{حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ذ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) }
تفسير قوله تعالى: {حم (1)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {حم (1) تنزيل من الرّحمن الرّحيم (2)}
{تنزيل} رفع بالابتداء، وخبره {كتاب فصّلت آياته}, هذا مذهب البصريين.
وقال الفرّاء : يجوز أن يكون {تنزيل} مرتفعا بـ {حم} ، ويجوز أن يرتفع بإضمار هذا المعنى , هذا تنزيل من العزيز الرحيم، أي : هو تنزيل). [معاني القرآن: 4/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله جل وعز: {حم تنزيل من الرحمن الرحيم}
, الخبر عند البصريين {كتاب فصلت آياته} ). [معاني القرآن: 6/241] (م)
تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {حم (1) تنزيل من الرّحمن الرّحيم (2)}
{تنزيل} رفع بالابتداء، وخبره :{كتاب فصّلت آياته}, هذا مذهب البصريين.
وقال الفرّاء يجوز أن يكون {تنزيل} مرتفعا بـ {حم}، ويجوز أن يرتفع بإضمار هذا المعنى , هذا تنزيل من العزيز الرحيم، أي : هو تنزيل). [معاني القرآن: 4/379] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} , الخبر عند البصريين {كتاب فصلت آياته} ). [معاني القرآن: 6/241] (م)
تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {كتابٌ فصّلت آياته قرآناً عربيّاً...}.
تنصب قرآنا على الفعل، أي: فصلت آياته كذلك، ويكون نصبا على القطع؛ لأن الكلام تام عند قوله: {آياته}.
ولو كان رفعا على أنه من نعت الكتاب كان صوابا, كما قال في موضع آخر: {كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ}، وكذلك قوله: {بشيراً ونذيراً} فيه ما في: {قرآنا عربيا}). [معاني القرآن: 3/11-12]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({كتابٌ فصّلت آياته قرآناً عربيّاً لّقومٍ يعلمون}
قال: {كتابٌ فصّلت آياته}, فالكتاب: خبر المبتدأ أخبر به: أن التنزيل كتاب . ثم قال: {فصّلت آياته قرآناً عربيّاً} : شغل الفعل بالآيات حتى صارت بمنزلة الفاعل , فنصب القرآن). [معاني القرآن: 4/5]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قرآنا عربيّا لقوم يعلمون (3)}: نصب{قرآنا} على الحال.
المعنى: بينت آياته قرآنا، أي: بينت آياته في حال جمعه عربيا.
{لقوم يعلمون} : أي: بيّنا لمن يعلم.). [معاني القرآن: 4/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {حم (1) تنزيل من الرحمن الرحيم}
الخبر عند البصريين : {كتاب فصلت آياته}
وقال بعض الكوفيين : هذا كتاب فصلت آياته , أي: أنزلت متفرقة .
وقال الحسن : {فصلت}: بالوعيد.
وقال مجاهد : {فصلت}: فسرت .
وقال قتادة : بين حلالها وحرامها , والطاعة والمعصية.
ثم قال جل وعز: {قرآنا عربيا لقوم يعلمون} : قرآنا عربيا , أي: في حال الاجتماع,{ لقوم يعلمون}: أي: لمن يعلم العربية .
{بشيرا ونذيرا}: نعت للقرآن).[معاني القرآن: 6/241-241]
تفسير قوله تعالى:{بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنّةٍ ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجابٌ فاعمل إنّنا عاملون}
وقوله: {بشيراً ونذيراً} حين شغل عنه, وإن شئت جعلته نصبا على المدح ؛ كأنه حين أقبل على مدحه , فقال : "ذكرنا , قرآناً , عربيّاً , بشيراً, ونذيراً", أو "ذكرناه قرآناً عربيّاً", وكان فيما مضى من ذكره دليل على ما أضمر). [معاني القرآن: 4/6]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4)}
{بشيرا ونذيرا} : من صفته.). [معاني القرآن: 4/379]
تفسير قوله تعالى:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن بيننا وبينك حجابٌ...}.
يقول: بيننا , وبينك فرقة في ديننا، فاعمل في هلاكنا , إننا عاملون في ذلك منك، ويقال: فاعمل لما تعلم من دينك , فإننا عاملون بديننا). [معاني القرآن: 3/12]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : (وقال: {ومن بيننا وبينك حجابٌ} : معناه - والله أعلم - "وبيننا وبينك حجابٌ" , ولكن دخلت "من" للتوكيد). [معاني القرآن: 4/6]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أكنة}: واحدها كنان).[غريب القرآن وتفسيره: 328]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وفي آذاننا وقرٌ}: أي : صمم). [تفسير غريب القرآن: 388]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا قلوبنا في أكنّة ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إنّنا عاملون (5)
(وقالوا قلوبنا في أكنّة}: في غلف، أي ما تدعونا إليه لا يصل إلى قلوبنا ؛ لأنها في أغطية، , وواحد الأكنة : كنان.
(وفي آذاننا وقر): أي صمم , وقفل يمنع من الاستماع لقولك , أي: نحن في ترك القبول منك , بمنزلة من لا يستمع قولك.
{ومن بيينا وبييك حجاب} : أي حاجز في النحلة , والدّين.
وهو مثل {قلوبنا في أكنة}: إلا أن معنى هذا: أنا لا نجامعك في مذهب.
{فاعمل إنّنا عاملون}: أي على مذهبنا، وأنت عامل على مذهبك.
ويجوز : أن يكون فاعمل في إبطال مذهبنا , إنا عاملون في إبطال أمرك). [معاني القرآن: 4/379-380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه} : أي: في أغطية , أي: ليست تعي ما تقول.
, والوقر : الصمم.
ثم قال جل وعز: {ومن بيننا وبينك حجاب فأعمل إننا عاملون} : حجاب, أي: حاجز.
وهو يزيد على معنى:{ قلوبنا في أكنة }, لأن معنى قلوبنا في أكنة , أي: ليس نجيبك إلى شيء مما تدعونا إليه , ثم قال:{ فاعمل إننا عاملون}: أي: فاعمل في هلاكنا , فإنا عاملون على مثل ذلك.
ويجوز: أن يكون المعنى , فاعمل بدينك , فإننا عاملون بديننا). [معاني القرآن: 6/242-243]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَكِنَّةٍ}: أوعية). [العمدة في غريب القرآن: 264]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا يؤتون الزّكاة...}.
والزكاة في هذا الموضع: أن قريشا كانت تطعم الحاج وتسقيهم، فحرموا ذلك من آمن بمحمد صلى الله عليه؛ فنزل هذا فيهم، ثم قال: وفيهم أعظم من هذا كفرهم بالآخرة.). [معاني القرآن: 3/12]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وويل للمشركين (6) الّذين لا يؤتون الزّكاة وهم بالآخرة هم كافرون (7)}
أي: لا يرونها واجبة عليهم، ولا يعطونها). [معاني القرآن: 4/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة}
قيل: أي: لا يؤمنون .
وقال قتادة : الزكاة فطرة الإسلام , فمن أداها برئ ونجا , ومن لم يؤدها هلك.).[معاني القرآن: 6/243-244]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({غير ممنون}: غير مقطوع وقالوا غير محسوب). [غريب القرآن وتفسيره: 328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون}
قال مجاهد: أي: غير محسوب.
قال أبو جعفر : يقال : مننت الشيء , فهو ممنون , ومنين إذا قطعته كما قال:
فترى خلفها من الرجع = والوقع منينا كأنه أهباء
يعني بالمنين : الغبار المنقطع الضعيف
ويجوز أن يكون : المنون , يمن به.). [معاني القرآن: 6/244]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {غير ممنون}: أي: غير مقطوع، وغير ممنون، أي: لا يمن عليهم). [ياقوتة الصراط: 453]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَمْنُونٍ}: مقطوع.). [العمدة في غريب القرآن: 264]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل أإنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك ربّ العالمين}
وأما قوله: {خلق الأرض في يومين} , ثم قال: {أربعة أيّامٍ} , فإنما يعني: أن هذا مع الأول أربعة أيام , كما تقول "تزوّجت أمس امرأةً، واليوم اثنتين", وإحداهما التي تزوجتها أمس.
قال: {ووصّينا الإنسان بوالديه} , يقول: "بخيرٍ"). [معاني القرآن: 4/6]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك ربّ العالمين (9)}
لو أراد جل وعلا أن يخلقها في لحظة لفعل , ولكان ذلك سائغا في قدرته، ولكنه أحب أن يبصر الخلق وجوه الأناة , والقدرة على خلق السّماوات والأرض في أيام كثيرة , وفي لحظة واحدة , لأن المخلوقين كلهم , والملائكة المقربين لو اجتمعوا على أن يخلقوا مثقال ذرّة منها ما خلقوا.
وجاء في التفسير : أن ابتداء خلق الأرض كان في يوم الأحد , واستقام خلقها في يوم الاثنين.).[معاني القرآن: 4/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين}
روى سفيان , عن أبي سعيد , عن عكرمة, عن ابن عباس , وابن أبي ذيب , عن سعيد بن أبي سعيد, عن أبيه , عن عبد الله بن سلام قالا, وهذا معنى قولهما : ابتدأ الله جل وعز بخلق الأرضين يوم الأحد , فخلق سبع أرضين في يوم الأحد ويوم الاثنين , ثم جعل فيها رواسي من فوقها , وبارك فيها , وقدر فيها أقواتها ؛ أرسى الجبال , وشق الأنهار , وغرس الأشجار , وجعل المنافع في يومين يوم الثلاثاء , ويوم الأربعاء , ثم استوى إلى السماء , فخلقها سبع سموات في يوم الخميس , ويوم الجمعة .
قال ابن عباس: (ولذلك سميت يوم الجمعة ؛ لأنه اجتمع فيها الخلق).
قال عبد الله بن سلام: (قضاهن سبع سموات في آخر ساعة من يوم الجمعة , ثم خلق فيها آدم على عجل , وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة) .
قال أبو جعفر : معنى : {وبارك فيها }: على قولهما: شق أنهارها , وغرس أشجارها.
وقيل : معنى :{بارك فيها}: أكثر فيها من الأوقات
وقيل معناه كما يقال: باركت عليه , أي قلت : بورك فيك.). [معاني القرآن: 6/244-246]
تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقدّر فيها أقواتها...}.
وفي قراءة عبد الله: وقسم فيها أقواتها، جعل في هذه ما ليس في هذه ليتعايشوا , ويتجروا.
وقوله: {سواء لّلسّائلين...}
نصبها عاصم وحمزة، وخفضها الحسن، فجعلها من نعت الأيام، وإن شئت من نعت الأربعة، ومن نصبها جعلها متصلة بالأقوات، وقد ترفع كأنه ابتداء، كأنه قال: ذلك سواء للسائلين، يقول : لمن أراد علمه). [معاني القرآن: 3/12-13]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (قوله: { وقدّر فيها أقواتها }: واحدها قوت , وهي الأرزاق , وما احتيج إليه.
{ في أربعةٍ أيّامٍ سواءً للسّائلين}: مجاز نصبها مجاز المصدر). [مجاز القرآن: 2/196]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل أإنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك ربّ العالمين}
وأما قوله: {خلق الأرض في يومين} , ثم قال: {أربعة أيّامٍ} : فإنما يعني: أن هذا مع الأول : أربعة أيام , كما تقول : "تزوّجت أمس امرأةً، واليوم اثنتين", وإحداهما التي تزوجتها أمس.
قال: {ووصّينا الإنسان بوالديه} : يقول: "بخيرٍ"). [معاني القرآن: 4/6] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّامٍ سواء لّلسّائلين}
وأمّا من نصب {سواء لّلسّائلين} فجعله مصدرا , كأنه قال "استواءً" , وقد قرئ بالجرّ , وجعل اسما للمستويات , أي: في أربعة أيّامٍ تامّةٍ). [معاني القرآن: 4/6]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أقواتها}: واحدها قوت). [غريب القرآن وتفسيره: 328]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وقدّر فيها أقواتها}: جمع قوت، وهو: ما أوتيه ابن آدم لأكله ومصلحته {سواءً للسّائلين}, قال قتادة: من سأل فهو كما قال اللّه.). [تفسير غريب القرآن: 388]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّام سواء للسّائلين (10)}
{وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها}: في الثلاثاء , والأربعاء , فصارت الجملة أربعة أيّام، فذلك قوله: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّام} : أي: في تتمة أربعة أيّام.
{سواء للسّائلين} : وسواء، ويجوز الرفع. فمن خفض جعله صفة للأيّام.
المعنى : في أربعة أيام مستويات، ومن - نصب فعلى المصدر، على معنى استوت , سواء، واستواء.
ومن رفع : فعلى معنى : هي سواء.
ومعنى {للسّائلين}, معلق بقوله: {وقدّر فيها أقواتها} : لكل محتاج إلى القوت.
وإنما قيل : {للسّائلين}: لأن كلّا يطلب القوت , ويسأله.
ويجوز أن يكون للسائلين لمن سأل في كم خلقت السماوات والأرضون؛ فقيل: خلقت الأرض في أربعة أيام سواء , لا زيادة فيها , ولا نقصان , جوابا لمن سأل). [معاني القرآن: 4/380-381]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال عكرمة في قوله تعالى: {وقدر فيها أوقاتها}
جعل اليماني باليمن , والسابري بسابور
قال أبو جعفر : فالمعنى على هذا جعل فيها ما يتعايش به , ويتجر فيه.
وقيل: أقواتها ما يتقوت , ويؤكل.
وقول ابن عباس , وابن سلام , يحتمل المعنيين , والله أعلم.
ثم قال جل وعز: {في أربعة أيام سواء للسائلين}
المعنى: في تتمة أربعة أيام , سواء : أي: استوت , استواء.
وقال الفراء : هو متعلق بقوله: {وقدر فيها أقواتها} سواء
وقرأ الحسن سواء بالخفض , أي: في أربعة أيام مستوية تامة .
وبالإسناد الأول عن ابن عباس في قوله تعالى: {للسائلين} , قال : (من سألك, فقال لك: في كم خلق الله السموات والأرض ؟., فقل له : في هذا).
قال أبو جعفر : فالمعنى على هذا القول جوابا للسائلين .
وفيه قول آخر : وهو أن المعنى : وقدر فيها أقواتها للسائلين , أي: للمحتاجين , أي لمن سأل ؛ لأن الناس يسألون أقواتهم , وهذا مذهب ابن زيد , قال: قدر ذلك , أي: قدر مسائلهم علم ذلك). [معاني القرآن: 6/246-248]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَقْوَاتَهَا}: جمع قوت.). [العمدة في غريب القرآن: 264]
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قالتا أتينا...}.
جعل السماوات والأرضين كالثّنتين ,كقوله: {وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما} , ولم يقل: وما بينهن، ولو كان كان صوابا.
وقوله: {أتينا طائعين...}.
ولم يقل: طائعتين، ولا طائعياتٍ., ذهب به إلى السماوات ومن فيهن، وقد يجوز: أن تقول، وإن كانتا اثنتين: أتينا طائعين، فيكونان كالرجال لمّا تكلمتا). [معاني القرآن: 3/13]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ قالتا أتينا طائعين }: هذا مجاز الموات , والحيوان الذي يشبه تقدير فعله بفعل الآدميين). [مجاز القرآن: 2/196]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ استوى إلى السّماء}:أي: عمد لها.). [تفسير غريب القرآن: 388]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين (11)}
معنى استوى : عمد إلى السماء , وقصد.
{قالتا أتينا طائعين} : على الحال منصوب، وإنما قيل طائعين دون طائعات، لأنّهنّ جرين مجرى ما يعقل ويميز، كما قيل في النجوم: {وكل في فلك يسبحون}
وقد قيل :{قالتا أتينا} : أي، نحن , ومن فينا طائعين.
ومعنى {طوعا أو كرها} على معنى : أطيعا لما أمرت طوعا، , بمنزلة أطيعا الطاعة , أو تكرها إكراها). [معاني القرآن: 4/381]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم استوى إلى السماء}
دل على أن خلق السماء بعد خلق الأرض , وقد قال : في موضع آخر , والأرض بعد ذلك دحاها .
ففي هذا أجوبة.
روى هارون بن عنترة , عن أبيه , عن ابن عباس قال: (خلق الله الأرض أول , ثم خلق السماء , ثم دحا الأرض , والماء بعد ذلك) قال: (دحا , أي: بسط) .
وقيل المعنى : ثم أخبركم بهذا , كما قال جل وعز: {ثم كان من الذين آمنوا} , وهو في القرآن كثير.
وقيل: ثم ههنا بمعنى الواو , وهذا لا يصح , ولا يجوز , والجوابان حسنان جيدان.
وقوله جل وعز: {فقال لها وللأرض ائتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين}
في هذا أجوبة:
- منهما أن الله جل وعز جعل فيهما ما يميزان , ويجيبان عما قيل لهما .
- وقال محمد بن يزيد هذا إخبار عن الهيئة , أي: صارتا في هيئة من قال : أي هو كما قال : امتلأ الحوض , وقال: قطني , أي: حسبي , أي: صار في هيئة من يقول
وقيل : أخبرنا الله عز وجل بما نعرف من سرعة الإجابة , وقد علمنا أنه ليس شيء أسرع من أن يقال للإنسان افعل , فيقول: قد فعلت.
فاخبر الله جل وعز عن إجابة السموات والأرض إلى أمره جل وعز
فأما قوله تعالى: {طائعين} , ولم يقل طائعات , فقال فيه الفراء معناه : أتينا بمن فينا طائعين.
قال أبو جعفر : الأحسن في هذا , وهو مذهب جله النحويين : أنه جل وعز لما أخبر عنها بأفعال ما يعقل , جاء فيها بما يكون لمن يعقل كما في قوله تعالى: {والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} , فأما الكسائي فأجاز في كل شيء أن يجمع بالواو , والنون , والياء , والنون , لا يعرج عليه). [معاني القرآن: 6/248-251]
تفسير قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فقضاهنّ...}.
يقول: خلقهن، وأحكمهن, وقوله: {وأوحى في كلّ سماء أمرها...}.
يقول: جعل في كل سماء ملائكة , فذلك أمرها). [معاني القرآن: 3/13]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظاً }: مجاز نصبها كنصب المصادر). [مجاز القرآن: 2/196]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فقضاهنّ سبع سماواتٍ في يومين وأوحى في كلّ سماء أمرها وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم}
وقال: {وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظاً} , كأنه قال "وحفظناها حفظاً" ؛ لأنه حين قال: "زينّاها بمصابيح" , قد أخبر أنه نظر في أمرها , وتعاهدها , فذا يدل على الحفظ , كأنه قال: "وحفظناهاً حفظاً"). [معاني القرآن: 4/6-7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فقضاهنّ سبع سماواتٍ}، أي صنعهن وأحكمهن. قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما داود= أو صنع السوابغ تبع
أي: صنعهما داود , وتبع.
{وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها} : أي : جعل في كل سماء ملائكة.). [تفسير غريب القرآن: 388]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ}، أي صنعهن). [تأويل مشكل القرآن: 441]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({فقضاهنّ سبع سماوات في يومين وأوحى في كلّ سماء أمرها وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم (12)}
{فقضاهن}: فخلقهنّ , وصنعهنّ.
قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السّوابغ تبّع
معناه : عملهما , وصنعهما.
{وأوحى في كل سماء أمرها} : قيل : ما يصلحها، وقيل : ملائكتها.
{وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظا} : معناه : وحفظناها من استماع الشياطين بالكواكب حفظا , فقال: {قل أئنّكم لتكفرون} بمن هذه قدرته , {وتجعلون له أندادا}:أي: أصناما تنحتونها بأيديكم.
{ذلك تقدير العزيز العليم} : أي , الذي هذه صفته , وله هذه القدرة ربّ العالمين). [معاني القرآن: 4/382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فقضاهن سبع سموات في يومين} : فقضاهن , أي: أحكمهن , كما قال الشاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السوابغ تبع
وقوله جل وعز: {وأوحى في كل سماء أمرها}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: ما أمر , وما أراده .
وروى سعيد , عن قتادة قال : خلق شمسها , وقمرها , ونجومها , وأفلاكها .
قال أبو جعفر : القولان متقاربان , وكأن المعنى -والله أعلم -: وأوحى في كل سماء إلى الملائكة بما أراد من أمرها.
ثم قال جل وعز: {وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا}
أي : وحفظناها حفظا من الشياطين بالكواكب
والمعنى : أئنكم لتكفرون بمن هذه قدرته , وتجعلون له أمثالا مما تنحتون بأيديكم.).[معاني القرآن: 6/251-253]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ({قضاهن}: أي: فخلقهن.).[ياقوتة الصراط: 453]
تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والصاعقة: العذاب، كقوله: {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}). [تأويل مشكل القرآن: 501]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قال: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود (13)}
أي: فإن لم يقبلوا رسالتك بعد هذه الإبانة , ويوحدوا اللّه: {فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}
أي: أنذرتهم بأن ينزل بكم ما نزل بمن كفر من الأمم قبلكم). [معاني القرآن: 4/382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}
أي: فإن أعرضوا عن التوحيد وما جئت به , فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود , أي: أنذرتكم أن ينزل بكم عذاب كما نزل بهم إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم , يعني: من جاء قبلهم كما قال تعالى: {مصدقا لما بين يديه} , ثم قال :{ ومن خلفهم} , فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى , ومن بعد كونهم
والقول الآخر: أن يكون الضمير يعود على الرسل). [معاني القرآن: 6/253-254]
تفسير قوله تعالى: {ِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذ جاءتهم الرّسل من بين أيديهم ومن خلفهم ...}.
أتت الرسل آباءهم، ومن كان قبلهم ومن خلفهم يقول: وجاءتهم أنفسهم رسل من بعد أولئك الرسل، فتكون الهاء والميم في {خلفهم} للرسل، وتكون لهم تجعل من خلفهم لما معهم). [معاني القرآن: 3/13]
تفسير قوله تعالى: { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قصّ قصة كفرهم , والسبب في عتوّهم , وإقامتهم على ضلالتهم فقال:
{فأمّا عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوّة}
فأرسل اللّه عليهم ريحا صرصرا , فقال: { فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيّام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون (16) } .).[معاني القرآن: 4/382] (م)
تفسير قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ريحاً صرصراً...}.: باردة تحرق كما تحرق النار.
وقوله: {في أيّامٍ نّحساتٍ...}.
العوام على تثقيلها لكسر الحاء، وقد خفف بعض أهل المدينة: {نحسات}.
قال: و قد سمعت بعض العرب ينشد:
أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم = طيا وبهراء قوم نصرهم نحس
وهذا لمن ثقّل، ومن خفّف بناه على قوله: {في يوم نحسٍ مستمرٍّ} ). [معاني القرآن: 3/13-14]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً }: الشديدة الصوت العاصف، وقال ابن ميادة:
أشاقك المنزل والمحضر= أودت به ريدانه صرصر.
{ نحسأتٍ }: ذوات نحوس, أي: مشايم). [مجاز القرآن: 2/197]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيّامٍ نّحساتٍ لّنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون}
وقال: {في أيّامٍ نّحساتٍ} , وهي لغة من قال: نحس , و{نحسات} لغة من قال "نحس"). [معاني القرآن: 4/7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ريحا صرصرا}: شديدة الصوت.
{نحسات}: ذات نحوس، مشائيم). [غريب القرآن وتفسيره: 328]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (الريح الصرصر): الشديدة.
{في أيّامٍ نحساتٍ} : قال قتادة: نكدات مشئومات, قال الشاعر:
فسيروا بقلب العقرب اليوم= إنه سواء عليكم بالنحوس وبالسعد) [تفسير غريب القرآن: 388]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قصّ قصة كفرهم , والسبب في عتوّهم , وإقامتهم على ضلالتهم فقال:
{ فأمّا عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ , وقالوا من أشدّ منّا قوّة} , فأرسل اللّه عليهم ريحا صرصرا , فقال: {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيّام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون (16)}
{نحسات} : ويروى نحسات.
قال أبو عبيدة: الصرصر الشديدة الصوت.
وجاء في التفسير الشديدة البرد، ونحسات مشئومات واحدها نحس.
ومن قرأ نحسات فواحدها نحس، قال اللّه عزّ وجلّ :-
{في يوم نحس مستمرّ (19) } .). [معاني القرآن: 4/382-382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال : (شديدة السموم).
وروى معمر, عن قتادة قال : (باردة) .
قال أبو جعفر : قول قتادة أبين , وكذا قال عطاء ؛ لأن صرصرا مأخوذ من: صر , والصر في كلام العرب : البرد , كما قال الشاعر:-
لها غدر كقرون النساء = ركبن في يوم ريح وصر
وليس القولان بمتناقضين , لأنه يروى : أنها كانت ريحا باردة تحرق كما تحرق النار .
وقد قال أبو عبيدة : صرصر : شديدة الصوت عاصف
وقد روي , عن مجاهد: شديدة الشؤم.
ثم قال جل وعز: {في أيام نحسات}
قال مجاهد : أي : مشائيم , وقال قتادة : مشئومات , نكدات.). [معاني القرآن: 6/255]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : {ريحا صرصرا}:أي: باردة. {نحسات:}: أي: مشائيم). [ياقوتة الصراط: 454]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَرْصَرًا}: شديد الصوت , {نَّحِسَاتٍ}: ميشومات). [العمدة في غريب القرآن: 264]
تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأمّا ثمود فهديناهم...}.
القراءة برفع ثمود، قرأ بذلك عاصم، وأهل المدينة والأعمش. إلا أن الأعمش كان يجرى ثمود في كل القرآن إلا قوله: {وآتينا ثمود النّاقة}، فإنه كان لا ينون، لأنّ كتابه بغير ألف. ومن أجراها جعلها اسماً لرجل أو لجبل، ومن لم يجرها جعلها اسماً للأمة التي هي منها قال: وسمعت بعض العرب يقول: تترك بني أسد وهم فصحاء، فلم يجر أسد، وما أردت به القبيلة من الأسماء إلى تجرى فلا تحرها، وإجراؤها أجود في العربية مثل قولك: جاءتك تميمٌ بأسرها، وقيس بأسرها، فهذا مما يجري، ولا يجري مثل التفسير في ثمود وأسد.
وكان الحسن يقرأ: "وأمّا ثمود فهديناهم" بنصب، وهو وجه، والرفع أجود منه، لأنّ أمّا تطلب الأسماء، وتمتنع من الأفعال، فهي بمنزلة الصلة للاسم، ولو كانت أمّا حرفا يلي الاسم إذا شئت، والفعل إذا شئت كان الرفع والنصب معتدلين مثل قوله: {والقمر قدّرناه منازل}، ألا ترى أنّ الواو تكون مع الفعل، ومع الاسم؟ فتقول: عبد الله ضربته وزيداً تركته؛ لأنك تقول: وتركت زيدا، فتصلح في الفعل الواو كما صلحت في الاسم، ولا تقول: أمّا ضربت فعبد الله، كما تقول: أمّا عبد الله فضربت، ومن أجاز النصب وهو يرى هذه العلة فإنه يقول: خلقة ما نصب الأسماء أن يسبقها لا أن تسبقه. وكل صواب.
وقوله: {فهديناهم...}.
يقول: دللناهم على مذهب الخير، ومذهب الشر كقوله: {وهديناه النّجدين}.: الخير، والشر...
- حدثني قيس , عن زياد بن علاقة , عن أبي عمارة, عن علي بن أبي طالب أنه قال في قوله: {وهديناه النّجدين}: الخير، والشر.
قال أبو زكريا: وكذلك قوله: {إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً}.
والهدى على وجه آخر : الذي هو الإرشاد بمنزلة قولك: أسعدناه، من ذلك قوله: {أولئك الّّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده} في كثير من القرآن.). [معاني القرآن: 3/14-15]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({العذّاب الهون }:أي: الهوان). [مجاز القرآن: 2/197]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({الهون}: أي الهوان). [غريب القرآن وتفسيره: 329]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وأمّا ثمود فهديناهم}: أي : دعوناهم, ودللناهم.
{العذاب الهون}: أي : الهوان). [تفسير غريب القرآن: 388-389]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم يصير الإرشاد بمعان، كقوله: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}، أي بيّنا لهم). [تأويل مشكل القرآن: 444]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون (17)}
الجيّد إسقاط التنوين، ويقرأ ثمود - بالتنوين - ويجوز ثمودا بالنصب.
بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره.
ومعنى {هديناهم}: قال قتادة : بينّا لهم طريق الهدى , وطريق الضلالة.
{فاستحبّوا العمى على الهدى}: الاختيار رفع ثمود على الابتداء والخبر، وهذا مذهب جميع النحويين.
اختيار الرفع، وكلهم يجيز النصب.
وقوله عزّ وجلّ : {فأخذتهم صاعقة العذاب الهون}
فالهون,والخزي:الذي يهينهم ويخزيهم). [معاني القرآن: 4/383]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}
روى علي بن أبي طلحة,عن ابن عباس قال: (بينا لهم).
قال أبو جعف: بينا لهم الخير والشر ,قال سبحانه: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا}, وكما قال تعالى: {وهديناه النجدين}
قال علي بن أبي طالب: الخير والشر, و{الهون}: الهوان). [معاني القرآن: 6/255-256]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وأما ثمود فهديناهم}: أي: بينا لهم.).[ياقوتة الصراط: 454]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْعَذَابِ الْهُونِ}أي: الهوان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 217]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْهُونِ}: الهوان). [العمدة في غريب القرآن: 264]
تفسير قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) }