العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (29) إلى الآية (30) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (29) إلى الآية (30) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (30)}




رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:21 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة النساء: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم}؛ كان الرجل يتحرج أن يأكل عند أحدٍ من الناس.
فنسخ ذلك بالآية التي في سورة النور: {وليس عليكم جناحٌ
[الجامع في علوم القرآن: 3/72]
أن}، {تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناحٌ أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا}). [الجامع في علوم القرآن: 3/73]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيمًا (29) ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن زيدٍ، عن عاصم بن بهدلة، أنّ مسروقًا أتى صفّين، فقام بين الصّفّين، فقال: يا أيّها النّاس أنصتوا، أرأيتم (لو) أنّ مناديًا ناداكم من السّماء، فرأيتموه، وسمعتم كلامه، فقال: إنّ اللّه ينهاكم عمّا أنتم فيه، أكنتم منتهون؟ قال: فسبّوه، قال: فواللّه لقد نزل بذلك جبريل عليه السّلام، وما ذاك عندنا بأبين من محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم؛ إنّ اللّه يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا. ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله يسيرًا} قال: ثمّ دخل إلى النّاس، ورجع إلى الكوفة). [سنن سعيد بن منصور: 4/1232-1233]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذين آمنوا} صدّقوا اللّه ورسوله {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} يقول: لا يأكل بعضكم أموال بعضٍ بما حرّم عليه من الرّبا والقمار، وغير ذلك من الأمور الّتي نهاكم اللّه عنها، إلاّ أن تكون تجارةً. كما.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} أما أكلهم أموالهم بينهم بالباطل فبالرّبا والقمار والبخس والظّلم، إلاّ أن تكون تجارةً، ليربح في الدّرهم ألفًا إن استطاع.
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا خالدٌ الطّحّان، قال: أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} قال: الرّجل يشتري السّلعة، فيردّها ويردّ معها درهمًا.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا عبد الوهّاب قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: في الرّجل يشتري من الرّجل الثّوب، فيقول: إن رضيته أخذته، وإلاّ رددته ورددت معه درهمًا قال: هو الّذي قال اللّه: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية بالنّهي عن أن يأكل بعضهم طعام بعضٍ إلاّ بشراءٍ، فأمّا قرًى فإنّه كان محظورًا بهذه الآية، حتّى نسخ ذلك بقوله في سورة النّور: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم}الآية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، عن الحسن بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، والحسن البصريّ، قالا في قوله: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} الآية، فكان الرّجل يتحرّج أن يأكل عند أحدٍ من النّاس بعدما نزلت هذه الآية، فنسخ ذلك بالآية الّتي في سورة النّور، فقال: ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم إلى قوله: {جميعًا أو أشتاتًا} فكان الرّجل الغنيّ يدعو الرّجل من أهله إلى الطّعام، فيقول: إنّي لأتجنّح، والتّجنّح: التّحرّج، ويقول: المساكين أحقّ منّي به. فأحلّ من ذلك أن يأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه، وأحلّ طعام أهل الكتاب.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذين القولين بالصّواب في ذلك قول السّدّيّ: وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره حرّم أكل أموالنا بيننا بالباطل، ولا خلاف بين المسلمين أنّ أكل ذلك حرامٌ علينا، فإنّ اللّه لم يحلّ قطّ أكل الأموال بالباطل.
وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى لقول من قال: كان ذلك نهيًا عن أكل الرّجل طعام أخيه قرًى على وجه ما أذن له، ثمّ نسخ ذلك لنقل علماء الأمّة جميعًا وجهًا لها أنّ قرى الضّيف، وإطعام الطّعام كان من حميد أفعال أهل الشّرك والإسلام، الّتي حمد اللّه أهلها عليها وندبهم إليها وأنّ اللّه لم يحرّم ذلك في عصرٍ من العصور، بل ندب اللّه عباده، وحثّهم عليه، وإذ كان ذلك كذلك فهو من معنى الأكل بالباطل خارجٌ، ومن أن يكون ناسخًا أو منسوخًا بمعزلٍ، لأنّ النّسخ إنّما يكون لمنسوخٍ، ولم يثبت النّهي عنه، فيجوز أن يكون منسوخًا بالإباحة. وإذ كان ذلك كذلك، صحّ القول الّذي قلناه، من أنّ الباطل الّذي نهى اللّه عن أكل الأموال به، هو ما وصفنا ممّا حرّمه على عباده في تنزيله، أو على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وشذّ ما خالفه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} فقرأها بعضهم: (إلاّ أن تكون تجارةٌ)، رفعًا بمعنى: إلاّ أن توجد تجارةٌ، أو تقع تجارةٌ عن تراضٍ منكم، فيحلّ لكم أكلها حينئذٍ بذلك المعنى. ومذهب من قرأ ذلك على هذا الوجه: أنّ تكون تامّةٌ ههنا لا حاجة بها إلى خبرٍ على ما وصفت؛ وبهذه القراءة قرأ أكثر أهل الحجاز وأهل البصرة.
وقرأ ذلك آخرون، وهم عامّة قرّاء الكوفيّين: {إلاّ أن تكون تجارةً} نصبًا، بمعنى: إلاّ أن تكون الأموال الّتي تأكلونها بينكم تجارةً عن تراضٍ منكم، فيحلّ لكم هنالك أكلها، فتكون الأموال مضمرةً في قوله: {إلاّ أن تكون} والتّجارة منصوبةٌ على الخبر. وكلتا القراءتين عندنا صوابٌ جائز القراءة بهما، لاستفاضتهما في قراءة الأمصار مع تقارب معانيهما. غير أنّ الأمر وإن كان كذلك، فإنّ قراءة ذلك بالنّصب أعجب إليّ من قراءته بالرّفع، لقوّة النّصب من وجهين: أحدهما: أنّ في تكون ذكرًا من الأموال، والآخر: أنّه لو لم يجعل فيها ذكرٌ منها ثمّ أفردت بالتّجارة وهي نكرةٌ، كان فصيحًا في كلام العرب النّصب، إذ كانت مبنيّةً على اسمٍ وخبرٍ، فإذا لم يظهر معها إلاّ نكرةٌ واحدةٌ نصبوا ورفعوا، كما قال الشّاعر:
إذا كان طعنًا بينهم وعناقا
ففي هذه الآية إبانةٌ من اللّه تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوّفة المنكرين طلب الأقوات بالتّجارات والصّناعات، واللّه تعالى يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} اكتسابًا منا ذلك بها. كما:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} قال: التّجارة رزقٌ من رزق اللّه، وحلالٌ من حلال اللّه لمن طلبها بصدقها وبرّها، وقد كنّا نحدّث أنّ التّاجر الأمين الصّدوق مع السّبعة في ظلّ العرش يوم القيامة.
وأمّا قوله: {عن تراضٍ} فإنّ معناه كما: حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تبارك وتعالى: {عن تراضٍ منكم} في تجارةٍ أو بيعٍ أو عطاءٍ يعطيه أحدٌ أحدًا.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {عن تراضٍ منكم} في تجارةٍ أو بيعٍ أو عطاءٍ يعطيه أحدٌ أحدًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن القاسم، عن سليمان الجعفيّ، عن أبيه، عن ميمون بن مهران، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: البيع عن تراضٍ، والخيار بعد الصّفقة، ولا يحلّ لمسلمٍ أن يغشّ مسلمًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: المماسحة بيعٌ هي؟ قال: لا، حتّى يخيّره التّخيير بعدما يجب البيع، إن شاء أخذ وإن شاء ترك.
واختلف أهل العلم في معنى التّراضي في التّجارة، فقال بعضهم: هو أن يخيّر كلّ واحدٍ من المتبايعين بعد عقدهما البيع بينهما فيما تبايعا فيه من إمضاء البيع أو نقضه، أو يتفرّقا عن مجلسهما الّذي تواجبا فيه البيع بأبدانهما، عن تراضٍ منهما بالعقد الّذي تعاقداه بينهما قبل التّفاسخ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي عن قتادة، عن محمّد بن سيرين، عن شريحٍ، قال: اختصم رجلانٍ، باع أحدهما من الآخر برنسًا، فقال: إنّي بعت من هذا برنسًا، فارضيته فلم يرضني. فقال: أرضه كما أرضاك. قال: إنّي قد أعطيته دراهم ولم يرض. قال: أرضه كما أرضاك. قال: قد أرضيته فلم يرض. فقال: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا مؤمّلٌ قال: حدّثنا سفيان، عن عبد اللّه بن أبى السّفر، عن الشّعبيّ، عن شريحٍ قال: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن الحكم، عن شريحٍ، مثله.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن جابرٍ، قال: حدّثني أبو الضّحى، عن شريحٍ، أنّه قال: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا قال: قال أبو الضّحى: كان شريحٌ يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه.
- وحدّثني الحسين بن يزيد الطّحّان، قال: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، عن عبد السّلام، عن رجلٍ، عن أبي حوشبٍ، عن ميمونٍ، قال: اشتريت من ابن سيرين سابريًّا فسام عليّ سومه، فقلت: أحسن. فقال: إمّا أن تأخذ وإمّا أن تدع. فأخذت منه، فلمّا زنت الثّمن وضع الدّراهم، فقال: اختر إمّا الدّراهم وإمّا المتاع. فاخترت المتاع فأخذته.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن إسماعيل بن سالمٍ، عن الشّعبيّ، أنّه كان يقول في البيّعين: إنّهما بالخيار ما لم يتفرّقا، فإذا تصادرا فقد وجب البيع.
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، قال: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، قال: حدّثنا سفيان بن دينارٍ، عن طيسلة، قال: كنت في السّوق، وعليٌّ رضي اللّه عنه في السّوق، فجاءته جاريةٌ إلى بيع فاكهةٍ بدرهمٍ، فقالت: أعطني هذا، فأعطاها إيّاه، فقالت: لا أريده أعطني درهمي. فأبى، فأخذه منه عليٌّ فأعطاها إيّاه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، أنّه: أتي في رجلٍ اشترى من رجلٍ برذونًا ووجب له، ثمّ إنّ المبتاع ردّه قبل أن يتفرّقا، فقضى أنّه قد وجب عليه. فشهد عنده أبو الضّحى أنّ شريحًا قضى في مثله أن يردّه على صاحبه، فرجع الشّعبيّ إلى قضاء شريحٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا هشامٌ، عن ابن سيرين، عن شريحٍ، أنّه كان يقول في البيّعين: إذا ادّعى المشتري أنّه قد أوجب له البيع، وقال البائع: لم أوجبه له قال شاهدان عدلان أنّكما افترقتما عن تراضٍ بعد بيعٍ أو تخايرٍ، وإلاّ فيمين البائع: أنّكما ما افترقتما عن بيعٍ ولا تخايرٍ.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن محمّدٍ قال: كان شريحٌ يقول: شاهدان ذوا عدلٍ أنّكما افترقتما عن تراضٍ بعد بيعٍ وتخايرٍ، وإلاّ فيمينه باللّه ما تفرّقتما عن تراضٍ بعد بيعٍ أو تخايرٍ.
- حدّثنا حميد بن مسعدة قال: حدّثنا بشر بن المفضّل قال: حدّثنا ابن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، عن شريحٍ أنّه كان يقول: شاهدان ذوا عدلٍ أنّهما تفرّقا عن تراضٍ بعد بيعٍ أو تخايرٍ.
- وعلّة من قال هذه المقالة ما: حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبيد اللّه، قال: أخبرني نافعٌ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كلّ بيّعين فلا بيع بينهما حتّى يتفرّقا إلاّ أن يكون خيارًا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، قال: حدّثني يحيى بن أيّوب قال: كان أبو زرعة إذا بايع رجلاً يقول له: خيّرني، ثمّ يقول: قال أبو هريرة: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يفترق إلاّ عن رضًا.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا أهل البقيع فسمعوا صوته، ثمّ قال: يا أهل البقيع فاشرأبّوا ينظرون حتّى عرفوا أنّه صوته، ثمّ قال: يا أهل البقيع لا يتفرّقنّ بيّعان إلاّ عن رضًا.
- حدّثني أحمد بن محمّدٍ الطّوسيّ، قال: حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، قال: حدّثنا سليمان بن معاذٍ، قال: حدّثنا سماكٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بايع رجلاً ثمّ قال له: اختر فقال: قد اخترت، فقال: هكذا البيع قالوا:
فالتّجارة عن تراضٍ هو ما كان على بيّنة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من تخيير كلّ واحدٍ من المشتري والبائع في إمضاء البيع فيما يتبايعانه بينهما، أو نقضه بعد عقد البيع بينهما وقبل الافتراق، أو ما تفرّقا عنه بأبدانهما، عن تراضٍ منهما بعد مواجبة البيع فيه عن مجلسهما، فما كان بخلاف ذلك فليس من التّجارة الّتي كانت بينهما عن تراضٍ منهما.
