العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة هود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 05:41 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة هود [ من الآية (41) إلى الآية (44) ]

تفسير سورة هود
[ من الآية (41) إلى الآية (44) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 05:42 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن غير واحد عن الشعبي أن النبي كتب أول ما كتب باسمك اللهم حتى نزلت بسم الله مجراها ومرساها فكتب بسم الله ثم نزلت ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فكتب بسم الله الرحمن حتى نزلت إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فكتب بسم الله الرحمن الرحيم). [تفسير عبد الرزاق: 2/81] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروقٍ أنّ عبد اللّه كان يقرؤها (مَجراها ومَرساها) [الآية: 41]). [تفسير الثوري: 129]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (41) : قوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عرفجة، عن عبد الله، أنه كان يقرأ: {مجراها ومرساها}). [سنن سعيد بن منصور: 5/346-347]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( (مجراها) " مدفعها، وهو مصدر أجريت، وأرسيت: حبست "، ويقرأ: (مرساها) : «من رست هي» (ومجراها) : «من جرت هي» ، و (مجريها ومرسيها) : «من فعل بها» ، {راسياتٌ} [سبأ: 13] : «ثابتاتٌ»). [صحيح البخاري: 6/74]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله مجراها مدفعها وهو مصدرٌ أجريت وأرسيت حبست ويقرأ مجراها من جرت هي ومرسيها من رست ومجريها ومرسيها من فعل بها قال أبو عبيدة في قوله تعالى بسم الله مجراها أي مسيرها وهي من جرت بهم ومن قرأها بالضّمّ فهو من أجريتها أنا ومرساها أي وقفها وهو مصدرٌ أي أرسيتها أنا انتهى ووقع في بعض الشّروح مجراها موقفها بواوٍ وقافٍ وفاءٍ وهو تصحيفٌ لم أره في شيء من النّسخ ثمّ وجدت بن التّين حكاها عن رواية الشّيخ أبي الحسن يعني القابسيّ قال وليس بصحيحٍ لأنّه فاسد المعنى والصّواب ما في الأصل بدالٍ ثمّ فاءٍ ثمّ عينٍ تنبيهٌ الّذي قرأ بضمّ الميم في مجراها الجمهور وقرأ الكوفيّون حمزة والكسائيّ وحفصٌ عن عاصمٍ بالفتح وأبو بكرٍ عن عاصمٍ كالجمهور وقرءوا كلّهم في المشهور بالضّمّ في مرساها وعن بن مسعودٍ فتحها أيضًا رواه سعيد بن منصورٍ بإسنادٍ حسنٍ وفي قراءة يحيى بن وثّابٍ مجريها ومرسيها بضمّ أوّلهما وكسر الرّاء والسّين أي اللّه فاعل ذلك قوله راسياتٍ ثابتاتٍ قال أبو عبيدة في قوله تعالى وقدورٍ راسيات أي ثقالٍ ثابتاتٍ عظامٍ وكأنّ المصنّف ذكرها استطرادًا لما ذكر مرساها). [فتح الباري: 8/352]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (مجراها مدفعها وهو مصدر أجريت وأرسيت حبست ويقرأ مرساها من رست هي ومجراها من جرت هي ومجريها ومرسيها من فعل بها) أشار به إلى قوله تعالى {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها} وفسّر مجراها بضم الميم الّذي هو قراءة الجمهور بقوله مدفعها وأراد به مسيرها وعن ابن عبّاس مجراها حيث تجري ومرساها حيث ترسي قوله " وهو مصدر أجريت " أراد به المصدر الميمي والمصدر على بابه من أجريت إجراء قوله " وأرسيت حبست " أي معنى أرسيت حبست قوله ويقرأ مرساها يعني بفتح الميم وهي قراءة الكوفيّين حمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم قوله " من رست " أي أن مرساها بفتح الميم مأخوذ من رست أي السّفينة إذا ركدت واستقرت وكذلك مجراها بفتح الميم من جرت هي أي من جرت تجري جريا قوله " ومجريها ومرسيها " يعني تقرأ بضم الميم فيهما وهي قراءة يحيى بن وثاب والمعنى الله مجريها ومرسيها (فالأول) من الإجراء (والثّاني) من الإرساء قوله من فعل بها بصيغة المعلوم والمجهول يرجع إلى القراءتين ففي قراءة بفتح الميم بصيغة المعلوم وفي قراءة بلفظ الفاعل بصيغة المجهول). [عمدة القاري: 18/292]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (الراسيات ثابتات) ذكر هذا استطرادًا لذكر مرساها لأنّه ليس في سورة هود وقال أبو عبيدة في قوله تعالى {وقدور راسيات} أي ثابتات عظام). [عمدة القاري: 18/293]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({مجراها}) بضم الميم يريد قوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها} [هود: 41].
أي (مدفعها) بفتح الميم وفي بعض الأصول موقفها بالواو والقاف والفاء وعزي لرواية القابسي قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف لم أره في شيء من النسخ وهو فاسد المعنى (وهو) أي مجراها (مصدر أجريت وأرسيت) أي (حبست ويقرأ) بالتحتية، ولأبي ذر: وتقرأ بالفوقية ({مرساها}) بفتح الميم (من رست هي) أي السفينة أي ركدت واستقرت (ومجراها) بفتح الميم (من جرت هي) وفتح الميمين وهي قراءة المطوّعي عن الأعمش (و) يقرأ أيضًا (مجريها ومرسيها) بضم الميم وياء ساكنة فيهما بدل الألف مع كسر الراء والسين وهي قراءة الحسن، والمعنى الله مجريها ومرسيها وهي مأخوذة (من فعل بها) بكسر ميم من وضم فاء فعل مبنيًا للمفعول ولأبي ذر ومجراها ومرسيها بضم الميمين وهي قراءة الحرمين والبصري والشامي وأبي بكر وقرأ حفص والأخوان بفتح الميم في الأول وضمها في الثاني فالفتح من الثلاثي والضم من الرباعي.
(الراسيات) ولأبي ذر: راسيات (ثابتات) يريد قوله تعالى في سورة سبأ: {قدور راسيات} [سبأ: 13]. وذكره استطرادًا لذكر مرساها). [إرشاد الساري: 7/171]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: وقال نوحٌ: اركبوا في الفلك بسم اللّه مجراها ومرساها. وفي الكلام محذوفٌ قد استغنى بدلالة ما ذكر من الخبر عليه عنه، وهو قوله: {قلنا احمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين وأهلك إلاّ من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلاّ قليلٌ} فحملهم نوحٌ فيها وقال لهم: اركبوا فيها. فاستغنى بدلالة قوله: {وقال اركبوا فيها} عن حمله إيّاهم فيها، فترك ذكره.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {بسم اللّه مجراها ومرساها} فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين: بسم اللّه مجراها ومرساها بضمّ الميم في الحرفين كليهما. وإذا قرئ كذلك كان من أجرى وأرسى، وكان فيه وجهان من الإعراب: أحدهما الرّفع بمعنى: بسم اللّه إجراؤها وإرساؤها، فيكون المجرى والمرسى مرفوعين حينئذٍ بالباء الّتي في قوله: {بسم اللّه} والآخر بالنّصب، بمعنى: بسم اللّه عند إجرائها وإرسائها، أو وقت إجرائها وإرسائها، فيكون قوله: {بسم اللّه} كلامًا مكتفيًا بنفسه، كقول القائل عند ابتدائه في عملٍ يعمله: بسم اللّه، ثمّ يكون المجرى والمرسى منصوبين على ما نصبت العرب قولهم الحمد للّه سرارك وإهلالك، يعنون الهلال أوّله وآخره، كأنّهم قالوا: الحمد للّه أوّل الهلال وآخره، ومسموعٌ منهم أيضًا: الحمد للّه ما إهلالك إلى سرارك.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: {بسم اللّه مجراها ومرساها} بفتح الميم من مجراها، وضمّها من مرساها، فجعلوا مجراها مصدرًا من جرى يجري مجرًى، ومرساها من أرسى يرسي إرساءً. وإذا قرئ ذلك كذلك كان في إعرابهما من الوجهين نحو الّذي فيهما إذا قرئا: مجراها ومرساها بضمّ الميم فيهما على ما بيّنت.
وروي عن أبي رجاءٍ العطارديّ أنّه كان يقرأ ذلك: بسم اللّه مجريها ومرسيها بضمّ الميم فيهما، ويصيّرهما نعتًا للّه. وإذا قرئا كذلك، كان فيهما أيضًا وجهان من الإعراب، غير أنّ أحدهما الخفض وهو الأغلب عليهما من وجهي الإعراب؛ لأنّ معنى الكلام على هذه القراءة: بسم اللّه مجري الفلك ومرسيها، فالمجري نعتٌ لاسم اللّه. وقد يحتمل أن يكون نصبًا، وهو الوجه الثّاني، لأنّه يحسن دخول الألف واللاّم في المجري والمرسي، كقولك بسم اللّه المجريها والمرسيها، وإذا حذفتا نصبتا على الحال، إذ كان فيهما معنى النّكرة، وإن كانا مضافين إلى المعرفة.
وقد ذكر عن بعض الكوفيّين أنّه قرأ ذلك: مجراها ومرساها، بفتح الميم فيهما جميعًا، من جرى ورسا؛ كأنّه وجّهه إلى أنّه في حال جريها وحال رسوّها، وجعل كلتا الصّفتين للفلك، كما قال عنترة:
فصبرت نفسًا عند ذلك حرّةً = ترسو إذا نفس الجبان تطلّع
والقراءة الّتي نختارها في ذلك قراءة من قرأ: {بسم اللّه مجراها} بفتح الميم {ومرساها} بضمّ الميم، بمعنى: بسم اللّه حين تجري وحين ترسي. وإنّما اخترت الفتح في ميم مجراها لقرب ذلك من قوله: {وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال} ولم يقل: تجري بهم. ومن قرأ: بسم اللّه مجراها كان الصّواب على قراءته أن يقرأ: وهي تجري بهم. وفي إجماعهم على قراءة تجري بفتح التّاء دليلٌ واضحٌ على أنّ الوجه في مجراها فتح الميم. وإنّما اخترنا الضّمّ في مرساها لإجماع الحجّة من القرّاء على ضمّها. ومعنى قوله {مجراها} مسيرها {ومرساها} وقفها، من وقفها اللّه وأرساها.
وكان مجاهدٌ يقرأ ذلك بضمّ الميم في الحرفين جميعًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: بسم اللّه مجراها ومرساها قال: حين يركبون ويجرون ويرسون.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: بسم اللّه حين يركبون ويجرون ويرسون.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: بسم اللّه مجراها ومرساها قال: بسم اللّه حين يجرون وحين يرسون.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، في قوله: اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها قال: إذا أراد أن ترسي قال: بسم اللّه فأرست، وإذا أراد أن تجري قال بسم اللّه فجرت.
وقوله: {إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ} يقول: إنّ ربّي لساترٌ ذنوب من تاب، وأناب إليه، رحيمٌ بهم أن يعذّبهم بعد التّوبة). [جامع البيان: 12/413-416]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ (41)
قوله تعالى: وقال اركبوا فيها
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، الأزرق، ثنا الوليد بن مسلمٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قال: ركب في السّفينة في عشرٍ خلت من رجبٍ ونزل عنها في عشرٍ خلت من المحرم فصام هو وأهله من اللّيل إلى اللّيل.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا إسحاق، بن إبراهيم، ثنا هشام بن يوسف، ثنا ابن جريجٍ في حديث محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ وقال اركبوا فيها أنّ أبا صالحٍ أخبره أنّ نوحًا عليه السّلام حمل معه بنيه الثّلاثة وامرأة نوحٍ والثّلاثة نسوةٌ نساء بنيه الثّلاث فهم ثمانيةٌ وأزواجهم فأسماء بنيه. يافث وحامٌ وسامٌ فأصاب حامٌ امرأته في السّفينة فدعا نوحٌ أن يغيّر لطفته فجاء السّودان.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا عليّ بن عثمان، ثنا داود بن أبي الفرات، عن عليّ بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان مع نوحٍ في السّفينة ثمانون رجلا معهم أهلوهم وأنّهم كانوا في السّفينة مائةً وخمسين يومًا وأنّ اللّه وجّه السّفينة إلى مكّة فدارت بالبيت أربعين يومًا ثمّ وجّهها إلى الجوديّ فاستقرّت عليه، فبعث نوحٌ الغراب ليأتيه بخبر الأرض فذهب فوقع على الحيف، فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزّيتون، ولطخت رجلها بالطّين، فعرف نوحٌ أنّ الماء قد نضب، فهبط إلى أسفل الجوديّ فبنى قريةً وسمّاها ثمانين فأصبحوا ذات يومٍ وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغةً أحدها اللّسان العربيّ فكان لا يفقّهّ بعضهم كلام بعضٍ وكان نوحٌ عليه السلام يعبر عنهم.
قوله تعالى: بسم اللّه
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو هلالٍ الرّاسيّ، ثنا حبان الأعرج، عن أبي الشّعثاء جابر بن زيدٍ قوله: بسم اللّه قال: اسم اللّه الأعظم هو اللّه، ألا ترى أنّه في جميع القرآن يبدأ قبل كلّ اسمٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن بن بنت عبد الملك بن أبي سليمان، ثنا أبي، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: بسم اللّه قال: الباء من بهاء اللّه، والسّين من سناء اللّه، والميم من ملك اللّه، واللّه، يا إله الخلق.
- حدّثنا أبو هارون الخزّاز، ثنا عليّ بن الجهم، ثنا عمر بن أبي قيسٍ، عن عاصمٍ، عن الشّعبيّ قال: كتب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أربعة كتب أوّلها باسمك اللّهمّ قال: فنزلت سورة هودٍ: بسم اللّه مجراها ومرساها.
قوله تعالى: بسم اللّه مجراها ومرساها
- حدّثنا أبي، ثنا سلمة بن بشير النّيسابوريّ سنة اثنى عشر ومائتين، ثنا يحيى، عن جابرٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، في قوله: بسم اللّه مجراها ومرساها قال: كان إذا أراد أن تجري قال: بسم اللّه مجراها جرت وإذا أراد أن تقف قال: بسم اللّه مرساها وقفت.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: بسم الله حين تركبون يعني مجراها ومرساها حين تجرون.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد، بن جبيرٍ قال: إذا ركبت في السّفينة يذكر نعمة اللّه وإن شاء قال كما قال نوحٌ صلّى اللّه عليه وسلّم بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ فمن ركب دابّةً لم يذكر اسم اللّه جاء الشّيطان فيقول تغنّى فإن لم يتغنّى يقول له: تمشّى.
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن رافعٍ، ثنا محمّد بن عبيدٍ، عن توبة أبي سالم قال: رأيت رزين بن حبيشٍ يصلّي في الزّاوية حين تدخل من أبواب كندة عن يمينك فسألته إنّك لكثير الصّلاة يوم الجمعة قال: بلغني أنّ سفينة نوحٍ أرسيت من هاهنا.
قوله تعالى: إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد، بن جبيرٍ، قوله: لغفور رحيمٌ لمّا كان منهم في الشّرك، رحيمٌ بهم بعد التّوبة). [تفسير القرآن العظيم: 6/2032-2034]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها يعني سموا الله حين تركبون وحين تجرون وحين ترسون). [تفسير مجاهد: 2/304]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 41.
أخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: لما ركب نوح عليه السلام في السفينة فجرت به فخاف فجعل ينادي: إلا ها اتقن قال يا الله أحسن). [الدر المنثور: 8/66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {بسم الله مجراها ومرساها} قال: حين يركبون ويجرون ويرسون). [الدر المنثور: 8/66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كان إذا أراد أن ترسي قال: بسم الله، فأرست وإذا أراد أن تجري قال: بسم الله، فجرت). [الدر المنثور: 8/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ {مجراها ومرساها}). [الدر المنثور: 8/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى والطبراني، وابن السني، وابن عدي وأبو الشيخ، وابن مردويه عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا: بسم الله الملك الرحمن {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} وما قدروا الله حق قدره إلى آخر الآية). [الدر المنثور: 8/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا: بسم الله (وما قدروا الله حق قدره) (سورة الأنعام الآية 91) الآية {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} ). [الدر المنثور: 8/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في الثواب عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه ما من رجل يقول إذا ركب السفينة: بسم الله الملك الرحمن {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} {وما قدروا الله حق قدره} سورة الأنعام الآية 91 الآية إلا أعطاه الله أمانا من الغرق حتى يخرج منها). [الدر المنثور: 8/68]

تفسير قوله تعالى: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرنا عبد الله بن عياش: قال: أبو صخر عن أبي معاوية البجليّ عن سعيد بن جبيرٍ أنّه جاء إليه رجلٌ فسأله، فقال: أرأيتك ابن نوح أمنه، فسبح طويلا، ثم قال: لا إله إلا الله، يحدث الله محمدا: {ونادى نوحٌ ابنه}، وتقول ليس منه، ولكنه خالفه في العمل، فليس منه من لم يؤمن.
قال أبو معاوية: فسألته عن ذلك ما كانت خيانة امرأة لوط وامرأة نوح، فقال: أما امرأة لوط فكانت تدل على الأضياف، وأما امرأة نوح فلا علم لي بها). [الجامع في علوم القرآن: 2/72-73]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة قال كنت عند الحسن فقال {ونادى نوح ابنه} لعمر الله ما هو ابنه قال قلت يا أبا سعيد يقول الله تعالى {ونادى نوح ابنه} وتقول ليس بابنه قال أقرأت قوله {إنه ليس من أهلك} قال قلت إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه قال إن أهل الكتاب يكذبون). [تفسير عبد الرزاق: 1/306-307]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي عامرٍ عن الضّحّاك عن ابن عباس في قوله: {ونادى نوح ابنه} قال: هو ابنه ما بغت امرأة نبي قط [الآية: 42]). [تفسير الثوري: 130]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال ونادى نوحٌ ابنه وكان في معزلٍ يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مّع الكافرين}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وهي تجري بهم} والفلك تجري بنوحٍ ومن معه فيها {في موجٍ كالجبال ونادى نوحٌ ابنه} يام {وكان في معزلٍ} عنه لم يركب معه الفلك: {يا بنيّ اركب معنا} الفلك {ولا تكن مع الكافرين}). [جامع البيان: 12/416]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال ونادى نوحٌ ابنه وكان في معزلٍ يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (42)
قوله تعالى: وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال
- حدّثنا عليّ بن الحسين أبو الجماهر، ثنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن لهيعة، عن خالد، بن يزيد، عن سعيد، بن أبي هلالٍ، عن أبي سهلٍ، عن تبيعٍ أنّه قال لما استنقذ من في الأصلاب والأرحام من المؤمنين والكافرين أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى نوحٍ أن لو كنت أريد أن أرحم من قومك أحدًا إذًا لرحمت المرأة وولدها، فهاجت به الفلك ما بين المشرق والمغرب فمرّت بالطّور فنقرت على الجبل.
قوله تعالى: ونادى نوحٌ ابنه وكان في معزل
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن قتادة، وغيره، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: ونادى نوحٌ ابنه قال: ابنه غير أنّه خالفه في العمل والنّيّة.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق، ثنا الثّوريّ، عن أبي عامرٍ الهمدانيّ، عن الضّحّاك، بن مزاحمٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ما بعث امرأة نبيٍّ قطّ،
وروي عن عكرمة، ومجاهدٍ وسعيد، بن جبيرٍ والضّحّاك، أنّه ابنه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ، الأشجّ، ثنا عقبة بن خالدٍ، ثنا إسرائيل، عن جابرٍ، عن محمّد بن عليٍّ: ونادى نوحٌ ابنه قال: يعني بلغة طيّئٍ. ابن امرأته.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا خليدٌ وسعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن قال: ليس بابنه.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا عليّ بن ثابتٍ الجزريّ، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجّاج الكلابيّ في قول اللّه: ونادى نوحٌ ابنه قال: ولد على فراشه.
- حدّثنا أبي ثنا عبد الحميد المعنيّ، ثنا أبو زيدٍ عبد الرّحمن بن مصعبٍ المعنيّ، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قال: كلّ نبيٍّ أبو أمّته.
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيدٌ، قال: قال، عن قتادة، كان اسم ابن نوحٍ الّذي غرق كنعان.
قوله تعالى: يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال نادى نوحٌ الغلام وكان قد ولد على فراشه وكان نوحٌ ظنّ أنّه ابنه فناداه نوحٌ يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ولا يعلم نوحٌ إلا أنّه ابنه وكان ولده وكان كافرًا). [تفسير القرآن العظيم: 6/2034-2035]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 42 - 43.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: كان اسم ابن نوح الذي غرق كنعان). [الدر المنثور: 8/68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هو ابنه غير أنه خالفه في النية والعمل،، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه في قوله {ونادى نوح ابنه} قال: هي بلغة طيئ لم يكن ابنه وكان ابن امرأته). [الدر المنثور: 8/68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري في المصاحف وأبو الشيخ عن علي رضي الله عنه أنه قرأ ونادى نوح ابنها). [الدر المنثور: 8/69]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني شبيبٌ عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لو رحم اللّه من قوم نوحٍ أحدًا لرحم امرأةً، لمّا رأت الماء حملت ولدها، ثمّ صعدت الجبل، فلمّا بلغها الماء صعدت به على منكبيها، فلمّا بلغ الماء منكبيها وضعت ولدها على رأسها، فلمّا بلغ الماء رأسها رفعت ولدها بيديها، فلو رحم اللّه منهم أحدًا لرحم هذه المرأة). [الجامع في علوم القرآن: 1/40]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلاّ من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}.
يقول تعالى ذكره: قال ابن نوحٍ لمّا دعاه نوحٌ إلى أن يركب معه السّفينة خوفًا عليه من الغرق: {سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء} يقول: سأصير إلى جبلٍ أتحصّن به من الماء. فيمنعني منه أن يغرقني. ويعني بقوله: {يعصمني} يمنعني، مثل عصام القربة الّذي يشدّ به رأسها، فيمنع الماء أن يسيل منها.
وقوله: {لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلاّ من رحم} يقول: لا مانع اليوم من أمر اللّه الّذي قد نزل بالخلق من الغرق، والهلاك إلاّ من رحمنا، فأنقذنا منه، فإنّه الّذي يمنع من شاء من خلقه ويعصم.
فـ (من) في موضع رفعٍ، لأنّ معنى الكلام: لا عاصم يعصم اليوم من أمر اللّه إلاّ اللّه.
وقد اختلف أهل العربيّة في موضع من في هذا الموضع، فقال بعض نحويّي الكوفة: هو في موضع نصبٍ، لأنّ المعصوم بخلاف العاصم، والمرحوم معصوم؛ قال: كأنّ نصبه بمنزلة قوله: {ما لهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ} قال: ومن استجاز اتّباع الظّنّ والرّفع في قوله:
وبلدةٌ ليس بها أنيسٌ = إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
لم يجز له الرّفع في من، لأنّ الّذي قال: إلاّ اليعافير، جعل أنيس البرّ اليعافير وما أشبهها، وكذلك قوله: {إلاّ اتّباع الظّنّ} يقول علمهم ظنٌّ. قال: وأنت لا يجوز لك في وجهٍ أن تقول: المعصوم هو عاصمٌ في حالٍ، ولكن لو جعلت العاصم في تأويل معصومٍ، لا معصوم اليوم من أمر اللّه، لجاز رفع من. قال: ولا ينكر أن يخرج المفعول على فاعلٍ، ألا ترى قوله: {من ماءٍ دافقٍ} معناه واللّه أعلم مدفوقٍ؟ وقوله: {في عيشةٍ راضيةٍ} معناها: مرضيّةٍ؟ قال الشّاعر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها = واقعد فإنّك أنت الطّاعم الكاسي
ومعناه: المكسوّ.
وقال بعض نحويّي البصرة: {لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلاّ من رحم} على: لكن من رحم، ويجوز أن يكون على: لا ذا عصمة: أي معصومٍ، ويكون إلاّ من رحم رفعًا بدلاً من العاصم.
ولا وجه لهذه الأقوال الّتي حكيناها عن هؤلاء، لأنّ كلام اللّه تعالى إنّما يوجّه إلى الأفصح الأشهر من كلام من نزل بلسانه ما وجد إلى ذلك سبيلٌ، ولم يضطرّنا شيءٌ إلى أن نجعل عاصمًا في معنى معصومٍ، ولا أن نجعل إلاّ بمعنى لكن، إذ كنّا نجد لذلك في معناه الّذي هو معناه في المشهور من كلام العرب مخرجًا صحيحًا، وهو ما قلنا من أنّ معنى ذلك: قال نوحٌ: لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلاّ من رحمنا فأنجانا من عذابه، كما يقال: لا منجي اليوم من عذاب اللّه إلاّ اللّه، ولا مطعم اليوم من طعام زيدٍ إلاّ زيدٌ. فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم.
وقوله: {وحال بينهما الموج فكان من المغرقين} يقول: وحال بين نوحٍ وابنه موج الماء، فغرق، فكان ممّن أهلكه اللّه بالغرق من قوم نوحٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 12/416-418]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلّا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (43)
قوله تعالى: قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد بن آدم، ثنا أبي ثنا أبو شيبة، عن عطاءٍ الخراسانيّ في قوله: سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء يقول: الجبل يعصمني.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، إذا كان فظنّ أنّ ذلك لمّا كان يكون قوله تعالى: لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم.
- حدّثنا أبو عبد اللّه الطّبرانيّ، ثنا حفص بن عمر العدنيّ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم قال: لا ناجٍ إلا أهل السّفينة.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء فقال نوحٌ: لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم ففتح اللّه عليه السّماء.
قوله تعالى: وحال بينهما الموج
- حدّثنا أبي، ثنا سليمان بن عبد الجبّار، ثنا أبو عاصم، عن المثنى ابن الصّبّاح، عن القسم بن أبي مرّة وحال بينهما الموج قال: بين نوحٍ وبين الجبل.
قوله تعالى: فكان من المغرقين
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن غياثٍ، ثنا حفص بن عثمان، عن الأعمش، عن مجاهدٍ قال لمّا أصاب قوم نوحٍ الغرق قال: قام الماء على رأس كلّ جبلٍ خمسة عشرة رأسًا قال: أصاب الغرق امرأةً فيمن أصاب لها صبيّ فوضعته على صدرها فلمّا بلغها الماء وضعته على منكبيها فلمّا بلغها الماء وضعته على يديها قال: فقال تبارك وتعالى: لو رحمت أحدًا من أهل الأرض لرحمتها.
- حدّثنا أبي، ثنا نصر بن عليٍّ، ثنا نوح بن قيسٍ، عن عون بن أبي شراد قال: غرق الماء الجبال فوقها ثمانين ميلا). [تفسير القرآن العظيم: 6/2035-2036]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} قال: لا ناج إلا أهل السفينة). [الدر المنثور: 8/69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن القاسم بن أبي بزة في قوله {وحال بينهما الموج} قال: بين ابن نوح والجبل). [الدر المنثور: 8/69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق). [الدر المنثور: 8/69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن حميد بن هلال قال: جعل نوح لرجل من قومه جعلا على أن يعينه على عمل السفينة فعمل معه حتى إذا فرغ قال له نوح: خير أي ذلك شئت إما أن أوفيك أجرك وإما أن نوقيك من القوم الظالمين، قال: حتى أستأمر قومي، فاستأمر قومه فقالوا له: اذهب إلى أجرك فخذه، فأتاه فقال: أجري، فوفاه أجره، فأقبل: فما أخذ جاوز ذلك الرجل إلى حيث ينظر إليه حتى أمر الله الماء بما أمره به فأقبل ذلك الرجل يخوض الماء فقال: خذ الذي جعلت لي، قال: لك ما رضيت به، فغرق فيمن غرق). [الدر المنثور: 8/69-70]

تفسير قوله تعالى: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {الجوديّ} [هود: 44] : «جبلٌ بالجزيرة»). [صحيح البخاري: 6/72]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة). [فتح الباري: 8/349]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ الجوديّ جبلٌ بالجزيرة
أشار به إلى قوله تعالى: {واستوت على الجودي} (هود: 44) أي: استوت سفينة نوح، عليه الصّلاة والسّلام، على الجودي، وهو جبل بالجزيرة، تشامخت الجبال يومئذٍ وتطاولت وتواضع الجودي لله عز وجل، فلم يغرق، فأرسيت عليه السّفينة. وقيل: إن الجودي جبل بالموصل، وقيل: بآمدوهما من الجزيرة، وقال: أكرم الله عز وجل، ثلاثة جبال بثلاثة أنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، حراء بمحمد صلى الله عليه وسلم: والجودي بنوح، عليه الصّلاة والسّلام، والطور بموسى، عليه الصّلاة والسّلام). [عمدة القاري: 18/288]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) في قوله جل وعز: {واستوت على ({الجوديّ}) [هود: 44] (الجوديّ جبل بالجزيرة) التي بين دجلة والفرات قرب الموصل تشامخت الجبال يومئذٍ من الغرق وتطاولت وتواضع هو لله عز وجل فلم يغرق. وقال قتادة: استوت عليه شهرًا يعني حتى نزلوا منها). [إرشاد الساري: 7/167]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: {أقلعي} [هود: 44] : «أمسكي»). [صحيح البخاري: 6/72]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقال الحسن إنّك لأنت الحليم الرّشيد يستهزئون به وقال ابن عبّاس اقلعي أمسكى وفار التّنور نبع الماء وقال عكرمة وجه الأرض تقدم جميع ذلك في أحاديث الأنبياء وسقط هنا لأبي ذر). [فتح الباري: 8/349] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال أبو ميسرة الأواه الرّحيم بالحبشية وقال ابن عبّاس بادي الرّأي ما ظهر لنا وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة وقال الحسن إنّك لأنت الحليم الرشيد يستهزؤون به وقال ابن عبّاس اقلعي امسكي
أما قول أبي ميسرة فتقدم في أحاديث الأنبياء وكذا قول ابن عبّاس ومجاهد والحسن وكذا قول ابن عبّاس أقلعي أمسكي). [تغليق التعليق: 4/225] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ أقلعي أمسكي
أشار به إلى قوله تعالى: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي} (هود: 40) رواه أبو محمّد عن أبيه عن أبي صالح حدثنا معاوية عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس). [عمدة القاري: 18/288]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال ابن عباس {أقلعي} أمسكي) عن المطر). [إرشاد الساري: 7/167]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: كان كلام بني كنانة لا يتحوّل ولا يدخل قال: فلمّا دخل عليهم النّاس وخالطوهم ودخل عليهم العجم فتكلّموا بكلام من دخل عليهم، خوطبوا بما تكلّموا به من ذلك الكلام الّذي ليس من كلامهم قال: فأتت واحدةٌ في القرآن: {يا أرض ابلعي ماءك} وليس من كلام قريشٍ: ابلعي، وأشياء من كلام الأعاجم ليس من كلامهم). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 49]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدًا للقوم الظّالمين}.
يقول اللّه تعالى ذكره: وقال اللّه للأرض بعد ما تناهى أمره في هلاك قوم نوحٍ بما أهلكهم به من الغرق: {يا أرض ابلعي ماءك} أي تشرّبي، من قول القائل: بلع فلانٌ كذا يبلعه، أو بلعه يبلعه إذا إزدرده. {ويا سماء أقلعي} يقول: أقلعي عن المطر: أمسكي. {وغيض الماء} ذهبت به الأرض ونشّفته. {وقضي الأمر} يقول: قضي أمر اللّه، فمضى بهلاك قوم نوحٍ. {واستوت على الجوديّ} يعني الفلك. استوت: أرست على الجوديّ، وهو جبلٌ فيما ذكر بناحية الموصل أو الجزيرة. {وقيل بعدًا للقوم الظّالمين} يقول: قال اللّه: أبعد اللّه القوم الظّالمين الّذين كفروا باللّه من قوم نوحٍ.
- حدّثنا عبّاد بن يعقوب الأسديّ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن عثمان بن مطرٍ، عن عبد الغفور بن عبد العزيز، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: في أوّل يومٍ من رجبٍ ركب نوحٌ السّفينة، فصام هو وجميع من معه، وجرت بهم السّفينة ستّة أشهرٍ، فانتهى ذلك إلى المحرّم، فأرست السّفينة على الجوديّ يوم عاشوراء، فصام نوحٌ وأمر جميع من معه من الوحش والدّوابّ فصاموا شكرًا للّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: كانت السّفينة أعلاها للطّير، ووسطها للنّاس، وفي أسفلها السّباع، وكان طولها في السّماء ثلاثين ذراعًا، دفعت من عين وردةٍ يوم الجمعة لعشرٍ ليالٍ مضين من رجبٍ، وأرست على الجوديّ يوم عاشوراء، ومرّت بالبيت فطافت به سبعًا، وقد رفعه اللّه من الغرق، ثمّ جاءت اليمن، ثمّ رجعت.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن قتادة، قال: هبط نوحٌ من السّفينة يوم العاشر من المحرّم، فقال لمن معه: من كان منكم اليوم صائمًا، فليتمّ صومه، ومن كان مفطرًا فليصم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ، قال: كان في زمن نوحٍ شبرٌ من الأرض لا إنسان يدّعيه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّها يعني الفلك استقلّت بهم في عشرٍ خلون من رجبٍ، وكانت في الماء خمسين ومئة يومٍ، واستقرّت على الجوديّ شهرًا، وأهبط بهم في عشرٍ من المحرّم يوم عاشوراء.
وبنحو ما قلنا في تأويل قوله: {وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وغيض الماء} قال: نقص. {وقضي الأمر} قال: هلاك قوم نوحٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
قال: قال ابن جريجٍ {وغيض الماء} نشّفته الأرض.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثنا معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ويا سماء أقلعي} يقول: أمسكي {وغيض الماء} يقول: ذهب الماء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وغيض الماء} الغيوض: ذهاب الماء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {واستوت على الجوديّ} قال: جبلٌ بالجزيرة، تشامخت الجبال من الغرق، وتواضع هو للّه فلم يغرق، وأرسيت عليه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {واستوت على الجوديّ} قال: الجوديّ جبلٌ بالجزيرة، تشامخت الجبال يومئذٍ من الغرق وتطاولت، وتواضع هو للّه فلم يغرق، وأرسيت سفينة نوحٍ عليه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {واستوت على الجوديّ} يقول: على الجبل، واسمه الجوديّ.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان: {واستوت على الجوديّ} قال: جبلٌ بالجزيرة شمخت الجبال وتواضع حين أرادت أن ترفأ عليه سفينة نوحٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {واستوت على الجوديّ} أبقاها اللّه لنا بوادي أرض الجزيرة عبرةً وآيةً.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: {واستوت على الجوديّ} هو جبلٌ بالموصل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ نوحًا بعث الغراب لينظر إلى الماء، فوجد جيفةً فوقع عليها، فبعث الحمامة، فأتته بورق الزّيتون، فأعطيت الطّوق الّذي في عنقها، وخضاب رجليها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لمّا أراد اللّه أن يكفّ ذلك يعني الطّوفان أرسل ريحًا على وجه الأرض، فسكن الماء، واستدّت ينابيع الأرض الغمر الأكبر، وأبواب السّماء؛ يقول اللّه تعالى: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي} إلى: {بعدًا للقوم الظّالمين} فجعل ينقص ويغيض ويدبر.
وكان استواء الفلك على الجوديّ فيما يزعم أهل التّوراة في الشّهر السّابع لسبع عشرة ليلةً مضت منه، في أوّل يومٍ من الشّهر العاشر، رئي رءوس الجبال. فلمّا مضى بعد ذلك أربعون يومًا، فتح نوحٌ كوّة الفلك الّتي صنع فيها، ثمّ أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه، فأرسل الحمامة فرجعت إليه، ولم يجد لرجليها موضعًا، فبسط يده للحمامة فأخذها، ثمّ مكث سبعة أيّامٍ، ثمّ أرسلها لتنظر له، فرجعت حين أمست، وفي فيها ورق زيتونةٍ، فعلم نوحٌ أنّ الماء قد قلّ عن وجه الأرض. ثمّ مكث سبعة أيّامٍ، ثمّ أرسلها فلم ترجع، فعلم نوحٌ أنّ الأرض قد برزت، فلمّا كملت السّنّة فيما بين أن أرسل اللّه الطّوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ودخل يومٌ واحدٌ من الشّهر الأوّل من سنة اثنتين برز وجه الأرض، فظهر اليبس، وكشف نوحٌ غطاء الفلك، ورأى وجه الأرض. وفي الشّهر الثّاني من سنة اثنتين في سبعٍ وعشرين ليلةً منه قيل لنوحٍ: {اهبط بسلامٍ منّا وبركاتٍ عليك وعلى أممٍ ممّن معك وأممٌ سنمتّعهم ثمّ يمسّهم منّا عذابٌ أليمٌ}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: تزعم أناسٌ أنّ من غرق من الولدان مع آبائهم، وليس كذلك، إنّما الولدان بمنزلة الطّير وسائر من أغرق اللّه بغير ذنبٍ، ولكن حضرت آجالهم فماتوا لآجالهم، والمدركون من الرّجال والنّساء كان الغرق عقوبةً من اللّه لهم في الدّنيا، ثمّ مصيرهم إلى النّار). [جامع البيان: 12/419-424]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدًا للقوم الظّالمين (44)
قوله تعالى: وقيل يا أرض ابلعي ماءك
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبّادٍ المزنيّ، ثنا عبد اللّه بن سنانٍ، عن نوح بن المختار، عن أبي سعيدٍ، (وغيض) قال خرجت أريد أن أشرب ماءً فمررت بالفرات فإذا الحسن والحسين فقالا: يا أبا سعيدٍ، أين تريد قلت: أشرب ماء المرّ قال لا تشرب ماء المرّ فإنّه لمّا كان زمن الطّوفان أمر اللّه الأرض أن تبلع ماءها وأمر السّماء أن تقلع فاستعصى على بعض البقاع فلعنه فصار ماؤه مرّا وترابه سبخًا لا ينبت شيئًا.
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ قال: سمعت وهب بن منبّهٍ وقيل يا أرض ابلعي ماءك يقول بالحبشيّة: ازرديه.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة، قوله: يا أرض ابلعي ماءك يقول: ابلعي ما كان عليك.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ويا سماء أقلعي يقول اسكني وروي عن قتادة، نحو ذلك.
قوله تعالى: وغيض الماء
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: وغيض الماء يقول: ذهب الماء وروي عن قتادة، نحو ذلك.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وغيض الماء: نقص وروي، عن عطاءٍ الخراسانيّ مثله.
قوله تعالى: وقضي الأمر
- وبه عن مجاهدٍ قوله: وقضي الأمر قال: هلك قوم نوحٍ.
قوله تعالى: واستوت على الجوديّ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا خليدٌ، عن قتادة يعني قوله: واستوت على الجوديّ: فاستقرّت على الجوديّ شهرًا.
قوله تعالى: الجوديّ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ واستوت على الجوديّ قوله: الجوديّ: جبلٌ بالجزيرة تشامخت الجبال يومئذٍ من الغرق وتطاولت وتواضع هو للّه فلم يغرق وأرست عليه سفينة نوحٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيبٌ، ثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة، واستوت على الجوديّ أبقاها اللّه من أرض الجزيرة عبروا به حتّى رآها أوائل هذه الآية: وكم من سفينةٍ قد كانت بعدها، فهلكت بعدها وصارت رمزًا.
- حدّثنا أبي ثنا محمود بن خالدٍ، ثنا الوليد حدّثني ابن جابرٍ وعبد الرّحمن بن ثابت بن ثوبان، عن عمر بن هاني العيسى أنّه حدّثه أنّ شيوخًا من عبسٍ أنّهم حدّثوه إنّهم لمّا كانوا بصفّين أتوا الجوديّ ينظرون إلى موضع السّفينة فيه.
- أخبرنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر فيما كتب إليّ، ثنا وهب بن جريرٍ، ثنا أبي عن عليّ بن الحكم، عن الضّحّاك، وأمّا قوله: الجوديّ فجبلٌ بالموصل.
- حدّثنا عمّارٌ، ثنا سهل بن بكّارٍ وسليمان بن حرب قال، ثنا أبا داود بن الفرات، عن عليّ بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان مع نوحٍ في السّفينة ثمانون رجلا، معهم أهلوهم وأنّهم كانوا في السّفينة مائةً وخمسين يومًا، وأنّ اللّه وجّه السّفينة إلى مكّة فزارت البيت أربعين يومًا ثمّ وجّهها اللّه إلى الجوديّ فاستقرّت عليه فبعث نوح الغراب ليأتيه بخبر الأرض فذهب فوقع إلى الجيف يعني فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزّيتون ولطّخت رجليها بالطّين فعرف نوحٌ أنّ الماء قد نضب فهبط إلى أسفل الجوديّ فأتى قريةً وسمّاها ثمانين فأصبحوا ذات يومٍ وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغةً أحدها اللّسان العربيّ فكان بعضهم لا يفقه كلام بعضٍ وكان نوحٌ يعبّر عنهم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو يوسف الصيد فاني محمّد بن أحمد بن الحجّاج، ثنا مطرّفٌ، ثنا المنذر بن النّعمان، سمعت وهب بن منبّهٍ يقول: إنّ نوحًا عليه السّلام لمّا ركب في السّفينة فلمّا أتى الجوديّ وهو جبلٌ بالجزيرة أرست عليه فأصاب جؤجؤها الجبل فأرست فكشفنا غطاءها فطلعت الشّمس فبعث الغراب والحمامة يأتيانه بالخبر فأتته الحمامة بمقدارٍ من الماء إلى ركبتيها فدعا لها قال: فتلك الحمرة في رجليها من ذلك قال واحتبس الغراب على جيفةٍ يأكل منها ثمّ أخذ نوحٌ من قضبانٍ كان في السّفينة من العنب فأغرس فنبت وأثمر ونضج من ساعته فعصر منه فشرب ثمّ نام في الشّمس فتكشّف وأتيا سامٌ ويافث بشيءٍ يستران عليه، وضحك حامٌ ومشيا القهقريّ على أدبارهما فانتبه نوحٌ من نومه فأوحي إليه ما كان من أمرهما فدعا لسامٍ ويافث أن يكون النّبوّة والعزّ في أولادهما ودعا أن يكون السّواد والعبودة في ولد حامٍ.
قوله تعالى: وقيل بعدًا للقوم الظّالمين
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيان، قوله: الظالمين يعني: المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 6/2036-2038]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وغيض الماء يعني نقص الماء). [تفسير مجاهد: 2/304]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقضي الأمر يقول قضي هلاك قوم نوح). [تفسير مجاهد: 2/304]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله الجودي جبل في الجزيرة تشامخت الجبال منه يومئذ من الغرق وتواضع الجودي لله فلم يغرق وأرست عليه سفينة نوح عليه السلام). [تفسير مجاهد: 2/304]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 44.
أخرج ابن سعد، وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان للمك يوم ولد نوح اثنان وثمانون سنة ولم يكن أحد في ذلك الزمان ينتهي عن منكر فبعث الله نوحا إليهم وهو ابن أربعمائة سنة وثمانين سنة ثم دعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة ثم أمره بصنعة السفينة فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة وغرق من غرق ثم مكث بعد السفينة ثلاثمائة وخمسين سنة فولد نوح سام وفي ولده بياض وأدمة وحام وفي ولده سواد وبياض ويافث وفيهم الشقرة والحمرة وكنعان وهو الذي غرق والعرب تسمية بام وأم هؤلاء واحدة وبجل فود نجر نوح السفينة، ومن ثم بدأ الطوفان فركب نوح السفينة معه بنوه هؤلاء ونساء بنيه هؤلاء وثلاثة وسبعون من بني شيث ممن آمن به فكانوا ثمانين في السفينة وحمل معه من كل زوجين اثنين وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع بذراع جد أبي نوح وعرضها خمسين ذراعا وطولها في السماء ثلاثين ذراعا وخرج منها من الماء ستة أذرع وكانت مطبقة وجعل لها ثلاثة أبواب بعضها أسفل من بعض فأرسل الله المطر أربعين يوما فأقبلت الوحش حين أصابها المطر والدواب والطير كلها إلى نوح وسخرت له فحمل منها كما أمره الله من كل زوجين اثنين وحمل معه جسد آدم عليه السلام فجعل حاجزا بين النساء والرجال فركبوا فيها لعشر مضين من رجب وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم فلذلك صام من صام يوم عاشوراء وخرج الماء مثل ذلك نصفين نصف من السماء ونصف من الأرض فذلك قول الله (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) (سورة القمر آية 11) يقول: منصب (وفجرنا الأرض عيونا) (سورة القمر آية 12) يقول: شققنا الأرض فالتقى الماء (على أمر قد قدر) (سورة القمر 12) وارتفع الماء على أطول جبل في الأرض خمسة عشر ذراعا فسارت بهم السفينة فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر على شيء حتى أتت الحرم فلم تدخله ودارت بالحرم أسبوعا ورفع البيت الذي بناه آدم عليه السلام رفع من الغرق وهو البيت المعمور والحجر الأسود على أبي قبيس، فلما دارت بالحرم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى الجودي وهو جبل بالحضين من أرض الموصل فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السنة فقيل بعد الستة أشهر: بعدا للقوم الظالمين فلما استوت على الجودي قيل: {يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي} يقول: احبسي ماءك {وغيض الماء} نشفته الأرض فصار ما نزل من السماء هذه البخور التي ترون في الأرض فآخر ماء بقي في الأرض من الطوفان ماء يحسى بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان ثم ذهب فهبط نوح عليه السلام إلى قرية فبنى كل رجل منهم بيتا فسميت سوق الثمانين فغرق بنو قابيل كلهم وما بين نوح إلى آدم من الآباء كانوا على الإسلام ودعا نوح على الأسد أن يلقى عليه الحمى [ و] للحمامة بالإنس وللغراب بشقاء المعيشة وتزوج نوح امرأة من بني قابيل فولدت له غلاما سماه يوناطن فلما ضاقت بهم سوق الثمانين تحولوا إلى بابل فبنوها وهي بين الفرات والصراة فمكثوا بها حتى بلغوا مائة ألف وهم على الإسلام ولما خرج نوح من السفينة دفن آدم عليه السلام ببيت المقدس). [الدر المنثور: 8/70-72]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال: بعث نوح عليه السلام الحمامة فجاءت بورق الزيتون فأعطيت الطوق الذي في عنقها وخضاب رجليها). [الدر المنثور: 8/72]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد رضي الله عنه قال خرجت أريد أن أشرب ماء المر قال: لا تشرب ماء المر فإنه لما كان زمن الطوفان أمر الله الأرض أن تبلع ماءها وأمر السماء أن تقلع فاستعصى عليه بعض البقاع فلعنه فصار ماؤه مرا وترابه سبخا لا ينبت شيئا). [الدر المنثور: 8/73]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه قال: لما أمرت الأرض أن تغيض الماء غاضت الأرض ما خلا أرض الكوفة فلعنت فسائر الأرض تكون على نورين وأرض الكوفة على أربع). [الدر المنثور: 8/73]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عكرمة {يا أرض ابلعي} قال: هو بالحبشة). [الدر المنثور: 8/73]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه رضي الله عنه {وقيل يا أرض ابلعي ماءك} بالحبشية قال: ازرديه). [الدر المنثور: 8/73]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله {يا أرض ابلعي ماءك} قال: اشربي بلغة الهند). [الدر المنثور: 8/73-74]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ويا سماء أقلعي} قال: أمسكي {وغيض الماء} قال: ذهب). [الدر المنثور: 8/74]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وغيض الماء} قال: نغض {وقضي الأمر} قال: هلاك قوم نوح، أما قوله تعالى: {واستوت على الجودي}). [الدر المنثور: 8/74]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أحمد وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء فقال: ما هذا الصوم فقالوا: هذا اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق وأغرق فيه فرعون وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى عليهما السلام شكرا لله، فقال صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم فصامه وأمر أصحابه بالصوم). [الدر المنثور: 8/74]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن عبد العزيز بن عبد الغفور عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في أول يوم من رجب ركب نوح السفينة فصام هو وجميع من معه وجرت بهم السفينة ستة أشهر فانتهى ذلك إلى المحرم فأرست السفينة على الجودي يوم عاشوراء فصام نوح وأمر جميع من معه من الوحش والدواب فصاموا شكرا لله تعالى). [الدر المنثور: 8/74-75]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يوم عاشوراء اليوم الذي تاب الله فيه على آدم واليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي واليوم الذي فرق الله فيه البحر لبني إسرائيل واليوم الذي ولد فيه عيسى صيامه يعدل سنة مبرورة). [الدر المنثور: 8/75]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما استقرت السفينة على الجودي لبث ما شاء الله ثم إنه أذن له فهبط على الجبل فدعا الغراب فقال: ائتني بخبر الأرض فانحدر الغراب وفيها الغرقى من قوم نوح فأبطأ عليه فلعنه ودعا الحمامة فوقع على كف نوح فقال: اهبطي فائتيني بخبر الأرض فانحدر فلم يلبث إلا قليلا حتى جاء ينفض ريشه في منقاره فقال: اهبط فقد أبينت الأرض، قال نوح: بارك الله فيك وفي بيت يؤويك وحببك إلى الناس لولا أن يغلبك الناس على نفسك لدعوت الله أن يجعل رأسك من ذهب). [الدر المنثور: 8/75]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: الجودي جبل بالجزيرة تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت وتواضع هو لله تعالى فلم يغرق وأرسلت عليه سفينة نوح). [الدر المنثور: 8/76]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن عطاء قال: بلغني أن الجبل تشامخ في السماء إلا الجودي فعرف أن أمر الله سيدركه فسكن، قال: وبلغني أن الله تعالى استخبا أبا قبيس الركن الأسود). [الدر المنثور: 8/76]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال: الجودي جبل بالموصل). [الدر المنثور: 8/76]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال: أبقاها الله بالجودي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى رآها أوئل هذه الأمة كم من سفينة قد كانت بعدها فهلكت). [الدر المنثور: 8/76]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 05:45 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقال اركبوا فيها بسم اللّه...}
إن شئت جعلت {مجرها ومرساها} في موضع رفع بالياء؛ كما تقول: إجراؤها وإرساؤها بسم الله وبأمر الله. وإن شئت جعلت (بسم الله) ابتداء مكتفياً بنفسه، كقول القائل عند الذبيحة أو عند ابتداء المأكل وشبهه: بسم الله ويكون {مجريها ومرسيها} في موضع نصب يريد بسم الله في مجراها وفي مرساها. وسمعت العرب تقول: الحمد لله سرارك وإهلالك،
وسمع منهم الحمد لله ما إهلالك إلى سرارك يريدون ما بين إهلالك إلى سرارك.
والمجرى والمرسى ترفع ميميهما قرأ بذلك إبراهيم النخعيّ والحسن وأهل المدينة...
- حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق أنه قرأها (مجراها) بفتح الميم
و(مرسها) بضم الميم...
- حدثنا أبو معاوية وغيره عن الأعمش عن رجل قد سمّاه عن عرفجة أنه سمع عبد الله بن مسعود قرأها (مجراها) بفتح الميم ورفع الميم من مرسيها.
وقرأ مجاهد (مجريها ومرسيها) يجعله من صفات الله عزّ وجلّ، فيكون في موضع خفض في الإعراب لأنه معرفة. ويكون نصباً لأن مثله قد يكون نكرة لحسن الألف واللام فيهما؛
ألا ترى أنك تقول في الكلام: بسم الله المجريها والمرسيها. فإذا نزعت منه الألف واللام نصبته.
ويدلّك على نكرته قوله: {هذا عارضٌ ممطرنا} وقوله: {فلمّا رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم} فأضافوه إلى معرفة، وجعلوه نعتاً لنكرة.
وقال الشاعر:
يا ربّ عابطنا لو كان يأملكم =لاقى مباعدةً منكم وحرمانا
وقول الآخر:
ويا رب هاجي منقرٍ يبتغي به =ليكرم لمّا أعوزته المكارم
وسمع الكسائيّ أعرابيّا يقول بعد الفطر: ربّ صائمه لن يصومه وقائمه لن يقومه). [معاني القرآن: 2/14-15]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {بسم الله مجراها} أي مسيرها وهي من جرت بهم، ومن قال: مجراها جعله من أجريتها أنا،
قال لبيد:
وعمرت حرساً قبل مجرى داحسٍ= لو كان للنفس اللّجوج خلود
قوله: حرساً يعني دهراً؛ ويقال: مجرى داحس.
{ومرساها} أي وقفها وهو مصدر أرسيتها أنا). [مجاز القرآن: 1/289]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجرياها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رّحيمٌ}
[وقال] {وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجرياها ومرساها} إذا جعلت من "أجريت" و"أرسيت" وقال بعضهم (مجراها ومرساها) إذا جعلت من "جريت" وقال بعضهم (مجريها ومرسيها)
لأنه أراد أن يجعل ذلك صفة لله عز وجل). [معاني القرآن: 2/41]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {بسم الله مجراها ومرساها} من أجراها وأرساها.
والأعمش "مجراها ومرساها" من جرت هي، ورست ترسوا.
ابن مسعود {مجراها ومرساها} يفتح الأولى ويضم الثانية.
أبو رجاء ومسلم بن جندب "مجريها ومرسيها"؛ كأنه قال: الله أجراها وأرساها، وهو مجريها ومرسيها؛ والرواسي من ذلك، والواحد راس.
وقال عنترة:
فصبرت نفسا عند ذلك حرة = ترسو إذا نفس الجبان تطلع). [معاني القرآن لقطرب: 672]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({مجراها}: مسيرها. {ومرساها} حيث ترسي وترسو أيضا. أي تقف). [تفسير غريب القرآن: 204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفور رحيم} أي باللّه تجري، وبه تستقرّ.
ومعنى قلنا باسم اللّه أي باللّه.
وقد قرئت على وجوه، قرئت مجراها بفتح الميم، ومرساها بضم الميم. وقرئت مجراها ومرساها بضم الميمين جميعا. ويجوز مجراها ومرساها، وكل صواب حسن.
فأما من قرأ مجراها بفتح الميم، فالمعنى جريها ومرساها المعنى وباللّه يقع إرساؤها، أي إقرارها.
ومن قرأ مجراها ومرساها. فمعنى ذلك باللّه إجراؤها وباللّه إرساؤها يقال: أجريته مجرى وإجراء في معنى واحد.
ومن قال مجراها ومرساها، فهو على جرت جريا ومجرى، ورست رسوّا ومرسى.
والمرسى مستقرها.
والمعنى أن الله جلّ وعزّ أمرهم أن يسمّوا في وقت جريها ووقت استقرارها.
ومرساها في موضع جر على الصفة للّه جلّ وعزّ.
ويجوز فيه شيء لم يقرأ به ولا ينبغي أن يقرأ به لأن القراءة سنة متبعة:
باسم اللّه مجريها علي وجهين:
أحدهما الحال، المعنى مجريا لها ومرسيا لها.
كما تقول مررت بزيد ضاربها على الحال.
ويجوز أن يكون منصوبا على المدح، أعني مجريها ومرسيها.
ويجوز أن يكون مجريها ومرسيها في موضع رفع على إضمار هو مجريها ومرسيها). [معاني القرآن: 3/52-53]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها}أي بالله إجراؤها وإرساؤها،
ومن قرأ (مَجْرَاها ومَرْسَاهَا) ذهب إلى أن المعنى جريها ورسوها أي ثباتها
وروي عن أبي رجاء العطاردي أنه قرأ باسم الله مجريها ومرسيها على النعت). [معاني القرآن: 3/350]

تفسير قوله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو ونافع والأعمش {يا بني اركب معنا} بكسر الياء.
عاصم {يا بني اركب معنا} ويخفض في سورة يوسف {يا بني لا تقصص} وفي لقمان {يا بني إنها} ). [معاني القرآن لقطرب: 673]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين}
قيل إن السّماء والأرض التقى ماؤهما فطبق بينهما وجرت السفينة في ذلك الماء.
وقوله: {وهي تجري بهم في موج كالجبال}.
إن الموج لا يكون إلا فوق الماء، وجاء في التفسير أن الماء جاوز كل شيء خمسة عشر ذراعا، قال اللّه - عزّ وجلّ: {فالتقى الماء على أمر قد قدر}.
فجائز أن يكون يلتقي ماء السماء وماء الأرض وما يطبق ما بينهما.
وجائز أن يطبق ما بينهما.
والموج تموّج الماء، وأكثر ما يعرف تكونه في علوّ الماء، وجائز أن يتموج داخل الماء..
والرواية في السفينة أكثر ما قيل في طولها أنه كان ألفا ومائتي ذراع.
وقيل ستمائة ذراع. وقيل إن نوحا بعث وله أربعون سنة ولبث في قومه كما قال الله - جل ثناؤه - ألف سنة إلا خمسين عاما..
وعمل السفينة في خمسين سنة ولبث بعد الطوفان ستين سنة.
{وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين}
{ونادى نوح ابنه وكان في معزل}.
يجوز أن يكون كان في معزل من دينه، أي دين أبيه ويجوز أن يكون - وهو أشبه - أن يكون في معزل من السفينة - {يا بنيّ اركب معنا}.
الكسر أجود القراءة أعني كسر الياء، ويجوز كسرها وفتحها من جهتين، إحداهما أن الأصل يا بنيي، والياء تحذف في النداء، أعني ياء الإضافة، وتبقى الكسرة تدل عليها،
ويجوز أن تحذف الياء لسكون الراء من اركب، وتقرّ في الكتاب على ما هي في اللفظ.
والفتح من جهتين، الأصل يا بنيّا فتبدل الألف من ياء الإضافة.
العرب تقول: يا غلاما أقبل، ثم تحذف الألف لسكونها وسكون الراء.
ويقرّ في الكتاب على حذفها في اللفظ ويجوز أن تحذف ألف النداء كما تحذف ياء الإضافة، وإنما حذفت ياء الإضافة وألف الإضافة في النداء كما يحذف التنوين،
لأن ياء الإضافة زيادة في الاسم كما أن التنوين زيادة فيه، ويجوز وجه آخر لم يقرأ به وهو إثبات الياء، يا بنيّي، وهذه تثقل لاجتماع الياءات). [معاني القرآن: 3/53-54]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ونادى نوح ابنه وكان في معزل}
قال عبد الله بن عباس ما بغت امرأة نبي قط وكان ابنه
وقال سعيد بن جبير هو ابنه لأن الله عز وجل خبرنا بذلك
وقال عكرمة إن شئتم حلفت لكم أنه ابنه
وقال الضحاك هو ابنه قال الله جل وعز: {ونادى نوح ابنه}
وقال مجاهد ليس هو ابنه ويبين ذلك قول الله تبارك وتعالى: {فلا تسألني ما ليس لك به علم}
قال الحسن لم يكن ابنه وإنما ولد على فراشه فنسب إليه
والقول الأول أبين وأصح لجلالة من قاله وأن قوله: {إنه ليس من أهلك} ليس مما ينفي عنه انه ابنه وقد قال الضحاك معناه ليس من أهل دينك ولا من أهل ولايتك
وقال سفيان معناه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم
قال أبو جعفر وهذان القولان حسنان في اللغة والأول أولى
وروى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قرأ ونادى نوح ابنه وكان في معزل يريد ابنها ثم حذف الألف
ومثل هذا لا يجوز عند أهل العربية علمته
ويجوز أن يكون معنى وكان في معزل أي في معزل عن دين أبيه ويكون في معزل عن السفينة وهذا أشبه). [معاني القرآن: 3/351-352]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء...}
(قال) نوح عليه السلام {لا عاصم اليوم من أمر الله إلاّ من رحم} فمن في موضع نصب؛ لأن المعصوم خلاف للعاصم والمرحوم معصوم. فكأنه نصبه بمنزلة قوله:
{مالهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ} ومن استجاز رفع الاتباع أو الرفع في قوله:
وبلدٍ ليس به أنيس = إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
لم يجزله الرفع في (من) لأن الذي قال: (إلاّ اليعافير) جعل أنيس البرّ اليعافير والوحوش، وكذلك قوله: {إلاّ اتّباع الظّنّ} يقول: علمهم ظنّ وأنت لا يجوز لك في وجه أن تقول: المعصوم عاصم. ولكن لو جعلت العاصم في تأويل معصوم كأنك قلت: لا معصوم اليوم من أمر الله لجاز رفع (من) ولا تنكرنّ أن يخرج المفعول على فاعل؛
ألا ترى قوله: {من ماءٍ دافقٍ} فمعناه والله أعلم: مدفوق
وقوله: {في عيشةٍ راضيةٍ} معناها مرضيّة،
وقال الشاعر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها =واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
معناه المكسوّ. تستدلّ على ذلك أنك تقول: رضيت هذه المعيشة ولا تقول: رضيت ودفق الماء ولا تقول: دفق، وتقول كسي العريان ولا تقول: كسا. ويقرأ (إلاّ من رحم) أيضاً.
ولو قيل لا عاصم اليوم من أمر الله إلاّ من رحم كأنّك قلت: لا يعصم الله اليوم إلاّ من رحم ولم نسمع أحداً قرأ به). [معاني القرآن: 2/15-16]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({وحال بينهما الموج} أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء). [معاني القرآن: 2/17] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلاّ من رّحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}
وقال: {سآوي إلى جبلٍ يعصمني} فقطع (سآوى) لأنه "أفعل" وهو يعني نفسه. وقال: {لاعاصم اليوم من أمر اللّه إلاّ من رّحم} ويجوز أن يكون على "لاذا عصمةٍ" أي: معصوم ويكون (إلاّ من رحم) رفعا بدلاً من العاصم). [معاني القرآن: 2/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يعصمني من الماء} أي يمنعني منه.
{قال لا عاصم اليوم} لا معصوم {اليوم من أمر اللّه إلّا من رحم} ومثله {من ماءٍ دافقٍ} بمعنى مدفوق). [تفسير غريب القرآن: 204]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجيء المفعول به على لفظ الفاعل:
كقوله سبحانه: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} أي لا معصوم من أمره.
وقوله: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} أي مدفوق.
وقوله: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي مرضيّ بها.
وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا} أي مأمونا فيه.
وقوله: {وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} أي مبصرا بها.
والعرب تقول: ليل نائم، وسرّ كاتم،
قال وعلة الجرميّ:
ولما رأيت الخيل تترى أثايجا = علمت بأنّ اليوم أحمس فاجر
أي يوم صعب مفجور فيه). [تأويل مشكل القرآن: 296-297]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلّا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}
أي يمنعني من الماء، والمعنى من تغريق الماء
{قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلّا من رحم}.
هذا استثناء ليس من الأول، وموضع " من " نصب المعنى لكن من رحم اللّه، فإنه معصوم، ويكون{لا عاصم} معناه لا ذا عصمة، كما قالوا: {عيشة راضية}، معناه مرضية وجاز راضية على جهة النسب أي في عيشة ذات رضا.
وتكون " من " " على هذا التفسير في موضع رفع، ويكون المعنى لا معصوم إلا المرحوم). [معاني القرآن: 3/54-55]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ومعنى يعصمني : يمنعني). [معاني القرآن: 3/352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} فيه قولان:
أحدهما: أنه استثناء ليس من الأول
والآخر: أنه على النسبة فيكون المعنى لا معصوم كما قال من ماء دافق أي مدفوق
وذكر محمد بن جرير قولا ثالثا وزعم أنه أولى ما قيل فيه فقال لا مانع اليوم من أمر الله الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك إلا من رحم أي إلا الله كما تقول لا منجي اليوم إلا الله فمن في موضع رفع ولا تجعل عاصم بمعنى معصوم ولا إلا بمعنى لكن
ثم قال جل وعز: {وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}
قال الفراء أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء فكان من المغرقين). [معاني القرآن: 3/353-354]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يعصمني} أي: يمنعني). [ياقوتة الصراط: 264]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لاَ عَاصِمَ} أي لا معصوم، أي لا ممنوع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 106]

تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واستوت على الجوديّ...}
وهو جبل بحضنين من أرض الموصل ياؤه مشدّدة وقد حدّثت أنّ بعض القراء قرأ {على الجودي} بإرسال الياء. فإن تكن صحيحة فهي مما كثر به الكلام عند أهله فخفّف،
أو يكون قد سمّى بفعل أنثى مثل حطيّ وأصرّي وصرّي، ثم أدخلت الألف واللام.
أنشدني بعضهم - وهو المفضّل -:
وكفرت قوماً هم هدوك لأقدمى =إذا زجر أبيك سأسا واربق
وأنشدني بعض بني أسد:
لمّا رأيت أنها في حطي =وفتكت في كذبي ولطّي
والعرب إذا جعلت مثل حطّي وأشباهه اسماً فأرادوا أن يغيّروه عن مذهب الفعل حوّلوا الياء ألفا فقالوا: حطّا، أصرّا، وصرّا.
وكذلك ما كان من أسماء العجم آخره ياء؛ مثل ماهي وشاهي وشنيّ حوّلوه إلى ألف فقالوا: ماها وشاها وشنّا.
وأنشدنا بعضهم:
أتانا حماسٌ بابن ماها يسوقه =لتبغيه خيراً وليس بفاعل
{وحال بينهما الموج} أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء.
وقوله: {يا أرض ابلعي} يقال بلعت وبلعت). [معاني القرآن: 2/16-17]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وغيض الماء} غاضت الأرض والماء، وغاض الماء يغيض، أي ذهب وقلّ.
{الجودىّ} اسم جبل، قال زيد بن عمرو بن نفيل العدويّ:
وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد). [مجاز القرآن: 1/290-289]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعداً لّلقوم الظّالمين}
وقال: {وغيض الماء} لأنك تقول "غضته" فـ"أنا أغيضه" وتقول: "غاضته الأرحام" فـ"هي تغيضه" وقال: {وما تغيض الأرحام}.
وأما (الجوديّ) فثقل لأنها ياء النسبة فكأنه أضيف إلى "الجود" كقولك: "البصريّ" و"الكوفيّ"). [معاني القرآن: 2/41-42]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {وغيض الماء} المعنى: ذهب، قالوا: غاض الماء، وغضته أنا، وقالوا: غضت من ثمن السلعة، أغيض غيضًا؛ أي نقصت). [معاني القرآن لقطرب: 688]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {واستوت على الجودي} وهو جبل). [معاني القرآن لقطرب: 688]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( {وغيض الماء}: يقال غاضت الأرض الماء وغاض الماء إذا قل.
{الجودي}: جبل). [غريب القرآن وتفسيره: 174]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وغيض الماء} أي نقص. يقال: غاض الماء وغضته. أي نقض ونقصته.
{وقضي الأمر} أي فرغ منه فغرق من غرق، ونجا من نجا.
و{الجوديّ}: جبل بالجزيرة). [تفسير غريب القرآن: 204]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والأمر: العذاب، قال الله تعالى: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر} أي وجب العذاب.
وقال تعالى: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}). [تأويل مشكل القرآن: 515]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدا للقوم الظّالمين}
{وغيض الماء} يقال غاض الماء يغيض إذا غاب في الأرض، ويجوز إشمام الضم في الغين.
{وقضي الأمر} أي هلاك قوم نوح.
{واستوت على الجوديّ} والجوديّ جبل بناحية آمد). [معاني القرآن: 3/55]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وقيل يا ارض ابلعي ماءك}
قال قتادة أي ابلعي كل ماء عليك ويا سماء أقلعي أي لا تمطري
ثم قال جل وعز: {وغيض الماء}
قال مجاهد: أي نقص
وقال قتادة: أي ذهب
ثم قال جل وعز: {وقضي الأمر} أي قضي الأمر بهلاكهم
ثم قال: {واستوت على الجودي}
قال الضحاك هو جبل الموصل). [معاني القرآن: 3/354]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وغيض الماء} أي: نقص). [ياقوتة الصراط: 264]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَغِيضَ الْمَاء} أي نقص). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 106]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غِيضَ الماء}: ذهب.
{الْجُودِيِّ}: جبل). [العمدة في غريب القرآن: 154]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 05:46 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (حدّثني محمد بن عبيد عن حمزة بن وعلة عن رجل من مراد يقال له أبو جعفر عن محمد بن عليّ عن عليّ رضي اللّه عنه قال: قال النبي: " يا عليّ، أمانٌ لأمّتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا بسم اللّه الملك الرحمن {وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون}، (بسم اللّه مجريهم ومرساهم إن ربّي لغفورٌ رحيمٌ) ). [عيون الأخبار: 2/137] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فالمصدر مفعول أحدثه الفاعل، والزمان والمكان مفعول فيهما، وذلك قولك أنزلته منزلاً. قال الله عز وجل: {ليدخلنهم مدخلا يرضونه} و{باسم الله مجراها ومرساها}.
وتقول: هذا مقاتلنا: أي موضع قتالنا، كما قال:
أقاتل حتى لا أرى لي مقـاتـلا = وأنجو إذا غم الجبان من الكرب
وتقول: سرحته مسرحا، أي تسريحا. قال:
ألم تعلم مسرحي القوفي = فلاعيا بهن، ولا اجتلابا).
[المقتضب: 1/212-213] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن المصدر واسم المكان والزمان بزيادة الميم في أوائلها يكون لفظها لفظ المفعول إذا جاوزت الثلاثة من الفِعْل. وذلك؛ لأنها مفعولات. وذلك نحو قوله: {وقل ربي أنزلني منزلا مباركا}، و{بسم الله مجراها ومرساها}، وما أشبه ذلك). [المقتضب: 1/246] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن كان المصدر لفعل على أكثر من ثلاثة كان على مثال المفعول؛ لأن المصدر مفعول. وكذلك إن بنيت من الفعل اسماً لمكان أو زمان، كان كل واحد منهما على مثال المفعول. لأن الزمان والمكان مفعول فيهما. وذلك قولك في المصادر: أدخلته مدخلاً، كما قال عز وجل: {أنزلني منزلاً مباركاً} و{باسم الله مجريها ومرساها}.
وكذلك: سرحته مسرحاً، وهذا مسرحنا؛ أي في موضع تسريحنا، وهذا مقامنا؛ لأنك تريد به المصدر والمكان من أقمت. وعلى ذلك قال الله عز وجل: {إنها ساءت مستقراً ومقاماً} لأنها من أقمت. وقال: {يا أهل يثرب لا مقام لنا} لأنها من قمت. موضع قيام ومن قرأ لا مقام إنما يريد: لا إقامة.
قال الشاعر:
ألم تعلم مسرحي القوافي = فلا عياً بهن ولا اجتلابا
أي تسريحي. وقال الآخر:
وما هي إلا في إزار وعلـقةٍ = مغار بن همامٍ على حي خثعما
أي وقت إغارة ابن همام.
وهذا أوضح من أن يكثر فيه الاحتجاج؛ لأن المصدر هو المفعول الصحيح؛ ألا ترى أنك إذا قلت: ضربت زيداً، أنك لم تفعل زيداً وإنما فعلت الضرب، فأوصلته إلى زيد، وأوقعته به، لأنك إنما أوقعت به فعلك. فأما قول الله عز وجل: {وجعلنا النهار معاشاً} فمعناه: عيشاً، ثم قال: {ويسألونك عن المحيض} أي الحيض. فكان أحد المصدرين على مفعل والآخر على مفعل.
وقوله عز وجل: {سلامٌ هي حتى مطلع الفجر}.
ومطلع الفجر وما أشبه هذا فله باب يذكر فيه إن شاء الله). [المقتضب: 2/118-120] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولا يجوز أن يكون هذا النفي إلا عاماً. من ذلك قول الله عز وجل {لا عاصم اليوم من أمر الله} وقال {لا ريب فيه} وقال: {لا ملجأ من الله إلا إليه}.
فإن قدرت دخولها على شيء قد عمل فيه غيرها لم تعمل شيئاً، وكان الكلام كما كان عليه؛ لأنك أدخلت النفي على ما كان موجباً، وذلك قولك: أزيد في الدار أم عمرو? فتقول: لا زيد في الدار ولا عمرو.
وكذلك تقول: أرجل في الدار أم امرأة? فالجواب: لا رجل في الدار ولا امرأة. لا تبالي معرفةً كانت أم نكرةً. وعلى هذا قراءة بعضهم: {لا خوف عليهم} ومن قرأ: (لا خوفَ عليهم) فعلى ما ذكرت لك.
وأما قوله: {ولا هم يحزنون} فلا يكون هم إلا رفعاً؛ لأن لا لا تعمل في المعارف). [المقتضب: 4/359]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما يقع في الاستثناء
من غير نوع المذكور قبله
وذلك قولك: ما جاءني أحد إلا حماراً، وما في القوم أحد إلا دابةً. فوجه هذا وحده النصب؛ وذلك لأن الثاني ليس من نوع الأول، فيبدل منه، فتنصبه بأصل الاستثناء على معنى ولكن، واللفظ النصب لما ذكرت لك في صدر الباب.
فمن ذلك قول الله عز وجل: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى}.
ومن ذلك: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم}. فالعاصم الفاعل، ومن رحم معصوم، فهذا خاصةً لا يكون فيه إلا النصب.
وأما الأول فقد يجوز فيه الرفع، وهو قول بني تميم. وتفسير رفعه على وجهين: أحدهما: أنك إذا قلت: ما جاءني رجل إلا حمار فكأنك قلت: ما جاءني إلا حمار، وذكرت رجلاً وما أشبهه توكيداً. فكأنه في التقدير: ما جاءني شيء رجل ولا غيره، إلا حمار.
والوجه الآخر: أن تجعل الحمار يقوم مقام من جاءني من الرجال على التمثيل، كما تقول: عتابك السيف، وتحيتك الضرب، كما قال:
وخيل قد دلفت لها بخيل = تحية بينهم ضرب وجيع
وقال الآخر:

ليس بيني وبـين قـيس عـتـاب = غير طعن الكلى وضرب الرقاب
وبنو تميم تقرأ هذه الآية: (إلا ابتغاءُ وجه ربه الأعلى) ويقرءون (ما لهم به من علم إلا اتباعُ الظن). يجعلون اتباع الظن علمهم.
والوجه النصب على ما ذكرت لك، وهو القياس اللازم، ووجه الرفع ما بيناه. كما قال:
وبلدة ليس بهـا أنـيس = إلا اليعافير، وإلا العيس
فجعل اليعاقير أنيس ذلك المكان وينشد بنو تميم قول النابغة:

وقفت فيها أصـيلالاً أسـائلـهـا = عيت جواباً، وما بالربع من أحـد
إلا أواري لأبـاً مـا أبـينـهــا = والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
والوجه النصب، وهو إنشاد أكثر الناس.
وقوله جل وعز: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا} من هذا الباب؛ لأن لولا في معنى هلا. والنحويون يجيزون الرفع في مثل هذا من الكلام، ولا يجيزونه في القرآن لئلا يغير خط المصحف. ورفعه على الوصف كما ذكرت لك في الباب الذي قبله. فأما قول الشاعر:

من كان أسرع في تفرق فالج = فلبونه جربت معاً، وأغـدت
إلا كناشرة الذي ضـيعـتـم = كالغصن في غلوائه المتنبت
فإنما الكاف زائدة، وهو استثناء ليس من الأول. ولو حذفت الكاف لكان الموضع نصباً ومثل ذلك:

لولا ابن حارثة الأمـير لـقـد = أغضبت من شتمي على رغمي
إلا كمعرض المحسر بـكـره = عمداً يسببني عـلـى ظـلـم
وكذا قوله:
إلا كخارجة المكلف نفـسـه = وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا
الكاف زائدة مؤكدة كتوكيدها في قول الله جل وعز {ليس كمثله شيء}. ومثل ذلك قوله:
لواحق الأقراب فيها كالمقق
أي فيها مقق وهو الطول. والكاف زائدة). [المقتضب: 4/412-418] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( والعاصم من الأضداد؛ يقال: الله عاصم لمن أطاعه، ويقال: رجل عاصم، أي معصوم، إذا فهم المعنى؛ قال الله عز وجل: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم}، فمعناه لا معصوم اليوم من أمر الله إلا
المرحوم، ويجوز أن يكون (عاصم) بمعنى (فاعل)، وتكون (من) في موضع نصب أو رفع على الاستثناء المنقطع). [كتاب الأضداد: 128-129]

تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وغاض ثمن السلعة يغيض إذا نقص وغضته). [الغريب المصنف: 2/593]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
فتلك لنا غنى والأجر باق = فغضي بعض لومك يا ظعينا
يقول هذا النخل يغنينا وما اكتسبنا من أخراه فهو باق لنا، وقوله غضي أي: انقصي يقال غاض إذا نقص وذلك أنها لامته في اعتقاد النخل وترك الإبل، قال أبو محمد وقوله غاض ليس هو من قوله غضي إنما هو من غيضي أي انقصي وغضي من الغض وهو النقصان أيضًا ومنه غض فلان بصره أي حبس منه ونقص، هذا من المضاعف وغاض ليس من المضاعف). [شرح المفضليات: 126]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 05:46 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 05:46 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:34 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:34 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ (41) وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال ونادى نوحٌ ابنه وكان في معزلٍ يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (42)
المعنى وقال نوح- حين أمر بالحمل في السفينة- لمن آمن معه: اركبوا فيها فأنث الضمير، إذ هي سفينة لأن الفلك المذكور مذكر.
وفي مصحف أبيّ «على اسم الله». وقوله: بسم اللّه يصح أن يكون في موضع الحال من الضمير الذي في قوله: اركبوا كما تقول: خرج زيد بثيابه وبسلاحه، أي اركبوا متبركين بالله تعالى، ويكون قوله: مجراها ومرساها ظرفين، أي وقت إجرائها وإرسائها. كما تقول العرب: الحمد لله سرارك وإهلالك وخفوق النجم ومقدم الحاج، فهذه ظرفية زمان، والعامل في هذا الظرف ما في بسم اللّه من معنى الفعل، ويصح أن يكون قوله: بسم اللّه في موضع خبر ومجراها ومرساها ابتداء مصدران كأنه قال: اركبوا فيها فإن ببركة الله إجراءها وإرساءها، وتكون هذه الجملة- على هذا- في موضع حال من الضمير في قوله فيها، ولا يصح أن يكون حالا من الضمير في قوله: اركبوا لأنه لا عائد في الجملة يعود عليه: وعلى هذا التأويل قال الضحاك: إن نوحا كان إذا أراد جري السفينة قال: بسم اللّه، فتجري وإذا أراد وقوفها قال: بسم اللّه فتقف.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- في رواية أبي بكر وابن عامر: «مجراها ومرساها» بضم الميمين على معنى إجرائها وإرسائهما، وهي قراءة مجاهد وأبي رجاء والحسن والأعرج وشيبة وجمهور الناس، ومنه قول لبيد: [الكامل]
وعمرت حرسا قبل مجرا داحس = لو كان للنفس اللجوج خلود
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: «مجراها» بفتح الميم وكسر الراء، وكلهم ضم الميم من «مرساها» وقرأ الأعمش وابن مسعود «مجراها ومرساها» بفتح الميمين، وذلك من الجري والرسو وهذه ظرفية مكان، ومن ذلك قول عنترة: [الكامل]
فصبرت نفسا عند ذلك حرة = ترسو إذا نفس الجبان تطلع
واختار الطبري قراءة «مجراها» بفتح الميم الأولى وضم الثانية، ورجحها بقوله تعالى: وهي تجري، ولم يقرأ أحد، «تجري» وهي قراءة ابن مسعود أيضا رواها عنه أبو وائل ومسروق. وقرأ ابن وثاب وأبو رجاء العطاري والنخعي والجحدري والكلبي والضحاك بن مزاحم ومسلم بن جندب وأهل الشام: «مجريها ومرسيها» وهما على هذه القراءة صفتان لله تعالى عائدتان على ذكره في قوله بسم اللّه.
وقوله سبحانه إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ تنبيه لهم على قدر نعم الله عليهم ورحمته لهم وستره عليهم وغفرانه ذنوبهم بتوبتهم وإنابتهم). [المحرر الوجيز: 4/ 578-580]

تفسير قوله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وهي تجري بهم الآية، روي أن السماء أمطرت بأجمعها حتى لم يكن في الهواء جانب لا مطرفيه، وتفجّرت الأرض كلها بالنبع، فهكذا كان التقاء الماء، وروي أن الماء علا على الجبال وأعلى الأرض أربعين ذراعا وقيل خمسة عشرة ذراعا وأشار الزجاج وغيره إلى أن الماء انطبق: ماء الأرض وماء السماء فصار الكل كالبحر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وأين كان الموج كالجبال على هذا؟ وكيف استقامت حياة من في السفينة على هذا؟.
وقرأت فرقة: «ابنه» على إضافة الابن إلى نوح، وهذا قول من يقول: هو ابنه لصلبه، وقد قال قوم: إنه ابن قريب له ودعاه بالنبوة حنانا منه وتلطفا، وقرأ ابن عباس «ابنه» بسكون الهاء، وهذا على لغة لأزد السراة ومنه قول الشاعر: [الطويل]
... ... ... ... = مطواي مشتاقان له أرقان
وقرأ السدي «ابناه» قال أبو الفتح: ذلك على النداء وذهبت فرقة إلى أن ذلك على جهة الندبة محكية، وقرأ عروة بن الزبير وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنها وتأولوا على أنه دعا ابن امرأته الكافرة إذ قد تقدم ذكرها في قوله: {وأهلك}، وعلى هذه القراءة يدخل تأويل من قال: كانت خائنة فيه، وسيأتي ذكر هذا بعد، وقرأ علي بن أبي طالب أيضا وأبو جعفر وجعفر بن محمد «ابنه» على تقدير ابنها، فحذف الألف تخفيفا وهي لغة ومنها قول الشاعر: [البسيط]
أما تقود به شاة فتأكلها = أو أن تبيعه في نقض الأزاكيب
وأنشد ابن الأعرابي على هذا:
فلست بمدرك ما فات مني = بلهف ولا بليت ولا لواني
يريد: بلهفا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وخطأ النحاس أبا حاتم في حذف هذه الألف وليس كما قال.
وقرأ وكيع بن الجراح: «ونادى نوح ابنه» بضم التنوين، قال أبو حاتم: وهي لغة سوء لا تعرف.
وقوله: في معزلٍ أي في ناحية، فيمكن أن يريد في معزل في الدين، ويمكن أن يريد في معزل في بعده عن السفينة، واللفظ يعمهما: وقال مكي في المشكل: ومن قال: «معزل» - بكسر الزاي- أراد الموضع، ومن قال: «معزل» - بفتحها- أراد المصدر: فلم يصرح بأنها قراءة ولكن يقتضي ذلك لفظه.
وقرأ السبعة «يا بنيّ» بكسر الياء المشددة، وهي ثلاث ياءات: أولاها ياء التصغير، وحقها السكون والثانية لام الفعل، وحقها أن تكسر بحسب ياء الإضافة إذ ما قبل ياء الإضافة مكسور: والثالثة: ياء الإضافة فحذفت ياء الإضافة إما لسكونها وسكون الراء، وإما إذ هي بمثابة التنوين في الإعلام وهو يحذف في النداء فكذلك ياء الإضافة والحذف فيها كثير في كلام العرب، تقول: يا غلام، ويا عبيد، وتبقى الكسرة دالة، ثم أدغمت الياء الساكنة في الياء المكسورة، وقد روى أبو بكر وحفص عن عاصم أيضا «يا بنيّ» بفتح الياء المشددة، وذكر أبو حاتم: أن المفضل رواها عن عاصم، ولذلك وجهان: أحدهما: أن يبدل من ياء الإضافة ألفا وهي لغة مشهورة تقول: يا غلاما، ويا عينا، فانفتحت الياء قبل الألف ثم حذفت الألف استخفافا ولسكونها وسكون الراء من قوله اركب.
والوجه الثاني: أن الياءات لما اجتمعت استثقل اجتماع المماثلة فخفف ذلك الاستثقال بالفتح إذ هو أخف الحركات، هذا مذهب سيبويه، وعلى هذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم: «وحواري الزبير».
وروي عن ابن كثير أنه قرأ في سورة لقمان: يا بنيّ لا تشرك باللّه [لقمان: 13] بحذف ياء الإضافة ويسكن الياء خفيفة، وقرأ الثانية: يا بنيّ إنّها [لقمان: 16] كقراءة الجماعة وقرأ الثالثة: يا بنيّ أقم ... [لقمان: 17] ساكنة كالأولى.
وقوله: ولا تكن مع الكافرين يحتمل أن يكون نهيا محضا مع علمه أنه كافر، ويحتمل أن يكون خفي عليه كفره فناداه ألا يبقى- وهو مؤمن- مع الكفرة فيهلك بهلاكهم، والأول أبين). [المحرر الوجيز: 4/ 580-582]


تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلاّ من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (43) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعداً للقوم الظّالمين (44)
ظن ابن نوح أن ذلك المطر والماء على العادة، وقوله: لا عاصم قيل فيه: إنه على لفظة فاعل
وقوله: إلّا من رحم يريد إلا الله الراحم، ف من كناية عن اسم الله تعالى، المعنى: لا عاصم اليوم إلا الذي رحمنا ف من في موضع رفع، وقيل: قوله: إلّا من رحم استثناء منقطع كأنه قال: لا عاصم اليوم موجود، لكن من رحم الله موجود، وحسن هذا من جهة المعنى، أن نفي العاصم يقتضي نفي المعصوم. فهو حاصل بالمعنى. وأما من جهة اللفظ، ف من في موضع نصب على حد قول النابغة: إلا الأواري. ولا يجوز أن تكون في موضع رفع على حد قول الشاعر: [الرجز].
وبلدة ليس بها أنيس = إلا اليعافير وإلا العيس
إذ هذان أنيس ذلك الموضع القفر، والمعصوم هنا ليس بعاصم بوجه، وقيل عاصم معناه ذو اعتصام، ف عاصم على هذا في معنى معصوم، ويجيء الاستثناء مستقيما، ومن في موضع رفع، واليوم ظرف، وهو متعلق بقوله: من أمر اللّه، أو بالخير الذي تقديره: كائن اليوم، ولا يصح تعلقه ب عاصم لأنه كان يجيء منونا: لا عاصما اليوم يرجع إلى أصل النصب لئلا يرجع ثلاثة أشياء واحدا، وإنما القانون أن يكون الشيئان واحدا: لا وما عملت فيه، ومثال النحويين في هذه المسألة: لا أمرا يوم الجمعة لك، فإن أعلمت في يوم لك قلت: لا أمر.
وبينهما يريد بين نوح وابنه، فكان الابن ممن غرق). [المحرر الوجيز: 4/ 583-584]

تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وقيل يا أرض ابلعي ماءك الآية، بناء الفعل للمفعول أبلغ في التعظيم والجبروت، وكذلك بناء الأفعال بعد ذلك في سائر الآية وروي أن أعرابيا سمع هذه الآية فقال: هذا كلام القادرين، و «البلع» هو تجرع الشيء وازدراده، فشبه قبض الأرض للماء وتسربه فيها بذلك، وأمرت بالتشبيه وأضاف الماء إليها إذ عليها وحاصل فيها، و «السماء» في هذه الآية، إما السماء المظلة، وإما السحب، و «الإقلاع» عن الشيء تركه، والمعنى: أقلعي عن الإمطار، وغيض معناه نقص، وأكثر ما يجيء فيما هو بمعنى جفوف كقوله: وغيض الماء، وكقوله: وما تغيض الأرحام وما تزداد [الرعد: 8] وأكثر المفسرين على أن ذلك في الحيض، وكذلك قول الأسود بن يعفر:
... ... ... ... = ما غيض من بصري ومن أجلادي
وذلك أن الإنسان الهرم إنما تنقصه بجفوف وقضافة وقوله وقضي الأمر إشارة إلى جميع القصة: بعث الماء وإهلاك الأمم وإنجاء أهل السفينة.
وروي أن نوحا عليه السّلام ركب في السفينة من عين وردة بالشام أول يوم من رجب،
وقيل: في العاشر منه،
وقيل: في الخامس عشر،
وقيل: في السابع عشر،
واستوت السفينة في ذي الحجة، وأقامت على الجوديّ شهرا، وقيل له: اهبط في يوم عاشوراء فصامه وصامه من معه من ناس ووحوش: وذكر الطبري عن ابن إسحاق ما يقتضي أنه أقام على الماء نحو السنة، وذكر أيضا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب، وصام الشهر أجمع، وجرت بهم السفينة إلى يوم عاشوراء، ففيه أرست على الجودي، فصامه نوح ومن معه».
وروي أن نوحا لما طال مقامه على الماء بعث الغراب ليأتيه بخبر كمال الغرق فوجد جيفة طافية فبقي عليها فلم يرجع بخبر، فدعا عليه نوح فسود لونه وخوف من الناس، فهو لذلك مستوحش، ثم بعث نوح الحمام فجاءته بورق زيتونة في فمها ولم تجد ترابا تضع رجليها عليه، فبقي أربعين يوما ثم بعثها فوجدت الماء قد انحسر عن موضع الكعبة، وهي أول بقعة انحسر الماء عنها، فمست الطين برجليها وجاءته، فعلم أن الماء قد أخذ في النضوب، ودعا لها فطوقت وأنست. فهي لذلك تألف الناس ثم أوحى الله إلى الجبال أن السفينة ترسي على واحد منها فتطاولت كلها وبقي الجودي- وهو جبل بالموصل في ناحية الجزيرة- لم يتطاول تواضعا لله، فاستوت السفينة بأمر الله عليه، وبقيت عليه أعوادها، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقد بقي منها شيء أدركه أوائل هذه الأمة». وقال الزجاج: الجوديّ هو بناحية آمد.
وقال قوم: هو عند باقردى. وروي أن السفينة لما استقلت من عين وردة جرت حتى جاءت الكعبة فوجدتها قد نشزت من الأرض فلم ينلها غرق فطافت بها أسبوعا ثم مضت إلى اليمن ورجعت إلى الجودي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والقصص في هذه المعاني كثير صعب أن يستوفي، فأشرت منه إلى نبذ ويدخله الاختلاف كما ترى في أمر الكعبة والله أعلم كيف كان. واستوت معناه: تمكنت واستقرت.
وقرأ جمهور الناس: «على الجوديّ» بكسر الياء وشدها، وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة «على الجودي» بسكون الياء، وهما لغتان. وقوله وقيل: بعداً يحتمل أن يكون من قول الله تعالى عطفا على وقيل الأول ويحتمل أن يكون من قول نوح والمؤمنين، والأول أظهر وأبلغ). [المحرر الوجيز: 4/ 584-586]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:34 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:35 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ (41) وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال ونادى نوحٌ ابنه وكان في معزلٍ يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (42) قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (43)}
يقول تعالى إخبارًا عن نوحٍ، عليه السّلام، أنّه قال للّذين أمر بحملهم معه في السّفينة: {اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها} أي: بسم اللّه يكون جريها على وجه الماء، وبسم اللّه يكون منتهى سيرها، وهو رسوها.
وقرأ أبو رجاءٍ العطاردي: "بسم الله مجريها ومرسيها".
وقال اللّه تعالى: {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد للّه الّذي نجّانا من القوم الظّالمين وقل ربّ أنزلني منزلا مباركًا وأنت خير المنزلين} [المؤمنون:28، 29]؛ ؛ ولهذا تستحبّ التّسمية في ابتداء الأمور: عند الرّكوب على السّفينة وعلى الدّابّة، كما قال تعالى: {والّذي خلق الأزواج كلّها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثمّ تذكروا نعمة ربّكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون} [الزّخرف:12 -14]، وجاءت السّنّة بالحثّ على ذلك، والنّدب إليه، كما سيأتي في سورة "الزّخرف"، إن شاء اللّه وبه الثّقة.
وقال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا إبراهيم بن هاشمٍ البغويّ، حدّثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ -وحدّثنا زكريّا بن يحيى السّاجيّ، حدّثنا محمّد بن موسى الحرشي -قالا حدّثنا عبد الحميد بن الحسن الهلاليّ، عن نهشل بن سعيدٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أمان أمّتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا: بسم اللّه الملك، {وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون} [الزّمر: 67]، {بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ}.
وقوله: {إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ} مناسبٌ عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين ذكر أنّه غفورٌ رحيمٌ، كما قال: {إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ} [الأعراف: 167]، وقال: {وإنّ ربّك لذو مغفرةٍ للنّاس على ظلمهم وإنّ ربّك لشديد العقاب} [الرّعد: 6]، إلى غير ذلك من الآيات الّتي يقرن فيها بين انتقامه ورحمته). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 322-323]

تفسير قوله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال} أي: السّفينة سائرةٌ بهم على وجه الماء، الّذي قد طبّق جميع الأرض، حتّى طفت على رءوس الجبال، وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعًا، وقيل: بثمانين ميلًا وهذه السّفينة على وجه الماء سائرةٌ بإذن اللّه وتحت كنفه وعنايته وحراسته وامتنانه كما قال تعالى: {إنّا لمّا طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرةً وتعيها أذنٌ واعيةٌ} [الحاقّة: 11، 12]، وقال تعالى: {وحملناه على ذات ألواحٍ ودسرٍ * تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر * ولقد تركناها آيةً فهل من مدّكرٍ} [القمر: 13 -15].
وقوله: {ونادى نوحٌ ابنه وكان في معزلٍ يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} هذا هو الابن الرّابع، واسمه "يامٌ"، وكان كافرًا، دعاه أبوه عند ركوب السّفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 323]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء} وقيل: إنّه اتّخذ له مركبًا من زجاج، وهذا من الإسرائيليّات، واللّه أعلم بصحّته. والّذي نصّ عليه القرآن أنّه قال: {قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء} اعتقد بجهله أنّ الطّوفان لا يبلغ إلى رءوس الجبال، وأنّه لو تعلّق في رأس جبلٍ لنجّاه ذلك من الغرق، فقال له أبوه نوحٌ، عليه السّلام: {لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم} أي: ليس شيءٌ يعصم اليوم من أمر اللّه. وقيل: إنّ عاصمًا بمعنى معصومٍ، كما يقال: "طاعمٌ وكاسٍ"، بمعنى مطعومٍ ومكسوّ، {وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 323]

تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدًا للقوم الظّالمين (44)}
يخبر تعالى أنّه لمّا غرق أهل الأرض إلّا أصحاب السّفينة، أمر الأرض أن تبلع ماءها الّذي نبع منها واجتمع عليها، وأمر السّماء أن تقلع عن المطر، {وغيض الماء} أي: شرع في النّقص، {وقضي الأمر} أي: فرغ من أهل الأرض قاطبةً، ممّن كفر باللّه، لم يبق منهم ديّار، {واستوت} السّفينة بمن فيها {على الجوديّ} قال مجاهدٌ: وهو جبلٌ بالجزيرة، تشامخت الجبال يومئذٍ من الغرق وتطاولت، وتواضع هو للّه عزّ وجلّ، فلم يغرق، وأرست عليه سفينة نوحٍ عليه السّلام.
وقال قتادة: استوت عليه شهرًا حتّى نزلوا منها، قال قتادة: قد أبقى اللّه سفينة نوحٍ، عليه السّلام، على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وآيةً حتّى رآها أوائل هذه الأمّة، وكم من سفينةٍ قد كانت بعدها فهلكت، وصارت رمادًا.
وقال الضّحّاك: الجوديّ: جبلٌ بالموصل: وقال بعضهم: هو الطّور.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن رافعٍ، حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، عن توبة بن سالمٍ قال: رأيت زرّ بن حبيش يصلّي في الزّاوية حين يدخل من أبواب كندة على يمينك فسألته إنّك لكثير الصّلاة هاهنا يوم الجمعة:! قال: بلغني أنّ سفينة نوحٍ أرست من هاهنا.
وقال علباء بن أحمد، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان مع نوحٍ في السّفينة ثمانون رجلًا معهم أهلوهم، وإنّهم كانوا في السّفينة مائةً وخمسين يومًا، وإنّ اللّه وجّه السّفينة إلى مكّة فدارت بالبيت أربعين يومًا، ثمّ وجّهها اللّه إلى الجوديّ فاستقرّت عليه، فبعث نوحٌ الغراب ليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزّيتون، ولطّخت رجليها بالطّين، فعرف نوحٌ، عليه السّلام، أنّ الماء قد نضب، فهبط إلى أسفل الجوديّ، فابتنى قريةً وسمّاها ثمانين، فأصبحوا ذات يومٍ وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغةً، إحداها اللّسان العربيّ. فكان بعضهم لا يفقه كلام بعضٍ، وكان نوحٌ عليه السّلام يعبّر عنهم.
وقال كعب الأحبار: إنّ السّفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن تستقرّ على الجوديّ.
وقال قتادة وغيره: ركبوا في عاشر شهر رجبٍ فساروا مائةً وخمسين واستقرّت بهم على الجوديّ شهرًا، وكان خروجهم من السّفينة في يوم عاشوراء من المحرّم. وقد ورد نحو هذا في حديثٍ مرفوعٍ رواه ابن جريرٍ. وأنّهم صاموا يومهم ذاك، فاللّه أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو جعفرٍ، حدّثنا عبد الصّمد بن حبيب الأزديّ، عن أبيه حبيب بن عبد اللّه، عن شبيل، عن أبي هريرة قال: مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأناسٍ من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال: ما هذا الصّوم؟ قالوا: هذا اليوم الّذي نجّى اللّه موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يومٌ استوت فيه السّفينة على الجوديّ، فصامه نوحٌ وموسى، عليهما السّلام، شكرًا للّه عزّ وجلّ. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنا أحقّ بموسى، وأحقّ بصوم هذا اليوم". فصام، وقال لأصحابه: "من كان أصبح منكم صائمًا فليتمّ صومه، ومن كان أصاب من غذاء أهله، فليتمّ بقيّة يومه"
وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، ولبعضه شاهدٌ في الصّحيح.
وقوله: {وقيل بعدًا للقوم الظّالمين} أي: هلاكًا وخسارًا لهم وبعدًا من رحمة اللّه، فإنّهم قد هلكوا عن آخرهم، فلم يبق لهم بقيّةٌ.
وقد روى الإمام أبو جعفر بن جريرٍ والحبر أبو محمّد بن أبي حاتمٍ في تفسيريهما من حديث موسى بن يعقوب الزّمعيّ، عن قائدٍ -مولى عبيد اللّه بن أبي رافعٍ -أنّ إبراهيم بن عبد الرّحمن بن أبي ربيعة أخبره: أنّ عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبرته: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لو رحم اللّه من قوم نوحٍ أحدًا لرحم أمّ الصّبيّ"، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كان نوحٌ، عليه السّلام، مكث في قومه ألف سنةٍ [إلّا خمسين عامًا]، يعني وغرس مائة سنةٍ الشّجر، فعظمت وذهبت كلّ مذهبٍ، ثمّ قطعها، ثمّ جعلها سفينةً ويمرّون عليه ويسخرون منه ويقولون: تعمل سفينةً في البرّ، فكيف تجري؟ قال: سوف تعلمون. فلمّا فرغ ونبع الماء، وصار في السّكك خشيت أمّ الصّبيّ عليه، وكانت تحبّه حبًّا شديدًا، فخرجت إلى الجبل، حتّى بلغت ثلثه فلمّا بلغها الماء [ارتفعت حتّى بلغت ثلثيه، فلمّا بلغها الماء] خرجت به حتّى استوت على الجبل، فلمّا بلغ رقبتها رفعته بيديها فغرقا فلو رحم اللّه منهم أحدًا لرحم أمّ الصّبيّ".
وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، وقد روي عن كعب الأحبار، ومجاهد بن جبرٍ قصة هذا الصّبيّ وأمّه بنحوٍ من هذا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 323-325]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة