قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (الّذين هم عباد الرّحمن)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب (الّذين هم عند الرّحمن) بالنون.
وقرأ الباقون (عباد الرّحمن) بالباء.
قال أبو منصور: من قرأ (عباد الرّحمن) فهو جمع عبدٍ ومن قرأ (عند الرّحمن) فمعناه: الذين هم أقرب إلى الله منكم). [معاني القراءات وعللها: 2/362]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أشهدوا خلقهم)
[معاني القراءات وعللها: 2/362]
قرأ نافع وحده (آو اشهدوا خلقهم) بهمزة ممدودة، بعدها ضمة.
وقرأ الباقون (أشهدوا خلقهم) بغير مدٍّ.
قال أبو منصور: من قرأ (آو اشهدوا) فمعناه أأحضروا خلق الملائكة حين خلقهن الله، فعلموا أنهم ذكور أو إناث؟.
وهذا استفهام معناه النفي، أي: لم يحضروا خلقهم.
وفيه تقريع لهم.
ومن قرأ (أشهدوا خلقهم): احضروا خلقهم). [معاني القراءات وعللها: 2/363]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن} [19].
قرأ نافع وابن عامر وابن كثير: {عند الرحمن} وحجتهم قوله: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون}.
وقرأ الباقون: {عباد} جمع عبد، لأن الله تعالى قال: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا لله ولا الملائكة المقربون} ولأن الله إنما كذبهم في أن الملائكة ليسوا بناته، ولكنهم عباده.
وحدثني أحمد عن علي عن أبي عبيد، قال حدثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن في مصحفي {عباد الرحمن} قال: حكه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/295]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {أشهدوا خلقهم} [19].
قرأ نافع وحده: {ءأشهدوا خلقهم} من أشهد يشهد.
وقرأ الباقون: {أشهدوا} من شهد يشهد فـ«أشهدوا» الفعل لهم ءأشهدوا مفعولون، قال الله تعالى: {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض} فهذا شاهد لنافع {ولا خلق أنفسهم} فمن أين علموا أن الملائكة بنات
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/295]
الله إذا لم يشهدوا ولم يخبرهم بذلك مخبر، وهذا نهاية في الحجة عليهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/296]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الباء والنون من قوله عزّ وجلّ: عباد الرحمن [الزخرف/ 19]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: عند الرحمن* بالنون.
وقرأ الباقون: عباد الرحمن بالباء.
حجّة من قال: عند الرحمن*، قوله: ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته [الأنبياء/ 19] وقوله: إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته [الأعراف/ 206] وحجّة من قال عباد قوله: بل عباد مكرمون [الأنبياء/ 26] فقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا، وفي قوله: عند الرحمن* دلالة على رفع المنزلة والتقريب، كما قال: ولا الملائكة المقربون [النساء/ 172] وهذا من القرب في المنزلة والرفعة
[الحجة للقراء السبعة: 6/140]
في الدرجة، وليس من قرب المسافة وفي قوله: عباد الرحمن دلالة على تكذيبهم في أنّهم بنات، كما قال: أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون [الصافّات/ 150] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/141]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ نافع وحده: أاشهدوا [الزخرف/ 19] بضمّ الألف مع فتحة الهمزة من أشهدوا. المفضل عن عاصم مثل نافع، وروى خلف وابن سعدان عن المسيبي عن نافع آشهدوا ممدودة من أشهدت.
والباقون لا يمدّون أشهدوا من شهدت قوله: بضمّ الألف مع فتحة الهمزة يعني أنّ الفعل أشهدوا* على أفعلوا بضمّ الهمزة وسكون الشين، وقبلها همزة الاستفهام مفتوحة ثم يخفّف الهمزة الثانية من غير أن يدخل بينهما ألفا كما يفعله أبو عمرو، والذي رواه المسيبي مثل ذلك، إلّا أنّه يدخل بينهما ألفا.
قال أبو علي: إنّ قولهم شهدت فعل استعمل على ضربين:
أحدهما يراد به: حضرت، والآخر: العلم، فالذي معناه الحضور يتعدّى إلى مفعول، يدلّ على ذلك قوله:
لو شهد عادا في زمان عاد
[الحجة للقراء السبعة: 6/141]
وقوله:
ويوم شهدناه سليما وعامرا فتقدير هذا شهدنا فيه سليما، ومن ذلك قوله:
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة يد الدّهر إلّا جبرئيل أمامها فهذا محذوف المفعول، التقدير فيه: شهدنا المعركة، أو شهدنا من تجمّع لقتالنا. ومنه قوله:
فقد شهدت قيس فما كان نصرها قتيبة إلّا عضّها بالأباهم فهذا الضرب المتعدّي إلى مفعول واحد، إذا نقل بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، تقول: شهد زيد المعركة وأشهدته إياها، ومن ذلك: ما أشهدتهم خلق السموات [الكهف/ 51] فلما نقل شهد بالهمز صار الفاعل مفعولا أولا، والتّقدير: ما أشهدتهم فعلي، والفعل في أنّه مفعول ثان، وإن كان غير عين، مثل زيد ونحوه من أسماء الأعيان
[الحجة للقراء السبعة: 6/142]
المختصّة. وقالوا: امرأة مشهد، إذا كان زوجها شاهدا لم يخرج في بعث من غزو وغيره، وامرأة مغيب: إذا لم يشهد زوجها.
فكأنّ المعنى: ذات غيبة لوليّها، وذات شهادة، والشّهادة خلاف الغيبة قال: عالم الغيب والشهادة [الأنعام/ 73] فهذا في المعنى مثل قوله: ويعلم ما تخفون وما تعلنون [النمل/ 25] ويعلم سركم وجهركم [الأنعام/ 3]. وأمّا شهدت الذي بمعنى علمت فيستعمل على ضربين: أحدهما: أن يكون قسما، والآخر: أن يكون غير قسم، فاستعمالهم له قسما، كاستعمالهم: علم الله ويعلم الله، قسمين فتقول: علم الله لأفعلنّ، فتتلقاه بما تتلقّى به الأقسام، وأنشد سيبويه:
ولقد علمت لتاتينّ منيّتي إنّ المنايا لا تطيش سهامها وحدّثنا أبو الحسن عبيد الله بن الحسن أنّ محمدا قال: إنّ زفر كان يذهب إلى أنّه إذا قال: أشهد بالله كان يمينا، فإن قال: أشهد، ولم يقل بالله لم يره قسما. أبو الحسن وقال محمد: أشهد غير موصولة بقوله بالله مثل أشهد موصولة بقولك بالله في أنّه يمين، قال: واستشهد محمد على ذلك بقوله قالوا نشهد إنك لرسول الله [المنافقون/ 1] ثم قال: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة [المنافقون/ 1، 2] فجعله يمينا، ولم يوصل بقوله بالله. وأمّا شهدت الذي يراد به علمت ولا يراد به العلم فهو ضرب من العلم مخصوص
[الحجة للقراء السبعة: 6/143]
فكلّ شهادة علم وليس كلّ علم شهادة، وممّا يدلّ على اختصاصه بالعلم بأنّه لو قال عند الحاكم: أعلم أنّ لزيد على عمرو عشرة، لم يحكم به حتى يقول: أشهد، فالشهادة مثل التيقّن في أنّه ضرب من العلم مخصوص، فليس كلّ علم تيقّنا، وإن كان كلّ تيقّن علما، وكأنّ التيقّن هو العلم الذي قد عرض لعالمه إشكال فيه. يبيّن ذلك قوله في قصّة إبراهيم: وليكون من الموقنين [الأنعام/ 75] ويبيّن ذلك قول رؤبة:
يا دار عفراء ودار البخدن أما جزاء العالم المستيقن عندك إلّا حاجة التّفكّن فوصف العالم بالمستيقن.
وقالوا: فلو لم تكن في المستيقن زيادة معنى لم يكن في الوصف الأوّل، ولم يحسن هذا الكلام، وكان غير مفيد. وهذا كقول زهير:
فلأيا عرفت الدّار بعد توهّم ثمّ قال:
فلمّا عرفت الدّار قلت لربعها أي: عرفتها بعد إشكال امرها، والتباسها عليّ، وعلى هذا قول
[الحجة للقراء السبعة: 6/144]
الآخر:
حيّوا الدّيار وحيّوا ساكن الدّار ما كدت أعرف إلّا بعد إنكار وكأنّ معنى: أشهد أيّها الحاكم على كذا وكذا، أي أعلمه علما يحضرني. وقد تذلّل لي، فلا أتوقف عنه ولا أتثبت فيه لوضوحه عندي، وتبيّنه، وليس كذلك سبيل المعلومات كلّها، ألا ترى أنّ منها ما يحتاج إلى توقف فيه، واستدلال عليه، وتنزيل له، ويدلّ على أنّ هذه الشهادة يراد بها المعنى الزائد على العلم أنّه لا يخلو من أن يكون العلم مجردا ممّا ذكرنا، أو مقترنا بما وصفنا من المعاني، فالّذي يدلّ على أنّه المقترن بالمعاني التي ذكرنا قوله: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [الزخرف/ 86]، وقوله: وما شهدنا إلا بما علمنا [يوسف/ 81].
فلو كان معنى «شهد» العلم خاليا من هذه المعاني لكان المعنى:
وما علمنا إلّا بما علمنا، وإلّا من علم بالحقّ وهم يعلمون، فإذا لم يتّجه حمله على هذا علم أنّ معناه ما ذكرنا. وشهد في هذا الوجه يتعدّى بحرف جرّ، فتارة يكون الباء وأخرى يكون على*، فمما يتعدّى بعلى قوله: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا [فصّلت/ 21] وقوله: شهد عليهم سمعهم وأبصارهم [فصّلت/ 20] ويوم تشهد عليهم ألسنتهم [النور/ 24] شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم [الأنعام/ 130] ومن التعدّي بالباء قوله: وما شهدنا إلا بما علمنا [يوسف/ 81] وإلا من شهد بالحق
[الحجة للقراء السبعة: 6/145]
[الزخرف/ 86] وقوله: أربع شهادات بالله [النور/ 6] فإذا نقل بالهمزة زاد بالهمزة مفعول كسائر الأفعال المتعدية إذا نقلت بالهمزة، قال: وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا [الأعراف/ 172] فأمّا قوله: أشهدوا خلقهم [الزخرف/ 19] فمن الشهادة التي هي الحضور، كأنّهم بّخلوا على أن قالوا ما لم يحضروا ممّا حكمه أن يعلم بالمشاهدة. ومن قال: أأشهدوا خلقهم فالمعنى:
أأحضروا ذلك، وكان الفعل يتعدّى إلى مفعولين قبل النقل فلمّا بني للمفعول به نقص فتعدّى الفعل إلى مفعول واحد، ويقوّي هذه القراءة قوله: ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم [الكهف/ 51] فتعدّى إلى مفعولين لمّا بني الفعل للفاعل. فأمّا قوله:
إني أشهد الله واشهدوا أني بريء [هود/ 54] فعلى إعمال الثاني، كما أنّ قوله: آتوني أفرغ عليه قطرا [الكهف/ 96] كذلك، والتقدير: إنّي أشهد الله إنّي بريء. واشهدوا أنّي بريء، فحذف المفعول الأوّل على: ضربت وضربني زيد، وهذا منقول من شهد بكذا، إلّا أن حرف الجر يحذف مع أنّ وأن، فأمّا الباء في قوله:
أشهد بالله فهي متعلقة بهذا الظاهر، كما أنّ قوله: أحلف بالله، وأقسم بالله، يتعلق الجارّ فيه بهذا الظاهر. فإن قلت: فلم لا يكون الجار فيه معلقا بمحذوف كأنّه قال: أشهد بقوة الله، فيكون الجارّ فيه كالّذي في قوله: حضرت بسلاحي، وشهدت بقوتي، فإنّ ما تقدّم أولى من هذا، ألا ترى أنّك تقول: أشهد وأشهد بالله كما تقول: أحلف وأحلف بالله، وأقسم وأقسم بالله؟ فكما أنّك في هذا تعلق الجارّ بالظّاهر كذلك في أشهد تعلقه به. وقال: ونزعنا من كل أمة شهيدا [القصص/ 75] فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء [النساء/ 41]
[الحجة للقراء السبعة: 6/146]
وقال: لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة/ 143] فشهداء جمع شهيد، كفقيه وفقهاء، وظريف وظرفاء، فأمّا قوله: ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم [هود/ 18] فيجوز أن يكون الأشهاد جمع شاهد مثل: صاحب وأصحاب. وطائر وأطيار، وأظنّه قول سيبويه، ويجوز أن يكون أشهاد جمع شهيد، كيتيم وأيتام، وشريف وأشراف وأبيل وآبال، وهذا كأنّه أرجح، لأنّ ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل). [الحجة للقراء السبعة: 6/147]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [أُشْهِدُوا]، بغير استفهام.
قال أبو الفتح: أما حذف همزة الاستفهام تخفيفا، كأنه قال: {أشهدوا خلقهم}؟ كقراءة الجماعة - فضعيف؛ لأن الحذف في هذا الحرف أمر موضعه الشعر، ولكن طريقه غير هذا. وهو أن يكون قوله: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} صفة لـ"إناث" حتى كأنه قال: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد لرحمن إناثا مشهدا خلقهم هم.
فإن قلت: فإن المشركين لم يدعوا أنهم أشهدوا خلق ذلك، ولا حضروه.
قيل: اجتراؤهم على ذلك، ومجاهرتهم به، واعتقادهم إياه، وانطواؤهم عليه -فعل من شاهده، وعاين معتقد ما يدعيه فيه، لا من هو شاك ومرجم ومتظن، وإن لم يكن معاندا ومتخرصا لما لا يعتقده أصلا. فلما بلغوا هذه الغاية صاروا كالمدعين أنهم قد شهدوا ما تشهروا به وأعصموا باعتقاده.
وهذا كقولك لمن يزكي نفسه، وينفي الخبائث عنها، أو شيئا من الرذائل أن تتم عليها: وأنت إذا تقول: إنك معصوم، وهو لم يلفظ بادعائه العصمة، لكنه لما ذهب بنفسه ذلك المذهب صار بمنزلة من قال: أنا معصوم.
[المحتسب: 2/254]
ومثله أن يقول الإنسان: القرآن ليس بمعجز، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ليس بمرسل، فتقول أنت: هذا الذي تقول الحق باطل، وهو لم يلفظ بذلك، لكن صورته صورة من لفظ به.
وعليه قول الله سبحانه: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ}، إذا تأولت ذلك على أنه كأنه قال: يقول: لمن ضره أقرب من نفعه إله، ثم حذفت خبر المبتدأ، وإن كان هو لم يقل ذلك، بل هو يعتقد أن نفعه أقرب من ضره، لكنك أخبرت عنه أن صورته مع تحصيلها صورة من يقول: ذلك). [المحتسب: 2/255]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثًا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} 19
قرأ نافع وابن عامر وابن كثير (وجعلوا الملائكة الّذين هم عند الرّحمن) بالنّون وحجتهم قوله {إن الّذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته}
وقرأ الباقون {عباد الرّحمن} جمع عبد وحجتهم قوله {بل عباد مكرمون} فقد جاء التّنزيل بالأمرين جميعًا وفي قوله {عند الرّحمن} دلالة على رفع المنزلة والتقريب كما قال {ولا الملائكة المقربون} وليس من قرب المسافة وفي قوله عباد الرّحمن دلالة على تكذيبهم في أنهم إناث كما قال {أم خلقنا الملائكة إناثًا وهم شاهدون}
قرأ نافع (ءأشهدوا) بضم الألف المسهلة مع فتحة الهمزة أي أحضروا خلقهم كما تقول أشهدتك مكان كذا وكذا أي
[حجة القراءات: 647]
أحضرتك وحجته قوله {ما أشهدتهم خلق السّماوات والأرض} والأصل أأشهدوا بهمزتين الأولى همزة الاستفهام بمعنى الإنكار والثّانية همزة التّعدية ثمّ خففت الهمزة الثّانية من غير أن تدخل بينهما ألفا
وروى المسيبي عن نافع (ءاأشهدوا) بالمدّ أدخل بينهما ألفا
وروى الحلواني عن نافع أشهدوا على ما لم يسم فاعله قال الفراء أشهدوا بغير الهمز يريد الاستفهام والهمز
وقرأ الباقون {اشهدوا} بفتح الألف والشين جعلوا الفعل لهم أي أحضروا خلقهم حين خلقوا وحجتهم قوله {أم خلقنا الملائكة إناثًا وهم شاهدون} ). [حجة القراءات: 648]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {الذين هم عباد الرحمن} قرأه الكوفيون وأبو عمر {عباد} جمع «عبد»، وقرأ الباقون «عند» على أنه ظرف.
وحجة من جعله ظرفًا إجماعهم على قوله: {ومن عنده لا يستكبرون} «الأنبياء 19» وقوله: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون} «الأعراف 206» فهذا كله يُراد به الملائكة، وفي هذه القراءة دلالة على شرف منزلتهم، وجلالة قدرهم، وفضلهم على الآدميين.
6- وحجة من جعله جمع «عبد» قوله: {بل عبادٌ مكرمون} «الأنبياء 26» يعني الملائكة، وفيه التسوية بين الآدميين والملائكة في أن كلا عباد الله، و«عند» في هذا ليس يُراد به قرب المسافة، لأن الله في كل مكان يعلمه، كما قال: {وهو معكم أين ما كنتم} «الحديد 4» ولكن معنى «عند» الرفعة في الدرجة والشرف في الحال، ومن جعله جمع «عبد» دل بذلك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/256]
على نفي قول من جعل الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا؛ لأنه يخبر أنهم عباده، والولد لا يكون عبد أبيه، فهي قراءة تدل على تكذيب من ادعى ذلك، وردًا لقوله، فالقراءتان مكتافئتان صحيحتا المعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/257]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {أشهدوا خلقهم} قرأ نافع بهمزة، بعدها واو خفيفة الضمة، وأصلها أن تكون همزة مخففة بين الهمزة والواو، وقرأ الباقون بهمزة مفتوحة، بعدها شين مفتوحة.
وحجة من قرأ بهمزتين والثانية مخففة أنه أدخل همزة الاستفهام التي معناها التوبيخ والتقرير على فعل ما لم يسم فاعله رباعي، كأنهم وبخوا حين ادعوا ما لم يشهدوا، والشهادة في هذا المعنى الحضور، والمعنى: هل أحضروا خلق الله الملائكة إناثا حتى ادعوا ذلك وقالوه.
8- وحجة من قرأ بهمزة واحدة أنه حمله على أنه فعل ثلاثي، دخلت عليه همزة الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتقرير، فالقراءة الأولى تعدى الفعل فيها إلى مفعولين؛ لأنه رباعي، نُقل بالهمزة من الثلاثي، والنقل بالهمزة يزيد في المفعولين واحدًا أبدًا كالتضعيف، فالمفعولان: أحدهما المضمر في الفعل، الذي قام مقام الفاعل، والثاني {خلقهم} والقراءة الثانية تعدى الفعل فيها إلى مفعول؛ لأنه ثلاثي، غير منقول، وهو {خلقهم} ولم يدخل قالون بين الهمزتين ألفًا، ولا يمد في هذا على أصله في «أؤلقي وأؤنزل» لأنه فعل لم يُجمع عليه أنه رباعي، كما أجمع في «ألقى وأنزل» فجعل ترك إدخال الألف فيه دلالة على الاختلاف فيه، وأنه ثلاثي في الأصل مع روايته ذلك عند نافع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/257]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمنِ} [آية/ 19] بالنون من غير ألف:-
قرأها ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب.
والوجه أنه أراد أنهم عند الله تعالى بالقربة والمنزلة.
ويجوز أن يكون المراد أنهم عند أمره وحكمه، كما تقول: أنا عندك وبين يديك، أي في طاعتك، ومثل ذلك قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ}.
[الموضح: 1147]
وقرأ أبو عمرو والكوفيون {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} بالباء والألف.
والوجه أنه جمع عبد، كما تقول: كعب وكعاب وكلب وكلاب، أو جمع عابد كما يقال: قائم وقيام. وقال الله تعالى في وصفهم {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} ). [الموضح: 1148]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {أأَُشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [آية/ 19] بهمزة استفهام وبهمزة أخرى مضمومة مخففة مثل الواو:-
قرأها نافع وحده.
والوجه أن الهمزة الأولى همزة استفهام على معنى التوبيخ، والهمزة الثانية همزة نقل الفعل؛ لأنه يقال: شهدت الشيء وأشهدته إياه، فالألف قد ألحق للنقل، ثم بني الفعل للمفعول به، وجمع فصار: أشهدوا، أي أحضروا، ثم دخلته همزة الاستفهام فصار أأشهدوا، ثم خففت الثانية بأن جعلت بين الهمزة والواو، وهكذا تخفيف مثلها فصار: أو شهدوا.
وعن نافع أيضًا برواية خلف {آوُشْهِدُوا} بهمزة ممدودة بعدها همزة مخففة كالواو.
والوجه أنه على ما ذكرنا، إلا أنه قد أدخل بين الهمزتين ألف للفصل بينهما. وقد مضى مثل ذلك.
وقرأ الباقون {أَشَهِدُوا} بهمزة واحدة وبفتح الشين.
[الموضح: 1148]
والوجه أن الألف للاستفهام على معنى التوبيخ، والفعل: شهدوا أي حضروا، والمعنى إنهم ادعوا علم ما لم يشاهدوه مما طريقه المشاهدة فوبخوا على ذلك). [الموضح: 1149]
قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)}
قوله تعالى: {أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)}
قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)}
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)}
قوله تعالى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال أولو جئتكم بأهدى (24)
قرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم (قال أولو جئتكم) بألف.
وقرأ الباقون (قل أولو جئتكم) بضم القاف.
قال أبو منصور: من قرأ (قال أولو) فهو فعل ماض، كأن نبيهم قال لهم: أولو جئتكم.
ومن قرأ (قل أولو جئتكم) فهو أمر من الله للنبي: قل لهم). [معاني القراءات وعللها: 2/363]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {قال أولو جئتكم بأهدى} [24].
قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: {قال أو لو جئتكم} على الخبر.
وقرأ الباقون: {قل} على الأمر.
وقرأ الناس كلهم بالتاء، إلا ما حدثني أحمد عن على عن أبي عبيد أن أبا جعفر قرأ: {أو لو جيئناكم} الله تعالى يخبر عن نفسه بلفظ الجمع؛ لأنها كلمة ملك، ومثله: {بل متعت هؤلاء} [29] و{بل متعنا}، و{كم من قرية أهلكناها} و{أهلكتها} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/296]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن عامر: قال أولو جئتكم [الزخرف/ 24] بألف وكذلك روى حفص عن عاصم.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: قل* بغير ألف.
[الحجة للقراء السبعة: 6/147]
قال أبو علي: فاعل قال: النذير، المعنى: وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلّا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمّة، فقال لهم النذير: أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم؟ ويجوز فيمن قال: قل، أن يكون حكاية ما أوحي إلى النذير، كأنّه: أوحينا إليه فقلنا له قل لهم: أو لو جئتكم بأهدى من ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 6/148]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم} 24
قرأ ابن عامر وحفص {قال أولو جئتكم} على الخبر وفاعل قال النذير المعنى {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلّا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمة} فقال لهم النذير {أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم}
[حجة القراءات: 648]
وقرأ الباقون {قل} بالأمر أي قل يا محمّد). [حجة القراءات: 649]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {قال أو لو جئتكم} قرأه حفص وابن عامر {قال} بألف على الخبر، وقرأ الباقون {قل} بغير ألف على الأمر.
وحجة من قرأ على الخبر أنه جعله خبرًا عن قول «النذير» المتقدم الذكر في قوله: {وما أرسلنا في قرية من نذير} «23» أي: قال لهم النذير: أو لو جئتكم، ثم أخبر الله جل ذكره بجوابهم للنذير، فقال عنهم: {قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون} و«النذير» بمعنى الجماعة، فلذلك قالوا: إنا بما أرسلتم به كافرون.
10- وحجة من قرأ على الأمر أنه حمله على أنه أمر من الله للنذير، ليقول لهم ذلك، يحتج به عليهم، فهو حكاية عن الحال التي جرت من أمر الله جل ذكره للنذير فأخبرنا الله أنه أمر لنذير، فقال له: قل لهم أولوجئتكم وأخبرنا الله بما أجابوا به النذير في قوله {إنا بما أرسلتم به كافرون} والاختيار «قل» لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/258]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ} [آية/ 24] بالألف:-
قرأها ابن عامر و-ص- عن عاصم.
والوجه أنه إخبار عن النذير الذي ذكر في قوله تعالى {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} والمعنى قال النذير: أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم.
وقرأ الباقون {قَالَ أَوَلَوْ} بغير ألف.
والوجه أنه على حكاية ما أوحى إلى النذير، كأنه قال: أوحينا إلى النذير بأن قل لهم ذلك). [الموضح: 1149]
قوله تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)}