سورة الحجر
[ من الآية (51) إلى الآية (60) ]
{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)}
قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)}
قوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)}
قوله تعالى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [لَا تُوجَلْ].
قال أبو الفتح: هذا منقول من وَجِلَ يَوْجَلُ، وَجِل وأَوْجَلْتُه، كفَزِعَ وأَفْزَعَتُه، وَرَهِبَ وأَرْهَبْتُه). [المحتسب: 2/4]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {إنَّا نَبْشُرُكَ} [آية/ 53] بفتح النون وضم الشين مخففة:
قرأها حمزة وحده.
وقرأ الباقون {نُبَشِّرُكَ} بضم النون وتسديد الشين وكسرها.
وقد مضى الكلام فيه). [الموضح: 722]
قوله تعالى: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فبم تبشّرون (54)
قرأ ابن كثير ونافع (فبم تبشرون) بكسر النون، وشددها ابن كثير، وقال: هما نونان: نون الجمع. ونون المتكلم.
فسكّنت الأولى وأدغمت في الثانية، وخففها نافع، اقتصارا على إحدى النونين.
وقرأ الباقون (فبم تبشرون) نصبا؛ لأن نون الجمع مفتوحة أبدًا، فرقًا بينها وبين نون الاثنين.
قال أبو منصور: من قرأ (فبم تبشرونّ) بكسر النون مشددة فالأصل (تبشرونني)، وأدغمت إحداهما في الأخرى وشددت، وكسرت لتدلّ على ياء الإضافة.
ومن خفف النون فإنه يحذف إحدى النونين لثقلهما كما قال عمرو بن معديكرب:
تراه كالثّغام يعلّ مسكاً... يسوء الفاليات إذا فليني
أراد: فلينني، فحذف إحدى النونين.
والقراءة المختارة بفتح النون على أنها نون الجمع). [معاني القراءات وعللها: 2/70]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {فبم تبشرون} [54].
قرأ ابن كثير {فبم تبشرون} مشددة النون مكسورة، أراد: فبم تبشرونني، النون الأولى علامة الرفع. والثانية مع الياء في موضع النصب فأدغم النون في النون تخفيفًا، وحذف الياء اجتراء بالكسرة لرءوس [الآي] مثل: {وإياي فارهبون}.
وقرأ نافع {تبشرون} بكسر النون أيضًا مثل ابن كثير غير أنه حذف
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/344]
إحدى النونين تخفيفًا كما قال الشاعر:
تراه كالثغام يعل مسكا = يسوء الفاليات إذا فليني
أراد: فلينني فحذف إحدى النونين، هذا مذهب البصريين.
وقال أهل الكوفة: أدغم ثم حذف، وحجتهم: {وكادوا يقتلونني} و{أتعدانني} فقالوا: لما أظهرت النونات لم تحذف، وإنما الحذف في المشددات نحو {تأمروني} و{أتحاجوني} فاعرف ذلك فإنه حسن.
وقرأ الباقون: {فبم تبشرون} مفتوحة النون خفيفة؛ لأنهم لم يريدوا الإضافة إلى النفس. وكانت البشارة أنهم بشروه بولد، وكانت امرأته قد أتت عليها سبعون سنة، وقد أتى عليه أكثر من ذلك، قد قنطا، أي: يئسا من الولد
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/345]
فذلك قوله: {بشرانك بالحق فلا تكن من القانطين} [55]، ويقرأ {من القنطين} ومعناهما: من الآيسين.
حدثنا ابن مجاهد، قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله عن أبي خلاد، عن حسين عن أبي عمرو {فلا تكن من القنطين}، بغير ألف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/346]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح النون وكسرها من قوله جلّ وعزّ: فبم تبشرون [54].
فقرأ ابن كثير ونافع، كسرا، غير أن ابن كثير شدد النون، وخففها نافع.
وقرأ أبو عمرو وعاصم، وابن عامر وحمزة والكسائيّ: فبم تبشرون بفتح النون.
تشديد ابن كثير النون أنّه أدغم النون الأولى التي لعلامة الرفع في الثانية المتّصلة بالياء التي هي المضمر المنصوب المتكلّم.
وفتحها لأنّه لم يعدّ الفعل إلى المفعول به، كما عدّاه غيره، وحذف المفعول كثير.
ولو لم يدغم وبيّن لكان حسنا في القياس، مثل: اقتتلوا، في جواز البيان فيه والإدغام.
وأمّا قراءة نافع فبم تبشرون فإنّه أراد: «تبشرونني» وتعدية الفعل إلى المضمر المنصوب، لأنّ المعنى عليه، فأثبت ما أخذ به غيره من الكسرة التي تدلّ على الياء المفعولة، وحذف النون الثانية، لأنّ التكرير بها وقع، ولم يحذف الأولى
[الحجة للقراء السبعة: 5/45]
التي هي علامة الرفع، وقد حذفوا هذه النون في كلامهم لأنّها زائدة، ولأنّ علامة الضمير الياء دونها، ونظير حذفهم لها من المنصوب حذفهم لها من المجرور في قولهم: قدني، وقدي، قال:
قدني من نصر الخبيبين قدي فحذف وأثبت في بيت. وقال الأعشى في حذف هذه النون اللاحقة مع الياء:
فهل يمنعني ارتياد البلا... د من حذر الموت أن يأتين
وإنّما هو: يمنعنّني. وقال آخر:
أبا لموت الذي لا بدّ أنّي... ملاق لا أباك تخوّفيني
فهذا مثل الآية. وقال:
تراه كالثّغام يعلم مسكا... يسوء الفاليات إذا فليني
فحذف الثانية، فكذلك قراءة نافع.
[الحجة للقراء السبعة: 5/46]
ومن قرأ: تبشرون ففتح النون، فالنون علامة الرفع، ولم يعدّ الفعل فتجتمع نونان). [الحجة للقراء السبعة: 5/47]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فبم تبشرون}
قرأ ابن كثير {فبم تبشرون} مشدّدة النّون مكسورة الأصل
[حجة القراءات: 382]
تبشرونني النّون الأولى علامة الرّفع والثّانية مع الياء في موضع النصب وإنّما دخلت لتمنع الفعل من أن ينكسر ثمّ أدغم النّون في النّون وحذف الياء اجتزاء بالكسرة لأنّها نابت عن الياء
وقرأ نافع {تبشرون} بكسر النّون مع التّخفيف والأل فبم تبشرونني كما ذكرنا فاستثقل النونين فحذف إحداهما وهي الثّانية لأن التكرير بها وقع ولم يحذف الأولى قال الشّاعر في حذف النّون:
تراه كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني
وقرأ الباقون {فبم تبشرون} بفتح النّون خفيفة لم يريدوا الإضافة إلى النّفس فتجتمع نونان). [حجة القراءات: 383]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {فبم تبشرون} قرأ ابن كثير بكسر النون وتشديدها، وقرأ نافع مثله، إلا أنه خفف النون، وكذلك قرأ الباقون إلا أنهم فتحوا النون.
وحجة من شدد وكسر أن أصله أن يكون بنونين، الأولى علم الرفع، والثانية هي النون الحائلة بين الياء والفعل في «ضربني ويضربني» لأنه عدى الفعل إلى مفعول، وهو ضمير المتكلم، فاجتمعت نونان، فأدغم الأولى في الثانية، بعد أن أسكنها استثقالًا لاجتماع المثلين، وبقيت الكسرة تدل على الياء المحذوفة، وأصله «تبشرونني».
7- وحجة من خفف وفتح النون أنه لم يعد الفعل إلى مفعول، فأتى بالنون، التي هي علامة الرفع، مفتوحة على أصلها، كنون «يقومون ويخرجون».
8- وحجة من خفف النون وكسرها أنه عدّى الفعل، فصار أصله
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/30]
«تبشرونني» ثم حذف إحدى النونين، وهي الثانية، استخفافًا لاجتماع المثلين، فاتصلت الياء بنون الرفع، فانكسرت، ثم حذف الياء لدلالة الكسرة عليها.
قال أبو محمد: وهذه القراءة قد طعن فيها جماعة لبعد مخرجها في العربية، لأن حذف النون مع الياء لا يحسن إلا في شعر، وإن قدرت حذفت النوى الأولى حذفت علم الرفع، لغير جازم ولا ناصب، ولأن كسر النون التي هي علم الرفع قبيح، إنما حقها الفتح، والاختيار فتح النون والتخفيف؛ لأنه وجه الكلام ورتبة الإعراب، ولأن عليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/31]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {فَبِمَ تُبَشِّرُونِ} [آية/ 54] بكسر النون:
قرأها ابن كثير ونافعٌ، إلا أن ابن كثير شدد النون، ونافعًا خففها.
والوجه أن الأصل {تُبَشِّرُونَنِي} بنونين، فأدغم ابن كثير النون الأولى في الثانية تخفيفًا، فبقي: تبشروني، وحذف نافعٌ الثانية من النونين تخفيفًا، فبقي: تُبشروني، وإنما حذف الثانية؛ لأن الأولى علامة الرفع؛ ولأن الثانية زائدة قد تُحذف كثيرًا؛ لأن حرف الضمير هو الياء دون النون، ثم إن التكرار بالثانية وقع، كما قال الشاعر:
72- أبا الموت الذي لا بد أني = مُلاقٍ –لا أباك- تُخوفيني
ثم إن كل واحدٍ من ابن كثير ونافع قد حذف ياء الضمير من {تبشِّروني} واكتفى بالكسرة.
وقرأ الباقون {تُبَشِّرُونَ} بفتح النون من غير تشديد.
والوجه أن النون فيه واحدةٌ، وهي التي تكون علامةً للرفع في فعل الجماعة، وهي مفتوحة لا محالة، وضمير المفعول به محذوف، وحذف المفعول به كثيرٌ في الكلام). [الموضح: 722]
قوله تعالى: {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى والأعمش وطلحة بن مصرف، ورويت عن أبي عمرو: [من القَنِطِين]
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون في الأصل {القانِطِين} كقراءة الجماعة؛ إلا أن العرب قد تحذف ألف فاعل في نحو هذا تخفيفا.
[المحتسب: 2/4]
قال الراجز:
أصبح قلبي صردا ... لا يشتهي أن يردا
إلا عرادا عردا ... وصليانا بردا
وعنكثا ملتبدا
يريد عاردا وباردا، فحذف الألف تخفيفا. ألا ترى أن أبا النجم قال:
كأنَّ في الفرش القتادَ العارِدا
أي القوي الخشن، وقد ذكرنا نحو هذا.
وقد يجوز في [الْقَنِطِينَ] غير هذا، وذلك أنهم قد قالوا: قَنِطَ يقنَطُ، فقد يكون [الْقَنِطِينَ] من قَنِطَ يقنَطُ هذه، ويكون القانِطُون من قَنَطَ). [المحتسب: 2/5]
قوله تعالى: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال ومن يقنط (56)
قرأ أبو عمرو والكسائي والحضرمي (قال ومن يقنط) بكسر النون في جميع القرآن، وقرأ الباقون (يقنط)، بفتح النون - واتفقوا على فتح النون من قوله: (من بعد ما قنطوا).
قال أبو منصور: هما لغتان: قنط يقنط، وقنط يقنط.
وأجود اللغتين قنط يقنط، وهو اختيار أبي عمرو والكسائي). [معاني القراءات وعللها: 2/71]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- قوله تعالى: {ومن يقنط من رحمة ربه} [56].
قرأ أبو عمرو والكسائي {يقنط} – بالكسر – وهو الاختيار؛ لأن الماضي منه على قنط بفتح النون، فإذا كان الماضي مفتوحًا لم يجز في المضارع إلا الكسر والضم قنط يقنط ويقنط، وقرأ بذلك أبو حيوة مثل عكف يعكف ويعكف، وقد أجمعوا جميعًا على فتح النون من قوله: {من بعد ما قنطوا} ولا يجوز فتح الماضي والمستقبل إلا إذا كان فيه حرف من حروف الحلق نحو ذهب يذهب وسخر يسخر.
وقرأ الباقون: {ومن يقنط} بفتح النون، فإن جعلوا ماضيه قنط بالكسر وإلا فهو شاذ، والاختيار ما قدمت ذكره.
وحكى أبو عمرو الشيباني قنط عنا الماء قنطا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/346]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح النون وكسرها من قوله: عزّ وجلّ: (ومن يقنط) [56].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة: (من يقنط) بفتح النون في كلّ القرآن.
وقرأ أبو عمرو والكسائي: (ومن يقنط) بكسر النون.
وكلّهم قرأ: من بعد ما قنطوا بفتح النون.
قنط يقنط، وقنط يقنط، لغتان، ومثله: نقم ينقم، ونقم ينقم: لغتان، وكأن يقنط أعلى، ويدلّ على ذلك اجتماعهم في قوله: من بعد ما قنطوا.
وحكي أنّ يقنط لغة، فهذا يدلّ على أن يقنط أكثر، لأن مضارع فعل يجيء على يفعل ويفعل، مثل: يفسق، ويفسق، ولا يجيء مضارع فعل على: يفعل). [الحجة للقراء السبعة: 5/47]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأشهب: [ومَن يقنُطُ]، بضم النون.
قال أبو الفتح: فيه لغات: قَنَطَ يقنِطُ، وقَنِطَ يقنَطُ، وقَنَطَ يقنُطُ. وقد حكيت أيضا: قَنَطَ يقنَطُ، ومثله من فعَل يفعَل: ركَن يركَن، وأبي يأَبى، وغسَا الليل يغسَا، وجبَا يجبَا، وقالوا: عَضَضْتَ تعضُّ. قال ابن يحيى: قد قالوا في شمِمتُ وصبِبتُ ونحوه بفتح الثاني هربًا من الكسر من التضعيف). [المحتسب: 2/5]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ومن يقنط من رحمة ربه إلّا الضالون}
قرأ أبو عمرو والكسائيّ {ومن يقنط} بكسر النّون من قنط يقنط وحجتهما قوله {من بعد ما قنطوا}
وقرا الباقون بفتح النّون من قنط يقنط وقنط يقنط لغتان ومثله نقم ينقم ونقم ينقم). [حجة القراءات: 383]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {ومن يقنط} قرأ أبو عمرو والكسائي بكسر النون، ومثله في الروم والزمر وفتح الباقون، وهما لغتان: قنط يقنَط وقنط يقنِط، وقنَط أكثر، ولذلك أجمعوا على الفتح في قوله: {من بعد ما قنَطوا} «الشورى 28»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/31]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {ومَنْ يَقْنِط} [آية/ 56] بكسر النون حيث وقع:
قرأها أبو عمرو والكسائي ويعقوب.
والوجه أنه مضارع بفتح النون يقنِط بكسرها، مثل كسر يكسِر، وهي اللغة المشهورة العليا، أعني قَنَطَ بالفتح، يدل على ذلك اتفاق القراء على الفتح في قوله {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} بفتح النون لا غير، ويدل أيضًا على أن قَنَط بالفتح أكثر، ما رُوي عن (أبي) الأشهب العطاردي أنه قرأ {وَمَنْ يَقْنُطُ} بضم النون، فمجيء يفعل بالضم منه يدل على أن الماضي فعل بالفتح، كما قالوا فَسَق يفسُق ويفسِق؛ لأن فَعِل بالكسر لا يجيء منه يَفْعُل بالضم.
وقرأ الباقون {يَقْنَطُ} و{لا تَقْنَطُوا} و{إذَا هُمْ يَقْنَطون} بفتح النون حيث وقع.
والوجه أنه مضارع قَنِطَ بكسر النون، وقَنِطَ وقَنَطَ بالكسر والفتح لغتان، مثل نَقِمَ ونَقَم). [الموضح: 723]
قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)}
قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58)}
قوله تعالى: {إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّا لمنجّوهم أجمعين (59)
قرأ حمزة والكسائي والحضرمي (إنا لمنجوهم أجمعين).
وقرأ الباقون (إنّا لمنجّوهم أجمعين) مشددة.
[معاني القراءات وعللها: 2/71]
قال أبو منصور: هما لغتان: نجّيته وأنجيته). [معاني القراءات وعللها: 2/72]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {إنا لمنجوهم أجمعين} [59].
قرأ حمزة والكسائي {منجوهم} خفيفًا من أنجى يُنجي والأصل: منجووهم بواوين، الأولى لام الفعل نجا ينجو والثانية: واو الجمع فانقلبت الأولى ياء لانكسار ما قبله وهو الجيم فصارت لمنجيوهم، فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان الواو والياء، فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين وضموا الجيم لمجاورة واو الجمع، والنون ساقطة للإضافة والأصل: لمنجونهم وإنا منجونك فسقطت النون للإضافة فصارت منجوك ومنجوهم. فتأمل هذه المسالة فإنها أصل لما يرد عليك من نظيرها.
وقرأ الباقون {لمنجوهم} مشددًا من نجى يُنجي، قال قوم: نجى وأنجي وكرم وأكرم لغتان. وقال آخرون: نجى للتكرير والتكثير، وقد تأملت نجا في العربية فوجدته ينقسم خمسة أقسام: نجا ينجو من عذاب، ونجا ينجو بمنى أنجى ينجي، إذا طاف وتغوط، قال الشاعر – بمعنى طاف -:
عشيت جابان حتى استد مغرضه = وكاد ينقد لولا أنه طافا
ونجا ينجو: إذا استكنه السكران، قال الشاعر:
نجوت مقاتلا فوجدت فيه = كريح الكلب مات حديث عهد
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/347]
ونجا ينجو: إذا استخرج الوتر [من الشجر] وأنشد:
فتبازت فتبازخت لها = جلسته الجازر يستنجي الوتر
أي: يستخرج.
ونجا الجلد عن الشاة، وأنشد:
فقلت أنجوا عنها نجا الجلد إنه = سيرضيكما منها سنام وغاربه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/348]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تخفيف الجيم وتشديدها من قوله عزّ وجلّ: إنا لمنجوهم [59].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر لمنجوهم مشدّدة الجيم.
[الحجة للقراء السبعة: 5/47]
وقرأ حمزة والكسائي: (لمنجوهم) خفيفا.
حجّة التثقيل قوله: ونجينا الذين آمنوا [فصلت/ 18].
وحجّة التخفيف: فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/48]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّا لمنجوهم أجمعين}
[حجة القراءات: 383]
وقرأ حمزة والكسائيّ {إنّا لمنجوهم} خفيفة من أنجى ينجي وحجتهما قوله {فأنجاه الله من النّار} والأصل لمنجوونهم بواوين الأولى لام الفعل من نجا ينجو والثّانية واو الجمع فانقلبت الأولى ياء لانكسار الجيم فصارت لمنجوونهم فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان فحذفوا الياء وضموا الجيم لمجاورة الواو وحذفوا النّون للإضافة وكذلك قوله تعالى {إنّا منجوك} والأصل منجونك
وقرأ الباقون {إنّا لمنجوهم} بالتّشديد من نجى ينجي وحجتهم قوله {ونجينا الّذين آمنوا} وهما لغتان مثل أكرم وكرم). [حجة القراءات: 384]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {إنا لمنجوهم} قرأ حمزة والكسائي بالتخفيف، وشدد الباقون وهما لغتان وقالوا: نجا وأنجى بمعنى: وقد أتى القرآن باللغتين، قال الله جل ذكره: {فأنجاه الله من النار} «العنكبوت 24» وقال: {فنجيناه وأهله} «الشعراء 170» وهما في القرآن كثير إجماع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/31]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {إِنَّا لَمُنْجُوهُمْ} [آية/ 59] بإسكان النون وتخفيف الجيم:
قرأها حمزة والكسائي ويعقوب.
والوجه أنه من أنجى يُنجي، منقول من نجا بالتخفيف، فمنجوهم مُفعلوهم من النجاة، قال الله تعالى {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا} وقال {فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النَّارِ}.
وقرأ الباقون {لَمُنَجُّوهُمْ} بفتح النون وتشديد الجيم.
والوجه أن من نجى يُنجي تنجيةً، وهو مما عُدّي بالتضعيف من نجا، وفي القرآن {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا}، وقد مضى مثله). [الموضح: 724]
قوله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (إلّا امرأته قدّرنا إنّها (60)
قرأ أبو بكر عن عاصم (قدرنا إنّها)، خفيفة، و(قدرناها)، مخففين وقرأ الباقون (قدّرنا) مشددة.
وقرأ ابن عامر في (والفجر): (فقدّر عليه رزقه) مشددا، وقرأ الباقون (فقدر) مخففًا.
وقرأ الكسائي وحده في سورة الأعلى (والّذي قدر فهدى) خفيفًا، وشددها الباقون.
وقرأ نافع والكسائي في (والمراسلات) " فقدّرنا " مشددة، وقرأ الباقون (فقدرنا) خفيفة.
قال أبو منصور: هما لغتان: قدّرت وقدرت بمعنى واحد.
قوله: (فنعم القادرون)، يدل على التخفيف، وهذا كله من التقدير لا من القدرة). [معاني القراءات وعللها: 2/72]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {إلا امرأتك قدرنا} [60].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر مخففًا في كل القرآن.
وقرأ الباقون مشددًا، فقدرت يكون من التقدير، ومن التفسير قوله تعالى: {يبسط الرزق لمن يشاء} يكثر. و{يقدر} أي: يقترب ومنه: {قدر عليه رزقه}.
ومن شدد كان الفعل على لفظ مصدره قدَّر يقدِّر فهو مقدِّرً.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/348]
أخبرني ابن عرفة عن ثعلب: قدرت الثوب خفيفًا من التقدير، فأما قوله تعالى: {والذي قدر فهدى} فإن الكسائي وحده خفف، ومعناه: قدر فهدى أي: هدى الذكر كيف يأتي الأنثى من كل حيوان. وقال الفراء: فيما حدثني عن ابن مجاهد عن السمري عن الفراء والذي قدر فهدى وأضل، فحذف وأفضل لدلالة المعنى عليه، ولتوافق رؤس الآي كما قال: {سرابيل تقيكم الحر} أراد: الحر والبرد فاكتفى، وقال الشاعر:
وما أدري إذا يممت وجها = أريد الخير أيهما يليني
أراد: الخير والشر، لأنه قال في البيت الثاني:
أألخير الذي أنا أتبعه = أم الشر الذي لا يأتليني
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/349]
وقرأ ابن كثير وحده: {نحن قدرنا بينكم الموت} مخففًا، وشددها الباقون.
وقرأ نافع والكسائي: {فقدرنا فنعم القادرون} مشددًا، وخففها الباقون.
فقال أبو عمرو: لو كان قدرنا لكان فنعم المقدرون، وحجة الباقين أن الفعل المشدد بعد التخفيف يجوز أن يأتي اسم الفاعل والمصدر على التخفيف كقوله: {فإني أعذبه عذابا} ولم يقل تعذيبًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/350]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلّهم قرأ: إلا امرأته قدرنا [60] مشدّدة الدال، وقدرناها مثله في سورة النمل [الآية/ 57] مشدّدا في كلّ القرآن إلّا عاصما، فإنّه خفّفها، في رواية أبي بكر، في كلّ القرآن، وشدّدها في رواية حفص في كلّ القرآن.
وقرأ ابن كثير وحده: (نحن قدرنا بينكم الموت) [الواقعة/ 60] خفيفا والباقون يشدّدون.
وقرأ نافع والكسائيّ (فقدرنا فنعم القادرون) [المرسلات/ 23] مشدّدة، وقرأ الباقون: فقدرنا مخففة.
وقرأ الكسائيّ وحده: (قدر فهدى) [الأعلى/ 3]، خفيفا، وقرأ الباقون: قدر مشدّدة.
قال أبو علي: يقال: قدرت الشيء في معنى: قدّرته، يدلّك على ذلك قول الهذليّ:
[الحجة للقراء السبعة: 5/48]
ومفرهة عنس قدرت لساقها... فخرّت كما تتابع الريح بالقفل
المعنى: قدّرت ضربتي لساقها فضربتها، فحذف ضربتها لدلالة الكلام عليه، كقوله: فمن كان منكم مريضا ففدية [البقرة/ 196] أي: فحلق. وهذا في المعنى كقول الآخر:
وإن تعتذر بالمحل من ذى ضروعها... على الضيف يجرح
في عراقيبها نصلي وقال أيضا: يقدر في معنى يقدّر، قال الراجز:
يا ربّ قد أولع بي وقد عبث... فاقدر له أصيلة مثل الحفث
المعنى: قدّر له ووفّقه، ويقال: قدر الشيء يقدره: إذا ضيّقه، قال: ومن قدر عليه رزقه، فلينفق مما أتاه الله [الطلاق/ 7]، وقال: الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له [العنكبوت/ 62]، فقوله: يقدر مقابل لقوله:
يبسط، فقوله: يقدر خلاف: يبسط، وكذلك قوله: فظن
[الحجة للقراء السبعة: 5/49]
أن لن نقدر عليه [الأنبياء/ 87] أي: ظنّ أن لن نضيّق عليه، وكونه: في بطن الحوت تضييق عليه، وخلاف الاتساع.
وقراءة ابن كثير: (قدرنا بينكم الموت) مخفّفا في معنى قدرنا.
وقراءة نافع والكسائي: فقدرنا فنعم القادرون بمعنى: (قدرنا) الخفيفة، وعليه جاء: القادرون ومن قرأ: (قدرنا) مخفّفا، كان في معنى التشديد.
وقوله: القادرون بعد قدرنا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون قدرنا في معنى (قدرنا). فجاء القادرون على اللغة الخفيفة، كأنهما جميعا بين اللغتين.
ويجوز أن يكون: فنعم المقدّرون. فحذف تضعيف العين، كما حذفت الهمزة من نحو:
دلو الدّالي.
و:
يخرجن من أجواز ليل غاض.
ونحو ذلك، وكذلك قراءة الكسائيّ: (قدر) فهذا خفيفا، ومعناه: قدّر، وكأن المشدّدة في هذا المعنى أكثر في الاستعمال، وفي التنزيل، كقوله: (قدر فيها أقواتها) [فصلت/
[الحجة للقراء السبعة: 5/50]
10]، وخلق كل شيء فقدره تقديرا [الفرقان/ 2] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/51]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إلّا امرأته قدرنا إنّها لمن الغابرين}
قرأ أبو بكر {قدرنا إنّها} بالتّخفيف من قدر يقدر وحجته قوله {قد جعل الله لكل شيء قدرا}
وقرأ الباقون بالتّشديد من قدر يقدر تقديرا فكان الفعل على لفظ مصدره). [حجة القراءات: 384]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {قدرنا إنها} قرأ أبو بكر بالتخفيف، ومثله في النمل: {قدرناها} «57» وقرأهما الباقون بالتشديد، وهما لغتان بمعنى، يقال: قدرت وقدّرت بمعنى، وكذلك: يقدّر ويقدر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/32]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا} [آية/ 60] بتخفيف الدال:
قرأها عاصمٌ وحده –ياش- في كل القرآن.
والوجه أن قدرت بالتخفيف بمعنى قدَّرت، يدل عليه قوله تعالى {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} أي فقدَّرنا.
وقراءة ابن كثير {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} بالتخفيف، ومعناه قدَّرنا
[الموضح: 724]
بالتشديد، قال الشاعر:
73- ومفرهةٍ عنسٍ قدرت لساقها = فخرّت كما تتايع الريح بالقفل
أي قدّرت سيفي أو ضربتي لساقها.
وقرأ الباقون و-ص- عن عاصم {قَدَّرْنا} بتشديد الدال.
والوجه أنه المشهور في هذا المعنى، وهو الأكثر في الاستعمال، وفي القرآن {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} ). [الموضح: 725]