وقال آخرون: بل التّراضي في التّجارة يوجب عقد البيع فيما تبايعه المتبايعان بينهما عن رضًا من كلّ واحدٍ منهما ما ملك عليه صاحبه وملك صاحبه عليه، افترقا عن مجلسهما ذلك أو لم يفترقا، تخايرا في المجلس أو لم يتخايرا فيه بعد عقده.
وعلّة من قال هذه المقالة: أنّ البيع إنّما هو بالقول، كما أنّ النّكاح بالقول، ولا خلاف بين أهل العلم في الإجبار في النّكاح لأحد المتناكحين على صاحبه، افترقا أو لم يفترقا عن مجلسهما الّذي جرى ذلك فيه. قالوا: فكذلك حكم البيع. وتأوّلوا قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا على أنّه ما لم يتفرّقا بالقول. وممّن قال هذه المقالة مالك بن أنسٍ، وأبو حنيفة، وأبو يوسف ومحمّدٌ.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين بالصّواب في ذلك عندنا قول من قال: إنّ التّجارة الّتي هي عن تراضٍ بين المتبايعين: ما تفرّق المتبايعان على المجلس الّذي تواجبا فيه بينهما عقدة البيع بأبدانهما، عن تراضٍ منهما بالعقد الّذي جرى بينهما، وعن تخيير كلّ واحدٍ منهما صاحبه؛ لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا أيّوب، وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، أو يكون بيع خيارٍ وربّما قال: أو يقول أحدهما للآخر: اختر
فإذا كان ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صحيحًا، فليس يخلو قول أحد المتبايعين لصاحبه: اختر، من أن يكون قبل عقد البيع، أو معه، أو بعده. فإن يكن قبله، فذلك الخلف من الكلام الّذي لا معنى له، لأنّه لم يملك قبل عقد البيع أحد المتبايعين على صاحبه، ما لم يكن له مالكًا، فيكون لتخييره صاحبه فيما ملك عليه وجهٌ مفهومٌ، ولا فيهما من يجهل، أنّه بالخيار في تمليك صاحبه ما هو له غير مالكٍ بعوضٍ يعتاضه منه، فيقال له: أنت بالخيار فيما تريد أن تحدثه من بيعٍ أو شراءٍ. أو يكون إن بطل هذا المعنى تخيير كلّ واحدٍ منهما صاحبه مع عقد البيع، ومعنى التّخيير في تلك الحال، نظير معنى التّخيير قبلها، لأنّها حالةٌ لم يزل فيها عن أحدهما ما كان مالكه قبل ذلك إلى صاحبه، فيكون للتّخيير وجهٌ مفهومٌ. أو يكون ذلك بعد عقد البيع، إذا فسد هذان المعنيان. وإذا كان ذلك كذلك صحّ أنّ المعنى الآخر من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أعني قوله: ما لم يتفرّقا إنّما هو التّفرّق بعد عقد البيع، كما كان التّخيير بعده، وإذا صحّ ذلك، فسد قول من زعم أنّ معنى ذلك: إنّما هو التّفرّق بالقول الّذي به يكون البيع. وإذا فسد ذلك صحّ ما قلنا من أنّ التّخيير والافتراق إنّما هما معنيان بهما يكون تمام البيع بعد عقده، وصحّ تأويل من قال: معنى قوله: {إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} إلاّ أن يكون أكلكم الأموال الّتي يأكلها بعضكم لبعضٍ عن ملكٍ منكم عمّن ملكتموها عليه بتجارةٍ تبايعتموها بينكم، وافترقتم عنها، عن تراضٍ منكم بعد عقد البيع بينكم بأبدانكم، أو يخيّر بعضكم بعضًا). [جامع البيان: 6/625-637]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ولا تقتلوا أنفسكم} ولا يقتل بعضكم بعضًا، وأنتم أهل ملّةٍ واحدةٍ ودعوةٍ واحدةٍ ودينٍ واحدٍ، فجعل جلّ ثناؤه أهل الإسلام كلّهم بعضهم من بعضٍ، وجعل القاتل منهم قتيلاً في قتله إيّاه منهم بمنزلة قتله نفسه، إذ كان القاتل والمقتول أهل يدٍ واحدةٍ على من خالف ملّتهما وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تقتلوا أنفسكم} يقول: أهل ملّتكم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ: {ولا تقتلوا أنفسكم} قال: قتل بعضكم بعضًا.
وأمّا قوله جلّ ثناؤه: {إنّ اللّه كان بكم رحيمًا} فإنّه يعني أنّ اللّه تبارك وتعالى لم يزل رحيمًا بخلقه، ومن رحمته بكم كفّ بعضكم عن قتل بعضٍ أيّها المؤمنون، بتحريم دماء بعضكم على بعضٍ إلاّ بحقّها، وحظر أكل مال بعضكم على بعض بالباطل، إلاّ عن تجارةٍ يملك بها عليه برضاه وطيب نفسه، لولا ذلك هلكتم وأهلك بعضكم بعضًا قتلاً وسلبًا وغصبًا). [جامع البيان: 6/637-638]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا (29)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، ثنا ابن فضيلٍ، عن داود الأوديّ، عن عامرٍ، عن علقمة، عن عبد اللّه، يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال: إنّها لمحكمةٌ ما نسخت، ولا تنسخ إلى يوم القيامة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أنزل اللّه تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل فقال المسلمون إنّ اللّه قد نهانا أن نأكل أموالنا بالباطل، والطّعام هو من فضل الأموال، فلا يحلّ لأحدٍ منّا أن يأكل عند أحدٍ، فكفّ النّاس عن ذلك:
فأنزل اللّه تعالى بعد ذلك ليس على الأعمى حرج الآية.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال: منعت البيوت زماناً، كان الرّجل لا يضيّف أحداً ولا يأكل في بيت غيره تأثّماً من ذلك، ثمّ نسخ اللّه ذلك، فكان أوّل من رخّص له في ذلك الأعمى والأعرج والمريض.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل يقول: لا تأكلوا إلا بحقّه، وهو الرّجل يجحد بحقٍّ هو له ويقطع ما لا بيمينٍ كاذبةٍ أو يغضب أو يأكل الرّبا.
قوله تعالى: بالباطل
- حدّثنا محمّد بن عبادة بن البختريّ، ثنا يزيد، أنبأ حمّادٌ، عن داود ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّه كره أن يأخذ الرّجل الثّوب ويقول: إن رضيته وإلا رددته عليك ودرهم ودرهمين قال: هذا الّذي قال اللّه تعالى: لا تأكلوا أموالكم (بينكم) بالباطل.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأوذى، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال: أمّا أكلهم بينهم بالباطل فبالزّنا والقمار والنّجش والظّلم.
قوله تعالى: إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: عن تراضٍ منكم قال: في تجارةٍ أوسع أو عطاءٍ يعطيه أحدا.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم: إلا أن تكون تجارةً فليربح في الدّرهم ألفاً إن استطاع.
قوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفص بن غياثٍ، عن عمران بن سليمان عن أبي صالحٍ، وعكرمة ولا تقتلوا أنفسكم قالا: نهاهم عن قتل بعضهم بعضاً- وروي عن مجاهدٍ والحسن وسعيد بن جبيرٍ وعطاءٍ وأبي سنانٍ ومقاتل بن حيّان، ومطرٍ الورّاق نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا معاذ بن فضالة، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن عمران بن أبي أنيسٍ، عن عبد الرّحمن بن جبيرٍ، عن عمرو بن العاص أنّه قال:
يا رسول اللّه: إنّي احتلمت في ليلةٍ باردةٍ لم يصبني بردٌ مثله قطّ، فخيّرت نفسي بين أغتسل فأقتل نفسي، وأتوضّأ، فذكرت قول اللّه تعالى ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيماً فتوضّأت، فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يقل شيئاً). [تفسير القرآن العظيم: 3/926-928]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال الله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} [النساء: 29] فكان الرجل يحرج أن يأكل عند أحدٍ من الناس بعد ما نزلت هذه الآية، فنسخ ذلك بالآية الأخرى التي في النور، فقال: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم - إلى قوله - أشتاتاً} [النور: 61] فكان الرّجل الغنيّ يدعو الرّجل من أهله إلى طعام، فيقول: إني لأجنح أن آكل منه - والتّجنّح: الحرج - ويقول: المسكين أحقّ به مني، فأحلّ في ذلك أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وأحلّ طعام أهل الكتاب.
أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
(يحرج) التّحرّج: قد مر أيضاً تفسيره فيها.
(أجنح) أي: أرى جناحاً وإثماً أن آكله.
(أشتاتاً):جمع شت، وهم المتفرقون). [جامع الأصول: 2/86-87]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء: 29]
- عن عبد اللّه بن مسعودٍ في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} [النساء: 29]، قال: إنّها محكمةٌ ما نسخت.
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/3]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} قال: إنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: أما أكلهم أموالهم بينهم بالباطل فالزنا والقمار والبخس والظلم {إلا أن تكون تجارة} فليرب الدرهم ألفا إن استطاع.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن في الآية قال: كان الرجل يتحرج أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية فنسخ ذلك بالآية التي في النور (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) (النور الآية 61) الآية.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) قال: عن تراض في تجارة بيع أو عطاء يعطيه أحد أحدا
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي في "سننه" عن قتادة في الآية قال: التجارة رزق من رزق الله وحلال من حلال الله لمن طلبها بصدقها وبرها وقد كنا نحدث أن التاجر الأمين الصدوق مع السبعة في ظل العرش يوم القيامة.
وأخرج الترمذي وحسنه الحاكم عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء.
وأخرج ابن ماجه والحاكم والبيهقي عن ابن عمر مرفوعا قال: التاجر الصدوق الأمين المسلم مع الشهداء يوم القيامة.
وأخرج الحاكم عن رافع بن خديج قال: قيل: يا رسول الله أي الكسب أطيب قال: كسب الرجل بيده وكل بيع مبرور.
وأخرج الحاكم والبيهقي في "سننه" عن أبي بردة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب أوأفضل قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور.
وأخرج سعيد بن منصور عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي.
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن صفوان بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعلم أن عون الله مع صالحي التجار.
وأخرج الأصبهاني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التاجر الصدوق في ظل العرش يوم القيامة.
وأخرج الأصبهاني عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا.
وأخرج الأصبهاني عن أبي أمامة مرفوعا أن التاجر إذا كان فيه أربع خصال طاب كسبه: إذا اشترى لم يذم وإذا باع لم يمدح ولم يدلس في البيع ولم يحلف فيما بين ذلك.
وأخرج الحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن شبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن التجار هم الفجار، قالوا: يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع قال: بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون.
وأخرج الحاكم وصححه عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكثر الجهل وتظهر كان الفتن وتفشو التجارة.
أخرج ابن ماجه، وابن المنذر عن ابن سعيد في قوله تعالى {عن تراض منكم} قال: قال رسول الله: إنما البيع عن تراض.
وأخرج ابن جرير عن ميمون بن مهران قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيع عن تراض والخيار بعد الصفقة ولا يحل لمسلم أن يغش مسلما.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي زرعة أنه باع فرسا له فقال لصاحبه: اختر فخيره ثلاثا ثم قال له: خيرني، فخيره ثلاثا ثم قال: سمعت أبا هريرة يقول: هذا البيع عن تراض.
وأخرج ابن ماجه، عن جابر بن عبد الله قال: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب حمل خبط فلما وجب البيع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختر، فقال الأعرابي: عمرك الله بيعا كان
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم باع رجلا ثم قال له: اختر، فقال: قد اخترت، فقال: هكذا البيع.
وأخرج ابن جرير عن أبي زرعة أنه كان إذا بايع رجلا يقول له: خيرني، ثم يقول: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفترق اثنان إلا عن رضا.
وأخرج ابن جرير عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل البقيع لا يتفرقن بيعان إلا عن رضا.
وأخرج البخاري والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر: اختر،.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي صالح وعكرمة {ولا تقتلوا أنفسكم} قالا: نهاهم عن قتل بعضهم بعضا كان
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد {ولا تقتلوا أنفسكم} لا يقتل بعضكم قال: بعضا.
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح، مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن السدي {ولا تقتلوا أنفسكم} قال: أهل دينكم.
وأخرج أحمد وأبو داود، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عمرو بن العاص قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت به ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب قلت: نعم يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغستلت أن أهلك وذكرت قول الله {ولا تقتلوا أنفسكم} فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا كان
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن عمرو بن العاص صلى بالناس وهو جنب فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فدعاه فسأله عن ذلك فقال: يا رسول الله خشيت أن يقتلني البرد وقد قال الله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن سعد، وابن المنذر عن عاصم بن بهدلة أن مسروقا أتى صفين فقام بين الصفين فقال: يا أيها الناس أنصتوا أرأيتم لو أن مناديا ناداكم من السماء فرأيتموه وسمعتم كلامه فقال: إن الله ينهاكم عما أنتم فيه أكنتم منتهين قالوا: سبحان الله،، قال: فوالله لقد نزل بذلك جبريل على محمد وما ذاك بأبين عندي منه إن الله قال {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} ثم رجع إلى الكوفة). [الدر المنثور: 4/347-355]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيمًا (29) ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن زيدٍ، عن عاصم بن بهدلة، أنّ مسروقًا أتى صفّين، فقام بين الصّفّين، فقال: يا أيّها النّاس أنصتوا، أرأيتم (لو) أنّ مناديًا ناداكم من السّماء، فرأيتموه، وسمعتم كلامه، فقال: إنّ اللّه ينهاكم عمّا أنتم فيه، أكنتم منتهون؟ قال: فسبّوه، قال: فواللّه لقد نزل بذلك جبريل عليه السّلام، وما ذاك عندنا بأبين من محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم؛ إنّ اللّه يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا. ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله يسيرًا} قال: ثمّ دخل إلى النّاس، ورجع إلى الكوفة). [سنن سعيد بن منصور: 4/1232-1233] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على اللّه يسيرا}
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ومن يفعل ذلك عدوانًا} فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن يقتل نفسه، بمعنى: ومن يقتل أخاه المؤمن عدوانًا وظلمًا {فسوف نصليه نارًا}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ أرأيت قوله: {ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا} في كلّ ذلك، أو في قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} قال: بل في قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن يفعل ما حرّمته عليه من أوّل هذه السّورة إلى قوله: {ومن يفعل ذلك} من نكاح من حرّمت نكاحه، وتعدّى حدوده، وأكل أموال الأيتام ظلمًا، وقتل النّفس المحرّم قتلها ظلمًا بغير حقٍّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن يأكل مال أخيه المسلم ظلمًا بغير طيب نفسٍ منه وقتل أخاه المؤمن ظلمًا، فسوف نصليه نارًا.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال معناه: ومن يفعل ما حرّم اللّه عليه من قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرهًا} إلى قوله: {ومن يفعل ذلك} من نكاح المحرّمات، وعضل المحرّم عضلها من النّساء، وأكل المال بالباطل، وقتل المحرّم قتله من المؤمنين، لأنّ كلّ ذلك ممّا وعد اللّه عليه أهله العقوبة.
فإن قال قائلٌ: فما منعك أن تجعل قوله: {ذلك}: معنيًّا به جميع ما أوعد اللّه عليه العقوبة من أوّل السّورة؟ قيل: منعنى ذلك أنّ كلّ فصلٍ من ذلك قد قرن بالوعيد، إلى قوله: {أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} ولا ذكر للعقوبة من بعد ذلك على ما حرّم اللّه في الآية الّتي بعده، إلى قوله: {فسوف نصليه نارًا} فكان قوله: {ومن يفعل ذلك} معنيًّا به ما قلنا ممّا لم يقرن بالوعيد مع إجماع الجميع على أنّ اللّه تعالى قد توعّد على كلّ ذلك أولى من أن يكون معنيًّا به ما يتسلف فيه الوعيد بالنّهي مقرونًا قبل ذلك.
وأمّا قوله: {عدوانًا} فإنّه يعني به: تجاوزًا لما أباح اللّه له إلى ما حرّمه عليه {وظلمًا} يعني: فعلاً منه ذلك بغير ما أذن اللّه به، وركوبًا منه ما قد نهاه اللّه عنه.
وقوله: {فسوف نصليه نارًا} يقول: فسوف نورده نارًا يصلى بها فيحترق فيها. {وكان ذلك على اللّه يسيرًا} يعني: وكان إصلاء فاعل ذلك النّار وإحراقه بها على اللّه سهلاً يسيرًا، لأنّه لا يقدر على الامتناع على ربّه ممّا أراد به من سوءٍ. وإنّما يصعب الوفاء بالوعيد لمن توعّده على من كان إذا حاول الوفاء به قدر المتوعّد من الامتناع منه، فأمّا من كان في قبضة موعّده فيسيرٌ عليه إمضاء حكمه فيه والوفاء له بوعيده، غير عسيرٍ عليه أمرٌ أراده به). [جامع البيان: 6/638-640]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على اللّه يسيرًا (30)
قوله تعالى: ومن يفعل ذلك
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: ومن يفعل ذلك يعني: الدّماء والأموال جميعًا متعمّدًا- وروي عن مقاتلٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- ذكره محمّد بن يحيى، أنبأ يحيى بن المغيرة قال: ذكر جريرٌ: أنّ هذه الآية فيمن يؤدّي الميراث، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما.
قوله تعالى: عدواناً
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء، بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: عدواناً يعني: اعتداءً بغير حقٍّ.
قوله تعالى: وظلماً
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: وظلماً يعني: ظلماً بغير حقٍّ فيمت على ذلك.
قوله تعالى: فسوف نصليه ناراً
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة، عن زيد بن أسلم، عن عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب قال: لمّا نزلت الموجبات الّتي أوجب اللّه عليها النّار لمن عمل بها نحو هذه الآية فسوف نصليه ناراً ونحوها، كنّا نشهد على من فعل شيئاً من هذا أنّه من أهل النّار، حتّى نزلت: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فلمّا نزلت كففنا عن الشّهادة، ولم نشهد أنّهم في النّار، وخفنا عليهم بما أوجب اللّه لهم.
قوله تعالى: وكان ذلك على اللّه يسيراً
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: وكان ذلك على اللّه يسيراً يقول: كان عذابه على اللّه هيّناً). [تفسير القرآن العظيم: 3/928-929]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {ومن يفعل ذلك} يعني الأموال والدماء جميعا {عدوانا وظلما} يعني متعمدا إعتداء بغير حق {وكان ذلك على الله يسيرا} يقول: كان عذابه على الله هينا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت كان قوله تعالى {ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا} في كل ذلك أم في قوله تعالى). [الدر المنثور: 4/355-356]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:01 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)}

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تقتلوا أنفسكم} أي: لا تهلكوها). [مجاز القرآن: 1/124]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ مّنكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيماً}
قال: {إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ مّنكم} فقوله: {إلاّ أن تكون تجارةٌ} استثناء خارج من أول الكلام و{تكون} هي "تقع" في المعنى وفي "كان" التي لا تحتاج إلى الخبر فلذلك رفع التجارة). [معاني القرآن: 1/199]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير استحقاق.

{إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} مثل المضاربة والمقارضة في التجارة، فيأكل بعضكم مال بعض عن تراض.
{ولا تقتلوا أنفسكم} أي: لا يقتل بعضكم بعضا، على ما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن:124-125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا تقتلوا إخوانكم). [تأويل مشكل القرآن: 152]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيما}
فحرم اللّه - جلّ وعزّ - المال إلّا أن يوجد على السّبل التي ذكر من الفرائض في المواريث والمهور والتسري والبيع والصدقات التي ذكر وجوهها.
{إلّا أن تكون تجارة}المعنى: إلا أن تكون الأموال تجارة، ومن قرأ إلا أن تكون تجارة، فمعناه: إلا أن تقع تجارة.
{عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم} فاعلم أن التجارة تصح برضا البّيع والمشترى). [معاني القرآن: 2/44]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} أي: لا يحل لكم إلا على ما تقدم من هبة أو مهر
أو صدقة أو بيع أو شراء وما أشبه ذلك). [معاني القرآن: 2/69-70]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} قال عطاء: أي لا يقتل بعضكم بعضا، وذلك معروف في اللغة لأن المؤمن من المؤمن بمنزلة نفسه .
وقرأ الحسن {ولا تقتلوا أنفسكم} على التكثير). [معاني القرآن: 2/70-71]


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فسوف نصليه ناراً...}
وتقرأ: نصليه، وهما لغتان، وقد قرئتا، من صليت وأصليت. وكأنّ صليت: تصليه على النار، وكأنّ أصليت: جعلته يصلاها). [معاني القرآن: 1/263]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اللّه يسيرا}أي: ومن يأكلها ويقتل النفس - لأن قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} أي: لا يقتل بعضكم بعضا، فمن فعل ذلك عدوانا وظلما، معنى العدوان: أن يعدوا ما أمر به، والظلم: أن يضع الشيء في غير موضعه.
وقوله:
{فسوف نصليه نارا}
و{نصليه نارا} وعد اللّه - جلّ وعزّ - على أكل الأموال ظلما وعلى القتال النار.

{وكان ذلك على اللّه يسيرا} أي: سهلا، يقال قد يسر الشيء فهو يسير إذا سهل، وقد عسر الشيء وعسر إذا لم يسهل فهو عسير). [معاني القرآن: 2/44-45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا} العدوان في اللغة: المجاوزة للحق.

والظلم: وضع الشيء في غير موضعه).[معاني القرآن: 2/71]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وكان ذلك على الله يسيرا} أي: سهلا يقال يسر الشيء فهو يسير إذا سهل). [معاني القرآن: 2/71]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:59 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) }


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا أتاه فشكا إليه الجوع فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مصلية فأطعمه منها.
حدثناه خلف بن خليفة عن ليث، عن مجاهد، وإبراهيم إلا أنه قال:
قال أحدهما أتي بشاة مصلية، وقال الآخر: بقصعة من ثريد.
قال الكسائي وغير واحد: قوله: مصلية يعني مشوية.
يقال منه: صليت اللحم وغيره: إذا شويته فأنا أصليه صليا، مثال رميته أرميه رميا إذا فعلت ذلك وأنت تريد أن تشويه، فإن ألقيته فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت: أصليته إصلاء بالألف، وكذلك صليته أصليه تصلية قال الله تبارك وتعالى: {ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا}.
وروي عن علي رحمه الله أنه كان يقرأ: (ويُصَلَّى سعيرا).
وكان الكسائي يقرأ به فهذا ليس من الشي إنما هو من إلقائك إياه فيها قال أبو زبيد الطائي:
فقد تصليت حر حربهم = كما تصلى المقرور من قرس
يعني البرد
يقال: قد صليت بالأمر فأنا أصلى به إذا قاسى حره وشدته.
ويقال في غير هذا المعنى: صليت لفلان بالتخفيف، وذلك إذا عملت له في أمر تريد أن تمحل به فيه وتوقعه في هلكة والأصل في هذا المصالي، وهي شبيهة بالشرك ينصب للطير وغيرها.
وقد روي في حديث من حديث أهل الشام: أن للشيطان
مصالي وفخوخا يعني ما يصيد به الناس، وهو من هذا وليس من الأول). [غريب الحديث: 3/394-397]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيماً (29) ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على اللّه يسيراً (30)
هذا استثناء ليس من الأول، والمعنى: لكن إن كانت تجارة فكلوها، وقرأ المدنيون وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو: «تجارة» بالرفع على تمام «كان» وأنها بمعنى: وقع، وقرأت فرقة، هي الكوفيون حمزة وعاصم والكسائي: «تجارة» بالنصب على نقصان «كان»، وهو اختيار أبي عبيد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهما قولان قويان، إلا أن تمام «كان» يترجح عند بعض، لأنها صلة «لأن» فهي محطوطة عن درجتها إذا كانت سليمة من صلة وغيرها، وهذا ترجيح ليس بالقوي ولكنه حسن، وأن في موضع نصب، ومن نصب «تجارة» جعل اسم كان مضمرا، تقديره الأموال أموال تجارة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، أو يكون التقدير: إلا أن تكون التجارة تجارة، ومثل ذلك قول الشاعر:
[الطويل] إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا أي: إذا كان اليوم يوما، والاستثناء منقطع في كل تقدير وفي قراءة الرفع. فأكل الأموال بالتجارة جائز بإجماع الأمّة، والجمهور على جواز الغبن في التجارة، مثال ذلك: أن يبيع الرجل ياقوتة بدرهم وهي تساوي مائة، فذلك جائز، ويعضده حديث النبي صلى الله عليه وسلم «لا يبع حاضر لباد» لأنه إنما أراد بذلك أن يبيع البادي باجتهاده، ولا يمنع الحاضر الحاضر من رزق الله في غبنه، وقالت فرقة: الغبن إذا تجاوز الثلث مردود، وإنما أبيح منه المتقارب المتعارف في التجارات، وأما المتفاحش الفادح فلا، وقاله ابن وهب من أصحاب مالك رحمه الله. وعن تراضٍ معناه عن رضا، إلا أنها جاءت من المفاعلة، إذ التجارة من اثنين. واختلف أهل العلم في التراضي، فقالت طائفة: تمامه وجزمه بافتراق الأبدان بعد عقدة البيع، أو بأن يقول أحدهما لصاحبه: اختر فيقول: قد اخترت، وذلك بعد العقدة أيضا، فينجزم حينئذ، هذا هو قول الشافعي وجماعة من الصحابة، وحجته حديث النبي صلى الله عليه وسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار»، وهو حديث ابن عمر وأبي برزة، ورأيهما- وهما الراويان- أنه افتراق الأبدان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والتفرق لا يكون حقيقة إلا بالأبدان، لأنه من صفات الجواهر، وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله: تمام التراضي أن يعقد البيع بالألسنة فتنجزم العقدة بذلك ويرتفع الخيار، وقالا في الحديث المتقدم: إنه التفرق بالقول، واحتج بعضهم بقوله تعالى: وإن يتفرّقا يغن اللّه كلًّا من سعته [النبأ: 130] فهذه فرقة بالقول لأنها بالطلاق، قال من احتج للشافعي: بل هي فرقة بالأبدان، بدليل تثنية الضمير، والطلاق لا حظّ للمرأة فيه، وإنما حظها في فرقة البدن التي هي ثمرة الطلاق، قال الشافعي: ولو كان معنى قوله: يتفرقا بالقول الذي هو العقد لبطلت الفائدة في قوله: البيعان بالخيار، لأنه لا يشك في أن كل ذي سلعة مخير ما لم يعقد، فجاء الإخبار لا طائل فيه، قال من احتجّ لمالك: إنما القصد في الحديث الإخبار عن وجوب ثبوت العقد، فجاء قوله: البيعان بالخيار توطئة لذلك، وإن كانت التوطئة معلومة، فإنها تهيئ النفس لاستشعار ثبوت العقد ولزومها، واستدل الشافعي بقوله عليه السلام: «لا يسم الرجل على سوم أخيه، ولا يبع الرجل على بيع أخيه» فجعلها مرتبتين لأن حالة البيعين بعد العقد قبل التفرق تقتضي أن يفسد مفسد بزيادة في السلعة فيختار ربها حل الصفقة الأولى، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الإفساد، ألا ترى أنه عليه السلام قال: «لا يخطب الرجل على خطبة أخيه» فهي في درجة لا يسم، ولم يقل: لا ينكح على نكاح أخيه لأنه لا درجة بعد عقد النكاح تقتضي تخييرا بإجماع من الأمة، قال من يحتج لمالك رحمه الله: قوله عليه السلام: لا يسم ولا يبع، هي درجة واحدة كلها قبل العقد، وقال: لا يبع تجوزا في لا يسم، إذ ماله إلى البيع، فهي جميعا بمنزلة قوله: لا يخطب، والعقد جازم فيهما جميعا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقوله في الحديث «إلا بيع الخيار» معناه عند المالكيين: المتساومان بالخيار ما لم يعقدا، فإذا عقدا بطل الخيار إلا في بيع الخيار الذي عقد من أوله على خيار مدة ما، فإنه لا يبطل الخيار فيه، ومعناه عند الشافعيين: المتبايعان بعد عقدهما مخيران ما داما في مجلسهما، إلا بيعا يقول فيه أحدهما لصاحبه اختر فيختار، فإن الخيار ينقطع بينهما وإن لم يتفرقا، فإن فرض بيع خيار فالمعنى إلا بيع الخيار فإنه يبقي الخيار بعد التفرق بالأبدان، وقوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم قرأ الحسن «ولا تقتّلوا» على التكثير، فأجمع المتأولون أن المقصد بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضها، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل، أو بأن يحملها على غرر ربما مات منه، فهذا كله يتناوله النهي، وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد خوفا على نفسه منه، فقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجاجه). [المحرر الوجيز: 2/527-530]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً اختلف المتأولون في المشار إليه بذلك، فقال عطاء: ذلك عائد على القتل لأنه أقرب مذكور، وقالت فرقة: ذلك عائد على أكل المال بالباطل وقتل النفس، لأن النهي عنهما جاء متسقا مسرودا، ثم ورد الوعيد حسب النهي، وقالت فرقة ذلك عائد على كل ما نهى عنه من القضايا من أول السورة إلى قوله تعالى: ومن يفعل ذلك وقال الطبري: ذلك عائد على ما نهى عنه من آخر وعيد، وذلك قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرهاً [النساء: 19] لأن كل ما نهي عنه من أول السورة قرن به وعيد إلا من قوله: يا أيّها الّذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرهاً فإنه والنواهي بعده لا وعيد معها، إلا قوله: ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً والعدوان: تجاوز الحد، ونصليه معناه: نمسه حرها، كما تعرض الشاة المصلية، أي نحرقه بها، وقرأ الأعمش والنخعي، «نصليه» بفتح النون، وقراءة الجمهور بضم النون على نقل صلى بالهمز، وقراءة هذين على لغة من يقول: صليته نارا، بمعنى أصليته، وحكى الزجّاج أنها قد قرئت «نصلّيه» بفتح الصاد وشد اللام المكسورة ويسير ذلك على الله عز وجل، لأن حجته بالغة، وحكمه لا معقب له). [المحرر الوجيز: 2/531]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا (29) ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على اللّه يسيرًا (30) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريمًا (31)}
نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضًا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب الّتي هي غير شرعيّةٍ، كأنواع الرّبا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في غالب الحكم الشّرعيّ ممّا يعلم اللّه أنّ متعاطيها إنّما يريد الحيلة على الرّبا، حتّى قال ابن جريرٍ:
حدّثني ابن المثنّى، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ -في الرّجل يشتري من الرّجل الثّوب فيقول: إن رضيته أخذته وإلّا رددته ورددت معه درهمًا-قال: هو الّذي قال اللّه عزّ وجلّ: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن حرب الموصلي، حدثنا ابن فضيلٍ، عن داود الأوديّ عن عامرٍ، عن علقمة، عن عبد اللّه [ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}] قال: إنّها [كلمةٌ] محكمةٌ، ما نسخت، ولا تنسخ إلى يوم القيامة.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: لمّا أنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} قال المسلمون: إنّ اللّه قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطّعام هو أفضل الأموال، فلا يحلّ لأحدٍ منّا أن يأكل عند أحدٍ، فكيف للنّاس ! فأنزل اللّه بعد ذلك: {ليس على الأعمى حرجٌ} [النّور: 61] الآية، [وكذا قال قتادة بن دعامة].
وقوله: {إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} قرئ: تجارةٌ بالرّفع وبالنّصب، وهو استثناءٌ منقطعٌ، كأنّه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرّمة في اكتساب الأموال، لكنّ المتاجر المشروعة الّتي تكون عن تراضٍ من البائع والمشتري فافعلوها وتسبّبوا بها في تحصيل الأموال. كما قال [اللّه] تعالى: {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ} [الأنعام: 151]، وكقوله {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} [الدخان: 56].
ومن هذه الآية الكريمة احتجّ الشّافعيّ [رحمه اللّه] على أنّه لا يصحّ البيع إلّا بالقبول؛ لأنّه يدلّ على التّراضي نصا، بخلاف المعاطاة فإنّها قد لا تدلّ على الرّضا ولا بدّ، وخالف الجمهور في ذلك مالكٌ وأبو حنيفة وأحمد وأصحابهم، فرأوا أنّ الأقوال كما تدلّ على التّراضي، وكذلك الأفعال تدلّ في بعض المحالّ قطعًا، فصحّحوا بيع المعاطاة مطلقًا، ومنهم من قال: يصحّ في المحقّرات، وفيما يعدّه النّاس بيعًا، وهو احتياط نظرٍ من محقّقي المذهب، واللّه أعلم.
قال مجاهدٌ: {إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} بيعًا أو عطاءً يعطيه أحدٌ أحدًا. ورواه ابن جريرٍ [ثمّ] قال: وحدّثنا ابن وكيع، حدّثنا أبي، عن القاسم، عن سليمان الجعفي، عن أبيه، عن ميمون بن مهران قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "البيع عن تراض والخيار بعد الصّفقة ولا يحلّ لمسلمٍ أن يغشّ مسلمًا". هذا حديثٌ مرسلٌ.
ومن تمام التّراضي إثبات خيار المجلس، كما ثبت في الصّحيحين: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا" وفي لفظ البخاريّ: "إذا تبايع الرّجلان فكلّ واحدٍ منهما بالخيار ما لم يتفرّقا".
وذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الشّافعيّ، وأحمد [بن حنبلٍ] وأصحابهما، وجمهور السّلف والخلف. ومن ذلك مشروعيّة خيار الشّرط بعد العقد إلى ثلاثة أيّامٍ، [كما هو متّفقٌ عليه بين العلماء إلى ما هو أزيد من ثلاثة أيّامٍ] بحسب ما يتبيّن فيه مال البيع، ولو إلى سنةٍ في القرية ونحوها، كما هو المشهور عن مالكٍ، رحمه اللّه. وصحّحوا بيع المعاطاة مطلقًا، وهو قولٌ في مذهب الشّافعيّ، ومنهم من قال: يصحّ بيع المعاطاة في المحقّرات فيما يعدّه النّاس بيعًا، وهو اختيار طائفةٍ من الأصحاب.
وقوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} أي: بارتكاب محارم اللّه وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل {إنّ اللّه كان بكم رحيمًا} أي: فيما أمركم به، ونهاكم عنه.
قال الإمام أحمد: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا يزيد بن أبي حبيبٍ، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن عبد الرّحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، رضي اللّه عنه، أنّه قال لمّا بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عام ذات السّلاسل قال: احتلمت في ليلةٍ باردةٍ شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمّمت ثمّ صلّيت بأصحابي صلاة الصّبح، قال: فلمّا قدمت على رسول اللّه صلّى عليه وسلّم ذكرت ذلك له، فقال: "يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنبٌ! " قال: قلت يا رسول اللّه إنّي احتلمت في ليلةٍ باردةٍ شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فذكرت قول اللّه [عز وجلّ] {ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا} فتيمّمت ثمّ صلّيت. فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يقل شيئًا.
وهكذا رواه أبو داود من حديث يحيى بن أيّوب، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، به. ورواه أيضًا عن محمّد بن أبي سلمة، عن ابن وهبٍ، عن ابن لهيعة وعمر بن الحارث، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن عبد الرّحمن بن جبيرٍ المصريّ، عن أبي قيسٍ مولى عمرو بن العاص، عنه، فذكر نحوه. وهذا، واللّه أعلم، أشبه بالصّواب.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن حامدٍ البلخي، حدّثنا محمّد بن صالح بن سهلٍ البلخيّ، حدثنا عبيد عبد اللّه بن عمر القواريريّ، حدّثنا يوسف بن خالدٍ، حدّثنا زياد بن سعدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ عمرو بن العاص صلّى بالنّاس وهو جنب، فلمّا قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكروا ذلك له، فدعاه فسأله عن ذلك، فقال: يا رسول اللّه، خفت أن يقتلني البرد، وقد قال اللّه تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم [إنّ اللّه كان بكم رحيمًا]} قال: فسكت عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ثمّ أورد ابن مردويه عند هذه الآية الكريمة من حديث الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من قتل نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسمٍّ، فسمّه في يده، يتحسّاه في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومن تردّى من جبلٍ فقتل نفسه، فهو مترد في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا".
وهذا الحديث ثابتٌ في الصّحيحين وكذلك رواه أبو الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، وعن أبي قلابة، عن ثابت بن الضّحّاك، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من قتل نفسه بشيءٍ عذّب به يوم القيامة". وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من طريق أبي قلابة وفي الصّحيحين من حديث الحسن، عن جندب بن عبد اللّه البجلي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كان رجلٌ ممّن كان قبلكم وكان به جرح، فأخذ سكّينًا نحر بها يده، فما رقأ الدّم حتّى مات، قال اللّه عزّ وجلّ: عبدي بادرني بنفسه، حرّمت عليه الجنّة".
ولهذا قال اللّه تعالى: {ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا} أي: ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه متعديا فيه ظالمًا في تعاطيه، أي: عالمًا بتحريمه متجاسرًا على انتهاكه {فسوف نصليه نارًا [وكان ذلك على اللّه يسيرًا]} وهذا تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ، فليحذر منه كلّ عاقلٍ لبيبٍ ممّن ألقى السّمع وهو شهيدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/268-270]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولهذا قال اللّه تعالى: {ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا} أي: ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه متعديا فيه ظالمًا في تعاطيه، أي: عالمًا بتحريمه متجاسرًا على انتهاكه {فسوف نصليه نارًا [وكان ذلك على اللّه يسيرًا]} وهذا تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ، فليحذر منه كلّ عاقلٍ لبيبٍ ممّن ألقى السّمع وهو شهيدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/270-271] (م)

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة