العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:02 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة المائدة


التفسير اللغوي لسورة المائدة


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 11:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 3]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ومن قوله تبارك وتعالى: {أوفوا بالعقود...}
يعني: بالعهود. [والعقود] والعهود واحد.
وقوله: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام} وهي بقر الوحش والظباء والحمر الوحشيّة.
وقوله: {إلاّ ما يتلى عليكم} في موضع نصب بالاستثناء، ويجوز الرفع، كما يجوز: قام القوم إلا زيدا وإلاّ زيد. والمعنى فيه: إلا ما نبينه لكم من تحريم ما يحرم وأنتم محرمون، أو في الحرم. فذلك قوله: {غير محلّي الصّيد} يقول: أحلّت لكم هذه غير مستحلّين للصيد {وأنتم حرمٌ}. ومثله {إلى طعامٍ غير ناظرين إناه} وهو بمنزلة قولك (في قولك) أحلّ لك هذا الشيء لا مفرطا فيه ولا متعدّيا. فإذا جعلت (غير) مكان (لا) صار النصب الذي بعد لا في غير. ولو كان (محلّين الصيد) نصبت؛ كما قال الله جل وعز {ولا آمّين البيت الحرام} وفي قراءة عبد الله (ولا آمّي البيت الحرام).
{إنّ اللّه يحكم ما يريد}: يقضي ما يشاء). [معاني القرآن: 1/298]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أوفوا بالعقود) (1) واحدها عقد، ومجازها: العهود والأيمان التي عقّدتم. وقال الحطيئة:
قومٌ إذا عقدوا عقداً لجارهم=شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا
ويقال: اعتقد فلان لنفسه، ويقال: وفيت وأوفيت.
(وأنتم حرمٌ) (1) واحدها حرام، قال:
فقلت لها فيئى إليك فإنّني=حرامٌ وإني بعد ذاك لبيب
أي مع ذاك، والمعنى محرم). [مجاز القرآن: 1/145-146]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد وأنتم حرمٌ إنّ اللّه يحكم ما يريد}
قال: {غير محلّي الصّيد} {أوفوا بالعقود} {غير محلّي الصّيد} نصب (غير) على الحال.
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلاً مّن رّبّهم ورضواناً وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب}
[و] قال: {لا تحلّوا شعائر اللّه} واحدها "شعيرة".
[و] قال: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} فـ"الشنئان" متحرك مثل "الدرجان" و"الميلان"، وهو من "شنئته" فـ"أنا أشنؤه" "شنئاناً". وقال: {لا يجرمنّكم} أي: لا يحقّنّ لكم. لأنّ قوله: {لا جرم أنّ لهم النّار} إنما هو حقٌّ أنّ لهم النّار. قال الشاعر:
ولقد طعنت أبّا عيينة طعنةً=جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي: حقّ لهٌا.
وقوله: {أن صدّوكم} يقول: "لأن صدّوكم" وقد قرئت {إن صدّوكم} على معنى "إن هم صدّوكم" أي: "إن هم فعلوا" أي: إن همّوا ولم يكونوا فعلوا. وقد تقول ذلك أيضاً وقد فعلوا كأنك تحكي ما لم يكن؛ كقول الله تعالى: {قالوا إن يسرق فقد سرق أخٌ لّه من قبل} وقد كان عندهم قد وقعت السرقة.
وقال: {أن تعتدوا} أي: لا يحقنّ لكم شنئان قوم أن تعتدوا. أي: لا يحملنّكم ذلك على العدوان. ثم قال: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى}). [معاني القرآن: 1/215-216]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أوفوا بالعقود}: العقود واحدها عقد). [غريب القرآن وتفسيره: 125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({أوفوا بالعقود} أي بالعهود. يقال: عقد لي عقدا، أي جعل لي عهدا، قال الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم=شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
ويقال: هي الفرائض التي ألزموها.
{بهيمة الأنعام} الإبل والبقر والغنم والوحوش كلها.
{إلّا ما يتلى عليكم} مما حرّم.
{غير محلّي الصّيد وأنتم حرمٌ} واحدهم حرام. والحرام والمحرم سواء.
ثم تلا ما حرم عليهم وهو الذي استثناه فقال: {حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير} ). [تفسير غريب القرآن: 138]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله جلّ وعزّ: (يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلّا ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد وأنتم حرم إنّ اللّه يحكم ما يريد (1)
خاطب اللّه جلّ وعزّ جميع المؤمنين بالوفاء بالعقود التي عقدها اللّه عليهم، والعقود التي يعقدها بعضهم على بعض على ما يوجبه الدين، فقال: (يا أيّها الّذين آمنوا) أي يا أيها الذين صدقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أوفوا بالعقود، والعقود العهود، يقال: وفيت بالعهد وأوفيت.
والعقود واحدها عقد، وهي - أوكد العهود يقال: عهدت إلى فلان في كذا وكذا، تأويله ألزمته ذلك.
فإنما قلت: عاقدته أو عقدت عليه، فتأويله أنك ألزمته ذلك باستيثاق.
وقال بعضهم: أوفوا بالعقود أي كان عقد بعضكم على بعض في الجاهلية، نحو الموالاة، ونحو قوله: (والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) والمواريث تنسخ العقود في باب المواريث.
يقال: عقدت الحبل والعهد فهو معقود.
قال الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم=شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا
تأويله أنهم يوفون عهودهم بالوفاء بها، ويقال أعقدت العسل ونحوه فهو معقد وعقيد، وروى بعضهم: عقدت العسل والكلام أعقدت.
قال الشاعر:
وكأنّ ربّا أو كحيلا معقدا=حشّ القيان به جوانب قمقم
وقوله جلّ وعزّ: (أحلّت لكم بهيمة الأنعام).
قال بعضهم: بهيمة الأنعام: الظباء والبقر الوحشية والحمر الوحشية.
والأنعام في اللغة تشتمل على الإبل والبقر والغنم.
فالتأويل - واللّه أعلم - أحلت لكم بهيمة الأنعام، أي أحلت لكم الإبل والبقر والغنم والوحش. والدليل على أن الأنعام مشتملة على ما وصفنا قوله عز وجلّ: (ومن الأنعام حمولة وفرشا) فالحمولة الإبل التي تحمّل والفرش صغار الإبل، قال (ثمانية أزواج من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين)
ثم قال: (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) وهذا مردود على قوله: (وهو الّذي أنشأ جنّات معروشات)، وأنشأ (ومن الأنعام حمولة وفرشا).
ثم ذكر ثمانية أزواج بدلا من قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشا).
والسورة تدعى سورة الأنعام، فبهيمة الأنعام هذه، وإنما قيل لها: بهيمة الأنعام؛ لأن كل حي لا يميز فهو بهيمة، وإنما قيل له: بهيمة لأنه أبهم عن أي يميز، فأعلم اللّه عز وجلّ أن الذي أحل لنا مما أبهم هذه الأشياء.
وقوله: (إلّا ما يتلى عليكم).
موضع ما نصب بـ (إلّا)، وتأويله أحلّت لكم بهيمة الأنعام (إلا ما يتلى عليكم) من الميتة والدم والموقوذة والمتردية والنطيحة (غير محلّي الصّيد) أي أحلّت لكم هذه لا محلين الصيد (وأنتم حرم).
وقال أبو الحسن الأخفش: انتصب (غير محلّي الصّيد) على قوله: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، كأنّه قيل: أوفوا بالعقود غير محلى الصيد.
وقال بعضهم: يجوز أن تكون " ما " في موضع رفع على أنه يذهب إلى أنه يجوز جاء إخوتك إلّا زيد، وهذا عند البصريين باطل؛ لأن المعنى عند هذا القائل: جاء إخوتك وزيد. كأنّه يعطف بها كما يعطف بلا، ويجوز عند البصريين جاء الرجال إلا زيد على معنى جاء الرجال غير زيد، على أن تكون صفة للنكرة أو ما قارب النكرة من الأجناس.
وقوله: (وأنتم حرم).
أي محرمون. وأحد الخرم حرام، - يقال: رجل حرام وقوم حرم.
قال الشاعر:
فقلت لها فيئي إليك فإنّني=حرام وإني بعد ذاك لبيب
أي ملبّ.
وقوله: (إنّ اللّه يحكم ما يريد).
أي الخلق له عزّ وجلّ، يحل منه ما يشاء لمن يشاء، ويحرم ما يريد). [معاني القرآن: 2/139-142]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}
قال مجاهد: العقود العهود وذلك معروف في اللغة يقال: عهدت إليه إذا أمرته بأمر وعقدت عليه وعاقدته إذا أمرته واستوثقت منه
وقيل: يراد بالعقود ههنا الفرائض). [معاني القرآن: 2/247-248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم}
قال الحسن: الأنعام الإبل والبقر والغنم.
وروى عوف عن الحسن: بهيمة الأنعام الشاة والبعير والبقرة.
وروى زهير بن معاوية عن قابوس بن أبي ظبيان قال: ذبحنا بقرة فأخذ الغلمان من بطنها ولدا ضخما قد أشعر فشووه ثم أتوا به أبا ظبيان فقال: حدثنا عبد الله بن عباس أن هذا بهيمة الأنعام.
قال أبو جعفر: الأول أولى لأن بعده {إلا ما يتلى عليكم} وليس في الأجنة ما يستثنى، وقيل لها: بهيمة الأنعام؛ لأنها أبهمت عن التمييز). [معاني القرآن: 2/248-249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد} واحد الحرم حرام وحرام بمعنى محرم قيل له: محرم وحرام لما حرم عليه من النكاح وغيره يقال أحرم إذا دخل في الحرم كما يقال أشتى إذا دخل في الشتاء وأشهر إذا دخل في الشهر). [معاني القرآن: 2/249-250]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْعُقُودِ} العهود). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 67]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْعُقُودِ}: العهود.
1- {حُرُمٌ}: محرمين). [العمدة في غريب القرآن: 117]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) )
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه...}
كانت عامّة العرب لا يرون الصفا والمروة من الشعائر، ولا يطوفون بينهما، فأنزل الله تبارك وتعالى: لا تستحلّوا ترك ذلك.
وقوله: {ولا الشّهر الحرام}: ولا القتال في الشهر الحرام.
{ولا الهدي} وهو هدي المشركين: أن تعرضوا له ولا أن تخيفوا من قلّد بعيره. وكانت العرب إذا أرادت أن تسافر في غير أشهر الحرم قلّد أحدهم بعيره، فيأمن بذلك، فقال: لا تخيفوا من قلّد. وكان أهل مكّة يقلّدون بلحاء الشجر، وسائر العرب يقلّدون بالوبر والشعر.
وقوله: {ولا آمّين البيت} يقول: ولا تمنعوا من أمّ البيت الحرام أو أراده من المشركين. ثم نسخت هذه الآية التي في التوبة {فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم} إلى آخر الآية.
وقوله: {ولا يجرمنّكم} قرأها يحيى بن وثّاب والأعمش: ولا يجرمنّكم، من أجرمت، وكلام العرب وقراءة القرّاء {يجرمنكم} بفتح الياء. جاء التفسير: ولا يحملنّكم بغض قوم. قال الفرّاء: وسمعت العرب تقول: فلان جريمة أهله، يريدون: كاسب لأهله، وخرج يجرمهم: يكسب لهم. والمعنى فيها متقارب: لا يكسبنّكم بغض قوم أن تفعلوا شرّا. فـ (أن) في وضع تصب. فإذا جعلت في (أن) (على) ذهبت إلى معنى: لا يحملنّكم بغضهم على كذا وكذا، على أن لا تعدلوا، فيصلح طرح (على)؛ كما تقول: حملتني أن أسال وعلى أن أسأل.
{ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} وقد ثقّل الشنآن بعضهم، وأكثر القرّاء على تخفيفه. وقد روى تخفيفه وتثقيله عن الأعمش؛ وهو: لا يحملنكم بغض قوم، فالوجه إذا كان مصدرا أن يثقّل، وإذا أردت به بغيض قوم قلت: شنآن.
و{أن صدّوكم} في موضع نصب لصلاح الخافض فيها. ولو كسرت على معنى الجزاء لكان صوابا. وفي حرف عبد الله (إن يصدّوكم) فإن كسرت جعلت الفعل مستقبلا، وإن فتحت جعلته ماضيا. وإن جعلته جزاء بالكسر صلح ذلك كقوله: {أفنضرب عنكم الذّكر صفحاً إن كنتم} وأن، تفتح وتكسر. وكذلك {أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان} تكسر. ولو فتحت لكان صوابا، وقوله: {باخعٌ نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين} [فيه] الفتح والكسر.
وأمّا قوله: {بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان} فـ (أن) مفتوحة؛ لأنّ معناها ماضٍ؛ كأنك قلت: منّ عليكم أن هداكم. فلو نويت الاستقبال جاز الكسر فيها. والفتح الوجه لمضيّ أوّل الفعلين. فإذا قلت: أكرمتك أن أتيتني، لم يجز كسر أن؛ لأنّ الفعل ماضٍ.
وقوله: {وتعاونوا} هو في موضع جزم. لأنها أمر، وليست بمعطوفة على {تعتدوا}). [معاني القرآن للفراء: 1/298-300]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (شعائر الله) (2) واحدتها شعيرة وهي الهدايا، ويدلك على ذلك قوله: (حتّى يبلغ الهدى محلّه) (2/196)، وأصلها من الإشعار وهو أن يقلّد، أو يحلل أو يطعن شقّ سنامها الأيمن بحديدة ليعلمها بذلك أنّها هدية، وقال الكميت:
نقتّلهم جيلاً فجيلاً تراهم=شعائر قربانٍ بها يتقرّب
الجيل والقرن واحد، ويقال: إن شعائر الله ها هنا المشاعر؛ الصّفا والمروة ونحو ذلك.
(ولا آمّين البيت الحرام) (2) ولا عامدين، ويقال: أممت. وتقديرها هممت خفيفة. وبعضهم يقول: يمّمت، وقال:
إنّي كذاك إذا ما ساءني بلدٌ=يمّمت صدر بعيري غيره بلدا
(ولا يجرمنّكم شنئان قومٍ) (2) مجازه: ولا يحملنّكم ولا يعدينّكم، وقال:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنةً=جمعت فزارة بعدما أن يغضبوا
ومجاز (شنئان قومٍ) أي بغضاء قوم، وبعضهم يحرّك حروفها، وبعضهم يسكّن النون الأولى كما قال الأحوص:
وما العيش إلاّ ما تلذّ وتشتهى=وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا
وبعضهم يقول: (شنان قومٍ) تقديره (أبان)، ولا يهمزه، وهو مصدر شنيت، وله موضع آخر معناه: شنئت حقك أقررت به وأخرجته من عندي كما قال العجّاج:
زلّ بنو العوّام عن آل الحكم=وشنئوا الملك لملكٍ ذي قدم
شنئوا الملك: أخرجوه وأدّوه وسلّموا إليه. (وقدم). قال الله تبارك وتعالى: (أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم) (10/2) قدم: منزلة ورفعة، وقدم من القديم، وقدم إذا تقدم أمامه، وقال الفرزدق:
ولو كان في دينٍ سوى ذا شنئتم=لنا حقّنا أو غصّ بالماء شاربه). [مجاز القرآن: 1/146-148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وأنتم حرم}: محرمون واحدها حرام.
2- {ولا آمين البيت الحرام}: عامدين إليه.
2- {يجرمنكم}: يحملنكم.
2- {والشنآن}: البغض).[غريب القرآن وتفسيره: 125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكذا {شعائر اللّه} ما جعله علما لطاعته. واحدها شعيرة مثل الحرم. يقول: لا تحلّوه فتصطادوا فيه، وأشباه ذلك.
{ولا الشّهر الحرام} فتقاتلوا فيه.
{ولا الهدي} وهو ما أهدي الى البيت. وهو من الشّعائر. وإشعاره أن يقلّد ويجلّل ويطعن في سنامه ليعلم بذلك أنه هدي. يقول: فلا تستحلوه قبل أن يبلغ محلّه.
{ولا القلائد} وكان الرجل يقلّد بعيره من لحاء شجر الحرم فيأمن بذلك حيث سلك.
{ولا آمّين البيت الحرام} يعني العامدين إلى البيت. واحدهم آمّ.
{يبتغون فضلًا من ربّهم} أي يريدون فضلا من اللّه أي رزقا بالتجارة.
{ورضواناً} بالحج {وإذا حللتم} أي خرجتم من إحرامكم {فاصطادوا} على الإباحة.
{ولا يجرمنّكم} أي لا يكسبنكم. يقال: فلان جارم أهله: أي كاسبهم. وكذلك جريمتهم. وقال الهذليّ ووصف عقابا:
جريمة ناهض في رأس نيق ترى لعظام ما جمعت صليبا
والناهض: فرخها. يقول هي تكسب له وتأتيه بقوته.
{شنآن قومٍ} أي: بعضهم يقال: شنأته أشنؤه: إذا أبغضته.
يقول: لا يحملنكم بغض قوم نازلين بالحرم على أن تعتدوا فتستحلوا حرمة الحرم). [تفسير غريب القرآن: 138-140]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربّهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنّكم شنئان قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)
الشعائر واحدتها شعيرة، ومعناه ما أشعر أي أعلم ليهدى إلى بيت اللّه الحرام.
وقال قوم: شعائر الله يعنى به جميع متعبدات اللّه التي أشعرها اللّه.
أي جعلها أعلاما لنا.
(ولا الهدي)
الهدي واحدته هدية مثل جدية وجدي يعني حدبة السّرج.
و (القلائد) كانوا يقلدون بلحاء الشجر ويعتصمون بذلك وهذا كله كان للمشركين، وكان قد أمر المسلمون بأن لا يحلوا هذه الأشياء التي يتقرب بها المشركون إلى الله وكذلك (ولا آمّين البيت الحرام) وهذا كله منسوخ.
وكذلك (ولا الشهر الحرام) وهو المحرم لأن القتال كان مرفوعا فيه، فنسخ جميع ذلك قوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد).
وقوله: (وإذا حللتم فاصطادوا).
هذا اللفظ أمر ومعناه الإباحة، لأن اللّه عزّ وجل حرم الصيد على المحرم، وأباحه له إذا حلّ من إحرامه، ليس أنه واجب عليه إذا حلّ أن يصطاد، ومثله قوله: (فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه) تأويله أنه أبيح لكم بعد الفراغ من الصلاة، ومثل ذلك في الكلام: لا تدخلن هذه الدار حتى تودي ثمنها، فإذا أديت فادخلها، تأويله فإذا أديت فقد أبيح لك دخولها.
وقوله: (ولا يجرمنّكم شنئان قوم).
أي لا يحملنكم بغض قوم، يقال شنئته شنآنا معناه أبغضته إبغاضا.
والشنآن مصدر مثل غلى غليانا، ونزا نزوانا، فالمعنى لا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا.
وموضع " أن " نصب، أي تعتدوا لأن صدوكم عن المسجد الحرام فموضع أن الأولى نصب مفعول له، وموضع أن الثانية نصب مفعول به.
المعنى لا يكسبنكم بغض قوم أي بغضكم قوما الاعتداء بصدهم إيّاكم عن المسجد الحرام يقال: فلان جريمة أهله أي هو كاسبهم.
وقيل في التفسير: لا يحملنكم بغض قوم، والمعنى واحد.
وقال الأخفش: لا يحقّنّ لكم بغض قوم.
وهذه ألفاظ مختلفة والمعنى واحد.
وقوله عزّ وجلّ: (وتعاونوا على البرّ والتّقوى).
وهذا كله منسوخ إلا التعاون من المسلمين على البر). [معاني القرآن: 2/142-144]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله}
قال أبو عبيدة: الشعائر الهدايا الواحدة شعيرة وقال غيره شعيرة بمعنى مشعرة.
وقال الأصمعي: أشعرتها أعلمتها.
وروى الأسود بن يزيد عن عائشة قالت: (إنما أشعرت ليعلم أنها بدنة).
وقال مجاهد: شعائر الله الصفا والمروة والحرم والمعنى على هذا القول لا تحلوا الصيد في الحرم والتقدير لا تحلوا لأنفسكم شعائر الله.
ومن قال بأنها: البدن فالآية عنده منسوخة.
قال الشعبي: ليس في المائدة آية منسوخة إلا {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله} وكذلك قال قتادة وقال نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وكانوا قبل قد منعوا من قتالهم في الشهر إذا كانوا آمين البيت الحرام). [معاني القرآن: 2/250-251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا الشهر الحرام} وهو رجب). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا الهدي} واحد الهدي هدية). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا القلائد} قال الضحاك وعطاء كانوا يأخذون من شجر الحرم فلا يقربون إذا رئي عليهم). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا آمين البيت الحرام} الأم القصد أي لا تستحلوا منع القاصدين البيت الحرام ويجوز أن يكون المعنى لا تحلوا قصد الآمين ثم حذف). [معاني القرآن: 2/251-252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا}
قال ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: يبتغون الأجر والتجارة). [معاني القرآن: 2/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإذا حللتم فاصطادوا} وهذا إباحة بعد حظر وليس بحتم). [معاني القرآن: 2/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا}
قال أبو عبيدة: ولا يجرمنكم لا يكسبنكم وأنشد:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة=جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
وقال الأخفش: ولا يحقنكم.
وقال الفراء: ولا يحملنكم.
وهذه المعاني متقاربة؛ لأن من حمل رجلا على إبغاض رجل فقد أكسبه إبغاضه فإذا كان الأمر كذلك فالذي هو أحسن أن يقال ما قاله ابن عباس وقتادة قالا: أي لا يحملنكم شنآن قوم على العدوان
وقرأ الأعمش (ولا يجرمنكم) بضم الياء.
قال الكسائي: جرم يجرم وأجرم يجرم بمعنى واحد الفتح في هذا أكثر والضم في الجناية أكثر والشنآن الإبغاض ويقرأ (شنئان) بإسكان النون وليس بالحسن لأن المصادر لا تكاد تكون على فعلان.
وقرأ أبو عمرو (إن صدوكم) بكسر الهمزة بمعنى الشرط.
وروي عن الأعمش أنه قرأ (إن يصدوكم) وهو لحن عند النحويين؛ لأن إن إذا جزمت لم يتقدم جوابها.
والمعنى على قراءة من فتح ولا يجرمنكم شنآن قوم؛ لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، ومن كسر فالمعنى عنده إن فعلوا هذا والمعنى على الفتح؛ لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قتل رجل من أصحابه رجلا من أهل مكة كان يقتل حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية). [معاني القرآن: 2/252-255]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (شَنئانُ قَوْمٍ) أي: عداوة قوم، ويسكن - أيضا). [ياقوتة الصراط: 207]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولا آمِّينَ} أي عامدين، والواحد آمٌ، وأصله آمِمٌ.
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} أي بغض قوم، أي لا يحملنكم بغضهم على العدوان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 67]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شَعَائِرَ}: علامات.
2- {الْهَدْيَ}: الإبل الذي يهدى إلى البيت.
2- {الْقَلائِدَ}: أن يقلد البعير من ورق الشجر فلا يعرض له
2- {آمِّينَ}: قاصدين
2- {يَجْرِمَنَّكُمْ}: يكسبنكم
2- {شَنَانُ}: بغض). [العمدة في غريب القرآن: 117-118]

تفسير قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما أهلّ لغير اللّه به...}
{وما}: في موضع رفع بما لم يسمّ فاعله.
{والمنخنقة}: ما اختنقت فماتت ولم تدرك.
{والموقوذة}: المضروبة حتى تموت ولم تذكّ.
{والمتردّية}: ما تردّى من فوق جبل أو بئر، فلم تدرك ذكاته.
{والنّطيحة}: ما نطحت حتى الموت. كل ذلك محرّم إذا لم تدرك ذكاته.
وقوله: {إلاّ ما ذكّيتم} نصب ورفع.
{وما ذبح على النّصب}: ذبح للأوثان. و(ما ذبح) في موضع رفع لا غير.
{وأن تستقسموا} رفع بما لم يسمّ فاعله. والاستقسام: أنّ سهاما كانت تكون في الكعبة، في بعضها: أمرني ربى، (وفي موضعها: نهاني ربي) فكان أحدهم إذا أراد سفرا أخرج سهمين فأجالهما، فإن خرج الذي فيه (أمرني ربي) خرج. وإن خرج الذي فيه (نهاني ربي) قعد وأمسك عن الخروج.
قال الله تبارك وتعالى: {ذالكم فسقٌ اليوم} والكلام منقطع عند الفسق، و{اليوم} منصوب بـ (يئس) لا بالفسق.
{اليوم أحلّ لكم الطّيّبات} نصب (اليوم) بـ (أحلّ).
وقوله: {غير متجانفٍ لإثمٍ} مثل قوله: {غير محلّي الصيد} يقول: غير معتمد لإثم. نصبت (غير) لأنها حال لـ (من)، وهي خارجة من الاسم الذي في (اضطرّ) ). [معاني القرآن: 1/301]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (حرّمت عليكم الميتة) (3): مخفّفة، وهي تخفيف ميتّة، ومعناهما واحد، خفّفت أو ثقّلت. كقول ابن الرّعلاء:
ليس من مات فاستراح بميتٍ=إنما الميت ميّت الأحياء
إنما الميت من يعيش ذليلاً=سيّئا باله قليل الرّجاء
واسم ابن الرّعلاء كوتىّ، والكؤتيّ، والكوئىّ يهمز، ولا يهمز. والكوتى من الخيل والحمير: القصار. قال: فلا أدري أيكون في الناس أم لا؛ قال: ولا أدري الرّعلاء أبوه أو أمّه.
(وما أهلّ لغير الله به) (3) مجازه: وما أهلّ به لغير الله، ومعناه: وما ذكر غير اسم الله عليه إذا ذبح أو نحر، وهي من استهلال الكلام.
قال رجل: وخاصم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنين: (أرأيت من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهلّ، أليس مثل ذلكم يطلّ). ومنه قولهم: أهلّ بالحجّ أي تكلّم به، وأظهره من فيه.
وقال ابن أحمر:
يهلّ بالفرقد ركبانها=كما يهلّ الرّاكب المعتمر
يقال: معتمر ومعتم، والعمار والعمامة، وكل شيء على الرأس من إكليل أو تاج أو عمامة، فهو عمار؛ وله موضع آخر.
ما ذبح لغيره، كقول ابن هرمة:
كم ناقةٍ قد وجأت لبّتها=بمستهلّ الشّؤبوب أو جمل
أي بمنفجر.
(والمنخنقة) (3): التي انحنقت في خناقها حتى ماتت.
(والموقوذة) (3): التي تضرب حتى توقذ فتموت منه أو ترمى؛ يقال: رماه بحجر، فوقذه يقذه وقذاً ووقوذاً.
(والمتردّية) (3): التي تردّت فوقعت في بئر أو وقعت من جبل أو حائط أو نحو ذلك فماتت.
(والنّطيحة) (3): مجازها مجاز المنطوحة حتى ماتت.
(وما أكل السّبع) (3) وهو الذي يصيده السّبع فيأكل منه ويبقى بعضه ولم يذكّ، وإنما هو فريسة.
(إلاّ ما ذكّيتم) (3): وذكاته أن تقطع أوداجه أو تنهر دمه وتذكر اسم الله عليه إذا ذبجته، كقوله:
نعم هو ذكّاها وأنت أضعتها=وألهاك عنها خرفةٌ وفطيم
الخرفة اجتناء، اخترف اجتنى.
(وما ذبح على النّصب) (3) وهو واحد الأنصاب، وكان أبو عمرو يقول: نصب بفتح أوله ويسكن الحرف الثاني منه.
والأنصاب: الحجارة التي كانوا يعبدونها، وأنصاب الحرم أعلامه.
(وأن تستقسموا بالأزلام) (3) وهو من استفعلت من قسمت أمرى، بأن أجيل القداح لتقسم لي أمري: أأسافر أم أقيم أم أغزو أو لا أغزو ونحو ذلك فتكون هي التي تأمرني وتنهاني ولكلّ ذلك قدحٌ معروف وقال:
=ولم أقسم فتر بثنى القسوم
ويقال: ربثه يربثه ربثاً إذا حبسه. وواحد الأزلام: زلم وزلم لغتان وهو القدح.
(ذلكم فسقٌ) (3) أي كفر.
(ورضيت لكم الإسلام ديناً) (3) أي اخترت لكم.
(في مخمصةٍ) (3) أي مجاعة، وقال الأعشى:
تبيتون في المشتى ملاءً بطونكم=وجاراتكم سغب يبتن خمائصا
أي جياعاً.
(غير متجانف لإثمٍ) (3) أي غير متعوّج مائل إليه، وكل منحرف، وكل أعوج فهو أجنف). [مجاز القرآن: 1/148-153]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إلاّ ما ذكّيتم وما ذبح على النّصب وأن تستقسموا بالأزلام ذالكم فسقٌ اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فمن اضطرّ في مخمصةٍ غير متجانفٍ لإثمٍ فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {والموقوذة} من (وقذت) فـ"هي موقوذةٌ".
{والنّطيحة} فيها الهاء لأنها جعلت كالاسم مثل "أكيلة الأسد". وإنما تقول: "هي أكيلٌ" و"هي نطيحٌ" "لأنّ كل ما فيه "مفعولة" فـ"الفعيل" فيه بغير الهاء نحو "القتيل" و"الصريع" إذا عنيت المرأة و"هي جريحٌ" لأنك تقول "مجروحةٌ".
وقال: {وما أكل السّبع} ولغة يخففون "السبع".
{وما ذبح على النّصب} وجميعه: "الأنصاب".
{وأن تستقسموا بالأزلام} يقول: "وحرّم ذلك " وواحدها "زلم" و"زلم".
وقال: {مخمصةٍ} تقول: "خمصه الجوع" نحو "المغضبة" لأنه أراد المصدر.
[وقال] {يئس الّذين كفروا} مهموزة الياء الثانية وهي من "فعل" "يفعل" وكسر الياء الأولى لغة نحو "لعب" ومنهم من يكسر اللام والعين ويسكنون العين ويفتحون اللام أيضاً ويكسرونها وكذلك "يئس". وذلك أنّ "فعل" إذا كان ثانيه احد الحروف الستة كسروا أوله وتركوه على الكسر، كما يقولون ذلك في "فعيل" نحو "شعير" و"صهيل". ومنهم من يسكن ويكسر الأولى نحو "رحمه الله" فلذلك تقول: "يئس" تسكر الياء وتسكن الهمزة. وقد قرئت هذه الآية {نعمّا يعظكم به} على تلك اللغة التي يقولون فيها "لعب". وأناس يقولون "نعم الرّجل زيدٌ" فقد يجوز كسر هذه النون التي في "نعم" لأن التي بعدها من الحروف الستة كما كسر "لعب". وقولهم: "إن العين ساكنة من "نعمّا" إذا أدغمت خطأ لأنه لا يجتمع ساكنان. ولكن إذا شئت أخفيته فجعلته بين الإدغام والإظهار فيكون في زنة متحرك كما قرئت {إنّي ليحزنني} يشمون النون الأولى الرفع.
وقال: {اليوم أكملت لكم دينكم} لأّنّ الإسلام كان فيه بعض الفرائض فلما فرغ الله مما أراد منه قال: {اليوم أكملت لكم دينكم} {ورضيت لكم الإسلام ديناً} لا على غير هذه الصفة.
وقال: {فمن اضطرّ في مخمصةٍ غير متجانفٍ لإثمٍ فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ} كأنه قال: "فإنّ الله له غفورٌ رحيم". كما تقول: "عبد الله ضربت" تريد: ضربته. قال الشاعر:
ثلاثٌ كلّهنّ قتلت عمداً = فأخزى الله رابعةً تعود
وقال الآخر:
قد أصبحت أم الخيار تدّعي = عليّ ذنباً كلّه لم أصنع). [معاني القرآن: 1/216-217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وما أهل لغير الله به}: أي ما ذكر عليه اسم غير الله.
وأصل الإهلال الصوت والكلام.
استهل الصبي إذا صاح وأهل الحج إذا تكلم به. وكل رافع صوته مهل. يقال: أهل بالحج إذا لبى.
3- {والمنخنقة}: التي تموت في خناقها.
3- {والموقوذة}: المضروبة حتى تموت.
3- {والمتردية}: الواقعة من الجبل أو غيره.
3- {والنطيحة}: المنطوحة.
3- {وما أكل السبع}: الفريسة وهي التي أكل السبع بعضها.
3- {إلا ما ذكيتم}: الذكاة الذبح.
3- {النصب}: واحد الأنصاب. الحجارة التي كانوا يعبدونها.
3- {والأزلام}: القداح والاستقسام أن يجيلها فيفعل ما يأمره به القدح وينهاه عنه وواحد الأزلام زلم وبعضهم يقول زلم والقدح
والزلم السهم الذي لا ريش له وقال بعضهم الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها.
3- (المخمصة): المجاعة).[غريب القرآن وتفسيره: 125-128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وما أهلّ لغير اللّه به} أي ذبح لغير اللّه، وذكر عند ذبحه غير اسم اللّه. واستهلال الصّبيّ منه، أي صوته. وإهلال الحج منه، أي التّكلّم بإيجابه والتلبية.
{والمنخنقة} التي تختنق.
{والموقوذة} التي تضرب حتى توقذ، أي تشرف على الموت. ثم تترك حتى تموت، وتؤكل بغير ذكاة. ومنه يقال: فلان وقيذ. وقد وقذته العبادة.
{والمتردّية} الواقعة من جبل أو حائط أو في بئر. يقال: تردّي: إذا سقط. ومنه قوله تعالى: {وما يغني عنه ماله إذا تردّى} أي تردّي في النار.
{والنّطيحة} التي تنطحها شاة أخرى أو بقرة. فعيله بمعنى مفعوله.
{وما أكل السّبع} أي افترسه فأكل بعضه.
{إلّا ما ذكّيتم} يقول: إلا ما لحقتم من هذا كلّه وبه حياة فذبحتموه.
{وما ذبح على النّصب} وهو حجر أو صنم، منصوب كانوا يذبحون
عنده يقال له: النّصب والنّصب. وجمعه أنصاب.
{وأن تستقسموا بالأزلام} وهي القداح. واحدها. زلم وزلم.
والاستقسام بها: أن يضرب بها ثم يعمل بما يخرج فيها من أمر أو نهي.
وكانوا إذا أرادوا أن يقتسموا شيئا بينهم وأحبوا أن يعرفوا قسم كلّ امرئ تعرّفوا ذلك منها. فأخذ الاستقسام من القسم وهو النّصيب. كأنه طلب النّصيب.
و(المخمصة): المجاعة. والخمص الجوع. قال الشاعر يذم رجلا:
يرى الخمص تعذيبا وإن يلق شبعة يبت قلبه من قلّة الهمّ مبهما
{غير متجانفٍ لإثمٍ} أي منحرف مائل إلى ذلك. والجنف: الميل. والإثم: أن يتعدي عند الاضطرار فيأكل فوق الشّبع). [تفسير غريب القرآن: 140-141]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إلّا ما ذكّيتم وما ذبح على النّصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطرّ في مخمصة غير متجانف لإثم فإنّ اللّه غفور رحيم (3)
(حرّمت عليكم الميتة).
أصله الميتة بالتشديد، إلا أنه مخفف، ولو قرئت الميتة لجاز، يقال: ميّت، وميت، والمعنى واحد.
وقال بعضهم: الميّت يقال لما: لم يمت.
والميت لما قد مات، وهذا خطأ إنما ميّت يصلح لما قد مات، ولما سيموت.
قال اللّه عزّ وجلّ: (إنّك ميّت وإنّهم ميّتون).
وقال الشاعر في تصديق أن الميت والميّت بمعنى واحد:
ليس من مات فاستراح بميت=إنما الميت ميّت الأحياء
فجعل الميت مخففا من الميت.
وقوله: (والدّم).
قيل: إنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر ويشوونها ويأكلونها، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الدم المسفوح، أي المصبوب حرام، فأمّا المتلطخ بالدم
فهو كاللحم في الحل.
وقوله: (وما أهلّ لغير اللّه به).
موضعه رفع، والمعنى: وحرم عليكم ما أهل لغير اللّه به، ومعنى (أهلّ لغير اللّه به) ذكر عليه اسم غير اللّه، وقد فسرنا أن الإهلال رفع الصوت
بالشيء فما يتقرّب به من الذبح لغير اللّه، أو ذكر غير اسمه فحرام.
(ولحم الخنزير) حرام، حرم الله أكله، وملكه، والخنزير يشمل على الذكر والأنثى.
وقوله (والمنخنقة).
وهي التي تنخنق بربقتها أي بالحبل الذي تشدّ به، وبأي جهة اختنقت فهي حرام.
وقوله: (والموقوذة).
وهي التي تقتل ضربا، يقال وقذتها أوقذها وقذا وأوقذتها أوقذها إيقاذا.
إذا أثخنتها ضربا.
وقوله عزّ وجلّ: (والنطيحة).
وهي التي تنطح أو تنطح فتموت.
وقوله: (وما أكل السّبع).
موضع " ما " أيضا رفع عطف على ما قبلها.
وقوله: (إلّا ما ذكّيتم).
أي إلا ما أدركتم ذكاته من هذه التي وصفنا، وموضع " ما " نصب أي حرمت عليكم هذه الأشياء إلّا الشيء الذي أدرك ذبحه منها، وكل ذبح ذكاة، ومعنى التذكية أن يدركها وفيها بقية تشخب معها الأوداج، وتضطرب اضطراب المذبوح الذي أدركت ذكاته.
وأهل العلم يقولون إن أخرج السّبع الحشوة، أو قطع الجوف قطعا خرج معه الحشوة فلا ذكاة لذلك، وتأويله إنّه يصير في حالة ما لا يؤثر في حياته الذبح، وأصل الذكاء في اللغة كلها تمام الشيء، فمن ذلك الذّكاء في السن والفهم، وهو تمام السن، قال الخليل: الذكاء في السّن أن يأتي على قروحه سنة، وذلك تمائم استكمال القوة.
قال زهير:
يفضّله إذا اجتهدوا عليه=تمام السّنّ منه والذّكاء
وقيل: جري المذكيات غلاب. أي جري المسانّ التي قد تأسّنت.
وتأويل تمام السّن النهاية في الشباب فإذا نقص عن ذلك أو زاد فلا يقال لها: الذكاء والذكاء في الفهم أن يكون فهما تامّا سريع القبول، وذكيت النار إنما هو من هذا. تأويله أتممت إشعالها.
(إلا ما ذكيتم) ما أذكيتم ذبحة على التمام.
وقوله: (وما ذبح على النّصب).
والنصب الحجارة التي كانوا يعبدونها، وهي الأوثان واحدها نصاب.
وجائز أن يكون واحدا، وجمعه أنصاب.
وقوله: (وأن تستقسموا بالأزلام).
موضع " أن " رفع، والمعنى وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام.
وواحد الأزلام زلم، وزلم، وهي سهام كانت في الجاهلية مكتوب على بعضها " أمرني ربّي " وعلى بعضها: " نهاني ربّي - فإذا أراد الرّجل سفرا أو أمرا يهتم به
اهتماما شديدا ضرب تلك القداح، فإن خرج السهم الذي عليه " أمرني ربّي مضى لحاجته، وإن خرج الذي عليه " نهاني ربي " لم يمض في أمره، فأعلم اللّه عزّ وجل أن ذلك حرام، ولا فرق بين ذلك وبين قول المنجمين: لا تخرج من أجل نجم كذا، وأخرج من أجل طلوع نجم كذا؛ لأن الله جلّ وعزّ قال: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا)
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خمس لا يعلمهن إلا اللّه))، وذكر الآية التي في آخر سورة لقمان.
(إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأيّ أرض تموت).
وهذا هو دخول في علم اللّه الذي هو غيب، وهو حرام كالأزلام التي ذكرها الله جل وعز أنها حرام.
والاستقسام بالأزلام فسق. والفسق اسم لكل ما أعلم الله أنه مخرج عن الحلال إلى الحرام، فقد ذم الله به جميع الخارجين من متعبّداته وأصله عند أهل اللغة قد فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها.
ولو كان بعض هذه المرفوعات نصبا على المعنى لجاز في غير القرآن.
لو قلت حرمت على الناس الميتة والدم ولحم الخنزير، وتحمله على معنى وحرم الله الدم ولحم الخنزير لجاز ذلك، فأمّا القرآن فخطأ فيه أن نقرأ بما لم يقرأ به من هو قدوة في القراءة، لأن القراءة سنة لا تتجاوز.
وقوله: (اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم).
"اليوم " منصوب على الظرف، وليس يراد به - واللّه أعلم - يوما بعينه.
معناه الآن يئس الذين كفروا من دينكم، وهذا كما تقول أنا اليوم قد كبرت.
وهذا الشأن لا يصلح في اليوم. تريد أنا الآن، وفي هذا الزمان ومعناه: أن قد حوّل الله الخوف الذي كاد يلحقكم منهم اليوم ويئسوا من بطلان الإسلام وجاءكم ما كنتم توعدون من قوله: (ليظهره على الدّين كلّه).
والدّين اسم لجميع ما تعبّد اللّه خلقه، وأمرهم بالإقامة عليه، والذي به يجزون، والذي أمرهم أن يكون عادتهم.
وقد بينّا ذلك في قوله: (مالك يوم الدين).
وقوله: (فلا تخشوهم واخشون).
أي فليكن خوفكم لله وحده، فقد أمنتم أن يظهر دين على الإسلام وكذلك - واللّه أعلم -.
قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم).
أي الآن أكملت لكم الدين بأن كفيتكم خوف عدوكم وأظهرتكم عليهم، كما تقول: الآن كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد، بأن كفينا من كنا نخافه.
وقد قيل أيضا: (اليوم أكملت لكم دينكم) أي أكملت لكم فرض ما تحتاجون إليه في دينكم. وذلك جائز حسن، فأما أن يكون دين الله في وقت من الأوقات غير كامل فلا.
وقوله عزّ وجلّ: (فمن اضطرّ في مخمصة).
أي فمن دعته الضرورة في مجاعة؛ لأن المخمصة شدة ضمور البطن.
(غير متجانف لإثم).
أي غير مائل إلى إثم.
(فإن اللّه غفور رحيم).
أي فإن الله أباحه ذلك رحمة منه وتسهيلا على خلقه، وكذلك فمن اضطر غير باغ ولا عاد، أي غير آكل لها على جهة الاستحلال ولا عاد: أي مجاوز لقدر الحاجة، وغير آكل لها على جهة التلذذ فإن اللّه غفور رحيم). [معاني القرآن: 2/144-149]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير}
يقال: ميتة وميتة بمعنى واحد هذا قول من يوثق به من أهل اللغة.
وقيل: الميتة ما لم تمت بعد والميتة التي قد ماتت.
وروي أنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر ثم يشوونها ويأكلونها فحرم الله جل وعز: {الدم المسفوح} وهو المصبوب). [معاني القرآن: 2/255]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وما أهل لغير الله به}
أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسمه وأصل الإهلال الصوت ومنه سمي الإهلال بالحج وهو الصوت بالتلبية وإيجاب الحج ومنه استهلال المولود ومنه أهل الهلال؛ لأن الناس إذا رأوه أومأوا إليه بأصواتهم). [معاني القرآن: 2/255-256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {المنخنقة} قال قتادة هي التي تموت في خناقها). [معاني القرآن: 2/256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {والموقوذة} قال الضحاك كانوا يأخذون الشاة أو غيرها من البهائم فيضربونها عند آلهتهم حتى تموت ثم يأكلونها ويقال وقذه وأقذه فهو موقوذ وموقذ إذا ضربه حتى يشفى على الهلاك ومنه قيل فلان وقيذ). [معاني القرآن: 2/256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {والمتردية}
قال الضحاك: المتردية أن تتردى في ركية أو من جبل، ويقال: تردى إذا سقط ومنه {وما يغني عنه ماله إذا تردى} {والنطيحة} المنطوحة). [معاني القرآن: 2/256-257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وما أكل السبع} أي ما افترسه فأكل بعضه وقرأ الحسن (السبع) وهو مسكن استثقالا للضمة). [معاني القرآن: 2/257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {إلا ما ذكيتم} والتذكية أن تشخب الأوداج دما ويضطرب اضطراب المذبوح وأصل التذكية في اللغة التمام وقال زهير:
يفضله إذا اجتهدا عليه=تمام السن منه والذكاء
ومنه لفلان ذكاء أي هو تام الفهم وذكيت النار أي أتممت إيقادها وذكيت الذبيحة أتممت ذبحها على ما يجب). [معاني القرآن: 2/257-258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وما ذبح على النصب} وقرأ طلحة على النصب قال مجاهد هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها وربما استبدلوا منها ويجوز أن يكون جمع نصاب). [معاني القرآن: 2/258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأن تستقسموا بالأزلام}
قال قتادة: كان أحدهم إذا أراد أن يخرج كتب على قدح يعني السهم تأمرني بالخروج وعلى الآخر لا تأمرني بالخروج وجعل بينهما سهما منيحا لم يكتب عليه شيئا فيجيلها فإن خرج الذي عليه تأمرني بالخروج خرج وإن خرج الذي عليه لا تأمرني بالخروج لم يخرج وإن خرج المنيح رجع فأجالها، وإنما قيل لهذا الفعل: استقسام لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون كما يقال: الاستسقاء في الاستدعاء للسقي، ونظير هذا الذي حرمه الله قول المنجم: لا تخرج من أجل نجم كذا أو اخرج من أجل نجم كذا وقال جل وعز: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت}
قال أبو جعفر: وذكر محمد بن جرير أن ابن وكيع حدثهم عن أبيه عن شريك عن أبي حصين عن سعيد بن جبير أن الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها.
قال محمد بن جرير: قال لنا سفيان بن وكيع: هي الشطرنج). [معاني القرآن: 2/258-260]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ذلكم فسق} والفسق الخروج أي الخروج من الحلال إلى الحرام وقوله جل وعز: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم}
قال ابن عباس: يئس الذين كفروا من دينكم المعنى يئس الذين كفروا أن تعود الجاهلية.
وقال ورقاء: المعنى لأن يئس الذين كفروا من دينكم وهذا معروف عند أهل اللغة كما تقول أنا اليوم قد كبرت عن هذا). [معاني القرآن: 2/260]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {اليوم أكملت لكم دينكم}
روي أن أناسا من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال عمر رضي لله عنه: نزلت في يوم جمعة يوم عرفة.
وروي عن على رضي الله عنه أنه قال: نزلت يوم عرفة أو عشية عرفة.
وفي معنى الآية قولان:
أحدهما الآن أكملت لكم دينكم بأن أهلكت عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله، كما تقول: قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك.
ويجوز أن يكون المعنى اليوم أكملت لكم دينكم فوق ما تحتاجون إليه من الحلال والحرام في أمر دينكم
وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة أنه قال في المائدة: ثماني عشرة فريضة ليست في غيرها تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب والاستقسام بالأزلام وتحليل طعام الذين أوتوا الكتاب والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب والجوارح مكلبين وتمام الطهور إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}.
ويروى أنها آخر سورة أنزلت). [معاني القرآن: 2/261-262]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فمن اضطر في مخمصة} المخمصة ضمور البطن من الجوع). [معاني القرآن: 2/262]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {غير متجانف لإثم}
قال قتادة: الإثم ههنا أن تأكل منها فوق الشبع). [معاني القرآن: 2/263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فإن الله غفور رحيم} أي رحمكم فأباح لكم هذه الأشياء عند الضرورة). [معاني القرآن: 2/263]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَالْمُنْخَنِقَةُ} التي تنخنق بحبل.
{وَالْمَوْقُوذَةُ} التي تضرب بعود أو حجر حتى تشرف على الموت.
{وَالْمُتَرَدِّيَةُ} الواقعة من جبل أو حائط أو في بئر.
{وَالنَّطِيحَةُ} التي تنطحها شاة أخرى، وهي (فعلية) بمعنى (مفعولة) ويجوز أن تكون هي الناطحة، نطحت غيرها فماتت، فتكون النطيحة بمعنى الناطحة.
{وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} أي افترسه فأكل بعضه، فكل هذا حرام إذا مات حتف أنفه، وكذلك هو حرام عند أهل المدينة، وإن أُدرك حياً بحياة لا يُرجى دوامها، ثم قال تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} أي أدركتم ذكاته من هذا، وفيه روح، ويرجى حياته لو ترك، هذا مذهب مالك رحمه الله- فكلوه.
{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} هو ما ذبح عند صنم أو حجر كانوا يذبحون عنده، (والأزلام) القداح، و(الاستقسام) بها (أن يٌضرب) ثم يعمل بها يخرج فيها من أمر أو نهي.
(والمخمصة) المجاعة.
{غَيْرَ مُتَجَانِفٍ} أي منحرف مائل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 67-68]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ}: لم يذكر عليه اسم الله
3- {الْمُنْخَنِقَةُ}: التي تخنق فتموت
3- {الْمَوْقُوذَةُ}: التي تضرب حتى الموت
3- {الْمُتَرَدِّيَةُ}: التي تسقط من موضع عالٍ فتموت
3- {النَّطِيحَةُ}: التي تنطح فتموت
3- {ذَكَّيْتُمْ}: ذبحتم
3- {النُّصُبِ}: الأصنام
3- {تَسْتَقْسِمُواْ}: تفعلون ما يخرجه السهم
3- {الأَزْلاَمِ}: القداح
3- {مَخْمَصَة}: مجاعة
3- {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ}: غير مائل إلى معصية). [العمدة في غريب القرآن: 118-120]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 11:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 4 إلى 11]


(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) )

تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما علّمتم مّن الجوارح...}
يعني الكلاب. و{مكلّبين} نصب على الحال خارجة من (لكم)، يعني بمكلّبين: الرجال أصحاب الكلاب، يقال للواحد: مكلّب وكلاّب. وموضع (ما) رفع.
وقوله: {تعلّمونهنّ}: تؤدّبونهن ألاّ يأكلن صيدهنّ.
ثم قال تبارك وتعالى: {فكلوا ممّا أمسكن عليكم} ممّا لم يأكلن منه، فإن أكل فليس بحلال؛ لأنه إنما أمسك على نفسه). [معاني القرآن: 1/302]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (قل أحلّ لكم الطّيّبات) (4) أي الحلال.
[مجاز القرآن: 1/153]
(وما علّمتم من الجوارح) (4) أي الصوائد، ويقال: فلان جارحة أهله أي كاسبهم، وفي آية أخرى: (ومن يجترح) (؟) أي يكتسب، ويقال: امرأة أرملة لا جارح لها، أي لا كاسب لها، وفي آية أخرى: (اجترحوا السيئات) (4520) كسبوا، (وما جرحتم) (660) أي ما كسبتم.
(مكلّبين) (4) أصحاب كلاب، وقال طفيل الغنويّ:
تبارى مراخيها الزّجاج كأنها... ضراءٌ أحسّت نبأةً من مكلّب). [مجاز القرآن: 1/154]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يسألونك ماذا أحلّ لهم قل أحلّ لكم الطّيّبات وما علّمتم مّن الجوارح مكلّبين تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه فكلوا ممّا أمسكن عليكم واذكروا اسم اللّه عليه واتّقوا اللّه إنّ اللّه سريع الحساب}
وقال: {ماذا أحلّ} فإن شئت جعلت "ذا" بمنزلة "الذي" وإن شئت جعلتها زائدة كما قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الثالث والثمانون بعد المائة]:
يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم = لا يستفقن إلى الديرين تحنانا
فـ"ذا" لا تكون ههنا إلاّ زائدة. [إذ] لو قلت: "ما الذي بال نسوتكم" لم يكن كلاماً.
[و] قال: {الجوارح} وهي الكواسب كما تقول: "فلان جارحة أهله" و"مالهم جارحةٌ" أي: ما لهم مماليك "ولا حافرة".
[و] قال: {كلوا ممّا أمسكن عليكم} [فـ] أدخل {من} كما أدخله في قوله: "كان من حديث" و"قد كان من مطرٍ". وقوله: {ويكفّر عنكم مّن سيّئاتكم} و{ينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ}. وهو فيما فسر "ينزّل من السّماء جبالاً فيها بردٌ". وقال بعضهم {وينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ} أي: في السّماء جبالٌ من برد. أي: يجعل الجبال من بردٍ في السّماء، ويجعل الإنزال منها). [معاني القرآن: 1/218]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (4- {الجوارح}: الصوائد.
4- {مكبلين}: أصحاب الكلاب). [غريب القرآن وتفسيره: 128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (4 - {الجوارح}: كلاب الصيد. وأصل الاجتراح: الاكتساب.
يقال: امرأة لا جارح لها، أي لا كاسب. ويقال ما اجترحتم: أي ما اكتسبتم.
{مكلّبين} أصحاب كلاب). [تفسير غريب القرآن: 141]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يسألونك ماذا أحلّ لهم قل أحلّ لكم الطّيّبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه فكلوا ممّا أمسكن عليكم واذكروا اسم اللّه عليه واتّقوا اللّه إنّ اللّه سريع الحساب (4)
(يسألونك ماذا أحلّ لهم)
موضع " ما " رفع، إن شئت جعلتها وحدها اسما، ويكون خبرها قوله: (ذا). ويكون أحل من صلة ما، والتأويل: يسألونك أي شيء أحل لهم.
وجائز أن تكون " ما "، و " ذا "، اسما واحدا، وهي أيضا رفع بالابتداء والتأويل على هذا: يسألونك أي شيء أحل لهم، وأحل لهم خبر الابتداء.
(قل أحلّ لكم الطّيّبات وما علّمتم من الجوارح).
فالطيبات كل شيء لم يأت تحريمه في كتاب ولا سنة، والكلام يدل على أنهم سألوا عن الصيد فيما سألوا عنه، ولكن حذف ذكر صيد " ما علمتم).. لأن في الكلام دليلا عليه، كما قال: (واسأل القرية).
المعنى واسأل أهل القرية.
" وقوله: (مكلّبين).
أي في هذه الحال يقال رجل مكلّب، وكلّاب، أي صاحب صيد بالكلاب، وفي هذا دليل أن لحم صيد الكلب الذي لم يعلّم حرام إذا لم تدرك ذكاته، فإذا أرسل المرسل كلب الصيد فصاد فقتل صيده، وقد ذكر الصائد اسم اللّه على الصيد فهو حلال بلا اختلاف بين الناس في ذلك.
[معاني القرآن: 2/149]
وقوله عزّ وجلّ: (فكلوا ممّا أمسكن عليكم).
فاختلف الفقهاء فيه إذا أكل من الصيد، فقال بعضهم يؤكل (منه) وإن أكل منه. وكل ذلك في اللغة غير ممتنع لأنه قد يمسك الصيد إذا قتله ولم يأكل منه، وقد يمسك وقد أكل منه.
ومعنى: (تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه).
أي تؤدبونهنّ أن يمسكن الصيد عليكم، فإن غاب الصيد فمات فإنه غير ممسك. وفي الحديث: " كل ما أصميت ودع ما أنميت).
ومعنى كل ما أصميت أي إن صدت صيدا بكلب أو غيره فمات وأنت تراه مات بصيدك فهو ما أصميت، وأصل الصميان في اللغة السرعة والخفة.
