العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 02:55 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة آل عمران


التفسير اللغوي لسورة آل عمران


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 5]

{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)}

تفسير قوله تعالى: {الم (1)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({آلم}: افتتاح كلام، شعار للسورة، وقد مضى تفسيرها في البقرة، ثم انقطع، فقلت: {الله لا إله إلاّ هو}: استئناف). [مجاز القرآن: 1/86]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الم *اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم }
أجمعت القراء على فتح الميم, وقد روي عن الرّواسي { ألم اللّه } بتسكين الميم، وقد روى هذه القراءة بعضهم, عن عاصم و والمضبوط عن عاصم في رواية أبي بكر بن عيّاش , وأبي عمرو فتح الميم، وفتح الميم إجماع, وقد شرحنا معنى{الم}.
واختلف النحويون في: علة فتح الميم،
فقال بعض البصريين: جائز أن يكون الميم فتحت لالتقاء الساكنين، وجائز أن يكون طرحت عليها فتحة الهمزة , لأن نية حروف الهجاء الوقف، وهذا أيضاً قول الكوفيين.

وذكر أبو الحسن الأخفش أن الميم لو كسرت لالتقاء السّاكنين فقيل {الم اللّه} لجاز، وهذا غلط من أبي الحسن , لأن قبل الميم ياء مكسوراً ما قبلها , فحقها الفتح لالتقاء السّاكنين, وذلك لثقل الكسرة مع الياء.). [معاني القرآن: 1/373]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ألم}: أنا الله أعلم). [العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (قوله تعالى: {اللّه لا اله إلاّ هو الحيّ القيّوم...}
حدثنا محمد بن الجهم , عن الفراء :{الحيّ القيّوم} قراءة العامة، وقرأها عمر بن الخطاب , وابن مسعود{القيّام}, وصورة القيّوم: الفيعول، والقيّام : الفيعال، وهما جميعاً مدح.
وأهل الحجاز أكثر شيء قولاًك الفيعال من ذوات الثلاثة, فيقولون للصوّاغ: الصيّاغ). [معاني القرآن: 1/190]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الله لا إله إلاّ هو}: استئناف). [مجاز القرآن: 1/86] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم} , أما قوله: {الحيّ القيّوم},
فإن {القيّوم}: "الفيعول" , ولكن الياء الساكنة إذا كانت قبل واو متحركة, قلبت الواو ياء, وأصله "القيووم", و(الدّيّان): "الفيعال", و"الدّيّار", "الفيعال", وهي من "دار" يدور", وأصله "الديوار" , ولكن الواو قلبت ياء.). [معاني القرآن: 1/158-159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وذكر أبو الحسن الأخفش: أن الميم لو كسرت لالتقاء السّاكنين , فقيل :{الم
اللّه}, لجاز، وهذا غلط من أبي الحسن ؛ لأن قبل الميم ياء مكسوراً ما قبلها , فحقها الفتح ؛ لالتقاء السّاكنين وذلك لثقل الكسرة مع الياء.
فأما {القيّوم}, فقد روي عن عمر , وابن مسعود جميعا أنهما قرءا {القيّام}, وقد رويت {القيّم}, والذي ينبغي أن يقرأ ما عليه المصحف، وهو القيوم بالواو، والقيّم أيضاً جيد بالغ كثير في العربية، ولكن القراءة بخلاف ما في المصحف لا تجوز، لأن المصحف مجمع عليه، ولا يعارض الإجماع برواية لا يعلم كيف صحتها.
ومعنى {القيّوم}: القائم بتدبير جميع ما خلق من إحياء, وإنشاء, ورزق , وموت.
وأصل قيوم: قيووم، إلا أن الياء إذا سبقت الواو بسكون, قلبت لها الواو, وأدغمت الياء فيها, وكذلك القيّام أصله القيوام، ومعنى الكتاب: ما كتب, يقال للقرآن كتاب ؛ لأنه يكتب، ومعنى يكتب في اللغة: يجمع بعضه إلى بعض، والكتبة في اللغة الخرزة , وجمعها كتب, والكتيبة : القطعة من الجيش العظيمة، إنما سميت لاجتماع بعضها إلى بعض.
ومعنى{مصدّقا لما بين يديه}أي: للكتب التي تقدمته, والرسل التي أتت بها). [معاني القرآن: 1/373-374]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (من ذلك قوله عز وجل: {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}
روي عن ابن عباس : الحي الذي لا يموت, والقيوم الذي لا يزول .
قال مجاهد : القيوم: القائم على كل شيء , أي: القائم على تدبير كل شيء من رزق , وحياة , وموت .
وقد شرحناه بأكثر من هذا , ومعنى {الم} في سورة البقرة .
حدثنا أحمد بن شعيب و قال: أخبرني عمران بن بكار, قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء , قال: حدثنا شعيب بن إسحاق , قال : حدثنا هارون , عن محمد بن عمرو بن علقمة, عن يحيى بن عبد الرحمن , عن أبيه , عن عمر بن الخطاب أنه صلى صلاة العشاء , فاستفتح آل عمران, فقرأ: {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}, فقرأ في ركعة بمائة آية, وفي الثانية بالمائة الباقية
وسنذكر الأصل في الإعراب إن شاء الله). [معاني القرآن: 1/339-340]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (أخبرنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: {القيوم}, والقيام , والمدبر واحد). [ياقوتة الصراط: 185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْقَيّومُ}: الدائِم). [العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)}

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لّما بين يديه وأنزل التّوراة والإنجيل}
أما {مصدّقاً لّما بين يديه}, فنصب على الحال.). [معاني القرآن: 1/159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وأنزل التّوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للنّاس}, أي: من قبل القرآن.
وقد اختلف النحوّيون في " توراة ":
1- فقال الكوفيّون: توراة يصلح أن يكون " تفعلة " من وريت بك زنادي، فالأصل عندهم تورية إلا أن الياء قلبت ألفاً لتحركها , وانفتاح ما قبلها, " وتفعلة " لا تكاد توجد في الكلام، إنما قالوا في تتفلة " تتفلة.

2- وقال بعضهم: يصلح أن يكون تفعلة مثل توصية , ولكن قلبت من تفعلة إلى تفعلة, وكأنّه يجيز في توصية توصاة، وهذا رديء, ولم يثبت في توفية توفاة، ولا في توقية توقاه.
3- وقال البصريون: أصلها فوعلة، وفوعلة كثير في الكلام مثل: الحوقلة, ودوخلة , وما أشبه ذلك.
وكل ما قلت فيه : فوعلت , فمصدره: فوعلة، فأصلها عندهم " وورية ", ولكن الواو الأولى قلبت تاء كما في " تولج " , وإنما هو فوعل من ولجت، وكما قلبت في تراث الياء الأخيرة، قلبت أيضاً لتحركها , وانفتاح ما قبلها بإجماع.
وإنجيل: إفعيل من النجل , وهو الأصل: هكذا يقول جميع أهل اللغة في إنجيل). [معاني القرآن: 1/374-375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {نزل عليك الكتاب بالحق}
قال ابن كيسان : فيه وجهان , أي: ألزمك ذلك باستحقاقه إياه عليك, وعلى خلقه .
قال : ويكون بالحق, أي : بما حق في كتبه من إنزاله عليك , وكان هذا أوضح لقوله: {مصدقا} أي: في حال تصديقه لما قبله من الكتب , وما عبد الله به خلقه من طاعته .
قال مجاهد: لما بين يديه لما قبله من كتاب , أو رسول .
ثم قال تعالى: {وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس} أي: من قبل القرآن.
والتوراة: من ورى , ووريت , فقيل: توراة , أي: ضياء , ونور.
قال البصريون: توراة أصلها فوعلة مثل : حوقلة , ومصدر فوعلت : فوعلة, والأصل عندهم : وورية, فقلبت الواو الأولى تاء كما قلبت في تولج , وهو فوعل من ولجت
وفي قولهم: {تالله} , وقلبت الياء الأخيرة ألفاً لتحركها , وانفتاح ما قبلها .
وقال الكوفيون: توراة يصلح أن تكون تفعلة, وتفعلة قلبت إلى تفعلة , ولا يجوز عند البصرين في توقيه: توقوة, ولا يكاد يوجد في الكلام تفعلة إلا شاذاً.
وإنجيل من نجلت الشيء, أي: أخرجته , فإنجيل خرج به دارس من الحق, ومنه قيل لواحد الرجل نجله, كما قال:
إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم = أصاغرهم وكل فحل له نجل
قال ابن كيسان: إنجيل إفعيل من النجل, ويقال نجلة أبوه , أي : جاء به, ويقال: نجلت الكلاء بالمنجل, وعين نجلاء واسعة , وكذا طعنة نجلاء, وجمع الإنجيل: أناجيل , وجمع التوراة: توار). [معاني القرآن: 1/340-343]

تفسير قوله تعالى: {مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)
}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({من قبل هدًى لّلنّاس وأنزل الفرقان إنّ الّذين كفروا بآيات اللّه لهم عذابٌ شديدٌ واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ}
قال: {هدىً لّلنّاس} , فـ{هدىً} في موضع نصب على الحال , ولكن {هدىً} مقصور , فهو متروك على حال واحد). [معاني القرآن: 1/159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى {من قبل هدى للنّاس} أي: من قبل القرآن.
ومعنى {وأنزل الفرقان} أي: ما فرق به بين الحق والباطل , وروي عن بعض المفسرين: أن كل كتاب للّه فرقان.
ومعنى {واللّه عزيز ذو انتقام} أي : قد ذل له كل شيء بأثر صنعته فيه.
ومعنى{ذو انتقام} أي: ذو أنتقام ممن كفر به، لأن ذكر الكافرين ههنا جرى). [معاني القرآن: 1/375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وأنزل الفرقان}أي: الفارق بين الحق والباطل.
كما قال بعض المفسرين: كل كتاب له فرقان.
{والله عزيز}أي: ذل له كل شيء بأثر صنعته فيه
{ذو انتقام}أي: ممن كفر به). [معاني القرآن: 1/343]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْفُرْقَانَ}: بين الحق, والباطل.). [العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى {إنّ اللّه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السّماء} أي : هو ظاهر له، وهو جلّ وعزّ أنشأه.). [معاني القرآن: 1/375]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 10:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
Lightbulb [الآيات من 6 إلى 9]

{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى {هو الّذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلّا هو العزيز الحكيم } أي: على ما يشاء من عظم, وصغر لون، وضعف, وقوة.
وله جلّ وعزّ في ذلك حكمة كما قال: {لا إله إلّا هو العزيز الحكيم}). [معاني القرآن: 1/375-376]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} أي: من أحسن, وقبح, وتمام, ونقصان, وله في كل ذلك حكمة). [معاني القرآن: 1/344]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ مّحكماتٌ...}
{منه آياتٌ مّحكماتٌ} يعني: مبيّنات للحلال, والحرام , ولم ينسخن, وهنّ الثلاث الآيات في الأنعام أوّلها: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}, والآيتان بعدها, وقوله: {هنّ أمّ الكتاب}, يقول: هنّ الأصل.
{وأخر متشابهاتٌ}, وهنّ: ألمص، وألر، وألمر؛ اشتبهن على اليهود؛ لأنهم التمسوا مدّة أكل هذه الأمّة من حساب الجمّل، فلمّا لم يأتهم على ما يريدون, قالوا: خلّط محمد صلى الله عليه وسلم , وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
فقال الله: {فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} يعني: تفسير المدّة.
ثم قال: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه}, ثم استأنف {والراسخون}, فرفعهم بـ{يقولون} لا بإتباعهم إعراب الله, وفي قراءة أبيّ {ويقول الراسخون},
وفي قراءة عبد الله :{إن تأويله إلا عند الله، والراسخون في العلم يقولون}).
[معاني القرآن: 1/190-191]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (آياتٌ محكماتٌ) يعني: هذه الآيات التي تسمّيها في القرآن.
(وأخر متشابهاتٌ): يشبه بعضها بعضاً.
(في قلوبهم زيغٌ) أي: جور.
(فيتّبعون ما تشابه منه): ما يشبه بعضه بعضاً، فيطعنون فيه.
(ابتغاء الفتنة): الكفر.
(والرّاسخون في العلم): العلماء، ورسخ أيضاً في الإيمان.
(تأويله): التأويل: التفسير، والمرجع: مصيره، قال الأعشى:
على أنها كانت تأوّل حبّها= تأوّل ربعيّ السّقاب فأصحبا
قوله: تأول حبها: تفسيره: ومرجعه، أيك إنه كان صغيراً في قلبه، فلم يزل ينبت، حتى أصحب, فصار قديماً كهذا السقب الصغير لم يزل يشبّ حتى أصحب, فصار كبيراً مثل أمّه). [مجاز القرآن: 1/86-87]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ مّحكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ مّن عند ربّنا وما يذّكّر إلاّ أولوا الألباب},قال: {هنّ أمّ الكتاب}, ولم يقل: "أمهات" كما تقول للرجل: "ما لي نصيرٌ" , فيقول: "نحن نصيرك" , وهو يشبه "دعني من تمرتان", قال:
تعرّضت لي بمكان حلّ = تعرّض المهرة في الطولّ
= تعرّضاً لم تأل عن قتلا لي=
فجعله على الحكاية ؛ لأنه كان منصوباً قبل ذلك كما ترى، كما تقول: "نودي" "الصلاة الصلاة" "أي: تحكى قوله: "الصلاة الصلاة",
وقال بعضهم: إنّما هي "أن قتلاًلي" , ولكنه جعله عيناً, لأنّ من لغته في "أن", "عن", والنصب على الأمر؛ كأنك قلت: ضرباً لزيدٍ").
[معاني القرآن: 1/159-160]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال: {كلٌّ مّن عند ربّنا}؛لأن "كلّ" قد يضمر فيها كما قال: {إنّا كلٌّ فيها} يريد: كلّنا فيها, ولا تكون "كلّ" مضمراً فيها, وهي صفة إنما تكون مضمراً فيها إذا جعلتها اسماً, فلو كان "إنّا كلاّ فيها" على الصفة لم يجز ؛ لأن الإضمار فيها ضعيف, لا يتمكن في كل مكان). [معاني القرآن: 1/160]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({في قلوبهم زيغ}: جور زاغ عن الطريق أي حاد، وأزغته أنا.
{ابتغاء الفتنة}: قالوا الكفر).[غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({في قلوبهم زيغٌ}, أيك جور, يقال: زغت عن الحق. ومنه قوله: {أم زاغت عنهم الأبصار} أي: عدلت, ومالت.
{ابتغاء الفتنة}أي: الكفر, والفتنة تتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب «تأويل المشكل».
{أولو الألباب}: ذوو العقول, وواحد «أولو» : ذو, وواحد أولات: ذات). [تفسير غريب القرآن: 101]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ في المتشابه إلا أن يقولوا: {آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}لم يكن للراسخين فضل على المتعلمين، بل على جهلة المسلمين، لأنهم جميعا يقولون: {آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}.
وبعد فإنّا لم نر المفسرين توقّفوا عن شيء من القرآن فقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلا الله، بل أمرّوه كلّه على التفسير، حتى فسروا (الحروف المقطّعة) في أوائل السّور، مثل: الر، وحم، وطه، وأشباه ذلك. وسترى ذلك في الحروف المشكلة، إن شاء الله.
فإن قال قائل: كيف يجوز في اللغة أن يعلمه الراسخون في العلم، والله تعالى يقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] وأنت إذا أشركت الراسخين في العلم انقطعوا عن (يقولون)، وليست هاهنا واو نسق توجب للراسخين فعلين. وهذا مذهب كثير من النحويين في هذه الآية، ومن جهته غلط قوم من المتأوّلين؟.
قلنا له: إن (يقولون) هاهنا في معنى الحال، كأنه قال: الرّاسخون في العلم قائلين: آمنا به. ومثله في الكلام: لا يأتيك إلا عبد الله، وزيد يقول: أنا مسرور بزيارتك. يريد: لا يأتيك إلا عبد الله وزيد قائلا: أنا مسرور بزيارتك.
ومثله لابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا في قصيدة أولها:
أصرمت حبلك من أمامه من بعد أيّام برامه
والرّيح تبكي شجوها والبرق يلمع في غمامه
أراد: والبرق لامعاً في غمامة تبكي شجوه أيضا، ولو لم يكن البرق يشرك الرّيح في البكاء، لم يكن لذكره البرق ولمعه معنى). [تأويل مشكل القرآن: 100-101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب}
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما إنّه قال: المحكمات: الآيات في آخر الأنعام, وهي قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}, إلى آخر هذه الآيات، والآيات المتشابهات {الم}, و{المر} , وما اشتبه على اليهود من هذه , ونحوها.
وقال قوم: معنى {منه آيات محكمات} أي: أحكمت في الإبانة , فإذا سمعها السامع لم يحتج إلى تأويلها؛ لأنها ظاهرة بينة نحو : ما أنبأ الله من أقاصيص الأنبياء مما اعترف به أهل الكتاب, وما أخبر الله به من إنشاء الخلق من قوله عز وجل: {ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثمّ أنشأناه خلقاً آخر}, فهذا اعترف القوم به, وأقروا بأن الله هو خالقهم، وما أخبر اللّه به من خلقه من الماء كل شيء حي وما خلق لهم من الثمار, وسخر لهم من الفلك, والرياح , وما أشبه ذلك.
فهذا ما لم ينكروه، وأنكروا ما احتاجوا فيه إلى النظر , والتدبر من أن اللّه عزّ وجلّ يبعثهم بعد أن يصيروا تراباً, فقال: {وقال الّذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبّئكم إذا مزّقتم كلّ ممزّق إنّكم لفي خلق جديد * أفترى على اللّه كذبا أم به جنّة}
{وكانوا يقولون أئذا متنا وكنّا ترابا وعظاما أإنّا لمبعوثون *أوآباؤنا الأوّلون }, فهذا الذي هو المتشابه عليهم، فأعلمهم اللّه الوجه الذي ينبغي أن يستدلوا به على أن هذا المتشابه عليهم كالظاهر إن تدبروه, ونظروا فيه، فقال عزّ وجلّ: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم* قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّة وهو بكلّ خلق عليم * الّذي جعل لكم من الشّجر الأخضر ناراً}
وقال: {أوليس الّذي خلق السّماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} أي: إذا كنتم قد أقررتم بالإنسان , والابتداء , فما تنكرون من البعث والنشور؛ وهذا قول كثير من الناس وهو بين واضح, والقول الأول حسن أيضاً, فأما (أخر) فغير مصروفة.
زعم سيبويه, والخليل أن (أخر) فارقت أخواتها, والأصل الذي عليه بناء أخواتها، لأن أخر أصلها أن تكون صفة بالألف واللام, كما تقول الصغرى والصّغر، والكبرى والكبر, فلما عدلت عن مجرى الألف واللام , وأصل " أفعل منك ", وهي مما لا تكون إلا صفةمنعتالصرف.
وقوله عزّ وجلّ: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه}الزيغ: الجور والميل عن القصد، ويقال: زاغ, يزيغ إذا جار.
ومعنى (ابتغاء الفتنة) أي: يفعلون ذلك لطلب الفتنة, ولطلب التأويل.
والفتنة في اللغة على ضروب:
فالضرب الذي ابتغاه هؤلاء هو فساد ذات البين في الدّين والحروب، والفتنة في اللغة: الاستهتار بالشيء والغلو فيه.

يقال: فلان مفتون في طلب الدنيا، أي: قد غلا في طلبها , وتجاوز القدرة, والفتنة الاختبار كقوله عزّ وجلّ: {وكذلك فتنّا بعضهم ببعض} أي: اختبرنا، ومعنى ابتغائهم تأويله كأنهم طلبوا تأويل بعثهم , وإحيائهم، فأعلم الله أن تأويل ذلك, ووقته لا يعلمه إلا الله, والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {هل ينظرون إلّا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل}أي: يوم يرون ما وعدوا به من البعث, والنشور, والعذاب.
{يقول الّذين نسوه من قبل} أي: الذين تركوه, وتركوا ما أنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم عن اللّه عزّ وجلّ من بعثهم، ومجازاتهم.
وقوله عزّ وجلّ: {قد جاءت رسل ربّنا بالحقّ} أي: قد رأينا ما أنبأتنا به الرسل.
فالوقف التام قوله: (وما يعلم تأويله إلّا اللّه) أي: لا يعلم أحد متى البعث(غير اللّه).
ومعنى: (والراسخون في العلم) أي: الثابتون.
يقال: رسخ الشيء , يرسخ, رسوخاً إذا ثبت, أي: يقولون صدقنا بأنّ اللّه يبعثنا، ويؤمنون بأنّ البعث حق كما أن الإنشاء حق، ويقولون: {كلّ من عند ربّنا}, ويدل على أن الأمر الذي اشتبه عليهم لم يتدبروه.
قوله عزّ وجلّ: {وما يذّكّر إلّا أولو الألباب} أي: ذوو العقول, أي: ما يتذكر القرآن , وما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم إلّا أولو الألباب). [معاني القرآن: 1/376-379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}
روي , عن ابن عباس: المحكمات الثلاث الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم} إلى ثلاث آيات, والتي في بني إسرائيل , {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه }, قال : والمتشابه ما تشابه عليهم نحو: {الم}, و{المر}.
وقال يحيى بن يعمر: المحكمات: الفرائض, والأمر, والنهي, وهن عماد الدين , وعماد كل شيء أمه.
وقال مجاهد, وعكرمة: نحوا من هذا قالا: ما فيه من الحلال, والحرام, وما سوى ذلك, فهو متشابه :يصدق بعضه بعضاً.
وقال قتادة نحوه, قال: المحكم : ما يعمل به .
وقال الضحاك: المحكمات: الناسخات, والمتشابهات: المنسوخات .
وقال ابن عباس : كل من عند ربنا, يعني : ما نسخ, وما لم ينسخ.
قال ابن كيسان: أحكامها بيانها , وإيضاحها , وقد يكون إيجابها وإلزامها, وقد يكون أنها لا تحتمل إلا معاني ألفاظها, ولا يضل أحد في تأويلها.
ويجمع ذلك أن كل محكم تام الصنعة, وقد يكون الإحكام ههنا المنع من احتمال التأويلات,
ومنه سميت حكمة الدابة لمنعها إياها, قال : متشابهات: يحتمل أن يشبه اللفظ اللفظ, ويختلف المعنى, أو يشتبه المعنيان, ويختلف اللفظ, أو يشتبه الفعل من الأمر , والنهي, فيكون هذا نحو الناسخ , والمنسوخ.

وقيل: المتشابهات, ما كان نحو قوله تعالى: {ثلاثة قروء}
وأجمع هذه الأقوال: أن المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى استدلال, والمتشابه ما لم يقم بنفسه, واحتاج إلى استدلال). [معاني القرآن: 1/344-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقال الله عز وجل: {منه آيات محكمات}, وقد قال: {كتاب أحكمت آياته},
وقال: {وأخر متشابهات}, وقد قال كتاباً متشابهاً, فالجواب أن معنى {أحكمت آياته}, جعلت كأنها محكمة, ثم فصلت , فكأن بعضها أم الكتاب, وليس قوله: {منه آيات محكمات} بمزيل الحكمة عن المتشابهات, وكذا كتاباً متشابهاً, وليس قوله: {وأخر متشابهات} بمزيل عن المحكمات أن تكون متشابهات في باب الحكمة بل جملته إذا كان محكماً لاحقة لجميع ما فصل منه , وكتاباً متشابهاً,أي: متشابهاً في الحكمة, لا يختلف بعضه مع بعض كما قال تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} , وقد بينا معنى : و{منه آيات محكمات} بأقاويل العلماء فيه.

وهذا معنى قول ابن عباس : أنها ما أوجب الله على عباده من أحكامه اللازمة التي لم يلحقها تغير , ولا تبديل.
وقد يكون المحكم: ما كان خبراً؛ لأنه لا يلحقه نسخ , والمتشابه الناسخ, والمنسوخ؛ لأنهم لا يعلمون منتهى ما يصيرون إليه منه , وفي كل ذلك حكمة, وبعضه يشبه بعصا في الحكمة .
وقال تعالى: {هن أم الكتاب}, ولم يقل: أمهات , قال الأخفش: هذا حكاية.
قال الفراء :{ هن أم الكتاب}؛ لأن معناهن شيء واحد
قال ابن كيسان: وأحسب الأخفش أراد هذا , أي : هن الشيء الذي يقال: هو أم الكتاب, أي: كل واحدة منهن يقال لها: أم الكتاب كما تقول أصحابك علي أسد ضار , أي واحد كاسد ضار؛ لأنهم جروا مجرى شيء واحد في الفعل
ومنه {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} ؛ لأن شانهما واحد في أنها جاءت به من غير ذكر , وأنه لا أب له , فلم تكن الآية لها إلا به ولا له إلا بها, ولم يرد أن يفصله منها فيقول آيتين
وكذلك هن أم الكتاب إنما جعلهن شيئا واحداً في الحكمة والبيان, فذلك الشيء هو أم الكتاب). [معاني القرآن: 1/346-349]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه}
روى أيوب , عن ابن أبي مليكة, عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم :{فأما الذين في قلوبهم زيغ, فيتبعون ما تشابه منه}, قال: ((فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه, فهم أولئك؛ فاحذروهم)).
قال ابن عباس : هم الخوارج , وقال أبو غالب: قال أبو أمامة الباهلي, ورأى رؤوساً من رؤوس الخوارج , فقرأ : {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} , ثم قال: هم هؤلاء.
فقلت: يا أبا أمامة أشيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم , أم شيئا قلته من رأيك.
فقال:إني إذاً لجريء , يقولها ثلاثاً, بل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة, ولا مرتين, ولا ثلاث.
قال مجاهد: الزيغ : الشك , وابتغاء الفتنة: الشبهات.
وقيل: إفساد ذات البين, وقد ذكرنا تصرف الفتنة , والتأويل من قولهم آل الأمر إلى كذا إلى صار إليه , وأولته تأويلاً صيرته إليه .
قيل : الفرق بين التأويل:
والتفسير: أن التفسير نحو قول العلماء الريب: الشك.
والتأويل: نحو قول ابن عباس: الجد أب , وتأمل قول الله {يا بني آدم}).
[معاني القرآن: 1/349-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به} , في هذه الآية اختلاف كثير منه أن التمام عند قوله: {إلا الله}, وهذا قول الكسائي, والأخفش , والفراء, وأبي عبيدة , وأبي حاتم ,ويحتج في ذلك بما روى طاووس, عن ابن عباس أنه قرأ :{وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به}, وقال عمر بن عبد العزيز: انتهى علم الراسخين في العلم إلى أن قالوا: آمنا به .
قال ابن كيسان : التأويل في كلام العرب ما يؤول إليه معنى الكلام, فتأويله: ما يرجع إليه معناه, وما يستقر عليه الأمر في ذلك المشتبه , هل ينجح أم لا, فالكلام عندي منقطع على هذا.
والمعنى: والثابتون في العلم, المنتهون إلى ما يحاط به منه مما أباح الله خلقه بلوغه, يقولون: آمنا به على التسليم, والتصديق به, وإن لم ينتهوا إلى علم ما يؤول إليه أمره
ودل على هذا {كل من عند ربنا}, أي: المحكم , والمتشابه , فلو كان كله عندهم سواء, لكان كله محكماً, ولم ينسب شيء منه إلى المتشابه.
قال أبو جعف: وهذا قول حسن, ولكنه على قول من قال: المحكم الذي لا ينسخ نحو: الأخبار, ودعاء العباد إلى التوحيد.
والمتشابه: ما يحتمل النسخ من الفرائض لم يكن إلى العباد علم تأويله. وما يثبت عليه , ومن جعل تأويله بمعنى تفسيره ؛ لأنه ما يؤول إليه معنى الكلام , فالراسخون في العلم عنده يعلمون تأويله.

كما روى ابن نجيح, عن مجاهد :{الراسخون في العلم يعلمون تأويله يقولون آمنا به}, قال مجاهد: قال ابن عباس : أنا ممن يعلم تأويله.
قال أبو جعفر : والقول الأول وإن كان حسناً, فهذا أبين منه؛ لأن واو العطف الأولى بها أن تدخل الثاني فيما دخل فيه الأول حتى يقع دليل بخلافه.
وقد مدح الله عز وجل الراسخين بثباتهم في العلم , فدل على أنهم يعلمون تأويله.
وقد قال جل وعز: {أفلا يتدبرون القرآن}
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه دعا لابن عباس, فقال: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل))
وقال أبو إسحاق: معنى {ابتغائهم تأويله}: أنهم طلبوا تأويل بعثهم, وأحيائهم, فأعلم الله عز وجل أن تأويل ذلك, ووقته لا يعلمه إلا الله , قال: والدليل على ذلك قوله: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله}, أي: يوم يرون ما وعدوا به من البعث, والنشور, والعذاب, يقول: الذين نسوه, أي: تركوه : قد جاء ت رسل ربنا بالحق, أي: قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل.
قال: والوقف التام: { وما يعلم تأويله إلا الله}, أي: يعلم أحد متى البعث غير الله). [معاني القرآن: 1/350-355]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{الراسِحونَ فِي الْعِلْمِ}:الحفاظ الذاكرون). [ياقوتة الصراط: 185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({زيغ} جور وميل, {ابتغاء الفتنة}, أي: الكفر.
{أولو الألباب}
: ذوو العقول).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 47]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({زَيْغٌ}: ميل.
{الْفِتْنَةِ}
: الكفر).
[العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من لدنك} أي: من عندك). [مجاز القرآن: 1/87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): (و{لا تزغ قلوبنا}: لا تصرفها عن الهدى في التفسير). [غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب}أي: لا تملها عن الهدى والقصد، أي: لا تضلّنا بعد إذ هديتنا.
وقيل أيضاً {لا تزغ قلوبنا}: لا تتعبّدنا بما يكون سبباً لزيغ قلوبنا, وكلاهما جيد). [معاني القرآن: 1/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا}, أي: لا تبتلينا بما نزيغ به, أي: يقولون هذا , ويجوز أن يكون المعنى: قل يا محمد.
ويقال إزاغة القلب : فساد وميل عن الدين , أو كانوا يخافون , وقد هدوا أن ينقلهم الله إلى الفساد.
فالجواب: أن يكونوا سألوا إذ هداهم الله أن لا يبتليهم بما يثقل عليهم من الأعمال , فيعجزوا عنه نحو , ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم.
قال ابن كيسان: سألوا أن لا يزيغوا, فيزيغ الله قلوبهم نحو , فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم, أي: ثبتنا على هدايتك إذ هديتنا , وأن لا نزيغ فنستحق أن تزيغ قلوبنا.
قال : وفيها جواب آخر أنه جل وعز الذي من عليهم بالهداية, وعرفهم ذلك, فسألوه أن يدوموا على ما هم عليه, وأن يمدهم منه بالمعونة, وأن لا يلجئهم إلى أنفسهم , وقد ابتدأهم بفضله , فتزيغ قلوبهم , وذلك مضاف إليه جل وعز ؛ لأنه إذا تركهم, ولم يتول هدايتهم ؛ ضلوا, فكان سبب ذلك: تخليته إياهم, قال: وقول جامع القلوب لله جل وعز يصرفها كيف يشاء .
وفي الحديث , عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) ). [معاني القرآن: 1/355-357]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لا ريب فيه}, لا شك فيه). [مجاز القرآن: 1/87]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ربّنا إنّك جامع النّاس ليوم لا ريب فيه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد (9)}
يدل على تأويل قوله: {وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به}, فقولهم: {إنّك جامع النّاس ليوم لا ريب فيه}, إقرار بالبعث, ودليل أنهم خالفوا من يتبع المتشابه؛ لأن الذين ابتغوا المتشابه هم الذين أنكروا البعث.
{لا ريب فيه}لا شك فيه, وقد شرح باستقصاء فيما تقدم من كتابنا.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه لا يخلف الميعاد}, جائز أن يكون:
1- حكاية عن الموحدين.
2- وجائز أن يكون إخباراً عن اللّه وجائز فتح { أن اللّه لا يخلف الميعاد }, فيكون المعنى: جامع الناس ؛ لأنك لا تخلف الميعاد, أي: قد أعلمتنا ذلك , ونحن غير شاكّين فيه).
[معاني القرآن: 1/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد} , قال ابن كيسان: {لا ريب فيه}, أي : دليله قائم في أنفس العباد , وإن جحدوا به ؛ لإقرارهم بالحياة الأولى , ولم يكونوا قبلها شيئاً, فإذا عرفوا الإعادة , فهي لهم لازمة بأن يقروا بها, وأن لا يشكوا فيها ؛ لأن إنشاء ما لم يكن مبين بأن المنشء على الإعادة قادر
ومن حسن ما قيل فيه: أن يوم القيامة لا ريب فيه ؛ لأنهم إذا شاهدوه, وعاينوا ما وعدوا فيه, لم يجز أن يداخلهم ريب فيه). [معاني القرآن: 1/357-358]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 10:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 10 إلى 17]

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً} يعني: عند الله). [مجاز القرآن: 1/87]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا وأولئك هم وقود النّار}
{وأولئك هم وقود النّار}
أي: الكفار يعذبون , وهم وقود أنفسهم، كلما نضجت جلودهما وعظامهم بالاتقاد, بدّلوا خلوداً غيرها, فعذبهم بجلودهم , وعظامهم).
[معاني القرآن: 1/379]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا}, وذلك أن قوماً قالوا : شغلتنا أموالنا, وأهلونا.
ثم قال تعالى: {وأولئك هم وقود النار} أي: هم بمنزلة الحطب في النار). [معاني القرآن: 1/358]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{الوقود}: الحطب، والوقود: الالتهاب). [ياقوتة الصراط: 185]

تفسير قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {كدأب آل فرعون...}, يقول: كفرت اليهود ككفر آل فرعون , وشأنهم). [معاني القرآن: 1/191]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({كدأب آل فرعون }: كسنة آل فرعون وعادتهم، قال الراجز:
= ما زال هذا دأبها ودأبي
{كذّبوا بآياتنا} أي: بكتبنا, وعلاماتنا عن الحق). [مجاز القرآن: 1/87]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب}
قال: {كدأب آل فرعون} , يقول: "كدأبهم في الشرّ" من "دأب" , "يدأب", "دأباً"). [معاني القرآن: 1/162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({كدأب آل فرعون}: كعادتهم وكأمرهم وشأنهم). [غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({كدأب آل فرعون} أي: كعادتهم يريد كفر اليهود ككفر من قبلهم, يقال: هذا دأبه, ودينه , وديدنه). [تفسير غريب القرآن: 101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب} أي: كشأن آل فرعون، وكأمر آل فرعون، كذا قال أهل اللغة, والقول عندي فيه - واللّه أعلم - إن " دأب " ههنا, أي: اجتهادهم في كفرهم, وتظاهرهم على النبي صلى الله عليه وسلم كتظاهر آل فرعون على موسى عليه السلام, وموضع الكاف رفع , وهو في موضع خبر الابتداء، المعنى: دأبهم مثل دأب آل فرعون، و{كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم}
يقال: دأبت , أدأب دأباً, ودؤوباً إذا اجتهدت في الشيء, ولا يصلح أن تكون الكاف في موضع نصب بـ {كفروا}؛ لأن كفروا في صلة الذين، لا يصلح أن الذين كفروا ككفر آل فرعون ؛ لأن الكاف خارجة من الصلة, ولا يعمل فيها ما في الصلة). [معاني القرآن: 1/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم} , قال الضحاك: كفعل آل فرعون.
قال أبو جعفر: وكذلك هو في اللغة, ويقال: دأب, يدأب إذا اجتهد في فعله,
فيجوز أن تكون: الكاف معلقة بقوله: {وقود النار}, أي: عذبوا تعذيباً كما عذب آل فرعون,
وتجوز أن تكون: معلقة بقوله: {لن تغني عنهم}

ويجوز أن تكون: معلقة بقوله: {فأخذهم الله بذنوبهم} .
قال ابن كيسان: ويحتمل على بعد أن تكون معلقة بـ{كذبوا}, ويكون في كذبوا ضمير الكافرين ؛ لا ضمير آل فرعون .
قال أبو إسحاق: المعنى: اجتهادهم في كفرهم هو كاجتهاد آل فرعون, والكاف في موضع رفع, أي: دأبهم مثل دأب آل فرعون). [معاني القرآن: 1/360]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والدأب: العادة، ويحرك أيضاً). [ياقوتة الصراط: 185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كدأب آل فرعون} أي: كعادتهم، أي: كعادتنا في إهلاكهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 47]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كَدَأْبِ}: كعادة). [العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل لّلّذين كفروا ستغلبون...}
تقرأ بالتاء والياء, فمن جعلها بالياء ؛ فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود، وإلى أن الغلبة على المشركين بعد يوم أحد, وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا هزم المشركين يوم بدر , وهم ثلاثمائة ونيّف , والمشركون ألف إلا شيئاً, قالت اليهود: هذا الذي لا تردّ له راية، فصدّقوا, فقال بعضهم: لا تعجلوا بتصديقه حتى تكون وقعةٌ أخرى, فلما نكب المسلمون يوم أحد كذّبوا ورجعوا, فأنزل الله: قل لليهود سيغلب المشركون, ويحشرون إلى جهنم, فليس يجوز في هذا المعنى إلا الياء.
ومن قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين داخلين في الخطاب, فيجوز في هذا المعنى سيغلبون وستغلبون؛ كما تقول في الكلام: قل لعبد الله إنه قائم، وإنك قائم.
وفي حرف عبد الله:{قل للذين كفروا إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف}, وفي قراءتنا : {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}, وفي الأنعام:{هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائهم}, وفي قراءتنا:{لشركائنا}). [معاني القرآن: 1/191]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({المهاد}:الفراش). [مجاز القرآن: 1/87]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل لّلّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}, قال: {قل لّلّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم}, أي: إنّكم ستغلبون,كما تقول: "قل لزيد": "سوف تذهب", أي: إنّك سوف تذهب, وقال بعضهم:{سيغلبون}, أي: قل لهم الذي أقول, والذي أقول لهم "سيغلبون". وقال: {قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم مّا قد سلف وإن يعودوا}, فهذا لا يكون إلا بالياء في القرآن ؛ لأنه قال: {يغفر لهم} ولو كان بالتاء قال: {يغفر لكم},وهو في الكلام جائز بالتاء. وتجعلها "لكم" كما فسرت لك). [معاني القرآن: 1/162]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}
وتقرأ :{سيغلبون}, فمن قرأ بالتاء فللحكاية والمخاطبة، أي: قل لهم في خطابك ستغلبون, ومن قال:{سيغلبون}, فالمعنى: بلغهم أنهم سيغلبون.
وهذا فيه أعظم آية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أنبأهم بما لم يكن, وأنبأهم بغيب، ثم بان تصديق ما أنبأ به ؛لأنه صلى الله عليه وسلم غلبهم أجمعين كما أنبأهم.
ومعنى {وبئس المهاد}: بئس المثوى, وبئس الفراش). [معاني القرآن: 1/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد}
قال ابن كيسان : ستغلبون, أي: قل لهم هذا وبالياء ؛ لأنهم في وقت الخطاب غيب.
ويحتمل أن يكون الذين أمره أن يبلغهم غير المغلوبين
وقد قيل: أنه أمر أن يقول لليهود سيغلب المشركون). [معاني القرآن: 1/360]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا...}
يعني: النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، والمشركين يوم بدر, {فئةٌ تقاتل} قرئت بالرفع؛ وهو وجه الكلام على معنى: إحداهما: تقاتل في سبيل الله, {وأخرى كافرةٌ} على الاستئناف؛ كما قال الشاعر:
فكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ رمى فيها الزّمان فشلّت
ولو خفضت لكان جيدا: تردّه على الخفض الأوّل؛ كأنك قلت: كذي رجلين: كذي رجلٍ صحيحةٍ , ورجلٍ سقيمة, وكذلك يجوز خفض الفئة , والأخرى على أوّل الكلام,ولو قلت: {فئةً تقاتل في سبيل الله أخرى كافرةً}, كان صواباً على قولك: التقتا مختلفتين, وقال الشاعر في مثل ذلك مما يستأنف:
إذ متّ كان الناس نصفين شامتٌ = وآخر مثنٍ بالذي كنت أفعل
ابتدأ الكلام بعد النصفين ففسّره, وأراد: بعضٌ شامتٌ , وبعض غير شامت, والنصب فيهما جائز، يردّهما على النصفين, وقال الآخر:
حتى إذا ما استقلّ النجم في غلس = وغودر البقل ملوي ومحصود
ففسر بعض البقل كذا، وبعضه كذا, والنصب جائز.
وكل فعل أوقعته على أسماء لها أفاعيل ينصب على الحال الذي ليس بشرط,
ففيه الرفع على الابتداء،
والنصب على الاتصال بما قبله؛ من ذلك: رأيت القوم قائماً, وقاعداً, وقائم وقاعد؛ لأنك نويت بالنصب القطع، والاستئناف في القطع حسن, وهو أيضاً فيما ينصب بالفعل جائز؛ فتقول: أظنّ القوم قياماً وقعوداً, وقيام وقعود، وكان القوم بتلك المنزلة, وكذلك رأيت القوم في الدار قياماًوقعوداً, وقيامٌ وقعود، وقائماًوقاعداً, وقائم وقاعد؛ فتفسّره بالواحد والجمع؛ قال الشاعر:

وكتيبةٍ شعواء ذات أشلّة = فيها الفوارس حاسر ومقنّع
فإذا نصبت على الحال لم يجز أن تفسّر الجمع بالاثنين، ولكن تجمع فتقول: فيها القوم قياماً وقعوداً.
وأمّا الذي على الشرط مما لا يجوز رفعه: فقوله: اضرب أخاك ظالماً أو مسيئاص, تريد: اضربه في ظلمه, وفي إساءته, ولا يجوز هاهنا الرفع في حاليه؛ لأنهما متعلقتان بالشرط,
وكذلك الجمع؛ تقول: ضربت القوم مجرّدين , أو لا بسين, ولا يجوز: مجردون, ولا لابسون؛ إلا أن تستأنف فتخبر، وليس بشرط للفعل؛ ألا ترى أنك لو أمرت بضربهم في هاتين الحالين لم يكن فعلهم إلا نصبا؛ فتقول: اضرب القوم مجرّدين أو لا بسين؛ لأن الشرط في الأمر لازم, وفيما قد مضى يجوز أن تجعله خبراً, وشرطاً, فلذلك جاز الوجهان في الماضي.

وقوله: {يرونهم مّثليهم} زعم بعض من روى عن ابن عبّاس أنه قال: رأى المسلمون المشركين في الحزر ستمائة, وكان المشركون تسعمائة وخمسين، فهذا وجه, وروى قول آخر كأنه أشبه بالصواب: أن المسلمين رأوا المشركين على تسعمائةوخمسين, والمسلمون قليل: ثلاثمائة وأربعة عشر، فلذلك قال: {قد كان لكم} يعني اليهود :{آيةٌ}, في قلّة المسلمين, وكثرة المشركين.
فإن قلت: فكيف جاز أن يقال "مثليهم" يريد ثلاثة أمثالهم؟ , قلت: كما تقول, وعندك عبد أحتاج إلى مثله، فأنت محتاج إليهو , وإلى مثله، وتقول: أحتاج إلى مثلي عبدي، فأنت إلى ثلاثة محتاج, ويقول الرجل: معي ألف وأحتاج إلى مثليه، فهو يحتاج إلى ثلاثة, فلمّا نوى أن يكون الألف داخلاً في معنى المثل صار المثل اثنين , والمثلان ثلاثة, ومثله في الكلام أن تقول: أراكم مثلكم، كأنك قلت: أراكم ضعفكم، وأراكم مثليكم يريد: ضعفيكم، فهذا على معنى الثلاثة.
فإن قلت: فقد قال في سورة الأنفال: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم}, فكيف كان هذا ها هنا تقليلاً, وفي الآية الأولى تكثيراً؟, قلت: هذه آية المسلمين أخبرهم بها، وتلك الآية لأهل الكفر, مع أنك تقول في الكلام: إني لأرى كثيركم قليلا، أي: قد هوّن عليّ، لا أني أرى الثلاثة اثنين, ومن قرأ {ترونهم}, ذهب إلى اليهود ؛ لأنه خاطبهم، ومن قال:{يرونهم}, فعلى ذلك؛ كما قال: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} , وإن شئت جعلت{يرونهم} للمسلمين دون اليهود). [معاني القرآن: 1/191-195]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قد كان لكم آيةٌ}, أي: علامةٌ.
{في فئتين}, أي: في جماعتين , {فئةٌ تقاتل في سبيل الله}:
إن شئت، عطفتها على (في)، فجررتها,
وإن شئت قطعتها فاستأنفت، قال، كثيّر عزّة:

فكنت كذي رجلين رجلٍ صحيحةٍ= ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلّت
وبعضهم يرفع رجل صحيحة.
{يرونهم مثليهم رأى العين}: مصدر، تقول: فعل فلان كذا رأى عينى , وسمع أذني.
{يؤيّد}: يقوّى، من الأيد، وإن شئت من الأد,{لعبرةً}: اعتبار). [مجاز القرآن: 1/87-88]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ}على الابتداء رفع كأنه قال "إحداهما فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه" , وقرئت جراً على أول الكلام على البدل, وذلك جائز, قال الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ بها ريبٌ من الحدثان
فرففع, ومنهم من يجرّ على البدل, ومنهم من يرفع على إحداهما كذا وإحداهما كذا, وقال:
وإنّ لها جارين لن يغدرا بها = ربيب النبيّ وابن خير الخلائف
رفع، والنصب على البدل, وقال تعالى: {هذاذكرٌ وإنّ للمتّقين لحسن مآبٍ}, {جنّات عدنٍ},
وإن شئت جعلت "جنات" على البدل أيضاً,
وإن شئت رفعت على خبر "إنّ"، أو على "هنّ جنات" فيبتدأ به, وهذا لا يكون على "إحداهما كذا" ؛ لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا , ولم يقرأ أحد بالرفع, وقال تعالى: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ}, فنصب على البدل, وقد يكون فيه الرفع على "هم الجنّ",
وقال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس} على البدل , ورفع على "هم شياطين" كأنه إذا رفع قيل له، أو علم أنه يقال له : "ما هم"؟ , أو "من هم" , فقال: "هم كذا وكذا", وإذا نصب ؛ فكأنه قيل له , أو علم أنه يقال له "جعل ماذا", أو جعلوا ماذا" , أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين , و {عدوّاً} حالاً, ومثله : {لنسفعاً بالنّاصية} , {ناصيةٍ كاذبةٍ}, كأنه قيل ,أو علم ذلك , فقال "بناصية" , وقد يكون فيه الرفع على قوله: " ما هي" ,فيقول:{ناصيةٌ}, والنصب على الحال, قال الشاعر:

إنّا وجدنا بني جلان كلّهم = كساعد الضّبّ لا طولٌ ولا عظم
على البدل, أي: كـ"لا طول ولا عظم", ومثل الابتداء:{قل أفأنبّئكم بشرٍّ مّن ذالكم النّار}). [معاني القرآن: 1/160-161]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مّثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار}
وقال: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ} على الابتداء رفع كأنه قال:"إحداهما فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه" , وقرئت جراً على أول الكلام على البدل , وذلك جائز, قال الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ بها ريبٌ من الحدثان
فرففع, ومنهم من يجرّ على البدل, ومنهم من يرفع على إحداهما كذا , وإحداهما كذا, وقال:
و إنّ لها جارين لن يغدرا بها = ربيب النبيّ وابن خير الخلائف
رفع، والنصب على البدل, وقال تعالى: {هذا ذكرٌ وإنّ للمتّقين لحسن مآبٍ},{جنّات عدنٍ},
وإن شئت جعلت "جنات" على البدل أيضاً,
وإن شئت رفعت على خبر "إنّ"، أو على "هنّ جنات" فيبتدأ به, وهذا لا يكون على "إحداهما كذا" ؛ لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا ولم يقرأ أحد بالرففع, وقال تعالى: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ}فنصب على البدل, وقد يكون فيه الرفع على "هم الجنّ", وقال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس} على البدل, ورفع على {هم شياطين}, كأنه إذا رفع قيل له، أو علم أنه يقال له "ما هم"؟, أو "من هم", فقال: "هم كذا وكذا",
وإذا نصب فكأنه قيل له أو علم أنه يقال له "جعل ماذا" , أو جعلوا ماذا" , أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين, و{عدوّاً} حالاً, ومثله {لنسفعاً بالنّاصية}, {ناصيةٍ كاذبةٍ} كأنه قيل أو علم ذلك فقال: "بناصية", وقد يكون فيه الرفع على قوله: "ما هي" , فيقول: "ناصيةٍ", والنصب على الحال, قال الشاعر:

إنّا وجدنا بني جلان كلّهم = كساعد الضّبّ لا طولٌ ولا عظم
على البدل, أي: كـ"لا طول ولا عظم" , ومثل الابتداء :{قل أفأنبّئكم بشرٍّ مّن ذالكم النّار}). [معاني القرآن: 1/163-164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({في فئتين}: الفئة الجماعة). [غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}
آية علامة من أعلام النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على تصديقه، والفئة في اللغة الفرقة، وهي مأخوذة من قولهم : فأوت رأسه بالسيف, وفأيته إذا فلقته , ومعنى {فئتين}: فرقتين.
{فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة}: الرفع , والخفض جائزان جميعاً.
فأما من رفع فالمعنى: إحداهما تقاتل في سبيل اللّه , والأخرى كافرة، ومن خفض جعل فئة تقاتل في سبيل الله , وأخرى كافرة بدلاً من فئتين: المعنى: قد كان لكم آية في فئة تقاتل في سبيل اللّه, وفي أخرى كافرة.
وأنشدوا بيت كثير على جهتين:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة= ورجل رمى فيها الزمان فشفت
وأنشدوا أيضاً: رجل صحيحة، ورجل رمى فيها الزمان على البدل من الرجلين.
وقد اختلف أهل اللغة في قوله :{يرونهم مثليهم رأي العين}, ونحن نبين ما قالوه إن شاء اللّه, وما هو الوجه,واللّه أعلم.
زعم الفراء أن معنى {يرونهم مثليهم}:يرونهم ثلاثة أمثالهم , قال: لأنك إذا قلت: عندي ألف وأحتاج إلى مثلها , فأنت تحتاج إلى ألفين , كأنك قلت أحتاج إلي مثليها, وإذا قلت عندي ألف , وأحتاج إلى مثليها, فأنت تحتاج إلى ثلاثة آلاف، وهذا باب الغلط فيه غلط بيّن في جميع المقاييس وجميع الأشياء، لأنا إنما نعقل مثل الشيء ما هو مساو له، ونعقل مثليه ما يساويه مرتين، فإذا جهلنا المثل فقد بطل التميز، وإنما قال هذا ؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ثلاثمائة, وأربعة عشر رجلاً, وكان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً, فالذي قال يبطل في اللفظ ,ويبطل في معنى الدلالة على الآية التي تعجز؛ لأنهم إذا رأوهم على هيئتهم,فليس هذا آية، فإن زعم أن الآية في هذا : غلبة القليل على الكثير , فقد أبطل أيضاً؛ لأن القليل يغلب الكثيرموجود ذلك أبداً.
فهذا الذي قال يبطل في اللغة, وفي المعنى , وإنّما الآية في هذا أنّ المشركين كانوا تسعمائة وخمسين , وكان المسلمون ثلاثمائة وأربعة عشر , فأرى اللّه جلّ وعزّ المشركين أنّ المسلمين أقل من ثلاثمائة , واللّه قد أعلم المسلمين أن المائة تغلب المائتين , فأراهم المشركين على قدر ما أعلمهم أنهم يغلبونهم ؛ ليقوّي قلوبهم، وأرى المشركين المسلمين أقل من عدد المسلمين، ثم ألقى مع ذلك في قلوبهم الرعب , فجعلوا يرون عدداً قليلاً مع رعب شديد حتى غلبوا.
والدليل على صحة هذا القول: قول اللّه عزّ وجلّ: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمرا كان مفعولاً}, فهذا هو الذي فيه آية أن يرى الشيء بخلاف صورته, واللّه أعلم.
ويجوز نصب {فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة}, ولا أعلم أحداً قرأ بها.
ونصبها من وجهين:
أحدهما: الحال المعنى التقتا مؤمنة وكافرة ,
ويجوز: نصبها على أعني فئة تقاتل في سبيل اللّه, وأخرى كافرة).
[معاني القرآن: 1/380-382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين}
والمعنى: قد كان لكم علامة من أعلام النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أنباهم بما لم يكن , والفئة: الفرقة من قولهم , فأوت رأسه بالسيف, وفأيته, أي: فلقته .
قرأ أبو عبد الرحمن: {ترونهم مثليهم}بضم التاء , وروى علي بن أبي طلحة يرونهم بضم الياء
وروى ابن نجيح , عن مجاهد في قوله جل وعز: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا}
قال: محمد , وأصحابه , ومشركو بدر , وأنكر أبو عمرو أن يقرأ:{ترونهم} بالتاء , قال: ولو كان كذلك , لكان مثليكم.
قال أبو جعفر :وذا لا يلزم , ولكن يجوز أن يكون مثلي أصحابكم.
قال ابن كيسان: الهاء , والميم في ترونهم عائدة إلى : وأخرى كافرة , والهاء والميم في مثليهم عائدة إلى فئة تقاتل في سبيل الله , وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام , وهو قوله: {والله يؤيد بنصره من يشاء} فدل على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين , وكانوا ثلاثة أمثالهم في العدد .
قال: والرؤية ههنا لليهود
قال: ومن قال يرونهم بالياء : جعل الرؤية للمسلمين يرون المشركين مثلهم, وكان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وأربعة عشر , والمشركون تسع مائة وخمسين , فأري المسلمون المشركين ضعفهم , وقد وعدوهم أن الرجل منهم يغلب الرجلين من المشركين , فكانت تلك آية أن يروا الشيء على خلاف صورته كما قال تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولاً}
قال أبو إسحاق: ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه, والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته.
قال الفراء: يحتمل مثليهم ثلاثة أمثالهم.
قال أبو إسحاق: وهذا باب الغلط فيه غلط بين في جميع المقاييس ؛ لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له , ونعقل مثليه ما يساوي مرتين.
قال ابن كيسان الأزدي: كيف يقع المثلان موقع ثلاثة أمثال إلا أني أحسبه جعل ترونهم راجعة إلى الكل, ثم جعل المثلين مضافاً إلى نصفهم على معادلة الكافرين المؤمنين, أي: يرون الكل مثليهم لو كان الفريقان معتدلين, قال: والراءون ههنا : اليهود .
وقد بين الفراء قوله بأن قال: كما تقول , وعندك عبد أحتاج إلى مثليه , فأنت محتاج إلى ثلاثة .
وكذلك عنده: إذا قلت معي درهم , واحتاج إلى مثليه , فأنت تحتاج إلى ثلاثة مثليه , والدرهم ؛ لأنك لا تريد أن يذهب الدرهم.
والمعنى: يدل على خلاف ما قال, وكذلك اللغة, فإنهم إذا رأوهم على هيأتهم, فليس في هذه آية, واللغة على خلاف هذا؛ لأنه قد عرف بالتميز معنى المثل.
والذي أوقع الفراء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين يوم بدر , فتوهم أن لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلا على عادتهم , فتأول أنك إذا قلت عندي درهم, وأحتاج إلى مثله والدرهم بحاله, فقد صرت تحتاج إلى درهمين , وهذا بين , وليس المعنى عليه, وإنما أراهم الله إياهم على غير عدتهم لجهتين:
إحداهما: أنه رأى الصلاح في ذلك؛ لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك .
والأخرى: أنه آية للنبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/364-366]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فِئَةٌ}: جماعة). [العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {والقناطير المقنطرة...}
واحد القناطير: قنطار, ويقال: إنه ملء مسك ثور ذهباً, أو فضّة، ويجوز:{القناطير}في الكلام، والقناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة, كذلك سمعت، وهو المضاعف). [معاني القرآن: 1/195]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والقناطير}: واحدها قنطار، وتقول العرب: هو قدر وزنٍ لا يحدّونه, {المقنطرة}: مفنعلة، مثل قولك: ألفٌ مؤلفّةٌ.
قال الكلبي: ملء مسك ثورٍ من ذهب أو فضة.
قال ابن عباس: ثمانون ألف درهم.
وقال السّدّى: مائة رطلٍ من ذهب أو فضة.
وقال جابر بن عبد الله: ألف دينار.
{والخيل المسوّمة}: المعلمة بالسيماء،
ويجوز أن تكون {مسوّمة}: مرعاةً، من أسمتها؛ تكون هي سائمة، والسّائمة: الراعية، وربّها يسيمها.

{الأنعام}: جماعة النّعم.
{والحرث}: الزرع.
{متاع الحياة الدّنيا}: يمتّعهم، أي: يقيمهم.
{المآب}: المرجع، من آب يؤب). [مجاز القرآن: 1/89]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب}
قال تعالى: {واللّه عنده حسن المآب} مهموز منها موضع الفاء ؛ لأنه من "آب" "يؤوب", وهي معتلة العين مثل: "قلت", تقول" .
"والمفعل": "مقال", تقول: "آب", "يؤوب", "إياباً" .
قال الله تعالى: {إنّ إلينا إيابهم}, وهو الرجوع, قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى = كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
وأمّا "الأوّاب", فهو الراجع إلى الحق , وهو من: "آب", "يؤوب", أيضاً, وأمّا قوله تعالى: {يا جبال أوّبي معه}, فهو كما يذكرون التسبيح , أو هو - واللّه أعلم - مثل الأوّل يقول: "ارجعي إلى الحقّ", و"الأوّاب" : الراجع إلى الحقّ). [معاني القرآن: 1/164-165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({القناطير}: واحده قنطار.
قال بعض المفسرون: إنه ملء جلد ثور من ذهب أو فضة.
وقال آخرون: ثمانون ألف درهم.
وقال آخرون: ألف ومائتا أوقية.
وقال آخرون: مائة رطل من ذهب أو فضة وقالوا ألف دينار.

{الخيل المسومة}: المعلمة والسيما العلامة وقالوا الراعية مأخوذة من السائمة.
{المآب}: المرجع من آب يؤوب). [غريب القرآن وتفسيره:102-103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({القناطير} , واحدها: قنطار, وقد اختلف في تفسيرها:
1- فقال بعضهم: القنطار ثمانية آلاف مثقال ذهب، بلسان أهل إفريقية.
2- وقال بعضهم: ألف مثقال.
3-وقال بعضهم: ملء مسك ثور ذهباً.
4-وقال بعضهم:
مائة رطل.
{المقنطرة}: المكملة, وهو كما تقول: هذه بدرة مبدّرة، وألف مؤلّفة.
وقال الفراء:{المقنطرة}: المضعّفة؛ كأن القناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة.
{والخيل المسوّمة}: الرّاعية, يقال: سامت الخيل , فهي سائمة إذا رعت, وأسمتها فهي مسامة، وسوّمتها فهي مسوّمة: إذا رعيتها.
والمسوّمة في غير هذا: المعلّمة في الحرب بالسّومة , وبالسّيماء, أي: بالعلامة.
وقال مجاهد: {الخيل المسومة} المطهّمة الحسان, وأحسبه أراد: أنها ذات سيماء, كما يقال: رجل له سيماء، وله شارة حسنة.
{والأنعام}: الإبل, والبقر, والغنم, واحدها: نعم, وهو جمع لا واحد له من لفظه.
{و الحرث}: الزّرع.
{واللّه عنده حسن المآب}, أي: المرجع, من «آب يؤوب»: إذا رجع). [تفسير غريب القرآن: 101-102]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب}
قيل في {زيّن}قولان:
1- قال بعضهم اللّه زينها محنة كما قال:{إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيّهم أحسن عملا}

2- وقال بعضهم: الشيطان زينها ؛ لأن اللّه قد زهد فيها , وأعلم أنّها متاع الغرور.
والقول الأول: أجود ؛ لأنه جعلها زينة محبوبة موجود , واللّه قد زهّد فيها بأن أعلم , وأرى زوالها، ومعنى {القناطير}: عند العرب: الشيء الكثير من المال, وهو جمع قنطار.
فأما أهل التفسير: فقالوا أقوالاً غير خارجة من مذهب العرب:
قال بعضهم القنطار: ملء مسك ثور ذهبًا أو فضة,
وقال بعضهم: القنطار : ثمانون ألف درهم,
وقال بعضهم: القنطار : ألف دينار،
وقال بعضهم : ألف رطل ذهباً أو فضة, فهذه جملة ما قال الناس في القنطار.

والذي بخرج في اللغة: أن القنطار مأخوذ من عقد الشيء وأحكامه, والقنطرة: مأخوذة من ذلك,فكأن القنطار هو الجملة من المال التي تكون عقدة وثيقة منه.
فأمّا من قال من أهل التفسير إنّه شيء من الذهب موف، فأقوى منه عندي ما ذكر من إنّه من الذهب والفضة؛ لأن اللّه جلّ وعزّ ذكر القناطير فيهما؛ فلا يستقيم أن يكون القنطار في إحداهما دون الأخرى.
ومعنى {الخيل المسوّمة} في اللغة: الخيل عليها السيماء , والسّومة , وهي العلامة، ويجوز وهو حسن أن يكون المسومة: السائمة، وأسيمت: أرعيت.
{والأنعام}: المواشي, واحدها نعم، أكثر استعمالها في الإبل،{والحرث}: الزرع، وهذا كله محبّب إلى الناس , كما قال اللّه عزّ وجلّ، ثم زهد الله في جميعه.
وتأويل التزهيد فيه ليس الامتناع من أن يزرع الناس، ولا من أن يكسبوا الشيء من جهة، وإنما وجه التزهيد فيه الحث على الصدقة, وسلوك سبل البرّ التي أمر بها في ترك الاستكثار من المال, وغيره، فهذا وجه التزهيد.
فقال جلّ وعزّ: {ذلك متاع الحياة الدّنيا}, أي: ما يتمتع به فيها.
{واللّه عنده حسن المآب}: والمآب في اللغة: المرجع، يقال: آب الرجل, يؤوب , أوباً, وإياباً,ومآباً). [معاني القرآن: 1/383-384]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة}
قيل : لما كانت معجبة, كانت كأنها قد زينت, وقيل: زينها الشيطان .
{والقناطير المقنطرة }: القنطار في كلام العرب: الشيء الكثير مأخوذ من عقد الشيء, وإحكامه, والقنطرة من ذلك, ومقنطرة, أي: مكملة كما تقول آلاف مؤلفة .
ثم قال جل وعز: {والخيل المسمومة والإنعام والحرث}: الخيل المسمومة , قال مجاهد: الحسنة, وقال سعيد بن جبير: الراعية.
وقال أبو عبيدة, والكسائي: قد تكون المسومة: المعلمة, قال أبو جعفر : قول مجاهد حسن من قولهم : رجل وسيم.
وقول سعيد بن جبير: لا يمتنع من قولهم : سامت تسوم , وأسمتها, وسومتها, أي: رعيتها, وقد تكون راعية حساناً معلم؛ لتعرف من غيرها,
وقال أبو زيد: أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة , أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى .

والإنعام: الإبل, والبقر , والغنم .
والحرث: الزرع.
وقوله تعالى: {والله عنده حسن المآب}, أي: المرجع). [معاني القرآن: 1/367-368]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({والقناطير}: جمع قنطار, والقنطار: ألف مثقال، وقيل: مائة رطل، وقيل: ملء مسك ثور ذهباً, وقيل: ثمانية آلالف مثقال.
{المقنطرة}: المكملة، وقيل: المضاعفة.
{والخيل المسومة}: الراعية، وقيل: المعلمة من السيماء.
و{المآب}:المرجع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 47-48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({القِنْطَارُ}: ثمانون ألف درهم , وقيل : مد جلد ثور.
{الْمُسَوَّمَةِ}: المعلمة.
{الْمَآبِ}: المرجع). [العمدة في غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم...}, ثم قال {للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ}, فرفع الجنات باللام, ولم يجز ردّها على أوّل الكلام؛ لأنك حلت بينهما باللام، فلم يضمر خافض وقد حالت اللام بينهما, وقد يجوز أن تحول باللام , ومثلها بين الرافع وما رفع، والناصب وما نصب, فتقول: رأيت لأخيك مالاً, ولأبيك إبلاً, وترفع باللام إذا لم تعمل الفعل، وفي الرفع: قد كان لأخيك مال ولأبيك إبل, ولم يجز أن تقول في الخفض: قد أمرت لك بألف بألف, ولأخيك ألفين، وأنت تريد بألفين؛ لأن إضمار الخفض غير جائز؛ ألا ترى أنك تقول: من ضربت؟ فتقول: زيدا، ومن أتاك؟ فتقول: زيد, فيضمر الرافع والناصب, ولو قال: بمن مررت؟ , لم تقل: زيدٍ؛ لأن الخافض مع ما خفض بمنزلة الحرف الواحد, فإذا قدّمت الذي أخرته بعد اللام جاز فيه الخفض؛ لأنه كالمنسوق على ما قبله إذا لم تحل بينهما بشيء, فلو قدّمت الجنّات قبل اللام , فقيل: {بخيرٍ من ذلكم جناتٍ للذين اتقوا}, لجاز الخفض, والنصب على معنى تكرير الفعل بإسقاط الباء؛ كما قال الشاعر:
أتيت بعبد الله في القدّ موثقا = فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر‍‍‍‍‍‍‍‍
كذلك تفعل بالفعل إذا اكتسب الباء ثم أضمرا جميعا نصب كقولك: أخاك، وأنت تريد امرر بأخيك. وقال الشاعر في استجازة العطف إذا قدّمته , ولم تحل بينهما بشيء:
ألا يا لقومٍ كلّ ما حمّ واقع = وللطير مجرىً والجنوب مصارع
أراد: وللجنوب مصارع، فاستجاز حذف اللام، وبها ترتفع المصارع إذ لم تحل بينهما بشيء, فلو قلت: (ومصارع الجنوب)لم يجز , وأنت تريد إضمار اللام, وقال الآخر:
أوعدني بالسجن والأداهم = رجلي ورجلي شثنة المناسم
أراد: أوعد رجلي بالأداهم.
وقوله: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}, والوجه رفع يعقوب, ومن نصب نوى به النصب، ولم يجز الخفض إلا بإعادة الباء: ومن وراء إسحاق بيعقوب.
وكلّ شيئين اجتمعا قد تقدم أحدهما قبل المخفوض الذي ترى أن الإضمار فيه يجوز على هذا, ولا تبال أن تفرق بينهما بفاعل أو مفعول به أو بصفة,فمن ذلك أن تقول: مررت بزيد, وبعمرو, ومحمد, أو وعمرو , ومحمد, ولا يجوز: مررت بزيد وعمرو, وفي الدار محمدٍ، حتى تقول: بمحمد, وكذلك: أمرت لأخيك بالعبيد , ولأبيك بالورق, ولا يجوز: لأبيك الورق. وكذلك: مرّ بعبد الله موثقاًومطلقاً زيدٍ، وأنت تريد: ومطلقاً بزيد, وإن قلت: وزيدٍ مطلقاً جاز ذلك على شبيه بالنسق إذا لم تحل بينهما بشيء.
وقوله: {قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النار وعدها الله الّذين كفروا}, فيها ثلاثة أوجه أجودها الرفع، والنصب من جهتين: من وعدها إذ لم تكن النار مبتدأة، والنصب الآخر بإيقاع الإنباء عليها بسقوط الخفض, جائز لأنك لم تحل بينهما بماننع, والرفع على الابتداء.
فإن قلت: فما تقول في قول الشاعر:
آلآن بعد لجاجتي تلحونني = هلا التقدّم والقلوب صحاح
بم رفع التقدّم؟, قلت: بمعنى الواو في قوله: (والقلوب صحاح) , كأنه قال: العظة, والقلوب فارغة، والرطب, والحرّ شديد، ثم أدخلت عليها هلاّ , وهي على ما رفعتها، ولو نصبت التقدّم بنية فعل كما تقول: أتيتنا بأحاديث لا نعرفها , فهلا أحاديث معروفة.
ولو جعلت اللام في قوله: {للّذين اتّقوا عند ربّهم} من صلة الإنباء جاز خفض الجنات, والأزواج, والرضوان). [معاني القرآن: 1/198]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({مطهّرة}: مهذّبة من كل عيب). [مجاز القرآن: 1/89]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مّطهّرةٌ}, كأنه قيل لهم: "ماذا لهم"؟ , و"ما ذاك"؟ , فقيل: "هو كذا وكذا".
وأمّا {بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه}, فإنما هو على "أنبّئكم بشرٍّ من ذلك حسباً" , و"بخيرٍ من ذلك حسبا", وقوله: {من لّعنه اللّه} موضع جرّ على البدل من قوله: {بشرٍّ}, ورفع على "هو من لعنه اللّه"). [معاني القرآن: 1/162]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مّطهّرةٌ ورضوان مّن اللّه واللّه بصيرٌ بالعباد}
قوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مّطهّرةٌ}, كأنه قيل لهم: "ماذا لهم"؟, و"ما ذاك"؟, فقيل: "هو كذا وكذا", وأمّا {بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه}, فإنما هو على "أنبّئكم بشرٍّ من ذلك حسباً" و"بخيرٍ من ذلك حسبا", وقوله: {من لّعنه اللّه} موضع جرّ على البدل من قوله: {بشرٍّ}, ورفع على "هو من لعنه اللّه"). [معاني القرآن: 1/165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلم اللّه جلّ وعزّ أن خيراً من جميع ما في الدنيا ما أعده لأوليائه , فقال:
{قل أؤنبّئكم بخير من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهّرة ورضوان من اللّه واللّه بصير بالعباد (15)},
الرفع في {جنّات}:القراءة،
والخفض جائز على أن تكون {جنّات} بدلاً من خير المعنى : أؤنبئكم بجنات تجري من تحتها الأنهار, ويكون{للذين اتقوا عند ربهم} من تمام الكلام الأول.

ومعنى {وأزواج مطهرة} أي: مطهرة من الأدناس, ومطهرة مما يحتاج إليه نساء أهل الدنيا من الحيض, وغيره.
{ورضوان من اللّه}, أكثر القراءة كسر الراء, وروى أبو بكر بن عياش , عن عاصم:{ورضوان من اللّه } بضم الراء في كل القرآن، ويقال: رضيت الشيء أرضاه رضاً, ومرضاة, ورضواناً, ورضواناً). [معاني القرآن: 1/384-385]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة} , وأزواج مطهرةً, أي: من الأدناس, والحيض). [معاني القرآن: 1/368]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}
قيل: الصابرون الصائمون, ويقال: في شهر رمضان: شهر الصبر, والصحيح أن: الصابر هو الذي يصبر عن المعاصي, والقانتون لله: المصلون, والمنفقون: المتصدقون). [معاني القرآن: 1/368-369]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين يقولون...}
إن شئت جعلته خفضاً نعتاً للذين اتقوا،
وإن شئت استأنفتها , فرفعتها إذ كانت آية وما هي نعت له آيةٌ قبلها, ومثله قول الله تبارك وتعالى: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} , فلمّا انقضت الآية قال:{التّائبون العابدون}، وهي في قراءة عبد الله :{التائبين العابدين}

وكذلك: {الصّابرين والصّادقين...}
موضعها خفض، ولو كانت رفعاً , لكان صواباً). [معاني القرآن: 1/198-199] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وموضع {الذين يقولون} خفض صفة{للذين اتقوا}, المعنى: للمتقين القائلين: {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار (16)}, وكذلك{الصابرين والصادقين}, ولو كانت رفعاً على الاستئناف ؛ لجاز ذلك , ولكن القراءة لا تجاوز.
ومعنى {القانتين} أي: القائمين بعبادة اللّه، وقد فسرنا القنوت فيما مضى, ومعنى {المنفقين}: المتصدقين، وجميع ما في سبيل اللّه.
{والمستغفرين بالأسحار} السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر.
العرب تقول: جئتك بأعلى السحر ,تريد : في أول السحر، وهو أول إدبار الليل إلى طلوع الفجر الظاهر البين.
فاللّه عزّ وجلّ وصف هؤلاء بالتصديق , والإنفاق في سبيله , والقيام بعبادته، ثمّ وصفهم بأنهم مع ذلك ؛ لشدّة خوفهم, ووجلهم:يستغفرون بالأسحار). [معاني القرآن: 1/385]

تفسير قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين يقولون...}
إن شئت جعلته خفضاً نعتاً للذين اتقوا،
وإن شئت استأنفتها, فرفعتها إذ كانت آي, ة وما هي نعت له آيةٌ قبلها, ومثله قول الله تبارك وتعالى: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} ,فلمّا انقضت الآية قال: {التّائبون العابدون}، وهي في قراءة عبد الله :{التائبين العابدين}

وكذلك: {الصّابرين والصّادقين...}
موضعها خفض، ولو كانت رفعاً لكان صواباً, وقوله: {والمستغفرين بالأسحار}, المصلّون بالأسحار، ويقول: الصلاة بالسحر أفضل مواقيت الصلاة.
أخبرنا محمد ابن الجهم قال: حدّثنا الفرّاء , قال: حدثني شريك , عن السّدّي في قوله: {سوف أستغفر لكم ربّي} , قال: أخّرهم السحر). [معاني القرآن: 1/198-199]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والقانتين}: القانت المطيع). [مجاز القرآن: 1/89]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} , قال تعالى: {الصّابرين} إلى قوله: {بالأسحار} موضع جر على:{للّذين اتّقوا}, فجر بهذه اللام الزائدة). [معاني القرآن: 1/165-166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({القانتين}: المصلّين. و«القنوت» : يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب «المشكل», {والمنفقين} يعني: المتصدقين). [تفسير غريب القرآن: 103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وموضع {الذين يقولون}: خفض صفة {للذين اتقوا}, المعنى للمتقين : القائلين.
{الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار}, وكذلك{الصابرين والصادقين}, ولو كانت رفعاً على الاستئناف لجاز ذلك , ولكن القراءة لا تجاوز.
ومعنى {القانتين}: أي : القائمين بعبادة اللّه، وقد فسرنا القنوت فيما مضى. ومعنى المنفقين : المتصدقين، وجميع ما في سبيل اللّه.
{والمستغفرين بالأسحار} السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر.
العرب تقول: جئتك بأعلى السحر, تريد: في أول السحر، وهو أول إدبار الليل إلى طلوع الفجر الظاهر البين, فاللّه عزّ وجلّ وصف هؤلاء بالتصديق , والإنفاق في سبيله, والقيام بعبادته، ثمّ وصفهم بأنهم مع ذلك ؛ لشدّة خوفهم, ووجلهم : يستغفرون بالأسحار). [معاني القرآن: 1/385] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والقانتين}: المصلين، وأصله: الطاعة.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 10:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 18 إلى 25]

{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)}

تفسير قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {شهد اللّه أنّه لا اله إلاّ هو...}, قد فتحت القرّاء الألف من (أنه), ومن قوله {أنّ الدّين عند اللّه الإسلام},
وإن شئت جعلت (أنه) على الشرط , وجعلت الشهادة واقعة على قوله: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام}, وتكون (أنّ) الأولى يصلح فيها الخفض؛ كقولك: شهد الله بتوحيده أن الدين عنده الإسلام.

وإن شئت استأنفت{إن الدين}بكسرتها، وأوقعت الشهادة على {أنّه لا اله إلاّ هو}. وكذلك قرأها حمزة, وهو أحبّ الوجهين إليّ, وهي في قراءة عبد الله:{إن الدين عند الله الإسلام}, وكان الكسائيّ يفتحهما كلتيهما.
وقرأ ابن عباس بكسر الأوّل , وفتح {أن الدين عند الله الإسلام}, وهو وجه جيد؛ جعل {أنّه لا اله إلاّ هو} مستأنفة معترضة -كأنّ الفاء تراد فيها - , وأوقع الشهادة على "أن الدين عند الله", ومثله في الكلام : قولك للرجل: أشهد - إني أعلم الناس بهذا - أنّك عالم، كأنك قلت: أشهد - إني أعلم بهذا من غيري - أنك عالم. وإذا جئت بأنّ قد وقع عليها العلم, أو الشهادة, أو الظن , وما أشبه ذلك كسرت إحداهما, ونصبت التي يقع عليها الظنّ , أو العلم, وما أشبه ذلك؛ نقول للرجل: لا تحسبن أنك عاقل؛ إنك جاهل؛ لأنك تريد : فإنك جاهل، وإن صلحت الفاء في إن السابقة كسرتها , وفتحت الثانية, يقاس على هذه ما ورد.

وقوله: {وأولوا العلم قائماً بالقسط} منصوب على القطع؛ لأنه نكرة نعت به معرفة, وهو في قراءة عبد الله:{القائم بالقسط} رفع؛ لأنه معرفة نعت لمعرفة). [معاني القرآن: 1/200]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({شهد الله}: قضى الله{أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة}, شهودٌ على ذلك.
{بالقسط}:أقسط: مصدر المقسط, وهو العادل؛ والقاسط: الجائر). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم}
قال: {شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط}, إنما هو "شهدوا أنّه لا إله إلاّ هو قائماً بالقسط", نصب {قائماً} على الحال). [معاني القرآن: 1/166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({قائما بالقسط}: بالعدل والمقسط العادل والقاسط الجائر).[غريب القرآن وتفسيره: 103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({قائماً} بالقسط, أي: بالعدل). [تفسير غريب القرآن: 103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عز وجل: {شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم}
قال أبو عبيدة معنى {شهد الله}: قضى اللّه، وحقيقته أنه علم , وبين اللّه؛ لأن الشاهد هو العالم الذي يبين ما علمه، فاللّه عزّ وجلّ - قد دل على توحيده بجميع ما خلق فبيّن أنّه لا يقدر أحد أن ينشئ شيئا واحدا مما أنشأ، وشهدت الملائكة لما علمت من قدرته, وشهد أولو العلم بما ثبت عندهم, وتبين من خلقه الذي لا يقدر عليه غيره.
وأكثر القراءة {أنّه لا إله إلّا هو} بفتح الألف في (أنه),
وقد رويت بالكسر عن ابن عباس، وروى {أنّ الدّين عند اللّه الإسلام} بفتح الألف " والأكثر فتح (أنّه) , وكسر (إنّ الدّين).

ومن قرأ (إنه) بالكسر, فالمعنى: شهد اللّه أن الدين عند اللّه الإسلام, وأنّه لا إله إلا هو, والأجود الفتح كما وصفنا في الأول؛ لأن الكلام, والتوحيد, والنداء بالأذان:{أشهد أن لا إله إلا الله}, وأكثر ما وقع أشهد على ذكر التوحيد,
وجائز أن يفتح أن الأولى,
وأن الثانية, فيكون فتح الثانية على جهتين على شهد اللّه أن لا إله إلا هو , وشهد أن الدين عنده الإسلام).
[معاني القرآن: 1/385-386]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم}
قال أبو عبيدة: شهد معناه: قضى, أي: أعلم .
قال أبو جعفر: قال أبو إسحاق: وحقيقة هذا أن الشاهد هو الذي يعلم الشيء, ويبنيه, فقد دلنا الله عز وجل بما خلق, وبين على وحدانيته .
وقرأ الكسائي بفتح أن في قوله: {أنه لا إله إلا هو}, وفي قوله سبحانه: {إن الدين عند الله الإسلام}
قال أبو العباس محمد بن يزيد: التقدير على هذه القراءة {إن الدين عند الله الإسلام} , بإنه لا إله إلا هو, ثم حذفت الباء , وأنشد سيبويه:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به = فقد تركتك ذا مال وذا نشب
المعنى أي: أمرتك بالخير .
قال الكسائي: انصبهما جميعاً بمعنى شهد الله أنه كذا, وأن الدين عند الله الإسلام, ويكون أيضاً بمعنى: شهد الله أنه لا إله إلا هو ؛ إن الدين عند الله الإسلام
قال ابن كيسان: أن الثانية بدل من الأولى ؛ لأن الإسلام تفسيره المعنى الذي هو التوحيد .
وقرأ ابن عباس فيما حكى الكسائي {شهد الله أنه لا إله إلا هو}
وقرأ {إن الدين عند الله الإسلام}, والتقدير على هذه القراءة : شهد الله إن الدين الإسلام, ثم ابتدأ فقال: إنه لا إله إلا هو.
وروي, عن محارب بن دثار, عن عمه أبي المهلب أنه قرأ , وكان قارئاً:{شهداء لله}.
وقوله تعالى: {قائماً بالقسط}, يعني: بالعدل). [معاني القرآن: 1/369-371]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({شهد الله}, أي: قال الله، و{شهد الله} أي: كتب الله، و{شهد الله} أي: علم الله, و{القسط}:العدل). [ياقوتة الصراط: 186]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قائما بالقسط} أي: بالعدل, {والمقسط}: العادل, والقاسط: الجائر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْقِسْطِ}: العدل). [العمدة في غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الذين أتوا الكتاب}: الأمم الذين أتتهم الكتب والأنبياء). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ الدّين عند اللّه الإسلام وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب}
قال: {إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم}, يقول: {وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب} , {بغيا بينهم}, {إلاّ من بعد ما جاءهم العلم}). [معاني القرآن: 1/166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب}
لك في {جاءهم} الفتح والتفخيم، ولك الإمالة نحو الكسر , فأما الفتح فلغة أهل الحجاز، وهي اللغة العليا القدمى,
وأما جاءهم بالكسر فلغة تميم, وكثير من العرب, وهي جيدة فصيحة أيضاً.

فالذي يميل إلى الكسر يدل على أن الفعل من ذوات الياء,
والذي يفتح, فلأن الياء قد انقلبت صورتها إلى الألف, وفي الألف حظها من الفتح, وكل مصيب.

ونصب {بغيا} بقوله: {اختلفوا}, والمعنى: اختلفوا بغياً, أي: للبغي، لم يختلفوا ؛ لأنهم رأوا البصيرة والبرهان.
قال الأخفش المعنى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم ، والذي هو الأجود أن يكون بغياً منصوباً بما دل عليه, {وما اختلفوا}, فيكون المعنى: اختلفوا بغياً بينهم.
{ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} أي: سريع الحساب له.
والجزم هو الوجه في {ومن يكفر}, وهي القراءة, ولو قرئت بالرفع, لكان له وجه من القياس, ولكن الجزم أجود وأفصح في المعنى.
ومعنى {سريع الحساب}, أي: سريع المجازاة له كما قال: {وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر أو هو أقرب},
وقالوا: جائز أن يكون {سريع الحساب}: سريع التعريف للعامل عمله -؛ لأنه جل ثناؤه عالم بجميع ما عملوا لا يحتاج إلى إثبات شيء, وتذاكر شيء.

ونصب {قائما بالقسط} حال مؤكدة ؛ لأن الحال المؤكدة تقع مع الأسماء في غير الإشارة، تقول إنه زيد معروفاً, وهو الحق مصدقاً, ولا إله إلا هو قائماً بالقسط.
والقسط في اللغة: العدل قال اللّه {وأقيموا الوزن بالقسط} أي: بالعدل، ويقال أقسط الرجل إذا عدل, وقسط إذا جار, والعادل مقسط, والجائر قاسط,
قال اللّه {وأقسطوا إنّ اللّه يحبّ المقسطين} أي: اعدلوا إن اللّه يحب العادلين, وقال: {وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً}, فإن قال قائل: فمن أين جاء من لفظ القسط , ما معناه الجور وأصله العدل؟

فإنما ذلك كقولك : عدل الرجل على القوم, يعدل عدلاً, ومعدلة.
ومعدلة، إذا هو أنصفهم، وعدل عن الحق عدلاً إذا جار، فكذلك جاء من لفظ القسط ما معناه الجور , كما جاء ما معناه العدل). [معاني القرآن: 1/387-388]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الدين عند الله الإسلام} الإسلام في اللغة: الخضوع, والانقياد, ومنه استسلم الرجل, فمعنى أسلم: خضع, وقبل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
وروى ابن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله, وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وحج البيت , وصوم شهر رمضان)).
وقوله عز وجل: {ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب}في الآية قولان:
أحدهما: أن المعنى إن الحساب قريب كما قال تعالى: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب}
والقول الآخر: أن محاسبته سريعة ؛ لأنه عالم بما عمل عباده لا يحتاج أن يفكر في شيء منه). [معاني القرآن: 1/371-372]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن...}
{ومن اتّبعن} للعرب في الياءات التي في أواخر الحروف مثل: اتبعن، وأكرمن، وأهانن، ومثل قوله {دعوة الدّاع إذا دعان }, وقد هدان, أن يحذفوا الياء مرة, ويثبتوها مرة, فمن حذفها اكتفى بالكسرة التي قبلها دليلاً عليها, وذلك أنها كالصلة؛ إذ سكنت , وهي في آخر الحروف, واستثقلت, فحذفت, ومن أتمهّا فهو البناء, والأصل., ويفعلون ذلك في الياء, وإن لم يكن قبلها نون؛ فيقولون هذا غلامي قد جاء، وغلام قد جاء؛ قال الله تبارك وتعالى: {فبشّر عباد الّذين} في غير نداء بحذف الياء, وأكثر ما تحذف بالإضافة في النداء؛ لأن النداء مستعمل كثير في الكلام, فحذف في غير نداء, وقال إبراهيم {ربّنا وتقبّل دعاء} بغير ياء، وقال في سورة الملك {كيف كان نكير}, و"نذير" , وذلك أنهن رءوس الآيات، لم يكن في الآيات قبلهن ياء ثانية, فأجرين على ما قبلهن؛ إذ كان ذلك من كلام العرب, ويفعلون ذلك في الياء الأصلية؛ فيقولون: هذا قاض, ورام , وداع بغير ياء، لا يثبتون الياء في شيء من فاعل, فإذا أدخلوا فيه الألف, واللام قالوا بالوجهين؛ فأثبتوا الياء وحذفوها, وقال الله {من يهد الله فهو المهتد}, في كل القرآن بغير ياء, وقال في الأعراف:{فهو المهتدي}, وكذلك قال: {يوم ينادي المناد}, و{أجيب دعوة الدّاع}, وأحبّ ذلك إليّ أن أثبت الياء في الألف واللام؛ لأن طرحها في قاض ومفترٍ وما أشبهه بما أتاها من مقارنة نون الإعراب, وهي ساكنة, والياء ساكنة، فلم يستقم جمع بين ساكنين، فحذفت الياء لسكونها, فإذا أدخلت الألف واللام لم يجز إدخال النون، فلذلك أحببت إثبات الياء, ومن حذفها فهو يرى هذه العلّة: قال: وجدت الحرف بغير ياء قبل أن تكون فيه الألف واللام، فكرهت إذ دخلت أن أزيد فيه ما لم يكن, وكلّ صواب.
وقوله: {وقل لّلّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم}, وهو استفهام, ومعناه أمر, ومثله قول الله: {فهل أنتم منتهون} استفهام, وتأويله: انتهوا, وكذلك قوله: {هل يستطيع ربّك}, وهل تستطيع ربّك إنما هو مسألة., أو لا ترى أنك تقول للرجل: هل أنت كافّ عنا؟ , معناه: اكفف، تقول للرجل: أين أين؟, أقم , ولا تبرح, فلذلك جوزي في الاستفهام كما جوزي في الأمر, وفي قراءة عبد الله :{هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ. آمنوا}, ففسّر {هل أدلكم} بالأمر,وفي قراءتنا على الخبر, فالمجازاة في قراءتنا على قوله: {هل أدلكم}, والمجازاة في قراءة عبد الله على الأمر؛ لأنه هو التفسير). [معاني القرآن: 1/202]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والأمّيّين}: الذين لم يأتهم الأنبياء بالكتب؛ والنبيّ الأميّ: الذي لا يكتب). [مجاز القرآن: 1/90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الأميون}: الذين لم تأتهم الكتب والأمي الذي لا يكتب). [غريب القرآن وتفسيره: 103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقوله: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران: 20] أي: انقدت لله بلساني وعقدي، والوجه زيادة. كما قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، يريد: إلا هو. وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9]، أي: لله. قال زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية:
أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
أي: انقادت له المزن). [تأويل مشكل القرآن: 480]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصير بالعباد}
إن شئت أسكنت الياء (من وجهي),
وإن شئت فتحتها , فقلت: أسلمت وجهي للّه، وقد فسّرنا أمر هذه الياء فيما سلف، والمعنى: أن اللّه عزّ وجلّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج على أهل الكتاب, والمشركين, بأنه اتبع أمر اللّه الذي هم أجمعون مقرون بأنه خالقهم، فدعاهم إلى ما أقروا به، وأراهم الدلالات والآيات التي قد شرحنا ذكرها, بأنه رسوله صلى الله عليه وسلم

ومعنى {أسلمت وجهي للّه}أي: قصدت بعبادتي إلى اللّه جل ثناؤه , وأقررت أنه لا إله غيره، وكذلك {من اتّبعن}, ويجوز في اللغة: أسلمت وجهي, أي: أسلمت نفسي, قال اللّه عزّ وجلّ: {كلّ شيء هالك إلّا وجهه}
وقال: {ويبقى وجه ربّك} المعنى: ويبقى ربك, والمعنى: كل شيء هالك إلا اللّه عزّ وجلّ.
{ومن اتبعن}: لك حذف الياء, وإثباتها، والأحبّ إليّ في هذا اتباع المصحف؛ لأن اتباعه سنة, ومخالفته بدعة، وما حذف من هذه الياءات نحو {ومن اتبعن}, {لئن أخرتن إلى يوم القيامة}, ونحو فيقول: {ربي أكرمن}, فيقول: {ربي أهانن}, فهو على ضربين مع النون، فإذا كان رأس آية, فأهل اللغة يسمون أواخر الآي الفواصل, فيجيزون حذف الياءات، كما يجيزونه في قوافي الشعر، كما قال الأعشى:
ومن شانئ كاسف وجهه.= إذا ما انتسبت له أنكرن
وهل يمنعني ارتيادي البلاد= من حذر الموت أن يأتين
المعنى: أن يأتيني وأنكرني، فإذا لم يكن آخر قافية , أو آخر آية, فالأكثر إثبات الياء، وحذفها جيّد بالغ أيضاً بخاصة مع النونات، إلا أن أصل اتبعني " اتبعي " , ولكن النون زيدت, لتسلم فتحة العين، فالكسرة مع النون تنوب عن الياء، فإذا لم تكن النون نحو غلامي , وصاحبي, فالأجود إثباتها، وحذفها مع غير النون أقل منه مع النون إلا أنه جائز، نقول هذا غلام قد جاء , والأجود هذا غلامي قد جاء، وغلامي قد جاء، بفتح الياء, وإسكانها, وحذفها جائز؛ لأنّ الكسرة دالة عليها.
وقوله تبارك اسمه: {وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم}, الذين أوتوا الكتاب ": اليهود والنصارى، والأميون مشركو العرب ؛ لأنهم إنما نسبوا إلى ما عليه الأمة في الخلقة ؛ لأن الإنسان يخلق غير كاتب، فهذا معنى: الأمّيين،
وقال بعض النحويين معنى : أأسلمتم الأمر، معناه عندهم: أسلموا, وحقيقة هذا الكلام أنه لفظ استفهام، معناه: التوقيف والتهديد، كما تقول للرجل بعد أن تأمره, وتؤكد عليه " أقبلت.. وإلا فأنت أعلم ", فأنت إنما تسأله متوعداً في مسألتك، لعمري هذا دليل: أنك تأمره بأن يفعل.

ومعنى {وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ} أي: ليس عليك هداهم , إنما عليك إقامة البرهان لهم , فإذا بلغت, فقد أدّيت ما عليك.
وقوله جلّ وعزّ: {واللّه بصير بالعباد} أي: بصير بما يقطع عذرهم فيما دلهم به على وحدانيته , وتثبيت رسله.
وقال في إثر هذه الآية: {إنّ الّذين يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النّبيّين بغير حقّ ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط من النّاس فبشّرهم بعذاب أليم}). [معاني القرآن: 1/388-390]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن} أمره الله أن يحتج عليهم بأنه متبع أمر من هم مقرون به؛لأنهم مقرون بأن الله عز وجل خالقهم فأمروا أن يعبدوا من خلقهم وحده
ومعنى{أسلمت وجهي لله}: أسلمت نفسي لله كما قال تعالى: {ويبقى وجه ربك} أي: ويبقى ربك). [معاني القرآن: 1/373]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين}, الذين أوتوا الكتاب: اليهود, والنصارى, والأميون: مشركو العرب, كأنهم نسبوا إلى الأم ؛ لأنهم بمنزلة المولود في أنهم لا يكتبون
وقيل: هم منسبون إلى أم القرى, وهي مكة.
وقوله عز وجل: {أأسلمتم} قيل معناه: أسلموا, وحقيقته: أنه على التهديد, كما تقول للرجل: أأفلت مني؟.
ثم قال تعالى: {فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ}, ونسخ هذا بالأمر بالقتال
ثم قال تعالى: {والله بصير بالعباد} أي: بصير بما يقطع عذرهم). [معاني القرآن: 1/374-375]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الأُمِّيِّينَ}: الذين يكتبون). [العمدة في غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النّبيّين بغير حقٍّ ويقتلون...}
تقرأ: ويقتلون، وهي في قراءة عبد الله: {وقاتلوا}, فلذلك قرأها من قرأها : (يقاتلون)،
وقد قرأ بها الكسائيّ دهراً: {يقاتلون} ثم رجع، وأحسبه رآها في بعض مصاحف عبد الله {وقتلوا} بغير الألف, فتركها, ورجع إلى قراءة العامّة؛ إذ وافق الكتاب في معنى قراءة العامّة).
[معاني القرآن: 1/202]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({إنّ الّذين يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النّبيّين بغير حقّ ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط من النّاس فبشّرهم بعذاب أليم} أي: أعلام اللّه التي أتيتهم بها.
{ويقتلون النّبيّين بغير حقّ}:وقرئت: ويقاتلون، ومعنى {ويقتلون النّبيّين بغير حقّ}: ههنا قيل فيه قولان:
1- قيل: رضاهم بقتل من سلف منهم النبيين نحو قتل يحيى عليه السلام, وهذا يحتمل, واللّه أعلم,
2- وقيل : ويقتلون النبيين ؛ لأنهم قاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم -, وهموا بقتله , قال اللّه جلّ وعزّ:{وإذ يمكر بك الّذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو
يخرجوك}, فهذا معنى: {ويقتلون النبيين} , واللّه أعلم.
وجاز دخول الفاء في خبر إن، ولا يجوز أن زيداً فقائم , وجاز ههنا..
{فبشرهم بعذاب أليم}، لأن (الذي) يوفي فتكون صلته بمنزلة الشرط للجزاء فيجاب بالفاء, ولا يصلح ليت الذي يقوم فيكرمك ؛ لأن (إن) كأنها لم تذكر في الكلام , فدخول الجواب بالفاء، عليها كدخولها على الابتداء , والتمني داخل, فزيل معنى الابتداء والشرط). [معاني القرآن: 1/389-391]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم}
قال معقل بن أبي مسكين: كانت الأنبياء صلوات الله عليهم تجيء إلى بني إسرائيل بغير كتاب, فيقتلونهم, فيقوم قوم ممن اتبعهم , فيأمرون بالقسط, أي: بالعدل, فيقتلون, فإن قال قائل: الذين وعظوا بهذا لم يقتلوا نبياً.
فالجواب عن هذا: أنهم رضوا فعل من قتل, فكانوا بمنزلته, وأيضاً فإنهم قاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم, وأصحابه, وهموا بقتلهم كما قال عز وجل: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك}). [معاني القرآن: 1/375-376]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)}
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{حبطت}: بطلت وسقطت). [ياقوتة الصراط: 186]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال المفسرون في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 23]: ألم تخبروا. وكذلك أكثر ما في القرآن). [تأويل مشكل القرآن: 499]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم ثمّ يتولّى فريق منهم وهم معرضون}, معناه: حظا وافرا منه.
و{يدعون إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم} أي: يدعون إلى كتاب الله الذي هم به مقرون، وفيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - والإنباء برسالته.
{ثمّ يتولّى فريق منهم وهم معرضون} أي: جمع كثير وإنما أعرضوا إلا إنّه لا حجة لهم إلا الجحد بشيء, قد أقر به جماعة من علمائهم أنه في كتابهم). [معاني القرآن: 1/391]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال الله عز وجل: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب}أي: حظاً وافراً يدعون إلى كتاب الله ؛ ليحكم بينهم .
وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع {ليحكم بينهم}, والقراءة الأولى أحسن كقوله: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق}). [معاني القرآن: 1/376]

تفسير قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يفترون}: يختلقون الكذب). [مجاز القرآن: 1/90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يفترون}: يختلقون).[غريب القرآن وتفسيره: 103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون}أي: يختلقون من الكذب). [تفسير غريب القرآن: 103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم أنبأ اللّه - عزّ وجلّ - بما حملهم على ذلك وخبّر بما غرهم.
فقال عزّ وجلّ: {ذلك بأنّهم قالوا لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودات وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون}
فموضع (ذلك) رفع المعنى شأنهم ذلك, وأمرهم ذلك بقولهم , وبظنهم أنهم لا يعذبون إلا أياماً معدودات.
جاء في التفسير: أنهم قالوا إنما نعذب أربعين يوماً عبد آباؤنا فيها العجل، فأعلم اللّه تبارك وتعالى أن ذلك فرية منهم، وأنه هو الذي غرهم). [معاني القرآن: 1/391-392]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات}
روي أنهم قالوا: إنما نعذب أربعين يوماً, وهي الأيام التي عبد فيها آباؤنا العجل , فأخبر الله عز وجل أن هذا افتراء منهم وكذب فقال تعالى: {وغرهم قي دينهم ما كانوا يفترون} أي: يختلفون من الكذب, كأنهم يسوون ما لم يكن من فريت الشيء قال زهير:
ولأنت تفري ما خلقت = وبعض القوم يخلق ثم لا يفري). [معاني القرآن: 1/377]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (وقوله: {إِلا أَيَّاماً معدوات}, قال: هي عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل، وقالوا: نعذب بعدد تلك الأيام، ثم ندخل الجنة). [ياقوتة الصراط: 186]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يفترون} يختلقون من الكذب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يَفْتَرُونَ}: يكذبون). [العمدة في غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فكيف إذا جمعناهم ليومٍ لاّ ريب فيه...}
قيلت باللام, و(في) قد تصلح في موضعها؛ تقول في الكلام: جمعوا ليوم الخميس, وكأنّ اللام لفعل مضمر في الخميس؛ كأنهم جمعوا لما يكون يوم الخميس.
وإذا قلت: جمعوا في يوم الخميس لم تضمر فعلا. وفي قوله: {جمعناهم ليومٍ لاّ ريب فيه} , أي: للحساب, والجزاء). [معاني القرآن: 1/202-203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفّيت كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}, المعنى - واللّه أعلم - فكيف يكون حالهم في ذلك الوقت.
وهذا الحرف مستعمل في الكلام، تقول: أنا أكرمك , وأنت لم تزرني، فكيف إذا زرتني.
قوله عزّ وجلّ: {ليوم لا ريب فيه} أي: لحساب يوم لا شك فيه). [معاني القرآن: 1/392]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه}
في الكلام حذف, والمعنى: فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه, أي: لا شك فيه أنه كائن). [معاني القرآن: 1/377-387]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 10:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 26 إلى 32]

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27) لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}

تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل اللّهمّ مالك الملك...}
{اللهم} كلمة تنصبها العرب,
وقد قال بعض النحويين: إنما نصبت إذ زيدت فيها الميمان؛ لأنها لا تنادى بيا؛ كما تقول: يا زيد، ويا عبد الله، فجعلت الميم فيها خلفا من يا. وقد أنشدني بعضهم:

وما عليك أن تقولي كلّما =صلّيت أو سبّحت يا اللهمّ ما
* اردد علينا شيخنا مسلما =
ولم نجد العرب زادت مثل هذه الميم في نواقص الأسماء إلا مخفّفة؛ مثل الفم وابنم وهم، ونرى أنها كانت كلمة ضمّ إليها؛ امّ، تريد: يا ألله امّنا بخير، فكثرت في الكلام فاختلطت, فالرفعة التي في الهاء من همزة أمّ لما تركت انتقلت إلى ما قبلها, ونرى أن قول العرب: (هلمّ إلينا) مثلها، إنما كانت (هل) فضمّ إليها أمّ فتركت على نصبها, ومن العرب من يقول إذا طرح الميم: يا ألله اغفر لي، ويا الله اغفر لي، فيهمزون ألفها ويحذفونه, فمن حذفها فهو على السبيل؛ لأنها ألف ولام مثل: الحارث من الأسماء. ومن همزها توهّم أنها من الحرف إذ كانت لا تسقط منه؛ أنشدني بعضهم:
مباركٌ هوّ ومن سمّاه= على اسمك اللهمّ يا ألله
وقد كثرت (اللهم) في الكلام حتى خفّفت ميمها في بعض اللغات؛ أنشدني بعضهم:
كحلفةٍ من أبي رياح = يسمعها اللهم الكبار
وإنشاد العامّة: لاهه الكبار, وأنشدني الكسائيّ:
= يسمعها الله والله كبار =
وقوله تبارك وتعالى: {تؤتي الملك من تشاء}, إذا رأيت من تشاء مع من تريد من تشاء أن تنزعه منه, والعرب تكتفي بما ظهر في أوّل الكلام ممّا ينبغي أن يظهر بعد شئت فيقولون: خذ ما شئت، وكن فيما شئت, ومعناه: فيما شئت أن تكون فيه فيحذف الفعل بعدها؛ قال تعالى: {اعملوا ما شئتم}, وقال تبارك وتعالى: {في أي صورةٍ مّا شاء ركّبك}, والمعنى -والله أعلم -: في أي صورة شاء أن يركّبك ركّبك.
ومنه قوله تعالى: {ولولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء الله}, وكذلك الجزاء كله؛ إن شئت فقم، وإن شئت فلا تقم؛ المعنى: إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت ألاّ تقوم فلا تقم, وقال الله {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} فهذا بيّن أنّ المشيئة واقعة على الإيمان والكفر، وهما متروكان, ولذلك قالت العرب: (أيّها شئت فلك), فرفعوا أيّا لأنهم أرادوا أيّها شئت أن يكون لك فهو لك, وقالوا (بأيّهم شئت فمرّ), وهم يريدون: بأيّهم شئت أن تمرّ فمرّ). [معاني القرآن: 1/203-205]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل شأنه: {قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير}
أمر اللّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بتقديمه وذكر ما يدل على توحيده، ومعنى{مالك الملك} : أن اللّه يملك العباد ويملك ما ملكوا, ومعنى: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء}.
فيه قولان: -
1-تؤتي الملك الذي هو المال والعبيد والحضرة من تشاء, وتنزعه ممن تشاء،
2-وقيل: تؤتي الملك من تشاء من جهة الغلبة بالدّين والطاعة، فجعل اللّه - عزّ وجلّ - كل ما في ملكه ملك غير مسلم للمسلمين ملكاً غنيمة، وجعلهم أحق بالأملاك كلها من كل أهل لمن خالفوا دين الإسلام.

وقيل في التفسير: إن اللّه عزّ وجلّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات أن يسأله نقل عزّ فارس إلى العرب, وذل العرب إلى فارس , واللّه أعلم بحقيقة ذلك.
فأما إعراب {اللّهمّ} فضم الهاء وفتح الميم، لا اختلاف في اللفظ به بين النحويين، فأما العلة فقد اختلف فيها النحويون:
1- فقال بعضهم: معنى الكلام يا الله أم بخير، وهذا إقدام عظيم؛ لأن كل ما كان من هذا الهمز الذي طرح, فأكثر الكلام الإتيان به، يقال: ويل أمه، وويل أمه، والأكثر إثبات الهمز.

ولو كان كما يقول لجاز, أومم، واللّه أم، وكان يجب أن تلزمه ياء النداء؛ لأن العرب تقول: يا اللّه اغفر لنا، ولم يقل أحد من العرب إلا اللهم، ولم يقل أحد: يا اللهم.
قال اللّه عزّ وجلّ: {وإذ قالوا اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ}.
وقال: {قل اللّهمّ فاطر السّماوات والأرض}, فهذا القول يبطل من جهات:
أحدها: أن " يا " ليست في الكلام وأخرى أن هذا المحذوف لم يتكلم به على أصله كما نتكلم بمثله, وأنه لا يقدم أمام الدعاء هذا الذي ذكره، وزعم أن الصفة التي في الهاء ضمة الهمزة التي كانت في أم، وهذا محال أن يترك الضم الذي هو دليل على النداء للمفرد.

وأن يجعل في اللّه ضمة (أم), هذا الحاد في اسم اللّه عزّ وجل, وزعم أن قولنا: هلم مثل ذلك أن أصلها: هل أم - وإنما هي لم.
والهاء للتنبيه، وقال المحتج بهذا القول: أن " يا " قد يقال مع: {اللهم}, فيقال: يا اللّهم، ولا يروي أحد عن العرب هذا غيره , زعم أن بعضهم أنشده:
وما عليك أن تقولي كلما صليت أو سبّحت = يا اللهم مااردد علينا شيخنا مسلما
وليس يعارض الإجماع , وما أتى به كتاب اللّه تعالى , ووجد في جميع ديوان العرب بقول قائل أنشدني بعضهم، وليس ذلك البعض بمعروف , ولا بمسمى.
2- وقال الخليل , وسيبويه, وجميع النحويين الموثوق بعلمهم: أن " اللهم "بمعنى - يا اللّه، وأن الميم المشددة عوض من " يا " ؛لأنهم لم يجدوا ياء مع هذه الميم في كلمة، ووجدوا اسم اللّه جلّ وعزّ مستعملا بـ (يا) إذا لم يذكر الميم.
فعلموا أن الميم من آخر الكلمة بمنزلة يا في أولها، والضمة التي في أولها ضمة الاسم المنادى في المفرد، والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم التي قبلها.
وزعم سيبويه: أن هذا الاسم لا يوصف؛ لأنه قد ضمت إليه الميم، فقال في قوله جلّ وعزّ: {قل اللّهمّ فاطر السّماوات والأرض}, أن {فاطر} منصوب على النداء، وكذلك {مالك الملك} ولكن لم يذكره في كتابه.
والقول عندي أن: {مالك الملك} صفة اللّه، وأن {فاطر السّماوات والأرض} كذلك , وذلك أن الاسم, ومعه الميم بمنزلته ومعه : " يا " فلا تمنع الصفة مع الميم كما لا تمنع " مع " يا ", فهذا جملة تفسير وإعراب {اللّهمّ}.
ومعنى {وتنزع الملك ممّن تشاء}: على ما ذكرنا في {تؤتي الملك من تشاء}.
ومعنى {بيدك الخير}أي: بيدك الخير كله، خير الدنيا وخير الآخرة). [معاني القرآن: 1/392-395]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وفي قوله: {تؤتي الملك من تشاء} أي: تؤتي الملك من تشاء أن تؤتيه، وكذلك {وتنزع الملك ممّن تشاء} أن تنزعه منه إلا أنه حذف لأن في الكلام ما يدل عليه). [معاني القرآن: 1/396-397] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء} قيل: الملك ههنا: النبوة .
وقيل: هو المال, والعبيد .
وقيل: هو الغلبة
وقال قتادة: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل أن يعطي أمته ملك فارس , فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
ومعنى {تؤتي الملك من تشاء}أي: من تشاء أن تؤتيه, وتنزع الملك ممن تشاء, أي: ممن تشاء أن تنزعه منه, ثم حذف هذا, وأنشد سيبويه:
ألاهل لهذا الدهر من متعلعل = على الناس مهما شاء بالناس يفعل
قال أبو إسحاق: المعنى مهما شاء أن يفعل بالناس يفعل
وقوله عز وجل: {وتعز من تشاء وتذل من تشاء}
يقال: عز إذا غلب, وذل يذل ذلاً إذا غلب وقهر , قال طرفة:
بطيء على الجلى سريع إلى الخنا = ذليل بأجماع الرجال ملهد). [معاني القرآن: 1/378-397]

تفسير قوله تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ:(ت:207هـ): (وقوله:{تولج اللّيل في النّهار وتولج النّهار في اللّيل...}
جاء التفسير: أنه نقصان الليل يولج النهار، وكذلك النهار يولج في الليل، حتى يتناهى طول هذا, وقصر هذا.
وقوله: {وتخرج الحيّ من الميّت}, ذكر عن ابن عباس أنها البيضة: ميتة يخرج منها الفرخ حيّا، والنطفة: ميتة يخرج منها الولد). [معاني القرآن: 1/205]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تولج اللّيل في النّهار}: تنقص من الليل فتزيد في النهار، وكذلك النهار من الليل, {وتخرج الحيّ من الميّت}, أي: الطيّب من الخبيث، والمسلم من الكافر). [مجاز القرآن: 1/90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({تولج الليل في النهار}: تدخل هذا في هذا. ومنه ولجت البيت). [غريب القرآن وتفسيره: 103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({تولج اللّيل في النّهار} أي: تدخل هذا في هذا، فما زاد في واحد نقص من الآخر مثله.
{وتخرج الحيّ من الميّت} يعني: الحيوان من النّطفة والبيضة.
{وتخرج الميّت من الحيّ} يعني: النطفة والبيضة - وهما ميتتان - من الحيّ.
{وترزق من تشاء بغير حسابٍ} أي: بغير تقدير وتضييق). [تفسير غريب القرآن: 103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {تولج اللّيل في النّهار وتولج النّهار في اللّيل وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ وترزق من تشاء بغير حساب} المعنى: تدخل أحدهما في الآخر, يقال: ولج الشيء إذا دخل يلج ولوجاًوولجة، والولج والولجة شيء يكون بين يدي فناء.
فمعنى {تولج الليل في النهار}أي: تنقص من الليل, فتدخل ذلك النقصان زيادة في النهار، وتنقص من النهار, فتدخل ذلك النقصان زيادة في الليل.
{وتخرج الحيّ من الميّت}أي: تخرج الإنسان من النطفة، والطائر من البيضة، وتخرج للناس الحب الذي يعيشون به من الأرض الميتة.
{وتخرج الميّت من الحيّ} أي: تخرج النطفة من الإنسان، والبيضة من الطائر.
ومعنى {وترزق من تشاء بغير حساب} أي: بغير تقتير، وهذا مستعمل في اللغة، يقال للذي ينفق موسعاً: فلان ينفق بغير حساب، أي: يوسع على نفسه، وكأنه لا يحسب ما أنفقه إنفاقاً). [معاني القرآن: 1/394-395]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل}.
قال عبد الله بن مسعود : هو قصره في الشتاء, والصيف,
فالمعنى على هذا: تنقص من الليل , وتدخل النقصان في النهار وتنقص من النهار, وتدخل النقصان في الليل.

يقال: ولج يلج ولوجاً ولجة إذا دخل قال الراجز:
= متخذا في ضعوات تولجا). [معاني القرآن: 1/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي}
قال سلمان: أي تخرج المؤمن من الكافر, والكافر من المؤمن.
قال عبد الله بن مسعود, وسعيد بن جبير, ومجاهد, والضحاك: وهذا معنى قولهم تخرج النطفة, وهي ميتة من الرجل , وهو حي , وتخرج الرجل , وهو حي من النطفة وهي ميتة.
ثم قال تعالى: {وترزق من تشاء بغير حساب}أي: يغير تضيق, ولا تقتير, كما تقول فلان يعطي بغير حساب, كأنه لا يحسب ما يعطي). [معاني القرآن: 1/382]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{يولج}: يدخل). [ياقوتة الصراط: 186]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تولج الليل في النهار} أي: تدخل هذا في هذا، فما زاد في واحد نقص من الآخر مثله.
{وتخرج الحي من الميت} يعني الحيوان من النطفة والبيضة, {وتخرج الميت من الحي} أي: النطفة والبيضة وهما ميتان، من الحي.
وقيل: هو المؤمن من الكافر, والكافر من المؤمن).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تُولِجُ}: تدخل, {حِسَابٍ}: تضييق، تقتير). [العمدة في غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ يتّخذ المؤمنون...}
نهي، ويجزم في ذلك, ولو رفع على الخبر كما قرأ من قرأ: {لا تضارّ والدةٌ بولدها}, وقوله: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} هي أكثر كلام العرب، وقرأه القرّاء, وذكر عن الحسن ,ومجاهد أنهما قرءا "تقيّة", وكلّ صواب). [معاني القرآن: 1/205]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تقاةً}: وتقيّة واحدة). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لاّ يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}
وقال: {لاّ يتّخذ المؤمنون الكافرين} بكسر {يتّخذ} ؛ لأنه لقيته لام ساكنة, وهي نهي, فكسرته.
وقال تعالى: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقيّةً},
وقال بعضهم {تقاةً}, وكلٌّ عربي, و{تقاةٌ} أجود، مثل: "إتّكأ" "تكأةً", و"إتّخم" "تخمةً" و"إتّحف" "تحفةً"). [معاني القرآن: 1/166]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وذكر الله جلّ وعزّ بعد هذا التقديس, والتعظيم أمر المنافقين فقال:{لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء إلّا أن تتّقوا منهم تقاة ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}, القراءة بالجزم، وكسر الذال لالتقاء السّاكنين، ولو رفعت لكان وجهاً.
فقلت: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}
المعنى: أنه من كان مؤمنا فلا ينبغي أن يتخذ الكافر ولياً ؛ لأن ولي الكافر راض بكفره، فهو كافر.
قال الله جلّ وعزّ: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم}.
وقال: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض},ومعنى: {من دون المؤمنين}أي: لا يجعل ولاية لمن هو غير مؤمن، أي لا يتناول الولاية من مكان دون مكان المؤمنين، وهذا كلام جرى على المثل في المكان كما تقول: زيد دونك, فلست تريد أنه في موضع مستقل , وأنك في موضع مرتفع، ولكنك جعلت الشرف بمنزلة الارتفاع في المكان، وجعلت الخسّة كالاستقبال في المكان, فالمعنى: أن المكان المرتفع في الولاية مكان المؤمنين, فهذا بيان قوله: {من دون المؤمنين}.
ومعنى{ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء} أي : من يتول غير المؤمنين , فاللّه بريء منه.
{إلّا أن تتّقوا منهم تقاة}: و (تقيّة) قرئا جميعاً, فأباح الله جلّ وعزّ الكفر مع القصة.
والتقيّة خوف القتل، إلا أن هذه الإباحة لا تكون إلا مع سلامة النية وخوف القتل.
{ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}, معنى: (نفسه) إيّاها إلا أن النفس يستغنى بها هنا عن " إياه " وهو الكلام، وأما قوله عز وجل: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}, فممّا به خوطب العباد على قدر علمهم، ومعناه: تعلم ما عندي وما في حقيقتي, ولا أعلم ما عندك لا ما في حقيقتك.
وفي قوله: {تؤتي الملك من تشاء} أي: تؤتي الملك من تشاء أن تؤتيه، وكذلك {وتنزع الملك ممّن تشاء} أن تنزعه منه إلا أنه حذف ؛ لأن في الكلام ما يدل عليه). [معاني القرآن: 1/396-397]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}أي: لا يتولوهم في الدنيا؛ لأن المنافقين أظهروا الإيمان وعاضدوا الكفار , فقال الله عز وجل: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} , وقال: {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة}
قال ابن عباس: هو أن يتكلم بلسانه, ولا يقتل, ولا يأتي إنما ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان.
وقرأ جابر بن زيد,ومجاهد, وحميد, والضحاك: {إلا أن تتقوا منهم تقية} .
وقال الضحاك: التقية باللسان ,
والمعنى عند أكثر أهل اللغة واحد

وروى عوف عن الحسن, قال: التقية جائزة للمسلم إلى يوم القيامة غير أنه لا يجعل في القتل تقية .
ومعنى{فليس من الله شيء}: فليس من حزب الله .
وحكى سيبويه هو منى فرسخين , أي: من أصحابي .
ومعنى {من دون المؤمنين} :من مكان دون مكان المؤمنين, وهو مكان الكافرين
ويحذركم الله نفسه, والله رؤوف بالعباد, أي: يحذركم إياه). [معاني القرآن: 1/384]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والتقاة والتقية واحد، والاتقاء والتقوى، كله بمعنى واحد). [ياقوتة الصراط: 187]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يعلمه اللّه...}جزم على الجزاء, {ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض} رفع على الاستئناف؛ كما قال الله في سورة براءة {قاتلوهم يعذّبهم الله} , فجزم الأفاعيل، ثم قال: {ويتوب الله على من يشاء} رفعاً على الاستئناف, وكذلك قوله: {فإن يشأ الله يختم على قلبك}, ثم قال: {ويمح الله الباطل}, ويمح في نيّة رفع مستأنفة وإن لم تكن فيها واو؛ حذفت منها الواو كما حذفت في قوله: {سندع الزّبانية}, وإذا عطفت على جواب الجزاء, جاز الرفع , والنصب, والجزم, وأمّا قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر}, وتقرأ جزماً على العطف ومسكّنة تشبه الجزم, وهي في نية رفع تدغم الراء من يغفر عند اللام، والباء من يعذب عند الميم؛ كما يقال {أرأيت الذي يكذّب بالدّين} وكما قرأ الحسن {شهر رمضان}). [معاني القرآن: 1/206]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يوم تجد كلّ نفسٍ مّا عملت من خيرٍ مّحضراً...}, ما في مذهب الذي, ولا يكون جزاء ؛ لأن (تجد) قد وقعت على ما.
وقوله: {وما عملت من سوءٍ} , فإنك تردّه أيضا على (ما) , فتجعل (عملت) صلة لها في مذهب رفع لقوله: {تودّ لو أنّ بينها}, ولو استأنفتها فلم توقع عليها (تجد) جاز الجزاء؛ تجعل (عملت) مجزومة, ويقول في تودّ: تودّ بالنصب وتودّ, ولو كان التضعيف ظاهر لجاز تودد, وهي في قراءة عبد الله "وما عملت من سوء ودّت" , فهذا دليل على الجزم، ولم أسمع أحدا من القراء قرأها جزماً). [معاني القرآن: 1/206-207]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أمداً} : الأمد الغاية). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يوم تجد كلّ نفسٍ مّا عملت من خيرٍ مّحضراً وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوفٌ بالعباد}
قال الله تعالى: {تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً}‘؛ لأنّ "البين" ههنا ظرف وليس باسم, ولو كان اسماً لارتفع "الأمد", فإذا جئت بشيء هو ظرف للآخر, وأوقعت عليه حروف النصب, فانصب نحو قولك: "إنّ عندنا زيداً" ؛ لأن "عندنا" ليس باسم , ولو قلت: "إنّ الذي عندنا" قلت: "زيدٌ" ؛ لأن "الذي عندنا" اسم, قال: {إنّما صنعوا كيد ساحرٍ}, فجعل "إنّ" و"ما" حرفاً واحداً واعمل "صنعوا" كما تقول: "إنّما ضربوا زيداً", ومن جعل "ما" بمنزلة "الذي" يرفع الكيد). [معاني القرآن: 1/167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوف بالعباد}
ونصب: {يوم تجد كلّ نفس} بقوله: {ويحذّركم اللّه نفسه}: كأنه قال: ويحذركم اللّه نفسه في ذلك اليوم، ويجوز أن يكون نصب على قوله: {وإلى اللّه المصير يوم تجد كل نفس}، والقول الأول أجود). [معاني القرآن: 1/397]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:{قل إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه ويغفر لكم ذنوبكم واللّه غفور رحيم}
القراءة بضم التاء، ويجوز في اللغة: {تحبّون}, ولكن الأكثر {تحبّون}؛ لأن حببت قليلة في اللغة , وزعم الكسائي أنها لغة قد ماتت فيما يحسب.
ومعنى {تحبّون اللّه}أي: تقصدون طاعته, وترضون بشرائعه, والمحبة على ضروب، فالمحبة من جهة الملاذ في المطعم, والمشرب, والنساء.
والمحبة من اللّه؛ لخلقه عفوه عنهم, وإنعامه عليهم برحمته, ومغفرته , وحسن الثناء عليهم، ومحبة الإنسان للّه ولرسوله طاعته لهما , ورضاه بما أمر اللّه به، وأتى به رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله جلّ وعزّ: {يغفر لكم ذنوبكم}
القراءة بإظهار الراء مع اللام، وزعم بعض النحويين: أن الراء تدغم مع اللام فيجوز, ويغفر لكم, وهذا خطأ فاحش, ولا أعلم أحدا قرأ به غير أبي عمرو بن العلاء، وأحسب الذين رووا, عن أبي عمرو إدغام الراء في اللام غالطين.
وهو خطأ في العربية ؛ لأن اللام تدغم في الراء، والنون تدغم في الراء نحو: (قولك) هل رأيت، ومن رأيت, ولا تدغم الراء في اللام إذا قلت: مر لي بشيء؛ لأن الراء حرف مكرر , فلو أدغمت في اللام ذهب التكرير.
وهذا إجماع النحويين الموثوق بعلمهم). [معاني القرآن: 1/397-398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}
والمحبة في كلام العرب على ضروب منها: الحبة في الذات, والمحبة من الله لعباده: المغفرة, والرحمة, والثناء عليها, والمحبة من عباده له: القصد لطاعته, والرضا لشرائعه). [معاني القرآن: 1/384]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فإن تولّوا}، في هذا الموضع: فإن كفروا). [مجاز القرآن: 1/90]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قل أطيعوا اللّه والرّسول فإن تولّوا فإنّ اللّه لا يحبّ الكافرين}أي: أظهروا محبّتكم للّه إن كنتم تحبّونه بطاعته, واتباع رسوله,
ومعنى {فإن تولّوا فإنّ اللّه لا يحبّ الكافرين}
أي: فإن اللّه لا يحبهم، لأن من تولى عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد تولى عن الله.
ومعنى {لا يحب الكافرين}: لا يغفر لهم, ولا يثني عليهم خيراً). [معاني القرآن: 1/398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}المعنى: لا يحبهم, ثم أعاد الذكر, وكذلك فإن الله, ولم يقل: فإنه, والعرب إذا عظمت الشيء, أعادت ذكره, وأنشد سيبويه:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء = نغص الموت ذا الغنى والفقيرا). [معاني القرآن: 1/384-185]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 33 إلى 41]

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين...}
يقال: اصطفى دينهم على جميع الأديان؛ لأنهم كانوا مسلمين، ومثله مما أضمر فيه شيء, فألقي قوله: {واسأل القرية التي كنا فيها}). [معاني القرآن: 1/207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه عام يراد به خاص:
كقوله سبحانه حكاية عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، وحكاية عن موسى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}ولم يرد كل المسلمين والمؤمنين، لأن الأنبياء قبلهما كانوا مؤمنين ومسلمين، وإنما أراد مؤمني زمانه ومسلميه.
وكقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}، ولم يصطفهم على محمد صلّى الله عليه وسلم ولا أممهم على أمّته، ألا تراه يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وإنما أراد عالمي أزمنتهم.
وكقوله سبحانه: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}، وإنما قاله فريق من الأعراب.
وقوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] ولم يرد كل الشعراء.
ومنه قوله سبحانه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، وإنما قاله نعيم بن مسعود لأصحاب محمد، صلّى الله عليه وسلم إنّ النّاس قد جمعوا لكم، يعني: أبا سفيان، وعيينة بن حصن، ومالك بن عوف). [تأويل مشكل القرآن:281-282] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}
معنى اصطفاهم في اللغة: اختارهم, أي: جعلهم صفوة خلقه، وهذا تمثيل بما يرى؛ لأن العرب تمثل المعلوم بالشيء المرئي، وإذا سمع السامع ذلك المعلوم , كان عنده بمنزلة ما يشاهده عياناً, فنحن نعين الشيء الصافي أنه النقي من الكدر، فكذلك صفوة اللّه من خلقه، وفيه ثلاث لغات: صفوة, وصفوة, وصفوة, وهم من لا دنس فيهم من جهة من الجهات في الدّين, والخيريّة.
وقيل في معنى اصطفاهم قولان:
1- قال قوم: اصطفى دينهم, أي: اختاره على سائر الأديان؛ لأن دين هؤلاء الجماعة: الإسلام، وقال اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام}

2- وقال قوم: اصطفى آدم بالرسالة إلى الملائكة, وإلى ولده, واصطفى نوحاً, وإبراهيم, وآله بالرّسالة، ألا ترى قوله عزّ وجلّ: {يا آدم أنبئهم بأسمائهم}, فأمره اللّه تعالى أن ينبئ عنه ملائكته، وآل عمران هم آل إبراهيم). [معاني القرآن: 1/398-399]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}
قال أهل التفسير، المعنى: على عالم أهل زمانهم, ومعنى {اصطفى}: اختار, وهذا تمثيل؛ لأن الشيء الصافي هوالنقي من الكدر , فصفوة الله عز وجل هم الأنقياء من الدنس ذوو الخير والفضل). [معاني القرآن: 1/385]

تفسير قوله تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (ثم قال: {ذرية بعضها من بعضٍ}, فنصب الذرّية على جهتين؛
إحداهما: أن تجعل الذرّية قطعاً من الأسماء قبلها؛ لأنهن معرفة,
2- وإن شئت نصبت على التكرير، اصطفى ذرّية بعضها من بعض، ولو استأنفت
, فرفعت , كان صواباً). [معاني القرآن: 1/207]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ذرّيّةً بعضها من بعضٍ واللّه سميعٌ عليمٌ}, قال تعالى: {ذرّيّةً بعضها من بعضٍ} , فنصبه على الحال, ويكون على البدل على قوله: {إنّ اللّه اصطفى آدم}). [معاني القرآن: 1/167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ذرّيّة بعضها من بعض واللّه سميع عليم}, المعنى: اصطفى ذرية بعضها من بعض, فيكون نصب {ذرّيّة} على البدل، وجائزاً أن ينصب على الحال, المعنى: واصطفاهم في حال كون بعضهم من بعض,
و {ذرّيّة}, قال النحويون: هي فعليّة من الذر، لأن اللّه أخرج الخلق من صلب آدم كالذر، {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى},
وقال بعض النحويين: {ذرّيّة}, أصلها: ذرورة على وزن فعولة, ولكن التضعيف لمّا كثر أبدل من الراء الأخيرة, فصارت ذروية , ثم أدغمت الواو في الياء, فصارت ذرّيّة,
والقول الأول أقيس, وأجود عند النحويين).
[معاني القرآن: 1/399-400]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً...}, لبيت المقدس: لا أشغله بغيره). [معاني القرآن: 1/207]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إذ قالت امرأة عمران} معناها: قالت امرأة عمران.
{محرّراً}, أي: عتيقاً لله، أعتقته, وحرّرته واحد). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال تعالى: {إذ قالت امرأت عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً}, فقوله: {محرّراً} على الحال). [معاني القرآن: 1/167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({محررا}: عتيقا لله، وقالوا خادما للبيعة في التفسير). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إذ قالت امرأت عمران}, أي: قالت, و{إذ} تزاد في الكلام على ما بينت في «تأويل المشكل».
{محرّراً}, أي: عتيقاً لله عز وجل. تقول: أعتقت الغلام وحرّرته، سواء, وأرادت: إني نذرت أن أجعل ما في بطني محرّراً من التّعبيد للدنيا، ليعبدك , ويلزم بيتك). [تفسير غريب القرآن: 103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إذ قالت امرأت عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرا فتقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم}
قال أبو عبيدة: معناه :{قالت امرأة عمران}, و " إذ " لغو , وكذلك:{وإذ قالت الملائكة يا مريم}, قال معناه: وقالت: ولم يصنع أبو عبيدة في هذا شيئاً.
قال جميع النحويين: إن (إذ) يدل على ما مضى من الوقت, فكيف يكون الدليل على ما مضى من الوقت لغواً, وهي اسم مع ما بعدها,
وقال غير أبي عبيدة منهم أبو الحسن الأخفش، وأبو العباس محمد بن يزيد، المعنى: اذكروا إذ قالت امرأة عمران.

والمعنى عندي - واللّه أعلم -: غير ما ذهبت إليه هذه الجماعة , وإنما العامل في {إذ قالت}, معنى الاصطفاء , المعنى- واللّه أعلم - واصطفى آل عمران {إذ قالت امرأت عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرا}, واصطفاهم {إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك}, فذكر اصطفاك يدل على ما وصفنا, ومعنى نذرت: يدل على ما وصفنا.
ومعنى {نذرت لك ما في بطني محرّراً}, أي: جعلته خادماً يخدم في متعبّداتنا، وكان ذلك جائزاً لهم، وكان على أولادهم فرضاًأن يطيعوهم في نذرهم، فكان الرجل ينذر في ولده أن يكون خادماً في متعبّده, ولعبّادهم، ولم يكن ذلك النذر في النّساء, إنما كان ذلك في الذكورة، فلمّا ولدت امرأة عمران مريم قالت: {ربّ إنّي وضعتها أنثى} , وليست الأنثى مما يصلح للنذر، فجعل الله عزّ وجلّ من الآيات في مريم لما أراده اللّه من أمر عيسى أن جعلها متقبّلة في النذر, فقال عزّ وجلّ: {فتقبّلها ربّها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفّلها زكريّا كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب}). [معاني القرآن: 1/400-401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا}, روى خصيف عن مجاهد , وعكرمة: أن المحرر الخالص لله عز وجل, لا يشوبه شيء من أمر الدنيا, وهذا معروف في اللغة أن يقال: لكل ما خلص حر, ومحرر بمعناه, قال ذو الرمة:
والقرط في حرة الذفرى معلقة = تباعد الحبل منه فهو يضطرب). [معاني القرآن: 1/385-186]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( (محررا): معتقا معدا لطاعتك في بيت المقدس). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({محرراً} , أي: عتيقا لله، خالصاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مُحَرَّراً}: عتيقا لله خادم البيعة). [العمدة في غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واللّه أعلم بما وضعت...}, قد يكون من إخبار مريم فيكون{والله أعلم بما وضعت} يسكن العين، وقرأ بها بعض القراء، ويكون من قول الله تبارك وتعالى، فتجزم التاء؛ لأنه خبر عن أنثى غائبة). [معاني القرآن: 1/207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى}، وكان النذر في مثل هذا يقع للذكور, ثم قالت: {وليس الذّكر كالأنثى}, فقول اللّه عز وجل: {واللّه أعلم بما وضعت} , في قراءة من قرأ بجزم التاء, وفتح العين مقدّم، ومعناه التأخير. كأنه: إني وضعتها أنثى، وليس الذكر كالأنثى، واللّه أعلم بما وضعت.
ومن قرأه {واللّه أعلم بما وضعت} بضم التاء ؛ فهو كلام متصل من قول أم مريم عليها السلام). [تفسير غريب القرآن: 104]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى}
قال ابن عباس: إنما قالت هذا ؛ لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكور, فقبل الله مريم). [معاني القرآن: 1/386]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى}
في الكلام تقديم وتأخير, والمعنى: قالت ربي إني وضعتها أنثى, ولبس الذكر كالأنثى , فقال الله عز وجل: {والله أعلم بما وضعت}
وقرأ أبو الرجاء, وإبراهيم النخعي, وعاصم :{والله أعلم بما وضعت}, فعلى هذه القراءة, ليس في الكلام تقديم ولا تأخير.
وقوله تعالى: {وكفلها زكريا}
قال قتادة: كانت مريم بنت عمران -إمامهم وسيدهم-, فقارعوا عليها سهامهم, فخرج سهم زكريا, فكفلها, أي: ضمها إليه.
وفي الحديث: (( كافل اليتيم له كذا))
وقال الحسن: قبلها, وتحملها .
وقال أبو عبيدة: معنى كفلها ضمها, أو ضمن القيام بها). [معاني القرآن: 1/387-388]

تفسير قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وكفّلها زكريّا...}, من شدّد جعل زكريا في موضع نصب؛ كقولك: ضمّنها زكريا، ومن خفف الفاء جعل زكرياء في موضع رفع, وفي زكريا ثلاث لغات: القصر في ألفه، فلا يستبين فيها رفع ولا نصب ولا خفض، وتمدّ ألفه فتنصب وترفع بلا نون؛ لأنه لا يجري، وكثير من كلام العرب أن تحذف المدّة والياء الساكنة , فيقال: هذا زكريّ قد جاء, فيجري؛ لأنه يشبه المنسوب من أسماء العرب). [معاني القرآن: 1/208]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فتقبّلها ربّها بقبول حسنٍ}: أولاها.
{وكفلها زكريّاء}، أي: ضمّها، وفيها لغتان: كفلها يكفل, وكفلها يكفل.
{المحراب}: سيّد المجالس, ومقدّمها, وأشرفها، وكذلك هو من المساجد.
{أنّى لك هذا}، أي: من أين لك هذا، قال الكميت بن زيد:
أنّي ومن أين آبك الطّرب= من حيث لا صبوةٌ ولا ريب). [مجاز القرآن: 1/91]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتاً حسناً وكفّلها زكريّا كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللًّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ}
قال تعالى: {فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتاً حسناً وكفّلها زكريّا},
وقال بعضهم :{وكفلها زكرياء} , و{كفلها زكريّا}أيضاً وبه نقرأ, وهما لغتان,
وقال بعضهم: {وكفلها زكرياء} بكسر الفاء, ومن قال: "كفل", قال: "يكفل", ومن قال: "كفل" , قال: "يكفل", وأما "كفل" فلم أسمعها ,وقد ذكرت.

وقال تعالى: {يرزق من يشاء بغير حسابٍ} , فهذا مثل كلام العرب "يأكل بغير حسابٍ" , أي: لا يتعصّب عليه ولا يضيّق عليه. و{سريع الحساب}, و{أسرع الحاسبين} , يقول: ليس في حسابه فكر, ولا روية , ولا تذّكر). [معاني القرآن: 1/167-168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وكفلها زكريا}: ضمها.
{أنى لك هذا}: من أين لك هذا). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وكفّلها زكريّا}: ضمّها إليه, و{المحراب}: الغرفة, وكذلك روى في التفسير: أن زكريا كان يصعد إليها بسلّم.
والمحراب أيضاً: المسجد, قال: {يعملون له ما يشاء من محاريب}، أي: مساجد.
وقال أبو عبيدة: المحراب سيد المجالس , ومقدمها, وأشرفها، وكذلك هو من المسجد.
{أنّى لك هذا} , أي: من أين لك هذا؟). [تفسير غريب القرآن: 104]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({فتقبّلها ربّها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفّلها زكريّا كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب}
الأصل في العربية: بتقبّل حسن، ولكن قبول محمول على قوله قبلها قبولاً حسناً, يقال: قبلت الشيء قبولاً حسناً، ويجوز: قبولاً إذا رضيته.
وقبلت الريح قبولاً, وهي تقبل، وقبلت بالرجل أقبل قبالة، أي: كفلت به، وقد روى: قبلت بالرجل في معنى: كفلت به على مثال: فعلت، ويقال: سقى فلان إبله قبلاً, أي : صب الماء في الحوض , وهي تشرب منه, فأصابها، وكل ما عاينت, قلت فيه أتاني قبلاً, أي: معاينة، وكل ما استقبلك فهو قبل بالفتح.
وتقول: لا أكملك إلى عشر من ذي قبل وقبل، المعنى: قبل إلى عشر مما نشاهده من هذه الأيام، ومعنى " قبل " عشر نستقبلها، ويقال: قبلت العين تقبل قبلاً إذا أقبل النظر على الأنف.
وقوله عزّ وجلّ: {أو يأتيهم العذاب قبلا}, وقبلا وقبلا: كله جائز، فمن قرأ: (قبلاً) , فهو جمع قبيل , وقبل مثل: رغيف, ورغف، المعنى: أو يأتيها العذاب ضروباً, ومن قرأ:( قبلا ), بالكسر, فالمعنى: أو يأتيهم العذاب معاينة، ومن قرأ: (قبلا) بالفتح فالمعنى: أو يأتيهم العذاب مقابلا، والقبلة: جمع قبل شبيهة بالفلكة، أي: بفلكة المغزل تكون في القلادة.
ومعنى{وأنبتها نباتا حسناً}, أي: جعل نشوءها نشوءاً حسناً, وجاء ( نباتاً) على غير لفظ أنبت، على معنى: نبت نباتاً حسناً,
وقوله عزّ وجلّ: {وكفّلها زكريّا}, في هذا غير وجه،
1- يجوز: (وكفّلها زكريّاء) بالمدّ ,
2- كلّما دخل عليها زكريّاء, {وكفّلها زكريّا} بالقصر ,
3- {كلّما دخل عليها زكريّا} بالقصر.

وفي {زكريّا} ثلاث لغات هي المشهورة المعروفة: زكرياء بالمد, وزكريا بالقصر غير منون في الجهتين جميعاً, وزكريّ بحذف الألف معرب منون, فإما ترك صرفه؛ فلأن في آخره ألفى التأنيث في المد, وألف التأنيث في القصر،
وقال بعض النحويين: إنه لم يصرف؛ لأنّه أعجميّ، وما كانت فيه ألف التأنيث, فهو سواء في العربية والعجمية؛ لأن ما كان أعجمياً, فهو يتصرف في النكرة،
ولا يجوز أن: تصرف الأسماء التي فيها ألف التأنيث في معرفة ولا نكرة ؛ لأن فيها علامة التأنيث, وأنها مصوغة مع الاسم صيغة واحدة، فقد فارقت هاء التأنيث, فلذلك لم تصرف في النكرة.

ويجوز (كفلها زكرياء) بنصب زكرياء، ويجوز في هذا الموضوع (زكريا) بالقصر، فمن قرأ:(كفّلها زكريّاء), رفعه بفعله، فالمعنى: فيما ذكر أبو عبيدة ضمنها، ومعناه: في هذا ضمن القيام بأمرها.
ومن قرأ (كفلها زكرياء) بالنصب, فالمعنى: وكفلها اللّه زكرياء، وأما اللغة الثالثة: فلا تجوز في القرآن؛ لأنها مخالفة المصحف، وهي كثيرة في كلام العرب.
وقوله جلّ وعزّ: {كلّما دخل عليها زكريّا المحراب}, القصر؟, والمد في زكريا, والقراءة بهما كثيرة كما وصفنا, و (المحراب): أشرف المجالس والمقدم فيها، وقد قيل: إن مساجدهم كانت تسمى: المحاريب، والمحراب في اللغة: الموضع العالي الشريف.
قال الشاعر:
ربّة محراب إذا جئتها= لم ألقها أو ارتقى سلما
ومنه قوله عزّ ونجل:{وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب}, ونصب كلّما بقوله: {وجد}, أي: يجد عندها الرزق في كل وقت يدخل عليها المحراب, فيكون ما مع دخل بمنزلة الدخول, أي: كل وقت دخول.
وقوله عزّ وجلّ {قال يا مريم أنّى لك}, أي: من أين لك هذا؟
{هذا قالت هو من عند اللّه},وإنما سأل زكريا عن الرزق؛ لأنه خاف أن يأتيها من غير جهته, فتبين عنده أنه من عند اللّه، وذلك من آيات مريم، قال اللّه تبارك وتعالى: {وجعلناها وابنها آية للعالمين} , فمن آياتها:
1- أنها أول امرأة قبلت في نذر في المتعبد.
2- ومنها أن اللّه أنشأ فيها عيسى - عليه السلام - من كلمة ألقاها إليها.
3- ومنها أن اللّه عزّ وجلّ غذاها برزق من عنده لم يجره على يد عبد من عبيده.
وقد قيل في التفسير: أنّها لم تلقم ثدياً قط.

ومعنى (إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب), أي: بغير تقتير،و {حساب}:
إ
ن شئت فتحت الألف, وألزمتها جهة الفتح،
وإن شئت أملتها إلى الكسر، لانكسار الحاء، وذلك كثير في لغة العرب).
[معاني القرآن: 1/401-404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {كلما دخل عليها زكريا الحراب وجد عندها رزقاً}
المحراب في اللغة: المكان العالي, ويستعمل لأشرف المواضع , وإن لم يكن عالياً إلا أنه روي: أن زكريا كان يصعد إليها بسلم.
ومعنى {وجد عندها رزقاً} على قول مجاهد: وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف , وفاكهة الصيف في الشتاء). [معاني القرآن: 1/388-389]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قال يا مريم أنى لك هذا}
قال أبو عبيدة: المعنى: من أين لك ؟, وهذا القول فيه تساهل؛ لأن أين سؤال عن المواضع, وأنى سؤال عن المذاهب, والجهات, والمعنى: من أي المذاهب, ومن أي الجهات لك هذا, وقد فرق الكميت بينهما , فقال:
أنى ومن أين آبك الطرب = من حيث لا صبوة ولا ريب
{قالت هو من عند الله}: من قبل الله, {إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}, أي: بغير تقتير). [معاني القرآن: 1/389-390]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({وكفلها}: ضمها، وكفلها كضمنها). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وكَفَّلَهَا}: ضمها, {أَنَّى لَكِ هَذَا}: من أين لك هذا؟). [العمدة في غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {هب لي من لّدنك ذرّيّةً طيّبةً...}, الذرّية جمع، وقد تكون في معنى واحد. فهذا من ذلك؛ لأنه قد قال: {فهب لي من لدنك ولياً}, ولم يقل أولياء, وإنما قيل "طيبة" , ولم يقل طيباً؛ لأن الطيبة أخرجت على لفظ الذرّية , فأنثت لتأنيثها، ولو قيل ذرّية طيباً, كان صواباً, ومثله من كلام العرب قول الشاعر:
أبوك خليفةٌ ولدته أخرى = وأنت خليفة ذاك الكمال
فقال (أخرى) لتأنيث اسم الخليفة، والوجه أن تقول: ولده آخر, وقال آخر:
فما تزدري من حيّة جبليّةٍ = سكاتٍ إذا ما عضّ ليس بأدردا
فقال: جبليّة، فأنّث لتأنيث اسم الحيّة، ثم ذكّر إذ قال: إذا ما عضّ , ولم يقل: عضّت, فذهب إلى تذكير المعنى, وقال الآخر:
تجوب بنا الفلاة إلى سعيدٍ= إذا ما الشّاة في الأرطاة قالا
ولا يجوز هذا النحو إلا في الاسم الذي لا يقع عليه فلان؛ مثل: الدابّة, والذرّية, والخليفة؛ فإذا سميت رجلاً بشيء من ذلك فكان في معنى فلان, لم يجز تأنيث فعله ولا نعته, فتقول في ذلك: حدّثنا المغيرة الضّبيّ، ولا يجوز الضّبيّة, ولا يجوز أن تقول: حدّثتنا؛ لأنه في معنى فلان, وليس في معنى فلانة, وأمّا قوله:
وعنترة الفلحاء جاء ملأّماً = كأنّه فندٌ من عماية أسود
فإنه قال: الفلحاء, فنعته بشفته, قال: وسمعت أبا ثروان يقول لرجل من ضبّة, وكان عظيم العينين: هذا عينان قد جاء، جعله كالنعت له, وقال بعض الأعراب لرجل أقصم الثنيّة: قد جاءتكم القصماء، ذهب إلى سنّه). [معاني القرآن: 1/208-209]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({هنالك دعا زكريّا ربّه قال ربّ هب لي من لّدنك ذرّيّةً طيّبةً إنّك سميع الدّعاء}
قال الله تعالى: {ربّ هب لي من لّدنك ذرّيّةً طيّبةً}؛ لأن النون في "لدن" ساكنة مثل: نون "من", وهي تترك على حال جزمها في الإضافة ؛ لأنها ليست من الأسماء التي تقع عليها الحركة، ولذلك قال: {من لدنّا}، وقال تعالى: {من لدن حكيمٍ عليمٍ}, فتركت ساكنة.
وقال تعالى: {إنّك سميع الدّعاء}, مثل "كثير الدّعاء"؛ لأنه يجوز فيه الألف واللام تقول: "أنت السّميع الدّعاء", ومعناه: "إنّك مسموع الدّعاء", أي: "إنّك تسمع ما يدعى به"). [معاني القرآن: 1/168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {هنالك دعا زكريّا ربّه قال ربّ هب لي من لدنك ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء}
{زكريا} بالمدّ والقصر على ما وصفنا, المعنى: عند ذلك دعا زكريا ربّه، أي: عندما صادف من أمر مريم، ثم سأل اللّه أن يرزقه ذرية طيبة.
و {هنالك} في موضع نصب؛ لأنه ظرف يقع من المكان والأحوال: أحوال الزّمان.
والمعنى في ذلك المكان من الزمان , ومن الحال دعا زكريا ربه كما تقول: من هنا قلت: كذا وكذا، ومن هنالك قلت: كذا وكذا أي: من ذلك الوجه , وتلك الجهة، وهذا في غير المكان على المثل جرى, وكسر لام (هنالك) وقع لالتقاء الساكنين؛ لأنّ هنالك إشارة إلى مكان متراخ، أو حال من أحوال الزمان نسبتها إلى المكان وقال: (طيبة) للفظ ذرية.
و (هنالك) لا يجب أن يعرف في رفع, ولا جر؛ لأنه في الإشارة إلى المكان بمنزلة الإشارة في هذا وهذاك إلى سائر الأشياء, فهو مضارع للحروف التي جاءت لمعنى). [معاني القرآن: 1/404]

تفسير قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فنادته الملائكة...}, يقرأ بالتذكير , والتأنيث, وكذلك فعل الملائكة , وما أشبههم من الجمع: يؤنّث ويذكّر, وقرأت القراء: {يعرج الملائكة}, { وتعرج}, و{تتوفاهم}, و{يتوفاهم الملائكة}, وكل صواب.
فمن ذكّر ذهب إلى معنى التذكير، ومن أنّث , فلتأنيث الاسم، وأن الجماعة من الرجال, والنساء, وغيرهم يقع عليه التأنيث. والملائكة في هذا الموضع جبريل صلّى الله عليه وسلم وحده, وذلك جائز في العربيّة: أن يخبر عن الواحد بمذهب الجمع؛ كما تقول في الكلام: خرج فلان في السفن، وإنما خرج في سفينة واحدة، وخرج على البغال، وإنما ركب بغلاً واحداص, وتقول: ممّن سمعت هذا الخبر؟, فيقول: من الناس، وإنما سمعه من رجل واحد, وقد قال الله تبارك وتعالى: {وإذا مسّ النّاس ضرّ}، {وإذا مسّ الإنسان ضر}, ومعناهما, والله أعلم واحد: وذلك جائز فيما لم يقصد فيه قصد واحدٍ بعينه.

وقوله: {وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه} تقرأ بالكسر, والنصب فيها أجود في العربيّة فمن فتح (أنّ) أوقع النداء عليها؛ كأنه قال: نادوه بذلك أن الله يبشرك, ومن كسر قال: النداء في مذهب القول، والقول حكاية, فاكسر إنّ بمعنى الحكاية, وفي قراءة عبد الله: {فناداه الملائكة وهو قائم يصلّي في المحراب يا زكريا إن الله يبشرك}, فإذا أوقع النداء على منادىً ظاهر مثل(يا زكريا) , وأشباهه كسرت (إن) ؛ لأن الحكاية تخلص، إذا كان ما فيه (يا) ينادى بها، لا يخلص إليها رفع ولا نصب؛ ألا ترى أنك تقول: يا زيد إنك قائم، ولا يجوز يا زيد أنك قائم. وإذا قلت: ناديت زيداً أنه قائم فنصبت (زيداَ) بالنداء , جاز أن توقع النداء على (أنّ) كما أوقعته على زيد.
ولم يجز أن تجعل إنّ مفتوحة إذا قلت يا زيد؛ لأن زيدا لم يقع عليه نصب معروف. وقال في طه: {فلّما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك}, فكسرت (إني), ولو فتحت كان صواباً من الوجهين؛ أحدهما أن تجعل النداء واقعا على (إنّ) خاصّة لا إضمار فيها، فتكون (أنّ) في موضع رفع. وإن شئت جعلت في (نودي) اسم موسى مضمراً, وكانت (أنّ) في موضع نصب تريد: بأني أنا ربك. فإذا خلعت الباء نصبته, فلو قيل في الكلام: نودي أن يا زيد , فجعلت أن يا زيد هو المرفوع بالنداء, كان صواباً, كما قال الله تبارك وتعالى: {وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدّقت الرؤيا}, فهذا ما في النداء إذا أوقعت (إن), قيل: يا زيد، كأنك قلت: نودي بهذا النداء إذا أوقعته على اسم بالفعل فتحت أن وكسرتها, وإذا ضممت إلى النداء الذي قد أصابه الفعل اسماً منادىً , فلك أن تحدث (أن) معه , فتقول: ناديت أن يا زيد، فلك أن تحذفها من (يا زيد), فتجعلها في الفعل بعده ثم تنصبها, ويجوز الكسر على الحكاية.

ومما يقوّى مذهب من أجاز : {إن الله يبشرك} بالكسر على الحكاية قوله: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك} , ولم يقل: أن ليقض علينا ربك, فهذا مذهب الحكاية,
وقال في موضع آخر: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا}, ولم يقل: أفيضوا، وهذا أمر, وذلك أمر؛ لتعلم أن الوجهين صواب, و{يبشرك} قرأها بالتخفيف أصحاب عبد الله في خمسة مواضع من القرآن: في آل عمران حرفان، وفي بني إسرائيل، وفي الكهف، وفي مريم, والتخفيف والتشديد صواب, وكأنّ المشدّد على بشارات البشراء، وكأن التخفيف من وجهة الإفراح والسرور, وهذا شيء كان المشيخة يقولونه, وأنشدني بعض العرب:

بشرت عيالي إذ رأيت صحيفةً = أتتك من الحجّاج يتلى كتابها
وقد قال بعضهم: أبشرت، ولعلّها لغة حجازيّة, وسمعت سفيان بن عيينة يذكرها يبشر, وبشرت لغة سمعتها من عكل، ورواها الكسائيّ عن غيرهم.
وقال أبو ثروان: بشرني بوجه حسن, وأنشدني الكسائيّ:

وإذا رأيت الباهشين إلى العلى = غبرا أكفّهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به = وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
وسائر القرآن يشدّد في قول أصحاب عبد الله, وغيرهم). [معاني القرآن: 1/210-212]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يبشّرك بيحيى مصدّقاً} , نصبت (مصدّقاً), لأنه نكرة، ويحيى معرفة.
وقوله: {بكلمة} يعني: مصدّقاً بعيسى.

وقوله: {وسيّداً وحصوراً ونبيّاً}, مردودات على قوله: مصدّقاً, ويقال: إن الحصور: الذي لا يأتي النساء). [معاني القرآن: 1/212-213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يبشّرك}، {يبشرك}, واحد.
{بكلمةٍ من الله}, أي: بكتاب من الله؛ تقول العرب للرجل: أنشدني كلمة كذا وكذا، أي: قصيدة فلان وإن طالت.
{وحصوراً}, الحصور له غير موضع, والأصل واحد؛ وهو الذي لا يأتي النساء، والذي لا يولد له، والذي يكون مع النّدامى , فلا يخرج شيئاً، قال الأخطل:
وشاربٍ مربحٍ للكأس نادمنى= لا بالحصور ولا فيها بسوّار
الذي لا يساور جليسه كما يساور الأسد؛ والحصور: أيضاً الذي لا يخرج سرّا أبداً، قال جرير:
ولقد تسقّطنى الوشاة فصادفوا= حصراً بسرّك يا أميم ضنينا). [مجاز القرآن: 1/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقاً بكلمةٍ مّن اللّه وسيّداً وحصوراً ونبيّاً مّن الصّالحين} , قال تعالى: {فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك} ؛ لأنه كأنه قال: {نادته الملائكة} ,فقالت: {إنّ اللّه يبشّرك}, وما بعد القول حكاية.
وقال بعضهم {أنّ اللّه} يقول: "فنادته الملائكة بذلك ",
وقال تعالى: {بيحيى مصدّقاً بكلمةٍ مّن اللّه وسيّداً وحصوراً}, وقوله: {وسيّداً وحصوراً} معطوف على "مصدّقاً" على الحال).
[معاني القرآن: 1/168-169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({سيدا}: قال السيد الحكيم في التفسير.
{والمحصور}:الذي لا يأتي النساء). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وسيّداً وحصوراً}, قال ابن عيينة: «السيد: الحليم», وقال هو: «الحصور: الذي لا يأتي النساء», وهو «فعول» بمعنى «مفعول»؛ كأنه محصور عنهن، أي: مأخوذ محبوس عنهن. وأصل الحصر: الحبس, ومثله مما جاء فيه «فعول» بمعنى «مفعول»: ركوب بمعنى: مركوب، وحلوب بمعنى: محلوب, وهيوب بمعنى مهيب). [تفسير غريب القرآن: 104-105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقا بكلمة من اللّه وسيّدا وحصورا ونبيّا من الصّالحين}
{فنادته الملائكة} , و (فناداه الملائكة), الوجهان جميعاً جائزان؛ لأن الجماعة يلحقها اسم التأنيث؛ لأن معناها معنى جماعة,
ويجوز أن: يعبر عنها بلفظ التذكيركما يقال: جمع الملائكة.

ويجوز أن: تقول نادته الملائكة, وإنما ناداه جبرائيل وحده؛ لأن المعنى أتاه النداء من هذا الجنس، كما نقول: ركب فلان في السفن، وإنما ركب سفينة واحدة، تريد بذلك جعل ركوبه في هذا الجنس.
ويجوز (أن اللّه يبشرك), (إن اللّه يبشرك) بفتح إن, وكسرها,
فمن فتح؟, فالمعنى: نادته بأن اللّه يبشرك, أي: نادته بالبشارة.
ومن كسر أراد, قالت الملائكة: إن اللّه يبشرك, و (إنّ) بعد القول أبداً مكسورة.

وفي {يبشرك} ثلاث لغات: {إنّ اللّه يبشّرك}
بفتح الباء,
وتشديد الشين, وهي قراءة كثيرة جداً, ويبشرك - بإسكان الباء وضم الشين-, وقرأ حميد وحده { يبشرك} بضم الياء, وإسكان الباء, وكسر الشين، فمعنى: يبشرك.

ويبشرك: البشارة، ومعنى يبشرك يسرك ويفرحك. يقال بشرت الرجل أبشره وأبشره إذا أفرحته، ويقال بشر الرجل يبشر.
وأنشد الأخفش, والكسائي,وجماعة من النحويين:
وإذا لقيت الباهشين إلى الندا= غبرا أكفّهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به= وإذا هم نزلوا بضنك فأنزل
فهذا على بشر يبشر إذا فرح، وأصل هذا كله من أنّ بشرة الإنسان تنبسط عند السرور، ومن هذا قولهم: فلان يلقاني ببشر، أي : بوجه منبسط.
ويحيى: اسم سماه الله تعالى تولى هو - عزّ وجلّ - ذلك, ولم يسم أحد قبل يحيى بيحيى، ويحيى لا يتصرف عربياً كان, أو أعجميّاً, لأنّه إن كان أعجمياً, فقد اجتمع فيه العجمة, والتعريف: ولو كان عربياً, لم ينصرف لشبهه بالفعل, وأنه معرفة علم.
ونصب {مصدقا} على الحال.
ومعنى {مصدّقا بكلمة من اللّه} ,أي: يصدّق بأمر عيسى؛ لأن يحيى فرض عليه - وإن كان يحيى أسن من عيسى - اتباع عيسى.
ومعنى {سيّدا وحصورا}: السيّد الذي يفوق في الخير قومه، ومعنى {حصورا} أي: لا يأتي النساء، وإنما قيل للذي لا يأتي النساء حصور؛ لأنه حبس عما يكون من الرجال، كما يقال في الذي لا يتيسر له الكلام قد حصر في منطقه، والحصور: الذي لا ينفق على النّدامى، وهو ممن يفضلون عليه.
قال الشاعر:
وشارب مربح بالكأس نادمني= لا بالحصور ولا فيها بسوار
ويروى: ولا فيها بسئار، أني نادمني, وهو كريم منفق على الندامي، والسؤار المعربد يساور نديمه , أي: يثب عليه، والسار الذي يفضل في إنائه إذا شرب.
والحصور: الذي يكتم السر، أي: يحبس السر في نفسه, قال جرير:
ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا= حصراً بسرك يا أميم ضنينا
والحصير: هذا المرمول الذي يجلس عليه، إنما سمي حصيراً؛ لأنه دوخل بعضه في بعض في النسيج, أي: حبس بعضه على بعض.
ويقال للسجن الحصير؛ لأنّ الناس يحصرون فيه، ويقال: حصرت الرجل إذا حبسته، وأحصره المرض إذا منعه من السير، والحصير: الملك, وقول اللّه - جل وعلا: {وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا}, أي: حبساً.
ويقال : أصاب فلاناً حصرإذا احتبس عليه بطنه، ويقال في البول: أصابه أسر إذا احتبس عليه بوله.
ومعنى {من الصّالحين}: الصالح الذي يؤدي إلى اللّه ما عليه , ويؤدي إلى الناس حقوقهم). [معاني القرآن: 1/405-407]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فنادته الملائكة}, روي أن جبريل هو الذي ناده وحده, وهذا لا يمتنع في اللغة كما تقول: ركب فلان السفن, وإنما ركب سفينة واحدة, أي: ركب هذا الجنس). [معاني القرآن: 1/390]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {مصدقا بكلمة من الله}, قال ابن عباس: صدق بعيسى, وقال الضحاك: بشر بعيسى, ومعنى بشرته: أظهرت في بشرته السرور .
فإن قيل: فما معنى تسمية عيسى بالكلمة ؟, ففي هذا أقوال:
أحدهما: أنه لما قال الله عز وجل: كن , فكان , سماه بالكلمة, فالمعنى على هذا ذو كلمة الله كما قال تعالى: {واسأل القرية}.
2- وقيل: سمي بهذا كما يقال عبد الله, وألقاها على اللفظ .
3- وقيل : لما كانت الأنبياء قد بشرت به, وأعلمت أنه يكون من غير فحل, وبشر الله مريم به كما قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا}, فلما ولدته على الصفة التي وصف بها, قال الله عز وجل: هذه كلمتي كما تخبر الرجل بالشيء, أو تعده به , فإذا كان قلت: هذا مولي, وهذا كلامي.
والعرب تسمي الكلام الكثير , والكلمة الواحدة كلمة كما روي أن الحويدرة ذكر لحسان , فقال: لعن الله كلمته تلك , يعني قصيدته .
4- وقيل: سمي كلمة ؛ لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بالكلمة). [معاني القرآن: 1/390-392]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين}
قال سعيد بن جبير, والضحاك: السيد: الحليم, وقيل: الرئيس.
وروى يحيى بن سعيد الأنصاري , عن سعيد بن المسيب أنه قرأ: {وسيداً وحصوراً}, فأخذ من الأرض شيئاً, ثم قال: الحصور الذي لا يأتي النساء ,
يقال حصر إذا منع , فـ «حصور» بمعنى محصور , وكأنه منع مما يكون في الرجال .

وفعول بمعنى مفعول كثير في كلام العرب من ذلك حلوب بمعنى محلوبة , قال الشاعر:
فيها اثنثان وأربعون حلوبة = سواد كخافية الغراب الأسحم
ويقال: حصرت الرجل إذا حسبته , وأحصر المرض إذا منعه من السير, والحصير من هذا سمي؛ لأن بعضة حبس على بعض.
وقيل: هو الحابس نفسه عن معاصي الله عز وجل
وقال ابن عباس: الذي لا ينزل). [معاني القرآن: 1/392-395]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {المحراب}: الفرفة). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {حصوراً} أي: لا يأتي النساء). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({في المحراب} , أي: الغرفة, كذا ذكر المفسرون, {وسيداً وحصوراً} , السيد: الحليم, والحصور: الذي لا يأتي النساء، وهو بمعنى مفعول، كركوب وحلوب, (الآية): العلامة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48-49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سَيِّداً}: حليماً, {حَصُوراً}: لا يقرب النساء). [العمدة في غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى:{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وقد بلغني الكبر}, أي: بلغت الكبر، والعرب تصنع مثل هذا، تقول: هذا القميص لا يقطعنى, أي: أنت لا تقطعه، أي: إنه لا يبلغ ما أريد من تقديرٍ.
{عاقرٌ}: العاقر: التي لا تلد، والرجل العاقر: الذي لا يولد له، قال عامر بن الطّفيل:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقراً= جباناً فما عذرى لدى كل محضر). [مجاز القرآن: 1/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قال ربّ أنّى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ قال كذلك اللّه يفعل ما يشاء}
قال تعالى: {وقد بلغني الكبر}, كما تقول "وقد بلغني الجهد" , أي: أنا في الجهد والكبر). [معاني القرآن: 1/169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ( (العاقر): من الرجال والنساء الذي لا يولد له). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال الأخطل:
عَلَى العَيَارَاتِ هَدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَتْ = نَجْرَانُ أَوْ بَلَغَتْ سَوْآتِهِمْ هَجَرُ
وكان الوجه أن يقول: (سوآتُهم- بالرفع- نجرانَ وهجرَ) فقلب، لأن ما بلغته فقد بلغك.
قال الله تعالى: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} أي: بلغته.
وقال آخر:
قد سالَمَ الحيَّاتِ مِنْهُ القدَمَا = الأُفْعُوَانَ وَالشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا
(فنصب) الأفعوان والشجاع، وكان الوجه أن يرفعهما، لأن ما حالفته فقد حالفك، فهما فاعلان ومفعولان.
وقال الشمّاخ يذكر أباه:
منه وُلِدتُ ولَمْ يُؤْشَب به حَسَبي = لَمًّا، كَما عُصِبَ العِلبَاءُ بالعُودِ
وكان الوجه أن يقول: (كما عصب العود بالعلباء) فقلب، لأنك قد تقول: عصبت العلباء على العود، كما تقول: عصبت العود بالعلباء.
وقال ذو الرّمّة:
وتكسو المجنَّ الرَّخو خَصْرًا كأَنَّه = إِهَانٌ ذَوَى عَن صُفْرَةٍ فَهْوَ أَخْلَقُ
وكان الوجه أن يقول: (وتكسو الخصر مجنا) فقلب، لأنّ كسوت يقع على الثوب، وعلى الخصر، وعلى القميص ولابسه، تقول: كسوت الثوب عبد الله، وكسوت عبد الله الثوب.
وقال أبو النّجم:
قبل دنوّ الأفق من جوزائه
وكان الوجه أن يقول: (قبل دنوّ الجوزاء من الأفق) فقلب، لأن كل شيء دنا منك فقد دنوت منه.
وقال الرّاعي يصف ثورا:
فصَبَّحَتْهُ كلابُ الغوثِ يُوسِدُها = مستوضِحون يرون العينَ كالأثرِ
وكان الوجه أن يقول: (يرون الأثر كالعين) لعلمهم بالصيد وآثاره فقلب، لأنهم إذا رأوا الأثر كالعين، فقد رأوا العين كالأثر.
وقال النابغة:
وقد خِفْتُ حتى ما تزيد مَخافتي = على وَعِلٍ في ذي المطَارَةِ عَاقِلِ
وكان الوجه أن يقول: (حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي) فقلب، لأن المخافتين استوتا.
وقال رؤبة بن العجّاج:
ومَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجاؤُه
كأنّ لون أرضِهِ سَمَاؤُه
وكان الوجه أن يقول: (كأن لون سمائه من غبرتها لون أرضه) فقلب، لأن اللونين استويا.
وقال الآخر:
وصار الجمرُ مثلُ ترابها
أي: صار ترابها مثل الجمر). [تأويل مشكل القرآن:194-197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {قال ربّ أنّى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك اللّه يفعل ما يشاء (40)}, أي: كيف يكون لي غلام.
قال الكميت:
أنّى ومن أين آبك الطرب من= حيث لا صبوة ولا لعب
أي: كيف ومن أين آبك الطرب, ويقال: كلام بين الغلوميّة, والغلاميّة, والغلومة.
وقوله جلّ وعلا: {وقد بلغني الكبر}, بمعنى: قد بلغت الكبر, وفي موضع آخر: {وقد بلغت من الكبر عتيّا}, وكل شيء صادفته, وبلغته, فقد صادفك وبلغك.
ومعنى {كذلك اللّه يفعل ما يشاء}, أي: مثل ذلك يفعل اللّه الّذي يشاؤه, وإنّما سأل زكريا؛ لأنّه أحبّ أن يعلم : أيأتيه الولد وامراته عاقر وهو مسنّ؟, أم يجعله الله على هيئة من يولد له, ويجعل امرأته كذلك؟, أم يأتيها الولد , وهما على الهيئة التي لا يكون معها ولد؟, فأعلمهما اللّه أنّ ذلك هيّن عليه كما أنشأهما, ولم يكونا شيئاً, وأنه يعطيهما الولد, وهما في هذا السن.
ويقال في {عاقر} , قد عقرت المرأة , وعقرت، وهي عاقر، وهذا دليل أنّ عاقراً وقع على جهة النسب، لأنّ فعلت أسماء الفاعلين فيه على فعيلة, نحو : ظرفت, فهي ظريفة، وإنما عاقر له : ذات عقر، ويقال: قد عقر الرجل يعقر عقراً؛ إذا انقطع عليه الكلام من تعب , وكلال.
والعقار: كل مال له أصل, وقد قيل: إن النخل خاصّة يقال له: عقار, وعقر دار قوم أصل مقامهم الذي عليه معوّلهم، وإذا انتقلوا عنه لنجعة, فرجوعهم إليه.
ويروى عن علي إنّه قال: ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا، أي: ما غزوا في المكان الذي هو أصل لمقامهم). [معاني القرآن: 1/408-409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرا}, يقال: كيف استنكر هذا, وهو نبي يعلم أن الله يفعل ما يريد
ففي هذا جوابان:
أحدهما: أن المعنى بأي منزلة استوجبت هذا على التواضع لله, وكذلك قيل في قول مريم:{أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر }

والجواب الآخر: أن زكريا أراد أن يعلم هل يرد شاباً, وهل ترد امرأته, وهل يرزقهما الله ولداص من غير رد أو من غيرها؟, فأعلم الله عز وجل أنه يرزقهما ولدا من غير رد فقال عز وجل: {كذلك يفعل الله ما يشاء}
ويقال: عقرت المرأة إذا لم تحمل, وعقر الرجل إذا لم يولد له, والذكر والأنثى عاقر). [معاني القرآن: 1/395-396]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عَاقِرٌ}: لا تلد). [العمدة في غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ألاّ تكلّم النّاس...}, إذا أردت الاستقبال المحض نصبت (تكلّم) , وجعلت (لا) على غير معنى ليس, وإذا أردت: آيتك أنك على هذه الحال ثلاثة أيام رفعت، فقلت: أن لا تكلّم الناس؛ ألا ترى أنه يحسن أن تقول: آيتك أنك لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً, والرمز يكون بالشفتين, والحاجبين, والعينين, وأكثره في الشفتين, كلّ ذلك رمز). [معاني القرآن: 1/213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إلاّ رمزاً}: باللسان من غير أن يبين، ويخفض بالصوت مثل همسٍ.
{والإبكار}: مصدر من قال: أبكر يبكر، وأكثرها: بكرّ , يبكرّ, وباكر). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قال ربّ اجعل لّي آيةً قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزاً واذكر رّبّك كثيراً وسبّح بالعشيّ والإبكار}
قال: {ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزاً}, يريد: "أن لا تكلّم الناس إلاّ رمزاً" , وجعله استثناء خارجاً من أول الكلام, والرمز: الإيماء). [معاني القرآن: 1/169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إلا رمزا}: قال المفسرون: الإشارة باليد وقالوا تحريك الشفتين). [غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({اجعل لي آيةً}, أي: علامة, قال: {آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلّا رمزاً} , أي: وحياً, وإيماء باللسان, أو باليد, أو بالحاجب, يقال: رمز فلان لفلانة، إذا أشار بواحدة من هذه, ومنه قيل للفاجرة: رامزة ورمّازة، لأنها ترمز وتومئ، ولا تعلن.
قال قتادة: إنما كان عقوبة عوقب بها،إذا سأل الآية بعد مشافهة الملائكة إياه بما بشّر به). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الوَحْيُ: كُلُّ شَيْءٍ دَلَلْتَ به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
وقال: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، أي: أشار إليهم وأومأ.
وقال بعض المفسرين: كتب إليهم.
قال أبو محمد: والتفسير الأول أعجب ُإليَّ، لأنه قال في موضع آخر: {آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}.
والرمز: تحريك الشفتين أو الحاجبين أو العينين، ولا يكون كتابا). [تأويل مشكل القرآن: 489]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({قال ربّ اجعل لي آية قال آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيّام إلّا رمزا واذكر ربّك كثيرا وسبّح بالعشيّ والإبكار (41)}.
ومعنى {ربّ اجعل لي آية}, أي: علامة أعلم بها الوقت الذي تهب له فيه الغلام.
{قال آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيّام إلّا رمزا}, أي: علامة ذلك أن يمسك لسانك عن الكلام وأنت صحيح سوي,
وقال في موضوع آخر: {آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاث ليال سويّا}, أي: وأنت سوي.

ومعنى الرمز: تحريك الشفتين باللفظ من غير إبانة بصوت ؛ إنما هو إشارة بالشفتين، وقد قيل: أن الرمز هو إشارة بالعينين، أو الحاجبين والفم، والرمز في اللغة: كل ما أشرت به إلى بيان بلفظ، أي: بأي شيء أشرت، أبفم , أم بيد, أم بعينين, والرّمز والترمز في اللغة: الحركة والتحرك.
وقوله عزّ وجلّ: {وسبّح بالعشيّ والإبكار}, قيل سبّح: صل، ويقال: فرغت من سبحتي من صلاتي، وإنما سميت الصلاة تسبيحاً؛ لأن التسبيح تعظيم الله, وتبرئته من السوء, فالصّلاة يوحّد الله فيها ويحمد، ويوصف بكل ما يبرئه من السوء, فلذلك سمّيت الصلاة : السّبحة.
والإبكار يقال فيه: أبكر الرجل يبكر إبكاراً, وبكر يبكر تبكيراً, وبكر يبكر في كل شيء يتقذم فيه، وقول الناس فيما تقدم من الثمار: " قد هرف " خطأ، إنما هي كلمة تبطئة، وإنما تقول العرب في مثل ذلك: قد بكّر، ويسمّى ما يكون منه : الباكورة). [معاني القرآن: 1/409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قال رب اجعل لي آية} ,أي: علامة.
{قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا}, قال قتادة: إنما عوقب بهذا؛ لأنه طلب الآية بعد مشافهة الملائكة إياه بالبشارة
وقال مجاهد: الرمز تحرك الشفتين.
وقال الضحاك : الرمز تحريك اليدين ,والرأس.
والرمز في اللغة: الإشارة كانت بيد, أو رأس, أو حاجب, أو فم, يقال: رمز, أي: أشار, ومنه سميت الفاجرة: رامزة, ورمازة؛ لأنها تومئ, ولا تعلن.

ثم قال تعالى: {واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار} , وقرئ (الأبكار) , وهو جمع بكر, ويقال: بكر, وبكر, وابتكار, وأبكر إذا جاء في أول الوقت, ومنه سميت الباكورة .
ويقال: أبكر إذا خرج من بين مطلع الفجر إلى وقت الضحى, والعشي من حين نزول الشمس إلى أن تغيب, وهو معنى قول مجاهد). [معاني القرآن: 1/396-398]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والرمز: الإشارة). [ياقوتة الصراط: 188]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إلا رمزا}, أي: إشارة باليد، أو بالحاجب، أو باللسان, وقيل: هو تحريك الشفتين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الرَّمْز}: الإشارة). [العمدة في غريب القرآن: 99]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الايات من 42 إلى 51]

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وإذ قالت الملائكة} مثل: قالت الملائكة). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ) : ({وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين}, قال: {وإذ قالت الملائكة يا مريم} , فـ"إذ" ههنا ليس له خبر في اللفظ). [معاني القرآن: 1/169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين}
معنى {اصطفاك}: اختارك، وقالوا في طهّرك: طهّرك من الحيض , والنفاس , ومعنى: طهّرك -واللّه أعلم - أي: جعلك طاهرة من سائر الأدناس إلا أنّ الأول قد جاء في التفسير.
وقيل إن معنى {اصطفاك على نساء العالمين}, أي: على نساء أهل دهرها,
وجائز أن يكون: على نساء العالمين كلهم، أي: اختارك لعيسى على نساء العالمين كلهم، فلم يجعل مثل عيسى من امرأة من نساء العالمين).
[معاني القرآن: 1/410]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك}, أي: اختارك, وطهرك من الأدناس, وقيل: من الحيض, {واصطفاك على نساء العالمين},فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى على أهل زمانها,
والقول الآخر: على جميع النساء بعيسى., فليس مولود ولد من غير ذكر إلا عيسى عليه السلام).
[معاني القرآن: 1/398]

تفسير قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): {يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين}
ومعنى {اقنتي لربّك},أي: اعبديه بالقول, والعمل.
{واسجدي واركعي} معنى الركوع: قيل: السّجود, المعنى: اركعي, واسجدي، إلا أن الواو إذا ذكرت, فمعناها: الاجتماع، وليس فيها دليل أن أحد الشيئين قبل الآخر؛ لأنها تؤذن بالاجتماع، والعمل، والحال تدل على تقدم المتقدّم من الاثنين). [معاني القرآن: 1/410]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا مريم اقنتي لربك} , قيل: القنوت ههنا: القيام , وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : ما أفضل الصلاة ؟, فقال: ((طول القنوت)), أي: طول القيام, وسمي: الدعاء
قنوتاً؛ لأنه يدعى به في القيام.
وروى عمرو بن الحارث, عن دراج, عن أبي الهيثم, عن أبي سعيد الخدري, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل حرف ذكره الله في القرآن من القنوت فهو الطاعة)).
ثم قال تعالى: {واسجدي واركعي مع الراكعين}, وفي هذا جوابان: فبدأ بالسجود قبل الركوع, وفي هذا جوابان:
أحدهما: أن في شريعتهم السجود قبل الركوع.
والقول الآخر: أن الواو تدل على الاجتماع , فإذا قلت: قام زيد وعمر, جاز أن يكون عمر قبل زيد, فعلى هذا يكون المعنى: واركعي واسجدي, ولهذا أجاز النحويون: قام وزيد عمرو, وأنشدوا:
ألا يا نخلة من ذات عرق = عليك ورحمة الله السلام). [معاني القرآن: 1/398-400]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({من أنباء الغيب}: من أخبار الغيب، ما غاب عنك.
{وما كنت لديهم}, أي: عندهم.
{أقلامهم}: قداحهم, {يكفل}, أي: يضمّ). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}
قال الله تعالى: {إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم}؛ لأنّ كل ما كان من طلب العلم فقد يقع بعده الاستفهام. تقول: "أزيدٌ في الدّار"؟, و: "لتعلمنّ أزيدٌ في الدّار",
وقال: {لنعلم أيّ الحزبين}, أي: لننظر, وقال تعالى: {ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً}, وأمّا قوله: {ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعةٍ أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّاً}, فلم يرتفع على مثل ما ارتفع عليه الأول؛ لأن قوله: {لننزعنّ} ليس بطلب علم, ولكن لما فتحت "من" و"الذي" في غير موضع "أي" صارت غير متمكنة إذ فارقت أخواتها, تركت على لفظ واحد وهو الضم , وليس بإعراب, وجعل {أشدّ} من صلتها وقد نصبها قوم وهو قياس.
وقالوا: "إذا تكلّم بها فإنّه لا يكون فيها إلاّ الأعمال". وقد قرئ {تماماً على الّذي أحسن} فرفعوا, وجعلوه من صلة "الذي" , وفتحه على الفعل أحسن, وزعموا أن بعض العرب قال: "ما أنا بالّذي قائلٌ لك شيئاً" , فهذا الوجه لا يكون للاثنين إلا "ما نحن بالّلذين قائلان لك شيئاً").
[معاني القرآن: 1/169-170]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إذ يلقون أقلامهم}: الأقلام القداح التي كانوا يستقسمون بها والقدح السهم). [غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({يلقون أقلامهم} , أي: قداحهم، يقترعون على مريم, أيّهم يكفلها ويحضنها, والأقلام, واحدها قلم, وهي: الأزلام أيضاً, واحدها زلم وزلم). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}, أي: الأخبار التي قصصناها عليك في زكريا, ويحيى, ومريم , وعيسى من أنباء الغيب، أي: من أخبار ما غاب عنك، وفي هذا دليل على تثبيت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أنبأ بما لا يعلم إلا من كتاب, أو وحي, وقد أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً.
فإنباؤه إياهم بالأخبار التي في كتبهم علي حقيقتها من غير قراءة الكتب دليل على أنه نبي, وأن اللّه أوحى إليه بها.
ومعنى {إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم},أي: هذا أيضاً مما لم تحضره , ومعنى (الأقلام) ههنا القداح , وهي قداح جعلوا
عليها علامات يعرفون بها أيهم يكفل مريم على جهة القرعة, وإنما قيل للسهم القلم؛ لأنه يقلم, أي: يبرى، وكل ما قطعت منه شيئا بعد شيء فقد قلمته، من ذلك القلم الذي يكتب به، إنما سمي؛ لأنه قلم مرة بعد مرة، ومن هذا قلمت أظافري.
ومعنى {أيّهم يكفل مريم}, أي: لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم، وهو الضمان للقيام بأمرها، ومعنى {لديهم}: عندهم, وبحضرتهم.
{إذ يختصمون}: إذ نصب بقوله {ما كنت لديهم}, و (إذ) الثانية معلقة بـ (يختصمون) , أي: إذ يختصمون إذ قالت الملائكة، فإذ منصوبة بـ {يختصمون}.
ويكون المعنى: أنهم اختصموا بسبب مريم, وعيسى، وجائز أن يكون نصب إذ على {وما كنت لديهم}.
(إذ قالت الملائكة), هذا أيضاً مما لم يشاهده). [معاني القرآن: 1/410-411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك}, أي: من أخبار ما غاب عنك, ثم قال تعالى: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم} , لديهم: معناه عندهم.
قيل الأقلام : السهام يتقارعون بها, وسمي السهم قلماً, لأنه يقلم , أي: يبرى.
ثم قال تعالى: {أيهم يكفل مريم}, أي: لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم, وفي الكلام حذف, أي: إذ يختصمون فيها أيهم أحق بها). [معاني القرآن: 1/400]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إذ يلقون أقلامهم} أي: قداحهم، يقترعون من يكفل مريم, وقيل: هي الأزلام، واحدها زلم وزلم، وقيل: هي أقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الأَقْلاَمَ}: السهام). [العمدة في غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمةٍ مّنه اسمه...}
مما ذكرت لك في قوله: {ذرّيّةً طيّبةً}, قيل فيها اسمه بالتذكير للمعنى، ولو أنّث كما قال {ذرّيّةً طيّبةً} , كان صواباً.
وقوله: {وجيهاً} قطعاً من عيسى، ولو خفضت على أن تكون نعتاً للكلمة لأنها هي عيسى, كان صواباً). [معاني القرآن: 1/213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بكلمةٍ منه}: الرسالة، هو ما أوحى الله به إلى الملائكة في أن يجعل لمريم ولداً.
{وجيهاً}: الوجيه: الذي يشرف، ويكون له وجه عند الملوك). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمةٍ مّنه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدّنيا والآخرة ومن المقرّبين}
قوله: {إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك}, و{يوم تجد كلّ نفسٍ مّا عملت من خيرٍ مّحضراً}, وأشباه هذا في "إذ" , و"الحين", وفي "يوم" كثير, وإنما حسن ذلك للمعنى؛لأن القرآن إنما أنزل على الأمر, والذي كأنه قال لهم: "اذكروا كذا وكذا", وهذا في القرآن في غير موضع و"اتّقوا يوم كذا" , أو"حين كذا".
وقال تعالى: {اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً} نصبه على الحال, {ومن المقرّبين} عطف على {وجيهاً},
وكذلك {وكهلاً} معطوف على {وجيهاً} ؛ لأن ذلك منصوب,
وأما قوله تعالى: {بكلمةٍ مّنه اسمه المسيح}, فإنه جعل "الكلمة" هي "عيسى"؛ لأنه في المعنى كذلك كما قال: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا}, ثم قال: {بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها}, وكما قالوا: "ذو الثديّة"؛ لأن يده كانت مثل الثدي, كانت قصيرة قريبة من ثديه, فجعلها كأن اسمها "ثديّة", ولولا ذلك لم تدخل الهاء في التصغير).
[معاني القرآن: 1/171]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({المسيح}: في التفسير الصديق). [غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({وجيهاً في الدّنيا والآخرة}, أي: ذا جاه فيهما). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدّنيا والآخرة ومن المقرّبين}
سمّى اللّه عزّ وجلّ عيسى المسيح، وسمّاه عيسى، وسمي ابتداء أمره كلمة {منه}, فهو صلى الله عليه وسلم كلمة من اللّه, ألقاها إلى مريم، ثم كوّن تلك الكلمة بشراً.
وقوله جلّ وعزّ: {اسمه}, وإنما جرى ذكر الكلمة؛ لأن معنى الكلمة معنى الولد، المعنى أن اللّه يبشرك بهذا الولد، {وجيها في الدّنيا والآخرة}.
{وجيها} منصوب على الحال، والوجيه: الذي له المنزلة الرفيعة عند ذوي القدر والمعرفة، ويقال: قد وجه الرجل يوجه وجاهة، ولفلان جاه عند الناس ووجاهة عند الناس، أي: منزلة رفيعة.
وقال بعض النحويين: {وجيها} منصوب على القطع من عيسى، وقطع ههنا: كلمة محال؛ لأنه إنما بشر به في هذه الحال، أي : في حال فضله, فكيف يكون قطعها منه، ولم يقل لم نصب هذا القطع، فإن كان القطع إنما هو معنى، فليس ذلك المعنى موجوداً في هذا اللفظ، وإن كان القطع هو العامل , فما بينّ ما هو، وإن كان أراد أن الألف واللام قطعاً منه فهذا محال ؛ لأنّ جميع الأحوال نكرات, والألف واللام لمعهود، فكيف يقطع من الشيء ما لم يكن فيه قط). [معاني القرآن: 1/411-412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين}, الوجيه الذي له القدر , والمنزلة الرفيعة يقال: لفلان جاه وجاهة, وقد وجه يوجه وجاهة). [معاني القرآن: 1/401]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْمَسِيحُ}: الصِّدِّيق). [العمدة في غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (قوله: {ويكلّم النّاس في المهد وكهلاً...}, والكهل مردود على الوجيه, {ويكلّم النّاس} ولو كان في موضع {ويكلّم}, ومكلماً كان نصباً, والعرب تجعل يفعل وفاعلٌ إذا كانا في عطوف مجتمعين في الكلام، قال الشاعر:
بتّ أعشّيها بغضبٍ باتر = يقصد في أسوقها وجائر
وقال آخر:
من الذّريحيّات جعدا آركا= يقصر يمشي ويطول باركا
كأنه قال: يقصر ماشياً فيطول باركاً, فكذلك (فعل) إذا كانت في موضع صلة لنكرة أتبعها (فاعل) وأتبعته, تقول في الكلام: مررت بفتىً ابن عشرين, أو قد قارب ذلك، ومررت بغلام قد احتلم , أو محتلمٍ؛ قال الشاعر:
يا ليتني علقت غير خارج =قبل الصباح ذات خلقٍ بارج
= أمّ الصبيّ قد حبا أو دارج =). [معاني القرآن: 1/214]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويكلّم النّاس في المهد وكهلا ومن الصّالحين}و, معطوف على {وجيهاً}، المعنى: يبشرك به وجيهاً, ومكلماً الناس في المهد,
وجائز أن: يعطف يفعل على فاعل، لمضارعه بفعل فاعل.

قال الشاعر:
بات يعيشها بغضب باتر= يقصد في أسواقها وجائر
{وكهلاً}, أي: ويكلم الناس كهلاً, أعلمها اللّه أن عيسى يبقى إلى حال الكهولة.
وقيل: إن كهلاً، أي: ينزل من السماء لقتل الرجال, وهو كهل, واللّه أعلم). [معاني القرآن: 1/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين}
يقال: اكتهل النبت إذا تم, والكهل ابن الأربعين, أو ما قاربها .
وقال يزيد بن أبي حبيب :الكهل: منتهى الحلم.
والفائدة في قوله تعالى: {وكهلاً},أنه خبرها أنه يعيش إلى أن يصير كهلاً). [معاني القرآن: 1/401]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) }
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قالت ربّ أنّى يكون لي ولدٌ ولم يمسسني بشرٌ قال كذلك اللّه يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون}, أما قوله: {كذلك اللّه} , فكسر الكاف؛ لأنها مخاطبة امرأة, وإذا كانت الكاف للرجل فتحت, قال للمؤنث: {واستغفري لذنبك إنّك كنت من الخاطئين}). [معاني القرآن: 1/171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({قالت ربّ أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك اللّه يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون},
ومعنى {كذلك اللّه يخلق ما يشاء}
أي: يخلق الله ما يشاء مثل ذلك). [معاني القرآن: 1/412-413]

تفسير قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل}, قوله: {ويعلّمه الكتاب والحكمة}, موضع نصب على {وجيهاً}, و{رسولاً}, معطوف على {وجيهاً}). [معاني القرآن: 1/171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل}, أي: يعلمه ذلك وحياً, وإلهاماً). [معاني القرآن: 1/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} قيل: يعني إلهاماً). [معاني القرآن: 1/402]

تفسير قوله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {كهيئة الطّير فأنفخ فيه...}, يذهب إلى الطين، وفي المائدة {فتنفخ فيها}ذهب إلى الهيئة، فأنث لتأنيثها، وفي إحدى القراءتين (فأنفخها), وفي قراءة عبد الله: (فأنفخها) بغير في، وهو مما تقوله العرب: ربّ ليلة قد بتّ فيها وبتّها.
ويقال في الفعل أيضاً:
= ولقد أبيت على الطوى وأظلهّ =
تلقى الصفات, وإن اختلفت في الأسماء والأفاعيل, وقال الشاعر:
إذا قالت حذام فأنصتوها = فإن القول ما قالت حذام
وقال الله تبارك وتعالى وهو أصدق قيلا: {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}, يريد: كالوا لهم، وقال الشاعر:
ما شقّ جيب ولا قامتك نائحة = ولا بكتك جياد عند أسلاب
وقوله: {وما تدّخرون} , هي تفتعلون من ذخرت، وتقرأ (وما تدخرون) خفيفة على تفعلون، وبعض العرب يقول: تدّخرون , فيجعل الدال, والذال يعتقبان في تفتعلون من ذخرت، وظلمت تقول: مظّلم ومطّلم، ومذّكر ومدّكر، وسمعت بعض بني أسد يقول: قد اتّغر، وهذه اللغة كثيرة فيهم خاصّة. وغيرهم: قد اثّغر.
فأمّا الذين يقولون: يدّخر, ويدّكر, ومدّكر؛ فإنهم وجدوا التاء إذا سكنت, واستقبلتها ذال, دخلت التاء في الذال , فصارت ذالاً، فكرهوا أن تصير التاء ذالاً, فلا يعرف الافتعال من ذلك، فنظروا إلى حرف يكون عدلاً بينهما في المقاربة، فجعلوه مكان التاء, ومكان الذال.
وأمّا الذين غلّبوا الذال: فأمضوا القياس، ولم يلتفتوا إلى أنه حرف واحد، فأدغموا تاء الافتعال عند الذال, والتاء, والطاء.
ولا تنكرنّ اختيارهم الحرف بين الحرفين؛ فقد قالوا: ازدجر, ومعناها: ازتجر، فجعلوا الدال عدلاً بين التاء والزاي,
ولقد قال بعضهم: مزجّر، فغلّب الزاي كما غلّب التاء, وسمعت بعض بني عقيل يقول: عليك بأبوال الظباء, فاصّعطها ؛ فإنها شفاء للطحل، فغلب الصاد على التاء، وتاء الافتعال تصير مع الصاد , والضاد طاء، كذلك الفصيح من الكلام , كما قال الله عز وجل: {فمن اضطرّ في مخمصةٍ}, ومعناها: افتعل من الضرر, وقال الله تبارك وتعالى: {وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها} , فجعلوا التاء طاء في الافتعال). [معاني القرآن: 1/216]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (الأكمه): الذي يولد من أمه أعمى، قال رؤبة:
وكيد مطّالٍ وخصمٍ مندهٍ= هرّجت فارتدّ ارتداد الأكمه
هرّجته حتى هرج، مثل: هرج الحرّ). [مجاز القرآن: 1/93-94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الأكمه}: الذي يولد وهو أعمى).[غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({الأكمه}: الذي يولد أعمى, والجمع كمه). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ورسولاً إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآية من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن اللّه وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن اللّه وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين}, ونصب {ورسولا إلى بني إسرائيل} على وجهين:
أحدهما: ويجعله رسولاًإلى بني إسرائيل،
2- والاختيار عندي - واللّه أعلم -: ويكلم الناس رسولاً إلى بني إسرائيل, والدليل على ذلك: أنّه قال: {أنّي قد جئتكم بآية من ربّكم}, فالمعنى - واللّه أعلم - ويكلمهم رسولاً بأني قد جئتكم بآية من ربكم، ولو قرئت إني قد جئتكم - بالكسر - كان صواباً, المعنى: إني قد جئتكم بآية من ربكم , أي: بعلامة تثبت رسالتي.

وقوله جلّ وعزّ: {أنّي أخلق لكم من الطّين}, يصلح أن يكون خفضاً, ورفعاً, فالخفض على البدل من (آية) , المعنى: جئتكم بأنّي أخلق لكم من الطّين،
وجائز أن يكون: {إنّي أخلق لكم من الطّين}, يخبرهم بهذه الآية : ما هي؟, أي: أقول لكم أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطير.

يقال: إنّه صنع؛ كهيئة الخفاش , ونفخ فيه , فصار طيراص,
وجاز أن يكون" فأنفخ فيه للفظ الطين، وقال في موضع آخر: {فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني}, للفظ الهيئة.

{وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن اللّه}: {الأكمه} :الذي يولد أعمى.
قال الراجز:
= هرجت فارتد ارتداد الأكمه
وقوله عزّ وجلّ: {وأنبّئكم بما تأكلون}, أي: أخبركم بمأكولكم، فجائز أن تكون (ما) ههنا في موضع الذي.
والمعنى: أنبئكم بالذي تأكلونه, وتدخرونه، ويجوز أن يكون " ما ", وما وقع بعدها بمنزلة المصدر.
المعنى: أنبئكم بأكلكم, وادخاركم, والأول أجود.
ومعنى تدخرون: جاء في التفسير ما تأكلون في غدوكم, وتدخرون بالدال والذال.
وقال بعض النحويين: إنما اختير تدخرون ؛ لأن التاء تدغم في الذال نحو تذكرون، فكرهوا تذخرون؛ لأنه لا يشبه ذلك، فطلبوا حرفاً بين التاء والذال, فكان ذلك الحرف الدال
وهذا يحتاج صاحبه إلى أن يعرف الحروف المجهورة والمهموسة: وهي فيما زعم الخليل ضربان: فالمهجورة حرف أشبع الاعتماد عليه في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه، والمهموس حرف أضعف الاعتماد عليه في موضعه , وجرى معه النفس.
وإنما قيل {تدّخرون} , وأصله: تذخرون، أي: يفتعلون من الذخر؛ لأن الذال حرف مجهور لا يمكن النفس أن يجري معه لشدة اعتماده في مكانه, والتاء مهموسة، فأبدل من مخرج التاء حرف مجهور يشبه الذال في جهرها, وهو الدال.
فصار تذدخرون, ثم أدغمت الذال في الدال، وهذا أصل الإدغام أن تدغم الأول في الثاني، وتذخرون جائز - فأما ما قال في الملبس فليس تذخرون ملبسا بشيء). [معاني القرآن: 1/413-414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله}
{الأكمه }, قال مجاهد: هو الذي يبصر في النهار, ولا يبصر في الليل ,فهو يتكمه.
قال الكسائي: يقال: كمه يكمه كمها, وقال الضحاك: هو الأعمى.
قال أبو عبيدة: هو الذي يولد أعمى, وأنشد لرؤبة:
= هرجت فارتد ارتداد الأكمه
قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم}
يجوز أن يكون معنى: الكل, وأنشد للبيد:
تراك أمكنه إذا لم أرضها = أو يرتبط بعض النفوس حمامها
وهذا القول غلط عند أهل النظر من أهل اللغة ؛ لأن البعض والجزء لا يكونان بمعنى الكل .
وقال أبو العباس: معنى أو يرتبط بعض النفوس, أو يرتبط نفسي كما يقول بعضنا يعرفه, أي: أنا أعرفه، ومعنى الآية على بعضها: لأن عيسى إنما أحل لهم أشياء مما حرمها عليهم موسى من أكل الشحوم , وغيرها , ولم يحل لهم القتال, ولا السرقة , ولا الفاحشة منها .
والدليل على هذا: أنه روي عن قتادة أنه قال: جاءهم عيسى بألين مما جاء به موسى صلى الله عليهما؛ لأن موسى جاءهم بتحريم الإبل, وأشياء من الشحوم, فجاءهم عيسى بتحليل بعضها). [معاني القرآن: 1/402-404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (و{الأكمه}: الذي يولد أعمى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الأكْمَهَ}: الذي يولد أعمى). [العمدة في غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ومصدّقاً...}, نصبت (مصدّقا) على فعل (جئت)، كأنه قال: وجئتكم مصدّقا لما بين يديّ من التوراة، وليس نصبه بتابع لقوله (وجيهاً) ؛ لأنه لو كان كذلك لكان (ومصدّقا لما بين يديه).
وقوله: {ولأحلّ لكم} الواو فيها بمنزلة قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من الموقنين}). [معاني القرآن: 1/216]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم}, بعض يكون شيئاً من الشيء، ويكون كلّ الشيء، قال لبيد بن ربيعة:
تراك أمكنةٍ إذا لم أرضها= أو يعتلق بعض النفوس حمامها
فلا يكون الحمام ينزل ببعض النفوس، فيذهب البعض، ولكنه يأتي على الجميع). [مجاز القرآن: 1/94]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومصدّقاً لّما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآيةٍ مّن رّبّكم فاتّقوا اللّه وأطيعون}, قال تعالى: {ومصدّقاً لّما بين يديّ} على قوله: {وجئتكم}, {مصدّقاً لّما بين يديّ}, {رسولاً}؛لأنه قال: {قد جئتكم بآيةٍ مّن رّبّكم}). [معاني القرآن: 1/171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{ومصدّقا لما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآية من ربّكم فاتّقوا اللّه وأطيعون}, نصب {مصدّقاً} على الحال، المعنى: وجئتكم مصدقاً لما بين يدي , أي: للكتاب الذي أنزل قبلي فهو أمري أن تتبعوني.
{ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآية من ربّكم}, أي: لم احل لكم شيئا بغير برهان، فهو حق عليكم اتباعي؛ لأني أنبئكم ببرهان، وتحليل طيبات كانت حرمت عليكم.
(فاتّقوا اللّه وأطيعون) أي: اتبعوني.
قال أبو عبيدة: معنى: {ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم}, قال معناه: كل الذي حرم عليكم، وهذا مستحيل في اللغة, وفي التفسير, وما عليه العمل, فأمّا استحالته في اللغة ؛ فإن البعض والجزء لا يكون الكل , وأنشد في ذلك أبو عبيدة بيتاص غلط في معناه , وهو قول لبيد:
تراك منزلة إذا لم أرضها= أو يعتلق بعض النفوس حمامها
قال: المعنى " أو يعتلق كل النفوس حمامها" , وهذا كلام تستعمله الناس، يقول القائل: بعضنا يعرفك يريد أنا أعرفك، فهذا إنما هو تبعيض صحيح, وإنما جاءهم عيسى بتحليل ما كان حراماً عليهم.
قال اللّه عزّ وجلّ: {فبظلم من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم}, وهي نحو الشحوم وما يتبعها في التحريم، فأما أن يكون أحل لهم القتل, والسرقة, والزنا فمحال). [معاني القرآن: 1/415]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مّستقيمٌ}, قال: {إنّ اللّه ربّي وربّكم} , فـ{إنّ} على الابتداء,
وقال بعضهم {أنّ}, فنصب على {وجئتكم بأنّ اللّه ربّي وربّكم}, هذا معناه).
[معاني القرآن: 1/171-172]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى:{إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم}
{هذا صراط مستقيم}، أي: هذا طريق الدين مستوياً). [معاني القرآن: 1/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فاعبدوه هذا صراط مستقيم}, أي: هذا طريق واضح). [معاني القرآن: 1/404]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 محرم 1432هـ/24-12-2010م, 10:23 PM
مجاهدة مجاهدة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الدولة: مصر...أرض الكنانة
المشاركات: 1
افتراضي [الآيات من 93 إلى 101]

{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)}

تفسير قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه...}
يذكر في التفسير أنه أصابه عرق النسا فجعل على نفسه إن برأ أن يحرّم أحبّ الطعام والشراب إليه، فلمّا برأ حرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها، وكان أحبّ الطعام والشراب إليه). [معاني القرآن: 1/226]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({كلّ الطّعام كان حلاًّ لّبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}
قال تعالى: {كلّ الطّعام كان حلاًّ لّبني إسرائيل} لأنه يقال: "هذا حلالٌ" و: "هذا حلٌّ"، و"هذا حرام" و"هذا حرمٌ" ويقال {وحرامٌ على قريةٍ} [ويقال] {وحرمٌ على قرية} وتقول: "حرمٌ عليّكم ذاك" ولو قال: {وحرمٌ على قريةٍ} كان جائزا [ولو قال] {وحرمٌ على قريةٍ} كان جائزاً أيضاً). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({كلّ الطّعام كان حلًّا} أي: حلالا {لبني إسرائيل}.
ومثله: الحرم والحرام، واللّبس واللّباس. {إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه}، قالوا: لحوم الإبل). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {كلّ الطّعام كان حلّا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}
موضع " ما " نصب، المعنى: إلا الطعام الذي حرّمه إسرائيل على نفسه.
ويروى: أنه وجد وجعا، وقيل في التفسير: إن ذلك الوجع كان عرق النساء فنذر إن أبرأه اللّه أن يترك أحبّ الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام والشراب إليه لحوم الإبل وألبانها، فحرم اللّه ذلك عليهم بمعاصيهم كما قال: {فبظلم من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم}.
وأعلم الله أن الذي حرمه إسرائيل على نفسه كان من قبل أن تنزل التوراة، وفيه أعظم آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه أنبأهم بأنهم يدعون أن في كتابهم ما ليس فيه، ودعاهم مع ذلك إلى أن يأتوا بكتابهم فيتلوه ليبين لهم كذبهم فأبوا.
فكان إباؤهم دليلا على علمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صدق فيما أنبأهم به، ولو أتوا بها لم يكونوا يخلون من أحد أمرين:
1- إما أن يزيدوا فيها ما ليس فيها في ذلك الوقت فيعلم بعضهم أنه قد زيد
2- أو ينزل اللّه بهم عقوبة تبين أمرهم، أو أن يأتوا بها على جملتها فيعلم بطلان دعواهم منها. فقصتهم في هذه الآية كقصة النصارى في المباهلة).
[معاني القرآن: 1/443-444]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة}
قال ابن عباس: كان اشتكى عرق النسا كذا روي عنه فكان له زقاء يعني صياح فآلى لئن برأ من ذلك لا أكل عرقا.
وقال مجاهد: الذي حرم على نفسه الأنعام.
قال عطاء: حرم لحوم الإبل وألبانها.
وهذا كله صحيح مما كان حرمه واليهود تحرمه إلى هذا الوقت كما كان عليه أوائلها وفيه حديث مسند.
وقال الضحاك: قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: حرم علينا هذا في التوراة، فأكذبهم الله وأخبر أن إسرائيل حرمه على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ودعاهم إلى إحضارها فقال قل {فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}). [معاني القرآن: 1/440-441]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فمن افترى على الله الكذب} أي: اختلق). [مجاز القرآن: 1/97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون} أي: من بعد ما ذكرنا من ظهور الحجة في افترائه: {فأولئك هم الظّالمون} ). [معاني القرآن: 1/444]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {فمن افترى على الله الكذب} أي: كذب على الله - تبارك وتعالى). [ياقوتة الصراط: 190]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل صدق اللّه فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}
قال الله {فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً} نصب على الحال). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({حنيفا}: قالوا متبعا حجاجا وأنهم سموا بقوم كانوا يأتون الحج يسمون الحنفاء). [غريب القرآن وتفسيره:107-108]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{حنيفا} أي: مستقيما على الإسلام). [ياقوتة الصراط: 190]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({حَنِيفاً}: الذي لا يرجع عن دينه). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس...}
يقول: إنّ أوّل مسجد وضع للناس {للّذي ببكّة} وإنما سمّيت بكّة لازدحام الناس بها؛ يقال: بكّ الناس بعضهم بعضا: إذا ازدحموا.
وقوله: {هدىً} موضع نصب متبعة للمبارك. ويقال إنما قيل: مباركا لأنه مغفرة للذنوب). [معاني القرآن: 1/227]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {للّذي ببكّة}: هي اسم لبطن مكة، وذلك لأنهم يتباكّون فيها ويزدحمون). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ أول بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً وهدًى لّلعالمين}
قال تعالى: {إنّ أول بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} فهذا خبر "إنّ".
ثم قال: {مباركاً} لأنه قد استغنى عن الخبر، وصار {مباركاً} نصبا على الحال.
{وهدىً لّلعالمين}
في موضع نصب عطف عليه. والحال في القرآن كثير ولا يكون إلا في موضع استغناء).
[معاني القرآن: 1/177-178]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({بكة}
قال بعض المفسرون: إن موضع الطواف بكة لأنه يبك بعض الناس بعضا وهو الازدحام، واسم القرية مكة، ويقال بكة مأخوذ من بككت الرجل، أي: وضعت ورردت نخوته، وكأنها تضع من نخوة المتجبرين وأنشد الشاهد عن أبي عبدالله:

إذا الشريب أخذته أكه فخله حتى يبك بكة
{على شفا جرف}: حرف وشفا البئر حرفها). [غريب القرآن وتفسيره: 108]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {بكّة} ومكّة شيء واحد. والباء تبدل من الميم. يقال: سمّد راسه وسبّده، إذا استأصله. وشر لازم وزب.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ - {إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركا وهدى للعالمين}
ويقال: بكة: موضع المسجد، ومكة: البلد حوله). [تفسير غريب القرآن:107-108]
قيل: إنه أول مسجد وضع للناس.
وقيل: إنه أول بيت وضع للحج.

ويقال: إنه البيت المعمور وأن الملائكة كانت تحجه من قبل آدم، وإنه البيت العتيق. فأما بناؤه فلا شك أن إبراهيم بناه.
قال اللّه تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا} أي يقولان: ربّنا تقبّل منّا.
فأما المقدس فسليمان بناه.
وخبر (إنّ) هو {للّذي ببكّة}
وهذه لام التوكيد، وقيل: إن بكة موضع البيت وسائر ما حوله مكة.
والإجماع أن: بكة ومكة الموضع الذي يحج الناس إليه، وهي البلدة، قال اللّه - عزّ وجلّ: {ببطن مكة} وقال: {للّذي ببكّة مباركا}.

فأما اشتقاقه في اللغة:
1-
فيصلح أن يكون الاسم اشتق من إليك، وهوبك الناس بعضهم بعضا في الطواف، أي: دفع بعضهم بعضا.
2- وقيل: إنما سميت ببكة لأنها تبك أعناق الجبابرة.

ونصب {مباركا} على الحال.
المعنى: الذي بمكة في حال بركته.
{وهدى للعالمين} يجوز أن يكون {هدى للعالمين}: في موضع رفع.
المعنى: وهو هدى للعالمين.
فأما مكة - بالميم فتصلح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق بكة والميم تبدل من الباء، يقال: ضربة لازب ولازم، ويصلح أن يكون الاشتقاق من قولهم: " أمتك الفصيل " ما في ضرع الناقة إذا مص مصا شديدا حتى لا يبقي فيه شيئا. فتكون سميت بذلك لشدة الازدحام فيها -
والقول الأول: أعني البدل أحسن.
ومعنى {أوّل} في اللغة: على الحقيقة ابتداء الشيء فجائز أن يكون المبتدأ له آخر، وجائز أن لا يكون له آخر فالواحد أول العدد والعدد غير متناه، ونعيم الجنة أول وهو غير منقطع، وقولك: هذا أول مال كسبته جائز ألا يكون بعده كسب، ولكن إرادتك: (هذا ابتداء كسبي).
ولو قال قائل: أول عبد أملكه فهو حرّ، فملك عبدا أعتق ذلك العبد، لأنه قد ابتدأ الملك فجائز أن يكون {أوّل بيت} هو البيت الذي لم يكن الحج إلى غيره). [معاني القرآن: 1/444-446]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا}
قال أبو ذر: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي مسجد وضع في الأرض أول؟ فقال: ((المسجد الحرام)) قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم بيت المقدس)) قلت: كم كان بينهما؟ قال: ((أربعون سنة ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد))
وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة قال: سأل رجل عليا عن {أول بيت وضع للناس للذي ببكة} أهو أول بيت في الأرض؟ قال: لا ولكنه أول بيت وضعت فيه البركة والهدى ومقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وأن الله أوحى إلى إبراهيم صلوات الله عليه أن ابن لي بيتا وضاق به ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج لها رأس فنظرت موضع البيت.
قال أبو الحسن قال أبو بكر الخجوج: التي تخج في هبوبها، أي: تلتوي يقال خجت تخج ولو ضوعفت لقيل:
خجخجت والخجخجة توصف بها السرعة
وقال عطية: بكة موضع البيت ومكة ما حوليه.
وقال عكرمة: بكة ما ولي البيت ومكة ما وراء ذلك.
والذي عليه أكثر أهل اللغة: بكة ومكة واحد، وأنه يجوز أن تكون: الميم مبدلة من الباء يقال لازب ولازم وسبد شعره وسمده إذا استأصله
وقال سعيد بن جبير: سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها أي يتزاحمون فيها.
وقال غيره: سميت بكة لأنها تبكي الجبابرة والميم على هذا بدل من الباء.
ويجوز أن يكون: من قولهم أمتك الفصيل الناقة إذا اشتد مصه إياها.
والأول: أحسن). [معاني القرآن: 1/441-444]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بَكَّةَ}: موضع الطواف). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فيه آياتٌ بيّناتٌ...}
يقال: الآيات المقام والحجر والحطيم، وقرأ ابن عباس "فيه آية بيّنة" جعل المقام هو الآية لا غير.
وقوله: {ومن كفر} يقول: من قال ليس عليّ حجّ فإنما يجحد بالكفر فرضه لا يتركه). [معاني القرآن: 1/227]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فيه آياتٌ بيّناتٌ مّقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين}
قال تعالى: {فيه آياتٌ بيّناتٌ مّقام إبراهيم} فرفع {مّقام إبراهيم} لأنه يقول: {فيه آياتٌ بيّناتٌ} منها {مّقام إبراهيم} على الإضمار). [معاني القرآن: 1/178]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قال مجاهد في قوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين}: هو من إن حج لم يره برّا، وإن قعد لم ير قعوده مأثما). [تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}
قد رويت عن ابن عباس أنّه قرأ "آية بينة مقام إبراهيم" جعل مقام إبراهيم هو الآية، والذي عليه الناس: {فيه آيات بيّنات} والمعنى: فيه آيات بينات، تلك الآيات:
1- مقام إبراهيم.
2- ومن الآيات أيضا: أمن من دخله، لأن معنى {ومن دخله كان آمنا} يدل على أن الأمن فيه.

فأما رفع {مقام إبراهيم} فعلى أن يكون على إضمار هي مقام إبراهيم.
قال النحويون، المعنى: فيها مقام إبراهيم وهذا كما شرحنا، ومعنى: أمن من دخله: أن إبراهيم عليه السلام سأل اللّه أن يؤمّن سكان مكة فقال: {رب اجعل هذا بلدا آمنا}.. فجعل اللّه عزّ وجلّ أمن مكة آية لإبراهيم وكان الناس يتخطفون حول مكة، قال اللّه: {أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف النّاس من حولهم} فكان الجبار إدا أراد مكة قصمه اللّه.
قال اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل}
وكانت فارس قد سبت أهل بيت المقدس فأمّا أهل مكة فلم يطمع فيهم جبار.
ويقال: قد أمن الرجل يأمن أمنا وأمانا.
وقد رويت إمنا، والأكثر الأفصح: (أمن) بفتح الألف قال اللّه عزّ وجلّ {وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا}.
وقوله عزّ وجلّ: {وللّه على النّاس حجّ البيت}.
يقرأ بفتح الحاء وكسر الحاء والأصل الفتح: يقال: حججت الشيء أحجه حجا إذا قصدته..
والحج اسم العمل - بكسر الحاء.
وقوله عزّ وجلّ: {من استطاع إليه سبيلا}.
موضع من خفض على البدل من " الناس " المعنى: وللّه على من استطاع من الناس حج البيت أن يحج.
وقوله جلّ وعزّ: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}.
قيل فيه غير قول:
1- قال بعضهم من كفر: من قال إن الحج غير مفترض.

2- وقال بعضهم: من أمكنه الحج فأخره إلى أن يموت، وهو قادر عليه فقد كفر.
3- وقيل: إنها إنما قيلت لليهود لأنهم قالوا: أن القصد إلى مكة غير واجب في حج أو صلاة.

فأما الأول: فمجمع عليه. ليس بين الأمة اختلاف في أن من قال: إن الحج غير واجب على من قدر عليه كافر). [معاني القرآن: 1/446-447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم}
وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وأهل مكة (فيه آية بينة)
وفسر ذلك مجاهد فقال: مقام إبراهيم الحرم كله، فذهب إلى أن من آياته الصفا والمروة والركن والمقام.
ومن قرأ {آيات بينات} فقرأته أبين لأن الصفا والمروة من الآيات ومنها أن الطائر لا يعلو البيت صحيحا.
ومنها: أن الجارح يتبع الصيد فإذا دخل الحرم تركه.
ومنها: أن الغيث إذا كان ناحية الركن اليماني كان الخصب باليمين وإذا كان
ناحية الشامي كان الخصب بالشام وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان.
ومنها: أن الجمار على ما يزاد عليها ترى على قدر واحد
والمقام من قولهم قمت مقام فأما قول زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوهها = وأندية ينتابها القول والفعل
فمعناه: فيهم أهل مقامات). [معاني القرآن: 1/444-445]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ومن دخله كان آمنا}
قال قتادة: ذلك من آيات الحرم أيضا.
وذا قول حسن لأن الناس كانوا يتخطفون من حواليه ولا يصل إليه جبار وقد وصل إلى بيت المقدس وخرب ولم يصل إلى الحرم قال الله عز وجل: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}
وروى الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال: من أصاب حدا في الحرم أقيم عليه وإن أصاب خارج الحرم ثم دخل الحرم لم يكلم ولم يجالس ولم يبايع حتى يخرج من الحرم فيقام الحد عليه وقال أكثر الكوفيين ذلك في كل حد يأتي على النفس.
وقال قوم: الأمان ههنا الصيد.
وأولاها القول الأول ويكون على العموم ولو كان للصيد لكان وما دخله ولم يكن ومن دخله.
قال قتادة: وإنما هو ومن دخله في الجاهلية كان آمنا). [معاني القرآن: 1/445-447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}
قال الزبير: من وجد قوة وما يتحمل به.
وقال سعيد بن جبير: الزاد والراحلة.
وروى حماد بن سلمة عن حميد وقتادة عن الحسن أن رجلا قال: يا رسول الله ما السبيل إليه؟ قال: ((الزاد والراحلة السبيل أصله الوصول ومنه قيل للطريق سبيل))،
فالمعنى عند أهل اللغة:
من استطاع إلى البيت وصولا كما قال إخبارا {يقولون هل إلى مرد من السبيل}.

ثم قال تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}
أكثر أهل التفسير على أن المعنى: من قال إن الحج ليس بواجب فقد كفر.
وروى وكيع عن فطر عن نفيع أبي داود أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج لا يرجو ثوابه وجلس لا يخاف عقابه فقد كفر به)).
وقال الشعبي: السبيل ما يسره الله عز وجل.
وهذا من حسن ما قيل فيه، أي: على قدر الطاقة والسبيل في كلام العرب الطريق فمن كان واجدا الطريق إلى الحج بغير مانع من زمانه أو عجز أو عدو أو تعذر ماء في طريقة فعليه الحج ومن منع بشيء من هذه المعاني فلم يجد طريقا لأن الاستطاعة القدرة على الشيء فمن عجز بسبب فهو غير مطيق عليه ولا مستطيع إليه السبيل
وأولى الأقوال في معنى {ومن كفر}: ومن جحد فرض الله لأنه عقيب فرض الحج). [معاني القرآن: 1/447-449]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {من آمن تبغونها عوجا...}
يريد السبيل فأنّثها، والمعنى تبغون لها. وكذلك {يبغونكم الفتنة}: يبغون لكم الفتنة.
والعرب يقولون: ابغني خادما فارها، يريدون: ابتغه لي، فإذا أرادوا: ابتغ معي وأعنّي على طلبه قالوا أبغني (ففتحوا الألف الأولى من بغيت، والثانية من أبغيت)
وكذلك يقولون: المسني نارا وألمسني، واحلبني وأحلبني، واحملني وأحملني،
واعكمني وأعكمني؛ فقوله: احلبني يريد: احلب لي؛ أي اكفني الحلب، وأحلبني: أعنّي عليه، وبقيته على مثل هذا). [معاني القرآن: 1/227-228]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تبغونها عوجاً}: مكسورة الأول، لأنه في الدّين، وكذلك في الكلام والعمل؛ فإذا كان في شيء قائمٍ نحو الحائط،
والجذع: فهو عوج مفتوح الأول.

{وأنتم شهداء}، أي: علماء به). [مجاز القرآن: 1/98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قل يا أهل الكتاب لم تصدّون عن سبيل اللّه من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما اللّه بغافل عمّا تعملون}أي: تبغون لها العوج، يقال في الأمر والدين عوج وفي كل شيء مائل عوج، والعرب تقول: ابغني كذا وكذا، أي أطلبه لي، وتقول: أبغني كذا وكذا بفتح الألف تريد أعني على طلبه أي أطلبه معي كما تقول: أعكمني وأحلبني أي أعني على العكم والحلب.
ومعنى {وأنتم شهداء} أي: وأنتم تشهدون بما قد ثبت في نفوسكم أن أمر النبي حق واللّه غير غافل عن عملكم). [معاني القرآن: 1/447]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الّذين أوتوا الكتاب يردّوكم بعد إيمانكم كافرين} يعني: بالفريق الصنف، الذين كفروا، أي إن قلدتموهم ردوكم كافرين، أي: وإن كنتم على غير دينهم وكنتم في عقدكم ذلك كافرين فكذلك إن أطعتموهم أو اتبعتوهم فأنتم كافرون). [معاني القرآن: 1/448]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين}
قال قتادة: حذركموهم الله لأنهم غيروا كتابهم.
وفي الحديث: ((لا تصدقوا أهل الكتاب فيما لا تعرفون ولا تكذبوهم فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم)).). [معاني القرآن: 1/449-450]

تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ومن يعتصم باللّه} أي: يمتنع باللّه.
وأصل العصمة: المنع. ومنه يقال: عصمه الطعام، أي: منعه من الجوع).
[تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات اللّه وفيكم رسوله ومن يعتصم باللّه فقد هدي إلى صراط مستقيم} أي: على أي حال يقع منكم الكفر وآيات اللّه التي أتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - دالة على توحيد اللّه ونبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - تتلى عليكم وفيكم رسوله يبين لكم هذه الآيات.
وجائز أن يقال: فيكم رسوله والنبي شاهد.
وجائز أن يقال لنا: الآن فيكم رسول اللّه لأن آثاره وعلاماته والقرآن الذي أتى به فينا وهو من الآيات العظام.

وقوله جلّ وعزّ: {ومن يعتصم باللّه} أي: من يمتنع باللّه، ويستمسك بحبل اللّه {فقد هدي إلى صراط مستقيم}.
و{يعتصم} جزم بمن. والجواب: {فقد هدي}، ومعنى: اعتصمت بكذا وكذا في اللغة: استمسكت وامتنعت به من غيره وكذلك {لا عاصم اليوم من أمر اللّه} ومعنى {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} أي: يمنعني من الماء أي لاذا عصمة ولاذا امتناع من اللّه). [معاني القرآن: 1/448]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات لله وفيكم رسوله}
قال الأخفش سعيد بن مسعدة، معنى: كيف على أبي حال.
وقال غيره، معنى: وفيكم رسوله أي يبين لكم.
ويجوز أن تكون: هذه المخاطبة يدخل فيها من لم ير النبي صلى الله عليه وسلم لأن آثاره وسنته بمنزلة مشاهدته .
ثم قال جل وعز: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} معنى: يعتصم يمتنع). [معاني القرآن: 1/450-451]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يعتصم} يمتنع.
وأصل العصمة: المنع).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 102 إلى 109]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون} أي: اتقوه فيما يحق عليكم أن تتقوه فيه.
قال بعضهم {حقّ تقاته}: أن يطاع فلا يعصي وأن يذكر فلا ينسى، ومعنى يذكر فلا ينسى: أن يذكر عند ما يجب من أمره فلا يتجاوز أمره.
وقال بعضهم: هذه الآية منسوخة نسخها قوله جلّ وعزّ: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم}
وقوله جلّ وعزّ: {لا يكلّف اللّه نفسا إلّا وسعها} وتقاة أصلها: وقاة وهي من وقيت إلا أن الواو لم تأت في هذا المثال على أصلها، ولم يقل في هذا المثال شيء إلا والتاء فيه مبدلة من الواو وكذلك قالوا تخمة إنما هي من الوخامة، وكذلك قالوا: في فعال نحو التراث والتجاه، وتجاه في معنى المواجهة.
وهذا المثال فيه أوجه: إذا بنيت فعلة من وقيت قلت تقاة وهو الذي يختاره النحويون، ولم يأت في اللغة على هذا المثال شيء إلا وقد أبدلت التاء من واوه.
ويجوز أن يقال وقاة، وأقاه لأن الواو إذا انضمت وكانت أولا فأنت في البدل منها بالخيار، إن شئت أبدلت منها همزة، وإن شئت أقررتها على هيئتها، وإن شئت في هذا المثال خاصة أبدلت منها التاء.
وقوله جلّ وعزّ: {ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون}.
لفظ النهي واقع على الموت، والمعنى: واقع على الأمر بالإقامة على الإسلام.
المعنى: كونوا على الإسلام فإذا ورد عليكم الموت صادفكم على ذلك.
وإنما جاز هذا لأنه ليس في الكلام لبس، لأنه يعلم منه أنهم لا ينهون عما لا يفعلون، ومثله في الكلام، "لا أرينك ههنا " فالنهي واقع في اللفظ على المخاطبة، والمعنى: لا تكونن ههنا فإن من كان ههنا رأيته ولكن الكلام قصد به إلى الإيجاز والاختصار إذ لم يكن فيه نقص معنى). [معاني القرآن: 1/448-449]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته}
قال ابن مسعود: حق تقاته أن يشكر فلا يكفر وأن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى، وروي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة: نسخ هذه الآية قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}
قال أبو جعفر: لا يجوز أن يقع في هذا ناسخ ولا منسوخ لأن الله تعالى لا يكلف الناس إلا ما يستطيعون.
وقوله: {فاتقوا الله ما استطعتم مبين} لقوله: {اتقوا الله حق تقاته} وهو على ما فسره ابن مسعود أن يذكر الله عندما يجب عليه فلا ينساه.
وقوله عز وجل: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} المعنى: كونوا على الإسلام حتى يأتيكم الموت وأنتم مسلمون لأنه قد علم لا ينهاهم عما لا يملكون.
وحكى سيبويه: لا أرينك ههنا فهو لم ينه نفسه وإنما المعنى لا تكن ههنا فإنه من يكن ههنا أره). [معاني القرآن: 1/451-453]

تفسير قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {واعتصموا بحبل اللّه جميعاً...}
الكلام العربيّ هكذا بالباء، وربما طرحت العرب الباء فقالوا: اعتصمت بك واعتصمتك؛ قال بعضهم:
إذا أنت جازيت الإخاء بمثله * وآسيتني ثم اعتصمت حباليا
فألقى الباء. وهو كقولك: تعلّقت زيدا، وتعلقت بزيد. وأنشد بعضهم:
تعلّقت هندا ناشئا ذات مئزرٍ * وأنت وقد قارفت لم تدر ما الحلم). [معاني القرآن: 1/228]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {على شفا حفرةٍ} أي: حرفٍ مثل شفا الرّكيّة وحروفها. {فأنقذكم منها} ترك {شفا}، ووقع التأنيث على {حفرة} وتصنع العرب مثل هذا كثيراً، قال جرير:
رأت مرّ السنين أخذن مني... كما أخذ السّرار من الهلال
وقال العّجاج:
طول الليالي أسرعت في نقضى... طوين طولى وطوين عرضي). [مجاز القرآن: 1/98-99]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمت اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرةٍ مّن النّار فأنقذكم مّنها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون}
قال الله تعالى: {واذكروا نعمت اللّه عليكم إذ كنتم أعداء} على التفسير بقطع الكلام عند قوله: {اذكروا نعمت اللّه عليكم} ثم فسر آية التأليف بين قلوبهم وأخبر بالذي كانوا فيه قبل التأليف كما تقول "أسمك الحائط أن يميل".
{وكنتم على شفا حفرةٍ} فـ"الشّفا" متصور مثل "القفا" وتثنيته بالواو تقول: "شفوان" لأنه لا يكون فيه الإمالة، فلما لم تجيء فيه الإمالة عرفت أنّه من الواو). [معاني القرآن: 1/178]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({واعتصموا بحبل اللّه} أي: بدينه [وعهده].
{شفا حفرةٍ} أي: حرف حفرة ومنه «أشفى على كذا» إذا أشرف عليه). [تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وكذلك الحبل، قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} أي: بعهد الله أو بكتابه، يريد: تمسكوا به، لأنه وصلة لكم إليه وإلى جنّته). [تأويل مشكل القرآن: 464]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( (وقوله جلّ وعزّ: {واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمت اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون}
{جميعا} منصوب على الحال المعنى: كونوا مجتمعين على الاعتصام به.
وتفسير {واعتصموا بحبل اللّه}، أي: استمسكوا بعهد اللّه.
والحبل في لغة العرب: العهد.
قال الأعشى:
وإذا أجوز بها حبال قبيلة... أخذت من الأخرى إليك حبالها
ومعنى {ولا تفرّقو} أي: تناصروا على دين الله.
وأصل تفرقوا: تتفرقوا إلا أن التاء حذفت لاجتماع حرفين من جنس واحد في كلمة، والمحذوفة الثانية لأن الأولى دالة على الاستقبال فلا يجوز حذف الحرف الذي يدل على الاستقبال وهو مجؤوم بالنهي، الأصل ولا تتفرقون فحذفت النون لتدل على الجزم.

وقوله جلّ وعزّ: {واذكروا نعمت اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}.
ذكّرهم اللّه بعظيم النعمة عليهم في الإسلام لأنهم كانوا في جاهليتهم يقتل بعضهم بعضا، ويستبيح كل غالب منهم من غلبه فحظر عليهم الإسلام الأنفس والأموال إلا بحقها، فعرفهم اللّه - عزّ وجلّ - ما لهم من الحظ في العاجل في الدخول في الإسلام.
وقيل: نزلت في الأوس والخزرج لأنهم كانت بينهم في الجاهلية حروب دائمة قد أتت عليها السنون الكثيرة، فأزال الإسلام تلك الحروب وصاروا إخوانا في الإسلام متوادين على ذلك، وأصل الأخ في اللغة: أن الأخ مقصده مقصد أخيه، وكذلك هوي الصداقة أن تكون إرادة كل واحد من الأخوين موافقة لما يريد صاحبه والعرب تقول: فلان يتوخى مسار فلان أي يقصد ما يسره.
وقوله جل وعلا: {وكنتم على شفا حفرة من النّار} أي" كنتم قد أشرفتم على النار وشفا الشيء، حرفه مقصور يكتب بالألف، وتثنيته شفوان، وقال - {فأنقذكم منها}، ولم يقل منه لأن المقصود في الخبر النار. أي فأنقذكم منها بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله جل وعلا - {كذلك يبيّن اللّه لكم آياته} الكاف في موضع نصب.
المعنى: مثل البيان الذي يتلى عليكم يبين الله لكم آياته.

ومعنى {لعلّكم تهتدون} أي: لتكونوا على رجاء هدايته). [معاني القرآن: 1/449-451]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}
قال عبد الله ابن مسعود: حبل الله القرآن.
وقال ابن عباس: الحبل العهد.
وقال الاعشى:
وإذا تجوزها حبال قبيلة = أخذت من الأخرى إليك حبالها
وأصل الحبل في اللغة: السبب ومنه سمي حبل البئر لأنه السبب الذي يوصل به إلى ما بها، ومنه قيل فلان يحطب في حبل فلان، أي: يميل إليه وإلى أسبابه، وأصل هذا: أن الحاطب يقطع أغصان الشجر فيجعلها في حبله فإذا قطع غيره وجعله في حبله قيل هو يحطب في حبله، ومنه قولهم حبلك على غاربك أي قد خليتك من سبي وأمري ونهي،وأصل هذا: أن الإبل إذا أهملت للرعي ألقيت حبالها على غواربها لئلا تتعلق بشوك أو غيره فيشغلها عن الرعي
ومعنى {ولا تفرقوا}: ولا تتفرقوا ثم حذفت إحدى التاءين وقيل لهم هذا لأن اليهود والنصارى تفرقوا وكفر بعضهم بعضا.
ثم قال عز وجل: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}
قال عكرمة: هذا في الأنصار كانت بينهم شرور فألف الله بينهم بالإسلام.
وقيل: هو عام لقريش لأن بعضهم كان يغير على بعض فلما دخلوا في الإسلام حرمت عليهم الدماء فأصبحوا إخوانا، أي: يقصد بعضهم مقصد بعض، ثم قال تعالى: {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} وهذا تمثيل، والشفا: الحرف ومنه أشفى فلان على كذا إذا اشرف عليه). [معاني القرآن: 1/453-455]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بحبل الله} أي: بالقرآن، وقيل بدينه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الشَفَا): حرف كل شيء). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير}، و{كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}، أما قوله: {إنّ إبرهيم كان أمّةً قانتاً} أي: كان إماماً مطيعاً، ويقال أنت أمّة في هذا الأمر، أي: يؤتم بك. {وادّكر بعد أمّةٍ}: بعد قرن، ويقال: (بعد أمهٍ) أي نسيان، نسيت كذا وكذا: أي أمهت، وأنا آمهه، ويقال: هو ذو أمهٍ. مكسور الميم، وبعضهم يقول: ذو أمّةٍ بمعنًى واحد، أي ذو دين واستقامة؛ وكانوا بأمةٍ وبإمة، أي: استقامة من عيشهم، أي دوم منه؛ {كنتم خير أمّة} أي: جماعة؛ وهو أمّةٌ على حدة، أي واحد، ويقال: يبعث زيد بن عمرو ابن نفيل أمةً وحده، وقال النابغة في أمة وإمّةٍ، معناه: الدّين والاستقامة:
وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
ذو أمة: بالرّفع والكسر، والمعنى الدّين، والاستقامة). [مجاز القرآن: 1/99-100]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولتكن مّنكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}
قال تعالى: {ولتكن مّنكم أمّةٌ يدعون إلى الخير} و"أمّةٌ" في اللفظ واحد وفي المعنى جمع فلذلك قال: {يدعون} [وفي] {ولتكن} جزم السلام بعضهم أيضاً). [معاني القرآن: 1/178-179]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير} أي: معلّمون للخير.
والأمّة تتصرف على وجوه قد بينتها في «تأويل المشكل»).
[تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقد تكون الأمة: جماعة العلماء، كقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} أي: يعلمون). [تأويل مشكل القرآن: 446]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}
اللام مسكنة وأصلها الكسر، الأصل ولتكن منكم ولكن الكسرة حذفت لأن الواو صارت مع الكلمة كحرف واحد وألزمت الحذف، وإن قرئت ولتكن - بالكسر - فجيد على الأصل، ولكن التخفيف أجود وأكثر في كلام العرب.
ومعنى - {ولتكن منكم أمّة} - واللّه أعلم - : ولتكونوا كلكم أمّة تدعون إلى الخير وتأمرون بالمعروف، ولكن " من " تدخل ههنا لتخص المخاطبين من سائر الأجناس وهي مؤكدة أن الأمر للمخاطبين ومثل هذا من كتاب اللّه {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} ليس يأمرهم باجتناب بعض الأوثان، ولكن المعنى: اجتنبوا الأوثان فإنها رجس ومثله من الشعر قول الشاعر:
أخو رغاتب يعطيها ويسألها... يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
أي: هو النوفل الزفر، لأنه قد وصفه بإعطاء الرغائب، والنوفل الكثير الإعطاء للنوافل، والزفر الذي يحمل الأثقال.
والدليل على أنهم أمروا كلهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله جل وعلا: {كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}.
ويجوز أن تكون: أمرت منهم فرقة، لأن قوله {ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير} ذكر الدعاة إلى الإيمان، والدعاة ينبغي أن يكونوا علماء بما يدعون إليه وليس الخلق كلهم علماء والعلم ينوب فيه بعض الناس عن بعض، وكذلك الجهاد.
وقوله جل وعلا: {وأولئك هم المفلحون}أي: والذين ذكرناهم المفلحون، والمفلح الفائز بما يغتبط به.
و{هم} جائز أن يكون ابتداء و {المفلحون} خبر أولئك و {هم} فصل، وهو الذي يسميه الكوفيون العماد). [معاني القرآن: 1/451-453]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}
قال أبو عبيدة: الأمة الجماعة ومن ههنا ليست للتبعيض وإنما هي لبيان الجنس كما قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}
ولم يأمرهم باجتناب بعض الأوثان وإنما المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان). [معاني القرآن: 1/455-456]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل ثناؤه: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم} أي: لا تكونوا كأهل الكتاب، يعني به اليهود والنصارى وكتابهم جميعا التوراة، وهم مختلفون، كل فرقة منهم - وإن اتفقت في باب النصرانية أو اليهودية - مختلفة أيضا، كالنصارى الذين هم نسطورية ويعقوبية وملكانية، فأمر اللّه بالاجتماع على كتابه، وأعلم أن التفرق فيه يخرج أهله إلى مثل ما خرج إليه أهل الكتاب في كفرهم، فأعلم الله أن لهم عذابا عظيما، فقال: {وأولئك لهم عذاب عظيم}.
ثم أخبر بوقت ذلك العذاب فقال: {يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}]). [معاني القرآن: 1/453]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ...}
لم يذكّر الفعل أحد من القرّاء كما قيل {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} وقوله: {لا يحلّ لك النساء من بعد} وإنما سهل التذكير في هذين لأن معهما جحدا، والمعنى فيه: لا يحلّ لك أحد من النساء، ولن ينال الله شيء من لحومها، فذهب بالتذكير إلى المعنى، والوجوه ليس ذلك فيها، ولو ذكّر فعل الوجوه كما تقول: قام القوم لجاز ذلك.
وقوله: {فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم} يقال: (أمّا) لا بدّ لها من الفاء جوابا فأين هي؟ فيقال: إنها كانت مع قولٍ مضمر، فلمّا سقط القول سقطت الفاء معه،
والمعنى - والله أعلم -:
فأمّا الذين اسودّت وجوههم فيقال: أكفرتم،
فسقطت الفاء مع (فيقال). والقول قد يضمر. ومنه في كتاب الله شيء كثير؛ من ذلك قوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا} وقوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا} وفي قراءة عبد الله "ويقولان ربّنا"). [معاني القرآن: 1/228-229]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأمّا الذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم}: العرب تختصر لعلم المخاطب بما أريد به، فكأنه خرج مخرج قولك: فأما الذين كفروا فيقول لهم: أكفرتم، فحذف هذا واختصر الكلام، وقال الأسديّ:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها... بني شاب قرناها تصرّ وتحلب
أراد: بنى التي شاب قرناها، وقال النابغة الذيبانيّ:
كأنك من جمال بني أقيشٍ... يقعقع خلف رجليه بشنّ
بني أقيشٍ: حيٌّ من الجن، أراد: كأنك جمل يقعقع خلف الجمل بشنّ، فألقى الجمل، ففهم عنه ما أراد). [مجاز القرآن: 1/100-101]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}
أما قوله: {فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم} على "فيقال لهم أكفرتم".
مثل قوله: {والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم} وهذا في القرآن كثير).
[معاني القرآن: 1/179]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومن ذلك: حذف الكلمة والكلمتين.
كقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} والمعنى: فيقال لهم: أكفرتم؟). [تأويل مشكل القرآن: 216] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} أي: يثبت لهم العذاب ذلك اليوم، وابيضاضها إشراقها وإسفارها، قال الله عزّ وجلّ: (وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة} أسفرت واستبشرت لما تصير إليه من ثواب الله ورحمته، وتسود وجوه اسودادها لما تصير إليه من العذاب، قال اللّه: {ووجوه يومئذ عليها غبرة }
والكلام. تسود وتبيض بفتح التاء - الأصل " تسودد " و " تبيضض إلا أن الحرفين إذا اجتمعا وتحركا أدغم الأول في الثاني.
وكثير من العرب تكسر هذه التاء من تسود وتبيض والقراءة بالفتح والكسر قليل إلا أن كئيرا من العرب يكسر هذه التاء ليبيّن أنها من قولك أبيض وأسود فكأن الكسرة دليل على أنه كذلك في الماضي.
وقرأ بعضهم " تسواد وتبياض " وهو جيّد في العربية إلا أن المصحف ليست فيه ألف فأنا أكرهها لخلافه على أنه قد تحذف ألفات في القرآن نحو ألف إبراهيم وإسماعيل ونحو ألف الرحمن؛ ولكن الإجماع على إثبات هذه الألفات المحذوفة في الكتاب في اللفظ، وتبيض وتسود إجماع بغير ألف فلا ينبغي أن يقرأ بإثبات الألف.
وقوله جل وعلا: {فأمّا الّذين اسودّت وجوههم} تدل على: أن القراءة تسود، ومن قرأ بالألف تسواد وتبياض وجب أن يقرأ: فأما الذين اسوادت وجوههم.
وجواب أما محذوف مع القول.
المعنى فيقال لهم: {أكفرتم بعد إيمانكم}.
وحذف القول لأن في الكلام دليلا عليه وهذا كثير في القرآن، كقوله عزّ وجلّ: (والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب * سلام عليكم}المعنى: يقولون {سلام عليكم}.
وكذلك قوله: {وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا} المعنى: يقولان ربّنا تقبّل منّا - هذه الألف لفظها لفظ الاستفهام ومعناها التقرير والتوبيخ.
وإنّما قيل لهم {أكفرتم بعد إيمانكم} لأنهم كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كانوا به مؤمنين قبل مبعثه.
وهذا خطاب لأهل الكتاب). [معاني القرآن: 1/453-455]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه}
ابيضاضها إشراقها كما قال تعالى: {وجوه يوم يومئذ مسفرة}
ثم قال تعالى: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}
في الكلام محذوف، والمعنى: فأما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم أكفرتم بعد إيمانكم.
وأجمع أهل العربية على: أنه لا بد من الفاء في جواب أما لأن المعنى في قولك أما زيد فمنطلق مهما يكن من شيء فزيد منطلق.
قال مجاهد في قوله تعالى: {أكفرتم بعد إيمانكم} بعد أخذ الميثاق.
ويدل على هذا قوله جل وعلا: {وإذ أخذ ربك من بني آدم} الآية
وقيل: هم اليهود بشروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم كفروا به من بعد مبعثه فقيل لهم أكفرتم بعد إيمانكم
وقيل: هو عام أي كفرتم بعد أن كنتم صغارا تجري عليكم أحكام المؤمنين). [معاني القرآن: 1/456-458]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومن الاستعارة: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} يعني: جنّته، سمّاها رحمة، لأن دخولهم إيّاها كان برحمته.
ومثله قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ} {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ}). [تأويل مشكل القرآن: 145-146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعلا: {وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون}
{ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون} أي: في الثواب - الذي أصارهم اللّه إليه برحمة - خالدون.
أعلم أنّه إنما يدخل الجنة برحمته وإن اجتهد المجتهد في طاعة اللّه لأن نعم اللّه عزّ وجلّ دون الجنة لا يكافئها اجتهاد الآدميين.
وقال {ففي رحمة اللّه} وهو يريد ثواب رحمة اللّه كما فال: {واسأل القرية} المعنى: أهل القرية، كما تقول العرب بنو فلان يطؤهم الطريق، المعنى: يطؤهم مارة الطريق.
وذكر {فيها} ثانية على جهة التوكيد). [معاني القرآن: 1/455]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون}معنى: ففي رحمة الله هم فيها خالدون ففي ثواب رحمة الله). [معاني القرآن: 1/458]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تلك آيات اللّه...}
يريد: هذه آيات الله. وقد فسّر شأنها في أوّل البقرة). [معاني القرآن: 1/229]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحقّ} أي: عجائب الله، {نتلوها}: نقصّها). [مجاز القرآن: 1/101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وما اللّه يريد ظلما للعالمين} أي: تلك التي قد جرى ذكرها حجج اللّه وعلاماته {نتلوها عليك}أي: نعرفك إياها {وما اللّه يريد ظلما للعالمين} أي: من أعلم اللّه أنه يعذبه فباستحقاق يعذبه). [معاني القرآن: 1/455]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور}
قال عز وجل: {وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور} فثنى الاسم وأظهره، وهذا مثل "أمّا زيدٌ فقد ذهب زيدٌ". قال الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ = نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا
فأظهر في موضع الإضمار). [معاني القرآن: 1/179]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور}
{وإلى اللّه ترجع الأمور}.
ولو كانت " وإليه ترجع الأمور " لكان حسنا ولكن إعادة اسم الله أفخم وأوكد، والعرب إذا جرى ذكر شيء مفخم أعادوا لفظه مظهرا غير مضمر، أنشد النحويون قول الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء... نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا
فأعادوا ذكر الموت لفخامة في نفوسهم). [معاني القرآن: 1/455-456]


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات 110 إلى 115]

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}

تفسير قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {كنتم خير أمّةٍ...}
في التأويل: في اللوح المحفوظ. ومعناه أنتم خير أمّة؛ كقوله: {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم}، و{إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض} فإضمار كان في مثل هذا وإظهارها سواء). [معاني القرآن: 1/229]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير}، و{كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}، أما قوله: {إنّ إبرهيم كان أمّةً قانتاً} أي: كان إماماً مطيعاً، ويقال أنت أمّة في هذا الأمر، أي: يؤتم بك. {وادّكر بعد أمّةٍ}: بعد قرن، ويقال: (بعد أمهٍ) أي: نسيان، نسيت كذا وكذا: أي: أمهت، وأنا آمهه، ويقال: هو ذو أمهٍ. مكسور الميم، وبعضهم يقول: ذو أمّةٍ بمعنًى واحد، أي ذو دين واستقامة؛ وكانوا بأمةٍ وبإمة، أي استقامة من عيشهم، أي: دوم منه؛ {كنتم خير أمّة} أي: جماعة؛ وهو أمّةٌ على حدة، أي: واحد، ويقال: يبعث زيد بن عمرو ابن نفيل أمةً وحده، وقال النابغة في أمة وإمّةٍ، معناه الدّين والاستقامة:
وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
ذو أمة: بالرّفع والكسر، والمعنى الدّين، والاستقامة). [مجاز القرآن: 1/99-100] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لّهم مّنهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}
قال تعالى: {كنتم خير أمّةٍ} يريد "أهل أمّةٍ" لأنّ الأمّة الطريقة. والأمّة أيضاً لغة. قال النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً = وهل يأثمن ذو أمّةٍ وهو طائع). [معاني القرآن: 1/179]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أي: أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي: وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.
وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، يريد: يوم القيامة. أي: سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، أي: من هو صبيّ في المهد.
وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}.
إنما هو: الله سميع بصير، والله على كل شيء قدير.
وقوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ}، أي: فنسوقه.
في أشباه لهذا كثيرة في القرآن). [تأويل مشكل القرآن:295-296]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} يعني به: أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقيل في معنى {كنتم خير أمّة أخرجت} كنتم عند الله في اللوح المحفوظ - وقيل كنتم منذ آمنتم خير أمة.
وقال بعضهم معنى {كنتم خير أمة}: هذا الخطاب أصله إنّه خوطب به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعم سائر أمّة محمد، والشريطة في الخيرية ما هو في الكلام وهو قوله عزّ وجلّ:

{تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه}أي: توحدون اللّه بالإيمان برسوله لأن من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوحد اللّه، وذلك أنه يزعم أن الآيات المعجزات التي أتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذات نفسه فجعل غير الله يفعل فعل اللّه وآيات الأنبياء، لا يقدر عليها إلا اللّه عزّ وجلّ.
ويدل على أن قوله: {وتؤمنون باللّه}: تقرون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبي اللّه.
قوله عزّ وجلّ: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم} فأهل الكتاب كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فصاروا كفارا باللّه فأعلم اللّه أن بعضهم وهو القليل منهم آمن باللّه فقال:
{منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}والفاسق: الذي خرج عن أمر اللّه). [معاني القرآن: 1/456]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نحن نكمل سبعين أمة نحن آخرها وأكرمها على الله)).
وقال أبو هريرة: نحن خير الناس للناس نسوقهم بالسلاسل إلى الإسلام.
وقال ابن عباس: نزلت فيمن هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
وقيل معنى {كنتم خير أمة أخرجت للناس}: كنتم في اللوح المحفوظ
وقيل {كنتم} منذ آمنتم.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: على هذا الشرط على أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر ثم بينه.
وقال عطية: شهدتم للنبيين صلى الله عليهم أجمعين بالبلاغ الذين كفر بهم قومهم .
ثم بين الخيرية التي هي فيهم فقال {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}
ثم بين أن الإيمان بالله لا يقبل إلا بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به فقال عز وجل: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}
والفاسق: الخارج عن الحق). [معاني القرآن: 1/458-460]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (وقوله: {كنتم خير أمة} أي: أنتم، وقوله - أيضا: كنتم خير أمة، أي: في علم الله - عز وجل). [ياقوتة الصراط: 190]

تفسير قوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يولّوكم الأدبار...}
مجزوم؛ لأنه جواب للجزاء {ثمّ لا ينصرون} مرفوع على الاستئناف، ولأن رءوس الآيات بالنون، فذلك مما يقوّي الرفع؛ كما قال {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} فرفع، وقال تبارك وتعالى: {لا يقضى عليهم فيموتوا}). [معاني القرآن: 1/229]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لن يضرّوكم إلاّ أذًى وإن يقاتلوكم يولّوكم الأدبار ثمّ لا ينصرون}
قال: {لن يضرّوكم إلاّ أذًى} استثناء يخرج من أول الكلام.
وهو كما روى يونس عن بعض العرب أنه قال: "ما أشتكي شيئاً إلاّ خيراً". ومثله {لاّ يذوقون فيها برداً ولا شراباً * إلاّ حميماً وغسّاقاً}). [معاني القرآن: 1/180]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لن يضرّوكم إلّا أذىً} أي: لم تبلغ عداوتهم لكم أن يضروكم في أنفسكم، إنما هو أذى بالقول). [تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ووعد اللّه النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين في أهل الكتاب أنهم منصورون عليهم، وأنه لا ينالهم من أهل الكتاب اصطلام ولا غلبة فقال: {لن يضرّوكم إلّا أذى وإن يقاتلوكم يولّوكم الأدبار ثمّ لا ينصرون} أي: يؤذونكم بالبهت والتحريف، فأمّا العاقبة فتكون للمؤمنين.
قال اللّه - عزّ وجلّ -: {ولئن نصروهم ليولّنّ الأدبار ثمّ لا ينصرون} يعني به: أهل الكتاب؛ وأعلمهم في هذه الآية أنهم إن قاتلوهم ولوهم الأدبار وسلبوا النصر وكذلك كان أمر اليهود). [معاني القرآن: 1/457]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار}
أخبر الله تعالى اليهود لن يضروا المسلمين إلا بتحريف أو بهت فأما الغلبة فلا تكون لهم). [معاني القرآن: 1/460]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لن يضروكم} في أنفسكم {إلا أذى} أي: بالقول). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]

تفسير قوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ بحبلٍ مّن اللّه...}
يقول: إلا أن يعتصموا بحبل من الله؛ فأضمر ذلك، وقال الشاعر:
رأتني بحبليها فصدّت مخافةً * وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق
أراد: أقبلت بحبليها، وقال الآخر:
حنتني حانيات الدهر حتى * كأني خاتل أدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني * ولست مقيّدا أني بقيد
يريد: مقيّدا بقيد). [معاني القرآن: 1/230]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ بحبل من الله}: إلا بعهد من الله، قال الأعشى:
وإذا تجوّزها حبال قبيلةٍ... أخذت من الأخرى إليك حبالها
{وباءوا بغضبٍ من الله} أي: أحرزوه وبانوا به.
{وضربت عليهم المسكنة} أي: ألزموا المسكنة). [مجاز القرآن: 1/101]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ضربت عليهم الذّلّة أين ما ثقفوا إلاّ بحبلٍ مّن اللّه وحبلٍ مّن النّاس وباءوا بغضبٍ مّن اللّه وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنّهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ويقتلون الأنبياء بغير حقٍّ ذلك بما عصوا وّكانوا يعتدون}
[قال] {ضربت عليهم الذّلّة أين ما ثقفوا إلاّ بحبلٍ مّن اللّه} فهذا مثل {لن يضرّوكم إلاّ أذى} استثناء خارج من أول الكلام في معنى "لكنّ" وليس بأشد من قوله: {لاّ يسمعون فيها لغواً إلاّ سلاماً}). [معاني القرآن: 1/180]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إلا بحبل من الله}: الحبل العهد). [غريب القرآن وتفسيره: 109]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا بحبلٍ من اللّه} أي: بلسان وعهد. [والحبل] يتصرف على وجوه قد ذكرتها في «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ويقال للأمان أيضا: حبل، لأنّ الخائف مستتر مقموع، والآمن منبسط بالأمان متصرّف، فهو له حبل إلى كل موضع يريده.
قال الله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} أي: بأمان.
وقال الأعشى:
وإذا تُجَوِّزُهَا حِبَالُ قبيلةٍ = أَخَذَت مِنَ الأُخْرَى إِلَيْكَ حِبَالَهَا
وأما قول امرئ القيس:
إنِّي بحبلكَ وَاصِلٌ حَبْلِي = وَبريشِ نَبْلِكَ رَائِشٌ نَبْلِي
فإنه يريد: إنّي واصل بيني وبينك.
وأصل هذا: يكون في البعيرين يكونان مفترقين وعلى كل واحد منهما حبل، فيقرنان بأن يوصل حبل هذا بحبل هذا.
وقال أبو زبيد يذكر رجلا سرى ليلة كلها:
ناط أمر الضّعاف فاجتعل اللّيـ = ــل كحبل العاديّة الممدود.
يريد: أن مسيره اتصل الليل كلّه، فكان كحبل ممدود). [تأويل مشكل القرآن:464-466]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {ضربت عليهم الذّلّة أين ما ثقفوا إلّا بحبل من اللّه وحبل من النّاس وباءوا بغضب من اللّه وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنّهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ويقتلون الأنبياء بغير حقّ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}
والحبل: العهد.
فأعلم اللّه أنهم بعد عزّ كانوا فيه يبلغون في الذلة ما لا يبلغه أهل مكة، وكانوا ذوي منعة ويسار، فأعلم اللّه أنهم يذلون أبدا إلا أن يعزوا بالذمة التي يعطونها في الإسلام. وما بعد الاستثناء، ليس من الأول أنهم أذلاء إلا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أعطوه.

وأعلم اللّه أنهم جعلت عقوبتهم هذه العقوبة الغليظة في الدنيا والآخرة لتغليظ ما ركبوه فقال - جل وعلا: {ذلك بأنّهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ويقتلون الأنبياء بغير حقّ}.
وضع ذلك رفع بالابتداء المعنى أمرهم ذلك وحقهم ذلك بكفرهم.
وقتلهم الأنبياء وأعاد ذكر ذلك ثانية فقال: {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}.
الاعتداء المجاوزة في كل شيء - مجاوزة القدر - المعنى حقها بكفرهم - فأعلم الله أنهم غير متساوين فقال:
{ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}). [معاني القرآن: 1/457-458]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم أخبر تعالى أنهم أذلاء فقال {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس}
قال ابن عباس: الحبل العهد.
قال أبو جعفر: هذا استثناء ليس من الأول والمعنى ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا أنهم يعتصمون بحبل من الله وحبل من الناس يعني الذمة التي لهم.
ثم قال تعالى: {وباءوا بغضب من الله}أي: رجعوا وقيل احتملوا.
وحقيقته في اللغة: أنه لزمهم ذلك وتبوأ فلان الدار من هذا أي لزمها.
ثم خبر تعالى لم فعل بهم ذلك فقال {ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}والاعتداء: التجاوز). [معاني القرآن: 1/461-462]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّه} أي: بأمان وصحة عهد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 51]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ليسوا سواء مّن أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ...}
ذكر أمّه ولم يذكر بعدها أخرى، والكلام مبنيّ على أخرى يراد؛ لأن سواء لا بدّ لها من اثنين فما زاد.
ورفع الأمة على وجهين:
أحدهما: أنك تكرّه على سواء كأنك قلت: لا تستوي أمة صالحة وأخرى كافرة منها أمّة كذا وأمّة كذا، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان في الكلام دليل عليه، قال الشاعر:

عصيت إليها القلب إني لأمرها * سميع فما أدري أرشد طلابها
ولم يقل: أم غيّ، ولا: أم لا؛ لأن الكلام معروف والمعنى. وقال الآخر:
أراك فلا أدري أهمّ هممته * وذو الهمّ قدماً خاشع متضائل
وقال الآخر:
وما أدري إذا يمّمت وجها * أريد الخير أيّهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه * أم الشرّ الذي لا يأتليني
ومنه قول الله تبارك وتعالى: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما} ولم يذكر الذي هو ضدّه؛ لأنّ قوله: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} دليل على ما أضمر من ذلك.
وقوله: {يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} السجود في هذا الموضع اسم للصلاة لا للسجود؛ لأن التلاوة لا تكون في السجود ولا في الركوع). [معاني القرآن: 1/230-231]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ليسوا سوءاً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ}: العرب تجوّز في كلامهم مثل هذا أن يقولوا: أكلوني البراغيث، قال أبو عبيدة: سمعتها من أبي عمرو والهذلي في منطقه، وكان وجه الكلام أن يقول: أكلني البراغيث.
وفي القرآن: {عموا وصمّوا كثيرٌ منهم}: وقد يجوز أن يجعله كلامين، فكأنك قلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب}، ثم قلت: {أمّةٌ قائمةٌ}، ومعنى {قائمة}: مستقيمة.
{آناء اللّيل}: ساعات الليل، واحدها (إنيٌ)، تقديرها: (جثىٌ)، والجميع (أجثاء)، قال أبو أثيلة:
حلوٌ ومرٌّ كعطف القدح مرّته... في كل إنيٍ قضاه الليل ينتعل). [مجاز القرآن: 1/101-102]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ليسوا سواء مّن أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}
قال: {ليسوا سواء مّن أهل الكتاب} لأنه قد ذكرهم ثم فسره فقال: {مّن أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} ولم يقل "وأمّةٌ على خلاف هذه الأمّة" لأنه قد ذكر كل هذا قبل. وقال تعالى: {مّن أهل الكتاب} فهذا قد دل على أمة خلاف هذه.
قال تعالى: {آناء اللّيل} وواحد "الآناء" مقصور "إنى" فاعلم وقال بعضهم: "إني" كما ترى و"إنوٌ" وهو ساعات الليل. قال الشاعر:
السّالك الثّغر مخشيّاً موارده = في كلّ إنيٍ قضاه اللّيل ينتعل
قال: وسمعته "يختعل"). [معاني القرآن: 1/180-181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({آناء الليل}: ساعاته واحدها أنى وأني). [غريب القرآن وتفسيره: 109]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أمّةٌ قائمةٌ} أي: مواظبة على أمر اللّه). [تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} أي: عاملةٌ غيرُ تاركة). [تأويل مشكل القرآن: 182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال الله عز وجلّ: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}. فذكر أمّة واحدة ولم يذكر بعدها أخرى.
وسواء تأتي للمعادلة بين اثنين فما زاد). [تأويل مشكل القرآن: 215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}
{ليسوا سواء}
وهذا وقف التمام، أي: ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء.
قال أبو عبيدة: {ليسوا سواء} جمع ليس، وهو متقدم كما قال القائل: أكلوني البراغيث وكما قال: عموا وصمّوا كثير منهم.
وهذا ليس كما قال لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى، فأخبر اللّه أنهم غير متساوين فقال {ليسوا سواء}.
ثم أنبأ بافتراقهم فقال: {من أهل الكتاب أمّة قائمة}.
قال أهل اللغة: معنى قائمة: مستقيمة، ولم يبينوا حقيقة هذا وذكر الأخفش المعنى أمة قائمة، أي: ذو أمة قائمة والأمة الطريقة من أممت الشيء إذا قصدته.
فالمعنى واللّه أعلم: من أهل الكتاب أمّة قائمة، أي: ذوو طريقة قائمة.
قال النابغة الذبياني:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة... وهل يأتمن ذو أمة وهو طائع
أي: هل يأتمن ذو طريقة من طرائق الدين وهو طائع.
فإنما المعنى إنّه لا يستوي الذين قتلوا الأنبياء بغير حق والذين يتلون آيات اللّه آناء الليل وهم ذوو طريقة مستقيمة.
ومعنى {آناء الليل}: ساعات الليل، قال أهل اللغة واحد آناء الليل إني وآناء مثل، نحى وأنحاء وأنشد أهل اللغة في ذلك قول الشاعر:
حلو ومرّ كطعم القدح مرته... بكل إني حداه الليل ينتعل
قالوا واحدها إني مثل معي وأمعاء، وحكى الأخفش (إنو).
وقوله عزّ وجلّ: {وهم يسجدون}معناه: وهم يصلون لأن التلاوة ليست في السجود، وإنما ذكرت الصلاة بالسجود لأن السجود نهاية ما فيها من التواضع والخشوع والتضرع.
ومعنى {يتلون} في اللغة: يتبعون بعض الشيء بعضا، وقد استتلاك الشيء إذا جعلك تتبعه قال الشاعر:
قد جعلت دلوى تستليني... ولا أحب تبع القرين
إن لم يرد سماحتي وليني
وقال بعض أهل اللغة: المعنى منهم أمة قائمة وامة على غير ذلك، وأنشد في ذلك قول الشاعر:
عصائي إليها القلب أني لأمره... سميع فيما أدري أرشد طلابها
ولم يقل أم هو في غي لأن في الكلام دليلا عليه، قال: والعرب تضمر هذا إذا عرفت مثل هذا - عرفت المعنى.
وهذا الذي قال خطأ فاحش في مثل هذا المكان، لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى في هذه القصة بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه، ويقتلون الأنبياء بغير حق، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن منهم المؤمنين الذين هم أمّة قائمة، فما الحاجة إلى أن يقال غير قائمة وإنما المبدوء به ههنا ما كان من فعل أكثرهم من الكفر والمشاقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر من كان مباينا هؤلاء وذكر في التفسير أن هذا يعني به عبد اللّه بن سلام وأصحابه:
{يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين}). [معاني القرآن: 1/458-460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم أخبر عز وجل أنهم ليسوا مستوين وأن منهم من قد آمن فقال سبحانه: {ليسوا سواء} أي: ليس يستوي منهم من آمن ومن كفر.
ثم قال عز وجل: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل} قائمة: قال مجاهد: أي عادلة.
{يتلون آيات الله آناء الليل} قال الحسن والضحاك: ساعاته
والواحد إني ويقال إنو ويقال إنى). [معاني القرآن: 1/462-463]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين}
ومعنى {ويأمرون بالمعروف} ههنا أي: يأمرون باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -
{وينهون عن المنكر}: عن الإقامة على مشاقته - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 1/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} الأمر بالمعروف ههنا الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم
{وينهون عن المنكر} أي: ينهون عن مخالفته صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/463]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه واللّه عليم بالمتّقين}
قرئت بالياء والتاء وكلاهما صواب - كما قال اللّه عزّ وجلّ: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} - فالخطاب لسائر الخلق ومن قال {فلن تكفروه} فهو لهؤلاء المذكورين وسائر الخلق داخل معهم في ذلك.
وموضع {يفعلوا} جزم بالشرط، وهو {ما} والجواب {فلن يكفروه} ). [معاني القرآن: 1/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين}
من قرأ {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} فهو عنده لهؤلاء المذكورين ويكون من فعل الخير بمنزلتهم
ومن قرأ {وما تفعلوا من خير فلن تكفروه} بالتاء فهو عام). [معاني القرآن: 1/463-464]


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 116 إلى 120]

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} أي: لا تمنعهم أولادهم مما هو نازل بهم، لأنهم مالوا إلى الأموال في معاندتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الرياسة إنما قامت لهم - أعني - رؤساء اليهود - بمعاندتهم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والدليل على أنهم كسبوا بذلك قوله جلّ وعزّ: {فويل للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم ممّا كتبت أيديهم وويل لهم ممّا يكسبون}). [معاني القرآن: 1/460-461]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كمثل ريحٍ فيها صرٌّ أصابت حرث قومٍ} الصّر: شدة البرد، وعصوفٌ من الريح). [مجاز القرآن: 1/102]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فيها صر}: برد). [غريب القرآن وتفسيره: 109]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ريحٍ فيها صرٌّ} أي: برد.
ونهي عن الجراد عما قتله الصّر، أي: البرد.

{أصابت حرث قومٍ} أي: زرعهم). [تفسير غريب القرآن: 109]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم أعلم اللّه عزّ وجلّ أن مثل ما ينفقونه في تظاهرهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الضرر لهم: {كمثل ريح فيها صرّ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم اللّه ولكن أنفسهم يظلمون} والصر: البرد الشديد.
{أصابت حرث قوم} أي: زرع قوم ظلموا أنفسهم.
فعاقبهم اللّه بإذهاب زرعهم - فأهلكته.
فأعلم أن ضرر نفقتهم عليهم كضرر هذه الريح في هذا الزرع وقيل إنّه يعني به أهل مكة حين تعاونوا وأنفقوا الأموال على التظاهر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم: {مثل ما ينفقون} أي: مثل أعمالهم في شركهم كمثل هذه الريح.
وجعل فيها صر، أي: صوت، وهذا يخرج في اللغة.
وإنما جعل فيها صوتا لأنه جعل فيها نارا كأنّها نار أحرقت الزرع – فالصر على هذا القول صوت لهيب النار، وهذا كله غير ممتنع.
وجملته أن ما أنفق في التظاهر على عداوة الدّين مضر مهلك أهله في العاجل والأجل). [معاني القرآن: 1/461]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر}
قال ابن عباس: الصر البرد.
ومعنى صر في اللغة: أن الصر شدة البرد، وفي الحديث: أنه نهى عن الجراد الذي قتله الصر.
ومعنى الآية: شبه ما ينفقونه على قتال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بطلانه بريح {أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته} أي: زرع قوم عاقبهم الله بذلك فهلك زرعهم فكذلك أعمال هؤلاء لا يرجعون منها إلى شيء). [معاني القرآن: 1/464-465]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والصر: البرد). [ياقوتة الصراط: 190]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فِيهَا صِرٌّ} أي: برد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 51]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الصِّرٌّ}: البرد). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله تعالى: {قد بدت البغضاء من أفواههم...}
وفي قراءة عبد الله "وقد بدا البغضاء من أفواههم" ذكّر لأنّ البغضاء مصدر، والمصدر إذا كان مؤنّثا جاز تذكير فعله إذا تقدّم؛ مثل {وأخذ الذين ظلموا الصيحة} و{قد جاءكم بينة من ربكم} وأشباه ذلك). [معاني القرآن: 1/231]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم} البطانة: الدّخلاء من غيركم.
{لا يألونكم خبالاً} أي: لا تألوكم هذه البطانة خبالاً، أي: شّراً.
{قد بيّنّا لكم الآيات} أي: الأعلام). [مجاز القرآن: 1/103]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً مّن دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون}
قال تعالى: {لا يألونكم خبالاً} لأنها من "ألوت" و"ما آلو" "ألواً".
وقال تعالى: {ودّوا ما عنتّم} يقول {لا تتّخذوا بطانةً} {ودّوا} أي: أحبّوا {ما عنتّم} جعله من صفة "البطانة"، جعل {ما عنتّم} في موضع "العنت"). [معاني القرآن: 1/181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا تخذوا بطانة من دونكم}: دخلاء من غيركم). [غريب القرآن وتفسيره: 109]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا تتّخذوا بطانةً من دونكم} أي: دخلاء من دون المسلمين، يريد من غيرهم {لا يألونكم خبالًا} أي: شرا.
{ودّوا ما عنتّم}
أي: ودوا عنتكم، وهو ما نزل بكم من مكروه وضر). [تفسير غريب القرآن: 109]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون} البطانة: الدخلاء الذين يستبطنون ويتبسط إليهم، يقال فلان بطانة لفلان أي مداخل له ومؤانس، فالمعنى: أن المؤمنين أمروا ألا يداخلوا المنافقين ولا اليهود، وذلك أنهم كانوا لا يبقون غاية في التلبيس على المؤمنين. فأمروا بألا يداخلوهم لئلا يفسدوا عليهم دينهم.
وأخبر اللّه المؤمنين بأنهم لا يألونهم خبالا، أي لا يبقون غاية في إلقائهم فيما يضرهم.
وأصل الخبال في اللغة: ذهاب الشيء قال الشاعر:
ابني سليمي لستم ليد... إلا يدا مخبولة العضد
أي: قد ذهبت عضدها.
{ودّوا ما عنتم} أي: ودوا عنتكم، ومعنى العنت: إدخال المشقة على الإنسان، يقال فلان متعنت فلانا، أي: يقصد إدخال المشقة والأذى عليه، ويقال قد عنت العظم يعنت عنتا إذا أصابه شيء بعد الجبر، وأصل هذا كله مرق قولهم: (أكمة عنوت) إذا كانت طويلة شاقة المسلك، فتأويل أعنتّ فلانا، حملته على المشقة). [معاني القرآن: 1/461-462]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا}
البطانة خاصة الرجل الذين يطلعهم على الباطن من أمره
والمعنى: لا تتخذوا بطانة من دون أهل دينكم، ونظير هذا {فاقتلوا أنفسكم} وكذلك {فسلموا على أنفسكم} أي: على أهل دينكم ومن يقوم مقامكم.
ومعنى قوله تعالى: {لا يألونكم خبالا أي لا يقصرون في السوء}
وأصل الخبال في اللغة: من الخبل والخبل ذهاب الشيء وإفساده). [معاني القرآن: 1/465-466]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ودوا ما عنتم} أي: ما شق عليكم واشتد
وأصل هذا: أنه يقال عنت العظم يعنت عنتا إذا انكسر بعد جبر.
ومن هذا قوله تعالى: {ذلك لمن خشي العنت منكم} أي: المشقة). [معاني القرآن: 1/466]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (وقوله - تبارك وتعالى: {لا يألونكم خبالا} أي: لا يقصرون. و{خبالا} فسادا). [ياقوتة الصراط: 191]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُم} أي: دخلا من [غيركم]
{وَدُّواْمَا عَنِتُّمْ} ودوا ما أعنتكم، وهو ما نزل بكم من مكروه أو شر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 51]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بِطَانَةً}: دخلا ليس منكم.
{يَأْلُونَكُمْ}: يدعوكم). [العمدة في غريب القرآن:101-102]

تفسير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ها أنتم أولاء...}
العرب إذا جاءت إلى اسم مكنيّ قد وصف بهذا وهذان وهؤلاء فرّقوا بين (ها) وبين (ذا) جعلوا المكنّى بينهما، وذلك في جهة التقريب لا في غيرها، فيقولون: أين أنت؟ فيقول القائل: هأنذا، ولا يكادون يقولون: هذا أنا، وكذلك التثنية والجمع، ومنه {ها أنتم أولاء تحبّونهم} وربما أعادوا (ها) فوصلوها بذا وهذان وهؤلاء؛ فيقولون: ها أنت هذا، وها أنتم هؤلاء، وقال الله تبارك وتعالى في النساء: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم}.
فإذا كان الكلام على غير تقريب أو كان مع اسم ظاهر جعلوا (ها) موصولة بذا، فيقولون: هذا هو، وهذان هما، إذا كان على خبر يكتفي كلّ واحد بصاحبه بلا فعل، والتقريب لا بدّ فيه من فعل لنقصانه، وأحبوا أن يفرقوا بذلك بين معنى التقريب وبين معنى الاسم الصحيح). [معاني القرآن: 1/231-232]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ الله عليمٌ بذات الصّدور} أي: بما في الصدور). [مجاز القرآن: 1/103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ها أنتم أولاء تحبّونهم} أي: ها أنتم يا هؤلاء تحبّونهم). [تفسير غريب القرآن: 109]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ها أنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم وتؤمنون بالكتاب كلّه وإذا لقوكم قالوا آمنّا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إنّ اللّه عليم بذات الصّدور}
خطاب للمؤمنين، أعلموا فيه أن منافقي أهل الكتاب لا يحبونهم وأنهم هم يصحبون هؤلاء المنافقين بالبر والنصيحة التي يفعلها المحب وأن المنافقين على ضد ذلك.
فأعلم اللّه جلّ وعزّ المؤمنين ما يسرّه المنافقون وهذا من آيات النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال بعض النحويين: العرب إذا جاءت إلى اسم مكنى قد وصف (بهذا) جعلته بين (ها) و (ذا)، فيقول القائل أين أنت فيقول المجيب: هأنذا، قال وذلك إذا أرادوا جهة التقريب، قال فإنما فعلوا ذلك ليفصلوا بين التقريب وغيره.
ومعنى التقريب عنده: أنك لا تقصد الخبر عن هذا الاسم فتقول هذا زيد.
والقول في هذا عندنا: أن الاستعمال في المضمر أكثر فقط، أعني أن يفصل بين " ها " و " ذا" لأن التنبيه أن يلي المضمر أبين.
فإن قال قائل: ها زيد ذا، وهذا زيد، جاز، لا اختلاف بين الناس في ذلك، وهذا عندنا على ضربين: - جائز أن يكون " أولا " في معنى الذين كأنه قيل: هأنتم الذين تحبونهم ولا يحبونكم، وجائز أن يكون {تحبونهم} منصوبة على الحال و {أنتم} ابتداء، و {أولاء} الخبر.
المعنى: انظروا إلى أنفسكم محبين لهم.
نهوا في حال محبتهم إياهم.
ولم يشرحوا لم كسرت {أولاء}، وألاء أصلها السكون لأنها للإشارة.
ولكن الهمزة كسرت لسكونها وسكون الألف {وتؤمنون} عطف على تحبون.
ومعنى {وتؤمنون بالكتاب كلّه} أي: تصدقون بكتب الله كلها. -
{وإذا لقوكم قالوا آمنّا} أي: نافقوكم.
{وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم}
فأنبأ اللّه عزّ وجلّ - بنفقاتهم ههنا كما أنبأ به في قوله تعالى:
{وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم}
ويقال عضضت أعضّ، ويقال رجل عض إذا كان ملازم خصم، أي يصر على المخاصمة، والفعل منه عضضت. والعضّ علف الأمصار الذي.
تعلفه الإبل نحو النوى والقت والكسب، وإنما قيل له عض لأنه أكثر لبثا في المال وأبقى شحما.
والأنامل: واحدها أنملة وهي أطراف الأصابع ولم يأت على هذا المثال بغير هاء ما يعني غير الواحد إلا قولهم قد بلغ أشده.
أما الجمع فكثير فيه أو نحو أكعب وأفلس وأيمن وأشمل). [معاني القرآن: 1/462-464]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله}أي: تحبون المنافقين ولا يحبونكم
والدليل على أنه يعني المنافقين قوله عز وجل: {وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ}
قال ابن مسعود: يعضون أطراف الأنامل من الغيظ). [معاني القرآن: 1/466-467]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئاً...}
إن شئت جعلت جزما وإن كانت مرفوعة، تكون كقولك للرجل: مدّ يا هذا، ولو نصبتها أو خفضتها كان صوابا؛ لأن من العرب من يقول مدّ يا هذا، والنصب في العربية أهيؤها، وإن شئت جعلته رفعا وجعلت (لا) على مذهب ليس فرفعت وأنت مضمر للفاء؛ كما قال الشاعر:
فإن كان لا يرضيك حتى تردّني * إلى قطري لا إخالك راضيا
وقد قرأ بعض القراء "لا يضركم" تجعله من الضير، وزعم الكسائي أنه سمع بعض أهل العالية يقول: لا ينفعني ذلك وما يضورني، فلو قرئت "لا يضركم" على هذه اللغة كان صوابا). [معاني القرآن: 1/232]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم وإن تصبكم سيّئةٌ يفرحوا بها وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئاً إنّ اللّه بما يعملون محيطٌ}
قال: {لا يضركم كيدهم} لأنه من "ضار" "يضير" و"ضرته" خفيفة "فأنا أضيره"، قال بعضهم {لا يضرّكم} جعله من "ضرّ" "يضرّ" وحرّك للسكون الذي قبله لأن الحرف الثقيل بمنزلة حرفين الأول منهما ساكن. وقال بعضهم {لا يضركم} جعلها من "ضار" "يضور" وهي لغة). [معاني القرآن: 1/181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم} أي: نعمة.
{وإن تصبكم سيّئةٌ} أي: مصيبة ومكروه.
{لا يضرّكم كيدهم} أي: مكره). [تفسير غريب القرآن: 109]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيّئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئا إنّ اللّه بما يعملون محيط} أي: إن تظفروا وتخصبوا ساءهم ذلك.
{وإن تصبكم سيّئة يفرحوا بها} أي: إن نالكم ضد ذلك فرحوا، {(وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئا}
ضمن اللّه - جلّ وعزّ - للمؤمنين النصر إن صبروا وأعلمهم أن عدوانهم وكيدهم غير ضار لهم.
و {لا يضرّكم} الأجود فيه: الضم لالتقاء الساكنين الأصل لا يضرركم، ولكن كثيرا من القراء والعرب يدغم في موضع الجزم.
وأهل الحجاز يظهرون التضعيف وهذه الآية جاءت فيها اللغتان جميعا:
1-فقوله تعالى: {إن تمسسكم} على لغة أهل الحجاز.
2-وقوله: {لا يضرّكم}
على لغة غيرهم من العرب وكلا الوجهين حسن،
ويجوز {لا يضرّكم} (ولا يضركم) فمن فتح فلأن الفتح خفيف مستعمل في التقاء السّاكنين في التضعيف، ومن كسر فعلى أصل التقاء السّاكنين، وقد شرحنا هذا فيما سلف من الكتاب.

وقرئت: لا يضركم من الضير، والضير والضّر جميعا بمعنى واحد.
وكذلك الضر - وقد جاء في القرآن: {قالوا لا ضير إنّا إلى ربّنا منقلبون}.
وجاء: {وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلّا إيّاه}.
وقد ذكر الفراء أن الكسائي سمع بعض أهل العالية يقول: (ما تضورّني) فلو قرئت على هذا لا يضركم جاز.
وهذا غير جائز ولا يقرأ حرف من كتاب الله مخالف فيه الإجماع على قول رجل من أهل العالية). [معاني القرآن: 1/464-465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها}أي: إن غنمتم أو ظفرتم ساءهم ذلك وان أصابكم ضد ذلك فرحوا به.
ثم خبر أنهم إن صبروا على ذلك لم يضرهم شيئا فقال {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}). [معاني القرآن: 1/467]


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 121 إلى 129]

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (قوله: {وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال...}
وفي قراءة عبد الله "تبوّي للمؤمنين مقاعد للقتال" والعرب تفعل ذلك، فيقولون: ردفك وردف لك.
قال الفرّاء قال الكسائيّ: سمعت بعض العرب يقول: نقدت لها مائة، يريدون نقدتها مائة، لامرأة تزوّجها. وأنشدني الكسائيّ:

أستغفر الله ذنبا لست محصيه * ربّ العباد إليه الوجه والعمل
والكلام باللام؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {واستغفري لذنبك} و{فاستغفروا لذنوبهم} وأنشدني:
أستغفر الله من جدّي ومن لعبي * وزري وكلّ امرئٍ لا بدّ متّزر
يريد لوزري. ووزري حين ألقيت اللام في موضع نصب، وأنشدني الكسائيّ:
إن أجز علقمة بن سعدٍ سعيه * لا تلقني أجزي بسعي واحد
لأحبني حبّ الصبي وضمّني * ضمّ الهدي إلى الكريم الماجد
وإنما قال (لأحبني): لأنه جعل جواب إن إذ كانت جزاء كجواب لو). [معاني القرآن: 1/233]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال}: متّخذاً لهم مصافاً معسكراً). [مجاز القرآن: 1/103]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال واللّه سميعٌ عليمٌ}
قال تعالى: {وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين} لأنها من "بوّأت" و"إذ" ههنا إنّما خبرها في المعنى كما فسرت لك). [معاني القرآن: 1/181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال} من قولك: بوّأتك منزلا، إذا أفدتك إياه وأسكنتكه.
و{مقاعد القتال}: المعسكر والمصافّ). [تفسير غريب القرآن: 109]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال واللّه سميع عليم}
روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في منامه كان عليه درعا حصينة، فأولها المدينة، فأمر - صلى الله عليه وسلم - المسلمين - حين أقبل إليهم المشركون بالإقامة بها إلى أن يوافيهم المشركون فتكون الحرب بها فذلك تبوئة المقاعد للقتال.
قال بعضهم معناه: مواطن للقتال، والمعنى واحد.
والعامل في " إذ " معنى اذكر - المعنى اذكر إذ غدوت.
والعامل في {إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا واللّه وليّهما وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}). [معاني القرآن: 1/465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال}
{
تبوئ}: تلزم وباء بكذا إذا لزمه
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنه في درع حصينة فأول ذلك المدينة فأمر أصحابه أن يقيموا بها إلى أن يوافي المشركون فيقاتلهم). [معاني القرآن: 1/467]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ} أي: تجعل لهم مواضع في القتال وذلك بيوم أحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 51]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {واللّه وليّهما...}
وفي قراءة عبد الله "والله وليّهم" رجع بهما إلى الجمع؛ كما قال الله عز وجل: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} وكما قال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}). [معاني القرآن: 1/233]
قَالَ عبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أن تفشلا} أي: تجبنا). [تفسير غريب القرآن: 109]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا واللّه وليّهما وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
{تبوّئ}المعنى: كانت التبوئة في ذلك الوقت.
ومعنى {تفشلا}: تجبنا وتخورا.
{واللّه وليّهما} أي: همت بذلك واللّه ناصرهما). [معاني القرآن: 1/465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما}
قال جابر بن عبد الله: نحن هم بني سلمة وبني حارثة من الأوس وما يسرنا أنها لم تكن نزلت لقوله تعالى: {والله وليهما}
والفشل في اللغة: الجبن والولي الناصر.
بنو سلمة: من الخزرج، وبنو حارثة: من الأوس). [معاني القرآن: 1/468-469]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَن تَفْشَلاَ} أي: تجبنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 51]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ولقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلّة فاتّقوا اللّه لعلّكم تشكرون}
معنى {أذلّة}: عددكم قليل، وكان المسلمون في تلك الحرب ثلاثمائة وبضعة عشر.
وكانوا في يوم أحد سبعمائة، والكفار في يوم أحد ثلاثة آلاف.

وكانوا في يوم حنين اثني عشر ألفا فأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أنهم حينما ألزموا الطاعة أنه ينصرهم، وهم قليل وعدوهم أضعافهم، وفي يوم أحد نزل بهم ما نزل لمخالفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن جاوزوا ما أمروا به، فجعل الله ذلك لهم عقوبة لئلا يجبنوا وجاء في بعض الخبر: {الفرار من الزحف كفر}.
ومعناه عندي واللّه أعلم - من فعل الكفار، لا أنه يخرج الإنسان من الإيمان إلى الكفر.
وقد عفا الله فيه، فقال: {ومن يولّهم يومئذ دبره إلّا متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه ومأواه جهنّم}.
وأذلّة: جميع ذليل، والأصل في فعيل إذا كان صفة أن يجمع على فعلاء، نحو ظريف وظرفاء، وشريك وشركاء، ولكن فعلاء أجتنب في التضعيف.
لو قيل جللاء وقللاء في جليل وقليل، لاجتمع حرفان من جنس واحد، فعدل به إلى أفعلة من جمع الأسماء في فعيل، نحو جريب وأجربة.

وقفيز وأقفزة). [معاني القرآن: 1/466]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة}
قيل يعني بأذلة: أنهم كانوا قليلي العدد.
وقال البراء بن عازب: كنا نتحدث أن عدة أصحاب بدر كعدة أصحاب طالوت وهم ثلاثمائة وبضعة عشر.
من قرأ {بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} ). [معاني القرآن: 1/469]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)}

تفسير قوله تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بخمسة آلافٍ من الملائكة مسوّمين} أي: معلمين، هو من المسوّم الذي له سيماء بعمامة أو بصوفة أو بما كان). [مجاز القرآن: 1/103]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({بلى إن تصبروا وتتّقوا ويأتوكم مّن فورهم هذا يمددكم ربّكم بخمسة آلافٍ مّن الملائكة مسوّمين}
قال: {بخمسة آلافٍ مّن الملائكة مسوّمين} لأنهم سوّموا الخيل.
وقال بعضهم {مسوّمين}: معلمين لأنهم هم سوّموا وبها نقرأ).
[معاني القرآن: 1/181-182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({مسوّمين} معلمين بعلامة الحرب، وهو من السّيماء مأخوذ. يقال: كانت سيماء الملائكة يوم «بدر» عمائم صفرا. وكان حمزة مسوّما يوم «أحد» بريشة. وروي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: ((تسوّموا فإن الملائكة قد تسوّمت)).
ومن قرأ «مسوّمين» بالفتح، أراد أنه فعل ذلك بهم. والسّومة:
العلامة التي تعلم الفارس نفسه.
وقال أبو زيد: يقال سوم الرجل خيله: إذا أرسلها في الغارة. وسوّموا خيلهم: إذا شنوا الغارة. وقد يمكن أن يكون النّصب من هذا أيضا). [تفسير غريب القرآن:109-110]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {بلى إن تصبروا وتتّقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربّكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين}
وقوله جلّ وعزّ: {ويأتوكم من فورهم هذا}أي: من وجههم، و"هذا " نعت نفورهم، و {يمددكم} جواب الجزاء يقال أمددت الجيش بعدد، وأمد الجرح إذا صارت فيه المدّة، يمد فهو ممدّ، ومدّ النهر ومدّه نهر آخر.
وقوله جلّ وعزّ: (مسوّمين) قرئت (مسوّمين) و (مسوّمين) ومعنى (مسوّمين): أخذ من السّومة، وهي العلامة، كانوا يعلمون بصوفة أو بعمامة أو ما أشبه ذلك.
و(مسوّمين): معلّمين.
وجائز أن يكون مسوّمين: قد سوّموا خيلهم وجعلوها سائمة). [معاني القرآن: 1/466-467]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا}
قال الضحاك وعكرمة من وجههم هذا). [معاني القرآن: 1/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}
لا نعلم اختلافا أن معنى مسومين من السومة إلا عن الأخفش فإنه قال: مسومين مرسلين.
قال أبو زيد: السومة أن يعلم الفارس نفسه في الحرب ليظهر شجاعته.
قال عروة ابن الزبير: كانت الملائكة يوم بدر على خيل بلق وعليها عمائم صفر.
قال أبو إسحاق: كانت سيماهم عمائم بيضا.
وقال الحسن: علموا على أذناب خيلهم ونواصيها بصوف أبيض.
وقال عكرمة: عليهم سيماء القتال.
وقال مجاهد: الصوف في أذناب الخيل.
وقرئ (مسومين) واحتج صاحب هذه القراءة بأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يوم بدر سوموا فإني رأيت الملائكة قد سومت أي قد سومت خيلها أو نفسها). [معاني القرآن: 1/469-471]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مُسَوِّمِينَ} أي: معلمين بعلامة الحرب. وقيل كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم صفراً ومن فتح أراد انه فُعل بهم ذلك.
والسُومة: العلامة التي يعلم بها الفارس نفسه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 51]


تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما جعله اللّه إلّا بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم به وما النّصر إلّا من عند اللّه العزيز الحكيم}
وما جعل ذكر المدد إلا بشرى لكم ولتمكنوا في حربكم). [معاني القرآن: 1/467]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وما جعله الله إلا بشرى لكم} يعني: المدد أو الوعد). [معاني القرآن: 1/471]

تفسير قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ليقطع طرفاً من الذين كفروا} أي: ليهلك الذين كفروا.
(أو يكبتهم) (127) تقول العرب: كبته الله لوجهه، أي: صرعه الله). [مجاز القرآن: 1/103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أو بكبتهم}: يصرعهم تقول العرب كبته الله لوجهه أي كبه الله). [غريب القرآن وتفسيره: 109]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ليقطع طرفاً من الّذين كفروا} بأسر وقتل.
{أو يكبتهم} قال أبو عبيدة: الكبت: الإهلاك.
وقال غيره: هو أن يغيظهم ويحزنهم.
وكذلك قال في قوله في سورة المجادلة: {كبتوا كما كبت الّذين من قبلهم} [المجادلة:5] ويقال: كبت اللّه عدوّك.

وهو بما قال أبو عبيدة أشبه. واعتبارها قوله: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم} [الأحزاب:25] لأن أهل النظر يرون أن «التاء» فيه منقلبة عن «دال» كأن الأصل فيه: يكبدهم أي: يصيبهم في أكبادهم بالحزن والغيظ وشدة العداوة.
ومنه يقال: فلان قد أحرق الحزن كبده. وأحرقت العداوة كبده.
والعرب تقول للعدو: أسود الكبد. قال الأعشى:

فما أجشمت من إتيان قوم هم الأعداء والأكباد سود
كأن الأكباد لما احترقت بشدة العداوة اسودت. ومنه يقال للعدو:
كاشح، لأنه يخبأ العداوة في كشحه. والكشح: الخاصرة، وإنما يريدون الكبد لأن الكبد هناك. قال الشاعر :
وأضمر أضغانا عليّ كشوحها
والتاء والدال: متقاربتا المخرجين، والعرب تدغم إحداهما في الأخرى، وتبدل إحداهما من الأخرى، كقولك: هرت الثوب وهرده: إذا خرقه. كذلك كبت العدو وكبده. ومثله كثير). [تفسير غريب القرآن:110-111]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ليقطع طرفا من الّذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين} أي: لينقل قطعة منهم.
(أو يكبتهم)أي: يهزمهم، قال أبو عبيدة: يقال كبته اللّه لوجهه، أي: صرعه الله لوجهه، والخائب الذي لم ينل ما أمّل). [معاني القرآن: 1/467]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين}
قال قتادة: يكبتهم يحزنهم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي طلحة فرأى ابنه مكبوتا فقال: ((ما شأنه)) فقيل: مات نغيره.
فالمكبوت ههنا المحزون.
وقال أبو عبيدة: يقال كبته لوجهه، أي: صرعة لوجهه ومعروف في اللغة أن يقال كبته إذا أذله وأقمأه.
قال بعض أهل اللغة: كبته بمعنى كبده ثم أبدلت من الدال تاء لأن مخرجهما من موضع واحد
والخائب في اللغة: الذي لم ينل ما أمل وهو ضد المفلح). [معاني القرآن: 1/471-472]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (وقوله - عز وجل: {طرفا} أي: قطعة). [ياقوتة الصراط: 191]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَوْ يَكْبِتَهُمْ} أي: يهلكهم، وقيل: يغيظهم ويحزنهم، وأصله: يكبدهم، من: أصاب الله كبده بالحرب والغيظ، فقلبت الدال تاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يَكْبِتَهُمْ}: يصرفهم بغيظهم). [العمدة في غريب القرآن: 102]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذّبهم...} في نصبه وجهان:
1- إن شئت جعلته معطوفا على قوله: {ليقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم} أي: {أو يتوب عليهم أو يعذّبهم}.
2- وإن شئت جعلت نصبه على مذهب حتّى؛ كما تقول: لا أزال ملازمك أو تعطيني، أو إلا أن تعطيني حقيّ). [معاني القرآن: 1/234]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون}
{أو يتوب عليهم أو يعذّبهم} على {ليقطع طرفاً} عطفه على اللام). [معاني القرآن: 1/182]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون}
أنزل عليه ذلك - صلى الله عليه وسلم - لأنه في يوم أحد شجّ وكسرت رباعيته فقال وهو يمسح الدم عن وجهه: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم، فأعلمه اللّه جلّ وعزّ - أن فلاحهم ليس إليه وأنه ليس له من الأمر شيء إلا أن يبلغ الرسالة ويجاهد حتى يظهر الدين، وأن ثوابه على اللّه - جلّ وعزّ - في ذلك.
ونصب {أو يتوب}على ضربين:
جائز أن يكون: عطفا على قوله: ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم.
والوجه الثاني: على النصب بأو إذ كانت في معنى إلا أن.
فالمعنى: ليس لك من الأمر شيء أي: ليس يؤمنون إلا أن يتوب الله عليهم، أو حتى يتوب الله عليهم). [معاني القرآن: 1/467-468]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}
روى الزهري عن سالم عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية من الفجر يدعو على قوم من المنافقين فأنزل الله عز وجل: {ليس لك من الأمر شيء} إلى آخر الآية.
وقال أنس بن مالك: كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فأخذ الدم بيده وجعل يقول: ((كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم)) فأنزل الله عز وجل: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}
وقيل: استأذن في أن يدعو باستئصالهم فنزل هذا لأنه علم أن منهم من سيسلم وأكد ذلك الآية بعدها.
فمن قال أنه معطوف بـ «أو» على قوله تعالى: {ليقطع طرفا} فالمعنى: عنده ليقتل طائفة منهم أو يخزيهم بالهزيمة أو يتوب عليهم أو يعذبهم
وقد تكون أو ههنا بمعنى حتى وإلا أن والأول أولى لأنه لا أمر إلى أحد من الخلق قال امرؤ القيس:
فقلت له لا تبك عينك إنما = نحاول ملكا أو نموت فنعذرا). [معاني القرآن: 1/473-474]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)}


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 130 إلى 138]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا تأكلوا الرّبا أضعافاً مضاعفةً} يريد ما تضاعف منه شيئا بعد شيء.
قال ابن عيينة: هو أن تقول: أنظرني وأزيدك). [تفسير غريب القرآن: 111]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا الرّبا أضعافا مضاعفة واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
{الربا} قليله وكثيره قد حرّم في قوله - جلّ وعزّ - {وأحلّ اللّه البيع وحرّم الرّبا}وإنما كان هذا لأن قوما من أهل الطائف كانوا يربون. فإذا بلغ الأجل زادوا فيه وضاعفوا الربا.
وقال قوم معناه: لا تضاعفوا أموالكم بالربا.
ومعنى {لعلّكم تفلحون} أي: لتكونوا على رجاء الفلاح، والمفلح: هو الذي أدرك ما أمّل من الخير، واشتقاقه: من فلح الحديد إذا شقه، فإنما هو مبالغة في إدراك ما
يوصل). [معاني القرآن: 1/468]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة}
قال مجاهد: كانوا يبيعون البيع إلى أجل فإذا حل الأجل زادوا في الثمن على أن يؤخروا فأنزل الله عز وجل: {ولا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة}.
ثم قال تعالى: {واتقوا الله لعلكم تفلحون}أي: لتكونوا على رجاء من الفلاح.
وقال سيبويه في قوله تعالى: {اذهبا إلى فرعون أنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} اذهبا على رجائكما وطمعكما ومبلغكما والعلم من وراء ذلك وليسس لهما أكثر من ذلك
والفلاح في اللغة: أن يظفر الإنسان بما يؤمل). [معاني القرآن: 1/474-475]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} قيل: هو فعلهم في الدَين: أنظرني وأزيدك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واتّقوا النّار الّتي أعدّت للكافرين} أي: اتقوا أن تحلّوا ما حرم اللّه، فإن من أحلّ شيئا مما حرم الله فهو كافر بإجماع). [معاني القرآن: 1/468]

تفسير قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}

تفسير قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقوله: {جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض} يريد سعتها، ولم يرد العرض الذي هو خلاف الطول. والعرب تقول: بلاد عريضة، أي واسعة «وفي الأرض العريضة مذهب».
وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلم للمنهزمين يوم أحد: ((لقد ذهبتم بها عريضة)).
وقال الشاعر:

كأنّ بلاد اللّه - وهي عريضة على الخائف المطلوب كفّة حابل
وأصل هذا: من العرض الذي هو خلاف الطول. وإذا عرض الشيء اتسع، وإذا لم يعرض ضاق ودقّ). [تفسير غريب القرآن:111-112]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين}
{وجنّة عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين} أي: لمن اتّقى المحارم، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّ بين مصراعي باب الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم يزدحم عليه الناس؛ كما تزدحم الإبل وردت خمصا. ظماء). [معاني القرآن: 1/468-469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}
روي عن أنس بن مالك انه قال: يعني التكبيرة الأولى.
ثم قال تعالى: {وجنة عرضها السموات والأرض} في هذا قولان:
أحدهما: أنه العرض بعينه.
وروى طارق بن شهاب أن اليهود قالت لعمر بن الخطاب: تقولون جنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار؟ فقال لهم عمر: أرأيتم إذا جاء النهار فأين يكون الليل وإذا جاء الليل فأين يكون النهار، قالوا: لقد نزعت ما في التوراة.
والقول الآخر: أن العرض ههنا السعة وذلك معروف في اللغة
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمنهزمين يوم أحد: ((لقد ذهبتم فيها عريضة)) يعني: واسعة وأنشد أهل اللغة:
كأن بلاد الله وهي عريضة = على الخائف المطلوب كفة حابل). [معاني القرآن: 1/475-477]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} أي: سعتها، ولم يرد العرض الذي هو ضد الطول، تقول العرب: هذه بلاد عريضة: أي واسعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({والكاظمين الغيظ}: الصابرين.
وأصل الكظم والصبر: حس الغيظ).
[تفسير غريب القرآن: 112]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس واللّه يحبّ المحسنين} أي: أعدت للذين جرى ذكرهم وللذين يكظمون الغيظ، ويروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((ما من جرعة يتجرعها الإنسان أعظم أجرا من جرعة غيظ في اللّه)).
يقال كظمت الغيظ أكظمه كظما إذا أمسكت على ما في نفسي منه.
ويقال كظم البعير على جرته إذا ردها في حلقه، وكظم البعير والناقة كظوما إذا لم يجتر.
قال الراعي:
فأفضن بعد كظومهن بجرة... من ذي الأباطح أذرعين حقيلا.
والكظامة: سير يشد به الوتر على سية القوس العربية، والكظمية.
والكظائم حفائر تحفر من بئر إلى بئر ليجري الماء من بعضها إلى بعض وكاظمة موضع بالبادية). [معاني القرآن: 1/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}
الكظم في اللغة: أن يحبس الغيظ.
ويقال كظم البعير على جرته إذا ردها في حلقه
ويقال للممتلئ حزنا وغما كظيم ومكظوم كما قال تعالى: {إذ نادى وهو مكظوم}). [معاني القرآن: 1/477-478]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَالْكَاظِمِينَ} أي: الحابسين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ومن يغفر الذّنوب إلاّ اللّه...}
يقال [ما قبل إلا] معرفة، وإنما يرفع ما بعد إلا بإتباعه ما قبله إذا كان نكرة ومعه جحد؛ كقولك: ما عندي أحد إلا أبوك، فإن معنى قوله: {ومن يغفر الذّنوب إلاّ اللّه} ما يغفر الذنوب أحد إلا الله، فجعل على المعنى. وهو في القرآن في غير موضع). [معاني القرآن: 1/234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولم يصرّوا على ما فعلوا} أي: لم يقيموا عليه). [تفسير غريب القرآن: 112]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلّا اللّه ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون}
{ومن يغفر الذّنوب إلّا اللّه} الرفع محمول على المعنى، والمعنى وأي أحد يغفر الذنوب؛ ما يغفرها إلا اللّه.
{ولم يصرّوا على ما فعلوا} الإصرار: الإقامة على الشيء). [معاني القرآن: 1/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم}
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني فإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته وحدثني أبو بكر رضي الله عنه وصدق أبو بكر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل يذنب ذنبا وينام ثم يقوم فيتطهر فيحسن الطهور ثم يستغفر الله إلا غفر له)) ثم تلا الآية {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}
وقال مجاهد: معنى{ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} ولم يمضوا.
والإصرار في اللغة: اعتقاد الشيء ومنه قيل صرة ومنه قيل للبرد صر كأنه البرد الذي يصل إلى القلب ومنه قيل للذي لم يحج صرورة وصارورة كأنه يحبس ما يجب أن ينفقه
وقال معبد بن صبيحة: صليت خلف عثمان وعلي إلى جنبي فأقبل علينا فقال صليت على غير وضوء ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ثم ذهب فتوضأ وصلى
وروي عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أصر من استغفر الله ولو عاد في اليوم سبعين مرة))
وقال عبد الله بن عبيد بن عمير {وهم يعلمون} أي: وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم). [معاني القرآن: 1/478-480]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلَمْ يُصِرُّواْ} أي: يقيموا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)}

تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قد خلت}: قد مضت، {سننٌ} أي: أعلامٌ). [مجاز القرآن: 1/103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين}
معنى {قد خلت}: قد مضت، ومعنى {سنن}: أهل سنن، أي: أهل طرائق.
والسّنّة الطّريقة، وقول الناس: فلان على السّنّة معناه على الطريقة، ولم يحتاجوا " أن يقولوا على السّنّة المستقيمة لأنّ في الكلام دليلا على ذلك، وهذا كقولنا " مؤمن " معناه مصدق وفي الكلام دليل على أنه مؤمن بأمور الله - عزّ وجلّ - التي أمر بالإيمان بها، والمعنى إنكم إذا سرتم في أسفاركم عرفتم أخبار قوم اهلكوا بتكذيبهم). [معاني القرآن: 1/469-470]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}
قال أبو عبيدة: السنن الأعلام والمعنى على هذا أنكم إذا سافرتم رأيتم آثار قوم هلكوا فلعلكم تتعظون). [معاني القرآن: 1/480]

تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}
قال الشعبي: هذا بيان من العمى وهدى من الضلال وموعظة من الجهل). [معاني القرآن: 1/480]


رد مع اقتباس
  #15  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 139 إلى 148]

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تهنوا} أي: لا تضعفوا، هو من الوهن). [مجاز القرآن: 1/104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا تهنوا}: لا تضعفوا من الوهن). [غريب القرآن وتفسيره: 109]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تهنوا} أي: لا تضعفوا. وهو من الوهن.
و{القرح}: الجراح، والقرح أيضا، وقد قرئ بهما جميعا.
ويقال: القرح - بالضم -: ألم الجراح). [تفسير غريب القرآن: 112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (إن الخفيفة: تكون بمعنى (ما)...، وقالوا أيضا: وتكون بمعنى إذ، كقوله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}أي: إذ كنتم. وقوله: {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 13].
وقوله: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وهي عند أهل اللغة (إن) بعينها، لا يجعلونها في هذه المواضع بمعنى (إذ) ويذهبون إلى أنه أراد: من كان مؤمنا لم يهن ولم يدع إلى السّلم، ومن كان مؤمنا لم يخش إلا الله، ومن كان مؤمنا ترك الرّبا). [تأويل مشكل القرآن:552-553] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} أي: لا تضعفوا، يقال وهن يهن إذا ضعف فضمن اللّه عزّ وجلّ – النصر بقوله: {وأنتم الأعلون}). [معاني القرآن: 1/470]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}
قال أبو عبيدة: معناه لا تضعفوا.
قال أبو جعفر: من الوهن). [معاني القرآن: 1/481]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلاَ تَهِنُوا} أي: لا تضعفوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَهِنُوا}: تضعفوا). [العمدة في غريب القرآن: 102]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إن يمسسكم قرحٌ...}
و{قرح} وأكثر القرّاء على فتح القاف.
وقد قرأ أصحاب عبد الله: قرح، وكأنّ القرح ألم الجراحات، وكأنّ القرح الجراح بأعيانها. وهو في ذاته مثل قوله: {أسكنوهنّ من حيث سكنتم من وجدكم} ووجدكم {والّذين لا يجدون إلاّ جهدهم} وجهدهم، و{لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها} [ووسعها].

وقوله: {وليعلم اللّه الّذين آمنوا} يعلم المؤمن من غيره، والصابر من غيره. وهذا في مذهب أي ومن؛ كما قال: {لنعلم أي الحزبين أحصى} فإذا جعلت مكان أي أو من الذي أو ألفا ولاما نصبت بما يقع عليه؛ كما قال الله تبارك: {فليعلمنّ الله الّذين صدقوا وليعلمنّ الكّاذبين} وجاز ذلك لأن في "الذي" وفي الألف واللام تأويل من وأيّ؛ إذ كانا في معنى انفصال من الفعل، فإذا وضعت مكانهما اسما لا فعل فيه لم يحتمل هذا المعنى. فلا يجوز أن تقول: قد سألت فعلمت عبد الله، إلا أن تريد علمت ما هو. ولو جعلت مع عبد الله اسما فيه دلالة على أي جاز ذلك؛ كقولك: إنما سألت لأعلم عبد الله من زيد، أي لأعرف ذا من ذا.
وقول الله تبارك وتعالى: {لم تعلموهم أن تطئوهم} يكون: لم تعلموا مكانهم، ويكون لم تعلموا ما هم أكفار أم مسلمون. والله أعلم بتأويله).
[معاني القرآن: 1/234-235]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إن يمسسكم قرحٌ} القرح: الجراح، والقتل). [مجاز القرآن: 1/104]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرحٌ مّثله وتلك الأيّام نداولها بين النّاس وليعلم اللّه الّذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء واللّه لا يحبّ الظّالمين}
قال تعالى: {إن يمسسكم قرحٌ} قال بعضهم {قرحٌ} مثل "الضعف" و"الضعف" وتقول منه "قرح" "يقرح" "قرحا" و"هو قرح".
وبعض العرب يقول "قريح" مثل "مذل" و"مذيل").
[معاني القرآن: 1/182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({عن يمسسكم قرح}: وقرئت قرح فالقرح الجراح والقرح ألم الجراح). [غريب القرآن وتفسيره:109-110]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيّام نداولها بين النّاس وليعلم اللّه الّذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء واللّه لا يحبّ الظّالمين}
{إن يمسسكم قرح} و {قرح} جميعا يقرأان، وهما عند أهل اللغة بمعنى واحد، ومعناه: الجراح وألمها يقال قد قرح يقرح قرحا، وأصابه قرح، قال بعضهم كأن القرح الجرح، وكأن القرح الألم.
{وتلك الأيّام نداولها بين النّاس} أي: نجعل الدولة في وقت من الأوقات للكافرين على المؤمنين إذا عصوا فيما يؤمرون به، من محاربة الكفار، فأما إذا أطاعوا فهم منصورون أبدا، كما قال اللّه - عزّ وجلّ - {ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون}
ومعنى {وليعلم اللّه الّذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء}أي: ليعلم اللّه من يقيم على الإيمان بعد أن تناله الغلبة، أي: يجعل لهم الدولة في وقت من الأوقات ليعلم المؤمنين.
وتأويل {وليعلم اللّه الّذين آمنوا}- واللّه عزّ وجلّ - قد علمهم قبل ذلك، معناه: يعلم ذلك واقعا منهم - كما قال عز وجل - {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين} أي: ليقع ما علمناه غيبا مشاهدة للناس، ويقع - منكم. وإنما تقع المجازاة على ما علمه اللّه من الخلق وقوعا على ما لم يقع وما لم يعلموه - قال الله عزّ وجلّ: {وإنّما توفّون أجوركم يوم القيامة}
وقال: {إنّما تجزون ما كنتم تعملون}). [معاني القرآن: 1/470-471]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله}
يقرأ (قرح) ويقرأ (قرح) وبفتح القاف والراء
فالقرح: مصدر قرح يقرح
قال الكسائي: القرح والقرح واحد.
وقال الفراء: كان القرح الجراحات وكأن القرح الألم). [معاني القرآن: 1/481]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}أي: تكون مرة للمؤمنين ليعزم الله عز وجل وتكون مرة للكافرين إذا عصى المؤمنون فأما إذا لم يعصوا فإن حزب الله هم الغالبون). [معاني القرآن: 1/481]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} أي: ليعلم الله صبر المؤمنين إذا كانت الغلبة عليهم وكيف صبرهم، وقد كان سبحانه علم هذا غيبا إلا أن علم الغيب لا تقع عليه مجازاة،فالمعنى: ليعلمه واقعا علم الشهادة.
وقال الضحاك: قال المسلمون الذين لم يحضروا بدرا: ليتنا لقينا العدو حتى نبلي فيهم ونقاتلهم، فلقي المسلمون يوم أحد فاتخذ الله منهم الشهداء وهم الذين ذكرهم الله عز وجل فقال: {ويتخذ منكم الشهداء}
والظالمون هنا: الكافرون، أي: لم يتخذوا وهذه المحبة لهم). [معاني القرآن: 1/482-483]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( و{القَرْح} الجراح، ويقال: هو بالضم ألم الجراح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({القَرْحُ}: الجراح. {القُرْحٌ}: ألم الجراح). [العمدة في غريب القرآن: 102]

تفسير قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وليمحّص اللّه الّذين آمنوا...}
يريد: يمحّص الله الذنوب عن الذين آمنوا، {ويمحق الكافرين}: ينقصهم ويفنيهم). [معاني القرآن: 1/235]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وليمحّص اللّه الّذين آمنوا} أي: يختبرهم.
والتمحيص: الابتلاء والاختبار.

قال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر: رأيت فضلا كان شيئا ملففا فكشفه التمحيص حتى بدا ليا يريد الاختبار). [تفسير غريب القرآن:112-113]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وليمحّص اللّه الّذين آمنوا ويمحق الكافرين} المعنى: جعل اللّه الأيام مداولة بين الناس ليمحص المؤمنين بما يقع عليهم من قتل في حربهم، أو ألم أو ذهاب مال.
{ويمحق الكافرين}:
ليستأصلهم.
وجائز أن يكون: يمحقهم يحبط أعمالهم.
وتأويل المحص في اللغة: التنقية والتخليص.

قال محمد بن يزيد - رحمه اللّه -: يقال محص الحبل محصا، إذا ذهب منه الوبر حتى يملص وحبل محص أو ملص بمعنى واحد.
قال وتأويل قول الناس: محّص عنا ذنوبنا، أي: أذهب عنا ما تعلق بنا من الذنوب.
وأخبرنا محمد بن يزيد أن حنيف الحناتم ورد ماء يقال له (طويلع) فقال: " واللّه إنك لمحص الرشا بعيد المستقي مظل على الأعداء ولو سألتني أعناق الإبل لأعطيتك " أي: لو تقطعت أعناق الإبل إليك لقصدتك.
ومعنى محص الرشاء، أي: هو طين خر، فالرشا تتملص من اليد.
فمعنى يمحّص الذين آمنوا: يخلّصهم من الذنوب.
وقال محمد بن يزيد - رحمه اللّه – أيضا وغيره من أهل اللغة محص الظبي يمحص إذا عدا عدوا شديدا، وقال هو وحده: تأويله أنه لا يخلط حدته في العدو ونيا ولا فتورا.
وقال غيره: محص الظبي يمحص ومحص بمعنى واحد: إذا عدا عدوا يكاد أن ينفد فيه من شدته.
ويقال: ويستحب من الفرس أن تمحّص قوائمه أي تخلص من الرّهل.
قال أبو إسحاق: وقرأت عليه أيضا عن الخليل: المحص التخليص يقال محصت الشيء أمحصه محصا إذا خلصته وقال بعض أهل اللغة: {وليمحص الله الذين آمنوا} أي: وليمحص اللّه ذنوب الذين آمنوا - ولم يخبروا بحقيقة المحص ما هو). [معاني القرآن: 1/471-472]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين}
قال مجاهد: يمحص يبتلي.
قال أبو جعفر قال أبو إسحاق: قرأت على أبي العباس محمد بن يزيد عن الخليل أن التمحيص التخليص يقال محصه يمحصه محصا إذا خلصه.
فالمعنى: على هذا ليبتلي المؤمنون ليثيبهم ويخلصهم من ذنوبهم ويستأصل الكافرين). [معاني القرآن: 1/483-484]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} أي: ليختبر وليبتلي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين...}
خفض الحسن "ويعلم الصابرين" يريد الجزم. والقرّاء بعد تنصبه. وتهو الذي يسمّيه النحويّون الصرف؛ كقولك: "لم آته وأكرمه إلا استخفّ بي" والصرف أن يجتمع الفعلان بالواو أو ثم أو الفاء أو أو، وفي أوّله جحد أو استفهام، ثم ترى ذلك الجحد أو الاستفهام ممتنعا أن يكرّ في العطف، فذلك الصرف. ويجوز فيه الإتباع؛ لأنه نسق في اللفظ؛ وينصب؛ إذ كان ممتنعا أن يحدث فيهما ما أحدث في أوّله؛ ألا ترى أنك تقول: لست لأبي إن لم أقتلك أو إن لم تسبقني في الأرض. وكذلك يقولون: لا يسعني شيء ويضيق عنك، ولا تكرّ (لا) في يضيق. فهذا تفسير الصرف). [معاني القرآن: 1/235-236]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ}.
تأويله: أن إبليس لما سأل الله تبارك وتعالى النّظرة فأنظره قال: لأغوينّهم ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق الله ولأتّخذنّ منهم نصيبا مفروضا وليس هو في وقت هذه المقالة مستيقنا أنّ ما قدّره الله فيهم يتمّ، وإنما قاله ظانا، فلما اتبعوه وأطاعوه، صدق ما ظنّه عليهم أي فيهم، ثم قال الله: وما كان تسليطنا إيّاه إلا لنعلم من يؤمن، أي المؤمنين من الشاكين.
وعلم الله تعالى نوعان:
أحدهما: علم ما يكون من إيمان المؤمنين، وكفر الكافرين، وذنوب العاصين، وطاعات المطيعين قبل أن تكون، وهذا علم لا تجب به حجة ولا تقع عليه مثوبة ولا عقوبة.
والآخر: علم هذه الأمور ظاهرة موجودة فيحق القول ويقع بوقوعها الجزاء.
فأراد جل وعز: ما سلطناه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمنين ظاهرا موجودا، وكفر الكافرين ظاهرا موجودا.
وكذلك قوله سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} أي: يعلم جهاده وصبره موجودا يجب له به الثواب). [تأويل مشكل القرآن:311-312]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ}أي: ليبلّغوا رسالات ربهم.
و(العلم) هاهنا مثله في قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} يريد: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا تجاهدوا وتصبروا، فيعلم الله ذلك ظاهرا موجودا يجب به ثوابكم، على ما بينا في غير هذا الموضع). [تأويل مشكل القرآن: 434] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين}
وقرأها الحسن: {ويعلم الصّابرين} بالكسر على العطف ومن قرأ {ويعلم الصابرين} فعلى النصب بالواو.
المعنى: ولما يقع العلم بالجهاد والعلم بصبر الصابرين، ولما يعلم اللّه ذلك واقعا منهم. لأنه - جلّ وعزّ -يعلمه غيبا، وإنما يجازيهم على عملهم.
وتأويل {لمّا} أنّها جواب لقول القائل قد فعل فلان فجوابه لمّا يفعل وإذا قال فعل فجوابه لم يفعل، وإذا قال: لقد فجوابه ما يفعل، كأنه قال " واللّه هو يفعل، يريد ما يستقبل فجوابه لن يفعل ولا يفعل.
هذا مذهب النحويين). [معاني القرآن: 1/472-473]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}
لما بمعنى لم إلا أن لما عند سيبويه جواب لمن قال قد فعل ولم جواب لمن قال فعل.
ومعنى الآية: ولما يعلم الله ذلك واقعا منهم لأنه قد علمه غيبا.
وقيل المعنى: لم يكن جهاد فيعلمه الله). [معاني القرآن: 1/484]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون...}
معناه: رأيتم أسباب الموت. وهذا يوم أحد؛ يعني السيف وأشباهه من السلاح). [معاني القرآن: 1/236]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}
قال تعالى: {فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} توكيداً كما تقول: "قد رأيته واللّه بعّيني" و"رأيته عيانا"). [معاني القرآن: 1/182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه} أي: رأيتم أسبابه، يعني: السيف والسلاح). [تفسير غريب القرآن: 113]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجل: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} أي: كنتم تمنون القتال، هو سبب الموت، والمعنى: ولقد كنتم تمنون سبب الموت، وذلك أنهم كانوا يتمنون أن يطلق لهم القتال - قال الله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشية}.
وقوله عزّ " جل: {فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} قيل فيه غير قول.
قال الأخفش: معناه التوكيد.
وقال بعضهم: وأنتم تنظرون إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -.
والمعنى - واللّه أعلم -: فقد رأيتموه وأنتم بصراء كما تقول: قد رأيت كذا وكذا، وليس في عينيك عمة - أي: قد رأيته رؤية حقيقية.
وهو راجع إلى معنى التوكيد). [معاني القرآن: 1/473]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}
قال ابن نجيح عن مجاهد: كان قوم من المسلمين قالوا بعد بدر: ليت أنه يكون قتال حتى نبلي ونقاتل فلما كان يوم أحد انهزم بعضهم فعاتبهم الله على ذلك فقال {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه}
والتقدير في العربية: ولقد كنتم تمنون سبب الموت ثم حذف وسبب الموت القتال.
ثم قال تعالى: {فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}
وقال بعض أهل اللغة: وأنتم تنظرون محمدا.
وقال سعيد الأخفش: وأنتم تنظرون توكيد.
قال أبو جعفر: وحقيقة هذا القول فقد رأيتموه حقيقة وأنتم بصراء متيقنون). [معاني القرآن: 1/48-485]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أفإن مّات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...}
كلّ استفهام دخل على جزاء فمعناه أن يكون في جوابه خبر يقوم بنفسه، والجزاء شرط لذلك الخبر، فهو على هذا، وإنما جزمته ومعناه الرفع لمجيئه بعد الجزاء؛ كقول الشاعر:
حلفت له إن تدلج اللّيل لا يزل * أمامك بيتٌ من بيوتي سائر
فـ (لا يزل) في موضع رفع؛ إلا أنه جزم لمجيئه بعد الجزاء وصار كالجواب. فلو كان "أفإن مات أو قتل تنقلبون" جاز فيه الجزم والرفع.
ومثله {أفإن متّ فهم الخالدون} المعنى: أنهم الخالدون إن مت. وقوله: {فكيف تتّقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا} لو تأخرت فقلت في الكلام: (فكيف إن كفرتم تتقون) جاز الرفع والجزم في تتقون).
[معاني القرآن: 1/236]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (انقلبتم على أعقابكم): كل من رجع عما كان عليه، فقد رجع على عقبيه). [مجاز القرآن: 1/104]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مّات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئاً وسيجزي اللّه الشّاكرين}
قال تعالى ولم يقل {أفإن مّات أو قتل انقلبتم} فيقطع الألف لأنه جواب المجازاة الذي وقعت عليه {إن] وحرف الاستفهام قد وقع على {إن} فلا يحتاج خبره إلى الاستفهام لأن خبرها مثل خبر الابتداء. ألا ترى انك تقول: "أأزيدٌ حسنٌ" ولا تقول: "أزيدٌ أحسنٌ" وقال الله تعالى: {أفإن مّتّ فهم الخالدون} ولم يقل "أهم الخالدون" لأنه جواب المجازاة). [معاني القرآن: 1/182-183]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({انقلبتم على أعقابكم}: رجعتم). [غريب القرآن وتفسيره: 110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({انقلبتم على أعقابكم} أي: كفرتم. ويقال لمن كان على شيء ثم رجع عنه: قد انقلب على عقبه.
وأصل هذا أرجعه القهقري. ومنه قيل للكافر بعد إسلامه: مرتد).
[تفسير غريب القرآن: 113]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وما محمّد إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا وسيجزي اللّه الشّاكرين} أي: قد مضت من قبله الرسل، المعنى إنّه يموت كما ماتت الرسل قبله.
{أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} أي: ارتددتم عن دينكم - وروي أن بعض من كان في يوم أحد ارتدّ، وبعضهم مضى مسافة ثلاثة أيام، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن الرسل ليست باقية في أممها أبدا وأنّه يجب التمسك بما أتت به، وإن فقد الرسول بموت أو قتل.
وألف الاستفهام دخلت على حرف الشرط ومعناها - الدخول على الجزاء، المعنى أتنقلبون على أعقابكم إن مات محمد أو قتل، لأن الشرط والجزاء معلق أحدهما بالآخر فدخلت ألف الاستفهام على الشرط وأنبأت عن معنى الدخول على الجزاء، كما أنك إذا قلت هل زيد قائم فإنما تستفهم عن قياعه لا من هو، وكذلك قولك ما زيد قائما إنما نفيت القيام ولم تنف زيدا لكنك أدخلت " ما " على زيد لتعلم من الذي نفى عنه القيام.
وكذلك قوله عزّ وجلّ {أفإن متّ فهم الخالدون} ). [معاني القرآن: 1/474]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}
معنى {خلت}: مضت.
ثم قال تعالى: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}
قال قتادة: أفإن مات نبيكم أو قتل رجعتم كفارا.
وهذا القول حسن في اللغة وشبهه بمن كان يمشي إلى خلفه بعدما كان يمشي إلى أمامه.
{وسيجزي الله الشاكرين} أي: على أن هداهم وأنعم عليهم.
ويقال انقلب على عقبيه إذا رجع عما كان عليه.
وأصل هذا: من العاقبة والعقبى وهما ما يتلوا الشيء ويجب أن يتبعه وقال تعالى: {والعاقبة للمتقين} ومنه عقب الرجل ومنه يقال جئت في عقب الشهر إذا جئت بعد ما مضى وجئت في عقبه وعقبه إذا جئت وقد بقيت منه بقية ومنه قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه}). [معاني القرآن: 1/486-487]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} أي: كفرتم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({انقَلَبْتُمْ}: رجعتم). [العمدة في غريب القرآن: 102]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وما كان لنفسٍ أن تموت} معناها: ما كانت نفس لتموت إلاّ بإذن الله). [مجاز القرآن: 1/104]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن الله كتاباً مّؤجّلاً ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشّاكرين}
قال الله تعالى: {وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن الله كتاباً مّؤجّلاً} فقوله سبحانه {كتاباً مّؤجّلاً} توكيد، ونصبه على "كتب اللّه ذلك كتاباً مؤجّلاً".
وكذلك كل شيء في القرآن من قوله: {حقّا} إنما هو "أحقّ ذلك حقّاً".
وكذلك {وعد اللّه} و{رحمةً مّن رّبّك} و{صنع اللّه} و{كتاب اللّه عليكم} إنما هو من "صنع اللّه ذلك صنعاً" فهذا تفسير كل شيء في القرآن من نحو هذا وهو كثير).
[معاني القرآن: 1/183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وما كان لنفس أن تموت إلّا بإذن اللّه كتابا مؤجّلا ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشّاكرين} المعنى: ما كانت نفس لتموت إلا بإذن اللّه، وقوله عزّ وجلّ: {كتابا مؤجّلا} على التوكيد، المعنى: كتب اللّه ذلك كتابا مؤجلا، أي: كتابا ذا أجل).
والأجل هو الوقت المعلوم، ومثل هذا التوكيد قوله - عزّ وجلّ: {كتاب اللّه عليكم} لأنه لما قال: {حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم}
دل ذلك على: أنه مفروض عليهم فكان قوله: {كتاب اللّه عليكم} توكيدا.
وكذلك قوله عز وجلّ: {صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء) لأنه لما قال: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب} دل ذلك على: أنه خلق اللّه وصنعه.
فقال: {صنع اللّه}وهذا في القرآن في غير موضع - وهذا مجراه عند جميع النحويين.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها}أي: من كان إنما يقصد بعمله الدنيا أعطي منها، وكل نعمة فيها العبد فهي تفضل من اللّه إعطاء منه.
ومن كان قصده بعمله الآخرة آتاه اللّه منها.
وليس في هذا دليل أنه يحرمه خير الدنيا، لأنه لم يقل ومن يرد ثواب الآخرة لم نؤته إلا منها، واللّه عزّ وجلّ ذو الفضل العظيم). [معاني القرآن: 1/474-475]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} المعنى: ومن يرد ثواب الآخرة بالعمل الصالح، وهذا كلام مفهوم معناه كما يقال فلان يريد الجنة إذا كان يعمل عمل أهلها ولا يقال ذلك فاسق). [معاني القرآن: 1/487]

تفسير قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وكأيّن مّن نّبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ...} والربّيون الألوف.
تقرأ: قتل وقاتل. فمن أراد قتل جعل قوله: {فما وهنوا لما أصابهم} للباقين، ومن قال: قاتل جعل الوهن للمقاتلين. وإنما ذكر هذا لأنهم قالوا يوم أحد: قتل محمد صلى الله عليه وسلم، ففشلوا، ونافق بعضهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما محمد إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل}، وأنزل: {وكأيّن مّن نّبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ}.
ومعنى {وكأين}: وكم.
وقد قال بعض المفسرين: "وكأين من نبي قتل" يريد: و"معه ربيون" والفعل واقع على النبي صلّى الله عليه وسلم، يقول: فلم يرجعوا عن دينهم ولم ينهوا بعد قتله. وهو وجه حسن). [معاني القرآن: 1/237]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ربّيّون} الرّبّيّون: الجماعة الكثيرة، والواحد منها ربّي). [مجاز القرآن: 1/104]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وكأيّن مّن نّبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا واللّه يحبّ الصّابرين}
قال تعالى: {وكأيّن مّن نّبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ فما وهنوا} يجعل النبيّ هو الذي قتل وهو أحسن الوجهين لأنه قد قال: {أفإن مات أو قتل}.
وقال بعضهم {قاتل معه} وهي أكثر وبها نقرأ. لأنهم كانوا يجعلون {قتل} على {ربّيّون}. ونقول: "فكيف نقول "فكيف نقول {فما وهنوا} وقد قلنا إنهم قد قتلوا فإنه كما ذكرت لك أن القتل على النبي صلى الله عليه. وقوله: {ربّيّون} يعني: الذين يعبدون الرب تعالى وواحدها "ربّيّ").
[معاني القرآن: 1/183-184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ((الربيون): العلماء. الواحد ربي). [غريب القرآن وتفسيره: 110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وكأيّن من نبيٍّ}أي: كثير من نبي.
{قاتل معه ربّيّون} أي: جماعات كثيرة. ويقال: الألوف.
وأصله: من الربّة وهي الجماعة، يقال للجمع: ربّي كأنه نسب إلى الربّة، ثم يجمع ربّي بالواو والنون. فيقال: ربّيون.

[(فما وهنوا) أي: ضعفوا].
{و ما استكانوا} ما خشعوا وذلّوا. ومنه أخذ المستكين). [تفسير غريب القرآن: 113]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا واللّه يحبّ الصّابرين}
تفسيرها " كم من نبي "، وفيها لغتان جيدتان بالغتان يقرأ بهما جميعا.
يقرأ. {وكأيّن} بتشديد (وكائن) على وزن فاعل.
وأكثر ما جاء الشعر على هذه اللغة قال جرير:
وكائن بالأباطح من صديق... يراني لو أصبت هو المصابا
وقال الشاعر أيضا:
وكائن رددنا عنكمو من مدجج... يجيء أمام الألف يردى مقنعا
ومثل التشديد قوله:
كائن في المعاشر من أناس... أخوهم فوقهم وهم كرام
أعلم اللّه جلّ وعزّ أن كثيرا من الأنبياء قاتل معه جماعة فلم يهنوا – فقال الله عزّ وجلّ: {ربّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا}.
{وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا واللّه يحبّ الصّابرين}
معنى {فما وهنوا} فما فتروا، {وما ضعفوا}: وما جبنوا عن قتال عدوهم.
ومعنى{ما استكانوا}: ما خضعوا لعدوهم وتقرأ - وهو الأكثر {ربّيّون} بكسر الراء، وبعضهم يقرأ {ربّيّون} - بضم الراء.
وقيل في تفسير {ربّيّون كثير} أنهم الجماعات الكثيرة.
وقال بعضهم: الربوة عشرة آلاف وقيل الربيون العلماء الأتقياء: الصّبر على ما يصيبهم في الله - عزّ وجلّ - وكلا القولين حسن جميل، وتقرأ: (قتل معه)، (وقاتل معه).
فمن قرى قاتل، المعنى: إنهم قاتلوا وما وهنوا في قتالهم، ومن قرأ قتل، فالأجود أن يكون (قتل) للنبي عليه السلام المعنى.. وكأين من نبي قتل ومعه ربيون فما وهنوا بعد قتله، لأن هؤلاء الذين وهنوا كانوا توهموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل، فأعلم الله - عزّ وجلّ - أن الربانيين بعد قتل نبيهم ما وهنوا.
وجائز أن يكون (قتل) للربانيين، ويكون (فما وهنوا) أي ما وهن من بقي منهم). [معاني القرآن: 1/475-476]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير}
ويقرأ {قاتل} فمن قرأ (قتل) معه ففيه عنده قولان:
أحدهما: روي عن عكرمة وهو أن المعنى وكأين من نبي قتل على أنه قد تم الكلام ثم قال: معه ربيون كثير، بمعنى معه ربيون كثير.
وهذا قول حسن على مذهب النحويين لأنهم أجازوا رأيت زيدا السماء تمطر عليه بمعنى والسماء تمطر عليه.
والقول الآخر: أن يكون المعنى قتل معه بعض الربيين وهذا معروف في اللغة أن يقال جاءني بني فلان وإنما جاءك بعضهم فيكون المعنى على هذا قتل معه بعض الربين). [معاني القرآن: 1/488-489]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا}أي: فما ضعف من بقي منهم كما قرئ {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلونكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم} بمعنى: فإن قتلوا بعضكم
والقول الأول: على أن يكون التمام عند قوله: {قتل} وهو أحسن والحديث يدل عليه.
قال الزهري: صاح الشيطان يوم أحد قتل محمد فانهزم جماعة من المسلمين.
قال كعب بن مالك: كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عينيه من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي هذا رسول الله فأومأ إلي أن اسكت فأنزل الله عز وجل:{وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير}
وقال عبد الله ابن مسعود: الربيون الألوف الكثيرة.
وقال مجاهد وعكرمة والضحاك: الربيون الجماعات.
وقال ابن زيد: الربيون الأتباع.
ومعروف أن: الربة الجماعة فهم منسبون إلى الربة ويقال للخرقة التي يجمع فيها القدح ربة وربة والرباب قبائل تجمعت.
وقال أبان بن تغلب: الربي عشرة آلاف.
وقال الحسن رحمة الله عليه: هم العلماء الصبر كأنه أخذ من النسبة إلى الرب تبارك وتعالى.
ثم قال تعالى: {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله}أي: فما ضعفوا
والوهن في اللغة: أشد الضعف.
{وما استكانوا} أي: وما ذلوا فعاتب الله عز وجل بهذا المسلمين بهذا لأنهم كانوا يتمنون القتال.
وقرأ مجاهد فيما روي عنه {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه} وهي قراءة حسنة، والمعنى: ولقد كنتم تمنون الموت أن تلقوه من قبل، أي: من قبل أن تلقوه). [معاني القرآن: 1/489-492]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {وكأين من نبي} أي: وكم من نبي). [ياقوتة الصراط: 191]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({رِبِّيُّونَ} أي: جماعات كثيرة، وأصله من الرِبَة وهي الجماعة. ويقال للواحد رِبَي، كأنه نُسب إلى الرِبَة ثم جمع.
{وَمَا اسْتَكَانُواْ} أي: وما خسئوا، وما ذلوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 53]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وما كان قولهم إلاّ أن قالوا...}
نصبت القول بكان، وجعلت أن في موضع رفع، ومثله في القرآن كثير والوجه أن تجعل (أن) في موضع الرفع؛ ولو رفع القول وأشباهه وجعل النصب في "أن" كان صوبا). [معاني القرآن: 1/237]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإسرافنا في أمرنا}: تفريطنا). [مجاز القرآن: 1/104]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما كان قولهم إلاّ أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}
قال تعالى: {وما كان قولهم إلاّ أن قالوا} وقال: {وما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا} و[قال] {مّا كان حجّتهم إلاّ أن قالوا} فـ{أن قالوا} هو الاسم الذي يرفع بـ{وكان} لأن {أن} الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم تقول: "أعجبني أن قالوا" وإن شئت رفعت أول هذا كله وجعلت الآخر في موضع نصب على خبر كان. قال الشاعر:
لقد علم الأقوام ما كان داءها = بثهلان إلاّ الخزي ممّن يقودها
وإن شئت "ما كان داؤها إلا الخزي"). [معاني القرآن: 1/184]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما كان قولهم إلّا أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}
تقرأ {قولهم} بالنصب ويكون الاسم: {إلا أن قالوا} فيكون المعنى: ما كان قولهم إلا استغفارهم، أي: قولهم اغفر لنا - ومن قرأها بالرفع جعل خبر كان ما بعد إلا، والأكثر في الكلام أن يكون الاسم هو ما بعد إلا - قال اللّه عزّ وجل {فما كان جواب قومه إلّا أن قالوا} {ما كان حجّتهم إلّا أن قالوا}.
ومعنى: {وثبّت أقدامنا} أي ثبتنا على دينك. وإذا ثبتهم على دينهم ثبتوا في حربهم - قال اللّه عزّ وجلّ - (فتزلّ قدم بعد ثبوتها) المعنى: تزلّ عن الدين). [معاني القرآن: 1/477]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا}
قال مجاهد: يعني الخطايا الكبار.
ثم قال تعالى: {وثبت أقدامنا} أي: ثبتنا على دينك وإذا ثبتهم على دينه ثبتوا في الحرب كما قال {فتزل قدم بعد ثبوتها}). [معاني القرآن: 1/492]

تفسير قوله تعالى: {فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عز وجل: {فآتاهم اللّه ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة واللّه يحبّ المحسنين} أي: ظفّرهم وغنمهم. {وحسن ثواب الآخرة}
المغفرة وما أعد لهم من النعيم الدائم). [معاني القرآن: 1/477]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقال تعالى: {فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة}
قال قتادة: أعطوا النصر في الدنيا والنعيم في الآخرة). [معاني القرآن: 1/492]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (وقوله - عز وجل: {ثواب الدنيا} الثواب يكون خيراً ويكون شرا، وكذلك: البشارة: تكون بخير، وتكون بشر، ومن الثواب الشر). [ياقوتة الصراط:191-192]


رد مع اقتباس
  #16  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 149 إلى 155]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)}

تفسير قوله تعالى: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بل اللّه مولاكم...}
رفع على الخبر، ولو نصبته: (بل أطيعوا الله مولاكم) كان وجها حسنا). [معاني القرآن: 1/237]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {بل اللّه مولاكم وهو خير النّاصرين} أي: هو وليكم، وإذا كان وليهم فهو ناصرهم {فإنّ حزب اللّه هم الغالبون}). [معاني القرآن: 1/477]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {بل الله مولاكم وهو خير الناصرين} المولى: الناصر فإذا كان ناصرهم لم يغلبوا). [معاني القرآن: 1/493]

تفسير قوله تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ما لم ينزّل به سلطاناً} أي: بياناً). [مجاز القرآن: 1/104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ما لم ينزّل به سلطاناً} أي: حجة). [تفسير غريب القرآن: 113]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والسلطان: الحجّة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ}أي: حجة.
وقال: {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} أي: حجّة في كتاب الله وقال: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} أي: حجّة.
وقال: {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي: حجة وعذر). [تأويل مشكل القرآن: 504]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {سنلقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب بما أشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانا ومأواهم النّار وبئس مثوى الظّالمين}
يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((نصرت بالرعب)).
وقال: ((يرعب مني عدوي من مسيرة شهر)).
وقال اللّه عزّ وجلّ في سورة الحشر: {وقذف في قلوبهم الرّعب}.
وقوله عزّ وجلّ: {بما أشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانا} أي: أشركوا به ما لم ينزل به حجة، والسلطان في اللغة: الحجة ومثله {ما أغنى عنّي ماليه*هلك عنّي سلطانيه} أي: ذهبت عني حجيته). [معاني القرآن: 1/477-478]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا}
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نصرت بالرعب)).
والسلطان: الحجة ومنه هلك عني سلطانيه، أي: حجتيه). [معاني القرآن: 1/493]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر...}
يقول: وجد عيسى.
والإحساس:
الوجود، تقول في الكلام: هل أحسست أحدا، وكذلك قوله: {هل تحسّ منهم من أحدٍ}.

فإذا قلت: حسست، بغير ألف فهي في معنى الإفناء والقتل من ذلك قول الله عز وجل: {إذ تحسّونهم بإذنه} والحسّ أيضا: العطف والرقّة؛ كقول الكميت:
هل من بكى الدار راجٍ أن تحسّ له * أو يبكي الدار ماء العبرة الخضل
وسمعت بعض العرب يقول: ما رأيت عقيليّا إلا حسست له، وحسست لغة.
والعرب تقول: من أين حسيت هذا الخبر؟ يريدون: من أين تخبّرته؟ [وربما قالوا حسيت بالخبر وأحسيت به، يبدلون من السين ياء] كقول أبي زبيد.

* حسين به فهنّ إليه شوس *
وقد تقول العرب: ما أحست بهم أحدا، فيحذفون السين الأولى، وكذلك في وددت، ومسست وهممت، قال: أنشدني بعضهم:
هل ينفعنك اليوم إن همت بهمّ * كثرة ما تأتى وتعقاد الرتم). [معاني القرآن: 1/216-217] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {حتّى إذا فشلتم...}
يقال: إنه مقدّم ومؤخر؛ معناه: "حتى إذا تنازعتم في الأمر فشلتم"، فهذه الواو معناها: السقوط، كما يقال: {فلمّا أسلما وتلّه للجبين. وناديناه}معناه: ناديناه. وهو في "حتى إذا" و"فلمّا أن" مقول، لم يأت في غير هذين.
قال الله تبارك وتعالى: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدبٍ ينسلون} ثم قال: {واقترب الوعد الحقّ} معناه: اقترب، وقال تبارك وتعالى: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} وفي موضع آخر: {فتحت} وقال الشاعر:

حتى إذا قملت بطونكم * ورأيتم أبناءكم شبّوا
وقلبتم ظهر المجنّ لنا * إن اللئيم العاجز الخبّ
الخبّ: الغدّار، والخبّ: الغدر.
وأمّا قوله: {إذا السماء انشقّت. وأذنت لربّها وحقّت} وقوله: {وإذا الأرض مدّت. وألقت ما فيها وتخلّت} فإنه كلام واحد جوابه فيما بعده، كأنه يقول: "فيومئذ يلاقى حسابه".
وقد قال بعض من روى عن قتادة من البصريّين {إذا السّماء انشقّت. أذنت لربها وحقّت} ولست أشتهي ذلك؛ لأنها في مذهب {إذا الشّمس كوّرت} و{إذا السّماء انفطرت} فجواب هذا بعده {علمت نفسٌ ما أحضرت} و{وعلمت نفس ما قدّمت وأخّرت}).
[معاني القرآن: 1/238]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذ تحسّونهم}: تستأصلونهم قتلاً، يقال: حسسناهم من عند آخرهم، أي استأصلناهم، قال رؤبة:
إذا شكونا سنةً حسوسا... تأكل بعد الأخضر اليبيسا
{ثمّ صرفكم عنهم ليبتليكم}أي: ليبلوكم: ليختبركم، ويكون {ليبتليكم} بالبلاء). [مجاز القرآن: 1/104-105]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون}
قال تعالى: {فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر} لأنّ هذا من "أحسّ" "يحسّ" "إحساساً" وليس من قوله: {تحسّونهم بإذنه} [إذ] ذلك من "حسّ" "يحسّ" "حسّاً" وهو في غير معناه لأن معنى "حسست" قتلت. و"أحسست" هو: ظننت). [معاني القرآن: 1/172] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إذ تحسونهم بإذنه}: تستأصلوهم بالقتل.
{إذا تصعدون} الإصعاد: الصعود في الجبل). [غريب القرآن وتفسيره: 110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إذ تحسّونهم بإذنه} أي: تستأصلونهم بالقتل. يقال: سنة حسوس: إذا أتت على كل شيء.
وجراد محسوس: إذا قتله البرد).
[تفسير غريب القرآن:113-114]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ولقد صدقكم اللّه وعده إذ تحسّونهم بإذنه حتّى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبّون منكم من يريد الدّنيا ومنكم من يريد الآخرة ثمّ صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم واللّه ذو فضل على المؤمنين}
{إذ تحسّونهم بإذنه} معناه: تستأصلونهم قتلا، يقال حسهم القائد يحسهم حسّا إذا قتلهم.
ويقال هل حسست كذا وكذا، أي: هل رأيته أو علمته.
ويقال ما حسست فلانا، وهل حسست له - والكسر أكثر - أي ما رفقت عليه ولا رحمته ويقال جيء به من حسّك وبسّك، أي من حيث ما كان ولم يكن، كذلك لفظ الأصمعي.
وتأويله جيء به من حيث تدركه حاسّة - من حواسّك، أو يدركه تصرف من تصرفك، ومعنى {بإذنه}: بعلمه.
وقوله جلّ وعزّ: {حتى إذا فشلتم}أي: جبنتم عن عدوكم، {وتنازعتم} اختلفتم {من بعد ما أراكم ما تحبّون} لأنهم أعطوا النصر فخالفوا فيما قيل لهم في حربهم فعوقبوا بأن ديل منهم.
وقوله جلّ وعزّ: (منكم من يريد الدّنيا)أي: منكم من قصده الغنيمة في حربه {ومنكم من يريد الآخرة} أي: يقصد بحربه إلى ما عند اللّه.
وقوله جلّ وعزّ: {ولقد عفا عنكم واللّه ذو فضل على المؤمنين} ). [معاني القرآن: 1/478]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه}
قال قتادة: {تحسونهم} تقتلونهم.
ثم قال تعالى: {حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون} أي: من هزيمة القوم وفشلتم جبنتم.
قال عبد الله ابن مسعود: أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرماة أن يثبتوا مكانهم فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم في أول شيء فقال بعضهم نلحق الغنائم وقال بعضهم نثبت فعاقبهم الله بأن قتل بعضهم، قال وما علمنا أن أحدا منا يريد الحياة الدنيا حتى نزلت {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم}
قال معنى {ليبتليكم} ليختبركم وقيل معناه ليبتليكم بالبلاء). [معاني القرآن: 1/493-495]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {إذ تحسونهم} أي: تقتلونهم). [ياقوتة الصراط: 192]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَحُسُّونَهُم} أي: تستأصلونهم بالقتل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 53]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَحُسُّونَهُم}: تقتلونهم). [العمدة في غريب القرآن: 102]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحدٍ...} الإصعاد: في ابتداء الأسفار والمخارج. تقول: أصعدنا من مكة ومن بغداد إلى خراسان، وشبيه ذلك. فإذا صعدت على السلم أو الدّرجة ونحوهما قلت: صعدت، ولم تقل أصعدت. وقرأ الحسن البصريّ: {إذ تصعدون ولا تلوون} جعل الصعود في الجبل كالصعود في السلم.
وقوله: {والرّسول يدعوكم في أخراكم} ومن العرب من يقول: أخراتكم، ولا يجوز في القرآن؛ لزيادة التاء فيه على كتاب المصاحف؛ وقال الشاعر:
ويتّقي السيف بأخراته * من دون كفّ الجار والمعصم
وقوله: {فأثابكم غمّاًً بغمٍّ} الإثابة ها هنا [في] معنى عقاب، ولكنه كما قال الشاعر:
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه * أداهم سوداً أو محدرجةً سمرا
وقد يقول الرجل الذي قد اجترم إليك: لئن أتيتني لأثيبنّك ثوابك، معناه لأعاقبنّك، وربما أنكره من لا يعرف مذاهب العربية.
وقد قال الله تبارك وتعالى: {فبشّرهم بعذابٍ أليم} والبشارة إنما تكون في الخير، فقد قيل ذاك في الشرّ.

ومعنى قوله {غمّاًً بغمٍّ}: ما أصابهم يوم أحد من الهزيمة والقتل، ثم أشرف عليهم خالد بن الوليد بخيله فخافوه، وغمّهم ذلك.
وقوله: {ولا ما أصابكم} (ما) في موضع خفض على "ما فاتكم" أي ولا على ما أصابكم). [معاني القرآن: 1/239-240]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذ تصعدون} في الأرض، قال الحادي:
قد كنت تبكين على الإصعاد... فاليوم سرّحت وصاح الحادي
وأصل الإصعاد: الصعود في الجبل، ثم جعلوه في الدّرج، ثم جعلوه في الإرتفاع في الأرض، أصعد فيها، أي: تباعد.
{أخراكم} آخركم). [مجاز القرآن: 1/105]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إذ تصعدون ولا تلوون على أحدٍ والرّسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غمّاًً بغمٍّ لّكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم واللّه خبيرٌ بما تعملون}
قال تعالى: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحدٍ} لأنك تقول: "أصعد" أي: مضى وسار و"أصعد الوادي" أي: انحدر فيه. وأما "صعد" فإنه: ارتقى.
وقال: {فأثابكم غمّاً بغمٍّ} أي: على غمٍّ. كما قال: {في جذوع النّخل} ومعناه: على جذوع النخل وكما قال: "ضربني في السيف" يريد "بالسيف" وتقول: نزلت في أبيك" أي: على أبيك). [معاني القرآن: 1/184-185]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إذ تصعدون} أي: تبعدون في الهزيمة. يقال: أصعد في الأرض إذا أمعن في الذهاب، وصعد الجبل والسطح.
{فأثابكم غمًّا بغمٍّ} أي: جازاكم غما مع غم، أو غما متصلا بغم.
والغم الأول: الجراح والقتل.
والغم الثاني: أنهم سمعوا بأن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قد قتل، فأنساهم الغمّ الأول.
[تفسير غريب القرآن: 114]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرّسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غمّا بغمّ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم واللّه خبير بما تعملون}
(تصعدون) و(تصعدون) جميعا، قد قرئ بهما، فمن قال (تصعدون) فهو لكل من ابتدأ مسيرا من مكان فقد أصعد، والصعود إنما يكون من أسفل إلى فوق.
ومن قرأ (تصعدون) فالمعنى إذ تصعدون في الجبل ولا تلوون على أحد.
وقوله عزّ وجلّ: {فأثابكم غمّا بغمّ}، أي: أثابكم بأن غممتم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نالكم غمّ - بما عوقبتم به للمخالفة
وقال بعضهم {غمّا بغمّ} إشراف خالد بن الوليد عليهم بعد ما نالهم.
وقوله جلّ وعزّ: {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم} من غنيمة.
{ولا ما أصابكم}أي: ليكون غمكم بأن خالفتم النبي فقط). [معاني القرآن: 1/478-479]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد}
ويقرأ {تصعدون} بفتح التاء فمن ضمها فهو عنده من أصعد إذا ابتدأ السير ومن فتحها فهو عنده من صعد الحبل وما أشبهه
ومعنى {تلوون}: تعرجون
ثم قال عز وجل: {والرسول يدعوكم في أخراكم}
قال أبو عبيدة: معناه في آخركم). [معاني القرآن: 1/495-496]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فأثابكم غما بغم}في هذا قولان:
أحدهما: أن مجاهد قال: الغم الأول القتل والجراح والغم الثاني أنه صاح صائح قتل محمد فأنساهم الغم الآخر الغم الأول.
والقول الآخر: أنهم غموا النبي صلى الله عليه وسلم في مخالفتهم إياه لأنه أمرهم أن يثبتوا فخالفوا أمره فأثابهم الله بذلك الغم غمهم بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ومعنى {فأثابهم} أي: فأنزل بهم ما يقوم مقام الثواب كما قال تعالى: {فبشرهم بعذاب اليم} أي: الذي يقوم لهم مقام البشارة عذاب اليم وأنشد سيبويه:
تراد على دمن الحياض فإن تعف = فإن المندى رحلة فركوب
أي: الذي يقوم مقام التندية الرحلة والركوب.
وقوله تعالى: {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم}
والمعنى: لكيلا تحزنوا على ما فاتكم أنهم طلبوا الغنيمة ولا أصابكم في أنفسكم من القتل والجراحات). [معاني القرآن: 1/496-497]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (قوله - جل وعز: {فأثابكم غما بغم} ). [ياقوتة الصراط: 192]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِذْ تُصْعِدُونَ} أي: تبعدون في الهزيمة، يقال: أصعد: إذا أمعن في الذهاب، وصعد السطح والجبل.
{فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ} أي: جازاكم غما مع غم، فالأول الجراح والقتل، والثاني: أنهم سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قُتل، نساهم الغم الأول). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 53]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تُصْعِدُونَ}: في الجبل تسيرون فلا ترجعون). [العمدة في غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ثمّ أنزل عليكم مّن بعد الغمّ أمنةً نّعاساً يغشى طائفةً مّنكم...}
تقرأ بالتاء فتكون للأمنة؛ وبالياء فيكون للنعاس، مثل قوله: {يغلي في البطون} وتغلي، إذا كانت (تغلي) فهي الشجرة، وإذا كانت (يغلي) فهو للمهل.
وقوله: {يغشى طائفةً مّنكم وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم} ترفع الطائفة بقوله {أهمتهم} بما رجع من ذكرها، وإن شئت رفعتها بقوله: {يظنّون باللّه غير الحقّ} ولو كانت نصبا لكان صوابا؛ مثل قوله في الأعراف: {فريقاً هدى وفريقاً حقّ عليهم الضّلالة}.
وإذا رأيت اسما في أوّله كلام وفي آخره فعل قد وقع على راجع ذكره جاز في الاسم الرفع والنصب. فمن ذلك قوله: {والسماء بنيناها بأيدٍ} وقوله: {والأرض فرشناها فنعم الماهدون} يكون نصبا ورفعا. فمن نصب جعل الواو كأنها ظرف للفعل متصلة بالفعل، ومن رفع جعل الواو للاسم، ورفعه بعائد ذكره؛ كما قال الشاعر:
إن لم اشف النفوس من حيّ بكرٍ * وعدي تطاه جرب الجمال
فلا تكاد العرب تنصب مثل (عديّ) في معناه؛ لأن الواو لا يصلح نقلها إلى الفعل؛ ألا ترى أنك لا تقول: وتطأ عديّا جرب الجمال. فإذا رأيت الواو تحسن في الاسم جعلت الرفع وجه الكلام. وإذا رأيت الواو يحسن في الفعل جعلت النصب وجه الكلام. وإذا رأيت ما قبل الفعل يحسن للفعل والاسم جعلت الرفع والنصب سواء، ولم يغلّب واحد على صاحبه؛ مثل قول الشاعر:
إذا ابن أبي موسى بلالاً أتيته * فقام بفأسٍ بين وصليك جازر
فالرفع والنصب في هذا سواء.
وأمّا قول الله عز وجل: {وأمّا ثمود فهديناهم} فوجه الكلام فيه الرفع؛ لأن أمّا تحسن في الاسم ولا تكون مع الفعل.

وأمّا قوله: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} فوجه الكلام فيه الرفع؛ لأنه غير موقّت فرفع كما يرفع الجزاء، كقولك: من سرق فاقطعوا يده. وكذلك قوله: {والشعراء يتّبعهم الغاوون} معناه والله أعلم: من (قال الشعر) اتبعه الغاوون. ولو نصبت قوله {والسارق والسارقة} بالفعل كان صوابا.
وقوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} العرب في (كل) تختار الرفع، وقع الفعل على راجع الذكر أو لم يقع. وسمعت العرب تقول {وكلّ شيء أحصيناه في إمامٍ مبينٍ} بالرفع وقد رجع ذكره. وأنشدوني فيما لم يقع الفعل على راجع ذكره:
فقالوا تعرّفها المنازل من منىً * وما كلّ من يغشى منىً أنا عارف
ألفنا ديارا لم تكن من ديارنا * ومن يتألّف بالكرامة يألف
فلم يقع (عارف) على كلّ؛ وذلك أن في (كل) تأويل: وما من أحد يغشى مني أنا عارف، ولو نصبت لكان صوابا، وما سمعته إلا رفعا.وقال الآخر:
قد علقت أمّ الخيار تدّعي * عليّ ذنبا كلّه لم أصنع
رفعا، وأنشدنيه بعض بني أسد نصبا.
وقوله: {قل إنّ الأمر كلّه للّه} فمن رفع جعل (كل) اسما فرفعه باللام في للّه كقوله: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودّة} ومن نصب (كله) جعله من نعت الأمر). [معاني القرآن: 1/240-243]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يغشى طائفةً منكم}: انقطع النصب، ثم جاء موضع رفعٍ: {وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم} ولو نصبت على الأول إذ كانت مفعولاً بها لجازت إن شاء الله، كقولك: رأيت زيداً، وزيداً أعطاه فلان مالاً، ومثلها في القرآن: {يدخل من يشاء في رحمته والظّالمين أعدّ لهم عذاباً أليماً} فنصب {الظالمين} بنصب الأول على غير معنى: {يدخلهم في رحمته}). [مجاز القرآن: 1/105-106]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ثمّ أنزل عليكم مّن بعد الغمّ أمنةً نّعاساً يغشى طائفةً مّنكم وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم يظنّون باللّه غير الحقّ ظنّ الجاهليّة يقولون هل لّنا من الأمر من شيءٍ قل إنّ الأمر كلّه للّه يخفون في أنفسهم مّا لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيءٌ مّا قتلنا هاهنا قل لّو كنتم في بيوتكم لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي اللّه ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم واللّه عليمٌ بذات الصّدور}
قال تعالى: {إنّ الأمر كلّه للّه} إذا جعلت "كلاًّ" اسما كقولك: "إنّ الأمر بعضه لزيدٍ" وإن جعلته صفة نصبت. وإن شئت نصبت على البدل، لأنك لو قلت "إنّ الأمر بعضه لزيدٍ" لجاز على البدل، والصفة لا تكون في "بعض". قال الشاعر:
إنّ السّيوف غدوّها ورواحها = تركا فزارة مثل قرن الأعضب
فابتدأ "الغدوّ" و"الرواح" وجعل الفعل لهما. وقد نصب بعضهم "غدوّها" ورواحا" وقال: "تركت هوازن" فجعل "الترك" لـ"السيوف" وجعل "الغدوّ" و"الرواح" تابعا لها كالصفة حتى صار بمنزلة "كلّها". وتقول {إنّ الأمر كلّه للّه} على التوكيد أجود وبه نقرأ.
وقال تعالى: {لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} وقد قال بعضهم {القتال} و"القتل" فيما نرى، وقال بعضهم {إلى قتالهم} و{القتل} أصوبهما إن شاء الله لأنه قال: {إلى مضاجعهم}.
وقال: {وليبتلي اللّه ما في صدوركم} أي: كي يبتلي اللّه). [معاني القرآن: 1/185-186]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( و(الأمنة): الأمن. يقال: وقعت الأمنة في الأرض. ومنه يقال:
أعطيته أمانا، أي: عهدا يأمن به.
{في بروجٍ مشيّدةٍ} أي: قصور عالية. والبروج: الحصون). [تفسير غريب القرآن: 114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (أصل الكتاب: ما كتبه الله في اللّوح مما هو كائن.
ثم تتفرع منه معان ترجع إلى هذا الأصل. كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}أي: قضى الله ذلك وفرغ منه.
وقوله: {لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} أي: ما قضى الله لنا.
وقوله: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} أي: قضي، لأنّ هذا قد فرغ منه حين كتب). [تأويل مشكل القرآن: 462]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعز: {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم يظنّون باللّه غير الحقّ ظنّ الجاهليّة يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إنّ الأمر كلّه للّه يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي اللّه ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم واللّه عليم بذات الصّدور}
{ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاسا}أي: أعقبكم بما نالكم من الرّعب أن أمنكم أمنا تنامون معه، لأن الشديد الخوف لا يكاد ينام.
و {أمنة} اسم تقول أمن الرجل أمنا وأمنة، إذا لم ينله خوف.
و {نعاسا}: منصوب على البدل من {أمنة}، ويقرأ (يغشى) و {تغشى طائفة منكم} فمن قرأ (يغشى) - بالياء - جعله للنعاس ومن قرأ {تغشى} بالتاء جعله للأمنة.
والأمنة تؤدي معنى النعاس.
وإن قرئ يغشى جاز - وهذه الطائفة هم المؤمنون.
{وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم} وهم المنافقون.
وقوله جلّ وعزّ: {يظنّون باللّه غير الحقّ} أي: يظن المنافقون أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مضمحل.
{ظنّ الجاهليّة} أي: هم على جاهليتهم في ظنهم هذا والقراءة.
{وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} - قال سيبويه: المعنى: إذ طائفة قد أهمتهم وهذه واو الحال، ولو قرئت: {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم}، على إضمار فعل (أهم) الذي ظهر تفسيره كان جائزا.
المعنى: وأهمت طائفة أنفسهم، وجائز أن يرتفع على أن يكون الخبر - يظنون ويكون قد أهمتهم نعت طائفة، المعنى: وطائفة تهمهم أنفسهم يظنون، أي: طائفة يظنون باللّه غير الحق.

وقوله عزّ وجلّ: {قل لو كنتم في بيوتكم}.
تقرأ {بيوتكم} بضم الباء وكسرها، وروى أبو بكر بن عياش عن عاصم بكسر الباء، قال أبو إسحاق: وقرأناها بإقراء أبي عمرو عن عاصم {بيوتكم} بضم الباء، والضم الأكثر الأجود - والذين كسروا (بيوت) كسروها لمجيء الياء بعد الباء و " فعول " ليس بأصل في الكلام، ولا من أمثلة الجمع.
فالاختيار (بيوت)
مثل قلب وقلوب وفلس وفلوس.
وقوله عزّ وجلّ {لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}
معنى (برزوا): صاروا إلى براز، وهو المكان المنكشف، أي: لأوصلتهم الأسباب التي عنها يكون القتل إلى مضاجعهم.
وقوله عزّ وجلّ: {وليبتلي اللّه ما في صدوركم} أي: يختبره بأعمالكم لأنه علمه غيبا فيعلمه شهادة لأن المجازاة تقع على ما علم مشاهدة، أعني على ما وقع من عامليه، لا على ما هو معلوم منهم.
وقوله عزّ وجلّ: {قل إنّ الأمر كلّه للّه}
فمن نصب فعلي توكيد {الأمر} ومن رفع فعلي الابتداء - و{للّه} الخبر ومعنى {الأمر كله لله} أي النصر وما يلقي من الرعب في القلوب للّه،أي: كل ذلك لله). [معاني القرآن: 1/479-480]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا} الأمنة والأمن واحد وهو اسم المصدر
وروي عن أبي طلحة أنه قال: نظرت يوم أحد فلم أر إلا ناعسا تحت ترسه.
ثم قال تعالى: {يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم}
{يغشى طائفة منكم} يعني بهذه الطائفة: المؤمنين {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} يعني بهذه الطائفة: المنافقين). [معاني القرآن: 1/498]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية} أي: يظنون أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم قد اضمحل
ثم قال تعالى: {ظن الجاهلية أي هم في ظنهم بمنزلة الجاهلية}
{يقولون هل لنا من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله} أي: ينصر من يشاء ويخذل من يشاء). [معاني القرآن: 1/499]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}أي: لصاروا إلى براز من الأرض). [معاني القرآن: 1/499]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {لبرز الذين} أي: لظهر). [ياقوتة الصراط: 192]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ):{الأَمَنَة} الأمن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 53]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({استزلّهم الشّيطان} طلب زللهم،كما يقال: استعجلت فلانا، أي: طلبت عجلته، واستعملته، أي: طلبت عمله). [تفسير غريب القرآن: 114]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا اللّه عنهم إنّ اللّه غفور حليم} هذا خطاب للمؤمنين خاصة.
{إنّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا} أي: لم يتولوا في قتالهم على جهة المعاندة، ولا على الفرار من الزحف رغبة في الدنيا خاصة، وإنما أذكرهم الشيطان خطايا كانت لهم فكرهوا لقاء الله إلا على حال يرضونها، فلذلك عفا عنهم وإلا فأمر الفرار والتولي في الجهاد إذا كانت العدة أقل من المثلين، أو كانت العدة مثلين، فالفرار أمر عظيم.
قال اللّه عزّ وجلّ: {ومن يولّهم يومئذ دبره إلّا متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه ومأواه جهنّم}
وهذا يدل أن أمر الوعيد لأهل الصلاة أمر ثابت، وأن التولي في الزحف من أعظم الكبائر). [معاني القرآن: 1/481]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم}
معنى {استزلهم}: استدعى أن يزلوا كما يقال أتعجله، أي: استدعيت أن يعجل، ومعنى {استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا}: أنه روي أن الشيطان ذكرهم خطاياهم فكرهوا القتل قبل التوبة ولم يكرهوا القتل معاندة ولا نفاقا فعفا الله عنهم). [معاني القرآن: 1/499-500]


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 156 إلى 163]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض...}
كان ينبغي في العربية أن يقال: وقالوا لإخوانهم إذ ضربوا في الأرض، لأنه ماض؛ كما تقول: ضربتك إذ قمت، ولا تقول ضربتك إذا قمت. وذلك جائز، والذي في كتاب الله عربيّ حسن؛ لأن القول وإن كان ماضيا في اللفظ فهو في معنى الاستقبال؛ لأن {الذين} يذهب بها إلى معنى الجزاء من من وما، فأنت تقول للرجل: أحبب من أحبّك، وأحبب كلّ رجل أحبّك، فيكون الفعل ماضيا وهو يصلح للمستقبل؛ إذ كان أصحابه غير موقّتين، فلو وقّته لم يجز، من ذلك أن تقول: لأضربن هذا الذي ضربك إذ سلّمت عليك، لأنك قد وقّته فسقط عنه مذهب الجزاء، وتقول: لا تضرب إلا الذي ضربك إذا سلمت عليه، فتقول (إذا) لأنك لم توقته.
وكذلك قوله: {إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله} فقال
{ويصدّون} فردّها على {كفروا} لأنها غير موقّتة.
وكذلك قوله: {إلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} المعنى: إلا الذين يتوبون من قبل أن تقدروا عليهم. والله أعلم.
وكذلك قوله: {إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحا} معناه: إلا من يتوب ويعمل صالحا، وقال الشاعر:

فإني لآتيكم تشكّر ما مضى * من الأمر واستيجاب ما كان في غد
يريد به: المستقبل لذلك قال (كان في غد) ولو كان ماضيا لقال: ما كان في أمس، ولم يجز ما كان في غد. وأمّا قول الكميت:
ما ذاق بؤس معيشةٍ ونعيمها * فيما مضى أحدٌ إذا لم يعشق
فمن ذلك؛ إنما أراد: لم يذقها فيما مضى ولن يذوقها فيما يستقبل إذا كان لم يعشق، وتقول: ما هلك امرؤ عرف قدره، فلو أدخلت في هذا (إذا) كانت أجود من (إذ)؛ لأنك لم تخبر بذلك عن واحد فيكون بإذا، وإنما جعلته كالدأب فجرى الماضي والمستقبل.
ومن ذلك أن يقول الرجل للرجل: كنت صابرا إذا ضربتك؛ لأن المعنى: كنت كلّما ضربت تصبر، فإذا قلت: كنت صابرا إذ ضربت، فإنما أخبرت عن صبره في ضربٍ واحد). [معاني القرآن: 1/243-244]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ضربوا في الأرض} يقال: ضربت في الأرض، أي: تباعدت.
{أو كانوا غزّىً} لا يدخلها رفع ولا جرّ لأن واحدها: غازٍ، فخرجت مخرج قائل وقوّل، فعّل، وقال رؤبة:
وقوّلٍ إلاّ ده فلا ده
يقول: إن لم يكن هذا فلا ذا.
ومثل هذا قولهم: إن لم تتركه هذا اليوم فلا تتركه أبداً، وإن لم يكن ذاك الآن لم يكن أبداً.

{حسرةً} الحسرة: الندامة). [مجاز القرآن: 1/106-107]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزًّى لّو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل اللّه ذلك حسرةً في قلوبهم واللّه يحيي ويميت واللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال تعالى: {أو كانوا غزًّى لّو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا} وواحد "الغزّى" "غاز" مثل "شاهد" و"شهّد"). [معاني القرآن: 1/186]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إذا ضربوا في الأرض}: تباعدوا.
{كانوا غزا}: جمع واحدا غاز). [غريب القرآن وتفسيره: 111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ضربوا في الأرض} تباعدوا.
و(غزّى) جمع غاز، مثل صائم وصوّم. ونائم ونوّم. وعاف وعفّى). [تفسير غريب القرآن: 114]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل اللّه ذلك حسرة في قلوبهم واللّه يحيي ويميت واللّه بما تعملون بصير}
{أو كانوا غزّى} القراءة وما ثبت في المصحف على: القصر، وفعّل جمع فاعل نحو ضارب، وضرّب، وشاهد وشهد، ويقع على فعّال نحو حارب وحراب، وضارب وضرّاب،وغزّاء. يجوز إلا أنه لا يكون في القراءة لأنه ممدود.
وقوله عزّ وجلّ: {ليجعل اللّه ذلك حسرة في قلوبهم} أي: ليجعل ظنهم أنهم لو لم يحضروا - وإذا لم يحضروا الحرب اندفع عنهم ما كتب عليهم. فحسرتهم فيما ينالهم أشد.
{واللّه يحيي ويميت} أي: ليس الإنسان يمنعه تحرزه من إتيان أجله على ما سبق في علم الله). [معاني القرآن: 1/481-482]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا}
روى عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هذا قول المنافق عبد الله بن أبي). [معاني القرآن: 1/500]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ} تباعدوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 53]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ضَرَبُواْ}: أبعدوا. {غُزًّا}: جمع غاز). [العمدة في غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولئن قتلتم في سبيل اللّه أو متّم لمغفرةٌ مّن اللّه ورحمةٌ خيرٌ مّمّا يجمعون}
قال تعالى: {ولئن قتلتم في سبيل اللّه أو متّم} الآية، فإن قيل كيف يكون {لمغفرةٌ مّن اللّه} جواب ذلك الأول؟ فكأنه حين قال: {ولئن قتلتم في سبيل اللّه أو متّم} تذكر لهم مغفرة ورحمة إذ كان ذلك في السبيل فقال: {لمغفرةٌ} يقول: "لتلك المغفرة {خيرٌ ممّا تجمعون}"). [معاني القرآن: 1/186]

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولئن مّتّم أو قتلتم لإلى الله تحشرون}
قال: {ولئن مّتّم أو قتلتم لإلى الله تحشرون} وإن شئت قلت {قتّلتم}). [معاني القرآن: 1/186-187]

تفسير قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فبما رحمةٍ مّن اللّه لنت لهم...}
العرب تجعل (ما) صلة في المعرفة والنكرة واحدا.
قال الله {فبما نقضهم ميثاقهم} والمعنى: فبنقضهم، و{عمّا قليلٍ ليصبحنّ نادمين} والمعنى: عن قليل. والله أعلم. وربما جعلوه اسما وهي في مذهب الصلة؛ فيجوز فيما بعدها الرفع على أنه صلة، والخفض على إتباع الصلة لما قبلها؛ كقول الشاعر:
فكفى بنا فضلا على من غيرنا * حبّ النبي محمدٍ إيانا
وترفع (غير) إذا جعلت صلة بإضمار (هو)، وتخفض على الاتباع لمن، وقال الفرزدق:
إني وإياك إن بلّغن أرحلنا * كمن بواديه بعد المحل ممطور
فهذا مع النكرات، فإذا كانت الصلة معرفة آثروا الرفع، من ذلك {فبما نقضهم} لم يقرأه أحد برفع ولم نسمعه. ولو قيل جاز. وأنشدونا بيت عديّ:
لم أر مثل الفتيان في غير الـ * أيام ينسون ما عواقبها
والمعنى: ينسون عواقبها صلة لما. وهو مما أكرهه؛ لأن قائله يلزمه أن يقول: {أيّما الأجلان قضيت} فأكرهه لذلك ولا أردّه. وقد جاء، وقد وجّهه بعض النحويين إلى: ينسون أي شيء عواقبها، وهو جائز، والوجه الأوّل أحبّ إليّ.
والقرّاء لا تقرأ بكل ما يجوز في العربية، فلا يقبحنّ عندك تشنيع مشنّع مما لم يقرأه القرّاء مما يجوز). [معاني القرآن: 1/244-245]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فبما رحمةٍ من الله}: أعملت الباء فيها فجررتها بها كما نصبت هذه الآية: {إنّ الله لا يستحيى أن يضرب مثلاً ما بعوضةً}
{لا نفضّوا من حولك} أي: تفرّقوا على كل وجه.
{فإذا عزمت} أي: إذا أجمعت). [مجاز القرآن: 1/107]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فبما رحمةٍ مّن اللّه لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين}
قال تعالى: {فبما رحمةٍ مّن اللّه} يقول: "فبرحمةٍ" و{ما} زائدة). [معاني القرآن: 1/187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لانفضوا}: تفرقوا). [غريب القرآن وتفسيره: 111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فبما رحمةٍ من اللّه} أي: فبرحمة. و«ما» زائدة.
{لانفضّوا من حولك} أي: تفرقوا). [تفسير غريب القرآن: 114]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فبما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين}
{فبما رحمة من اللّه لنت}
" ما " بإجماع النحويين ههنا صلة لا تمنع الباء من عملها فيما عملت.
المعنى: فبرحمة من اللّه لنت لهم، إلا أن " ما " قد أحدثت بدخولها توكيد المعنى، ولو قرئت فبما رحمة من اللّه جاز، المعنى: فبما هو رحمة كما أجازوا... {مثلا ما بعوضة} ولا تقرأنّ بها، فإن القراءة سنة ولا يجوز أن يقرأ قارئ بما لم يقرأ به الصحابة أو التابعون أو من كان من قرّاء الأمصار المشهورين في القراءة.
والمعنى: أن ليّنك لهم مما يوجب دخولهم في الدين لأنك تأتيهم بالحجج والبراهين مع لين وخلق عظيم.
{ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك}
الفظ: الغليظ الجانب السيئ الخلق، يقال فظظت تفظّ فظاظة، وفظظا، إلا أن فظاظة أكثر لثقل التضعيف، وما كان من الأسماء على (فعل) في المضاعف فغير مدغم نحو المدد والشرر، وما كان على (فعل) فمدغم على كل حال نحو رجل صب، وأصله صبب وكذلك فظ وأصله فظظ، ومثله من غير المضاعف. قد فرقت تفرق، فرقا، وأنت فرق، " وإذا اضطر شاعر رد فعلا إلى أصله في المضاعف قال الشاعر:
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي... أني أجود لأقوام وقد ضننوا
والفظ: ماء الكرش، والفرث وسمي فظا لغلظ مشربه.
وقوله عزّ وجلّ: {وشاورهم في الأمر} أي: شاورهم فيما لم يكن عندك فيه وحي، فأما ما فيه أمر من الله جلّ وعزّ ووحي فاشتراك الأراء فيه ساقط.
وإنما أراد اللّه عزّ وجلّ - بذلك السنة في المشاورة، وأن يكرم أصحابه بمشاورته إياهم، ثم أمر بعد الإجماع على الرأي بالتوكل على اللّه - عزّ وجلّ - قال: {فإذا عزمت فتوكل على اللّه} أي: لا تظن أنك تنال منالا تحبه إلّا باللّه جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 1/482-483]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}
الفظ في اللغة: الغليظ الجانب السيء الخلق يقال فظظت تفظ فظاظة.
ومعنى {لانفضوا من حولك}: لتفرقوا، هذا قول أبي عبيدة،
وكأنه التفرق من غير جهة واحدة ويقال فلان يفض الغطاء، أي: يفرقه وفضضت الكتاب من هذا). [معاني القرآن: 1/500-501]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}
المشاورة في اللغة: أن تظهر ما عندك وما عند صاحبك من الرأي والشوار متاع البيت المرئي وفي معنى الآية قولان:
أحدهما: أن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم فيما لم يأت فيه وحي لأنه قد يكون عند بعضهم فيما يشاور فيه علم وقد يعرف الناس من أمور الدنيا ما لا يعرفه الأنبياء فإذا كان وحي لم يشاورهم.
والقول الآخر: أن الله عز وجل أمره بهذا ليستميل به قلوبهم وليكون ذلك سنة لمن بعده.
حدثني أحمد بن عاصم قال حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي مريم قال حدثنا أبي قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس {وشاورهم في الأمر} قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقال الحسن: أمر بذلك صلى الله عليه وسلم لتستن به أمته). [معاني القرآن: 1/501-502]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {لانْفَضُّوا بين حولك} أي: لتفرقوا). [ياقوتة الصراط: 192]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({اَنفَضُّواْ}: تفرقوا). [العمدة في غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده}
الخذلان في اللغة: الترك ومنه يقال تخاذل القوم إذا انماز بعضهم من بعض ويقال ظبية خاذلة إذا انفردت عن القطيع قال زهير:
بجيد مغزلة أدماء خاذلة = من الظباء تراعي شادنا). [معاني القرآن: 1/502-503]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {وإن يخذلكم} أي: يترككم من نصره). [ياقوتة الصراط: 193]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ...}
يقرأ بعض أهل المدينة أن يغلّ؛ يريدون أن يخان.
وقرأه أصحاب عبد الله كذلك: أن يغلّ؛ يريدون أن يسرّق أو يخوّن، وذلك جائز وإن لم يقل: يغلّل فيكون مثل قوله: {فإنهم لا يكذّبونك - ويكذبونك}.
وقرأ ابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمي "أن يغلّ"، وذلك أنهم ظنّوا يوم أحد أن لن تقسم لهم الغنائم كما فعل يوم بدر، ومعناه: أن يتّهم ويقال قد غلّ). [معاني القرآن: 1/245]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}: أن يخان). [مجاز القرآن: 1/107]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ مّا كسبت وهم لا يظلمون}
قال تعالى: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} وقال بعضهم {يغلّ} وكلٌّ صواب والله أعلم لأنّ المعنى "أن يخون" أو "يخان"). [معاني القرآن: 1/187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وما كان لنبي أن يغل}: يخون وذلك أنهم اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ {يغل} فهو يخان، والمعنى: أن بعض القوم خان). [غريب القرآن وتفسيره: 111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} أي: يخون في الغنائم.
{ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} معناه قول النبي صلّى اللّه عليه وسلم: ((لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة على عنقه شاة لها ثغاء، لا أعرفن كذا، لا أعرفن كذا، فيقول)): يا محمد ((فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغت))
يريد: أن من غل شاة أو بقرة أو ثوبا أو غير ذلك، أتى به يوم القيامة يحمله.
ومن قرأ «يغل» أراد يخان. ويجوز أن يكون يلفى خائنا. يقال:
أغللت فلانا، أي: وجدته غالا، كما يقال: أحمقه وجدته أحمق. وأحمدته وجدته محمودا.
وقال الفرّاء: من قرأه {يغلّ} أراد: يخوّن. ولو كان المراد هذا المعنى لقيل يغلّل. كما يقال: يفسّق ويخون ويفجر). [تفسير غريب القرآن: 115]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وما كان لنبيّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}
{وما كان لنبيّ أن يغلّ} و {أن يغل} قرئتا جميعا.

فمن قرأ {أن يغلّ} فالمعنى: وما كان لنبي أن يخون أمّته وتفسير ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع الغنائم في غزاة، فجاءه جماعة من المسلمين فقالوا: ألا تقسم بيننا غنائمنا، فقال - صلى الله عليه وسلم - ((لو أن لكم عندي مثل أحد ذهبا ما منعتكم درهما أترونني أغلكم مغنمكم)).
ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: ((ألا لا أعرفنّ رجلا يأتي يوم القيامة ومعه شاة قد غلّها لها ثغاء، ألا لا أعرفنّ رجلا يأتي يوم القيامة ومعه بعير قد غلّه له رغاء، ألا لا أعرفنّ رجلا يأتي يوم القيامة ومعه فرس قد غلّه له حمحمة)).

ومن قرأ {أن يغلّ} فهو جائز على ضربين:
أي: ما كان لنبي أن يغلّه أصحابه، أي: يخوّنوه - وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا يحبس أحدكم خيطا ولا مخيطا)).

وأجاز أهل اللغة: أن يغل أن يخوّن، ويقال: أغللت الجلد إذا سلخته فأبقيت فيه شيئا من الشحم، وقد غل الرجل يغلّ إذا خان لأنه أخذ شيئا في خفاء، فكل ما كان من هذا الباب فهو راجع إلى هذا، من ذلك الغال وهو الوادي الذي ينبت الشجر وجمعه غلّان، ومن ذلك الغل وهو الحقد، وتقول قد أغلّت الضيعة فهي مغلّة إذا أتت بشيء وأصلها باق - قال زهير -:
فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها... قرى بالعراق من قفيز ودرهم
والغلالة: الثوب الذي يلبس " تحت الثياب " والذي يلبس تحت الدرع - درع الحديد - غلالة، وتغلّلت بالغالية " وتغليت " إنما هو جعلها في
أصول الشعر.
والغل: الماء الذي يجري في أصول الشجر.

ومعنى {وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزّى}
معنى (إذا): ههنا ينوب عما مضى من الزمان وما يستقبل جميعا والأصل في (إذ) الدلالة على ما مضى، تقول أتيتك إذ قمت وآتيك إذا جئتني.
ولم يقل ههنا " إذ ضربوا في الأرض " لأنه يريد شأنهم هذا أبدا، ومثل ذلك في الكلام: فلان إذا حدث صدق، وإذا ضرب صبر.
(فإذا) لما يستقبل، إلا أنه لم يحكم له بهذا المستقبل إلا بما خبر منه فيما مضى.
وقوله جلّ وعزّ: {وشاورهم في الأمر}
يقال شاورت الرجل مشاورة وشوارا، وما يكون من ذلك فاسمه المشورة، وبعضهم يقول المشورة. يقال فلان حسن الصورة والمشورة أي حسن الهيئة واللباس وإنه لشئر (صثن) وحسن الشارة والشوار متاع البيت.
ومعنى شاورت فلان: أظهرت في الرأي ما عندي وما عنده، وشرت الدابة أشورها إذا امتحنتها فعرفت هيئتها في سيرها.
ويقال شرت العسل وأشرت العسل إذا أخذته من مواضع النحل وعسل مشور.
قال الأعشى.
كأنّ القرنفل والزّنجبيل... باتا بفيها وأريا مشورا
والأري العسل، ويقال عسل مشار.
قال الشاعر:
وغناء يأذن الشيخ له... وحديث مثل ماذيّ مشار). [معاني القرآن: 1/483-485]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وما كان لنبي أن يغل}
وتقرأ (يغل) ومعنى {يغل}: يخون وروى أبو صخر عن محمد بن كعب في معنى وما كان لنبي أن يغل قال: يقول ما كان لنبي أن يكتم شيئا من كتاب الله عز وجل.
ويغل يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يلقى غالا، أي: خائنا كما تقول أحمدت الرجل إذا أصبته محمودا وأحمقته إذا أصبته أحمق.
قالوا ويقوي هذا القول أنه روي عن الضحاك أنه قال: يغل يبادر الغنائم لئلا تؤخذ.
والمعنى الآخر: أن يكون يغل بمعنى يغل منه، أي: يخان منه، وروى عن قتادة أن معنى يغل يخان
وقد قيل فيه قول ثالث: لا يصح وهو أن معنى يغل يخون ولو كان كذلك لكان يغلل.
ثم قال عز وجل: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة ومعه شاة لها ثغاء فيقول)): يا محمد ((فأقول: لا أملك لك من الله شيئا))
والغلول في اللغة: أن يأخذ من المغنم شيئا يستره عن أصحابه ومنه يقال للماء الذي يجري بين الشجر غلل كما قال الشاعر:
لعب السيول به فأصبح ماؤه = غللا يقطع في أصول الخروع
ومنه الغلالة ومنه يقال تغلغل فلان في الأمر والأصل تغلل.
ومنه في صدره علي غل، أي: حقد ومنه غللت لحيتي وغليتها). [معاني القرآن: 1/503-505]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {يغل} أي: يخون و(يغل): يخون). [ياقوتة الصراط: 193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ} أي: يخون في الغنائم ومن قرأ (يُغَل) بضم الياء، فمعناه: يُخان، وقيل، معناه: يخون). [تفسير المشكل من غريب القرآن:53-54]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يَغُلَّ}: يخون). [العمدة في غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله جلّ وعزّ: {أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخط من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير}
يقرأ رضوان بكسر الراء، ورضوان بضم الراء، وقد رويتا جميعا عن عاصم.
{كمن باء بسخط من اللّه}
يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أرمر المسلمين في أحد باتباعه، اتبعه المؤمنون وتخلف عنه جماعة من المنافقين، فأعلم الله جلّ وعزّ: - أن من اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد اتبع رضوان اللّه، ومن تخلف عنه فقد باء بسخط من الله.
ومعنى باء لذنبه: احتمله، وصار المذنب مأوى الذنب، ولذلك بوأت فلانا منزلا أي جعلته ذا منزل). [معاني القرآن: 1/486]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل تعالى: {أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله}
قال الضحاك: أفمن اتبع رضوان الله من لم يغل كمن باء بسخط من الله كمن غل.
ومعنى باء: احتمل). [معاني القرآن: 1/505-506]

تفسير قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {هم درجاتٌ عند اللّه...}
يقول: هم في الفضل مختلفون: بعضهم أرفع من بعض). [معاني القرآن: 1/245]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {هم درجاتٌ عند الله} أي: هم منازل، معناها: لهم درجات عند الله، كقولك: هم طبقات، قال ابن هرمة:
أرجماً للمنون يكون قومي... لريب الدّهر أم درج السيول
تفسيرها: أم هم على درج السيول. ويقال للدرجة التي يصعد عليها: درجة، وتقديرها: قصبة، ويقال لها أيضاً: درجة). [مجاز القرآن: 1/107-108]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({هم درجاتٌ عند اللّه}أي: هم طبقات في الفضل. فبعضهم أرفع من بعض). [تفسير غريب القرآن: 115]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {هم درجات عند اللّه واللّه بصير بما يعملون} أي: المؤمنون ذوو درجة رفيعة، - والكافرون ذوو درجة عند اللّه وضيعة.
ومعنى {هم درجات}: هم ذوو درجات، لأن الإنسان غير الدرجة كما تقول: الناس طبقات، أي: ذوو طبقات؛ وأنشد سيبويه:

أنصب للمنية تعتريهم... رجال أم همو درج السيول
أي: هم ذوو درج، ويجوز أم همو درج السيول على الظرف). [معاني القرآن: 1/486-487]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون}
قال مجاهد: المعنى لهم درجات عند الله.
والتقدير في اللغة العربية: هم ذوو درجات ثم حذف، والمعنى: بعضهم أرفع درجة من بعض.

وقيل {هم} لمن اتبع رضوان الله ولمن باء بسخطه، أي: لكل واحد مهم جزاء عمله بقدر). [معاني القرآن: 1/506]


رد مع اقتباس
  #18  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 164 إلى 175]

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ويزكّيهم...}
يأخذ منهم الزكاة؛ كما قال تبارك وتعالى: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها}). [معاني القرآن: 1/245]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}
بعث اللّه محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسولا وهو رجل من الأميين لا يتلو كتابا ولا يخطه بيمينه، وبعثه بين قوم يخبرونه ويعرفونه بالصدق والأمانة وأنه لم يقرأ كتابا ولا لقّنه فتلا عليهم أقاصيص الأمم السالفة، والأنبياء الماضية لا يدفع أخباره كتاب من كتب مخالفته، فأعلم اللّه أنه منّ على المؤمنين برسالة من قد عرف أمره، فكان تناول الحجة والبرهان وقبول الأخبار والأقاصيص سهلا من قبله وفي ذلك أعظم المنة.
وقد جاء في التفسير: إنّه يراد رسول من العرب ولو كان القصد في ذلك - واللّه أعلم - أن أمره إنما كانت فيه المنة أنه من العرب لكان العجم لا حجة عليهم فيه.
ولكن الأمر - واللّه أعلم - أن المنّة فيه أنه قد خبر أمره وشأنه وعلم صدقه، وأتى بالبراهين بعد أن قد علموا إنّه كان واحدا منهم). [معاني القرآن: 1/487]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} أي: ممن يعرفونه بالصدق والأمانة وجاءهم بالبراهين ولم يعرفوا منه كذبا قط). [معاني القرآن: 1/507]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {لقد من الله} أي: تفضل الله {على المؤمنين}: على المصدقين.
والمنان: المتفضل.
والحنان: الرحيم). [ياقوتة الصراط: 193]


تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل هو من عند أنفسكم...}
يقول: تركتم ما أمرتم به وطلبتم الغنيمة، وتركتم مراكزكم، فمن قبلكم جاءكم الشرّ). [معاني القرآن: 1/245]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قل هو من عند أنفسكم} أي: إنكم أذنبتم فعوقبتم). [مجاز القرآن: 1/108]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({أو لمّا أصابتكم مّصيبةٌ قد أصبتم مّثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
قال: {أو لمّا أصابتكم مّصيبةٌ} فهذه الألف ألف الاستفهام دخلت على واو العطف، فكأنه قال: "صنعتم كذا وكذا ولمّا أصابتكم" ثم أدخل على الواو ألف الاستفهام). [معاني القرآن: 1/187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أولمّا أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها} يقول: أصابتكم مصيبة يوم «أحد» قد أصبتم مثليها من المشركين يوم «بدر».
{قل هو من عند أنفسكم} أي: بمخالفتكم وذنوبكم. يريد مخالفة الرّماة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحد). [تفسير غريب القرآن: 115]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {أولمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
هذه الواو واو النسق، دخلت عليها ألف الاستفهام فبقيت مفتوحة على هيئتها قبل دخولها، ومثل ذلك في الكلام قول القائل: تكلم فلان بكذا وكذا، فيقول قائل مجيبا له أو هو ممن يقول ذلك.
وقيل في التفسير: إن هذه المصيبة عنى بها ما نزل بهم يوم أحد، و{أصبتم مثليها} أصبتم في يوم أحد مثلها وأصبتم يوم بدر مثلها، فأصبتم مثلي ما أصابكم.
{قلتم أنّى هذا} أي: من أين أصابنا هذا.
{قل هو من عند أنفسكم} أي: أصابكم بمعصيتكم النبي - صلى الله عليه وسلم - وما من قوم أطاعوا نبيهم في حربهم إلا نصروا، لأنهم إذا أطاعوا فهم حزب اللّه، وحزب الله هم الغالبون). [معاني القرآن: 1/487-488]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {أولما أصابكم مصيبة قد أصبتم مثليها}
قال الضحاك: قتل من المسلمين يوم أحد سبعون رجلا وقتل من المشركين يوم بدر سبعون وأسر سبعون فذلك قوله تعالى: {قد أصبتم مثليها يوم بدر ويوم أحد}
ومعنى {قل هو من عند أنفسكم}: بذنبكم وبما كسبت أيديكم لأن الرماة خالفوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبتوا كما أمرهم
ومعنى {أو ادفعوا} أي: كثروا وإن لم تقاتلوا ومعنى فادراءوا فادفعوا). [معاني القرآن: 1/507-508]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا} يوم بدر من المشركين، لأن المسلمين يوم بدر قتلوا سبعين من المشركين وأسروا سبعين، ثم قتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين.
{مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} أي بمخالفتكم وذنوبكم، يريد مخالفة الرماة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا من أصل الجبل، فلما رأوا الهزيمة على المشركين ذهبوا في طلب الغنيمة، فمال عليهم المشركون، وقتل سبعون من المسلمين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 54]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن اللّه وليعلم المؤمنين}
قال تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن اللّه} فجعل الخبر بالفاء لأنّ {ما} بمنزلة "الذي" وهو في معنى "من"، و"من" تكون في المجازاة ويكون جوابها بالفاء.
قال: {فبإذن اللّه وليعلم المؤمنين} فجعل الخبر بالفاء لأنّ {ما أصابكم}: الذي أصابكم.
وقال: {وليعلم المؤمنين} لأنّ معناه: "فهو بإذن اللّه" "وهو ليعلم"). [معاني القرآن: 1/187]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن اللّه وليعلم المؤمنين}
وقوله جلّ وعزّ: {فبإذن اللّه} أي: ما أصابكم كان بعلم اللّه.
{وليعلم المؤمنين*وليعلم الّذين نافقوا} أي: ليظهر إيمان المؤمنين بثبوتهم على ما نالهم، ويظهر نفاق المنافقين بفشلهم وقلة الصبر على ما ينزل بهم في ذات اللّه). [معاني القرآن: 1/488]

تفسير قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قاتلوا في سبيل اللّه أو ادفعوا...}
يقول: كثّروا، فإنكم إذا كثّرتم دفعتم القوم بكثرتكم). [معاني القرآن: 1/246]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لو نعلم قتال} أي: لو نعرف قتالا). [مجاز القرآن: 1/108]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({قاتلوا في سبيل اللّه أو ادفعوا} يقول: كثروا فإنكم إذا كثّرتم دفعتم القوم بكثرتكم). [تفسير غريب القرآن: 115]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وأمّا الزيادة في التوكيد فكقوله سبحانه: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} لأن الرجل قد يقول بالمجاز: كلمت فلانا، وإنما كان ذلك كتابا أو إشارة على لسان غيره، فأعلمنا أنهم يقولون بألسنتهم.
وكذلك قوله: {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ}لأن الرجل قد يكتب بالمجاز، وغيره الكاتب عنه.
ويقول الأمّي: كتبت إليك، وهذا كتابي إليك. وكلّ فعل أمرت به فأنت الفاعل له، وإن وليه غيرك.
قال الله عز وجل: في التابوت: {تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ}
قال ابن عباس رضي الله عنه في رواية أبي صالح عنه: هذا كما تقول: حملت إلى بلد كذا وكذا برّا وقمحا، وإنما تريد أمرت بحمله.
فأعلمنا أنهم يكتبونه بأيديهم ويقولون هو من عند الله. وقد علموا يقينا- إذ كتبوه بأيديهم- أنه ليس من عند الله). [تأويل مشكل القرآن:241-242] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): {وليعلم المؤمنين*وليعلم الّذين نافقوا} أي: ليظهر إيمان المؤمنين بثبوتهم على ما نالهم، ويظهر نفاق المنافقين بفشلهم وقلة الصبر على ما ينزل بهم في ذات اللّه). [معاني القرآن: 1/488] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ} أي: كثروا ليرهب العدو كثرتكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 54]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فادرءوا عن أنفسكم} أي: ادفعوا عن أنفسكم). [مجاز القرآن: 1/108]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الّذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين}
قال: {الّذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت} أي: قل لهم {فادرءوا عن أنفسكم الموت} وأضمر "لهم"). [معاني القرآن: 1/188]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فادرؤا عن أنفسكم}: ادفعوا). [غريب القرآن وتفسيره: 111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فادرؤا عن أنفسكم الموت} أي: ادفعوه. يقال: درأ اللّه عنك الشرك، أي: دفعه). [تفسير غريب القرآن: 116]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَادْرَؤُوا} أي: ادفعوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 54]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَادْرَؤُوا}: ادفعوا). [العمدة في غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون...}
وقوله: {فرحين...} [لو كانت رفعا على "بل أحياء فرحون" لجاز. ونصبها على الانقطاع من الهاء في "ربهم". وإن شئت يرزقون فرحين] {ويستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم مّن خلفهم} من إخوانهم الذين يرجون لهم الشهادة للذي رأوا من ثواب الله فهم يستبشرون بهم.
وقوله: {ألاّ خوفٌ عليهم} يستبشرون لهم بأنهم لا خوف عليهم "ولا حزن"). [معاني القرآن: 1/246]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أمواتاً بل أحياءٌ)} أي: بل هم أحياء). [مجاز القرآن: 1/108]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وأما قوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} ، فإن (إلّا) في هذا الموضع أيضا بمعنى (سوى).
ومثله: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}يريد سوى ما سلف في الجاهلية قبل النهي.
وإنما استثنى الموتة الأولى وهي في الدنيا، لأن السّعداء حين يموتون يصيرون بما شاء الله من لطفه وقدرته، إلى أسباب من أسباب الجنة، ويتفاضلون أيضا في تلك الأسباب على قدر منازلهم عند الله: فمنهم من يلقّى بالرّوح والرّيحان، ومنهم من يفتح له باب إلى الجنة، ومنهم الشهداء أرواحهم في حواصل طير خضر تعلق في الجنة. أي تأكل، قال الشاعر:
إنْ تدنُ مِن فَنَنِ الأَلاءَةِ تَعْلُقِ
وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين يطير مع الملائكة في الجنة.
والله يقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}
أفما ترى أنهم عندنا موتى وهم في الجنة متّصلون بأسبابها؟ فكيف لا يجوز أن يستثنى من مكثهم فيها الموتة الأولى؟). [تأويل مشكل القرآن: 78-79] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا بل أحياء عند ربّهم يرزقون}
القراءة بالرفع {بل أحياء عند ربّهم} ولو قرئت {بل أحياء عند ربهم} لجاز المعنى: أحسبهم أحياء وقيل في هذا غير قول: قال بعضهم لا تحسبهم أمواتا في دينهم بل هم أحياء في دينهم، كما قال اللّه تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات}
وقال بعضهم: لا تحسبهم كما يقول الكفار إنهم لا يبعثون بل يبعثون.
{بل أحياء عند ربّهم يرزقون*فرحين بما آتاهم اللّه من فضله}
وقيل إن أرواحهم تسرح في الجنة وتلذ بنعيمها، فهم أحياء عند ربهم.
قال بعضهم: أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، ثم تصير إلى قناديل تحت العرش). [معاني القرآن: 1/488]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون}
روي أن أرواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة عند العرش). [معاني القرآن: 1/508]

تفسير قوله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون...}
وقوله: {فرحين...} [لو كانت رفعا على "بل أحياء فرحون" لجاز. ونصبها على الانقطاع من الهاء في "ربهم". وإن شئت يرزقون فرحين] {ويستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم مّن خلفهم} من إخوانهم الذين يرجون لهم الشهادة للذي رأوا من ثواب الله فهم يستبشرون بهم.
وقوله: {ألاّ خوفٌ عليهم} يستبشرون لهم بأنهم لا خوف عليهم "ولا حزن"). [معاني القرآن: 1/246] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({بل أحياء عند ربّهم يرزقون*فرحين بما آتاهم اللّه من فضله}
وقيل: إن أرواحهم تسرح في الجنة وتلذ بنعيمها، فهم أحياء عند ربهم.
قال بعضهم: أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، ثم تصير إلى قناديل تحت العرش). [معاني القرآن: 1/488] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل ثناؤه: {ويستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألّا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي:لم يلحقوا بهم في الفضل إلا أن لهم فضلا عظيما بتصديقهم وإيمانهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
فموضع. " أن " خفض، المعنى: يستبشرون بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). [معاني القرآن: 1/489]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهمم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون} والمعنى: لم يلحقوا بهم في الفضل وإن كان لهم فضل). [معاني القرآن: 1/508-509]

تفسير قوله تعالى: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وفضلٍ وأنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين...}
تقرأ بالفتح والكسر:
من فتحها:
جعلها خفضا متبعة للنعمة.
ومن كسرها: استأنف، وهي قراءة عبد الله "والله لا يضيع" فهذه حجّة لمن كسر).
[معاني القرآن: 1/246]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يستبشرون بنعمة من اللّه وفضل وأنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين}
{وأن اللّه لا يضيع أجر المؤمنين}
{أنّ} في موضع خفض،المعنى: ويستبشرون بأن اللّه لا يضيع ويجوز (وإنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين) على معنى واللّه لا يضيع أجر المؤمنين، وكذلك هي في قراءة عبد اللّه (واللّه لا يضيع).
فهذا يقوى (وإنّ) بالكسر). [معاني القرآن: 1/489]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قوله عز وجل: {يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}والمعنى: ويستبشرون بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين
ويقرأ (وإن الله) بكسر الألف لا يضيع أجر المؤمنين على أنه مقطوع من الأول، والمعنى: وهو سبحانه لا يضيع أجر المؤمنين ثم جيء بأن توكيدا). [معاني القرآن: 1/509]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ -: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجر عظيم} أي من بعد ما أصابهم الجرح، ومن قرأ القرح، فمعناه: ألم الجرح.
{الذين}جائز أن يكون: في موضع خفض على النعت للمؤمنين، والأحسن أن يكون: في موضع رفع بالابتداء ويكون خبر الابتداء {للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم}). [معاني القرآن: 1/489]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما أصابهم القرح}
روى عكرمة عن ابن عباس أن المشركين يوم أحد لما انصرفوا فبلغوا إلى الروحاء حرض بعضهم بعضا على الرجوع لمقاتلة المسلمين فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه للخروج فانتدبوا حتى وفوا يعني حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة فأنزل الله عز وجل: {الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما أصابهم القرح}). [معاني القرآن: 1/509-510]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين قال لهم النّاس...}
و{الناس} في هذا الموضع واحد، وهو نعيم بن مسعود الأشجعيّ. بعثه أبو سفيان وأصحابه فقالوا: ثبّط محمدا - صلى الله عليه وسلم - أو خوّفه حتى لا يلقانا ببدر الصغرى، وكانت ميعادا بينهم يوم أحد. فأتاهم نعيم فقال: قد أتوكم في بلدتكم فصنعوا بكم ما صنعوا، فكيف بكم إذا وردتم عليهم في بلدتهم وهم أكثر وأنتم أقلّ؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {إنّما ذالكم الشّيطان يخوّف أولياءه}). [معاني القرآن: 1/247-248]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم}: وقع المعنى على رجل واحد، والعرب تفعل ذلك، فيقول الرجل: فعلنا كذا وفعلنا، وإنما يعنى نفسه، وفي القرآن: {إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ} والله هو الخالق). [مجاز القرآن: 1/108]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}
قال تعالى: {فزادهم إيماناً} يقول: "فزادهم قولهم إيمانا"). [معاني القرآن: 1/188]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه عام يراد به خاص:
كقوله سبحانه حكاية عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، وحكاية عن موسى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يرد كل المسلمين والمؤمنين، لأن الأنبياء قبلهما كانوا مؤمنين ومسلمين، وإنما أراد مؤمني زمانه ومسلميه.
وكقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}، ولم يصطفهم على محمد صلّى الله عليه وسلم ولا أممهم على أمّته، ألا تراه يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وإنما أراد عالمي أزمنتهم.
وكقوله سبحانه: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}، وإنما قاله فريق من الأعراب.
وقوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ولم يرد كل الشعراء.
ومنه قوله سبحانه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، وإنما قاله نعيم بن مسعود لأصحاب محمد، صلّى الله عليه وسلم إنّ النّاس قد جمعوا لكم، يعني: أبا سفيان، وعيينة بن حصن، ومالك بن عوف). [تأويل مشكل القرآن:281-282] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}
يقال في التفسير: إن قائل هذا نعيم بن مسعود الأشجعي بعثه أبو سفيان وأصحابه يثبطون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن لقيّهم، وكان بين المسلمين وبين المشركين في يوم أحد موعد للقاء ببدر الصغرى، فلم يلتفت المسلمون إلى تخويف نعيم وعزموا على لقاء القوم وأجابوه بأن قالوا: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل}
وتأويل {حسبنا اللّه} أي: الذي يكفينا أمرهم اللّه.
وقوله جلّ وعزّ: {فزادهم إيمانا} أي: زادهم ذلك التخويف ثبوتا في دينهم وإقامة على نصرة نبيهم.
وصاروا إلى بدر الصغرى، وألقى اللّه في قلوب المشركين الرعب فلم تغفلوهم). [معاني القرآن: 1/489-490]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم}
قيل إنه يعني بالناس نعيم بن مسعود وجهه أبو سفيان يثبط أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومجازة في اللغة أن يراد به نعيم وأصحابه.
وقال ابن إسحاق: الذين قال لهم الناس هم نفر من عبد القيس قالوا أبا سفيان ومن معه راجعون إليكم.
ثم قال تعالى: {فزادهم إيمانا} أي: فزادهم التخويف إيمانا {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} أي: كافينا الله يقال أحسبه إذا كفاه). [معاني القرآن: 1/510-511]

تفسير قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسهم سوء واتّبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضل عظيم} المعنى: فلم يخافوا ما خافوا، وصاروا إلى الموعد الذي وعدوا فيه.
{فانقلبوا بنعمة} أي: انقلبوا مؤمنين قد هرب منهم عدوهم.
وقيل في التفسير: إنهم أقاموا ثلاثا واشتروا أدما وزبيبا ربحوا فيه.
وكل ذلك جائز، إلا أن انقلابهم بالنعمة هي نعمة الإيمان والنصر على عدوهم). [معاني القرآن: 1/490]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء}
قال عكرمة عن ابن عباس لما وافدوا بدرا وكان أبو سفيان قد قال لهم موعدكم بدرا موضع قتلتم أصحابنا فوافى النبي وأصحابه بدرا واشترى المسلمون بها أشياء ربحوا فيها
فالمعنى على هذا: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل من انصراف عدوهم وفضل في تجارتهم). [معاني القرآن: 1/511-512]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (أما قوله: {إنّما ذالكم الشّيطان يخوّف أولياءه...}
يقول: يخوّفكم بأوليائه "فلا تخافوهم" ومثل ذلك قوله: {لينذر يوم التلاق} معناه: لينذركم يوم التلاق.
وقوله: {لينذر بأسا شديدا} المعنى: لينذركم بأسا شديدا؛ البأس لا ينذر، وإنما ينذر به). [معاني القرآن: 1/248]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّما ذالكم الشّيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مّؤمنين}
قال: {إنّما ذالكم الشّيطان يخوّف أولياءه} يقول: "يرهب النّاس أولياءه" أي: بأوّليائه"). [معاني القرآن: 1/188]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه} أي: يخوفكم بأوليائه كما قال: {لينذر بأساً شديداً} أي: لينذركم ببأس [شديد] ). [تفسير غريب القرآن: 116]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أي: يخوّفكم بأوليائه، كما قال سبحانه: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}أي: لينذركم ببأس شديد). [تأويل مشكل القرآن: 222]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} أي: ذلك التخويف الذي كان فعل الشيطان ،أي: هو قوله للمخوفين، يخوف أولياءه.
قال أهل العربية، معناه: يخوفكم أولياءه، أي من أوليائه.
والدليل على ذلك قوله جلّ وعزّ: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} أي: كنتم مصدقين فقد أعلمتكم أني أنصركم عليهم فقد سقط عنكم الخوف، وقال بعضهم يخوف أولياءه، أي: إنما يخاف المنافقون، ومن لا حقيقة لإيمانه.
{فلا تخافوهم} أي: لا تخافوا المشركين). [معاني القرآن: 1/490]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه}
يقال كيف يخوف من تولاه؟ فروي عن إبراهيم النخعي يخوفكم أولياءه قيل: هذا حسن في العربية كما تقول فلان يعطي الدنانير، أي: يعطي الناس الدنانير، والتقدير على هذا يخوف المؤمنون بأوليائه ثم حذفت الباء وأحد المفعولين ونظيره قوله عز وجل: {لينذر بأسا شديدا} وأنشد سيبويه فيما حذفت منه الباء:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به = فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وأولياؤه ههنا الشياطين وقد قيل إن معنى {يخوف أولياءه} يخوف المنافقين الفقر حتى لا ينفقوا لأنهم أشد خوفا). [معاني القرآن: 1/512-513]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {يخوف أولياءه} أي: يخوفكم بأوليائه). [ياقوتة الصراط: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ} أي: يخوفكم بأوليائه، مثل {لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً}، أي: ببأس شديد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 54]


رد مع اقتباس
  #19  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من [176 إلى 180]

{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يريد الله أن لا يجعل لهم حظّاً} أي: نصيباً). [مجاز القرآن: 1/108]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم...}
ومن قرأ "ولا تحسبن" قال "إنما" وقد قرأها بعضهم "ولا تحسبن الذين كفرا أنما" بالتاء والفتح على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم، وهو كقوله: {هل ينظرون إلاّ السّاعة أن تأتيهم} على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم). [معاني القرآن: 1/248]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنّ ما نملى لهم خيرٌ لأنفسهم}: ألف (أن) مفتوحة، لأن {يحسبن} قد عملت فيها، (وما): في هذا الموضع بمعنى (الذي) فهو اسم، والمعنى من الإملاء ومن الإطالة، ومنها قوله: {واهجرني مليّاً} أي: دهراً؛ وتمليت حبيبك؛ والملوان: النهار والليل كما ترى، قال ابن مقبل:
ألا يا ديار الحيّ بالسّبعان... أملّ عليها بالبلى الملوان
يعنى الليل والنهار، و(أملّ عليها بالبلى): أي رجع عليها حتى أبلاها، أي طال عليها، ثم أستأنفت الكلام فقلت: (إنّما تملي لهم ليزدادوا إثماً)فكسرت ألف {إنما} للابتداء فإنما أبقيناهم إلى وقت آجالهم ليزدادوا إثماً؛ وقد قيل في الحديث: الموت خيرٌ للمؤمن للنّجاة من الفتنة، والموت خيرٌ للكافر لئلاّ يزداد إثماً.
{عذابٌ مهي}: فذلك من الهوان). [مجاز القرآن: 1/108-109]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إنما نملي لهم}: نطيل أعمارهم {واهجرني مليا} دهرا). [غريب القرآن وتفسيره: 111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نملي لهم} أي: نطيل لهم، يعني: الإمهال والنّظرة، ومنه قوله: {واهجرني مليًّا}). [تفسير غريب القرآن: 116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ -: {ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين}
قرئت (ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملي لهم خير)
وقد قرئت (ولا تحسبنّ الّذين كفروا إنّما نملي)
معني {نملي لهم}:نؤخرهم - وهؤلاء قوم أعلم اللّه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم لا يؤمنون أبدا، وأن بقاءهم يزيدهم كفرا وإثما.
وأما الإعراب - فقال أبو العباس محمد بن يزيد: إن من قرأ بالياء {يحسبنّ} فتح أن، وكانت تنوب عن الاسم والخبر تقول حسبت أن زيدا منطلق، ويصح الكسر مع الياء - بفتح {ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم} بكسر إنّ، وهو جائز على قبحه، لأن الحسبان ليس بفعل حقيقي فهو يبطل عمله مع أن، كما يبطل مع اللام، تقول حسبت لعبد اللّه منطلق.
وكذلك قد يجوز على بعد: حسبت أن عبد اللّه منطلق.
ومن قرأ (ولا تحسبن الذين كفروا) لم يجز له، عند البصريين إلا كسر (إن)
المعنى: لا تحسبن الذين كفروا، إملاؤنا خير لهم ودخلت أن مؤكدة.
إذا فتحت (أن)، صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملائا، قال أبو إسحاق: وهو عندي في هذا الموضع يجوز على البدل من الذين.
المعنى: لا تحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم وقد قرأ بها خلق كثير.
ومثل هذه القراءة من الشعر قول الشاعر:
فما كان قيس هلكه هلك واحد... ولكنه بنيان قوم تهدّما
جعل هلكه بدلا من قيس، المعنى فما كان هلك - قيس هلك واحد). [معاني القرآن: 1/490-492]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما}في معناه قولان:
أحدهما: ما رواه الأسود عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الموت خير للمؤمن والكافر ثم تلا {وما عند الله خير للأبرار}و{إنما نملي لهم ليزدادوا إثما}
والقول الآخر: أن هذه الآية مخصوصة أريد بها قوم بأعيانهم لا يسلمون كما قال جل وعز: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}). [معاني القرآن: 1/513]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نُمْلِي لَهُمْ}: نطيل لهم). [العمدة في غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {مّا كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه...}
قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: مالك تزعم أن الرجل منا في النار، فإذا صبأ إليك وأسلم قلت: هو في الجنة، فأعلمنا من ذا يأتيك منّا قبل أن يأتيك حتّى نعرفهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: {مّا كان اللّه ليذر المؤمنين} على ما تقولون أيها المشركون {حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} ثم قال: ((لم يكن الله ليعلمكم ذلك فيطلعكم على غيبه)).). [معاني القرآن: 1/248]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يجتبي من رسله}: يختار). [مجاز القرآن: 1/109]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يجتبي}: يختار). [غريب القرآن وتفسيره: 112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} يقول: حتى يخلّص المؤمنين من الكفار). [تفسير غريب القرآن: 116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجر عظيم}
يروى في التفسير: أن الكفار قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - تخبرنا بأن الإنسان في النار حتى إذا صار من أهل ملّتك قلت إنه من أهل الجنة، فأعلم اللّه عزّ وجلّ - أن حكم من كفر أن يقال له: إنه من أهل النار، ومن آمن فهو - ما آمن وأقام على إيمانه وأدّى ما افترض عليه - من أهل الجنة، أعلم أن المؤمنين وهم (الطيّب) مميزّون من الخبيث، أي: مخلّصون.
وقوله عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} أي: ما كان اللّه ليعلمكم من " يصير منكم مؤمنا بعد كفره، لأن الغيب إنما يطلع عليه الرسل لإقامة البرهان، لأنهم رسل وأن ما أتوا به من عند اللّه، وقد قيل في التفسير: ما بالنا نحن لا نكون أنبياء، فأعلم اللّه أن ذلك إليه، وأنه يختار لرسالاته من يشاء). [معاني القرآن: 1/492]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}
قال قتادة: حتى يميز الكافر من المؤمن.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: حتى يميز المؤمن من المنافق وكان هذا يوم أحد بين فيه المؤمن من المنافق حتى قتل من المسلمين من قتل.
ثم قال تعالى {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}أي: ليس يخبركم من يسلم ومن يموت على الكفر.
ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء قال مجاهد أي يخلصهم لنفسه). [معاني القرآن: 1/514]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيسِيُّ (ت:437هـ): ({يَجْتَبِي}: يختار). [العمدة في غريب القرآن: 104]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لّهم...}
[يقال: إنما "هو" ههنا عماد، فأين اسم هذا العماد؟ قيل: هو مضمر، معناه: فلا يحسبن الباخلون البخل هو خيرا لهم] فاكتفى بذكر يبخلون من البخل؛ كما تقول في الكلام: قدم فلان فسررت به، وأنت تريد: سررت بقدومه، وقال الشاعر:
إذا نهى السفيه جرى إليه * وخالف، والسفيه إلى خلاف
يريد: إلى السفه. وهو كثير في الكلام.
وقوله: {سيطوّقون ما بخلوا به} يقال: هي الزكاة، يأتي الذي منعها يوم القيامة قد طوّق شجاعا أقرع بفيه زبيبتان يلدغ خدّيه، يقول: أنا الزكاة التي منعتني.
وقوله: {وللّه ميراث السّماوات والأرض} المعنى: يميت الله أهل السموات وأهل الأرض ويبقى وحده، فذلك ميراثه تبارك وتعالى: أنه يبقى ويفنى كل شيء). [معاني القرآن: 1/248-249]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيراً لهم}: انتصب، ولم تعمل (هو) فيه، وكذلك كل ما وقفت فيه فلم يتمّ إّلا بخبر نحو: ما ظننت زيداً هو خيراً منك، وإنما نصبت (خيراً)، لأنك لا تقول: ما ظننت زيداً، ثم تسكت؛ وتقول: رأيت زيداً فيتم (الكلام)، فلذلك قلت: هو خير منك فرفعت وقد يجوز في هذا النصب.
{سيطوّقون}: يلزمون، كقولك طوّقته الطوق). [مجاز القرآن: 1/109-110]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لّهم بل هو شرٌّ لّهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّماوات والأرض واللّه بما تعملون خبيرٌ}
قال: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لّهم بل هو شرٌّ لّهم} فأراد "ولا تحسبنّ البخل هو خيراً لهم" فألقى الاسم الذي أوقع عليه الحسبان وهو "البخل"، لأنه قد ذكر الحسبان وذكر ما آتاهم الله من فضله فأضمرهما إذا ذكرهما.
وقد جاء من الحذف ما هو أشد من ذا، قال الله تعالى: {لا يستوي منكم مّن أنفق من قبل الفتح وقاتل} ولم يقل "ومن أنفق من بعد" لأنه لما قال: {أولئك أعظم درجةً مّن الّذين أنفقوا من بعد} كان فيه دليل على أنه قد عناهم).
[معاني القرآن: 1/188-189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({سيطوقون}: يلزمون في أعناقهم مثل الطوق.
ويروى في التفسير: " من بخل بزكاته جاء يوم القيامة وقد طوق شجاعا أقرع").
[غريب القرآن وتفسيره: 112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} أي: يلزم أعناقهم إثمه.
ويقال: هي الزكاة يأتي مانعها يوم القيامة قد طوّق شجاعا أقرع يقول: أنا الزكاة). [تفسير غريب القرآن: 116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرا لهم بل هو شرّ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّماوات والأرض واللّه بما تعملون خبير} هذا يعني به: علماء اليهود الذين بخلوا بما آتاهم اللّه من علم نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومشاقته وعداوته وقد قيل إنهم الذين يبخلون بالمال فيمنعون الزكاة.
قال أهل العربية، المعنى: لا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم.
ودل (يبخلون) على البخل. و (هو) ههنا فصل، وهو الذي يسميه الكوفيون العماد، وقد فسرناه إلا أنا أغفلنا فيه شيئا نذكره ههنا:
زعم سيبويه أن هو، وهما، وهم، وأنا، وأنت، ونحن - وهي، وسائر هذه الأشياء إنما تكون فصولا مع الأفعال التي تحتاج إلى اسم وخبر ولم يذكر سيبويه الفصل مع المبتدأ والخبر، ولو تأول متأول أن ذكره الفصل ههنا يدل على أنه جائز في المبتدأ أو الخبر كان ذلك غير ممتنع.
قال أبو إسحاق: والذي أرى أنا في هذه {ولا يحسبن الذين يبخلون} بالياء، ويكون الاسم محذوفا.
وقد يجوز {ولا تحسبن الذين يبخلون}، على معنى: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون، ولكن حذف البخل من ههنا فيه قبح، إلا أن حذفه من قولك: {ولا يحسبن الذين يبخلون} قد دل يبخلون فيه على البخل، كما تقول: من كذب كان شرّا له، والقراءة بالتاء عندي لا تمنع، فيكون مثل {وأسأل القرية} أي: أهل القرية، فكذلك يكون معنى هذا: لا تحسبن بخل الباخلين خيرا لهم.
وقوله عزّ وجلّ: {وللّه ميراث السّماوات والأرض} أي: اللّه يغني أهلهما فيغنيان بما فيهما، ليس لأحد فيهما ملك فخوطب القوم بما يعقلون، لأنهم يجعلون ما رجع إلى الإنسان ميراثا إذا كان ملكا له). [معاني القرآن: 1/492-493]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} في الآية قولان:
أحدهما: أنه يراد به اليهود لأنهم بخلوا أن يخبروا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم فهي على هذا للتمثيل، أي: سيطوقون الإثم
والقول الآخر: هو الذي عليه أهل الحديث أنه روى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من رجل له مال ثم بخل بالحق في ماله إلا طوق الله يوم القيامة شجاعا أقرع)) ثم تلا مصداق ذلك {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله}إلى قوله: {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}
ثم قال عز وجل: {ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير}
العرب تسمي: كل ما صار إلى الإنسان مما قد كان في يد غيره ميراثا فخوطبوا على ما يعرفون لأن الله يغني الخلق وهو خير الوارثين). [معاني القرآن: 1/514-516]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ} أي: يلزم أعناقهم إثمه، وهو إثم منع الزكاة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 54]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سَيُطَوَّقُونَ}: يلزمون). [العمدة في غريب القرآن: 104]


رد مع اقتباس
  #20  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 181 إلى 189]

{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {سنكتب ما قالوا...}
وقرئ "سيكتب ما قالوا" قرأها حمزة اعتبارا؛ لأنها في مصحف عبد الله). [معاني القرآن: 1/249]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {عذاب الحريق}: النار اسم جامع؛ تكون ناراً وهي حريق وغير حريقٍ، فإذا التهبت فهي حريق). [مجاز القرآن: 1/110]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لّقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق}
قال تعالى: {سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ} وقد مضى لذلك دهر، فإنما يعني: سنكتب ما قالوا على من رضي به من بعدهم أيام يرضاه"). [معاني القرآن: 1/189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء} قال رجل من اليهود حين نزلت {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً} إنما يستقرض الفقير من الغني، واللّه الغني، فكيف يستقرض؟ فأنزل اللّه هذه الآية). [تفسير غريب القرآن: 116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق} هؤلاء رؤوساء أهل الكتاب لما نزلت {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} قالوا: نرى أنّ إله محمد يستقرض منا فنحن إذن أغنياء وهو فقير، وقالوا هذا تلبيسا على ضعفتهم، وهم يعلمون أن الله عزّ وجلّ: لا يستقرض من عوز، ولكنه يبلو الأخيار فهم يعلمون أن اللّه سمّى الإعطاء والصّدقة قرضا، يؤكد به - أن أضعافه ترجع إلى أهله، وهو عزّ وجل يقبض ويبسط أي يوسع ويقتر، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنه قد سمع مقالتهم، وأعلم أن ذلك مثبت عليهم وأنهم إليه يرجعون فيجازيهم على ذلك وأنه خبير بعملهم.
وقوله عزّ وجلّ: {سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق}
ومعنى {عذاب الحريق} أي: عذاب محرق - بالنار، لأن العذاب يكون بغير النار.
فأعلم أن مجازاة هؤلاء هذا العذاب.
وقوله{ذوقوا} هذه كلمة تقال للشيء يوئس من العفو يقال ذق ما أنت فيه، أي: لست بمتخلّص منه). [معاني القرآن: 1/493-494]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء}
قال الحسن: لما نزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} قالت اليهود أو هو فقير يستقرض؟ يموهون بذلك على ضعفائهم فأنزل الله عز وجل: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء}المعنى: إنه على قول محمد فقير لأنه اقترض منا فكفروا بهذا القول لأنهم أرادوا تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم به وتشكيكا للمؤمنين في الإسلام.
ثم قال تعالى: {سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق} سنحصيه ويجوز سيكتب ما قالوا أي سيكتب الله ما قالوا
ثم قال تعالى: {ونقول ذوقوا عذاب الحريق} أي: عذاب النار لأن من العذاب ما لا يحرق). [معاني القرآن: 1/516-517]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سيكتب ما قالوا}: سيحفظ). [مجاز القرآن: 1/110]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {حتّى يأتينا بقربانٍ تأكله النّار...}
كان هذا، والقربان: نار لها حفيف وصوت شديد كانت تنزل على بعض الأنبياء.
فلمّا قالوا ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى "قل" يا محمد {قد جاءكم رسلٌ مّن قبلي بالبيّنات} وبالقربان الذي قلتم {فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين}). [معاني القرآن: 1/249]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ الله عهد إلينا}: أمرنا، {ألاّ نؤمنا لرسولٍ}: أن لا ندين له فنقرّ به). [مجاز القرآن: 1/110]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل ذكره: {الّذين قالوا إنّ اللّه عهد إلينا ألّا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بقربان تأكله النّار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات وبالّذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين}
هذا من نعت (العبيد) الذين قالوا ({حتّى يأتينا بقربان تأكله النّار} أي: عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى تكون آيته هذه الآية.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ أسلافهم قد أتتهم الرسل بالبينات وبالذي طلبوا. فقتلوهم. فقال: (فلم قتلتموهم).
وهم لم يكونوا تولّوا القتل، ولكن رضوا بقتل أولئك الأنبياء فشركوهم في القتل). [معاني القرآن: 1/494-495]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن كذّبوك فقد كذّب رسل من قبلك جاءوا بالبيّنات والزّبر والكتاب المنير}
الزّبر: جمع زبور والزبور كل كتاب ذو حكمة.
ويقال زبرت إذا كتبت. وزبرت إذا قرأت). [معاني القرآن: 1/495]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير}
الزبر: جمع البور وهو الكتاب يقال زبرت إذا كتبت). [معاني القرآن: 1/517-518]

تفسير قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كلّ نفسٍ ذائقة الموت}، أي: ميّتة، قال:
الموت كأسٌ والمرء ذائقها
في هذا الموضع شاربها). [مجاز القرآن: 1/110-111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({زحزح عن النّار} أي: نحّي عنها وأبعد). [تفسير غريب القرآن: 116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كلّ نفس ذائقة الموت وإنّما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النّار وأدخل الجنّة فقد فاز وما الحياة الدّنيا إلّا متاع الغرور}
{وإنّما توفّون أجوركم يوم القيامة}
ولا يجوز "أجوركم" على رفع الأجور وجعل ما في معنى الذي، لأن يوم القيامة يصير من صلة {توفون}، وتوفون من صلة (ما) فلا يأتي (ما) في الصلة بعد {أجوركم} و {أجوركم} خبر.
وقوله عزّ وجلّ ": {فمن زحزح عن النّار}أي: نحّي وأزيل {فقد فاز} يقال لكل من نجا من هلكة وكل من لقي ما يغبط به: قد فاز، وتأويله تباعد من المكروه ولقي ما يحب.
ومعنى قول الناس مفازة إنما هي من مهلكة، ولكنهم تفاءلوا بأن سموا المهلكة مفازة.

والمفازة المنجاة، كما تفاءلوا بأن سمّوا اللديغ السليم، وكما سمّوا الأعمى بالبصير). [معاني القرآن: 1/495]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة}
وهذا تمثيل، والمعنى: كل نفس كل نفس ميتة وأنشد أهل اللغة:
من لم يمت عبطه يمتهرما = للموت كاس فالمرء ذائقها
ثم قال جل وعز: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}
زحرح: نحي وفاز إذا نجا واغتبط بما هو فيه فأما قولهم مفازة فإنما هو على التفاؤل كما يقال للأعمى بصير وقد قيل إن مفازة من قوله فوز الرجل إذا مات وهذا القول ليس بشيء لأن قولهم فوز الرجل إنما هو على التفاؤل أيضا). [معاني القرآن: 1/518-519]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {فمن زحزح عن النار} أي: فمن نجي. {فقد فاز} أي: فقد نجا، والفوز العظيم: النجاء الكثير). [ياقوتة الصراط: 194]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( ({الغرور}: الدنيا، والغرور، الشيطان). [ياقوتة الصراط: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({زُحْزِحَ} نُحِيِ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 55]

تفسير قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لتبلونّ في أموالكم وأنفسكم} أي: لتختبرنّ، ويقال: لتصابنّ. والمعنيان متقاربان). [تفسير غريب القرآن: 117]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لتبلونّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعنّ من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الّذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتّقوا فإنّ ذلك من عزم الأمور} معناه: لتختبرن، أي: تقع عليكم المحن، فيعلم المؤمن من غيره، وهذه النون دخلت مؤكدة مع لام القسم وضمّت الواو لسكونها وسكون النون. ويقال للواحد من المذكرين: لتبلين يا رجل، وللاثنين لتبليان يا رجلان، ولجماعة الرجال: لتبلونّ.
وتفتح الياء من لتبلين في قول سيبويه لسكونها وسكون النون.
وفي قول غيره تبنى على الفتح لضم النون إليها كما يبنى ما قبل هاء التأنيث، ويقال للمرأة تبلين يا امرأة، وللمرأتين لتبليان يا امرأتان ولجماعة النساء لتبلينانّ يا نسوة، زيدت الألف لاجتماع النونات.
وقوله عزّ وجلّ: {ولتسمعنّ من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الّذين أشركوا أذى كثيرا}
روي أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - سمع رجلا من اليهود يقول: " إن الله فقير ونحن أغنياء " فلطمه أبو بكر - رضي الله عنه - فشكا اليهودي ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله النبي: ((ما أراد بلطمك؟))، فقال أبو بكر: سمعت منه كلمة ما ملكت نفسي معها أن لطمته، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ولتسمعنّ من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الّذين أشركوا أذى كثيرا}
وأذى: مقصور يكتب بالياء يقال قد أذي فلان يأذى أذى. إذا سمع ما يسوءه). [معاني القرآن: 1/495-496]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم}
قيل معناه: لتختبران.
وقيل معناه: لتصابن.

والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد
ثم قال تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} روي أن أبا بكر رحمة الله عليه سمع رجلا من اليهود يقول أو هو فقير يستقرض فلطمه فشكاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى}
وأذى: مصور أذي يأذى إذا تأوى). [معاني القرآن: 1/519-520]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {لتبلون} أي: لتختبرن). [ياقوتة الصراط: 194]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فنبذوه وراء ظهورهم} أي: لم يلتفتوا إليه يقال: نبذت حاجتي خلف ظهرك، إذا لم يلتفت إليها، قال أبو الأسود الدّؤليّ:
نظرت إلى عنوانه فنبذته... كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا). [مجاز القرآن: 1/111]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون}
قال: {ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه} يقول: "استحلفهم ليبيّننّه ولا يكتمونه" وقال: {لتبيّننّه ولا تكتمونه} أي: قل لهم: "واللّه لتبيّننّه ولا تكتمونه"). [معاني القرآن: 1/189]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}
{لتبيّننّه للنّاس} وليبيننه بالياء والتاء:
فمن قال ليبيننه بالياء، فلأنهم غيب.
ومن قال بالتاء حكى المخاطبة التي كانت في وقت أخذ الميثاق، والمعنى أن اللّه أخذ منهم الميثاق ليبينن أمر نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

{فنبذوه وراء ظهورهم}
معنى {نبذوه}:رموا به يقال للذي يطرح الشيء ولا يعبأ به: قد جعلت هذا الشيء بظهر، وقد رميته بظهر.

قال الفرزدق:
تميم بن قيس لا تكوننّ حاجتي... بظهر فلا يعيا عليّ جوابها
أي: لا تتركنها لا يعبأ بها.
وأنبأ اللّه عما حمل اليهود الذين كانوا رؤساء على كتمان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: {واشتروا به ثمنا قليلا} أي: قبلوا على ذلك الرشا، وقامت لهم رياسة اكتسبوا بها، فذلك حملهم على الكفر بما يخفونه). [معاني القرآن: 1/496-497]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه}
قال سعيد بن جبير: يعني النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى على هذا لتبين أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تكتمونه.
وقال قتادة: هذا ميثاق أخذه الله عز وجل على أهل العلم فمن علم شيئا فليعلمه وإياكم وكتمان العلم.
ثم قال تعالى: {فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا}
{فنبذوه وراء ظهورهم} أي: تركوه ثم بين لم فعلوا ذلك فقال {واشتروا به ثمنا قليلا} أي: أخذوا الرشا وكرهوا أن يتبعوا الرسول فتبطل رياستهم). [معاني القرآن: 1/520-521]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا وّيحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا...}
يقول بما فعلوا؛ كما قال: {لقد جئت شيئا فريا} كقوله: {واللذان يأتيانها منكم} وفي قراءة عبد الله "فمن أتى فاحشة فعله". وقوله: {ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} قالوا: نحن أهل العلم الأوّل والصلاة الأولى، فيقولون ذلك ولا يقرّون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: {ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا}.
وقوله: {فلا تحسبنّهم بمفازةٍ مّن العذاب}. يقول: ببعيد من العذاب. (قال: قال الفراء: من زعم أن أوفى هذه الآية على غير معنى بل فقد افترى على الله؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يشكّ، ومنه قول الله تبارك وتعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون})). [معاني القرآن: 1/250]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بمفازةٍ من العذاب} أي: تزحزحٍ زحزحٍ بعيدٍ). [مجاز القرآن: 1/111]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا وّيحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم بمفازةٍ مّن العذاب ولهم عذابٌ أليمٌ}
أما قوله: {لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا وّيحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم} فإنّ: الآخرة بدلٌ من الأولى والفاء زائدة. ولا تعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء [إذ] ليس لذلك مذهب في العربية لأنه إذا قال: {لا يحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا} فإنّه لم يوقعه على شيء). [معاني القرآن: 1/189-190]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({بمفازةٍ من العذاب} أي: بمنجاة، ومنه يقال: فاز فلان، أي نجا). [تفسير غريب القرآن: 117]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}
كان المسلمون في صدر الإسلام حين أمروا بالنصيحة ونهوا عن الخيانة وأنزل عليهم: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق- أدقّوا النظر وأفرطوا في التوقّي، وترك بعضهم مؤاكلة بعض: فكان الأعمى لا يؤاكل الناس، لأنه لا يبصر الطعام فيخاف أن يستأثر، ولا يؤاكله الناس يخافون لضرره أن يقصر.
وكان الأعرج يتوقّى ذلك، لأنه يحتاج لزمانته إلى أن يتفسّح في مجلسه، ويأخذ أكثر من موضعه، ويخاف الناس أن يسبقوه لضعفه.
وكان المريض يخاف أن يفسد على الناس طعامهم بأمور قد تعتري مع المرض: من رائحة تتغيّر، أو جرح يبضّ، أو أنف يذنّ، أو بول يسلس، وأشباه ذلك. فأنزل الله تبارك وتعالى: ليس على هؤلاء جناح في مؤاكلة الناس، وهو معنى قول ابن عباس في رواية أبي صالح.
وأما عائشة رضي الله عنها، فإنها قالت: كان المسلمون يوعبون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المغازي، ويدفعون مفاتيحهم إلى الضّمنى، وهم الزّمنى، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في منازلنا. فكانوا يتوقّون أن يأكلوا من منازلهم حتى نزلت هذه الآية.
وإلى هذا يذهب قوم، منهم الزّهري.
ثم قال الله عز وجل: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} أراد: ولا عليكم أنفسكم أن تأكلوا من أموال عيالكم وأزواجكم.
وقال بعضهم: أراد أن تأكلوا من بيوت أولادكم، فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء، لأن الأولاد كسبهم، وأموالهم كأموالهم. يدلك على هذا: أن الناس لا يتوقّون أن يأكلوا من بيوتهم، وأن الله سبحانه عدّد القرابات وهم أبعد نسبا من الولد، ولم يذكر الولد.
وقال المفسرون في قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} أراد: ما أغنى عنه ماله وولده، فجعل الولد كسبا.
ثم قال: {أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ}، يعني: العبيد، لأن السيد يملك منزل عبده. هذا على تأويل ابن عباس.
وقال غيره: أو ما خزنتموه لغيركم. يريد الزّمنى الذين كانوا يخزنون للغزاة {أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا} من منازل هؤلاء إذا دخلتموها، وإن لم يحضروا ولم يعلموا، من غير أن تتزوّدوا وتحملوا، ولا جناح عليكم أن تأكلوا جميعا أو فرادى، وإن اختلفتم: فكان فيكم الزّهيد، والرّغيب، والصحيح، والعليل.
وهذا من رخصته للقرابات وذوي الأواصر- كرخصته في الغرباء والأباعد لمن دخل حائطا وهو جائع: أن يصيب من ثمره، أو مرّ في سفر بغنم وهو عطشان: أن يشرب من رسلها، وكما أوجب للمسافر على من مرّ به الضيافة، توسعة منه ولطفا بعباده، ورغبة بهم عن دناءة الأخلاق، وضيق النظر). [تأويل مشكل القرآن:332-334] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم}
هؤلاء قوم من أهل الكتاب دخلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرجوا من عنده فذكروا لمن كان رآهم في ذلك الوقت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أتاهم بأشياء قد عرفوها.
فحمدهم من شاهدهم من المسلمين على ذلك، وأبطنوا خلاف ما أظهروا وأقاموا بعد ذلك على الكفر، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم وأعلمه أنهم ليسوا بمفازة من العذاب أي ليسوا ببعد من العذاب.
ووقعت {فلا تحسبنهم} - مكررة لطول القصة.
والعرب تعيد إذا طالت القصة في حسبت وما أشبهها، إعلاما أن الذي جرى متصل بالأول، وتوكيدا للأول، فنقول: لا تظنن زيدا إذا جاءك وكلمك بكذا وكذا - فلا تظننه صادقا، تعيد - فلا تظنن توكيدا - ولو قلت لا تظن زيدا إذا جاءك وحدثك بكذا وكذا صادقا جاز، ولكن التكرير أوكد وأوضح للقصة). [معاني القرآن: 1/497-498]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لا يحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا}
روي عن مروان أنه وجه إلى ابن عباس يقول: أكل من فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل يعذب، فقال ابن عباس: هذا في اليهود لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن شيء فلم يخبروه به وأخبروه بغيره وأحبوا أن يحمدوا بذلك وفرحوا بما أتوا من كتمانهم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} الآية
وروى سعيد بن جبير أنه قرأ {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا} قال: اليهود فرحوا بما أوتي آل إبراهيم من الكتاب والحكم والنبوة.
ثم قال سعيد بن جبير: ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا قولهم نحن على دين إبراهيم.
ثم قال عز وجل: {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب}أي: بمنجاة ولهم عذاب اليم أي مؤلم). [معاني القرآن: 1/521-523]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بِمَفَازَة مِّنَ الْعَذَابٍِ} أي: بمنجاة منه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 55]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وللّه ملك السّماوات والأرض واللّه على كلّ شيء قدير} أي: هو خالقهما، ودليل ذلك قوله - عزّ وجلّ: {خالق كل شيء) و {خلق السّماوات والأرض} وأعلم أن في خلقهما واختلاف الليل والنهار آيات لأولي الألباب " أي: ذوي العقول.
والآيات العلامات، أي: من العلامات فيهما دليل على أن خالقهما واحد ليس كمثله شيء). [معاني القرآن: 1/498]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير}أي: هو خالقهما وخالق ما فيهما وهذا تكذيب للذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء). [معاني القرآن: 1/523]


رد مع اقتباس
  #21  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 02:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 190 إلى 195]

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} أي: لعلامات دالة عليه والألباب العقول). [معاني القرآن: 1/523]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين يذكرون اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم...}
يقول القائل: كيف عطف بعلى على الأسماء؟ فيقال: إنها في معنى الأسماء ألا ترى أن قوله: {وعلى جنوبهم}: ونياما، وكذلك عطف الأسماء على مثلها في موضع آخر، فقال: "دعانا لجنبه"، يقول: مضطجعا "أو قاعدا أو قائما" فلجنبه، وعلى جنبه سواء). [معاني القرآن: 1/250]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويتفكّرون في خلق السّموات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلاً}: العرب تختصر الكلام ليخففوه لعلم المستمع بتمامه فكأنه في تمام القول: ويقولون: ربنا ما خلقت هذا باطلا). [مجاز القرآن: 1/111]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين يذكرون اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السّماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النّار }
{الّذين يذكرون اللّه}
هذا من نعت {أولي الألباب} أي: فهؤلاء يستدلون على توحيد اللّه - عزّ وجلّ - بخلق السّماوات والأرض وأنهم يذكرون اللّه في جميع أحوالهم {قياما وقعودا وعلى جنوبهم}
معناه: ومضطجعين، وصلح في اللغة أن: يعطف (بعلى) على - {قياما وقعودا} لأن معناه ينبئ عن حال في أحوال تصرف الإنسان، تقول: أنا أسير
إلى زيد مماشيا وعلى الخيل، المعنى ماشيا وراكبا، فهؤلاء المستدلون على حقيقة توحيد الله يذكرون - اللّه في سائر هذه الأحوال.
وقد قال بعضهم: {يذكرون اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبهم} أي: يصلون على جميع هذه الأحوال على قدر إمكانهم في صحتهم وسقمهم.
وحقيقته عندي - واللّه أعلم - أنهم موحدون اللّه في كل حال.
{ويتفكّرون في خلق السّماوات والأرض} فيكون ذلك أزيد في بصيرتهم، لأن فكرتهم تريهم عظيم شأنهما، فيكون تعظيمهم للّه على حسب ما يقفون عليه من آثار رحمته.
وقوله عزّ وجلّ: {ربّنا ما خلقت هذا باطلا} معناه: يقولون {ربّنا ما خلقت هذا باطلا} أي: خلقته دليلا عليك، وعلى صدق ما أتت به أنبياؤك. لأن الأنبياء تأتي بما يعجز عنه المخلوتون، فهو كالسماوات والأرض في الدليل على توحيد اللّه.
{سبحانك} معناه: براءة لك من السوء وتنزيها لك من أن تكون خلقتهما باطلا..
{فقنا عذاب النّار} أي: فقد صدقنا رسلك وأن لك جنة ونارا فقنا عذاب النّار). [معاني القرآن: 1/498-499]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم}
في معنى الآية قولان:
أحدهما: روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: من لم يستطيع أن يصلي قائما صلى قاعدا وإلا مضطجعا.
والقول الآخر: أنهم الذين يوحدون الله عز وجل على كل حال ويذكونه والقول الأول ليس بصحيح الإسناد.
وأيضا فإن الله تعالى إنما وصف أولي الألباب بالذكر له على كل الأحوال التي يكون الناس عليها
ويبين لك هذا حديث ابن عباس حين بات عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاستوى على فراشه قاعدا ثم رفع رأسه إلى السماء ثم قال: ((سبحان الملك القدوس ثلاث مرات)) وقرأ {إن في خلق السموات والأرض} حتى ختم السورة). [معاني القرآن: 1/523-524]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض} أي: ليكون ذلك أزيد في بصيرتهم.
ثم قال عز وجل: {ربنا ما خلقت هذا باطلا} أي: يقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا فحذف يقولون.
ثم قال عز وجل: {سبحانك فقنا عذاب النار}
روي عن طلحة بن عبيد الله أنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن سبحان فقال: ((تنزيه الله عن السوء))
وأصل التنزيه في اللغة: البعد أي التنزيه الله عز وجل عن الأنداد والأولاد). [معاني القرآن: 1/525-526]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته}
حدثنا عبد الله بن احمد بن عبد السلام قال حدثنا أبو الأزهر إملاء قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا أبو هلال عن قتادة عن أنس في قوله عز وجل: {إنك تدخل النار فقد أخزيته} قال: من خلد في النار فقد أخزيته.
قال أبو الأزهر: وحدثنا روح حدثنا حماد بن زيد عن جويبر عن الضحاك أنه تلا حديث الشفاعة فقال له رجل {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} قال: ذلك لهم خزي فمن أدخل النار فقد خزي وإن أخرج منها لأن الخزي إنما هو هتك ستر المخزي وفضيحته يقال خزي يخزى إذا ذل وأخزيته إذا أذللته إذلالا يبين عليه وقوله عز وجل: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان}.
قال محمد بن كعب: هو القرآن وليس كلهم سمع النبي صلى الله عليه وسلم).
[معاني القرآن: 1/526-527]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ينادي للإيمان...} كما قال: "الذي هدانا لهذا" و"أوحى لها" يريد إليها، وهدانا إلى هذا). [معاني القرآن: 1/250]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ينادى للإيمان} أي: ينادى إلى الإيمان، ويجوز: إننا سمعنا منادياً للإيمان ينادى). [مجاز القرآن: 1/111]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد}
معناه والله أعلم - على ألسن رسلك.
وقوله - عزّ وجلّ: {ولا تخزنا يوم القيامة} أي: قد صدقنا يوم القيامة فلا تخزنا، والمخزي في اللغة: المذلّ المحقور بأمر قد لزمه بحجة، وكذلك أخزيته، أي: ألزمته حجة أذللته معها.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّك لا تخلف الميعاد} أي: قد وعدت من آمن بك ووحدك الجنة). [معاني القرآن: 1/499-500]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} لأنه وعد من وحده وآمن الجنة). [معاني القرآن: 1/527]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاستجاب لهم ربّهم أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم}: فتحت ألف (أن) لأنك أعملت (فاستجاب لهم ربهم بذلك، ولو كان مختصراً على قولك. وقال إني لا أضيع أجر العاملين فكسرت الألف. {لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم} {لأذهبنّها عنهم} أي: لأمحونّها عنهم؛ {فاستجاب لهم} أي: أجابهم، وتقول العرب: استجبتك، في معنى استجبت لك، قال الغنويّ:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى... فلم يستجبه عند ذاك مجيب). [مجاز القرآن: 1/112]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ مّنكم مّن ذكرٍ أو أنثى بعضكم مّن بعضٍ فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثواباً مّن عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب}
قال: {أنّي لا أضيع عمل عاملٍ مّنكم مّن ذكرٍ أو أنثى} أي: فاستجاب: بأنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم. أدخل فيه {من} زائدة كما تقول "قد كان من حديثٍ" و{من} ههنا لغو لأنّ حرف النفي قد دخل في قوله: {لا أضيع}). [معاني القرآن: 1/190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب} المعنى: فاستجاب لهم ربهم بأني لا أضيع - عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى.
وإن قرئت (إنّي لا أضيع عمل عامل منكم). جائز بكسر (إنّ) ويكون المعنى قال لهم ربهم: إنّي لا أضيع عمل عامل منكم.
وقوله عزّ وجلّ: {ثوابا} مصدر مؤكد، لأن معنى {ولأدخلنّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار} "لأثيبنهم" ومثله {كتاب اللّه عليكم} لأن قوله عزّ وجلّ {حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم...} معناه: كتب اللّه عليكم هذا فـ {كتاب اللّه} - مؤكد - وكذلك قوله عزّ وجلّ: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء} قد علم أن ذلك صنع اللّه). [معاني القرآن: 1/500]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}
ويقرأ {إني لا أضيع عمل عامل منكم} على معنى إني والفتح بمعنى بأني لا أضيع عمل عامل منك من ذكر أو أنثى وروي أن أم سلمة قالت: يا رسول الله ما سمعت الله ذكر النساء في الهجرة، فنزل الله عز وجل: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عما عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض...}). [معاني القرآن: 1/527-528]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب} أي: جزاء وأصله من ثاب يثوب إذا رجع والتثويب في النداء ترجيع الصوت). [معاني القرآن: 1/528]


رد مع اقتباس
  #22  
قديم 20 محرم 1432هـ/26-12-2010م, 03:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 196 إلى 200]

{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}

تفسير قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (قوله: {لا يغرّنّك تقلّب الّذين كفروا في البلاد...}
كانت اليهود تضرب في الأرض فتصيب الأموال، فقال الله عزّ وجلّ: لا يغرّنك ذلك). [معاني القرآن: 1/251]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا يغرّنّك تقلّب الّذين كفروا في البلاد} أي: تصرّفهم في التجارات، وإصابتهم الأموال). [تفسير غريب القرآن: 117]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا يغرّنّك تقلّب الّذين كفروا في البلاد}
خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وخطاب للخلق في هذا الموضع، المعنى لا يغرنكم أيها المؤمنون.
ويروى أن: قوما من الكفار كانوا يتجرون ويربحون في أسفار كانوا يسافرونها، فأعلم اللّه عزّ وجلّ - أن ذلك مما لا ينبغي أن يغبطوا به، لأن مصيرهم بكفرهم إلى النار ولا خير بخير بعده النار، فقال عزّ وجلّ: {متاع قليل ثمّ مأواهم جهنّم وبئس المهاد}). [معاني القرآن: 1/500-501]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} أي: يغرنك تصرفهم وسلامتهم فإن آخر مصيرهم إلى النار فمن كان آخر مصير إلى النار لم يغبط). [معاني القرآن: 1/528-529]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} أي: تصرفهم في التجارات والأموال). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 55]

تفسير قوله تعالى: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {متاعٌ قليلٌ...} في الدنيا). [معاني القرآن: 1/251]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولبئس المهاد} أي: بئس الفراش والقرار). [تفسير غريب القرآن: 117]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ويروى أن قوما من الكفار كانوا يتجرون ويربحون في أسفار كانوا يسافرونها، فأعلم اللّه عزّ وجلّ - أن ذلك مما لا ينبغي أن يغبطوا به، لأن مصيرهم بكفرهم إلى النار ولا خير بخير بعده النار.
فقال عزّ وجلّ: {متاع قليل ثمّ مأواهم جهنّم وبئس المهاد} أي: ذلك الكسب والربح الذي يربحونه متاع قليل). [معاني القرآن: 1/500-501]

تفسير قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {نزلاً مّن عند اللّه...}
و{ثوابا} خارجان من المعنى: لهم ذلك نزلا وثوابا، مفسّرا؛ كما تقول: هو لك هبةً وبيعا وصدقة). [معاني القرآن: 1/251]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (نزلاً من عند الله) أي: ثواباً، ويجوز منزلاً من عند الله من قولك: أنزلته منزلاً). [مجاز القرآن: 1/112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نزلًا من عند اللّه} أي: ثوابا ورزقا). [تفسير غريب القرآن: 117]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلم - جلّ وعزّ - أن من أراد اللّه واتقاه فله الجنة فقال: {لكن الّذين اتّقوا ربّهم لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند اللّه وما عند اللّه خير للأبرار}
{نزلا} مؤكد أيضا، لأن خلودهم فيها إنزالهم فيها.
وواحد الأبرار - بارّ وأبرار، مثل صاحب وأصحاب ويجوز أن يكون برّ وأبرار، على فعل وأفعال، تقول بررت والدي فأنا برّ، وأصله برر، لكن الراء أدغمت للتضعيف). [معاني القرآن: 1/501]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ} أي: ثوابا ورزقا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 55]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {خاشعين للّه...}معناه: يؤمنون به خاشعين). [معاني القرآن: 1/251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه لا يشترون بآيات اللّه ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربّهم إنّ اللّه سريع الحساب}
{خاشعين للّه} أي: من عند أهل الكتاب من يؤمن خاشعا للّه -.
{لا يشترون بآيات اللّه ثمنا قليلا}

وإنما ذكر هؤلاء لأن ذكر الذين كفروا جرى قبل ذكرهم فقال: {فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا}
أخبر - جلّ وعزّ - بما حمل اليهود على الكفر، وأخبر بحال من آمن من أهل الكتاب وأنهم - صدقوا في حال خشوع ورغبة عن أن يشتروا بآيات اللّه ثمنا قليلا). [معاني القرآن: 1/501]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم}
روي أن: النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي وترحم عليه فقال قوم من المنافقين صلى عليه وليس من أهل دينه فأنزل الله عز وجل: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله} أي: متواضعين ومنه قال الشاعر:
وإذا افتقرت فلا تكن متخشعا وتجمل
ثم قال عز وجل: {لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا}
لأنه قد أخبر أن منهم من يثبت على دينه لأخذ الرشا ولئلا تبطل رياسته). [معاني القرآن: 1/529]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا...} مع نبيكم على الجهاد {وصابروا} عدوّكم فلا يكوننّ أصبر منكم). [معاني القرآن: 1/251]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ورابطوا} أي: اثبتوا ودوموا، قال الأخطل:
ما زال فينا رباط الخيل معلمةً... وفي كليبٍ رباط الّلوم والعار). [مجاز القرآن: 1/112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({رابطوا}: اثبتوا ودموا). [غريب القرآن وتفسيره: 112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا} أي: صابروا عدوّكم.
{ورابطوا} في سبيل اللّه.
وأصل المرابطة: الرباط أن يربط هؤلاء خيولهم، ويربط هؤلاء خيلوهم في الثغر، كلّ يعدّ لصاحبه. وسمي المقام بالثغور رباطا.

{لعلّكم تفلحون} أي: تفوزون ببقاء الأبد.
وأصل الفلاح: البقاء.

وقد بيناه فيما تقدم). [تفسير غريب القرآن: 117]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله جلّ وعزّ:{يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
أي: على دينكم، {وصابروا} أي: عدوكم ورابطوا: أقيموا على جهاد عدوكم بالحرب والحجة، {واتّقوا اللّه} في كل ما أمركم به، ونهاكم عنه.
{لعلّكم تفلحون}
ولعل ترج، وهو ترج لهم، أي: ليكونوا على رجاء فلاح - وإنّما قيل لهم {لعلّكم تفلحون} أي: لعلكم تسلمون من أعمال تبطل أعمالكم هذه.
فأما المؤمنون الذين وصفهم اللّه جل ثناؤه فقد أفلحوا.
قال اللّه جلّ وعزّ: {قد أفلح المؤمنون (1) الّذين هم في صلاتهم خاشعون (2)} إلى آخر وصف المؤمنين.
فهؤلاء قد أفلحوا لا محالة وإنما يكون الترجي مع عمل يتوهم أنه بعض من العمل الصالح). [معاني القرآن: 1/501-502]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} أي: اصبروا على دينكم.
{وصابروا} قال قتادة: أي صابروا المشركين.

{ورابطوا} قال قتادة: أي جاهدوا.
وأصل الرباط والمرابطة عند أهل اللغة: أن العدو يربطون خيولهم ويربط المسلمون تحزرا ثم كثر استعمالهم لها حتى قيل لكل من أقام بالثغر مرابط.
حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام قال حدثنا الدرامي قال حدثنا يحيى بن أبي بكير قال حدثنا جسر عن الحسن {يا أيها الذين آمنوا اصبروا} قال عن المصائب {وصابروا}
قال الصلوات الخمس {ورابطوا} أعداء الله في سبيل الله.
ثم قال عز وجل: {واتقوا الله} أي: لم تؤمروا بالجهاد فقط فاتقوا الله عز وجل فيما أمركم به ونهاكم عنه
ثم قال عز وجل: {لعلكم تفلحون} أي: لتكونوا على رجاء من الفلاح.
وأصل الفلاح: البقاء والخلود وقد بيناه فيما تقدم).
[معاني القرآن: 1/530-531]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} في سبيل الله.
وقيل معناه: اصبروا على المصائب.
وقيل: اصبروا على الخمس، ورابطوا أعداء الله.

{تُفْلِحُونَ} أي: تفوزون ببقاء الأبد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 55]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({رَابِطُواْ}: اثبتوا ودوموا). [العمدة في غريب القرآن: 104]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة