفان ولكنه يجوز على معنى أعني وأنشد الخليل وسيبويه:
إن بها أكتل أو رزاما خويربين ينفقان الهاما
خويربين بمعنى: أعني والربيبة: بنت امرأة الرجل وسميت ربيبة لأن زوج أمها يربيها، ويجوز أن تسمى: ربيبة وإن لم يربها لأنها ممن يربيها كما يقال أضحية من قبل أن يضحى بها وكذلك حلوبة، أي: يحلب قال الشاعر:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغراب الأسحم). [معاني القرآن: 2/52-54]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} حليلة الرجل امرأته والرجل حليل لأن كل واحد منهما يحل على صاحبه

وقيل حليلة بمعنى: محلة من الحلال والحرام قال الشاعر:

وحليل غانية تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الأعلم
فأما الفائدة في قوله {من أصلابكم} فهي: على إخراج الحليلات بنات الأدعياء المتبنين من هذا غير أن في حجوركم يدل على التربية). [معاني القرآن: 2/54-55]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} فهذا استثناء ليس من الأول،
والمعنى: لكن ما قد سلف فإنه مغفور). [معاني القرآن: 2/55]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ}
أي: أزواجهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 59]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الرَّبِيبَةُ}: بنت امرأة الرجل). [العمدة في غريب القرآن: 107]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الحَلاَئِلُ}: أزواج الأبناء). [العمدة في غريب القرآن: 108]

تفسير قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{والمحصنات من النّساء...}
المحصنات: العفائف.
والمحصنات: ذوات الأزواج التي أحصنهنّ أزواجهن.
والنصب في المحصنات أكثر.، وقد روى علقمة: "المحصنات" بالكسر في القرآن كله إلا قوله: {والمحصنات من النّساء} هذا الحرف الواحد؛ لأنها ذات الزوج من سبايا المشركين. يقول: إذا كان لها زوج في أرضها استبرأتها بحيضة وحلّت لك.
وقوله: {كتاب اللّه عليكم} كقولك: كتابا من الله عليكم.
وقد قال بعض أهل النحو، معناه: عليكم كتاب الله. والأوّل أشبه بالصواب.
وقلّما تقول العرب: زيدا عليك، أو زيدا دونك، وهو جائز كأنه منصوب بشيء مضمر قبله، وقال الشاعر:
يا أيّها المائح دلوي دونكا * إني رأيت الناس يحمدونكا
الدلو رفع، كقولك: زيد فاضربوه. والعرب تقول: الليل فبادروا، والليل فبادروا. وتنصب الدلو بمضمر في الخلفة كأنك قلت: دونك دلوي دونك.
وقوله: {وأحلّ لكم مّا وراء ذلكم} يقول: ما سوى ذلكم.

وقوله: {ويكفرون بما وراءه}
يريد: سواه.
وقوله: {أن تبتغوا} يكون موضعها رفعا؛ يكون تفسيرا لـ (ما)، وإن شئت كانت خفضا،
يريد: أحل الله لكم ما وراء ذلكم لأن تبتغوا، وإذا فقدت الخافض كانت نصبا.
وقوله: {مّحصنين} يقول: أن تبتغوا الحلال غير الزنا. والمسافحة الزنا). [معاني القرآن: 1/260-261]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والمحصنات}: ذوات الأزواج.

والحاصن: العفيفة، قال العجاج:
وحاصنٍ من حاصناتٍ ملس... من الأذى ومن قراف الوقس
أي: الجرب.
{كتاب الله عليكم} أي: كتب الله ذاك عليكم، والعرب تفعل مثل هذا إذا كان في موضع (فعل) أو (يفعل)، نصبوه.
عن أبي عمرو بن العلاء، قال كعب بن زهير:
تسعى الوشاة جنابيها وقيلهم... إنّك يا بن أبي سلمي لمقتول
قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول، معناها: ويقولون، وكذا كل شيء من هذا المنصوب كان في موضع (فعل) أو (يفعل)، كقولك: (صبراً ومهلاً وحلاًّ، أي: اصبر، وامهل، وتحلّل.

{ما وراء ذلكم}: ما سوى ذلك.
{مسافحين} المسافح: الزاني، ومصدره: السّفاح.
{ولا جناح عليكم}: لا إثم عليكم، ولا تبعة). [مجاز القرآن: 1/122-123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({المحصنات}: ذوات الأزواج والمحصنات العفائف أيضا.
{وأحل لكم ما وراء ذلكم}: ما سوى ذلكم.
{المسافح}: الزاني والسفاح الزنا). [غريب القرآن وتفسيره: 116]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({والمحصنات من النّساء إلّا ما ملكت أيمانكم}
أي: حرم عليكم ذوات الأزواج إلّا ما ملكت أيمانكم من السبايا اللواتي لهن أزواج في بلادهن.
{كتاب اللّه عليكم} أي: فرضة اللّه عليكم.
{محصنين} متزوجين.
{غير مسافحين} أي: غير زناة.
والسفاح: الزنا.
وأصله من: سفحت القربة إذا صببتها، فسمي الزنا سفاحا كما يسمى مذاء، لأنه يسافح يصب النطفة وتصب المرأة النطفة ويأتي بالمذي وتأتي المرأة بالمذي، وكان الرجل في الجاهلية إذا أراد أن يفجر بالمرأة قال لها سافحيني أو ماذيني، ويكون أيضا من صب الماء عليه وعليها.
{وآتوهنّ أجورهنّ} أي: أعطوهن مهورهن). [تفسير غريب القرآن: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإحصان هو: أن يحمى الشيء ويمنع منه.
والمحصنات من النساء}: ذوات الأزواج، لأن الأزواج أحصنوهنّ، ومنعوا منهن، قال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 511]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{والمحصنات من النّساء إلّا ما ملكت أيمانكم كتاب اللّه عليكم وأحلّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إنّ اللّه كان عليما حكيما}القراءة بالفتح.
قد أجمع على: الفتح في هذه، لأن معناها: اللاتي أحصنّ بالأزواج. ولو قرئت والمحصنات لجاز، لأنهنّ يحصنّ فروجهن بأن يتزوجن.
وقد قرئت التي سوى هذه " المحصنات " و " والمحصنات ".
{إلا ما ملكت أيمانكم}أي: إن ملك الرجل محصنة في بلاد الشرك فله أن يطأها، إلا أن جميع الوطء لا يكون في ملك اليمين إلا عن استبراء، وقد قال بعضهم: إن الرجل إذا ملك جارية وكانت متزوجة فبيعها وملكها قد أحلّ فرجها، وإن لم تكن أحصنت في بلاد الشرك، والتفسير على ما وصفنا في ذوات الأزواج في الشرك.
وقوله:
{كتاب اللّه عليكم}منصوب على التوكيد محمول على المعنى، لأن معنى قوله: {حرّمت عليكم أمّهاتكم} كتب الله عليكم هذا كتابا
كما قال الشاعر:
ورضت فذلت صعبة أي إذلال
لأن معنى رضت أذللت.
وقد يجوز أن يكون: منصوبا على جهة الأمر، ويكون {عليكم} مفسرا له، فيكون المعنى ألزموا كتاب اللّه.

ولا يجوز أن يكون: منصوبا ب {عليكم}، لأن قولك: عليك زيدا، ليس له ناصب متصرف فيجوز تقديم منصوبه.

وقول الشاعر:
يا أيّها المائح دلوي دونكا... إني رأيت الناس يحمدونكا
يجوز أن يكون " دلوي " في موضع نصب بإضمار خذ دلوي، ولا يجوز على أن يكون دونك دلوى لما شرحناه.
ويجوز أن يكون " دلوي " في موضع رفع، والمعنى هذا دلوي دونكا.
ويجوز أن يكون {كتاب اللّه عليكم} رفعا على معنى هذا فرض اللّه عليكم، كما قال جلّ وعزّ:
{لم يلبثوا إلّا ساعة من نهار بلاغ}.
وقوله:
{وأحلّ لكم ما وراء ذلكم}.
و {أحلّ} أيضا يقرآن جميعا، ومعنى {ما وراء ذلكم}: ما بعد ذلكم، أي: ما بعد هذه الأشياء التي حرمت حلال، على ما شرع اللّه، إلا أن السنة قد حرمت تزوج المرأة على عمتها، وكذلك تزوجها على خالتها، ولم يقل اللّه - عزّ وجلّ -: لا أحرم عليكم غير هذا.

وقال عزّ وجلّ:
{وما آتاكم الرّسول فخذوه}.
وأتوهّم أن الخالة كالوالدة، وأن العمّة كالوالد، لأن الوالد في وجوب الحق كالوالدة، وتزوجها على عمتها وخالتها من أعظم العقوق.
وقوله عزّ وجلّ:
{أن تبتغوا بأموالكم} نصب وإن شئت رفع.
المعنى: أحلّ لكم أن تبتغوا محصنين غير مسافحين، أي: عاقدين التزويج غير مسافحين، أي: غير زناة، والمسافح والمسافحة الزانيان غير الممتنعين من الزنا، فإذا كانت تزني بواحد فهي ذات خدن.
فحرّم الله الزنا على الجهات كلها، على السفاح وعلى اتخاذ الصديق.
والإحصان: إحصان الفرج وهو إعفافه، يقال امرأة حصان بينة الحصن، وفرس حصان بينة (التحصن) والتحصين وبناء حصين بيّن الحصانة، ولو قيل في كله الحصانة لكان بإجماع.
والسفاح في الزنا اشتق من قولهم سفحت الشيء إذا صببته، وأمر الزنا سفاح لأنه جار على غير عقد، كأنّه بمنزلة السفوح الذي لا يحبسه شيء.
وقوله:
{فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة} هذه آية قد غلط فيها قوم غلطا عظيما جدا لجهلهم باللغة، وذلك أنهم ذهبوا إلى أن قوله: {فما استمتعتم به منهنّ} من المتعة التي قد أجمع أهل الفقه أنها حرام.
وإنما معنى قوله {فما استمتعتم به منهنّ} أي: فما نكحتموه، على الشريطة التي جرت في الآية، آية الإحصان: {أن تبتغوا بأموالكم محصنين}، أي: عاقدين التزويج الذي جرى ذكره.
{فآتوهنّ أجورهنّ فريضة} أي: مهورهن، فإن استمتع بالدخول بها أعطى المهر تامّا، وإن استمتع بعقد النكاح آتى نصف المهر.
والمتاع في اللغة: كل ما انتفع به، فهو متاع.
وقوله عزّ وجل، في غير هذا الموضع: {ومتعوهنّ على الموسع قدره} ليس بمعنى زوجوهنّ: المتع، إنما المعنى: أعطوهن ما يستمتعن به.
وكذلك قوله:
{للمطلقات متاع بالمعروف}0
ومن زعم أن قوله: {فما استمتعتم به منهنّ} المتعة التي هي الشرط في التمتع الذي تعمله الرافضة فقد أخطأ خطأ عظيما، لأن الآية واضحة بينة.

وقوله عزّ وجلّ:
{ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} أي: لا إثم عليكم في أن تهب المرأة للرجل مهرها، أو يهب الرجل للمرأة التي لم يدخل بها نصف المهر الذي لا يجب إلا لمن دخل بها.
{إنّ اللّه كان عليما حكيما} أي: عليما بما يصلح أمر العباد - حكيما فيما فرض لهم من عقد النكاح الذي حفظت به الأموال والأنساب). [معاني القرآن: 2/35-39]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{والمحصنات من النساء} قال علي وابن عباس وأبو سعيد الخدري: هن ذوات الأزواج لا تحل واحدة منهن إلا أن تسبى. قال عبد الله بن عباس: نكاح ذوات الأزواج زنا إلا أن تسبى وقد كان لها زوج فتحل بملك اليمي.
وقول آخر: أنهن الإماء ذوات الأزواج إذا استؤنف عليهن الملك كان فاسخا لنكاحهن، روي هذا عن ابن مسعود وأبي بن كعب وجابر وأنس .
وقول ثالث، قال أبو عبيده: إلا ما ملكت أيمانكم الأربع وأحسنها الأول لحديث أبي سعيد الخدري أصبنا سبيا يوم أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية فاستحللناهن). [معاني القرآن: 2/56-57]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {كتاب الله عليكم} أي: فرض الله عليكم وقرئ (كتب الله عليكم) أي: فرض الله تحريم هؤلاء ولم يقل أنه لا يحرم عليكم سواهن وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)).). [معاني القرآن: 2/57-58]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أن تبتغوا بأموالكم محصنين} محصنينن أي: ناكحين غير مسافحين.
قال مجاهد: أي غير زانين.
وأصله من: سفح إذا صب كما قال الشاعر:
وإن شفائي عبرة إن سفحتها فهل عند رسم دارس من معول، فسمي الزنا سفاحا لأنه يمنزلة الماء المصبوب). [معاني القرآن: 2/58-59]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} في معنى هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها منسوخة، وروي عن سعيد بن المسيب ذلك، وروى عكرمة بن عمار عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جل وعز حرم أو أهدر المتعة بالطلاق والنكاح والعدة والميراث .
وروى مالك عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رحمة الله عليهم والحسن بن محمد بن علي أخبراه أن أباهما أخبرهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس:
إنك رجل تائه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة.
وقالت عائشة: حرم الله المتعة بقوله: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}.
والدليل على أن المستمتع بها غير زوجة: أنها لو كانت زوجة للحقها الطلاق وكان عليها عدة الوفاة ولحق ولدها بأبيه ولتوارثا.
ومعنى {فآتوهن أجورهن}: المهر.
والدليل على ذلك: أن بعده {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن} فهذا بإجماع المهر.
وروي عن أبي بن كعب وابن عباس أنهما قراء
{فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى}.
والقول الآخر: أن هذا ليس من المتعة .
وقال الحسن ومجاهد:
هو من النكاح.
فالمعنى {فما استمتعتم به منهن}: من النكاح، أي: إن دخلتم بها فلها المهر ومن لم يدخل كان عليه نصف المهر والدليل على أن هذا هو القول الصحيح قوله: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} أي: إن وهب لها النصف الآخر فلا جناح وإن وهبت له النصف فلا جناح). [معاني القرآن: 2/59-62]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {إن الله كان عليما حكيما} أي: هو عليم بما فرض عليكم في النكاح). [معاني القرآن: 2/62]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} أي فريضة عليكم.
{غَيْرَ مُسَافِحِينَ} أي: غير زناة، و{مُّحْصِنِينَ} متزوجين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 59]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{الْمُحْصَنَاتُ}: ذوات الأزواج، العفائف.
{كِتَابَ اللّهِ}: فريضة الله.
{مَّا وَرَاء ذَلِكُ}: ما سوى ذلك.
{المُسَافِحُ}: الزاني). [العمدة في غريب القرآن: 108]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 25 إلى 35]

{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): ( وقوله:
{ذلك لمن خشي العنت منكم...}
يقول: إنما يرخص لكم في تزويج الإماء إذا خاف أحدكم أن يفجر، ثم قال: وأن تتركوا تزويجهن أفضل). [معاني القرآن: 1/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {طولاً} الطول: السّعة والفضل، تقول للرجل: مالك على فضلٌ ولا طولٌ.

{فتياتكم} إماءكم، وكذلك العبيد، يقال للعبد: فتى فلانٍ.
{واءاتوهنّ أجورهنّ}، أي: مهورهنّ.
{نصف ما على المحصنات من العذاب} من عقوبة الحدّ.
{العنت}كل ضررٍ، تقول: أعنتني). [مجاز القرآن: 1/123]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ومن لّم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن مّا ملكت أيمانكم مّن فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم مّن بعضٍ فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدان فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرٌ لّكم واللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال:
{ومن لّم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات} على "ومن لم يجد طولا أن ينكح" يقول "إلى أن ينكح" لأن حرف الجر يضمر مع "أن".

وقال: {واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم مّن بعضٍ} فرفع {بعضكم} على الابتداء.
وقال: {بإذن أهلهنّ} لأن: "الأهل" جماعة ولكنه قد يجمع فيقال: "أهلون" كما تقول: "قومٌ" و"أقوامٌ" فتجمع الجماعة وقال: {شغلتنا أموالنا وأهلونا} فجمع، وقال: {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} فهذه الياء ياء جماعة فلذلك سكنت وهكذا نصبها وجرها بإسكان الياء وذهبت النون للإضافة.
وقال: {وأن تصبروا خيرٌ لّكم} يقول: "والصبر خيرٌ لكم".

قال: {واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم مّن بعضٍ} أي: اللّه أعلم بإيمان بعضكم من بعض). [معاني القرآن: 1/198]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({طولا}: الطول والسعة والفضل، تطول عليه لإذا تفضل عليه.
{من فتياتكم}: إمائكم.
{العنت}: الضرر.

قال المفسرون: الزنا). [غريب القرآن وتفسيره:116-117]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ومن لم يستطع منكم طولًا} أي: لم يجد سعة.

{أن ينكح المحصنات} يعني: الحرائر.
{فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} يعني: الإماء.
{وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصناتٍ} عفائف.
{غير مسافحاتٍ} غير زوان.
{ولا متّخذات أخدانٍ} أي: متخذات أصدقاء.
{فإذا أحصنّ} أي: تزوجن.
وقال بعضهم: أسلمن.
والإحصان: يتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب «المشكل».
{فإن أتين بفاحشةٍ} أي: زنين.
{فعليهنّ نصف} ما على المحصنات، يعني: البكر الحرة، سماها محصنة وإن لم تتزوج، لأن الإحصان يكون لها وبها إذا كانت حرة ولا يكون بالأمة إحصان.
{من العذاب} يعني: الحد، وهو مائة جلدة ونصفها خمسون على الأمة.
{ذلك لمن خشي العنت منكم} أي: خشي على نفسه الفجور.
وأصل العنت: الضرر والفساد). [تفسير غريب القرآن: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإحصان: هو أن يحمى الشيء ويمنع منه...،
والمحصنات: الحرائر وإن لم يكنّ متزوجات، لأن الحرّة تُحصِن وتُحصَن، وليست كالأَمَة.
قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}وقال: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} يعني: الحرائر). [تأويل مشكل القرآن: 511]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متّخذات أخدان فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشة فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم واللّه غفور رحيم}
المحصنات: هن الحرائر، وقيل أيضا العفائف، وقد قال بعض أصحابنا: إنهن الحرائر خاصة، وزعم من قال إنهن العفائف: حرّم على الناس أن يتزوجوا بغير العفيفة، وليس ينبغي للإنسان أن يتزوج بغير عفيفة، واحتج قائل هذا القول بأن قوله عزّ وجلّ: {الزّاني لا ينكح إلّا زانية أو مشركة والزّانية لا ينكحها إلّا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين}
منسوخ، وأن قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} يصلح أن يكون يتزوج الرجل من أحب من النساء.
والدليل على أن المحصنات هن العفائف: قوله {ومريم ابنت عمران الّتي أحصنت فرجها} أي: أعفّت فرجها.
والطول: القدرة على المهر. فقوله: {ومن لم يستطع منكم طولا}أي: من لم يقدر على مهر الحرة، يقال: قد طال فلان على فلات طولا، أي: كان له فضل عليه في القدرة، وقد طال الشيء يطول طولا، وأطلته إطالة، وقد طال طولك وطيلك، وطيلك، أي: طالت مدتك.
قال الشاعر:
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل... وإن بلغت وإن طالت بك الطّيل
والطول: الحبل.

وقال الشاعر:
(تعرض المهرة بالطول
اللام مشددة للقافية.
وقوله عزّ وجلّ:
{فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}
الفتيات: المملوكات، العرب تقول للأمة فتاة، وللعبد فتى، أي: من لم يقدر أن يتزوج الحرة جاز له أن يتزوج المملوكة إذا خاف على نفسه الفجور.

{واللّه أعلم بإيمانكم}أي: اعملوا على ظاهركم في الإيمان، فإنكم متعبدون بما ظهر من بعضكم لبعض.
وقوله - عزّ وجلّ -
{بعضكم من بعض}
قيل في الحسب،
أي: كلكم ولد آدم.

ويجوز أن يكون قوله {بعضكم من بعض}: دينكم واحد لأنه ذكر ههنا المؤمنات من العبيد.
وإنما قيل لهم ذلك لأن العرب كانت تطعن في الأنساب، وتفخر بالأحساب وتعير بالهجنة، كانوا يسمّون ابن الأمة الهجين، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن أمر العبيد وغيرهم مستوفى الإيمان، وإنما كره التزوج بالأمة إذا وجد إلى الحرّة سبيل، لأن ولد الحر من الأمة يصيرون رقيقا، ولأن الأمة مستخدمة ممتهنة تكثر عشرة الرجال، وذلك شاق على الزوج، فلذلك كره تزوج الحر بالأمة.
فأما المفاخرة بالأحساب والتعيير بالأنساب فمن أمر الجاهلية.
يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال:
((ثلاث من أمر الجاهلية، الطعن في الأنساب، والمفاخرة بالأحساب، والاستسقاء بالأنواء)) ولن تترك في الإسلام.
وقوله:
{فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ}أمر الله أن تنكح بإذن مولاها.
وقوله:
{فإذا أحصنّ}
وتقرأ
{أحصنّ} بضم الألف.
{فإن أتين بفاحشة فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب
}أي: عليهن نصف الحد، والحد مائة جلدة على الحر والحرة غير المحصنين، وعلى المحصنين الرجم، إلا أن الرجم قتل، والقتل لا نصف له، فإنما عليهن نصف الشيء الذي له نصف وهو الجلد.
وقوله عزّ وجلّ:
{ذلك لمن خشي العنت منكم}أي: تزوج الإماء جائز لمن خاف العنت.

والعنت في اللغة: المشقة الشديدة، يقال من ذلك: أكمة عنوت إذا كانت شاقة.
قال أبو العباس:
{العنت} ههنا الهلاك.
وقال غيره، معناه: ذلك لمن خشي أن تحمله الشهوة على الزنا، فيلقى الإثم العظيم في الآخرة والحدّ في الدنيا.
وقال بعضهم، معناه: أن يعشق الأمة، وليس في الآية عشق، ولكنّ ذا العشق يلقى عنتا.
وقوله:
{وأن تصبروا خير لكم}أي: الصبر خير لكم لما وصفنا من أن الولد يصيرون عبيدا). [معاني القرآن: 2/39-42]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{ومن لم يستطع منكم طولا} أي: قدرة على المهر.

والطول في اللغة: الفضل ومنه تطول الله علينا والطول في القامة فضل والطول الحبل ويقال لا أكلمه طوال الدهر). [معاني القرآن: 2/62]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وفي قوله عز وجل:
{أن ينكح المحصنات} قولان:
أحدهما: أنهن العفائف.
والآخر: أنهن الحرائر والأشبه أن يكن الحرائر لقوله: {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} يعني: المملوكات، والعرب تقول للمملوك فتى وللملوكة فتاة). [معاني القرآن: 2/63]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل:
{بعضكم من بعض} في معنى هذا قولان:

أحدهما: بنو آدم.
والقول الآخر: إنكم مؤمنون فأنتم إخوة وإنما قيل لهم هذا فيما روي لأنهم في الجاهلية كانوا يعيرون بالهجنة ويسمون ابن الأمة هجينا فقال عز وجل: {بعضكم من بعض}). [معاني القرآن: 2/63-64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات} متزوجات {غير مسافحات} أي: غير زانيات {ولا متخذات أخدان} الخدن: الصديق، أي: غير زانيات بواحد ولا مبذولات). [معاني القرآن: 2/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{فإذا أحصن} قال الشعبي، معناه: فإذا أسلمن.

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الإحصان الإسلام ويقرأ {فإذا أحصن}.
قال ابن عباس: تزوجن إذا كانت غير متزوجة.
وقال الزهري، معناه: فإذا تزوجن.
قال الزهري: تحد الأمة إذا زنت وهي متزوجة بالكتاب وتحد إذا زنت ولم تتزوج بالسنة.
والاختيار عند أهل النظر: فإذا أحصن بالضم لأنه قد تقدم ذكر إسلامهن في قوله عز وجل:
{ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات} فدل ذلك على أن: الإحصان الثاني غير الإسلام فالاختيار على هذا أحصن بالضم، أي: تزوجن .
وقيل: أحصن تزوجن وذا أولى لأنه قال من فتياتكم المؤمنات فيبعد أن يقول فإذا أسلمن). [معاني القرآن: 2/65-66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} يعني: نصف الحد.

ويعني بالمحصنات ههنا: الأبكار الحرائر لأن الثيب عليها الرجم ولا يتبعض
قيل وإنما قيل للبكر محصنة وإن لم تكن متزوجة لأن الإحصان يكون لها كما يقال أضحية قبل أن يضحى بها وكما يقال للبقرة مثيرة قبل أن تثير
وقيل المحصنات المتزوجات لأن عليهن الضرب والرجم في الحديث والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف الضرب). [معاني القرآن: 2/66-67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ذلك لمن خشي العنت منكم}
قال الشعبي:
الزنا.
والعنت في اللغة: المشقة يقال أكمة عنوت إذا كانت شاقة).
[معاني القرآن: 2/67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأن تصبروا خير لكم} أي: وإن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم وإنما شدد في الإماء لأن ولد الرجل منها يكون مملوكا وهي تمتهن في الخدمة وهذا شاق على الزوج). [معاني القرآن: 2/68]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{طَوْلاً} أي: سعة.
{أَخْدَانٍ} أي: أصدقاء.
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} قيل تزوجن، وقيل أسلمن، وبفتح الهمزة على معنى الإسلام.
{لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ} أي: الفجور، وأصله: الضر والفساد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 59]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الطَّوْلُ}: الفضل في المال.

{الفَتَيَاتِ}: الإماء. {أَخْدَانٍ}: أصدقاء.
{أُحْصِنَّ}: تزوجن.
{مِنَ الْعَذَابِ}: من الجلد.
{الْعَنَتَ}: الزنا). [العمدة في غريب القرآن:108-109]

تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يريد اللّه ليبيّن لكم...}
وقال في موضع آخر
{والله يريد أن يتوب عليكم}، والعرب تجعل اللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت وأمرت، فتقول: أردت أن تذهب، وأردت لتذهب، وأمرتك أن تقوم، وأمرتك لتقوم؛ قال الله تبارك وتعالى: {وأمرنا لنسلم لربّ العالمين}، وقال في موضع آخر {قل إني أمرت أن أكون أوّل من أسلم}.

وقال {يريدون ليطفئوا} و{أن يطفئوا} وإنما صلحت اللام في موضع أن في (أمرتك) وأردت لأنهما يطلبان المستقبل ولا يصلحان مع الماضي؛ ألا ترى أنك تقول: أمرتك أن تقوم، ولا يصلح أمرتك أن قمت، فلما رأوا (أن) في غير هذين تكون للماضي والمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكي وباللام التي في معنى كي، وربما جمعوا بين ثلاثهن؛ أنشدني أبو ثروان:
أردت لكيما لا ترى لي عثرةً * ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل
فجمع (بين اللام وبين كي).

وقال الله تبارك وتعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم}.
وقال الآخر في الجمع بينهن:
أردت لكيما أن تطير بقربتي * فتتركها شنّا ببيداء بلقع
وإنما جمعوا بينهنّ لاتفاقهنّ في المعنى واختلاف لفظهن؛ كما قال رؤبة:
* بغير لا عصفٍ ولا اصطراف *
وربما جمعوا بين: ما ولا وإن التي على معنى الجحد؛ أنشدني الكسائي في بعض البيوت: (لا ما إن رأيت مثلك) فجمع بين ثلاثة أحرف.
وربما جعلت العرب: اللام مكان (أن) فيما أشبه (أردت وأمرت) مما يطلب المستقبل؛ أنشدني الأنفيّ من بني أنف الناقة من بني سعد:
ألم تسأل الأنفيّ يوم يسوقني * ويزعم أني مبطل القول كاذبه
أحاول إعناتي بما قال أم رجا * ليضحك مني أو ليضحك صاحبه
والكلام: رجا أن يضحك مني، ولا يجوز: ظننت لتقوم، وذلك أنّ (أن) التي تدخل مع الظنّ تكون مع الماضي من الفعل، فتقول: أظنّ (أن قد) قام زيد، ومع المستقبل، فتقول: أظنّ أن سيقوم زيد، ومع الأسماء فتقول: أظنّ أنك قائم، فلم تجعل اللام في موضعها ولا كي في موضعها إذ لم تطلب المستقبل وحده، وكلما رأيت (أن) تصلح مع المستقبل والماضي فلا تدخلنّ عليها كي ولا اللام). [معاني القرآن: 1/261-263]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سنن الّذين من قبلكم} أي: سبل الذين من قبلكم). [مجاز القرآن: 1/124]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يريد اللّه ليبيّن لكم ويهديكم سنن الّذين من قبلكم ويتوب عليكم واللّه عليمٌ حكيمٌ}
قال:
{يريد اللّه ليبيّن لكم ويهديكم} يقول: "وليهديكم}" ومعناه: يريد كذا وكذا ليبين لكم، وإن شئت أوصلت الفعل باللام إلى "أن" المضمرة بعد اللام نحو {إن كنتم للرّؤيا تعبرون} وكما قال: {وأمرت لأعدل بينكم} فكسر اللام، أي: أمرت من أجل ذلك). [معاني القرآن: 1/198-199]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يريد اللّه ليبيّن لكم ويهديكم سنن الّذين من قبلكم ويتوب عليكم واللّه عليم حكيم}
قال الكوفيون: معنى اللام معنى أن، وأردت، وأمرت، تطلبان المستقبل، لا يجوز أن تقول: أردت أن قصت، ولا أمرت أن قمت، ولم يقولوا لم لا يجوز ذلك، وهذا غلط أن تكون لام الجر تقوم مقام " أن " وتؤدي معناها، لأن ما كان في معنى أن دخلت عليه اللام.
تقول: جئتك لكي تفعل كذا وكذا، وجئت لكي تفعل كذا وكذا، وكذلك اللام في قوله: {يريد اللّه ليبيّن لكم} كاللّام في كي.

المعنى: أراده اللّه عزّ وجلّ للتبيين لكم.

أنشد أهل اللغة:
أردت لكيما لا ترى لي عبرة... ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل
وأنشدنا محمد بن يزيد المبرد:
أردت لكيما يعلم الناس أنها... سراويل قيسر والوفود شهود
فأدخل هذه اللام على " كي "، ولو كانت بمعنى أن لم تدخل اللام عليها، وكذلك أردت لأن تقوم، وأمرت لأن أكون مطيعا.
وهذا كقوله تعالى:
{إن كنتم للرّؤيا تعبرون} أي: إن كنتم عبارتكم للرؤيا، وكذلك قوله - عزّ وجلّ - أيضا: {للّذين هم لربّهم يرهبون} أي: الذين هم رهبتهم لربّهم.
وقوله:
{ويهديكم سنن الّذين من قبلكم} أي: يدلكم على طاعته كما دل الأنبياء والذين اتبعوهم من قبلكم.
ومعنى {سنن الّذين من قبلكم}، أي: طرق الذين من قبلكم، وقد بيّنّا ذلك فيما سلف من الكتاب). [معاني القرآن: 2/42-43]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ويهديكم سنن الذين من قبلكم} أي: طرق الأنبياء والصالحين قبلكم لتتبعوها). [معاني القرآن: 2/68]


تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{واللّه يريد أن يتوب عليكم ويريد الّذين يتّبعون الشّهوات أن تميلوا ميلا عظيما} أي: يدلكم بطاعته على ما يكون سببا لتوبتكم التي يغفر لكم بها ما سلف من ذنوبكم.
{ويريد الّذين يتّبعون الشّهوات أن تميلوا ميلا عظيما} أي: أن تعدلوا عن القصد). [معاني القرآن: 2/43-44]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما} أي: يريدون أن تعدلوا عن القصد والحق). [معاني القرآن: 2/69]

تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يريد الله أن يخفّف عنكم} إيجاب). [مجاز القرآن: 1/124]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يريد اللّه أن يخفّف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا}
{وخلق الإنسان ضعيفا} أي: يستميله هواه). [معاني القرآن: 2/44]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} قال طاووس: خلق ضعيفا في أمر النساء خاصة.
وروي عن ابن عباس أنه قرأ {وخلق الإنسان ضعيفا} أي: خلق الله الإنسان ضعيفا). [معاني القرآن: 2/69]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تقتلوا أنفسكم} أي: لا تهلكوها). [مجاز القرآن: 1/124]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ مّنكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيماً}
قال: {إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ مّنكم} فقوله: {إلاّ أن تكون تجارةٌ} استثناء خارج من أول الكلام و{تكون} هي "تقع" في المعنى وفي "كان" التي لا تحتاج إلى الخبر فلذلك رفع التجارة). [معاني القرآن: 1/199]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير استحقاق.

{إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} مثل المضاربة والمقارضة في التجارة، فيأكل بعضكم مال بعض عن تراض.
{ولا تقتلوا أنفسكم} أي: لا يقتل بعضكم بعضا، على ما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن:124-125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا تقتلوا إخوانكم). [تأويل مشكل القرآن: 152]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيما}
فحرم اللّه - جلّ وعزّ - المال إلّا أن يوجد على السّبل التي ذكر من الفرائض في المواريث والمهور والتسري والبيع والصدقات التي ذكر وجوهها.
{إلّا أن تكون تجارة}المعنى: إلا أن تكون الأموال تجارة، ومن قرأ إلا أن تكون تجارة، فمعناه: إلا أن تقع تجارة.
{عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم} فاعلم أن التجارة تصح برضا البّيع والمشترى). [معاني القرآن: 2/44]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} أي: لا يحل لكم إلا على ما تقدم من هبة أو مهر
أو صدقة أو بيع أو شراء وما أشبه ذلك). [معاني القرآن: 2/69-70]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} قال عطاء: أي لا يقتل بعضكم بعضا، وذلك معروف في اللغة لأن المؤمن من المؤمن بمنزلة نفسه .
وقرأ الحسن {ولا تقتلوا أنفسكم} على التكثير). [معاني القرآن: 2/70-71]


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فسوف نصليه ناراً...}
وتقرأ: نصليه، وهما لغتان، وقد قرئتا، من صليت وأصليت. وكأنّ صليت: تصليه على النار، وكأنّ أصليت: جعلته يصلاها). [معاني القرآن: 1/263]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اللّه يسيرا}أي: ومن يأكلها ويقتل النفس - لأن قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} أي: لا يقتل بعضكم بعضا، فمن فعل ذلك عدوانا وظلما، معنى العدوان: أن يعدوا ما أمر به، والظلم: أن يضع الشيء في غير موضعه.
وقوله:
{فسوف نصليه نارا}
و{نصليه نارا} وعد اللّه - جلّ وعزّ - على أكل الأموال ظلما وعلى القتال النار.

{وكان ذلك على اللّه يسيرا} أي: سهلا، يقال قد يسر الشيء فهو يسير إذا سهل، وقد عسر الشيء وعسر إذا لم يسهل فهو عسير). [معاني القرآن: 2/44-45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا} العدوان في اللغة: المجاوزة للحق.

والظلم: وضع الشيء في غير موضعه).[معاني القرآن: 2/71]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وكان ذلك على الله يسيرا} أي: سهلا يقال يسر الشيء فهو يسير إذا سهل). [معاني القرآن: 2/71]


تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وندخلكم مّدخلاً كريماً...} ومدخلا، وكذلك: {أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} وإدخال صدق.
ومن قال: مدخلا ومخرجا ومنزلا، فكأنه بناه على: أدخلني دخول صدق وأخرجني خروج صدق.
وقد يكون إذا كان مفتوحا أن يراد به المنزل بعينه؛ كما قال: {ربّ أنزلني منزلا مباركا}، ولو فتحت الميم كانت كالدار والبيت، وربما فتحت العرب الميم منه، ولا يقال في الفعل منه إلا أفعلت، من ذلك قوله:
* بمصبح الحمد وحيث يمسي *
وقال الآخر:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا * بالخير صبّحنا ربي ومسّانا
وأنشدني المفضّل.
وأعددت للحرب وثّابة * جواد المحثّة والمرود
فهذا مما لا يبني على فعلت، وإنما يبنى على أرودت، فلمّا ظهرت الواو في المرود ظهرت في المرود كما قالوا: مصبح وبناؤه أصبحت لا غير). [معاني القرآن: 1/263-264]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مّدخلاً كريماً}
قال:
{ويدخلكم مّدخلاً كريماً} لأنها من "أدخل" "يدخل": والموضع من هذا مضموم الميم لأنه مشبه ببنات الأربعة "دحرج" ونحوها، ألا ترى أنك تقول: "هذا مدحرجنا" فالميم إذا جاوز الفعل الثلاثة مضمومة.
قال أميّة بن أبي الصلت:
الحمد للّه ممسانا ومصبحنا = بالخير صبّحنا ربّي ومسّانا
لأنه من "أمسى" و"أصبح".

وقال: {رّبّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ} وتكون الميم مفتوحة إن شئت إذا جعلته من "دخل" و"خرج".
وقال: {إنّ المتّقين في مقامٍ أمينٍ} إذا جعلته من "قام" "يقوم"، فإن جعلته من "أقام" "يقيم" قلت: "مقامٍ أمين"). [معاني القرآن: 1/199]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم} يعني: الصغائر من الذنوب.

{وندخلكم مدخلًا كريماً} أي: شريفا). [تفسير غريب القرآن: 125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، وقال: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} أي: شريفا). [تأويل مشكل القرآن: 494]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}
{تجتنبوا} تتركوا نهائيا.

والكبائر حقيقتها: أنها كل ما وعد اللّه عليه النار نحو القتل والزنا والسّرقة وأكل مال اليتيم.
ويروى عن ابن عباس: الكبائر إلى أن تكون سبعين أقرب منها إلى أن تكون سبعا.

قال بعضهم: الكبائر من أول سورة النساء إلى رأس الثلاثين.
والكبائر: ما كبر وعظم من الذنوب.
وقوله - عزّ وجلّ -
{وندخلكم مدخلا كريما}
الاسم على أدخلت، ومن قال: " مدخلا " بفتح الميم، فهو مبني على دخل مدخلا، يعني به ههنا الجنة). [معاني القرآن: 2/45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الكبائر الشرك بالله والسحر وقذف المحصنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وعقوق الوالدين.
وقال عبد الله بن مسعود:
الكبائر الشرك بالله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله وأمن مكر الله.

وقال طاووس: قيل لابن عباس الكبائر سبع قال: هي إلى السبعين أقرب.
وحقيقة الكبيرة في اللغة: أنها ما كبر وعظم مما وعد الله جل وعز عليه النار أو أمر بعقوبة فيه فما كان على غير هذين جاز أن يكون كبيرة وأن يكون صغيرة). [معاني القرآن: 2/71-72]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {نكفر عنكم سيئاتكم} قال أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يصيبه هم أو نصب إلا كفر عنه به)).). [معاني القرآن: 2/73]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وندخلكم مدخلا كريما} قيل يعني به: الجنة والله أعلم). [معاني القرآن: 2/73]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي: الصغائر.

{مُّدْخَلاً كَرِيمًا} أي: شريفاً حسناً، وهو الجنة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مُّدْخَلاً كَرِيماً}: شريفاً). [العمدة في غريب القرآن: 109]


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ...}
ليس هذا بنهي محرّم؛ إنما هو من الله أدب، وإنما قالت أم سلمة وغيرها: ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وغزونا وكان لنا مثل أجر الرجال، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه} وقد جاء: لا يتمنين أحدكم مال أخيه، ولكن ليقل: اللهمّ ارزقني، اللهمّ أعطني).
[معاني القرآن: 1/264-265]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ لّلرّجال نصيبٌ مّمّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ مّمّا اكتسبن واسألوا اللّه من فضله إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليماً}
قال:
{ولا تتمنّوا} إن شئت أدغمت التاء الأولى في الآخرة، فإن قيل كيف يجوز إدغامها، وأنت إذا أدغمتها سكنت وقبلها الألف الساكنة التي في "لا" فتجمع ما بين ساكنين؟

قلت: "إن هذه الألف حرف لين"، وقد يدغم بعد مثلها في الاتصال وفي غيره نحو "يضرباني" [و] {فلا تّناجوا بالإثم والعدوان} وتدغم أيضاً.
ومثله {قل أتحاجّونّا في اللّه} أدغمت وقبلها واو ساكنة، وإن شئت لم تدغم هذا كله.
وقد قرأ بعض القراء {فبم تبشّرون} أراد {تبشّرونني} فأذهب أحد النونين استثقالا لاجتماعهما، كما قال: "ما أحسست منهم أحدا" فألقوا إحدى السينين استثقالا، فهذا أجدر أن يستثقل لأنّهما جميعا متحركان. قال الشاعر:
تراه كالثّغام يعلّ مسكاً = يسوء الفاليات إذا فليني
فحذف النون الآخرة لأنها النون التي تزاد ليترك ما قبلها على حاله وليست باسم، فأما الأولى: فلا يجوز طرحها فإنها الاسم المضمر وقال أبو حية النميري:

أبالموت الذي لا بدّ أنّي = ملاقٍ - لا أباك - تخوّفيني
فحذف النون.
ولو قرئت {فبم تبشّرونّ} بتثقيل النون كان جيدا ولم اسمعه، كأن النون أدغمت وحذفت الياء كما تحذف من رؤوس الآي نحو {بل لّمّا يذوقوا عذاب} يريد "عذابي".
وأما قوله: {فظلتم تفكّهون} فإنها إنما كسر أولها لأنه يقول: "ظللت" فلما ذهب أحد الحرفين استثقالا حولت حركته على الظاء. قال أوس بن مغراء:
مسنا السّماء فنلناها وطالهم = حتّى رأوا أحداً يهوي وثهلانا
لأنها من "مسست".

وقال بعضهم: {فظلتم} ترك الظاء على فتحتها وحذف احد اللامين، ومن قال هذا قال "مسنا السماء". وهذا الحذف ليس بمطرد، وإنما حذف من هذه الحروف التي ذكرت لك خاصة ولا يحذف إلا في موضع لا تحرك فيه لام الفعل، فأما الموضع الذي تحرك فيه لام الفعل فلا حذف فيه). [معاني القرآن: 1/200-201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم} على بعضٍ، أي: لا يتمني النساء ما فضل به الرجال عليهن.

{للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا} أي: نصيب من الثواب فيما عملوا من أعمال البر، وللنّساء أيضا نصيبٌ منه فيما عملن من البر). [تفسير غريب القرآن: 125]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله -جلّ وعزّ-
{ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعض للرّجال نصيب ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيب ممّا اكتسبن واسألوا اللّه من فضله إنّ اللّه كان بكلّ شيء عليما}
قيل: لا ينبغي أن يتمنى الرجل مال غيره ومنزل غيره، فإن ذلك هو الحسد، ولكن ليقل: اللهم إني أسألك من فضلك، وقيل إنّ أمّ سلمة قالت:
ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وغزونا وكان لنا ثواب الرجال.
وقال بعضتهم: قال الرجال: ليتنا فضلنا في الآخرة على النساء كما فضلنا في الدنيا.
وهذا كله يرجع إلى تمني الإنسان ما لغيره). [معاني القرآن: 2/45-46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} روي أن أم سلمة قالت: يا رسول الله فضل الله الرجال على النساء بالغزو وفي الميراث، فأنزل الله: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}
وقيل إنما نهي عن الحسد.
والحسد عند أهل اللغة: أن يتمنى الإنسان ما لغيره بأن يزول عنه فإن تمنى ما لغيره ولم يرد أن يزول عنه سمي ذلك غبطة، المعنى: ولا تتمنوا تلف ما ثم حذف.

وقال قتادة: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين تمنى النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال وقال الرجال إنا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فنزلت: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} أي: المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجال .
وقال سعيد بن جبير :
{واسألوا الله من فضله} العبادة ليس من أمر الدنيا.
وقيل: سلوه التوفيق للعمل لما يرضيه.
{إن الله كان بكل شيء عليما} أي: بما يصلح عباده). [معاني القرآن: 2/73-75]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{ولكلٍّ جعلنا موالى} أي: أولياء ورثة، المولى: ابن العم.
والمولى: الحليف وهو العقيد والمنعم عليه.
والمولى: الأسفل.
والمولى: الوليّ؛ (اللّهمّ من كنت مولاه).
والمولى: المنعم على المعتق، وقال الشاعر:
ومولىً كداء البطن لو كان قادراً... على الموت أفنى الموت أهلي وماليا
يعني: ابن العم، وقال الفضل بن عبّاس:
مهلاً بنى عمّنا مهلاً موالينا... لا تظهرنّ لنا ما كان مدفونا
وقال ابن الّطيفان من بني عبد الله بن دارم والطّيفان أمّه:
ومولىً كمولى الزّبرقان أدّملته... كما اندملت ساقٌ يهاض بها كسر
ادّملته: أصلحته واحتملت ما جاء منه.
{والّذين عاقدت أيمانكم} عاقده، حالفه). [مجاز القرآن: 1/124-125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولكل جعلنا موالي}: أولياء وورثة.

" المولى: ابن العم.
والمولى: الحليف.
والمولى: المنعم.
والمولى: المنعم عليه".
{والذين عاقدت أيمانكم}: الحلفاء.
{فآتوهم نصيبهم}: قال في النصرة والعقل ولا ميراث). [غريب القرآن وتفسيره: 117]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولكلٍّ جعلنا موالي} أولياء. ورثة عصبة). [تفسير غريب القرآن: 125]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({والّذين عقدت أيمانكم} يريد الذين حالفتم.

{فآتوهم نصيبهم} من النظر والرّفد والمعونة). [تفسير غريب القرآن: 126]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -
{ولكلّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إنّ اللّه كان على كلّ شيء شهيدا} أي: جعلنا الميراث لمن هو مولى الميّت، والمولى: كلّ من يليك، وكلّ من والاك فهو مولى لك في المحبّة.
والمولى: مولى نعمة نحو مولى العبد.
والمولى: العبد إذا عتق.
وقوله
{والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} هؤلاء كانوا في الجاهلية، كان الرجل الذليل يأتي الرّجل العزيز فيعاقده، أي: يحالفه، ويقول له أنا ابنك ترثني وأرثك؛ حرمتي حرمتك، ودمي دمك، وثأرى ثأرك، وأمر اللّه - عزّ وجلّ - بالوفاء لهم.
وقيل: إن ذلك أمر به قبل تسمية المواريث.

وقيل أيضا: أمر أن يوفّى لهم بعقدهم الذي كان في الجاهلية، ولا يعقد المسلمون مثل ذلك.
وقال بعضهم: الذي يعقد على الموالاة، ويجب أن يجعل له نصيب في المال يذهب إلى أن ذلك من الثلث الذي هو للميت.
وإجماع الفقهاء: أنّه لا ميراث لغير من وصف من الآباء والأبناء، وذوي العصبة والموالي والأزواج). [معاني القرآن: 2/46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون} قال مجاهد: هم بنو العم.

وقال قتادة: هم الأقرباء منهم الأب والأخ.
وقال الضحاك: يعني الأقرباء، وهذا قول أكثر أهل اللغة). [معاني القرآن: 2/75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} هذه الآية منسوخة.

قال ابن عباس: كانوا في الجاهلية يجيء الرجل إلى الرجل فيقول له: أرثك وترثني، فيكون ذلك بينهما حلفا فنسخ الله ذلك بقوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}.
وكذلك روي عن الحسن وعكرمة وقتادة أن الآية منسوخة.
وقال سعيد بن المسيب: كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك فنسخه الله جل وعز). [معاني القرآن: 2/76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({جَعَلْنَا مَوَالِيَ} أي: أولياء، ورثة، عصبة.

{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي: حالفتم.

{فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} أي: من النصر والرفد والمعونة).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{المَوَالِي}: الأولياء والورثة.

{المَوْلَى}: ابن العم.
{عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}: الحلف.
{نَصِيبَهُمْ}: من النصرة والعطاء دون الميراث). [العمدة في غريب القرآن:109-110]

تفسير قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فالصّالحات...}
وفي قراءة عبد الله (فالصوالح قوانت) تصلح فواعل وفاعلات في جمع فاعلة.

وقوله: {بما حفظ اللّه} القراءة بالرفع، ومعناه: حافظات لغيب أزواجهن بما حفظهن اللّه حين أوصى بهن الأزواج، وبعضهم يقرأ {بما حفظ اللّه} فنصبه عل أن يجعل الفعل واقعا؛ كأنك قلت: حافظات للغيب بالذي يحفظ اللّه؛ كما تقول: بما أرضى اللّه، فتجعل الفعل لما، فيكون في مذهب مصدر، ولست أشتهيه؛ لأنه ليس بفعل لفاعل معروف، وإنما هو كالمصدر.
وقوله: {فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً} يقول: لا تبغوا عليهن عللا.

وقوله: {واللاّتي تخافون نشوزهنّ} جاء التفسير أن معنى تخافون: تعلمون، وهي كالظن؛ لأن الظانّ كالشاكّ والخائف قد يرجو، فلذلك ضارع الخوف الظنّ والعلم؛ ألا ترى أنك تقول للخبر يبلغك: أما والله لقد خفت ذاك، وتقول: ظننت ذلك، فيكون معناهما واحدا. ولذلك قال الشاعر:

ولا تدفننّي بالفلاة فإنني * أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها
وقال الآخر:
أتاني كلام عن نصيب يقوله * وما خفت يا سلاّم أنك عائبي
كأنه قال: وما ظننت أنك عائبي.

ونقلنا في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت بالسواك حتى خفت لأدردن)). كقولك: حتى ظننت لأدردن). [معاني القرآن: 1/265-266]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فلا تبغوا عليهنّ} أي: لا تعلّلوا عليهن بالذنوب. {نشوزهنّ} النشوز: بغض الزوج). [مجاز القرآن: 1/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( (والنشوز): بغض الزوج). [غريب القرآن وتفسيره: 118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({حافظاتٌ للغيب} أي: لغيب أزواجهن.

{بما حفظ اللّه} أي: بحفظ اللّه إياهن.
{واللّاتي تخافون نشوزهنّ} يعني: بغض المرأة للزوج.
يقال: نشزت المرأة على زوجها، ونشصت: إذا تركته ولم تطمئن عنده.
وأصل النشوز: الارتفاع.
{فلا تبغوا عليهنّ سبيلًا} أي: لا تجنوا عليهن الذنوب). [تفسير غريب القرآن: 126]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأن يأتي على لفظ الأمر وهو تأديب كقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}). [تأويل مشكل القرآن: 280] (م)

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الضرب: باليد، كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وقوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}). [تأويل مشكل القرآن: 497] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصّالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اللّه واللّاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا إنّ اللّه كان عليّا كبيرا}
الرجل قيّم على المرأة فيما يجب لها عليه، فأمّا غير ذلك فلا، ويقال هذا قيّم المرأة وقوامها قال الشاعر:
اللّه بيني وبين قيّمها... يفرّ منّي بئها وأتبع
جعل اللّه عزّ وجلّ ذلك للرجال لفضلهم في العلم، والتمييز ولإنفاقهم أموالهم في المهور وأقوات النساء.
وقوله عزّ وجلّ:
{فالصالحات قانتات} أي: قيمات بحقوق أزواجهم.
{بما حفظ الله} تأويله - واللّه أعلم -: بالشيء الذي يحفظ أمر الله ودين الله.

ويحتمل أن يكون على معنى: بحفظ اللّه، أي: بأن يحفظن اللّه، وهو راجع إلى أمر اللّه.
وقوله
{واللّاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ}النشوز: كراهة أحدهما صاحبه، يقال نشزت المرأة تنشز وتنشز جميعا وقد قرئ بهما: {وإذا قيل انشزوا فانشزوا..} انشزوا وانشزوا، فانشزوا، واشتقاقه من: النشز وهو المكان المرتفع من الأرض، يقال له: نشز ونشز.
وقوله عزّ وجلّ:
{واهجروهنّ في المضاجع} أي: في النوم معهن، والقرب منهن فإنهن إن كنّ يحببن أزواجهن شقّ عليهن الهجران في المضاجع وإن كنّ مبغضات وافقهن ذلك فكان دليلا على النشوز منهنّ.
يقال هجرت الإنسان والشيء أهجره هجرا وهجرانا، وأهجر فلان منصبه يهجره إهجارا.. إذا تكلم بالقبيح، وهجر الرجل هجرا إذا هذى.
وهجرت البعير أهجره هجرا إذا جعلت له هجارا.

والهجار: حبل يشد في حقو البعير وفي رسغه، وهجّرت تهجيرا إذا قمت قت الهاجة، وهو انتصاف النهار.
فأمر اللّه - عز وجل - في النساء أن يبدأن بالموعظة أولا، ثم بالهجران بعد، وإن لم ينجعا فيهن فالضرب، ولكن لا يكون ضربا مبرحا فإن أطعن فيما يلتمس منهنّ، فلا يبغي عليهن سبيلا، أي: لا يطلب عليهن طريق عنت.

{إنّ اللّه كان عليّا كبيرا} أي: هو متعال أن يكلف إلا بالحق ومقدار الطاقة). [معاني القرآن: 2/46-48]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{الرجال قوامون على النساء} قيل لأن منهم الحكام والأمراء ومن يغزو). [معاني القرآن: 2/77]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} أي: من المهور). [معاني القرآن: 2/77]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{فالصالحات قانتات} قال قتادة: أي مطيعات.

وقال غيره، أي: قيمات لأزواجهن بما يجب من حقهن). [معاني القرآن: 2/77]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل:
{حافظات للغيب} قال قتادة: أي لغيب أزواجهن بما حفظ الله أي بما حفظهن الله به في مهورهن والإنفاق عليهن.
وقرأ أبو جعفر المدني {بما حفظ الله} ومعناه: بأن حفظن الله في الطاعة وتقديره بحفظ الله). [معاني القرآن: 2/77-78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} قال أهل التفسير: النشوز العداوة.
والنشوز في اللغة: الارتفاع، ويقال لما ارتفع من الأرض نشز ونشز.
والعداوة: هي ارتفاع عما يجب وزوال عنه.
قال سفيان: معنى {فعظوهن} أي فعظوهن بال.
{واهجروهن في المضاجع}قال سفيان: من غير ترك الجماع.
{واضربوهن} قال عطاء: ضربا غير مبرح). [معاني القرآن: 2/78-79]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} قال ابن جريج: أي لا تطلبوا عليهن طريق عنت). [معاني القرآن: 2/80]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الله كان عليا كبيرا} أي: هو متعال عن أن يكلف إلا الحق ومقدار الطاقة). [معاني القرآن: 2/80]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بمَا حَفِظَ اللّهُ} أي: بحفظ الله إياهن.

{نُشُوزَهُنَّ} أي: بغضهن للزوج، وأصله الانزعاج والارتفاع.

{فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} أي: لا تجنُوا عليهن الذنوب).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نُشُوزَاً}: بغض الزوج). [العمدة في غريب القرآن: 110]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فابعثوا حكماً مّن أهله وحكماً مّن أهلها...}
يقول: حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة ليعلما من أيهما جاء النشوز، فينبغي للحكم أن يأتي الرجل فينتظر ما عنده هل يهوى المرأة، فإن قال: لا والله ما لي فيها حاجة، علم أن النشوز جاء من قبله، ويقول حكم المرأة لها مثل ذلك، ثم يعلماهما جميعا على قدر ذلك، فيأتيا الزوج فيقولا: أنت ظالم أنت ظالم اتق الله، إن كان ظالما، فذلك قوله: {إن يريدا إصلاحاً يوفّق اللّه بينهما} إذا فعلا هذا الفعل). [معاني القرآن: 1/266]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{وإن خفتم}: أيقنتم.

{شقاق بينهما} أي: تباعد). [مجاز القرآن: 1/126]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً مّن أهله وحكماً مّن أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق اللّه بينهما إنّ اللّه كان عليماً خبيراً}
قال: {شقاق بينهما} فأضاف إلى البين لأنه قد يكون اسما قال: {لقد تّقطّع بينكم} بالضم، ولو قال: {شقاقاً بينهما} في الكلام فجعل البين ظرفا كان جائزا حسنا، ولو قلت {شقاق بينهما} تريد {ما} وتحذفها جاز، كما تقول {تّقطّع بينكم} تريد {ما} التي تكون في معنى شيء. وقال: {تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم}. وتقول "بينهما بونٌ بعيدٌ" تجعلها بالواو وذلك بالياء. ويقال: "بينهما بينٌ بعيدٌ" بالياء).
[معاني القرآن: 1/201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإن خفتم شقاق بينهما} أي: التباعد بينهما). [تفسير غريب القرآن: 126]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ
{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفّق اللّه بينهما إنّ اللّه كان عليما خبيرا}
قال بعضهم.. {خفتم} ههنا في معنى: أيقنتم وهذا خطأ، لو علمنا الشقاق على الحقيقة لم يجنح إلى الحكمين. وإنما يخاف الشقاق والشقاق العداوة، واشتقاقه: من - المتشاقين - كل صنف منهن في شق، أي: في ناحية، فأمر الله تعالى - {إن خفتم} وقوع العداوة بين المرء وزوجه – أن يبعثوا حكمين، حكم من أهل المرأة وحكما من أهل الرجل، والحكم القيّم بما يسند إليه.

ويروى عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه اجتمع إليه فئام من الناس، - أي: جمع كثير مع امرأة وزوجها، قد وقع بينهما اختلاف فأمر حكمين أن يتعرفا أمرهما، وقال لهما: أتدريان ما عليكما؟ إنّ عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما.

وقال بعضهم على الحكمين: أن يعظا ويعرّفا ما على كل واحد من الزوج والمرأة في مجاوزة الحق، فإن - رأيا أن يفرقا فرقا، وإن رأيا أن يجمعا جمعا.
وحقيقة أمر الحكمين: أنهما يقصدان للإصلاح، وليس لهما طلاق وإنما عليهما أن يعرفا الإمام حقيقة ما وقفا عليه، فإن رأى الإمام أن يفرق فرّق، أو أن يجمع جمع، وإن وكّلهما بتفريق أو بجمع فهما بمنزلة، وما فعل على " رضي الله عنه " فهو فعل للإمام أن يفعله، وحسبنا بعلي عليه السلام إماما،
فلما قال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، كان قد ولّاهما ذلك ووكلهما فيه.
{إنّ اللّه كان عليما خبيرا} أي: {عليما} بما فيه الصلاح للخلق {خبيرا} بذلك). [معاني القرآن: 2/48-49]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{وإن خفتم شقاق بينهما} قال أبو عبيدة: معنى {خفتم} أيقنتم.

قال أبو جعفر قال إسحاق: هذا عندي خطأ لأنا لو أيقنا لم يحتج إلى الحكمين وخفتم ههنا على بابها والشقاق العداوة وحقيقته أن كل واحد من المعاديين في شق خلاف شق صاحبه). [معاني القرآن: 2/81]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} قال مجاهد: يعني الحكمين.

قال أبو جعفر: وهذا قول حسن لأنهما إذا اجتمعت كلمتهما قبل منهما على أن في ذلك اختلافا.
روي عن سعيد بن جبير أنه قال للحكمين: أن يطلقا على الرجل إذا اجتمعا على ذلك، وهذا قول مالك وفيه قول آخر وهو أنهما لا يطلقان عليه حتى يرضى بحكمهما.
وروي هذا القول أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي رحمه الله أنه قال للحكمين: لكما أن تجمعا وأن تفرقا فقال الزوج أما التفرقة فلا قال علي والله لترضين بكتاب الله). [معاني القرآن: 2/81-82]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الله كان عليما خبيرا} أي: هو عليم بما فيه الصلاح خبير بذلك).
[معاني القرآن: 2/82]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({شِقَاقَ}: تباعد). [العمدة في غريب القرآن: 110]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:26 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 36 إلى 46]

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45) مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)}

تفسير قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً...}
أمرهم بالإحسان إلى الوالدين. ومثله {وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانا} ولو رفع الإحسان بالباء إذ لم يظهر الفعل كان صوابا؛ كما تقول في الكلام: أحسن إلى أخيك، وإلى المسيء الإساءة.

{والجار ذي القربى} بالخفض.

وفي بعض (مصاحف أهل الكوفة وعتق المصاحف) (ذا القربى) مكتوبة بالألف، فينبغي لمن قرأها على الألف أن ينصب (والجار ذا القربى) فيكون مثل قوله: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} يضمر فعلا يكون النصب به.
{والجار الجنب}: الجار الذي ليس بينك وبينه قرابة.
{والصّاحب بالجنب}: الرفيق.
{وابن السّبيل}: الضيف). [معاني القرآن: 1/266-267]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وبالوالدين إحساناً}: مختصر، تفعل العرب ذلك، فكان في التمثيل: واستوصوا بالوالدين إحساناً.

{والجار ذي القربى} القريب.
{والجار الجنب}الغريب، يقال: ما تأتينا إلا عن جنابة، أي: من بعيد، قال علقمة بن عبدة:
فلا تحرمني نائلاً عن جنابةٍ... فإني امرؤٌ وسط القباب غريب
وإنما هي من الاجتناب.

وقال الأعشى:
أتيت حريثاً زائراً عن جنابةٍ... فكان حريثٌ عن عطائي جامدا
{والصّاحب بالجنب} أي: يصاحبك في سفرك، ويلزمك، فينزل إلى جنبك:{وابن السّبيل}: الغريب.
{مختالاً} المختال: ذو الخيلاء والخال، وهما واحد، ويجىء مصدراً، قال العجّاج:
والخال ثوبٌ من ثياب الجهّال
وقال العبديّ:
فإن كنت سيّدنا سدتنا... وإن كنت للخال فاذهب فخل
أي: اختل). [مجاز القرآن: 1/126-127]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصّاحب بالجنب وابن السّبيل وما ملكت أيمانكم إنّ اللّه لا يحبّ من كان مختالاً فخوراً}
قال: {والجار الجنب} وقال بعضهم {الجنب} وقال الراجز:

* الناس جنبٌ والأمير جنب *
يريد بـ"جنب": الناحية. وهذا هو المتنحى عن القرابة فلذلك قال "جنبٌ" و"الجنب" أيضاً: المجانب للقرابة ويقال: "الجانب" أيضا.
وأما {الصّاحب بالجنب} فمعناه: "هو الذي بجنبك"، كما تقول "فلان بجنبي" و"إلى جنبي"). [معاني القرآن: 1/202]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({والقربى}: القريب.
{الجار الجنب}: الغريب.
{والصاحب بالجنب}: الرفيق في السفر الذي يرافقك ويلزمك وينزل إلى جانبك، وقالوا المرأة.
{ابن السبيل}: الغريب المنقطع به.
{المختال}: ذو الخيلاء والكبر). [غريب القرآن وتفسيره: 118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({والجار ذي القربى} القرابة.

{والجار الجنب} الغريب.
والجنابة: البعد. يقال: رجل جنب، أي: غريب.
{والصّاحب بالجنب}: الرفيق في السفر.
{وابن السّبيل}: الضيف.
و(المختال): ذو الخيلاء والكبر). [تفسير غريب القرآن:126-127]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصّاحب بالجنب وابن السّبيل وما ملكت أيمانكم إنّ اللّه لا يحبّ من كان مختالا فخورا} أي: لا تعبدوا معه غيره، فإن ذلك يفسد عبادته.
{وبالوالدين إحسانا}المعنى: أوصاكم الله بعبادته، وأوصاكم بالوالدين إحسانا، وكذلك قوله تعالى: {وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا} لأن معنى قضى ههنا أمر ووصّى.
وقال بعض النحويين: {إحسانا} منصوب على وأحسنوا بالوالدين إحسانا.

كما تقول: ضربا زيدا، المعنى: اضرب زيدا ضربا.

{وبذي القربى..}: أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى بعد الوالدين.
و
{اليتامى} في موضع جر، المعنى: وباليتامى والمساكين أوصاكم أيضا، وكذلك جميع ما ذكر في هذه الآية، المعنى: أحسنوا بهؤلاء كلهم.
{والجار ذي القربى} أي: الجار الذي يقاربك وتعرفه ويعرفك.
{والجار الجنب}: والجار القريب المتباعد.
قال علقمة:
فلا تحرمني نائلا عن جنابة... فإني امرؤ وسط القباب غريب
وقوله عزّ وجلّ - {والصّاحب بالجنب}: قيل هو الصاحب في السفر.

{وابن السبيل}: الضيف يجب قراه، وأن يبلّغ حيث يريد.
وقوله:
{وما ملكت أيمانكم} أي: وأحسنوا بملك أيمانكم، موضع ما عطف على ما قبلها.
وكانت وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - عند وفاته: ((الصلاة وما ملكت أيمانكم)).

وقوله عزّ وجلّ:
{إنّ اللّه لا يحبّ من كان مختالا فخورا} المختال: الصّلف التيّاه الجهول، وإنما ذكر الاختيال في هذه القصة لأن المختال يأنف من ذوي قراباته إذا كانوا فقراء، ومن جيرانه إذا كانوا كذلك، فلا يحسن عشرتهم). [معاني القرآن: 2/49-51]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} أي: لا تعبدوا معه غيره فتبطل عبادتكم). [معاني القرآن: 2/82]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وبالوالدين إحسانا} أي: وصاكم بهذا والتقدير وأحسنوا بالوالدين إحسانا). [معاني القرآن: 2/82-83]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {والجار ذي القربى} هو الذي بينك وبينه قرابة، ثم قال جل وعز: {والجار الجنب} قال ابن عباس: هو الغريب، وكذلك هو في اللغة ومنه فلان أجنبي وكذلك الجنابة البعد وأنشد أهل اللغة:

فلا تحرمني نائلا عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب). [معاني القرآن: 2/83]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{والصاحب بالجنب} روي عن علي وعبد الله بن مسعود وابن أبي ليلى أنهم قالوا: الصاحب بالجنب المرأة.

وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك: الصاحب بالجنب الرفيق في السفر). [معاني القرآن: 2/84]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وابن السبيل} قال قتادة ومجاهد والضحاك: هو الضيف.
والسبيل في اللغة: الطريق فنسب إليها لأنه إليها يأوي). [معاني القرآن: 2/84]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} المختال في اللغة: ذو الخيلاء، فان قيل فكيف ذكر المختال ههنا وكيف يشبه هذا الكلام الأول؟

فالجواب: أن من الناس من تكبر على أقربائه إذا كانوا فقراء فأعلم الله عز وجل أنه لا يحب من كان كذا). [معاني القرآن: 2/85]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{والجار الجنب} أي: الغريب). [ياقوتة الصراط: 197]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):
{الصاحب بالجنب} أي: الزوجة، {والصاحب بالجنب} - أيضا: الجار الملاصق). [ياقوتة الصراط: 197]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):
{ابن السبيل} أي: الضيف). [ياقوتة الصراط: 197]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} الغريب، {وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ} الرفيق بالسفر، وقيل: هي الزوجة.

{وَابْنِ السَّبِيلِ} الضيف.
(والمختال) ذو الخيلاء والكبر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْجَارِ الْجُنُبِ}: الغريب. {الصَّاحِبِ بِالجَنبِ}: المرأة. وقيل: الرفيق في السفر.

{ابْنِ السَّبِيلِ}: الغريب.

{المُخْتَال}: المتكبر). [العمدة في غريب القرآن:110-111]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{الّذين يبخلون ويأمرون النّاس بالبخل ويكتمون ما آتاهم اللّه من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}
والبخل جميعا يقرآن، يعني به اليهود. لأنهم يبخلون بعلم ما كان عندهم من مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -.

{ويكتمون ما آتاهم اللّه من فضله}أي: ما أعطاهم من العلم برسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} أي: جعلنا ذلك عتادا لهم، أو مثبتا لهم.
فجائز أن يكون: موضع الذين نصبا على البدل، والمعنى: إنّ اللّه لا يحب من كان مختالا فخورا، أي: لا يحب الذين يبخلون.
وجائز أن يكون: رفعه على الابتداء، ويكون الخبر {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّة}، ويكون {والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس} عطفا على
{الذين يبخلون} في النصب والرفع.
وهؤلاء يعنى بهم: المنافقون، كانوا يظهرون الإيمان ولا يؤمنون باللّه واليوم الآخر). [معاني القرآن: 2/51]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}
قال إبراهيم ومجاهد وقتادة: نزل هذا في اليهود، وهو قل حسن عند أهل اللغة لأن اليهود بخلوا أن يخبروا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندهم في التوراة وكتموا ما آتاهم الله من فضله، أي: ما أعطاهم والدليل على هذا قوله: {وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}).
[معاني القرآن: 2/85-86]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فساء قريناً...}
بمنزلة قولك: نعم رجلا، وبئس رجلا، وكذلك {وساءت مصيرا} و{كبر مقتا} وبناء نعم وبئس ونحوهما أن ينصبا ما وليهما من النكرات، وأن يرفعا ما يليهما من معرفة غير موقّتة وما أضيف إلى تلك المعرفة، وما أضيف إلى نكرة كان فيه الرفع والنصب.

فإذا مضى الكلام بمذكر قد جعل خبره مؤنثا مثل: الدار منزل صدق، قلت: نعمت منزلا، كما قال
{وساءت مصيرا} وقال {حسنت مرتفقا} ولو قيل: وساء مصيرا، وحسن مرتفقا، لكان صوابا؛ كما تقول: بئس المنزل النار، ونعم المنزل الجنة، فالتذكير والتأنيث على هذا.

ويجوز: نعمت المنزل دارك، وتؤنث فعل المنزل لما كان وصفا للدار.
وكذلك تقول: نعم الدار منزلك، فتذكّر فعل الدار إذ كانت وصفا للمنزل. وقال ذو الرمّة:
أو حرّةٌ عيطل ثبجاء مجفرةٌ * دعائم الزّور نعمت زورق البلد
ويجوز: أن تذكر الرجلين فتقول بئسا رجلين، وبئس رجلين، وللقوم: نعم قوما ونعموا قوما. وكذلك الجمع من المؤنث وإنما وحّدوا الفعل وقد جاء بعد الأسماء لأن بئس ونعم دلالة على مدح أو ذمّ لم يرد منهما مذهب الفعل، مثل قاما وقعدا. فهذا في بئس ونعم مطرد كثير، وربما قيل في غيرها مما هو في معنى بئس ونعم.
وقال بعض العرب: قلت أبياتا جاد أبياتا، فوحّد فعل البيوت.
وكان الكسائيّ يقول: أضمر حاد بهن أبياتا، وليس ها هنا مضمر إنما هو الفعل وما فيه.
وقوله: {وحسن أولئك رفيقا} إنما وحد الرفيق وهو صفة لجمع لأن الرفيق والبريد والرسول تذهب به العرب إلى الواحد وإلى الجمع، فلذلك قال {وحسن أولئك رفيقا} ولا يجوز في مثله من الكلام أن تقول: حسن أولئك رجلا، ولا قبح أولئك رجلا، إنما يجوز أن توحد صفة الجمع إذا كان اسما مأخوذا من فعل ولم يكن اسما مصرحا؛ مثل رجل وامرأة، ألا ترى أن الشاعر قال:
وإذا هم طعموا فألأم طاعم * وإذا هم جاعوا فشرّ جياع
وقوله: {كبرت كلمةً تخرج من أفواههم} كذلك، وقد رفعها بعضهم ولم يجعل قبلها ضميرا تكون الكلمة خارجة من ذلك المضمر، فإذا نصبت فهي خارجة من قوله: {وينذر الّذين قالوا اتّخذ اللّه ولداً} أي: كبرت هذه كلمة). [معاني القرآن: 1/267-269]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فساء قريناً} أي: فساء الشيطان قريناً، على هذا نصبه). [مجاز القرآن: 1/127]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ومن يكن الشّيطان له قرينا فساء قرينا}
{ومن يكن الشّيطان له قرينا فساء قرينا
}أي: من يكن عمله بما يسوّل له الشيطان فبئس العمل عمله، {فساء قرينا} منصوب على التفسير، كما تقول: زيد نعم رجلا.
وكما قال
{ساء مثلا القوم الّذين كذّبوا بآياتنا} ). [معاني القرآن: 2/51-52]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس}

قال إبراهيم، يعني به: اليهود أيضا.

وقال غيره، يعني به: المنافقين). [معاني القرآن: 2/86-87]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} أي: من يقبل ما سول له الشيطان فساء عملا عمله). [معاني القرآن: 2/87]

تفسير قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأنفقوا ممّا رزقهم الله} أي: أعطوا في وجوه الخير). [مجاز القرآن: 1/127]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليماً}
قال:
{وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر} فإن شئت جعلت {ماذا} بمنزلتها وحدها وإن شئت جعلت {ذا} بمنزلة "الذي"). [معاني القرآن: 1/202]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليما}
يصلح أن تكون: " ما " و " ذا " اسما واحدا، المعنى: وأي شيء عليهم.

ويجوز أن يكون: " ذا " في معنى الذي، أو تكون " ما " وحدها اسما.
المعنى: وما الّذي عليهم {لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله}هذا يدل على أن الذين يبخلون {يبخلون} بما علموا {وكان اللّه بهم عليما} ). [معاني القرآن: 2/52]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإن تك حسنةً يضاعفها...}
ينصب الحسنة ويضمر في (تك) اسم مرفوع.

وإن شئت رفعت الحسنة ولم تضمر شيئا، وهو مثل قوله: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرة إلى ميسرة}). [معاني القرآن: 1/269]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثقال ذرّةٍ} أي: زنة ذرة. {يضاعفها} أضعافاً، ويضعّفها ضعفين). [مجاز القرآن: 1/127]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{مثقال ذرّةٍ} أي: زنة ذرة.

يقال: هذا على مثقال هذا، أي: على وزن هذا، والذرة: جمعها ذر، وهي: أصغر النمل.
{يضاعفها} أي: يؤتي مثلها مرات.

ولو قال: يضعّفها لكان مرة واحدة). [تفسير غريب القرآن: 127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ ثناؤه:
{إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} مثقال: مفعال من الثقل، أي: ما كان وزنه الذرة وقيل لكل ما يعمل " وزن مثقال " تمثيلا، لأن الصلاة والصيام والأعمال لا وزن لها.
لكنّ الناس خوطبوا فيما في قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم، لأن ذلك - أعني ما يبصر - أبين لهم.
وقوله - عزّ وجلّ -
{وإن تك حسنة يضاعفها}
الأصل في " يكن ": " تكون " فسقطت الضمة للجزم وسقطت الواو لسكونها وسكون النون، فأما سقوط النون من " تكن " فأكثر الاستعمال جاء في القرآن بإثباتها، وإسقاطها قليل - قال الله عزّ وجلّ -: {إن يكن غنيّا أو فقيرا فاللّه أولى بهما} فاجتمع في النون أنها تشبه حروف اللين، وأنها ساكنة.

فحذفت استخفافا لكثرة الاستعمال كما قالوا - لا أدر، ولا أبل، والأجود لم أبال ولا أدري.
و
{حسنة} يكون فيها الرفع والنصب، المعنى: وإن تكن فعلته حسنة يضاعفها، ومن قرأ {وإن تكن حسنة} بالرفع،، رفع على اسم كان، ولا خبر لها وهي ههنا في مذهب التمام، والمعنى: وإن تحدث حسنة يضاعفها.
{ويؤت من لدنه أجرا عظيما}
و
{يؤت} بغير ياء سقطت الياء للجزم، معطوف على {يضاعفها}، ووقعت " لدن " وهي في موضع جر، وفيها لغات.
يقال لد ولدن، ولدن، ولدى والمعنى واحد، ومعناه: من قبله، إلا أنها لا تتمكن تمكن عند، لأنك تقول: " هذا القول عندي صواب " ولا يقال: الوقت لدنيّ صواب، وتقول: عندي مال عظيم والمال غائب عنك، و " لدن " لما يليك). [معاني القرآن: 2/52-53]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} أي: وزن ذرة يقال هذا مثقال هذا، أي: وزن هذا.

ومثقال: مفعال من الثقل.
والذرة: النملة الصغيرة .
وروى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) ثم قال أبو سعيد: إن شككتم فاقرؤوا {إن الله لا يظلم مثقال ذرة}). [معاني القرآن: 2/87-88]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} قال سعيد بن جبير: يعني الجنة.
ومعنى {يضاعفها}: يجعلها أضعافا، وقرأ أبو رجاء العطاردي {يضعفها}
ومعنى {من لدنه}: من قبله). [معاني القرآن: 2/88-89]


تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله - جلّ وعزّ -
{فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} أي: فكيف تكون حال هؤلاء يوم القيامة، وحذف " تكون حالهم " لأنّ في الكلام دليلا على ما حذف، و " كيف " لفظها لفظ الاستفهام، ومعناها معنى التوبيخ.
قوله: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} أي: نأتي بكل نبي أمّة يشهد عليها ولها). [معاني القرآن: 2/53-54]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} في الكلام حذف لعلم السامع، والمعنى: فكيف تكون حالهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد وفي الكلام معنى التوبيخ.

قال عبد الله بن مسعود: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)) فقلت: آقرأ عليك وعليك أنزل فقال: ((نعم)) فقرأت عليه من أول النساء حتى بلغت إلى قوله: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} فرأيت عينيه تذرفان.
وقال {شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم}). [معاني القرآن: 2/89-90]


تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض...}
و
{تسوى} ومعناه: لو يسوون بالتراب، وإنما تمنّوا ذلك لأن الوحوش وسائر الدواب يوم القيامة يقال لها: كوني ترابا، ثم يحيا أهل الجنة، فإذا رأى ذلك الكافرون قال بعضهم لبعض: تعالوا فلنقل إذا سئلنا: والله ما كنا مشركين، فإذا سئلوا فقالوها ختم على أفواههم وأذن لجوارحهم فشهدت عليهم، فهنالك يودّون أنهم كانوا ترابا ولم يكتموا الله حديثا، فكتمان الحديث ههنا في التمني.

ويقال: إنما المعنى: يومئذ لا يكتمون الله حديثا ويودون لو تسوى بهم الأرض). [معاني القرآن: 1/269-270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لو تسوّى بهم الأرض}: لو يدخلون فيها حتى تعلوهم). [مجاز القرآن: 1/128]


قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثاً}
قال: {ولا يكتمون اللّه حديثاً} أي: لا تكتمه الجوارح أو يقول: "لا يخفى عليه وإن كتموه".

وقال: {لو تسوّى بهم الأرض} وقال بعضهم {تسوّى} [و] كل حسن). [معاني القرآن: 1/202]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لو تسوّى بهم الأرض} أي: كونون ترابا، فيستوون معها حتى يصيروا وهي شيئا واحدا.

{ولا يكتمون اللّه حديثاً} هذا حين سئلوا فأنكروا فشهدت عليهم الجوارح). [تفسير غريب القرآن: 127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يومئذ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثا}
الاختيار الضّم في الواو في {عصوا الرسول} لالتقاء السّاكنين والكسر جائز، وقد فسرناه فيما مضى.
وقوله:
{لو تسوّى بهم الأرض} وبهم الأرض بضم الميم وكسرها.
{ولا يكتمون اللّه حديثا} أي: يودون أنهم لم يبعثوا، وأنهم كانوا والأرض سواء.
وقد جاء في التفسير: أن البهائم يوم القيامة تصير ترابا، فيودون أنهم يصيرون ترابا.

قوله
{ولا يكتمون اللّه حديثا}فيه غير قول:
1- قال بعضهم: ودوا أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا، لأن قولهم: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} قد كذبوا فيه.
2- وقال بعضهم: {ولا يكتمون اللّه حديثا}مستأنف لأن ما عملوه ظاهر عند اللّه لا يقدرون على كتمه). [معاني القرآن: 2/54]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض}.

وقرأ مجاهد وأبو عمرو {لو تسوى بهم الأرض} فمن قرأ {تسوى} فمعناه: على ما روي عن قتادة: لو تخرقت بهم الأرض فساخوا فيها.
وقيل وهو أبين أن المعنى أنهم تمنوا أن يكونوا ترابا كالأرض فيستوون هم وهي ويدل على هذا {يا ليتني كنت ترابا} .
وكذلك تسوى لو سواهم الله عز وجل فصاروا ترابا مثلها، والقراءة الأولى: موافقة لقولهم كنت ولم يقولوا كونت وروي عن الحسن في قوله: {تسوى بهم الأرض} قال تنشق فتسوى عليهم يذهب إلى أن معنى {بهم}: عليهم فتكون الباء بمعنى على كما تكون في بمعنى على في قوله عز وجل: {ولأصلبنكم في جذوع النخل}). [معاني القرآن: 2/90-91]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل:
{ولا يكتمون الله حديثا}
فيقال أليس قد قالوا
{والله ربنا ما كنا مشركين} ففي هذا أجوبة:

1- منها أن يكون داخلا في التمني، فيكون المعنى: أنهم يتمنون ألا يكتموا الله حديثا فيكون مثل قولك ليتني ألقى فلانا وأكلمه.
وقال قتادة: هي مواطن في القيامة يقع هذا في بعضها.
وقال بعض أهل اللغة: هم لا يقدرون على أن يكتموا لأن الله عالم بما يسرون .
2- وقيل قولهم:
{والله ربنا ما كنا مشركين} عندهم أنهم قد صدقوا في هذا فيكون على هذا ولا يكتمون الله حديثا مستأنفا). [معاني القرآن: 2/91-93]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ} أي: يصيرون مثلها تراباً،
وتصديقه قوله تعالى: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}
{ولاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا} هذا حين سُئلوا فأنكروا، فشهدت عليهم الجوارح). [تفسير المشكل من غريب القرآن:60-61]


تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى...}
نزلت في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم شربوا وحضروا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تحريم الخمر، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لا تقربوا الصّلاة} مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن صلّوها في رحالكم.

ثم قال
{ولا جنباًً} أي: لا تقربوها جنباً {حتّى تغتسلوا}
ثم استثنى فقال
{إلاّ عابري سبيلٍ} يقول: إلا أن تكونوا مسافرين لا تقدرون على الماء.
ثم قال {فتيمّموا} والتيمم: أن تقصد الصعد الطيّب حيث كان، وليس التيمم إلا ضربة للوجه وضربة لليدين للجنب وغير الجنب).
[معاني القرآن: 1/270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ} معناه في هذا الموضع: لا تقربوا المصلّى جنباً إلاّ عابر سبيلٍ يقطعه، ولا يقعد فيه (والمصلّى) مختصر.

{أو على سفرٍ}: أو في سفر، وتقول: أنا على سفر، في معنى آخر: تقول: أنا متهىّءٌ له.
{أو جاء أحدٌ منكم من الغائط}: كناية عن حاجة ذي البطن، والغائط: الفيح من الأرض المتصوّب وهو أعظم من الوادي.
{أو لامستم النّساء}: اللماس النكاح: لمستم، ولامستم أكثر.
{فتيمّموا صعيداً طيّباً} أي: فتعمدوا ذاك، والصعيد: وجه الأرض). [مجاز القرآن: 1/128]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا وإن كنتم مّرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ مّنكم مّن الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيداً طيّباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ اللّه كان عفوّاً غفوراً}
قوله:
{ولا جنباً} في اللفظ واحد وهو للجمع كذلك، وكذلك هو للرجال والنساء، كما قال: {والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ} فجعل "الظهير" واحدا.
والعرب تقول: "هم لي صديقٌ".
وقال:
{عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ} وهما قعيدان.

وقال: {إنّا رسول ربّ العالمين} وقال: {فإنّهم عدوٌّ لي} لأن "فعول" و"فعيل" مما يجعل واحدا للاثنين والجمع.
وقال: {ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ} لأنه قال: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} فقوله: {وأنتم سكارى} في موضع نصب على الحال، فقال: {ولا جنباً} على العطف كأنه قال: "ولا تقربوها جنباً إلاّ عابري سبيلٍ" كما تقول: "لا تأتي إلاّ راكباً"). [معاني القرآن: 1/203]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الجنب}: الذكر والأنثى، والإثنان والجمع فيه سواء كالواحد.

{الغائط}: كناية عن قضاء الحاجة، والغائط: من الأرض الواسع الفسيح.
{أو لامستم النساء}: كناية عن الزواج
وقال بعضهم: الملامسة دون الجماع.
{فتيمموا}: تعمدوا.
{صعيدا}: الصعيد وجه الأرض). [غريب القرآن وتفسيره:118-119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا جنباً إلّا عابري سبيلٍ} يعني: المساجد لا تقربوها وأنتم جنب، إلا مجتازين غير مقيمين ولا مطمئنين.
{الغائط} الحدث.
وأصل الغائط: المطمئن من الأرض، وكانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا غائطا من الأرض ففعلوا ذلك فيه، فكني عن الحدث بالغائط.
{فتيمّموا} أي: تعمدوا. {صعيداً طيّباً} أي: ترابا نظيفا). [تفسير غريب القرآن: 127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلّا عابري سبيل حتّى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ اللّه كان عفوّا غفورا}
قيل في التفسير: إنها نزلت قبل تحريم الخمر، لأن جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتمعوا فشربوا الخمر فبل تحريمها، وتقدم رجل منهم فصلى بهم فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم فنزلت
{لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}
ويروى أن عمر بن الخطاب قال:
اللهم إن الخمر تضرّ بالعقول وتذهب بالمال، فأنزل فيها أمرك، فنزل في سورة المائدة: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس}
وقال:
{يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير}
والتحريم نص بقوله - عزّ وجلّ -
{قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}
فقد حرمت الخمر بأنه قال: إنها إثم كبير.

وقد حرم اللّه - عزّ وجلّ -: الإثم، فأمر اللّه - عزّ وجلّ - في ذلك الوقت ألا يقرب الصلاة السكران.
وحرم بعد ذلك: السّكر، لأن إجماع الأمّة أن السّكر حرام.
وإنما حرّم ذو السّكر، لأن حقيقة السكر إنّه لم يزل حراما وقد بيّنّا هذا في سورة البقرة.
وقوله:
{حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلّا عابري سبيل حتّى تغتسلوا} أي: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب، {إلا عابري سبيل} أي: إلا مسافرين لأن المسافر يعوزه الماء، وكذلك المريض الذي يضر به الغسل.
ويروى أن: قوما غسلوا مجدرا فمات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((قتلوه قتلهم اللّه، كان يجزيه التيمم)).
وقال قوم: لا تقربوا موضع الصلاة، حقيقته: لا تصلوا إذا كنتم جنبا حتى تغتسلوا، إلا أن لا تقدروا على الماء، وإلا أن تخافوا أن يضركم الغسل إضرارا شديدا، وذلك لا يكون إلا في حال مرض.

{فتيمّموا صعيدا طيّبا} معنى: تيمموا أقصدوا، والصعيد: وجه الأرض.
فعلى الإنسان في التيمم: أن يضرب بيديه ضربة واحدة فيمسح بهما جميعا وجهه، وكذلك يضرب ضربة واحدة، فيمسح بهما يديه، والطيب: هو النظيف الطاهر، ولا يبالي أكان في الموضع تراب أم لا، لأن الصعيد ليس هو التراب، إنما هو وجه الأرض، ترابا كان أو غيره، ولو أن أرضا كانت كلها صخرا لا تراب عليها ثم ضرب المتيمم يده على ذلك الصخر لكان ذلك طهورا إذا مسح به وجهه.

قال اللّه عزّ وجل -: {فتصبح صعيدا زلقا} فأعلمك أن الصعيد يكون زلقا، والصعدات الطرقات.
وإنما سمي صعيدا: لأنّها نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض، لا أعلم بين أهل اللغة اختلافا في أن الصعيد وجه الأرض.
{إنّ اللّه كان عفوّا غفورا} أي: يقبل منكم العفو ويغفر لكم، لأن قبوله التيمم تسهيل عليكم). [معاني القرآن: 2/54-56]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} قال الضحاك: أي سكارى من النوم.

وقال عكرمة وقتادة: هذا منسوخ.
وقال قتادة: نسخه تحريم الخمر.
يذهب إلى أن معنى سكارى: من الشراب، والدليل على أن هذا القول هو الصحيح: أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال:
أقيمت الصلاة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقربن الصلاة سكران.
وروي أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بقوم فقرأ {قل يا أيها الكافرون} فخلط فيها فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} ثم نسخ هذا بتحريم الخمر). [معاني القرآن: 2/93-94]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} قال عبد الله بن عباس وأنس: إلا أن تمر ولا تجلس.

وروي عن ابن عباس: هو المسافر يمر بالمسجد مجتازا.
وروي عن عائشة رحمها الله أنها حاضت وهي محرمة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)).). [معاني القرآن: 2/95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط}
قال بعض الفقهاء، المعنى: وجاء أحد منكم من الغائط، وهذا لا يجوز عند أهل النظر من النحويين لأن لـ «أو» معناها وللواو معناها وهذا عندهم على الحذف، والمعنى: وإن كنتم مرضى لا تقدرون فيه على مس الماء أو على سفر ولم تجدوا ماء واحتجتم إلى الماء). [معاني القرآن: 2/95-96]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {أو لامستم النساء} قال ابن عباس: {لامستم} جامعتم.

ويقرأ (أو لمستم).

قال محمد بن يزيد: من ذهب إلى أنه: الجماع فالأحسن أ يقول لمستم مثل غشيتم وهذا الفعل إنما نسب إلى الرجل.
ومن ذهب إلى أنه: دون الجماع فالأحسن أن يقول لامستم). [معاني القرآن: 2/96-97]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فتيمموا صعيدا طيبا} معنى تيمموا: تعمدوا واقصدوا، يقال تيممت كذا وتأممته إذا قصدته.
والصعيد في اللغة: وجه الأرض كان عليه تراب أو لم يكن، والدليل على هذا: قوله عز وجل {فتصبح صعيدا زلقا} وإنما سمي صعيدا: لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض.

والطيب: النظيف ثم قال تعالى: {إن الله كان عفوا غفورا} لأنه قد عفا جل وعز وسهل في التيمم).[معاني القرآن: 2/97-98]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} أي: موضعها، يعني: المساجد.

وقيل معناه: لا تصلوا وأنتم سكارى، وهذا قبل تحريم الخمر.
وقيل: سكارى من النوم.
{وَلاَ جُنُبًا} أي: لا تقربوا المساجد وأنتم جُنُب، إلا أن تكونوا مسافرين، لا تجدون الماء، فتيمموا.

و{الْغَائِطِ} الحدث، وأصله: المطمئن من الأرض لتستقروا به، فكثر فسموا به الحدث.

و
{الجبت والطاغوت} هما كل معبودٍ من دون الله من الشيطان أو الحجر، أو غيره.

وقيل: هما هنا رجلان: وهما حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، صدقوهما وأطاعوهما.
وقوله: {فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}، يعني: الشيطان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 61]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْغَائِطِ}: المتسع من الأرض.

(المُلاَمَسَةُ): الجماع.
{فَتَيَمَّمُواْ}: تعمدوا.
{الصَّعِيدُ}: وجه الأرض.
{طَيِّباً}: نظيفاً). [العمدة في غريب القرآن:111-112]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين أوتوا...}
{ألم تر} في عامة القرآن: ألم تخبر.

وقد يكون في العربية: أما ترى، أما تعلم). [معاني القرآن: 1/270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نصيباً من الكتاب}: طرفاً وحظاً). [مجاز القرآن: 1/128]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نصيباً من الكتاب} أي: حظا). [تفسير غريب القرآن: 128]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومن الاختصار قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}أراد: يشترون الضلالة بالهدى، فحذف (الهدى)، أي: يستبدلون هذا بهذا.

ومثله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى}). [تأويل مشكل القرآن: 230]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضّلالة ويريدون أن تضلّوا السّبيل}
قال بعضهم:
{ألم تر} ألم تخبر.

وقال أهل اللغة ألم تعلم، المعنى: ألم ينته علمك إلى هؤلاء، ومعناه: أعرفهم، يعنى به: علماء أهل الكتاب، أعطاهم اللّه في كتابهم علم نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه عندهم مكتوب في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.
وقوله:
{يشترون الضلالة} أي: يؤثرون التكذيب بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأخذوا على ذلك الرشا ويثبت لهم رياسة.
وقوله:
(ويريدون أن تضلّوا السّبيل) أي: تضلّوا طريق الهدى، لأن السبيل في اللغة الطريق). [معاني القرآن: 2/56-57]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} قال أهل التفسير: يعني به اليهود لأن عندهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى {يشترون الضلالة}: يلزمونها وقد صاروا بمنزلة المشتري لها، والعرب تقول لكل من رغب في شيء قد اشتراه.

ومعنى {ويريدون أن تضلوا السبيل} أي: يريدون أن تضلوا طريق الحق). [معاني القرآن: 2/99]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{واللّه أعلم بأعدائكم وكفى باللّه وليّا وكفى باللّه نصيرا}أي: هو أعرف بهم فهو يعلمكم ما هم عليه.
{وكفى باللّه وليّا وكفى باللّه نصيرا} أي: اللّه ناصركم عليهم، ومعنى الباء: التوكيد.
المعنى وكفى الله وليا وكفى اللّه نصيرا، إلا أن الباء دخلت في اسم الفاعل، لأن معنى الكلام الأمر، المعنى: اكتفوا بالله). [معاني القرآن: 2/57]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {والله أعلم بأعدائكم} أي: فهو يكفيكموهم).
[معاني القرآن: 2/99-100]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا} قال أبو إسحاق: إنما دخلت الباء في {وكفى بالله} لأن في الكلام معنى الأمر، والمعنى: اكتفوا بالله وليا واكتفوا بالله نصيرا). [معاني القرآن: 2/100]


تفسير قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{مّن الّذين هادوا يحرّفون الكلم...}
أن شئت: جعلتها متصلة بقوله:
{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب}، {مّن الّذين هادوا يحرّفون الكلم}.
وإن شئت: كانت منقطعة منها مستأنفة، ويكون المعنى: من الذين هادوا من يحرفون الكلم. وذلك من كلام العرب: أن يضمروا (من) في مبتدأ الكلام، فيقولون: منّا يقول ذلك، ومنا لا يقوله، وذلك أن (من) بعض لما هي منه، فلذلك أدّت عن المعنى المتروك؛ قال الله تبارك وتعالى: {وما منّا إلاّ له مقامٌ معلوم} وقال {وإن منكم إلا واردها} وقال ذو الرمّة:
فظلّوا ومنهم دمعه سابقٌ له * وآخر يثني دمعة العين بالهمل
يريد: منهم من دمعه سابق.
ولا يجوز إضمار (من) في شيء من الصفات إلا على المعنى الذي نبأتك به، وقد قالها الشاعر في (في) ولست أشتهيها، قال:
لو قلت ما في قومها لم تأثم * يفضلها في حسب وميسم
ويروى أيضا (تيثم) لغة، وإنما جاز ذلك في (في) لأنك تجد معنى (من) أنه بعض ما أضيفت إليه؛ ألا ترى أنك تقول؛ فينا صالحون وفينا دون ذلك، فكأنك قلت: منا،

ولا يجوز أن تقول: في الدار يقول ذلك؛ وأنت تريد في الدار من يقول ذلك، إنما يجوز إذا أضفت (في) إلى جنس المتروك.
وقوله: {ليّاً بألسنتهم} يعني: ويقولون {وراعنا} يوجهونها إلى شتم محمد صلى الله عليه وسلم. فذلك الليّ.
وقوله: {وأقوم} أي: أعدل). [معاني القرآن: 1/271-272]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{من الذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه}
{هادوا} في هذا الموضع: اليهود، و{الكلم}: جماعة كلمة، {يحرّفون}: يقلّبون ويغيّرون). [مجاز القرآن: 1/129]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{مّن الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مّواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمعٍ وراعنا ليّاً بألسنتهم وطعناً في الدّين ولو أنّهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لّهم وأقوم ولكن لّعنهم اللّه بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلاً}
قال:
{مّن الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مّواضعه} يقول "منهم قومٌ" فأضمر "القوم".

قال النابغة الذبياني:
كأنّك من جمال بني أقيشٍ = يقعقع بين رجليه بشنّ
أي: كأنّك جملٌ منها.

وكما قال: {وإن مّن أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به} أي: وإن منهم واحدٌ إلاّ ليؤمننّ به".
والعرب تقول: "رأيت الذي أمس" أي: رأيت الذي جاءك أمس" أو"تكلّم أمس".
{واسمع غير مسمعٍ وراعنا ليّاً}
وقوله: {راعنا} أي: "راعنا سمعك، في معنى: أرعنا.
وقوله: {غير مسمعٍ} أي: لا سمعت، أي: لا سمعت، وأما {غير مسمعٍ} أي: لا يسمع منك فأنت غير مسمعٍ.
وقال:
{واسمع وانظرنا لكان خيراً لّهم}. وإنما قال: {وانظرنا} لأنّها من "نظرته" أي: "انتظرته".
وقال: {انظرونا نقتبس من نّوركم} أي: انتظروا.
وأما قوله: {يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه} فإنما هي: إلى قدّمت يداه.
قال الشاعر:
ظاهرات الجمال والحسن ينظر = ن كما تنظر الأراك الظّباء
وإن شئت كان {ينظر المرء ما قدّمت يداه} على الاستفهام مثل قولك "ينظر خيراً قدّمت يداه أم شرّاً"). [معاني القرآن: 1/203-204]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يحرفون الكلم}: يغيرون). [غريب القرآن وتفسيره: 119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({واسمع غير مسمعٍ} كانوا يقولون للنبي صلى اللّه عليه وعلى آله: اسمع لا سمعت.

{وراعنا ليًّا بألسنتهم} أراد أنهم يحرفون «راعنا» من طريق المراعاة والانتظار إلى السب بالرعونة، وقد بينت هذا في «المشكل».
{واسمع وانظرنا} أي: لو قالوا: اسمع وانظرنا، أي: لو قالوا: اسمع ولم يقولوا: لا سمعت، وقالوا: انظرنا - أي: انتظرنا - مكان راعنا {لكان خيراً لهم}.
والعرب تقول: نظرتك وانتظرتك بمعنى واحد). [تفسير غريب القرآن: 128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}.

هؤلاء قوم من اليهود كانوا يقولون للنبي، صلّى الله عليه وسلم، إذا حدّثهم وأمرهم: سمعنا، ويقولون في أنفسهم: عصينا، وإن أرادوا أن يكلموه بشيء قالوا له: اسمع يا أبا القاسم، ويقولون في أنفسهم: لا سمعت: ويقولون له: راعنا، يوهمونه في ظاهر اللفظ أنهم يريدون انتظرنا حتى نكلمك بما نريد، كما تقول العرب: أرعني سمعك وراعني، أي: انتظرني وترفّق وتلوّم عليّ، هذا ونحوه، وإنما يريدون سبّه بالرّعونة في لغتهم، فقال الله سبحانه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ} كذا وكذا.

ويقولون:
{وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} أي: قلبا للكلام بها، {وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} مكان قولهم {سمعنا وعصينا}، وقالوا: {واسمع} مكان قوله: لا سمعت، {وانظرنا}، مكان قولهم: {وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ}.
والعرب تقول: نظرتك وانتظرتك، بمعنى واحد، قال الحطيئة:
وقد نظرتكم إيناء عاشية للخمس طال بها حوزي وتنساسي). [تأويل مشكل القرآن:375-376]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -
{من الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليّا بألسنتهم وطعنا في الدّين ولو أنّهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم اللّه بكفرهم فلا يؤمنون إلّا قليلا} فيها قولان:

جائز أن تكون: من صلة الذين أوتوا الكتاب.
والمعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا.

ويجوز أن يكون: من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم، ويكون {يحرفون} صفة، والموصوف محذوف.
أنشد سيبويه في مثل هذا قول الشاعر:
وما الدّهر إلا تارتان فمنهما أموت... وأخرى أبتغي العيش أكدح
المعنى: منهما تارة أموت فيها.
وقال بعض النحويين، المعنى: من الذين هادوا من يحرفونه فجعل يحرفون صلة من وهذا لا يجوز لأنه لا يحذف الموصول وتبقى صلته.

وكذلك قول الشاعر:
لو قلت ما في قومها لم تيثم... يفضلها في حسب وميسم
المعنى: ما في قومها أحد يفضلها.
وزعم النحويون أن هذا إنما يجوز مع " من " و " في "، وهو جائز إذا كان " فيما بقي دليل على ما ألقى.
لو قلت: ما فيهم يقول ذاك أو ما عندهم يقول ذاك جازا جميعا جوازا واحدا.
والمعنى: ما عندهم أحد يقول ذاك.
وقوله عزّ وجلّ:
{ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع}
كانت اليهود - لعنت - تقول للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اسمع، وتقول في أنفسها لا أسمعت.
وقيل {غير مسمع} غير مجاب إلى ما تدعو إليه

وقوله:
{وراعنا} هذه كلمة كانت تجري بينهم على حد السّخرى والهزؤ.
وقال بعضهم: كانوا يسبّون النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة.

وقال بعضهم: كانوا يقولونها كبرا، كأنّهم يقولون: ارعنا سمعك، أي: اجعل كلامك لسمعنا مرعى.
وهذا مما لا تخاطب به الأنبياء - (صلوات الله عليهم) - إنما يخاطبون بالإجلال والإعظام.
وقوله:
{ليّا بألسنتهم} أي: يفعلون ذلك معاندة للحق وطغيانا في الدين.
وأصل " ليا ": لويا ولكن الواو أدغمت في الياء لسبقها بالسكون.

وقوله:
{فلا يؤمنون إلّا قليلا} أي: فلا يؤمنون إلّا إيمانا قليلا، لا يجب به أن يسمّوا المؤمنين.
وقال بعضهم: {فلا يؤمنون إلّا قليلا} أي: إلا قليلا منهم، فإنهم آمنوا). [معاني القرآن: 2/57-59]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه} يجوز أن يكون المعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا وهو الأولى بالصواب لأن الخبرين والمعنيين من صفة نوع واحد من الناس وهم اليهود وبهذا جاء التفسير.

ويجوز أن يكون المعنى: وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا.
ويجوز أن يكون المعنى: على مذهب سيبويه من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ثم حذف وأنشد النحويون:
لو قلت ما في قومها لم تيثم يفضلها في حسب ومبسم
قالوا المعنى: لو قلت ما في قومها أحد يفضلها ثم حذف

ومعنى {يحرفون}: يغيرون ومنه تحرفت عن فلان، أي: عدلت عنه، فمعنى {يحرفون}: يعدلون عن الحق). [معاني القرآن: 2/100-102]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع} روي عن ابن عباس أنه قال: أي يقولون اسمع لا سمعت.

وقال الحسن: أي اسمع غير مسمع منك، أي: غير مقبول منك ولو كان كذا لكان غير مسموع وقوله عز وجل:
{وراعنا} نهي المسلمون أن يقولوها وأمروا أن يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم بالإجلال والإعظام.

وقرأ الحسن (وراعنا منونا) جعله من الرعونة وقد استقصينا شرحه في سورة البقرة). [معاني القرآن: 2/102-103]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ليا بألسنتهم وطعنا في الدين} أي: يلوون ألسنتهم ويعدلون عن الحق). [معاني القرآن: 2/104]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم}
ومعنى {انظرنا}: انتظرنا، ومعنى {سمعنا}: قبلنا لكان خيرا لهم، أي: عند الله جل وعز: {وأقوم} أي: وأصوب في الرأي والاستقامة منه). [معاني القرآن: 2/104]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا} ويجوز أن يكون المعنى: فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا لا يستحقون اسم الإيمان.
ويجوز أن يكون المعنى: فلا يؤمنون إلا قليلا منهم). [معاني القرآن: 2/104-105]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يُحَرِّفُونَ}: يغيّرون). [العمدة في غريب القرآن: 112]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 47 إلى 57]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من قبل أن نطمس وجوهاً} أي: نسوّيها حتى تعود كأقفائهم، ويقال: الريح طمست آثارنا، أي: محتها، وطمس الكتاب: محاه، ويقال: طمست عينه). [مجاز القرآن: 1/129]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقاً لّما معكم مّن قبل أن نّطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت وكان أمر اللّه مفعولاً}
قال: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب} إلى قوله: {مّن قبل أن نّطمس وجوهاً} يقول: من قبل يوم القيامة). [معاني القرآن: 1/204-205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أن نطمس وجوها}: نسويها كالأقفاء يقال طمست الريح آبار القوم، أي: محتها). [غريب القرآن وتفسيره: 120]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نطمس وجوهاً} أي: نمحو ما فيها من عينين وأنف وحاجب وفم.
{فنردّها على أدبارها} أي: نصيرها كأقفائهم). [تفسير غريب القرآن: 128]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت وكان أمر اللّه مفعولا}
{من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها
} فيها ثلاثة أقوال:
1- قال بعضهم: نجعل وجوههم كأقفائهم.

2- وقال بعضهم: نجعل وجوههم منابت للشعر كأقفائهم.
3- وقال بعضهم: " الوجوه " ههنا تمثيل بأمر الدين.
المعنى: قبل أن نضلّهم مجازاة لما هم عليه من المعاندة، فنضلّهم ضلالا لا يؤمنون معه أبدا). [معاني القرآن: 2/59]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها} روي عن أبي بن كعب أنه قال: من قبل أن نضلكم إضلالا لا تهتدون بعده، يذهب إلى أنه تمثيل وأنه إن لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة.
وقال مجاهد: في الضلالة.
وقال قتادة: معناه من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء.
ومعنى {من قبل أن نطمس وجوها} عند أهل اللغة: نذهب بالأنف والشفاه والأعين والحواجب فنردها على أدبارها نجعلها أقفاء، فإن قيل فلم لم يفعل بهم هذا؟ ففي هذا جوابان.

أحدهما: أنه إنما خوطب بهذا رؤساؤهم وهم ممن آمن روي هذا القول عن ابن عباس.
والقول الآخر: أنهم حذروا أن يفعل هذا بهم في القيامة، وقال محمد بن جرير: ولم يكن هذا لأنه قد آمن منهم جماعة). [معاني القرآن: 2/105-106]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت}
قال قتادة: أو نمسخهم قردة وخنازير). [معاني القرآن: 2/106-107]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نَّطْمِسَ}: نمحوا). [العمدة في غريب القرآن: 112]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به...}
فإن شئت: جعلتها في مذهب خفض ثم تلقى الخافض فتنصبها؛ يكون في مذهب جزاء؛ كأنك قلت: إن الله لا يغفر ذنبا مع شرك ولا عن شرك).
[معاني القرآن: 1/272]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {افترى إثماً عظيما} أي: تخلّقه). [مجاز القرآن: 1/129]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ -
{إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باللّه فقد افترى إثما عظيما}
أجمع المسلمون: أن ما دون الكبائر مغفور، واختلفوا في الكبائر:

1- فقال بعضهم: الكبائر التي وعد الله عليها النار لا تغفر.
2- وقال المشيخة من أهل الفقه والعلم: جائز أن يغفر كل ما دون ذلك بالتوبة، وبالتوبة يغفر الشرك وغيره.
{ومن يشرك باللّه فقد افترى إثما عظيما}
{افترى}: اختلق وكذب، {إثما عظيما} أي: غير مغفور).
[معاني القرآن: 2/59-60]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{إن الله لا يغفر أن يشرك به} وقد قال: {إن الله يغفر الذنوب جميعا} فهذا معروف، والمعنى: أن يقال أنا أغفر لك كل ذنب ولا يستثنى ما يعلم أنك لا تغفر وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا {إن الله يغفر الذنوب جمعيا} فقال له رجل: يا رسول الله والشرك فنزلت: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
قال بعض أهل اللغة، معناه: إلا الكبائر، وقيل معناه: بعد التوبة). [معاني القرآن: 2/107-108]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم...}
جاءت اليهود بأولادها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل لهؤلاء ذنوب؟ قال: ((لا))، قالوا: فإنا مثلهم ما عملناه بالليل كفّر عنا بالنهار، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل، فذلك تزكيتهم أنفسهم.

وقوله: {ولا يظلمون فتيلاً} الفتيل: هو ما فتلت بين إصبعيك من الوسخ، ويقال: وهو الذي في بطن النواة).
[معاني القرآن: 1/272-273]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{ألم تر إلى الّذين} ليس هذا رأى عين، هذا تنبيه في معنى: ألم تعرف.
{فتيلا}، الفتيل: الذي في شقّ النّواة). [مجاز القرآن: 1/129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ( (الفتيل): الذي في شق النواة). [غريب القرآن وتفسيره: 120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قول الله عز وجل:
{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}، {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}
والفتيل: ما يكون في شقّ النّواة.
والنّقير: النّقرة في ظهرها.

ولم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه، وإنما أراد أنهم إذا حوسبوا لم يظلموا في الحساب شيئا ولا مقدار هذين التّافهين الحقيرين.
والعرب تقول: ما رزأتُه زِبَالاً. (وَالزِّبَالُ) ما تحمله النَّمْلَةُ بفَمِهَا، يريدون ما رزأته شيئاً.

وقال النابغة الذّبياني:
يجمعُ الجيش ذا الألوفِ ويغزو = ثم لا يرزأُ العدوَّ فَتيلا
وكذلك قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}وهو (الفوقة) التي فيها النّواة، يريد: ما يملكون شيئا.

ومنه قوله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي: قصدنا لأعمالهم وعمدنا لها.

والأصلُ: أنَّ مَن أرادَ القُدوم إلى موضع عَمَدَ له وَقَصَدَه.

والهباء المنثور: ما رأيته في شُعَاعِ الشَّمس الداخلِ من كُوَّةِ البيتِ.
والهباء المنبثُّ: ما سَطَعَ مِن سَنابكِ الخيلِ.
وإنما أراد أنّا أبطلناه كما أنَّ هذا مُبطَلُ لا يُلْمَسُ ولا يُنْتَفَعُ بهِ). [تأويل مشكل القرآن: 138]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم بل اللّه يزكّي من يشاء ولا يظلمون فتيلا}
{ألم تر}: ألم تخبر في قول بعضهم.
وقال أهل اللغة: ألم تعلم وتأويله سؤال فيه معنى الإعلام.
تأويله أعلم قصتهم، وعلى مجرى اللغة ألم ينته علمك إلى هؤلاء، ومعنى: {يزكون أنفسهم} أي: تزعمون أنهم أزكياء.

وتأويل قولنا، زكاء الشيء في اللغة: نماؤه في الصلاح.
وهذا أيضا يعني به اليهود، وكانوا جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطفالهم فقالوا: يا محمد أعلى هؤلاء ذنوب؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا))، فقالوا كذا نحن، ما نعمل بالليل يغفر بالليل، وما نعمل بالنهار يغفر بالنهار.

قال اللّه - عزّ وجلّ -:
{بل اللّه يزكّي من يشاء} أي: يجعل من يشاء زاكيا.
{ولا يظلمون فتيلا} تأويله: ولا يظلمون مقدار فتيل.
قال بعضهم: "الفتيل" ما تفتله بين إصبعيك من الوسخ.

قال بعضهم: "الفتيل" ما كان في باطن النّواة من لحائها.

وقالوا في التفسير: ما كان في ظهرها وهو الذي تنبت منه النخلة.
والقطمير: جملة ما التفّ عليها من لحائها). [معاني القرآن: 2/60]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء} أصل الزكاء: النماء في الصلاح

قال قتادة: يعني اليهود لأنهم زكوا أنفسهم فقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وكذلك قال الضحاك). [معاني القرآن: 2/108-109]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولا يظلمون فتيلا} قال ابن عباس: الفتيل ما فتلته بأصبعيك.

وقال غيره: "الفتيل" ما في بطن النواة.
والنقير: النقرة التي فيها والتي تنبت منها النخلة.
والقطمير: القشرة الملفوفة عليها من خارج
والمعنى: لا يظلمون مقدار هذا).
[معاني القرآن: 2/109-110]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الفَتِيلُ): الذي في شق النواة.

{القطمير}: الذي على النواة). [العمدة في غريب القرآن:112-113]

تفسير قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {انظر كيف يفترون على الله الكذب}: مثل {ألم تر إلى الذين} ).
[مجاز القرآن: 1/129]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ -:
{انظر كيف يفترون على اللّه الكذب وكفى به إثما مبينا} أي: يفعلونه ويختلقونه.
ويقال: قد فرى الرجل يفري إذا عمل، وإذا قطع زمن هذا: فريت جلده. فتأويله أن هذا القول أعني تزكيتهم أنفسهم فرية منهم.
{وكفى به إثما مبينا} أي: كفى هو إثما، منصوب على التمييز، أي: كفى به في الآثام). [معاني القرآن: 2/60-61]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{انظر كيف يفترون على الله الكذب} معنى {يفترون}: يختلقون ويكذبون). [معاني القرآن: 2/110]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( ( {بالجبت والطّاغوت} كلّ معبود من حجر أو مدرٍ أو صورة أو شيطان فهو جبت وطاغوت). [مجاز القرآن: 1/129]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أهدى من الّذين آمنوا سبيلا}: أقوم طريقةً). [مجاز القرآن: 1/129]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): (
{الجبت}: قالوا السحر وقالوا الكاهن.
و{الطاغوت}: الشيطان في التفسير). [غريب القرآن وتفسيره:120-121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ألم تر إلى الّذين أوتوا} ألم تخب، ويكون أما ترى أما تعلم وقد بينا ذلك في كتاب «المشكل».

{بالجبت والطّاغوت} كل معبود من حجر أو صورة أو شيطان، فهو جبت وطاغوت.
ويقال: إنهما في هذه السورة رجلان من اليهود يقال لأحدهما: حيّ بن أخطب، وللثاني كعب بن الأشرف، وإيمانهم بهما تصديقهم لهما وطاعتهم إياهما.
وقوله: {في سبيل الطّاغوت} يعني: الشيطان). [تفسير غريب القرآن:128-129]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا}
يعني به: علماء اليهود، أي: أعطوا علم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فكتموه.
{يؤمنون بالجبت والطّاغوت}
قال أهل اللغة: كل معبود من دون اللّه فهو جبت وطاغوت.
وقيل: الجبت والطاغوت الكهنة والشياطين.
وقيل في بعض التفسير: الجبت والطاغوت ههنا، حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف اليهوديان وهذا غير خارج عما قال أهل اللغة، لأنه إذا اتبعوا أمرهما فقد أطاعوهما من دون اللّه - عزّ وجلّ.
وقوله: {ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا} وهذا برهان ودليل على معاندة اليهود لأنهم زعموا إن الذين لم يصدقوا بشيء من الكتب وعبادة الأصنام، أهدى طريقا من الذين يجامعونهم على كثير مما يصدقون به، وهذا عناد بين.

وقوله جلّ وعزّ: {سبيلا} منصوب على التمييز، كما تقول: هذا أحسن منك وجها وهذا أجود منك ثوبان لأنك في قولك: " هذا أجود منك " قد أبهمت الشيء الذي فضلته به، إلا أن تريد أنّ جملته أجود من جملتك فتقول: هذا أجود منك.

وتمسك). [معاني القرآن: 2/61-62]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} روي عن عمر رحمه الله أنه قال: {الجبت} السحر و{الطاغوت} الشيطان، وكذلك روي عن الشعبي.

وقال قتادة: {الجبت} الشيطان و{الطاغوت} الكاهن.
وروي عن ابن عباس أن:
{الجبت والطاغوت} رجلا من اليهود وهما كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب.

و{الجبت والطاغوت} عند أهل اللغة: كل ما عبد من دون الله أو أطيع طاعة فيها معصية أو خضع له، فهذه الأقوال متقاربة لأنهم إذا أطاعوهما في معصية الله والكفر بأنبيائه كانوا بمنزلة من عبدهما كما قال جل وعز: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} حدثني من أثق به عن بن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن مالك قال: الطاغوت ما عبد من دون الله، ومنه {واجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} فقلت لمالك: ما الجبت؟ فقال: سمعت من يقول هو الشيطان، ويدل على هذا ما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا الحماني قال حدثنا مروان بن معاوية وابن المبارك عن عوف عن حيان بن قطن عن قبيصة بن مخارق قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((العيافة والطيرة والطرق من الجبت)).). [معاني القرآن: 2/110-112]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} قال قتادة: هم اليهود.

وقال غيره: يبين بهذا أنهم عاندوا لأنهم قالوا لمن عبد الأصنام ولم يقر بكتاب هؤلاء أهدى من المؤمنين الذين صدقوا بالكتب). [معاني القرآن: 2/112-113]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {بالجبت والطاغوت} قال: {الجبت} رئيس اليهود، و{الطاغوت}: رئيس النصارى). [ياقوتة الصراط: 198]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْجِبْتُ}: السحر، الكاهن.
{الطَّاغُوتُ}: الشيطان). [العمدة في غريب القرآن: 113]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرا} أي: الذين باعدهم من رحمته.
وقد بيّنّا أن اللعنة: هي المباعدة في جميع اللغة.

شقوله: {ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرا} أي: من يباعد الله من رحمته فهو مخذول في دعواه وحجته ومغلوب.
واليهود خاصة أبين خذلانا في أنهم غلبوا من بين جميع سائر أهل الأديان، لأنهم كانوا أكثر عنادا، وأنهم كتموا الحق وهم يعلمونه). [معاني القرآن: 2/62]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أولئك الذين لعنهم الله} اللعنة: الإبعاد، أي: باعدهم من توفيقه ورحمته). [معاني القرآن: 2/113]


تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{أم لهم نصيبٌ مّن الملك فإذاً لاّ يؤتون النّاس نقيراً...}
النقير: النقطة في ظهر النواة.

و(إذاً) إذا استؤنف بها الكلام نصبت الفعل الذي في أوله الياء أو التاء أو النون أو الألف؛ فيقال: إذا أضربك، إذاً أجزيك. فإذا كان فيها فاء أو واو أو ثمّ أو (أو) حرف من حروف النسق، فإن شئت: كان معناهما معنى الاستئناف فنصبت بها أيضاً.
وإن شئت: جعلت الفاء أو الواو إذا كانتا منها منقولتين عنها إلى غيرها.
والمعنى في قوله {فإذاً لاّ يؤتون} على: فلا يؤتون الناس نقيرا إذاً. ويدلك على ذلك أنه في المعنى - والله أعلم - جواب لجزاء مضمر، كأنك قلت: ولئن كان لهم، أو ولو كان لهم نصيب لا يؤتون الناس إذا نقيرا، وهي في قراءة عبد الله منصوبة {فإذا لا يؤتوا الناس نقيرا} وإذا رأيت الكلام تامّا مثل قولك: هل أنت قائم؟ ثم قلت: فإذا أضربك، نصبت بإذاً ونصبت بجواب الفاء ونويت النقل.
وكذلك الأمر والنهي يصلح في إذاً وجهان:
1- النصب بها ونقلها.
2- ولو شئت رفعت بالفعل إذا نويت النقل فقلت: إيته فإذاً يكرمك، تريد فهو يكرمك إذاً، ولا تجعلها جوابهان وإذا كان قبلها جزاء وهي له جواب قلت: إن تأتني إذا أكرمك. وإن شئت: إذا أكرمك وأكرمك؛ فمن جزم أراد أكرمك إذاً، ومن "نصب" نوى في إذاً فاء تكون جوابا فنصب الفعل بإذاً، ومن "رفع" جعل إذاً منقولة إلى آخر الكلام؛ كأنه قال: فأكرمك إذاً. وإذا رأيت في جواب إذاً اللام فقد أضمرت لها (لئن) أو يمينا أو (لو).
من ذلك قوله عزّ وجل: {ما اتّخذ اللّه من ولدٍ وما كان معه من إلهٍ إذاً لذهب كلّ إلهٍ بما خلق}، والمعنى - والله أعلم -: لو كان [معه] فيهما إله لذهب كل إله بما خلق. ومثله {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره، وإذا لاتّخذوك خليلا} ومعناه: لو فعلت لاتخذوك.
وكذلك قوله: {كدت تركن} ثم قال: {إذاً لأذقناك}، معناه: لو ركنت لأذقناك إذاً، وإذا أوقعت (إذاً) على يفعل وقبله اسم بطلت فلم تنصب؛
فقلت: أنا إذا أضربك. وإذا كانت في أوّل الكلام (إنّ) نصبت يفعل ورفعت؛ فقلت: إني إذاً أوذيك. والرفع جائز؛ أنشدني بعض العرب:
لا تتركنّي فيهم شطيرا * إني إذاً أهلك أو أطيرا). [معاني القرآن: 1/273-274]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نقيراً} النّقرة: في ظهر النواة).
[مجاز القرآن: 1/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ( (النقير): "النقرة" التي في ظهرها.

و(القطمير): القشرة الرقيقة التي عليها.
وروى عن ابن عباس أنه وضع طرف إبهامه على باطن السبابة ثم نقلها وقال: هذا النقير، وقال: الفتيل ما يخرج من بين الإصبعين إذا فتلتهما). [غريب القرآن وتفسيره: 120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( (النّقير) النقطة التي في ظهر النواة، يقول: لا يعطون الناس شيئا ولا مقدار تلك النقطة.

و(الفتيل) القشرة في بطن النواة، ويقال: هو ما فتلته بإصبعيك من وسخ اليد وعرقها.

(القطمر) الفوفة التي تكون فيها النواة.
ويقال: الذي بين قمع الرطبة والنواة). [تفسير غريب القرآن: 129]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون النّاس نقيرا} المعنى: بل ألهم نصيب من الملك.
{فإذا لا يؤتون النّاس نقيرا}
قال بعضهم: إنما معناه أنهم لو أعطوا الملك، ما أعطوا الناس نقيرا، وذكر النقير ههنا تمثيل، المعنى: لضنّوا بالقليل.

وأما رفع " يؤتون" فعلى " فلا يؤتون الناس نقيرا إذن " ومن "نصب" فقال: " فإذا لا يؤتوا الناس " جاز له ذلك في غير القراءة فأما المصحف فلا يخالف.

قال سيبويه: " إذا " في عوامل الأفعال بمنزلة " أظن " في عوامل الأسماء، فإذا ابتدأت إذن وأنت تريد الاستقبال نصبت لا غير، تقول: إذن أكرمك، وإن جعلتها معترضة ألغيتها فقلت: أنا إذن أكرمك،، أي: أنا أكرفك إذن، فإن أتيت بها مع الواو والفاء قلت فإذا أكرمك، وإن شئت فإذن أكرمك.

فمن قال فإذن أكرمك نصب بها وجعل الفاء ملصقة بها في اللفظ والمعنى، ومن قال: فإذن أكرمك جعل إذا لغوا، وجعل الفاء في المعنى معلقة بأكرمك والمعنى فأكرمك إذن.
وتأويل " إذن ": إن كان الأمر كما ذكرت، أو كما جرى، يقول القائل: زيد يصير إليك فتجيب فتقول إذن أكرمه، تأويله: إن كان الأمر على ما تصف وقع إكرامه فأن مع أكرمه مقدرة بعد إذن.
المعنى: إكرامك واقع أن كان الأمر كما قلت.
قال سيبويه: حكى بعض أصحاب الخليل عن الخليل أن " أن " هي العاملة في باب إذن.
فأمّا سيبويه فالذي يذهب إليه ونحكيه عنه أن إذن نفسها الناصبة، وذلك أن (إذن) لما يستقبل لا غير في حال النسب، فجعلها بمنزلة أن في العمل كما جعلت " لكنّ " نظيرة " إنّ " في العمل في الأسماء.
وكلا القولين حسن جميل إلا أن العامل - عندي - النصب في سائر الأفعال، (أن)، وذلك أجود، إما أن تقع ظاهرة أو مضمرة، لأن رفع المستقبل بالمضارعة فيجب أن يكون نصبه في مضارعه ما ينصب في باب الأسماء، تقول أظنّ أنك منطلق، فالمعنى أظن انطلاقك، وتقول أرجو أن تذهب، أي: أرجو ذهابك. ف أن الخفيفة مع المستقبل كالمصدر.

كما أن (أن) الشديدة مع اسمها وخبرها كالمصدر، وهو وجه المضارعة). [معاني القرآن: 2/62-64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أم لهم نصيب من الملك} قيل: إنهم كانوا أصحاب بساتين ومال وكانوا مع ذلك بخلاء وقيل إنهم لو ملكوا لبخلوا). [معاني القرآن: 2/113]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (
والنقير: النقرة في ظهر النواة.
والقطمير: قشر النواة). [ياقوتة الصراط: 198]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
(النقير) النقطة في ظهر النواة.

و(الفتيل) الخيط في بطن النواة، وقيل: ما يُفتل من الوَسَخ بين الأصابع إذا فُتلت.
و(القطمير) التي على النواة). [تفسير المشكل من غريب القرآن:61-62]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله...} هذه اليهود حسدت النبي صلى الله عليه وسلم كثرة النساء، فقالوا: هذا يزعم أنه نبيّ وليس له همّ إلا النساء، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة} وفي آل إبراهيم سليمان بن داود، وكان له تسعمائة امرأة، ولداود مائة امرأة، فلما تليت عليهم هذه الآية كذّب بعضهم وصدّق بعضهم.
وهو قوله: {فمنهم مّن آمن به...}). [معاني القرآن: 1/275]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أم يحسدون النّاس} معناها: أيحسدون الناس).
[مجاز القرآن: 1/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} يعني بالناس: النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، على كل ما أحلّ اللّه له من النساء.

{فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً} يعني: داود النبي عليه السلام، وكانت له مائة امرأة، وسليمان وكانت له تسعمائة امرأة وثلاثمائة سرية).
[تفسير غريب القرآن: 129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وتكون "أم" بمعنى ألف الاستفهام، كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، أراد: أيحسدون الناس؟).
[تأويل مشكل القرآن: 546]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -:
{أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} معناه: بل أيحسدون النّاس، وهنا يعني به: النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت اليهود قد حسدته على ما آتاه اللّه من النبوة، وهم قد علموا أن النبوة في آل إبراهيم عليه السلام، فقيل لهم: أتحسدون النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد كانت النبوة في آله وهم آل إبراهيم (عليهما السلام).
وقيل في التفسير: إن اليهود قالت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - شأنه النساء، حسدا لما أحلّ له منهنّ، فأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن آل إبراهيم قد أوتوا ملكا عظيما.
وقال بعضهم: نالوا من النساء أكثر مما نال محمد - صلى الله عليه وسلم - كان لداود مائة امرأة، وكان لسليمان ألف ما بين حرّة ومملوكة، فما بالهم حسدوا النبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 2/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة} قال الضحاك: قالت اليهود: يزعم محمد أنه قد أحل له من النساء ما شاء، فأنزل الله عز وجل: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} فالمعنى: بل يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم على ما أحل له من النساء.

قال السدي: وقد كانت لداود صلى الله عليه وسلم مائة امرأة ولسليمان أكثر من ذلك.
وقال قتادة: أولئك اليهود حسدوا هذا الحي من العرب حين بعث فيهم نبي فيكون الفضل ههنا النبوة وقد شرف بالنبي صلى الله عليه وسلم العرب أي فكيف لا يحسدون إبراهيم صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء وقد أوتي سليمان الملك). [معاني القرآن: 2/114-115]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وآتيناهم ملكا عظيما} قال مجاهد: يعني النبوة.
وقال همام بن الحارث: أيدوا بالملائكة والجنود). [معاني القرآن: 2/115]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} يعني: النبي صلى الله عليه وسلم على ما أحلَ الله له من النساء.

{وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} يعني: داود صلى الله عليه وسلم، كانت له مائة امرأة، وسليمان صلى الله عليه وسلم كانت له سبعمائة امرأة، وثلاثمائة سرية).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 62]

تفسير قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (قوله: {فمنهم مّن آمن به...}
بالنبأ عن سليمان وداود {ومنهم مّن صدّ عنه} بالتكذيب والإعراض). [معاني القرآن: 1/275]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكفى بجهنّم سعيراً} أي: وقوداً).
[مجاز القرآن: 1/130]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{فمنهم مّن آمن به ومنهم مّن صدّ عنه وكفى بجهنّم سعيراً}
قال: {وكفى بجهنّم سعيراً} فهذا مثل "دهين" و"صريع" لأنك تقول: "سعرت" فـ"هي مسعورةٌ" وقال: {وإذا الجحيم سعّرت}).
[معاني القرآن: 1/205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنّم سعيرا} أي: من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
{ومنهم من صدّ عنه}
وقيل {منهم من آمن به} أي: بهذا الخبر عن سليمان وداود فيما أعطيا من النساء.

وقوله:
{وكفى بجهنم سعيرا} المعنى: كفت جهنم شدة توقد). [معاني القرآن: 2/64-65]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه} قال مجاهد: يعني القرآن.
وقيل: بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ويجوز أن يكون المعنى: فمنهم من آمن بهذا الخبر ومنهم من صد عنه {وكفى بجهنم سعيرا} والسعير: شدة توقد النار). [معاني القرآن: 2/115-116]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نصليهم ناراً} : نشويهم بالنار وننضجهم بها، يقال: أتانا بحمل مصلىّ مشويّ، وذكروا أن يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاةً مصليةً، أي: مشوية). [مجاز القرآن: 1/130]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إنّ الّذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إنّ اللّه كان عزيزاً حكيماً}
قال:
{بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب} فإن قال قائل: "أليس إنما تعذب الجلود التي عصت، فكيف يقول {غيرها}"؟

قلت: "إنّ العرب قد تقول: "أصوغ خاتماً غير ذا" فيكسره ثم يصوغه صياغة أخرى، فهو الأول إلاّ أن الصياغة تغيرت.
{فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مّمّا قضيت ويسلّموا تسليماً}
وقال: {ويسلّموا تسليماً} أي: {حتّى يحكّموك} وحتى {يسلّموا} كل هذا معطوف على ما بعد حتى.
{ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم مّا فعلوه إلاّ قليلٌ مّنهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لّهم وأشدّ تثبيتاً}
قال: {مّا فعلوه إلاّ قليلٌ مّنهم} فرفع {قليلٌ} لأنك جعلت الفعل لهم وجعلتهم بدلا من الأسماء المضمرة في الفعل). [معاني القرآن: 1/205]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إنّ الّذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إنّ اللّه كان عزيزا حكيما}
{سوف نصليهم نارا
} أي: نشويهم في نار.

ويروى أن يهودية أهدت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شاة مصليّة، أي: مشويّة.
وقوله:
{كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها} الأحسن إظهار التاء ههنا مع الجيم، لئلا تكثر الجيمات، وإن شئت: أدغم التاء في الجيم؛ لأن الجيم من وسط اللسان والتاء من طرفه، والتاء حرف مهموس فأدغمته في الجيم.
فإن قال قائل بدل الجلد الذي عصى بالجلد الذي غير العاصي، فذلك غلط من القول، لأن العاصي والآلم هو الإنسان لا الجلد.

وجائز أن يكون: بدل الجلد النضج، وأعيد كما كان جلده الأول، كما تقول: قد صغت من خاتمي خاتما آخر فأنت وإن غيرت الصوغ فالفضة أصل واحد، وقد كان الجلد بلي بعد البعت، فإنشاؤه بعد النضج كإنشائه بعد البعث.
وقوله:
{ليذوقوا العذاب} أي: ليبلغ في ألمهم.
وقوله:
{إنّ اللّه كان عزيزا حكيما} العزيز: البالغ إرادته، الذي لا يغلبه شي " وهو مع ذلك حكيم فيما يدبر، لأن ّ الملحدين ربما سألوا عن العذاب كيف وقع؟ فأعلم الله عزّ وجلّ أن جميع ما فعله بحكمة). [معاني القرآن: 2/65-66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا} المعنى: نلقيهم فيها يقال أصليته إصلاء إذا ألقيته في النار إلقاء كأنك تريد الإحراق، وصليت اللحم إذا شويته أصليه صليا وصليت بالأمر أصلى إذا قاسيت شدته.
وفي الحديث أن يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية، أي: مشوية). [معاني القرآن: 2/116-117]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} في هذا قولان:

أحدهما: أن الألم إنما يقع على النفوس والجلود وإن بدلت فالألم يقع على الإنسان.
والقول الآخر: أن يكون الجلد الأول أعيد جديدا كما تقول صغت الخاتم). [معاني القرآن: 2/117]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ليذوقوا العذاب} أي: لينالهم ألم العذاب، ثم قال تعالى: {إن الله كان عزيزا حكيما} أي: هو حكيم فيما عاقب به من العذاب). [معاني القرآن: 2/118]


تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهّرة وندخلهم ظلّا ظليلا} المعنى: تجري من تحتها مياه الأنهار، لأن الجاري على الحقيقة الماء.
وقوله:
{وندخلهم ظلّا ظليلا} معنى: ظليل يظل من الريح والحر، وليس كل ظل كذلك.
أعلم الله - عزّ وجلّ - أن ظل أهل الجنّة ظليل لا حرّ معه ولا برد.
وكذلك قوله: {وظلّ ممدود} لأن ليس كل ظلّ ممدودا). [معاني القرآن: 2/66]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار} أي: ماء الأنهار). [معاني القرآن: 2/118]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة} أي: من الأدناس والحيض

ثم قال تعالى: {وندخلهم ظلا ظليلا} أي: يظل من الحر والبرد وليس كذا كل ظل).
[معاني القرآن: 2/118-119]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 58 إلى 73]

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ اللّه نعمّا يعظكم به إنّ اللّه كان سميعا بصيرا}
هذا أمر عامّ للنبي - صلى الله عليه وسلم - وجميع أمّته.
ويروى في التفسير: أن العباس عمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل له السقاية والسّدانة وهي الحجبة،
وهو أن يجعل له مع السقاية فتح البيت وإغلاقه، فنازعه شيبة بن عثمان فقال: يا رسول الله اردد علي ما أخذت منّي، يعني: مفتاح الكعبة، فرده - صلى الله عليه وسلم - على شيبة.
وقوله: {إنّ اللّه نعمّا يعظكم به} هذه على أوجه{نعمّا}:

1- بكسر النون والعين وإدغام الميم في الميم.
2- وإن شئت فتحت النون.

3- وإن شئت أسكنت العين فقلت نعمّا، إلا أن الأحسن عندي الإدغام مع كسر العين فأمّا من قرأ نعم ما بإسكان العين والميم، فهو شيء ينكره البصريون، ويزعمون أن اجتماع السّاكنين أعني العين والميم غير جائز، والذي قالوا بيّن، وذلك إنّه غير ممكن في اللفظ، إنما يحتال فيه بمشقة في اللفظ). [معاني القرآن: 2/66-67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قيل عن ابن عباس: هذا عام.

وروي عن شريح أنه قال لأحد خصمين: أعطه حقه فإن الله عز وجل يقول: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}،ثم قال شريح {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} فإنما هذا في الربا خاصة.
وقيل إنه نزلت {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} لما أخذت مفاتح البيت من شيبة بن عثمان وقال ابن زيد: هم الولاة واستحسن هذا القول أن يكون خطابا لولاة أمور الناس أمروا بأداء الأمانة إلى من ولوا أمره فيهم وحقوقهم وما ائتمنوا عليه من أمورهم وبالعدل منهم فأوصوا بالرعية، ثم أوصى الرعية بالطاعة فقال جل وعز بعده: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} إلا أن ابن عباس قال: وأولوا الأمر منكم وأولوا الفقه والدين.
وقال مجاهد: أصحاب محمد.
وقال أبو هريرة: هم الأمراء، وهذا من أحسنها إلا أنه في ما وافق الحق كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن أمر بمعصية فلا طاعة). [معاني القرآن: 2/119-121]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأولي الأمر منكم} أي: ذوي الأمر، والدليل على ذلك أن واحدها (ذو).

{فإن تنازعتم في شيء} أي: اختلفتم.
{فردّوه إلى الله} أي: حكمه إلى الله فالله أعلم). [مجاز القرآن: 1/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وأولي الأمر منكم} يعني: الأمراء الذين كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يبعث بهم على الجيوش، فردّوه إلى اللّه بأن تردوه إلى كتابه العزيز ولو ردّوه إلى الرّسول بأن تردوه إلى سنته.

{ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا} أي: وأحسن عاقبة).
[تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} أي: أطيعوا أولي الأمر منكم، فأمر الله عزّ وجلّ بطاعته، فيما فرض، وطاعة رسوله وتصديقه فيما أدى عن اللّه.
وأولو الأمر منهم: هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن اتبعهم من أهل العلم، وقيل إنهم هم الأمراء، والأمراء إذا كانوا أولي علم ودين آخذين بما يقوله أهل العلم، فطاعتهم فريضة.

وجملة أولي الأمر من المسلمين من يقول بشأنهم في أمر دينهم وجميع ما أدى إلى صلاح له.
ويقال: أديت الشيء تأدية، والأداء اسم ممدود وأدوت الرجل آدو له أدوا إذا ختلته.
قال الشاعر:
أدوت له لأختله...فهيهات الفتى حذرا
وأدي اللبن أديّا إذا حمض.
وقوله:
{فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول} معنى {تنازعتم}: اختلفتم وتجادلتم وقال كل فريق: القول قولي.
واشتقاق المنازعة أن كل واحد منهما ينزع الحجة.
وفي هذه الآية أمر مؤكد يدل على أن القصد للاختلاف كفر، وأنّ الإيمان اتباع الإجماع والسّنة.
ولا يخلو قوله عزّ وجلّ:
{فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر} من أحد أمرين:

1- إمّا أن تردّوا ما اختلفتم فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله.
2- أو تقولوا إن لم تعلموه: اللّه ورسوله أعلم.
{ذلك خير وأحسن تأويلا} أي: إنّ ردّكم ما اختلفتم فيه إلى ما أتى من عند اللّه وترككم التحارب خير، وأحسن تأويلا لكم، أي: أحسن عاقبة لكم.

وجائز أن يكون: أحسن تأويلا، أي: أحسن من تأولكم أنتم دون ردكم إياه إلى الكتاب والسنة.
وتأويلا: منصوب على التمييز).
[معاني القرآن: 2/67-68]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال جابر بن عبد الله: {أولو الأمر} أولوا الفقه والعلم، وقال بهذا القول من التابعين الحسن ومجاهد وعطاء.
وقال أبو هريرة: يعني به أمراء السرايا، وقال بهذا القول السدي ويقويه أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني))
وقال عكرمة: {أولوا الأمر} أبو بكر وعمر.
وهذه الأقوال كلها ترجع إلى شيء واحد لأن أمراء السرايا من العلماء لأنه كان لا يولي إلا من يعلم وكذلك أبو بكر وعمر من العلماء). [معاني القرآن: 2/122-123]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإن تنارعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} اشتقاق المنازعة: أن كل واحد من الخصمين ينتزع الحجة لنفسه).
[معاني القرآن: 2/123]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وفي قوله جل وعز:
{فردوه إلى الله والرسول} قولان:
أحدهما: قاله مجاهد وقتادة: فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله، وكذلك قال عمرو بن ميمون فردوه إلى كتاب الله ورسوله فإذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فردوه إلى سنته.
والقول الآخر: فقولوا الله ورسوله أعلم وهذا تغليظ في الاختلاف لقوله: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} قال قتادة: {وأحسن تأويلا} وأحسن عاقبة .

وهذا أحسن في اللغة ويكون من آل إلى كذا.

ويجوز أن يكون المعنى: وأحسن من تأويلكم). [معاني القرآن: 2/123-125]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} يعني: الأمراء الذين كان يبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيوش {فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَحْسَنُ تَأْوِيلاً}: عاقبة).
[العمدة في غريب القرآن: 113]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: -
{ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشّيطان أن يضلّهم ضلالا بعيدا} يعنى به: المنافقون.
{أنّهم} تنوب عن اسم الزعم وخبره.
وقوله:
{يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت} إلى الكاهن والشيطان.
ويروى أن رجلا من المنافقين نازعه رجل من اليهود، فقال اليهودي: بيني وبينك أبو القاسم، وقال المنافق: بيني وبينك الكاهن، فلم يرض اليهودي بالكاهن وصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحكم لليهودي على المنافق، فقال المنافق: لا أرضى، بيني وبينك أبو بكر، فحكم أبو بكر أيضا لليهودي، فلم يرض المنافق وقال: بيني وبينك عمر فصارا إلى عمر فأخبره اليهودي بأن المنافق قد حكم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فلم يرض بحكمهما، فقال عمر للمنافق:
أكذاك؟ قال: نعم، فقال عمر: اصبروا فإن لي حاجة أدخل فأقضيها وأخرج إليكما، فدخل وأخذ سيفه وخرج إلى المنافق فضربه بالسيف حتى قتله، فجاء أهله فشكوا عمر إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن قصته فقال عمر: إنه ردّ حكمك يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه: ((أنت الفاروق)).). [معاني القرآن: 2/68-69]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} قال الضحاك: نزل هذا في رجلين اختصما أحدهما يهودي والآخر منافق فقال اليهودي: بيني وبينك محمد، وقال المنافق: بيني وبينك كعب بن الأشرف).
[معاني القرآن: 2/125]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرّسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدودا} أي: يصدّون عن، حكمك).
[معاني القرآن: 2/69]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} أي: يصدون عن حكمك).
[معاني القرآن: 2/125]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {يصدون عنك صدودا} أي: يعرضون عنك إعراضا، وصد، أي: أعرض، وصد: ضج، وصد: منع، وصد: هجر، وصد يصد، إذا ضج، والباقي كله من: فعل يفعل مضموم). [ياقوتة الصراط: 199]

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدّمت أيديهم ثمّ جاءوك يحلفون باللّه إن أردنا إلّا إحسانا وتوفيقا} أي: فكيف تكون حالهم إذا قتل صاحبهم بما أظهر من الخيانة وردّ حكم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله:
{ثمّ جاءوك يحلفون باللّه إن أردنا إلّا إحسانا وتوفيقا} أي: ما أردنا بمطالبتنا بدم صاحبنا إلا إحسانا وطلبا لما يوافق الحق). [معاني القرآن: 2/69]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم} المعنى: فكيف حالهم إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم {ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا}.

يروى أن: عمر قتل المنافق الذي قال لليهودي امض بنا إلى كعب بن الأشرف يقض بيننا فجاء أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله إن أردنا بطلب الدم إلا إحسانا وموافقة للحق،
وقيل المعنى: إذا نزلت بهم عقوبة لم تردعهم وحلفوا كاذبين أنهم ما أرادوا باحتكامهم إليه إلا الإحسان من بعضهم إلى بعض والصواب فيه). [معاني القرآن: 2/125-127]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{أولئك الّذين يعلم اللّه ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا}
اللّه يعلم ما في قلوب أولئك وقلوب غيرهم، إلا أن الفائدة في ذكره ههنا الذين يعلم الله ما في قلوبهم أي أولئك الذين قد علم اللّه أنهم منافقون.
والفائدة لنا هي: اعلموا أنهم منافقون.

وقوله جلّ وعزّ:
{فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} أي: أعلمهم أنهم إن ظهر منهم ردّ لحكمك وكفر، فالقتل حقهم.
يقال قول بليغ إذا كان يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه، ويقال أحمق بلغ وبلغ.
وفيه قولان:

1- إنّه أحمق يبلغ حيث يريد.
2- ويكون " أحمق بلغ وبلغ " قد بلغ في الحماقة.
والقول الأول: قول من يوثق بعلمه، والثاني: وجه جيد). [معاني القرآن: 2/69-70]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} وهو عالم بكل شيء، والفائدة: أنه قد علم أنهم منافقون فأعلموا ذلك).
[معاني القرآن: 2/127]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} أي: قل لهم من خالف حكم النبي صلى الله عليه وسلم وكفر به وجب عليه القتل).
[معاني القرآن: 2/127]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{وما أرسلنا من رسول إلّا ليطاع بإذن اللّه ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابا رحيما}
إي، أذن في ذلك.
و " من " دخلت للتوكيد. المعنى وما أرسلنا رسولا إلّا ليطاع بإذن اللّه.
وقوله:
{ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه}
" أن " في موضع رفع، المعنى: لو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم أنفسهم مع استغفارهم {لوجدوا اللّه توّابا رحيما} ).
[معاني القرآن: 2/70]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} "من" زائدة للتوكيد ويدل على معنى الجنس ومعنى إلا بإذن الله إلا بأنه أذن الله، وقيل يجوز أن يكون معناه: إلا بعلم الله). [معاني القرآن: 2/128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {شجر بينهم} أي: اختلط.

{لا يجدوا في أنفسهم حرجاً} أي: ضيقاً). [مجاز القرآن: 1/131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فيما شجر بينهم}: فيما اختصموا فيه.

{حرجا}: ضيقا). [غريب القرآن وتفسيره: 121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فيما شجر بينهم} أي: فيما اختلفوا فيه.

{ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت} أي: شكا ولا ضيقا من قضائك.
وأصل الحرج: الضيق). [تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما} يعنى به: المنافقون.
{حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} أي: فيما وقع من الاختلاف بينهم.
{ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت} أي: لا تضيق صدورهم من قضيتيك.
{ويسلّموا تسليما} أي: يسلمون لما يأتي به من حكمك، لا يعارضونه بشيء، و{تسليما} مصدر مؤكد، والمصادر المؤكدة بمنزلة ذكر الفعل ثانيا، كأنك إذا قلت سلمت تسليما فقد قلت: سلّمت سلّمت.

وحقّ التوكيد: أن يكون محقّقا لما تذكره في صدر كلامك، فإذا قلت ضربت ضربا، فكأنك قلت أحدثت ضربا أحقه ولا أشك فيه، وكذلك {ويسلّموا تسليما} أي: يسلمون لحكمك تسليما، لا يدخلون على أنفسهم فيه شكا). [معاني القرآن: 2/70-71]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} أي: فيما اختلفوا فيه ومنه تشاجر القوم.
وأصل هذا: من الشجر لاختلاف أغصانه، ومنه شجره بالرمح، أي: جعله فيه بمنزلة الغصن في الشجرة، ومنه اشتجر القوم قال زهير:
متى يشتجر قوم يقل سرواتهم هم بيننا فهم رضى وهم عدل). [معاني القرآن: 2/128-129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضيت} أي: شكا وضيقا.

وأصل الحرج: الضيق). [معاني القرآن: 2/129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ويسلموا تسليما} أي ويسلموا لأمرك وقوله: {تسليما} مؤكد).
[معاني القرآن: 2/129]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {حرجا} أي: ضيقا).
[ياقوتة الصراط: 199]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ} أي: شكاً ولا ضيقاً من قضائك.

وأصل الحرج: الضيق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({شَجَرَ بَيْنَهُمْ}: اختصموا فيه.
{حَرَجاً}: ضيقا). [العمدة في غريب القرآن: 113]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولو أنّا كتبنا عليهم} معناه: قضينا عليهم.

{ما فعلوه إلا قليلٌ منهم}

{ما فعلوه}: استثناء قليل من كثير، فكأنه قال: ما فعلوه، فاستثنى الكلام، ثم قال: إلا أنه يفعل قليل منهم.
ومنهم من زعم: أن {ما فعلوه} في موضع: ما فعله إلاّ قليل منهم، وقال عمرو بن معدي كرب:
وكل أخٍ مفارقه أخوه... لعمر أبيك إلاّ الفرقدان
فشبّه رفع هذا برفع الأول، وقال بعضهم: لا يشبهه لأن الفعل منهما جميعاً.
{ما يوعظون به}: ما يؤمرون به.
{وأشدّ تثبيتاً}: من الإثبات، منها: اللّهم ثبّتنا على ملّة رسولك). [مجاز القرآن: 1/131]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولو أنّا كتبنا عليهم} أي: فرضنا عليهم وأوجبنا).
[تفسير غريب القرآن: 130]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلّا قليل منهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشدّ تثبيتا}
" لو " يمنع بها الشيء لامتناع غيره. تقول لو جاءني زيد لجئته.

المعنى: أن مجيئي امتنع لامتناع مجيء زيد، فحقها أن يلها الأفعال.
إلا أن (أنّ) المشددة تقع بعدها، لأن - " أنّ " في اللغة تنوب عن الاسم والخبر، تقول ظننت أنك عالم.
وهذا كقولك ظننتك عالما. والمعنى ظننت علمك.
فالمعنى في " أنّ " بعد " لو " أنها نابت عن الفعل والاسم، كما نابت عن الاسم والخبر.
فالمعنى في قوله: {ولو أنّا كتبنا عليهم} كالمعنى في لو كتبنا عليهم.
وجائز أن يكون مضمرا الفعل مع (أنّ) مع وقوع قابلها.
المعنى ولو وقع وكتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم.
وإن شئت: كسرتها لالتقاء السّاكنين أعني..
{أن اقتلوا أنفسكم}
وإن شئت قلت" " أن اقتلوا " فضممتها لانضمام التاء..
وأبو عمرو بن العلاء يختار مع النونات خاصة الكسر ومع سائر ما في القرآن - إذا كان ما بعدها مضموما - الضّم، إلا قوله:
{وقالت اخرج عليهنّ}، {ولقد استهزئ برسل من قبلك}
ولست أعرف في هذين الحرفين خاصية أبي عمرو إياهما بالكسر إلا أن يكون:

روى رواية فاختار الكسر لهذه العلة.
أو يكون أراد أن الكسر جاز أيضا كما جاز الضم - وهذا أجود التأويلين.
وللكسر والضم
في هذه الحروف وجهان جيدان قد قرأت القراء بهما:
1- فأمّا رفع إلا قليل. منهم. فعلى البدل من الواو، المعنى: ما فعله إلا قليل منهم.

2- والنصب جائز في غير القرآن، على معنى: ما فعلوه استثني قليلا منهم.
وعلى ما فسّرنا في نصب الاستثناء، فإن كان في النفي نوعان مختلفان
فالاختيار النصب، والبدل جائز، تقول ما بالدار أحد إلا حمارا
قال النابغة الذبياني:
وقفت فيها أصيلا لا أسائلها... عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد
إلاّ الأواريّ لأيا ما أبيّنها... والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
فقال ما بالربع من أحد، أي ما بالربع أحد إلّا أواري، لأن الأواري ليست من الناس.
وقد يجوز الرفع على البدل، وإن كان ليس من جنس الأول كما قال الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
فجعل اليعافير والعيس بدلا من الأنيس.
وجائز أن يكون: أنيس ذلك البلد اليعافير والعس). [معاني القرآن: 2/71-73]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وحسن أولئك رفيقاً} أي: رفقاء، والعرب تلفظ بلفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع، قال العباس بن مرداسٍ:

فقلنا أسلموا إنّا أخوكم... فقد برئت من الإحن الصدورٌ
وفي القرآن: {يخرجكم طفلاً} والمعنى: أطفالا).
[مجاز القرآن: 1/131]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم مّن النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً}
قال:
{وحسن أولئك رفيقاً} فليس هذا على "نعم الرّجل" لأن "نعم" لا تقع إلا على اسم فيه الألف واللام أو نكرة، ولكن هذا على مثل قولك: "كرم زيدٌ رجلاً" تنصبه على الحال.

و"الرفيق" واحد في معنى جماعة مثل "هم لي صديقٌ"). [معاني القرآن: 1/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وحسن أولئك رفيقا}: رفقاء). [غريب القرآن وتفسيره: 121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه واحد يراد به جميع:
كقوله:
{هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ}، وقوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقوله: {نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}
وقوله: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}والتفريق لا يكون إلا بين اثنين فصاعدا.

وقوله:
{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}
والعرب تقول: فلان كثير الدرهم والدينار، يريدون الدراهم والدنانير.
وقال الشاعر:
هم المولى وإن جنفوا علينا = وإنّا من لقائهم لزور
وقال الله عز وجل: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ}، أي: الأعداء، {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}، أي: رفقاء.

وقال الشاعر:
فقلنا: أسلموا إنّا أخوكم = وقد برئت من الإحن الصّدور). [تأويل مشكل القرآن:284-285] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيق}
وقوله:
{وحسن أولئك رفيقا}يعنى: النبيين، لأنه قال: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك} أي: المطيعون.
{مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا} أي: الأنبياء ومن معهم حسنوا رفيقا.
و" رفيقا " منصوب على التمييز، ينوب عن رفقاء، وقال بعضهم لا ينوب الواحد عن الجماعة إلا أن يكون من أسماء الفاعلين، فلو كان " حسن القوم رجلا " لم يجز عنده، ولا فرق بين رفيق ورجل في هذا المعنى لأن الواحد في التمييز ينوب عن الجماعة، وكذلك في المواضع التي لا تكون إلا جماعة نحو قولك هو أحسن فتى وأجمله، المعنى هو أحسن الفتيان وأجملهم، وإذا كان الموضع الذي لا يلبس ذكر الواحد فيه، فهو ينبئ عن الجماعة كقول الشاعر:

بها جيف الحسرى فأمّا عظامها... فبيض وأمّا جلدها فصليب
وقال الآخر:
في حلقكم عظم وقد شجينا
يريد: في حلوقكم عظام، ولو قلت حسن القوم مجاهدا في سبيل اللّه.

وحسن القوم رجلا كان واحدا
وقوله: {وكفى باللّه عليما}
معناه: كفى اللّه عليما، والباء مؤكدة، المعنى: اكتفوا باللّه عليما). [معاني القرآن: 2/73-74]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} يروى أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله أنت معنا في الدنيا وترفع يوم القيامة لفضلك، فأنزل الله عز وجل: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} فعرفهم أن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم فيجتمعون ليذكروا ما أنعم الله عليهم به).
[معاني القرآن: 2/130]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتٍ أو انفروا جميعاً...}
يقول: عصباً إذا دعيتم إلى السرايا، أو دعيتم لتنفروا جميعا). [معاني القرآن: 1/275]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فانفروا ثباتٍ}: واحدتها ثبة، ومعناها: جماعات في تفرقة؛ وقال زهير بن أبي سلمى:

وقد أغدو على ثبةٍ كرام... نشاوى واجدين لما نشاء
وتصديق ذلك{أو انفروا جميعاً) (71)، وقد تجمع ثبة: ثبين، قال عمرو بن كلثوم:

فأمّا يوم خشيتنا عليهم... فتصبح خيلنا عقبا ثبينا). [مجاز القرآن: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({انفروا ثبات}: جماعات، واحدها: ثبة). [غريب القرآن وتفسيره: 121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ثباتٍ} جماعات، واحدتها: ثبة، يريد: جماعة بعد جماعة.

{أو انفروا جميعاً} أي: بأجمعكم جملة واحدة).
[تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}
أمر اللّه أن لا يلقي المؤمنون بأيديهم إلى التهلكة وأن يحذروا عدوهم وأن يجاهدوا في الله حق الجهاد، ليبلو الله الأخيار وضمن لهم مع ذلك النصر، لأنه لو تولى اللّه تعالى قتل أعدائه بغير سبب للآدميين لم يكونوا مثابين، ولكنه أمر أن يؤخذ الحذر.
وقال: {فانفروا ثبات أو انفروا جميعا} والثبات الجماعات المتفرقة، واحدها: ثبة.

قال زهير ابن أبي سلمى:
وقد أغدو على ثبة كرام... نشاوى واجدين لما نشاء
قال سيبويه ثبة تجمع ثبون وثبين، في الرفع والنصب والجر وإنما جمعت بالواو والنون - وكذلك عزة وعضة - كقوله عزّ وجلّ {الّذين جعلوا القرآن عضين} - لأنّ الواو والنون جعلتا عوضا من حذف آخر الكلمة.

وثبة: التي هي الجماعة محذوف آخرها؛ تصغّر ثبيّة، وثبة الحوض: وسطه حيث يثوب الماء إليه تصغّر ثوبية، لأن هذا محذوفة منه عين الفعل، وإنما اشتقت ثبة الجماعة من ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه في حياته، وتأويله: أنك جمعت ذكر محاسنه، فأما الثبة الجماعة من فرقة، فتأويله: انفروا جماعات متفرقة أو انفروا بعضكم إلى بعض).
[معاني القرآن: 2/74-75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}

قال قتادة:
الثبات الفرق.
وقال الضحاك: الثبات العصب والجميع المجتمعون.
وقال أهل اللغة: "الثبات" الجماعات في تفرقة، والمعنى: انفروا جماعة بعد جماعة أو انفروا بأجمعكم وواحد الثبات ثبة وهي مشتقة من قولهم ثبيت الرجل إذا أثنيت عليه في حياته لأنك كأنك جمعت محاسنه). [معاني القرآن: 2/130-131]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {فانفروا ثبات} أي: فرقا).
[ياقوتة الصراط: 199]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {أَو انْفِرُوا جَمِيعاً} أي: انفروا مجتمعين).
[ياقوتة الصراط: 200]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ثُبَاتٍ} أي: جماعات، الواحدة: ثُبة).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ثُبَاتٍ}: جماعة متفرقة).
[العمدة في غريب القرآن: 113]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإنّ منكم لمن لّيبطّئنّ...}
اللام التي في (من) دخلت لمكان (إنّ) كما تقول: إنّ فيها لأخاك.

ودخلت اللام في {ليبطّئنّ} وهي صلة لمن على إضمار شبيه باليمين؛ كما تقول في الكلام: هذا الذي ليقومنّ؛ وأرى رجلا ليفعلنّ ما يريد.
واللام في النكرات إذا وصلت أسهل دخولا منها في من وما والذي؛ لأن الوقوف عليهن لا يمكن.
والمذهب في الرجل والذي واحد إذا احتاجا إلى صلة.

وقوله: {وإنّ كلاّ لما ليوفّينّهم} من ذلك، دخلت اللام في (ما) لمكان إنّ، ودخلت في الصلة كما دخلت في ليبطئن، ولا يجوز ذلك في عبد الله، وزيد أن تقول: إن أخاك ليقومنّ؛ لأن الأخ وزيدا لا يحتاجان إلى صلة، ولا تصلح اللام أن تدخل في خبرهما وهو متأخر؛ لأن اليمين إذا وقعت بين الاسم والخبر بطل جوابها؛ كما نقول: زيد والله يكرمك، ولا تقول زيد والله ليكرمك). [معاني القرآن: 1/275-276]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وإنّ منكم لمن لّيبطّئنّ فإن أصابتكم مّصيبةٌ قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن مّعهم شهيداً}
قال:
{وإنّ منكم لمن لّيبطّئنّ} فاللام الأولى: مفتوحة لأنها للتوكيد نحو: "إنّ في الدّار لزيداً"
واللام الثانية: للقسم كأنه قال: "وإن منكم من واللّه ليبطئنّ"). [معاني القرآن: 1/206]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقال:
{وإنّ منكم لمن ليبطّئنّ فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا} أي: ممن أظهر الإيمان لمن يبطئ عن القتال، يقال قد أبطأ الرجل، وبطوء بمعنى: أبطأ تأخر، ومعنى بطوء: ثقل، إبطاء، وبطئا.
واللام الأولى التي في " لمن ": لام إن، واللام التي في ليبطئن: لام القسم، ومن موصولة بالجالب للقسم، كان هذا لو كان كلاما لقلت إن منكم لمن أحلف واللّه ليبطئن.

والنحويون يجمعون على أن: من وما والذي لا يوصلن بالأمر والنهي إلا بما يضمر معها من ذكر الخبر، وأن لام القسم إذا جاءت مع هذه الحروف فلفظ القسم وما أشبه لفظه مضمر معها.
وقوله:
{فإن أصابتكم مصيبة قال} هذا المبطّئ: {قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا} أي: لم أشركهم في مصيبتهم). [معاني القرآن: 2/75-76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي} أي: يبطئ عن القتال ويبطئ على التكثير، يعنى به: المنافقون {فإن أصابتكم مصيبة} أي: هزيمة).
[معاني القرآن: 2/131]

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {
يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً...}
العرب تنصب ما أجابت بالفاء في ليت؛ لأنها تمنّ، وفي التمني معنى يسّرني أن تفعل فأفعل، فهذا نصب كأنه منسوق؛ كقولك في الكلام: وددت أن أقوم فيتبعني الناس: وجواب صحيح: يكون لجحد ينوي في التمنّي؛ لأنّ ما تمنّى مما قد مضى فكأنه مجحود؛ ألا ترى أن قوله: {يا ليتني كنت معهم فأفوز} فالمعنى: أكن معهم فأفوز، وقوله في الأنعام {يا ليتنا نردّ ولا نكذّب} هي في قراءة عبد الله بالفاء {نردّ فلا نكذب بآيات ربّنا} فمن قرأها كذلك جاز النصب على الجواب، والرفع على الاستئناف، أي: فلسنا نكذب، وفي قراءتنا بالواو، فالرفع في قراءتنا أجود من النصب، والنصب جائز على الصرف؛ كقولك: لا يسعني شيء ويضيق عنك).
[معاني القرآن: 1/276]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ولئن أصابكم فضل من اللّه ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما} أي: ظفرتم وغنمتم.
{ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة يا ليتني كنت معهم}
{كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة} جائز أن يكون: وقع ههنا معترضا.

المعنى: {ولئن أصابكم فضل من اللّه ليقولنّ}
{يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما}
ويكونّ:
{إن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا}
{كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة} ومعنى المودّة ههنا، أي: كأنّه لم يعاقدكم على الإيمان، أي: كأنّه لم يظهر لكم المودة.

وجائز أن يكون - واللّه أعلم -: ليقولنّ يا ليتني كنت معهم كأن لم تكن بينكم وبينه مودة، أي: كأنّه لم يعاقدكم على أن يجاهد معكم، فلا يكون في العربيّة فيه عيب ولا ينقص معنى.. واللّه أعلم.
{فأفوز فوزا عظيما}
{فأفوز} منصوب على جواب التمني بالفاء). [معاني القرآن: 2/76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (
{ولئن أصابكم فضل من الله} أي: غنيمة، {ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة} لله وقرأ الحسن (ليقولن) بضم اللام وهو محمول على المعنى لأن من لجماعة فهذا معترض، والمعنى هو: قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا كأن لم يكن بينكم وبينه مودة، أي: كأن لم يعاقدكم على الجهاد.

ويجوز أن يكون المعنى: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما كأن لم يكن بينكم وبينه مودة). [معاني القرآن: 2/132]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة