سورة الصافات
[ من الآية (1) إلى الآية (10) ]
{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)}
قوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعز: (والصّافّات صفًّا (1)
قرأ أبو عمرو إذا أدغم وحمزة (والصّافّات صفًّا (1) فالزّاجرات زجرًا (2) فالتّاليات ذكرًا (3)
(والذّاريات ذروًا) مدغمة، وأدغم أبو عمرو وحده (فالملقيات ذّكرًا)، (والسابحات سّبحًا)
و (فالسّابقات سّبقًا) - والعاديات ضّبحًا) - (فالمغيرات صّبحًا (3).
وقال عباس: لا يدغم أبو عمرو في شيء من هذا.
وسائر القراء لم يدغموا هذه الحروف.
قال أبو منصور: القراءة المختارة ترك الإدغام، والتبيين للتاءات). [معاني القراءات وعللها: 2/315]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قرأ أبو عمرو وحمزة: {والصافات صفا * فالزاجرت زجرا* فالتاليات ذكرًا} [1، 2، 3] {والذاريات ذروا} مدغما كل ذلك لقرب التاء من الصاد والزاي والذال.
وقرأ الباقون بالإظهار؛ لأن التاء قبلها حرف ساكن، وهو الألف، ولأن التاء متحركة لا ساكنة نحو: {قالت طائفة} ألا ترى أنها لما تحركت كان الاختيار الإظهار نحو: {بيت طائفة} على أن أبا عمرو وحمزة قد أدغما، وجرت ذلك بواو القسم والنسق، وجواب القسم: {إن إلاهكم لواحد} والتقدير: ورب الصافات ورب هذه المذكورات: {إن إلاهكم لواحد} والصافات: الملائكة؛ لأنها مصطفة بين السماء والأرض طاعة لله لا يفترون عن عبادته كما قال: {وإنا لنحن الصافون} [165]. {وإنا لنحن المسبحون} [166] يعني المصلون.
وقال أبو عبيدة: كل مصطف لا ينظم قطراه – أي: جانباه – فهو صاف {والزاجرت زجرًا} [2] الملائكة، وقيل: كل شيء زجر عن معاصي الله فهو زاجرات {والتاليات ذكرًا} التاليات القرآن.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/242]
فإن سأل سائل فقال: لم لم يقل فالتاليات تلوا كما قال {والزاجرت زجرًا}؟
فالجواب في ذلك: أن التالي يكون التابع يقال: تلوت فلانًا: إذا تبعته أي: جئت بعده، كما قال: {والقمر إذا تلاها} ويكون التالي: القارئ فلما التبس بينه الله عز وجل أن التاليات – ها هنا- القارئات ذكرًا، لا التابعات.
فإن قيل: لم أنث؟
فقل: على تقدير الطائفة التاليات، والجماعة الصافات كما قال: {فنادته الملائكة}.
ولو قال قائل::إن التاليات وإن كانت على لفظ الجماعة يريد به جبريل صلى الله عليه وسلم وحده لكان جائزًا؛ لأن قوله: {فنادته الملائكة} يراد به جبريل وحده.
وزاد أبو عمرو على حمزة: {فالملقيات ذكرًا} {والعاديات ضبحًا} {فالسابقات سبقًا} {والسابحات سبحًا} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/243]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ أبو عمرو إذا أدغم، وحمزة على كلّ حال: والصافات صفا، فالزاجرات زجرا، فالتاليات ذكرا [1 - 2 - 3] والذاريات ذروا [الذاريات/ 1]، وقرأ أبو عمرو وحده: والعاديات ضبحا [العاديات/ 1] مدغما، والمغيرات صبحا [العاديات/ 2]، فالتاليات ذكرا [الصّافّات/ 3]، والسابحات سبحا، فالسابقات سبقا [النازعات/ 3 - 4]، مدغما.
عبّاس عن أبي عمرو لا يدغم شيئا من ذلك، وفالملقيات ذكرا [الذاريات/ 5] والسابحات سبحا، فالسابقات سبقا [النازعات/ 3 - 4].
وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر والكسائي بإظهار التاء في ذلك كله.
[الحجة للقراء السبعة: 6/48]
قتادة: الصّافّات صفّا: الملائكة صفوف في السماء، والزاجرات زجرا: ما زجر اللّه عنه في آي القرآن، والتاليات ذكرا: ما يتلى من آي القرآن.
أبو عبيدة: كلّ شيء في السماء والأرض ممّا لم يضمّ قتريه فهو صافّ، والتالي: القارئ.
قال أبو علي: إدغام التاء في الصّاد حسن لمقاربة الحرفين، ألا ترى أنّهما من طرف اللسان، وأصول الثنايا، ويجتمعان في الهمس؟
والمدغم فيه يزيد على المدغم بخلّتين هما: الإطباق، والصّفير، وحسن أن يدغم الأنقص في الأزيد، ولا يجوز أن يدغم الأزيد صوتا في الأنقص، ألا ترى أن الطّاء والدّال، والتاء والظاء، والذال والثاء يدغمن في الصّاد والسّين والزّاي، ولا تدغم الصّاد وأختاها فيهنّ لزيادة الصّاد وأختيها عليهنّ في الصّفير؟ وكذلك يدغم اللّام في الرّاء، ولا تدغم الرّاء في اللّام لزيادة التكرير في الرّاء، فقد علمت- فيما ذكر- حسن إدغام التّاء في الصّاد، وإدغام التاء في الزّاي في قوله: فالزاجرات زجرا حسن. لأنّ التاء مهموسة، والزّاي مجهورة، وفيها زيادة صفير، كما كان في الصّاد، وكذلك حسن إدغام التاء في الذال في قوله: والتاليات ذكرا، والذاريات ذروا، لاتفاقهما في أنّهما من طرف اللسان، وأصول الثنايا، فأمّا إدغام التاء في الضاد من قوله: والعاديات ضبحا، فإنّ التاء أقرب إلى الذّال والزّاي منها إلى الضاد.
لأنّ الذّال والزّاي والصّاد من حروف طرف اللّسان، وأصول الثنايا، والضّاد أبعد منهنّ لأنها من وسط اللّسان.
[الحجة للقراء السبعة: 6/49]
ولكن حمل حسن الإدغام التاء فيها، لأنّ الصّاد تفشّى الصوت بها، واتّسع واستطال حتّى اتّصل صوتها بأصول الثنايا وطرف اللسان، فأدغم التاء فيها وسائر حروف طرف اللّسان، وأصول الثنايا إلّا حروف الصّفير، فإنّها لم تدغم في الصاد، ولم تدغم الصّاد في شيء من هذه الحروف لما فيها من زيادة الصوت فكره إدغامها فيما أدغم فيها من هذه الحروف، لما فيها من التّفشّي والاستطالة، حتى اتّصلت بأصول الثنايا مع أنّها من وسط اللّسان.
قال: وسمعناهم ينشدون:
ثار فضجّت ضجّة ركائبه فأمّا الإدغام في السّابحات سبحا، والسّابقات سبقا، فحسن لمقاربة الحروف، وأمّا من قرأ بالإظهار في هذه، وترك إدغامها، فذلك لاختلاف المخارج، وإنّ المدغم فيه ليس بلازم، فلم يدغموا لتباين المخارج، وانتفاء الرفع، ألا ترى أنّهم بيّنوا نحو أفعل؟ وإن كان من كلمة واحدة، لما لم تلزم التاء- هذه- البناء، فما كان من كلمتين منفصلتين أجدر بالبيان). [الحجة للقراء السبعة: 6/50]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قد ذكرنا الإدغام في والصافات صفا وما بعدها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/221]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [آية/ 1 و2 و3] بالإدغام فيهن:
قرأها أبو عمرو وحمزة وكذلك {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} أربعة أحرفٍ، وافترقا في غير هذه الأحرف، فكان أبو عمرو يُدغم ما أشبه هذه الحروف نحو {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} ونحوهما، هذا عند الإدراج والتخفيف وترك الهمزات السواكن، فإذا همز أو حقق لم يدغم من الحروف المتحركة شيئًا إلا قوله {بَيَّت طَائِفَةٌ}.
والوجه أن التاء إنما أُدغمت في هذه الحروف لمقاربتها إياها في كونها من طرف اللسان وأصول الثنايا، وأما إدغام التاء في الضاد فإنه وإن لم يكن الضاد من طرف اللسان وأصول الثنايا بل من وسط اللسان فإن فيها تفشيًّا يتصل الصوت لأجله بطرف اللسان وأصول الثنايا، فتصير الضاد لذلك مقاربة
[الموضح: 1083]
للتاء، كما قاربتها الدال والسين والصاد والزاي، فجاز لذلك إدغامها فيها.
وقرأ الباقون بالإظهار في هذه الحروف كلها.
والوجه أن مخارج هذه الحروف مختلفة، وأن الحرف المدغم فيه التاء ليس بلازمٍ، فاختاروا ترك الإدغام لتباين المخارج وعدم اللزوم، ألا ترى أنهم قالوا اقتتلوا فلم يُدغموا التاء في التاء لما لم يلزم التاء في البناء؛ لأنها تاء افتعل، فإذا كان هذا مع كونه من كلمةٍ واحدةٍ لم يُدغَم، فما كان من كلمتين أولى). [الموضح: 1084]
قوله تعالى: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)}
قوله تعالى: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) }
قوله تعالى: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)}
قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)}
قوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بزينة الكواكب (6)
قرأ حفص وحمزة (بزينةٍ الكواكب) خفضًا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، (بزينةٍ الكواكب) نصبًا.
وقرأ الباقون (بزينة الكواكب) مضافًا.
[معاني القراءات وعللها: 2/315]
قال أبو منصور: من قرأ (بزينةٍ الكواكب) جعل الكواكب بدلاً من الزينة، المعنى: إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب.
ومن قرأ (بزينةٍ الكواكب) أقام الزينة مقام التزيين فنصبت (الكواكب) بها، المعنى: بتزييننا الكواكب.
ومن قرأ (بزينة الكواكب) فهو على إضافة الزينة إلى الكواكب، وعلى هذه القراءة أكثر القراء). [معاني القراءات وعللها: 2/316]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {بزينة الكواكب} [6].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/243]
قرأ حمزة وحفص: {بزينة} منونًا و{الكواكب} خفضًا، جعلا الكواكب هي الزينة وبدلاً منها.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {بزينة} منونًا أيضًا، {الكواكب} نصب مفعول أي: بزينتنا الكواكب فعند البصريين ينصب {بزينة} لأن المصدر يعمل عمل الفعل وعند الكوفيين لا يشق من المصدر.
وقرأ الباقون: {بزينة الكواكب} مضافًا {وحفظًا من كل شيطان} [7] نصب على المصدر، أي: وحفظناها حفظًا من كل شيطان مارد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/244]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: بزينة الكواكب [الصافات/ 6] فقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص: بزينة، خفض منوّنة الكواكب بكسر الباء.
وقرأ عاصم في رواية في أبي بكر بزينة خفض الكواكب* بفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 6/50]
وقرأ الباقون: بزينة الكواكب مضافا.
قال أبو علي: من قال: بزينة الكواكب جعل الكواكب بدلا من الزينة، لأنّها هي، كما تقول: مررت بأبي عبد اللّه زيد.
ومن قال: بزينة الكواكب، أعمل الزينة في الكواكب، والمعنى: بأن زينا الكواكب فيها، ومثل ذلك قوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما [البلد/ 14، 15] ومثله: ولا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا [النحل/ 73] تقديره: ما لا يملك أن يرزق شيئا.
فأمّا قوله: قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا [الطلاق/ 10، 11] فيجوز أن يكون الرّسول بدلا من الذكر، كما كان الكواكب بدلا من الزينة، والمعنى ذا ذكر رسولا، ويجوز أن يكون كقوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما [البلد/ 14، 15] فأمّا قوله: ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا [المرسلات/ 25، 26] فإن كان الكفات مصدرا لكفت، كما أنّ الكتاب مصدر لكتب، فقد انتصب «أحياء» به، والمعنى: نكفت أحياء، كما أنّ قوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما تقديره: أو أن تطعم مسكينا، وقد قيل: إنّ الكفات جمع الكافتة، فأحياء على هذا منتصب بالجمع كقوله:
... أنّهم في قومهم غفر ذنبهم...
[الحجة للقراء السبعة: 6/51]
ومن قال: بزينة الكواكب أضاف المصدر إلى المفعول به كقوله: من دعاء الخير [فصلت/ 49] وسؤال نعجتك [ص/ 24] ولو جاء إطعام يتيم في يوم ذي مسغبة جاز في القياس، والمعنى: بأن زينّا الكواكب فيها). [الحجة للقراء السبعة: 6/52]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّا زينا السّماء الدّنيا بزينة الكواكب}
قرأ حمزة وحفص {بزينة} منون {الكواكب} جر جعلا الكواكب هي الزّينة وهي بدل منها لأنّها هي هي كما تقول مررت بأبي عبد الله زيد المعنى أنا زينا السّماء بالكواكب وبدل المعرفة من النكرة جيد ونظير هذا في القرآن {وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله} فأبدل المعرفة من النكرة
وقرأ أبو بكر عن عاصم {بزينة} بالتّنوين {الكواكب} نصب مفعول بها أعمل {الزّينة} في {الكواكب} المعنى أنا زينا الكواكب فيها كقولك عجبت لعمرو من ضرب زيد أي من أن يضرب زيدا فهذا مجرى المصادر كما قال {أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما} ومثله {ما لا يملك لهم رزقا من السّماوات} تقديره ما لا يملك أن يرزق شيئا وقرأ الباقون {بزينة الكواكب} مضافا أضافوا المصدر إلى المفعول به كقوله {من دعاء الخير} و{بسؤال نعجتك} المعنى بأن زينا الكواكب). [حجة القراءات: 604]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {بزينةٍ الكواكب} قرأ عاصم وحمزة {بزينة} بالتنوين وقرأ الباقون بغير تنوين، وقرأ أبو بكر «الكواكب» بالنصب، وقرأ الباقون بالخفض.
وحجة من نون {بزينةٍ} وخفض {الكواكب} أنه عدل عن الإضافة، فأثبت التنوين عند عدم الإضافة، وجعل «الكواكب» بدلًا من {زينة}؛ لأنها هي الزينة للسماء، فكأنه قال: إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب، فالدنيا نعت للسماء، أي: زينا السماء القريبة منكم بالكواكب.
2- وحجة من نون ونصب {الكواكب} أنه أعمل الزينة في الكواكب على تقدير: بأن زينا الكواكب فيها.
3- وحجة من أضاف {زينة} إلى {الكواكب} أن {الزينة} مصدر، و{الكواكب} مفعول بها، فأضاف المصدر إلى المفعول به، كقوله تعالى: {من دعاء الخير} «فصلت 49» و{بسؤال نعجتك} «ص 24» ويجوز أن يكون أبدل {الكواكب} من {زينة} وحذف التنوين من {زينة} لالتقاء الساكنين، لسكونه وسكون اللام من {الكواكب} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/221]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {بِزِينَةٍ} منونةً {الْكَوَاكِبَ} نصبًا [آية/ 6]:
قرأها عاصم –ياش-.
والوجه أنه أعمل الزينة في الكواكب، فإن الزينة مصدرٌ، والمصادر تعمل عمل الأفعال، والتقدير: بأن زينا الكواكب فيها.
وقرأ حمزة و-ص- عن عاصم {بِزِينَةٍ} منونةً {الْكَوَاكِبِ} بالجر، وكذلك (-ان-) عن يعقوب.
والوجه أن الكواكب بدلٌ من الزينة؛ لأنها هي الزينة، فلما كانت إياها أُبدلت منها، فأُعربت بإعرابها، وهو الجر، كما تقول: مررت بأبي عبد الله زيدٍ.
[الموضح: 1084]
وقرأ الباقون {بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ} مضافًا غير منونٍ، و{الْكَوَاكِبِ} خفضٌ.
والوجه أنه أُضيف الزينة إلى الكواكب إضافة المصدر إلى المفعول، كما تقول: أعجبني أكل التمر ومنه قوله تعالى {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} وقوله أيضًا {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ}، والمعنى بأن زيّنّا الكواكب، فهو كالقراءة الأولى). [الموضح: 1085]
قوله تعالى: {وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ (7)}
قوله تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ (8)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا يسّمّعون إلى الملإ الأعلى.. (8)
قرأ حفص وحمزة والكسائي (لا يسّمّعون) مشددة وقرأ الباقون (لا يسمعون) خفيفة
قال أبو منصور: من قرأ (لا يسّمّعون) بتشديد السين والميم فالأصل: يتسمّعون، أدغمت التاء في السين فشددت ومن قرأ (لا يسمعون) خفيفة فهو بمعنى: لا يستمعون.
يقال: سمع إلى الشيء، واسّمّع إليه، وسمعت الصوت، إذا وصل حسّه إلى سمعك). [معاني القراءات وعللها: 2/316]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {لا يسمعون إلى الملأ الأعلى} [8].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: {لا يسمعون} مشدد السين والميم أرادوا: لا يستمعون فأدغموا التاء في السين؛ وذلك أن الله تعالى منعهم من الاستماع ورجمهم بالنجوم فقال: {إنهم عن السمع لمعزولون} ولكنهم كانوا يتسمعون، كما قال: {وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع} قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا}.
وقرأ الباقون: {لا يسمعون} مخففًا؛ وذلك أنك تقول تسمعت إلى فلان، وسمعت إليه بمعنى، كقول العرب: ألم تسمع إلى فلان، ومثله {وأمرت أن أكون من المسلمين} وإنما أنكر بعضهم التخفيف. قال: لأني لا أقول سمعت إلى فلان، وإنما سمعت فلانًا، وهذا وإن كان الأكثر فإن ذلك
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/244]
جائز عربي {يقذفون} بضم الياء لا غير؛ لأنهم مفعولون؛ لأن الشياطين ترجم، ولا ترجم. يقال قذفته بالحجر، وحذفته بالخشب، وخذفته بالحصي.
{من كل جانب دحورًا} [8] بضم الدال لا غير، إلا السلمي والحسن، فإنهما قرآ: {دحورًا} أو أحدهما، وقد ذكرت علته فيما مضي. {ولهم عذاب واصب} [9] أي: دائم.
وحدثنا ابن مجاهد، قال: حدثنا ابن حبان عن محمد بن يزيد، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قرأ {لا يسمعون} بالتخفيف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/245]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التّشديد والتّخفيف من قوله عزّ وجلّ: لا يسمعون* [الصافات/ 8].
فقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: لا يسمعون مشدّدة.
وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر: لا يسمعون* خفيفة.
قال أبو علي: يسمعون إنّما هو: لا يتسمعون، فأدغم التاء في السّين، وقد تقدّم حسن إدغام التاء في السّين، وقد يتسمع، ولا يسمع، فإذا نفى التسمع عنهم فقد نفى سمعه من جهة التسمّع، ومن جهة غيره، فهو أبلغ. ويقال: سمعت الشيء واستمعته كما تقول: حفرته واحتفرته، وشويته واشتويته. وقد قال: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا [الأعراف/ 204] وقال: ومنهم من يسستمع إليك [الأنعام/ 25] فتعدّى الفعل مرّة بإلى، ومرّة باللّام، كقوله: وهديناهم إلى صراط مستقيم [الأنعام/ 87] والحمد لله الذي هدانا لهذا [الأعراف/ 43] وقال: وأوحى ربك إلى النحل
[الحجة للقراء السبعة: 6/52]
[النحل/ 68] وقال: بأن ربك أوحى لها [الزلزلة/ 5] فتعدّى الفعل مرّة بإلى، ومرّة باللّام، ولا فصل بين فعلت وافتعلت في ذلك لاتفاقهما في التّعدّي.
ومن حجّة من قرأ يسمعون* قوله: إنهم عن السمع لمعزولون [الشعراء/ 212] والسّمع: مصدر يسمع). [الحجة للقراء السبعة: 6/53]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب} 7 و8
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {لا يسمعون} بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف وحجتهم ما روي عن ابن عبّاس أنه قرأ {لا يسمعون} وقال هم يسمعون ولكن لا يسمعون والدّليل على صحة قول ابن عبّاس أنهم يسمعون ولكن لا يسمعون قوله {وأنا كنّا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} وقوله بعدها {إلّا من خطف الخطفة} فعلم بذلك أنهم يقصدون للاستماع ومن حجتهم أيضا إجماع الجميع على قوله {إنّهم عن السّمع لمعزولون} وهو مصدر سمع والقصة واحدة وتأويل الكلام وحفظا من كل شيطان مارد لئلّا يسمعوا بمعنى أنهم ممنوعون بالحفظ عن السّمع فكفت لا من أن كما قال {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به} بمعنى لئلّا يؤمنوا به فكفت لا من أن كما كفت أن من لا في قوله تعالى {يبين الله لكم أن تضلوا} فإن قال قائل فلو كان هذا هو الوجه لم يكن في الكلام إلى ولكان الوجه أن يقال لا يسمعون الملأ الأعلى قلت العرب تقول سمعت زيدا وسمعت إلى زيد فكذلك قوله {لا يسمعون إلى الملإ الأعلى} وقد قال جلّ وعز {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} وقال {ومنهم من يستمع إليك} فيعدي الفعل مرّة ب إلى ومرّة باللّام
[حجة القراءات: 605]
كقوله {وهداه إلى صراط مستقيم} و{الحمد لله الّذي هدانا لهذا} {وأوحى ربك إلى النّحل} وقال {بأن ربك أوحى لها}
ومن قرأ {يسمعون} الأصل يتسمعون فأدغم التّاء في السّين لقرب المخرجين وحجتهم في أنهم منعوا من التسمع الأخبار الّتي وردت عن أهل التّأويل بأنّهم كانوا يتسمعون الوحي فلمّا بعث رسول الله صلى الله عليه رموا بالشّهب ومنعوا فإذا كانوا عن التسمع ممنوعين كانوا عن السّمع أشد منعا وأبعد منه لأن المتسمع يجوز أن يكون غير سامع والسّامع قد حصل له الفعل قالوا فكان هذا الوجه أبلغ في زجرهم لأن الإنسان قد يتسمع ولا يسمع فإذا نفي التسمع عنه فقد نفى سمعهم من جهة التسمع ومن جهة غيره فهو أبلغ). [حجة القراءات: 606]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {لا يسمعون} قرأه حفص وحمزة والكسائي بالتشديد في السين والميم، وخففه الباقون.
وحجة من شدد أنه قدر أن الأصل «يتسمعون» مستقبل «تسمع»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/221]
الذي هو مطاوع «سمع» ثم أدغم التاء في السين لقرب المخرجين، وحسن الإدغام، لأنه ينقل حرفا ضعيفًا، وهو التاء إلى ما هو أقوى منه، وهو السين، لأنها من حروف الصغير، وحسن حمله على «تسمع»، لأن «التسمع» قد يكون، ولا يكون معه إدراك سمع، وإذا نفي التسمع عنهم فقد نُفي سمعهم من جهة التسمع ومن غيره، فذلك أبلغ في نفي السمع عنهم، ويقال: سمعت الكلام وأسمعته، كما تقول: شويته وأشويته بمعنى، وقد قرأ ابن عباس «يُسمَّعون» بضم الياء والتشديد، وقال: يستمعون ولكن لا يسمعون، وقد قال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له} «الأعراف 204» وقال: {ومنهم من يستعمون إليك} «يونس 42» فهو فعل يتعدى باللام وبإلى، فإتيان «إلى» بعده يدل على أنه «يتسمعون» لأن «يسمع» لا يتعدى بـ «إلى» إلا على حيلة وإضمار.
5- وحجة من خفه أنه حمله على أنه نفى عنهم السمع بدلالة قوله تعالى: {إنهم عن السمع لمعزولون} «الشعراء 212» ولم يقل عن التسمع، فهم يتسمعون ولكن لا يسمعون شيئًا، ودليله قوله تعالى عن قول الجن: {فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدا} «الجن 9» فدل ذلك على أنهم يتسمعون الآن فيطردون بالشهب ولا يسمعون شيئًا، فيبعد على هذا النص أن ينفي عنهم السمع، إذ قد أخبر عنهم أنهم يتسمعون فيطردون بالشهب، وهو الاختيار، لصحة معناه، ولأن الأكثر عليه، فأما إتيان «إلى» بعده فهو على معنى «لا يميلون أسماعهم إلى الملأ»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/222]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {لَا يَسَّمَّعُونَ} [آية/ 8] بتشديد السين والميم:
قرأها حمزة والكسائي و-ص- عن عاصم.
والوجه أن أصله يتسمّعون على يتفعَّلون من التسميع، وهو طلب الاستماع، فأُدغم التاء في السين فبقي يسَّمَّعون، وإنما صاروا إلى التسميع؛ لأنه إذا كان التسميع منفيًّا عنهم، فالسماع مُنْتَفٍ لا محالة؛ لأنهم إذا لم يتسمَّعوا فكيف يقع استماعهم، فهذا أبلغ في المعنى.
وقرأ الباقون {لَا يَسْمَعُونَ} بإسكان السين وفتح الميم مخففة.
والوجه أنه يقال: سمعت الشيء واستمعته، كما يقال حقرته واحتقرته، ويقولون: سمعت إليه وله واستمعت إليه وله، قال الله تعالى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} وقال {فَاسْتَمِعُوا لَهُ}، والمعنى هو أن الغرض من التسمّع
[الموضح: 1085]
السماع، فإذا نفى السماع عنهم فقد نفى ما هو المقصود). [الموضح: 1086]
قوله تعالى: {دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): ({من كل جانب دحورًا} [8] بضم الدال لا غير، إلا السلمي والحسن، فإنهما قرآ: {دحورًا} أو أحدهما، وقد ذكرت علته فيما مضي .{ولهم عذاب واصب} [9] أي: دائم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/245] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرأ: [مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دَحُورًا]. السلمي.
قال أبو الفتح: في فتح هذه الدال وجهان:
إن شئت على ما جاء من المصادر على فَعُول -بفتح الفاء- على ما فيه من خلاف أبي بكر فيه، وقد بيناه فيما مضى من هذا الكتاب وغيره.
وإن شئت: أراد وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِدَاحِرٍ، أو بِما يَدْحَرُ، وهذا كأنه الثاني من الوجهين، لما فيه من حذف حرف الجر وإرادته. وأكثر ما يأتي في الشعر، كما قال:
نُغَالِي اللَّحْمَ لِلأضْيافِ نِيئًا ... ونُرْخِصُه إذا نَضِجَ القَدِيرُ
أي: باللحم، ومثله {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ} أي: أعلم به، فيمن قدر ذلك). [المحتسب: 2/219]
قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)}