تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال فرعون ائتوني بكلّ ساحرٍ عليمٍ (79) فلمّا جاء السّحرة قال لهم مّوسى ألقوا ما أنتم مّلقون}.
يقول تعالى ذكره: وقال فرعون لقومه: ائتوني بكلّ من يسحر من السّحرة، عليمٌ بالسّحر). [جامع البيان: 12/241]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقال فرعون ائتوني بكلّ ساحرٍ عليمٍ (79)
قوله تعالى: وقال فرعون ائتوني بكلّ ساحرٍ عليمٍ
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ، ثنا محمّد بن الحسن، ويزيد بن هارون، واللّفظ لمحمّد بن الحسن، عن أصبغ بن زيدٍ الورّاق، عن القاسم بن أبي أيّوب عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: يأتوك بكلّ ساحرٍ عليمٍ قال: فحشر له كلّ ساحرٍ متعالمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1974]
تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فلمّا جاء السّحرة فرعون، قال موسى: ألقوا ما أنتم ملقون من حبالكم وعصيّكم.
وفي الكلام محذوفٌ قد ترك، وهو: فأتوه بالسّحرة فلمّا جاء السّحرة؛ ولكن اكتفى بدلالة قوله: {فلمّا جاء السّحرة} على ذلك، فترك ذكره. وكذلك بعد قوله: {ألقوا ما أنتم ملقون} محذوفٌ أيضًا قد ترك ذكره، وهو: فألقوا حبالهم وعصيّهم، فلمّا ألقوا قال موسى، ولكن اكتفى بدلالة ما ظهر من الكلام عليه، فترك ذكره). [جامع البيان: 12/241]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا جاء السّحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (80)
قوله تعالى: فلمّا جاء السّحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون
- وبه عن ابن عبّاسٍ قال: اليوم الّذي أظهر اللّه فيه موسى على فرعون والسّحرة هو يوم عاشوراء فلمّا اجتمعوا في صعيدٍ قال النّاس بعضهم لبعضٍ انطلقوا فلنحضر هذا الأمر ونتّبع السّحرة إن كانوا هم الغالبين يعني بذلك موسى وهارون، صلّى اللّه عليهما وسلّم استهزاءً بهما قالوا: يا موسى لقدرتهم بسحرهم إمّا أن تلقي وإمّا (أن) نكون نحن الملقين قال: ألقوا... فألقوا حبالهم وعصيّهم وقالوا بعزّة فرعون إنّا لنحن الغالبون، فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفةً فأوحى اللّه إليه أن ألق العصا). [تفسير القرآن العظيم: 6/1974]
تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا ألقوا قال موسى ما جئتم به السّحر إنّ اللّه سيبطله إنّ اللّه لا يصلح عمل المفسدين}.
يقول تعالى ذكره: {فلمّا ألقوا} ما هم ملقوه {قال} لهم {موسى ما جئتم به السّحر}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق {ما جئتم به السّحر} على وجه الخبر من موسى عن الّذي جاءت به سحرة فرعون أنّه سحرٌ كأنّ معنى الكلام على تأويلهم، قال موسى: الّذي جئتم به أيّها السّحرة هو السّحر.
وقرأ ذلك مجاهدٌ وبعض المدنيّين والبصريّين: (ما جئتم به آلسّحر) على وجه الاستفهام من موسى إلى السّحرة عمّا جاءوا به، أسحرٌ هو أم غيره؟
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأه على وجه الخبر لا على الاستفهام، لأنّ موسى صلوات اللّه وسلامه عليه لم يكن شاكًا فيما جاءت به السّحرة أنّه سحرٌ لا حقيقةٌ له فيحتاج إلى استخبار السّحرة عنه أي هو.
وأخرى أنّه صلوات اللّه عليه قد كان على علمٍ من السّحرة، إنّما جاء بهم فرعون ليغالبوه على ما كان جاءهم به من الحقّ الّذي كان اللّه آتاه، فلم يكن يذهب عليه أنّهم لم يكونوا يصدّقونه في الخبر عمّا جاءوا به من الباطل، فيستخبرهم أو يستجيز استخبارهم عنه؛ ولكنّه صلوات اللّه عليه أعلمهم أنّه عالمٌ ببطول ما جاءوا به من ذلك بالحقّ الّذي أتاه ومبطلٌ كيدهم بجدّه، وهذه أولى بصفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الأخرى.
فإن قال قائلٌ: فما وجه دخول الألف واللاّم في السّحر إن كان الأمر على ما وصفت وأنت تعلم أنّ كلام العرب في نظير هذا أن يقولوا: ما جاءني به عمرٌو درهم، والّذي أعطاني أخوك دينار، ولا يكادون أن يقولوا الّذي أعطاني أخوك الدّرهم، وما جاءني به عمرو الدّينار؟
قيل له: بلى كلام العرب إدخال الألف واللاّم في خبر ما والّذي إذا كان الخبر عن معهودٍ قد عرفه المخاطب والمخاطب، بل لا يجوز إذا كان ذلك كذلك إلاّ بالألف واللاّم، لأنّ الخبر حينئذٍ خبرٌ عن شيءٍ بعينه معروفٍ عند الفريقين؛ وإنّما يأتي ذلك بغير الألف إذا كان الخبر عن مجهولٍ غير معهودٍ ولا مقصودٍ قصد شيئًا بعينه، فحينئذٍ لا تدخل الألف واللاّم في الخبر، وخبر موسى كان خبرًا عن معروفٍ عنده وعند السّحرة، وذلك أنّها كانت نسبت ما جاءهم به موسى من الآيات الّتي جعلها اللّه علمًا له على صدقه ونبوّته إلى أنّه سحرٌ، فقال لهم موسى: السّحر الّذي وصفتم به ما جئتكم به من الآيات أيّها السّحرة، هو الّذي جئتم به أنتم لا ما جئتكم به أنا.
ثمّ أخبرهم أنّ اللّه سيبطله. فقال: {إنّ اللّه سيبطله} يقول: سيذهب به، فذهب به تعالى ذكره بأن سلّط عليه عصًا موسى قد حوّلها ثعبانًا يتلقّفه حتّى لم يبق منه شيءٌ. {إنّ اللّه لا يصلح عمل المفسدين} يعني: أنّه لا يصلح عمل من سعى في أرض اللّه بما يكرهه وعمل فيها بمعاصيه.
وقد ذكر أنّ ذلك في قراءة أبيّ بن كعبٍ: ما أتيتم به سحرٌ، وفي قراءة ابن مسعودٍ: ما جئتم به سحرٌ، وذلك ممّا يؤيّد قراءة من قرأ بنحو الّذي اخترنا من القراءة فيه). [جامع البيان: 12/242-244]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا ألقوا قال موسى ما جئتم به السّحر إنّ اللّه سيبطله إنّ اللّه لا يصلح عمل المفسدين (81)
قوله تعالى: فلمّا ألقوا قال موسى ما جئتم به السّحر إنّ اللّه سيبطله إنّ الله لا يصلح عمل المفسدين
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، ثنا عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن ليثٍ، قال بلغني أنّ هؤلاء الآيات شفاءٌ من السّحر بإذن اللّه تقرأ في إناءٍ فيه ماءٌ ثمّ يصبّ على رأس المسحور الآية الّتي في سورة يونس: فلمّا ألقوا قال موسى ما جئتم به السّحر إنّ اللّه سيبطله إنّ اللّه لا يصلح عمل المفسدين ويحقّ اللّه الحقّ بكلماته ولو كره المجرمون والآية الأخرى: فوقع الحقّ وبطل ما كانوا يعملون إلى انتهاء أربع آياتٍ، وقوله: إنّما صنعوا كيد ساحرٍ ولا يفلح السّاحر حيث أتى). [تفسير القرآن العظيم: 6/1974]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم رضي الله عنه قال: بلغني أن هذه الآيات شفاء من السحر بإذن الله تعالى يقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور الآية التي في يونس {فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله} إلى قوله {ولو كره المجرمون} وقوله (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) (الأعراف الآية 118) إلى آخر أربع آيات وقوله (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) (طه الآية 69).
وأخرج ابن المنذر عن هرون رضي الله عنه قال: في حروف أبي بن كعب ما أتيتم به سحر وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه ما جئتم به سحر). [الدر المنثور: 7/691]
تفسير قوله تعالى: (وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويحقّ اللّه الحقّ بكلماته ولو كره المجرمون}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن موسى أنّه قال للسّحرة: {ويحقّ اللّه الحقّ} يقول: ويثبت اللّه الحقّ الّذي جئتكم به من عنده، فيعليه على باطلكم، ويصحّحه بكلماته، يعني بأمره؛ {ولو كره المجرمون} يعني الّذين اكتسبوا الإثم بربّهم بمعصيتهم إيّاه). [جامع البيان: 12/244]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ويحقّ اللّه الحقّ بكلماته ولو كره المجرمون (82)
قوله: ويحقّ اللّه الحقّ بكلماته ولو كره المجرمون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: المجرمون قال الكفار). [تفسير القرآن العظيم: 6/1974]