فالمعنى: كل ما أصميت أي ما قتلته بصيدك وأنت تراه أسرع في الموت، فرأيته وعلمت - لا محالة - إنّه مات بصيدك، ومعنى ما أنميت، أي ما غاب عنك فمات ولم تره، فلست تدري أمات بصيدك أم عرض له عارض آخر فقتله، يقال نمت الرّمية إذا مضت والسهم فيها، وأنميت الرمية إذا رميتها فمضت والسهم فيها.
قال امرؤ القيس:
فهو لا تنمي رميّته... ما له لا عدّ من نفره
وقال الحرث بن وعلة الشيباني:
قالت سليمى قد غنيت فتى... فالآن لا تصمي ولا تنمي). [معاني القرآن: 2/150]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (26-وقوله عز وجل: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} وقرأ عبد الله بن مسعود والحسن وأبو رزين (مكلبين) ومعنى مكلبين أصحاب كلاب يقال كلب فهو مكلب وكلاب ويقال أكلب فهو مكلب إذا كثرت عنده الكلاب كما يقال أمشى فهو ممش إذا كثرت ماشيته وأنشد الاصمعي:
[معاني القرآن: 2/263]
وكل فتى وإن أمشى فأثرى ستخلجه عن الدنيا منون
وروي عن أبي رافع أنه قال لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب سألوه ما يحل من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فنزلت: {يسألونك ماذا أحل لهم} وقرأ إلى آخر الآية والجوارح في اللغة الكواسب يقال ما لفلانة جارح أي كاسب وقال مجاهد في قول الله عز وجل: {ويعلم ما جرحتم بالنهار} قال ما كسبتم
[معاني القرآن: 2/264]
وقال مجاهد في معنى الجوارح إنها الكلاب والطير وقال طاووس يحل صيد الطير لقوله تعالى: {مكلبين} وليس في الآية دليل على تحريم صيد سوى الكلاب لأن معنى مكلبين محرشون.
والإجماع يقوي قول طاووس على تحليل صيد الطير). [معاني القرآن: 2/265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (27-وقوله جل وعز: {فكلوا مما أمسكن عليكم} قال سعد بن أبي وقاص وسلمان وعبد الله بن عمر وأبو هريرة إذا أمسك عليك فكل وإن أكل وهذا قول أهل المدينة
[معاني القرآن: 2/265]
وروي عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أمسك عليك ولم يأكل فكل وهذا قول أهل الكوفة). [معاني القرآن: 2/266]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (فكلوا مما أمسكن عليكم) يعني: الجوارح). [ياقوتة الصراط: 207]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (والجوارح: الكواسب لأهلها، ويقال: فلان جارح أهله، إذا كان كاسبهم
[ياقوتة الصراط: 207]
والكاد عليهم). [ياقوتة الصراط: 208]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (4- {الْجَوَارِحِ} كلاب الصيد، وأصل الاجتراح الاكتساب.
{مُكَلِّبِينَ} أصحاب كلاب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 68]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (4- {الْجَوَارِحِ}: الصوائد من البزاة والكلاب وغيرها
4- {مُكَلِّبِينَ}: أصحاب كلاب). [العمدة في غريب القرآن: 120]

تفسير قوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (والمحصنات من المؤمنات) (5) أي ذوات الأزواج، وقد فرغنا قبل هذا منه.
(مسافحين) (5) أي زانين، والسّفاح: الزّناء.
(أجورهنّ) (5): مهورهن.
[مجاز القرآن: 1/154]
(حبط عمله) (6) أي ذهب). [مجاز القرآن: 1/155]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لّكم وطعامكم حلٌّ لّهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ محصنين غير مسافحين ولا متّخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}
وقال: {محصنين غير مسافحين ولا متّخذي أخدان} فيعني به الرجال.
وقال: {أحلّ لكم الطّيّبات} (و) أحلّ {لكم المحصنات} من النساء {محصنين غير مسافحين} أي: أحلّ لكم في هذه الحال). [معاني القرآن: 1/219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (5- (الأخدان): الأصدقاء يقال فلان خدني وخديني). [غريب القرآن وتفسيره: 128]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعز: (اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ محصنين غير مسافحين ولا متّخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين (5)
(وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم)
أي ذبائح أهل الكتاب حل لكم، وقد أجمع المسلمون أن ذبائح أهل الكتاب حلال للمسلمين، واختلفوا فيما سواها من الأطعمة، والذبائح هي من الأطعمة، فالظاهر - واللّه أعلم - أن جميع طعامهم حلال كالذبائح.
(وطعامكم حلّ لهم).
تأويله حل لكم أن تطعموهم، لأن الحلال والحرام والفرائض بعد عقد التوحيد، إنما يعقد على أهل الشريعة والملة، فأما الكفار فالواجب فيهم القتل إلّا من أدّى الجزية من أهل الكتاب.
وقوله: (والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم)
أي وأحلّ لكم المحصنات وهن العفائف وقيل الحرائر، والكتاب يدل على أن الأمة إذا كانت غير مؤمنة لم يجز التزويج بها، لقوله: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصنات غير مسافحات).
فإذا آتيتموهنّ أي إذا أعطيتموهن الأجر على جهة التزويج لا على جهة السّفاح وهو الزنا.
وقوله: (ولا متّخذي أخدان).
[معاني القرآن: 2/151]
وهن الصديقات والأصدقاء، فحرم الله عز وجل الجماع على جهة السفاح، أو على جهة اتخاذ الصديقة، وأحلّة على جهة الإحصان، وهو التزويج، على ما عليه جماعة العلماء.
وقوله: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله)
أي من بدل شيئا مما أحل الله فجعله حراما، أو أحل شيئا مما حرم الله فهو كافر بإجماع، وقد حبط عمله أي حبط جميع ما تقرب به إلى اللّه جل ثناؤه، ومن غير ذلك). [معاني القرآن: 2/152]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (28-وقوله جل وعز: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} قال مجاهد وإبراهيم يعني الذبائح). [معاني القرآن: 2/266]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (29-وقوله جل وعز: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أتوا الكتاب من قبلكم} روي عن ابن عباس أنه قال المحصنات العفيفات العاقلات وقال الشعبي هو أن تحصن فرجها فلا تزني وتغتسل من الجنابة
[معاني القرآن: 2/266]
والقراءة على قول الشعبي والمحصنات بكسر الصاد وبه قرأ الكسائي (والمحصنة) تكون العفيفة والمتزوجة والحرة فالحرة ههنا أولى ولو أريد العفيفة لما جاز أن تتزوج امرأة حتى يوقف على عفتها وقال مجاهد المحصنات الحرائر قال أبو عبيد نذهب إلى أنه لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب لقوله جل وعز: {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}
[معاني القرآن: 2/267]
وهذا القول الذي عليه جلة العلماء ويدل على أنهن الحرائر قوله جل ثناه: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} قال الحسن والزهري ويحيى بن سعيد وإبراهيم ومكحول وقتادة لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب لقوله تعالى: {من فتياتكم المؤمنات}). [معاني القرآن: 2/268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (30-وقوله جل وعز: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله قال مجاهد وعطاء أي ومن يكفر بالله). [معاني القرآن: 2/268]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (5- {الأَخْدَانٍ}: الأصدقاء). [العمدة في غريب القرآن: 120]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأرجلكم...}
مردودة على الوجوه. قال الفراء: وحدثني قيس بن الربيع عن عاصم عن زرّ عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (وأرجلكم) مقدّم ومؤخر. قال الفراء: وحدثني محمد بن أبان القريشي عن أبي إسحاق الهمدانيّ عن رجل عن عليّ أنه قال: نزل الكتاب بالمسح، والسنّة الغسل. قال الفراء: وحدثني أبو شهاب عن رجل عن
[معاني القرآن: 1/302]
الشعبيّ قال: نزل جبريل صلى الله عليه وسلم بالمسح على محمد صلى الله عليهما وعلى جميع الأنبياء. قال الفراء: السنة الغسل.
وقوله: {أو جاء أحدٌ مّنكم مّن الغائط} كناية عن خلوة الرجل إذا أراد الحاجة). [معاني القرآن: 1/303]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وأمسحوا برؤوسكم وأرجلكم) (6) مجرور بالمجرورة التي قبلها، وهي مشتركة بالكلام الأول من المغسول، والعرب قد تفعل هذا بالجوار، والمعنى على الأول، فكأن موضعه (واغسلوا أرجلكم)، فعلى هذا نصبها من نصب الجرّ، لأن غسل الرجلين جاءت به السّنة، وفي القرآن: (يدخل من يشاء في رحمته والظّالمين أعدّ لهم عذاباً أليماً) (74/31) فنصبوا الظالمين على موضع المنصوب الذي قبله، والظالمين: لا يدخلهم في رحمته؛ والدليل على الغسل أنه قال: (إلى الكعبين)، ولو كان مسحاً مسحتا إلى الكعبين، لأن المسح على ظهر القدم (والكعبان) ها هنا: الظاهران لأن الغسل لا يدخل إلى الداخلين.
(وإن كنتم جنباً فاطّهّروا) (7) والواحد والإثنين والجميع في الذكر والأنثى لفظه واحد: هو جنب، وهي جنب، وهما جنب، وهم جنب، وهنّ جنب.
(أو على سفرٍ) (6) أو في سفر.
(أو جاء أحدٌ منكم من الغائط) (6) كناية عن إظهار لفظ قضاء الحاجة في البطن، وكذلك قوله تبارك وتعالى (أو لمستم النّساء) كناية عن الغشيان (فتيمّموا صعيداً طيّباً) (6) أي تعمدوا صعيداً، أي وجه الأرض، طيباً أي طاهراً.
[مجاز القرآن: 1/155]
(من حرجٍ) (6) أي ضيقٍ). [مجاز القرآن: 1/156]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطّهّروا وإن كنتم مّرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ مّنكم مّن الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيداً طيّباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مّنه ما يريد اللّه ليجعل عليكم مّن حرجٍ ولكن يريد ليطهّركم وليتمّ نعمته عليكم لعلّكم تشكرون}
[معاني القرآن: 1/219]
وقال: {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} فرده إلى "الغسل" في قراءة بعضهم لأنه قال: {فاغسلوا وجوهكم} وقال بعضهم {وأرجلكم} على المسح أي: وامسحوا بأرجلكم. وهذا لا يعرفه الناس. وقال ابن عباس: "المسح على الرّجلين يجزئ". "ويجوز الجر على الإتباع وهو في المعنى "الغسل" نحو "هذا جحر ضبٍّ خربٍ". والنصب أسلم وأجود من هذا الاضطرار. ومثله قول العرب: "أكلت خبزا ولبنا" واللبن لا يؤكل. ويقولون: "ما سمعت برائحةٍ أطيب من هذه ولا رأيت رائحةً أطيب من هذه" و"ما رأيت كلاماً أصوب من هذا". قال الشاعر: [من مجزوء الكامل وهو الشاهد الرابع والثمانون بعد المائة]:
يا ليت زوجك قد غدا = متقلّداً سيفاً ورمحاً
ومثله {لا تحلّوا شعائر اللّه} [2] {ولا آمّين البيت الحرام} [2].
وقال: {ما يريد اللّه ليجعل عليكم مّن حرجٍ} أي: ما يريد الله ليجعل عليكم حرجا). [معاني القرآن: 1/220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن تصف الجميع صفة الواحد:
نحو قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. وقوله: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4].
وتقول: قوم عدل. قال زهير:
متى يشتجر قوم يقل سرواتهم: = هم بيننا فهم رضا وهم عدل
وقال الشاعر:
إنّ العواذل ليس لي بأمير
[تأويل مشكل القرآن: 285]
وقال آخر:
المال هدي والنّساء طوالق). [تأويل مشكل القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطّهّروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد اللّه ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم وليتمّ نعمته عليكم لعلّكم تشكرون (6)
المعنى إذا أردتم القيام إلى الصلاة، وإنما جاز ذلك لأن في الكلام والاستعمال دليلا على معنى الإرادة، ومثل ذلك قول الله عزّ وجلّ (فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم (98).
المعنى إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم.
وقوله: (وأرجلكم إلى الكعبين).
القراءة بالنصب، وقد قرئت بالخفض، وكلا الوجهين جائز في العربية فمن قرأ بالنصب فالمعنى: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين، وامسحوا برؤوسكم على التقديم والتأخير والواو جائز فيها ذلك كما قال جلّ وعزّ: (يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع
[معاني القرآن: 2/152]
الرّاكعين (43).
والمعنى واركعي واسجدي لأن الركوع قبل السجود، ومن قرأ: وأرجلكم - بالجر عطف على الرؤوس.
وقال بعضهم نزل جبريل بالمسح، والسنة في الغسل.
وقال بعض أهل اللغة هو جر على الجوار، فأما الخفض على الجوار فلا يكون في كلمات اللّه، ولكن المسح على هذا التحديد في القرآن كالغسل لأن قوله: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق)، فذكر الحدّ في الغسل لليد إلى المرافق، ولليد من أطراف الأصابع إلى الكتف، ففرض علينا أن نغسل بعض اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق، فالمرفق منقطع مما لا يغسل ودخل فيما يغسل.
وقد قال بعض أهل اللغة معناه مع المرافق، واليد المرفق داخل فيها، فلو كان اغسلوا أيديكم مع المرفق، لم تكن في المرافق فائدة وكانت اليد كلها يجب أن تغسل، ولكنه لما قيل إلى المرافق اقتطعت في الغسل من حد المرفق، والمرفق في اللغة ما جاوز الإبرة وهو المكان الذي يرتفق به، أي يتكأ عليه على المرفقة وغيرها.
فالمرافق حد ما ينتهي إليه في الغسل منها، وليس يحتاج إلى تأويل (مع).
ولما حدّ في الرّجل إلى الكعبين، والرّجل من أصل الفخذ إلى القدم علم أن الغسل من أطراف الأصابع إلى الكعبين، والكعبان هما العظمان الناتئان في آخر الساق مع القدم، وكل مفصل من العظام فهو كعب، إلا أن
[معاني القرآن: 2/153]
هذين الكعبين ظاهران عن يمنة فوق القدم ويسرته، فلذلك لم يحتج إلى أن يقال الكعبان اللذان صفتهما كذا وكذا.
فالدّليل على أن الغسل هو الواجب في الرجل، والدليل على أن المسح على الرجل لا يجوز هو تحديد إلى الكعبين كما جاء في تحديد اليد إلى المرافق، ولم يجئ في شيء في المسح تحديد، قال فامسحوا برؤوسكم بغير تحديد في القرآن وكذلك قوله:
(فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه)
ويجوز وأرجلكم بالجر على معنى واغسلوا، لأن قوله إلى الكعبين قد دل على ذلك كما وصفنا، وينسق بالغسل على المسح كما قال الشاعر:
يا ليت بعلك قد غدا... متقلدا سيفا ورمحا
المعنى متقلدا سيفا وحاملا رمحا.
وكذلك قال الآخر:
علفتها تبنا وماء باردا
المعنى وسقيتها ماء باردا.
وقوله: (وإن كنتم جنبا فاطّهّروا).
يقال للواحد رجل جنب، ورجلان جنب، وقوم جنب وامرأة جنب، كما يقال رجل رضى وقوم رضى وإنما هو على تأويل ذووا أجنب، لأنه مصدر.
والمصدر يقوم مقام ما أضيف إليه، ومن العرب من يثنّي ويجمع ويجعل
[معاني القرآن: 2/154]
المصدر بمنزلة اسم الفاعل، وإذا جمع جنب، قلت في الرّجال جنبون، وفي النساء جنبات، وللاثنين جنبان.
وقوله: (فاطّهّروا).
معناه فتطهروا، إلا أن التاء تدغم في الطاء لأنهما من مكان واحد.
وهما مع الدال من طرف اللسان، وأصول الثنايا العليا، فإذا أدغمت التاء في الطاء. سقط أول الكلمة فزيد فيها ألف الوصل، فابتدأت فقلت اطهروا.
وبين عزّ وجلّ ما طهارة الجنب في سورة النساء بالغسل فقال:
(ولا جنبا إلّا عابري سبيل حتّى تغتسلوا).
والغائط - كناية عن مكان الحدث، والغيطان ما انخفض من الأرض.
وقوله: عزّ وجلّ: (فتيمّموا صعيدا طيّبا).
أي اقصدوا، وقد بيّنّا الصعيد في سورة النساء.
وقوله عزّ وجلّ: (ما يريد اللّه ليجعل عليكم من حرج).
أي من ضيق.
(ولكن يريد ليطهّركم).
واللام دخلت لتبيّن الإرادة.
المعنى إرادته ليطهركم.
قال الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما... تمثل لي ليلى بكل سبيل). [معاني القرآن: 2/155]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (31-وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} المعنى إذا أردتم القيام إلى الصلاة وفي الكلام دليل على هذا
[معاني القرآن: 2/268]
ومثله {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} المعنى وإذا أردت أن تقرأ وفي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} أقوال أحدها إذا توضأ من حدث ثم دخل عليه وقت الصلاة وهو على طهارة فليس عليه التوضؤ وهذا الذي عليه أكثر الناس وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمس صلوات بوضوء واحد وقال زيد بن أسلم أي إذا قمتم من المضاجع
[معاني القرآن: 2/269]
والقول الثاني أن الوضوء قد كان واجبا بهذه الآية على كل مريد للقيام إلى الصلاة ثم نسخ ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقول الثالث أن على كل قائم إلى الصلاة مكتوبة الوضوء كما روى شعبة عن مسعود بن علي قال كان علي رضي الله عنه يتوضأ لكل صلاة ويتلو {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم}). [معاني القرآن: 2/270]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (32-ثم قال جل وعز: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}
قال بعض أهل اللغة المعنى مع المرافق كما قال {من أنصاري إلى الله}
[معاني القرآن: 2/270]
أي مع الله وهذا القول خطأ لأن اليد عند العرب من الأصابع إلى الكتف وإنما فرض غسل بعضها فلو كانت إلى بمعنى مع لوجب غسل اليد كلها ولم يحتج إلى ذكر المرافق والمرفق ويقال مرفق ما بعد الأيدي مما يرتفق عليه أي يتكأ ومعنى إلى ههنا الغاية هي على بابها إلا أن أبا العباس قال إذا كان الثاني من الأول فما بعد إلى داخل فيما قبله نحو قوله تعالى: {إلى المرافق} فالمرافق داخلة في الغسل وإذا كان ما بعدها ليس من الأول فليس بداخل فيه نحو ثم أتموا الصيام إلى الليل وقال غيره ما بعد إلى ليس بداخل فيما قبلها إلا
[معاني القرآن: 2/271]
أن المرافق غسلت اتباعا). [معاني القرآن: 2/272]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (33-ثم قال جل وعز: {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} والمعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم على التقديم والتأخير ومن قرأ (وأرجلكم) ففي قراءته أقوال أحدها أن المسح والغسل واحد قال ذلك أبو زيد
[معاني القرآن: 2/272]
ومنه قولهم تمسحت للصلاة والتقدير وأرجلكم غسلا ودل على هذا قوله: {إلى الكعبين} فحددها كما قال في اليدين إلى المرافق ودل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((ويل للأعقاب من النار)) فلو كان المسح كافيا لجاز المسح على البعض وروي عن الشعبي أنه قال نزل جبريل عليه السلام بالمسح والغسل سنة والقول الثالث روي عن علي رضي الله عنه أنه أجاز المسح قال أبو جعفر إلا أن عاصم بن كليب روى عن ابن عبد الرحمن قال قرأ الحسن والحسين رحمة الله عليهما وعلى علي (وأرجلكم) فسمع علي ذلك وكان يقضي بين الناس فقال: (وأرجلكم)
[معاني القرآن: 2/273]
هذا من المقدم والمؤخر من الكلام وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال اغسلوا الأقدام أي الكعبين وكذا روي عن ابن مسعود وابن عباس رحمهما الله أنهما قرأ (وأرجلكم) بالنصب والكعب العظم الناتئ في آخر الساق عند القدم وكل مفصل عند العرب كعب إلا أنه لم يحتج أن يقال الكعب الذي من قصته كذا لأنه ظاهر بين). [معاني القرآن: 2/274]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (34-وقوله جل وعز: {أو جاء أحد منكم من الغائط} والغائط في الأصل ما انخفض من الأرض). [معاني القرآن: 2/274]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (35 - ثم قال جل ذكره: {أو لامستم النساء} في معناه قولان: أحدهما رواه عبيدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال القبلة من المس وكل ما دون الجماع لمس وكذلك قال ابن عمر ومحمد بن يزيد يميل إلى هذا القول قال لأنه قد ذكر في أول هذه السورة ما يجب على من جامع في قوله: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} وقال عبد الله بن عباس اللمس والمس والغشيان الجماع ولكنه جل وعز كنى وقال مجاهد في قول الله عز وجل: {وإذا مروا باللغو مروا كراما} قال إذا ذكروا النكاح كنوا عنه). [معاني القرآن: 2/275]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (36 - وقوله عز وجل: {فتيمموا صعيدا طيبا} أي فاقصدوا والصعيد وجه الأرض قال ابن عباس أطيب الصعيد الحرث). [معاني القرآن: 2/276]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (37-وقوله جل وعز: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} قال مجاهد أي من ضيق). [معاني القرآن: 2/276]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (38-ثم قال جل وعز: {ولكن يريد ليطهركم} وقراء سعيد بن المسيب (ليطهركم) والمعنى واحد كما يقال نجاه وأنجاه). [معاني القرآن: 2/276]

تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بذات الصدور) (7) مجازها: بحاجة الصدور لأنها مؤنثة). [مجاز القرآن: 1/156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (39-وقوله جل وعز: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به}
[معاني القرآن: 2/276]
مذهب ابن عباس أنه قال الميثاق الذي واثق به المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما أحبوا وكرهوا قال مجاهد الميثاق الذي أخذه على بني آدم يعني قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}). [معاني القرآن: 2/277]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {اعدلوا هو أقرب للتّقوى...}
لو لم تكن (هو) في الكلام كانت (أقرب) نصبا. يكنى عن الفعل في هذا الموضع بهو وبذلك؛ تصلحان جميعا. قال في موضع آخر {إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً ذلك خيرٌ لكم وأطهر} وفي الصفّ {ذلكم خيرٌ لكم} فلو لم تكن (هو) ولا (ذلك) في الكلام كانت نصبا؛ كقوله: {انتهوا خيراً لكم}). [معاني القرآن: 1/303]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (قوّامين لله شهداء بالقسط) (9) أي قائمين بالعدل، يقومون به، ويدمون عليه). [مجاز القرآن: 1/156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبير بما تعملون (8)
(قوّامين للّه شهداء بالقسط)
أي بالعدل.
[معاني القرآن: 2/155]
(شهداء).
أي مبينين عن دين الله لأن الشاهد يبيّن ما شهد عليه.
وقوله: (ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألّا تعدلوا).
فشنآن قوم معناه بغض قوم.
أي: لا يحملنكم بغضكم المشركين على ترك العدل.
ومن قال شنآن قوم، فمعناه بغض قوم، ويقال: أجرمني كذا وكذا، وجرمني، وجرمني، وأجرمت بمعنى واحد.
وقد قيل لا يجرمنّكم: لا يدخلنّكم في الجرم كما تقول آثمته أي أدخلته في الإثم). [معاني القرآن: 2/156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (40-وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط} القسط العدل). [معاني القرآن: 2/277]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (41-ثم قال جل وعز: {ولا يجرمنكم شنآن قوم} أي لا يحملنكم وقد بيناه فيما تقدم وقرئ (ولا يجرمنكم) قال الكسائي هما لغتان قال أبو جعفر قال أبو إسحاق معنى لا يجرمنكم لا يدخلنكم في الجرم كما تقول آثمني أي أدخلني في الإثم
[معاني القرآن: 2/277]
والشنآن البغض). [معاني القرآن: 2/278]

تفسير قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وعد الله الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات) (9) أي خيراً أي فاضلة بهذه، ثم قال، مستأنفاً: (لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ) (9) فارتفعتا على القطع من أول الآية والفعل الذي في أولهما، وعملت فيهما (لهم) ). [مجاز القرآن: 1/156]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مّغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ}
وقال: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مّغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ} كأنه فسر الوعد ليبين ما وعدهم أي: هكذا وعدهم فقال: {لهم مّغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ}). [معاني القرآن: 1/220]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرة وأجر عظيم (9)
هذا تمام الكلام، يقال وعدت الرجل تريد وعدته خيرا، وأوعدت الرجل تريد أوعدته شرا، وإذا ذكرت الموعود قلت فيهما جميعا واعدته. وإذا لم تذكر الموعود قلت في الخير وعدته وفي الشر أوعدته.
فقال عزّ وجلّ: (وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات)، فدل على الخير، ثم بين ذلك الخير فقال: (لهم مغفرة) أي تغطية على ذنوبهم.
(وأجر عظيم) جزاء على إيمانهم). [معاني القرآن: 2/156]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمت اللّه عليكم إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (11)
يروى في التفسير أن بني قريظة وبني النضير كانوا عاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ترك القتال وعلى أن يعينهم في دياتهم ويعينوه في ديات المسلمين، فأصيب رجلان من المسلمين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم في دياتهما، فوعدوه
[معاني القرآن: 2/156]
لوقت يصير إليهم فيه، فصار النبي هو وأبو بكر وعمر وعليّ، فلما صاروا إليهم هموا بالغدر وأن يقتلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، فأوحى الله إليه وأعلمه ما عزموا عليه، فخرجوا من المكان الذي كانوا فيه، فأعلمهم اليهود أن قدورهم تغلي، فأعلمهم - صلى الله عليه وسلم - أنّه قد نزل عليه الوحي بما عزموا عليه.
وهذه من الآيات التي تدل على نبوته.
وقيل إن هذا مردود على قوله: (اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم)
أي قد أعطيتم الظفر عليهم، فقال:
(يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمت اللّه عليكم إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم).
وكلا الوجهين - واللّه أعلم - جائز، لأن الله جل ثناؤه قد أظهر الإسلام على سائر الأديان). [معاني القرآن: 2/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (42-وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم} قال مجاهد هذا في اليهود جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية فهموا بقتله فوقاه الله جل وعز منهم وروي عن الحسن أنه قال نزل هذا في رجل من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فاستقبل القبلة ليصلي صلاة الخوف فجاء هذا ليقتله فمنعه الله منه). [معاني القرآن: 2/278]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 11:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 12 إلى 26]

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) )

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وبعثنا منهم اثنى عشر نقيباً (12) أي ضامناً ينقب عليهم وهو الأمين والكفيل على القوم.
(وعزّرتموهم) (12): نصرتموهم وأعنتموهم ووقّرتموهم وأيّدتموهم، كقوله:
وكم من ماجدٍ لهم كريمٍ=ومن ليثٍ يعزّر في النّدىّ
وقال يونس: أثنيتم عليهم.
قال الأثرم: والتعزير في موضع آخر: أن يضرب الرجل دون الحدّ.
(سواء السّبيل) (12): أي وسط الطريق وقال حسان:
يا ويح أنصار النبي ونسله=بعد المغيّب في سواء الملحد). [مجاز القرآن: 1/156-157]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال اللّه إنّي معكم لئن أقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة وآمنتم برسلي وعزّرتموهم وأقرضتم اللّه قرضاً حسناً لأكفّرنّ عنكم سيّئاتكم ولأدخلنّكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلّ سواء السّبيل}
[وقال] {وقال اللّه إنّي معكم لئن أقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة وآمنتم برسلي} {لأكفّرنّ عنكم سيّئاتكم} فاللام الأولى على معنى القسم والثانية على قسم آخر). [معاني القرآن: 1/221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({النقباء}: الأمناء على قومهم.
12- {وعزرتموهم}: وقرتموهم وعظمتوهم).[غريب القرآن وتفسيره: 129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ((النّقيب): الكفيل على القوم. والنّقابة والنّكابة شبيه بالعرافة.
{وعزّرتموهم} أي عظمتموهم. والتعزيز: التعظيم. ويقال: نصرتموهم.
{وسواء السّبيل} أي قصد الطريق ووسطه). [تفسير غريب القرآن: 141]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال اللّه إنّي معكم لئن أقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة وآمنتم برسلي وعزّرتموهم وأقرضتم اللّه قرضا حسنا لأكفّرنّ عنكم سيّئاتكم ولأدخلنّكم جنّات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلّ سواء السّبيل (12)
أي أخذ الله منهم الميثاق على توحيده والإيمان برسله.
(وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا).
النقيب في اللغة كالأمير، والكفيل، ونحن نبين حقيقته واشتقاقه إن شاء اللّه.
يقال: نقب الرجل على القوم ينقب إذا صار نقيبا عليهم، وما كان الرجل نقيبا، ولقد نقب، وصناعته النقابة وكذلك عرف عليهم إذا صار عريفا،
ولقد عرف، ويقال لأول ما يبدو من الجرب النّقبة، ويجمع: النّقب.
قال الشاعر:
متبذّلا تبدو محاسنه=يضع الهناء مواضع النّقب
والنّقبة: وجمعها نقب سراويل تلبسه المرأة بلا رجلين.
ويقال: فلانة حسنة النّقبة والنّقاب، ويقال: في فلان مناقب جميلة، وهو حسن النقيبة، أي حسن الخليقة، ويقال: كلب نقيب، وهو أن تنقب حنجرة الكلب لئلا يرتفع صوته في نباحه، وإنما يفعل ذلك البخلاء من العرب لئلا يطرقهم ضيف بسماع نباح الكلاب.
وهذا الباب كله يجمعه التأثير الذي له عمق ودخول، فمن ذلك نقبت الحائط، أي بلغت في الثقب آخره، ومن ذلك النقبة من الجرب لأنه داء شديد الدخول، والدليل على ذلك أن البعير يطلى بالهناء فيوجد طعم القطران في لحمه، والنّقبة هذه السراويل التي لا رجلين لها، قد بولغ في فتحها ونقبها، ونقاب المرأة: وهو ما ظهر من تلثّمها من العينين والمحاجر، والنّقب والنّقب الطريق في الجبل، وإنما قيل: نقيب لأنه يعلم دخيلة أمر القوم ويعرف مناقبهم، وهو الطريق إلى معرفة أمورهم.
وقوله عزّ وجلّ: (وعزّرتموهم).
قال أبو عبيدة: (عزّرتموهم) عظمتموهم. قال غيره: عزرتموهم:
نصرتموهم. وهذا هو الحق - واللّه أعلم - وذلك أن العزر في اللغة الرّدّ.
وتأويل عزّرت فلانا - أي أدّبته - فعلت به ما يردعه عن القبيح كما أن نكّلت به، فعلت به ما يجب أن ينكل معه عن المعاودة، فتأويل (عزّرتموهم) نصرتوهم بأن تردوا عنهم أعداءهم.
وقال الله عزّ وجلّ (وتعزّروه وتوقّروه)
فلو كان التعزير هو التوقير لكان الأجود في اللغة الاستعانة والنصرة إذا وجبت، فالتعظيم داخل فيها؛ لأن نصرة الأنبياء هي المدافعة عنهم والذبّ عن دمهم وتعظيمهم وتوقيرهم.
وقوله عزّ وجلّ: (فقد ضلّ سواء السّبيل).
أي فقد ضل قصد السبيل). [معاني القرآن: 2/157-159]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا} النقيب في اللغة الأمين الذي يعرف مداخل القوم كأنه يعرف ما ينقب عليه من أمرهم.
وروى سعيد عن قتادة قال {وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا}: من كل سبط رجلا شاهدا على سبطه {وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة} إلى آخر القصة.
وقوله جل وعز: {وآمنتم برسلي وعزرتموهم} قال أبو عبيد عزرتموهم عظمتموهم وقال يونس أثنيتم عليها وأحسن من هذين القولين قول ابن أبي نجيح عن مجاهد أن معنى عزرتموهم نصرتموهم والتعظيم داخل في النصرة
والدليل على هذا، قوله تعالى: {وتعزروه وتوقروه} وأصل التعزير في اللغة المنع ومنه عزرت فلانا أي أنزلت به ما يمتنع من أجله من المعاودة، كما تقول: نكلت به أي أنزلت به ما ينكل به عن العودة.
وروي عن سعد أنه قال: لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا الحبلة والسمر، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام أي تؤدبني وهو يرجع إلى ما تقدم أي يمنعونني عما أنا عليه). [معاني القرآن: 2/279-280]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (و(عزرتموهم) أي: نصرتموهم، والتعزير - في كلام العرب: التوقير، والتعزير - أيضا النصر باللسان، والتقرير - أيضا: النصر بالسيف، والتعزير - أيضا التوقيف على الفرائض والأحكام، والتعزير: دون الحد، ولو بسوط واحد). [ياقوتة الصراط: 208]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((والنقيب) الكفيل على القوم.
{وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} أي عظمتموهم.
{سَوَاء السَّبِيلِ} قصده ووسطه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 68-69]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({النقباء}: الأمناء على قومهم.
12- {سَوَاء}: قصد
12- {السَّبِيلِ}: الطريق
12- {عَزَّرْتُمُوهُمْ}: عظمتموهم). [العمدة في غريب القرآن: 120-121]

تفسير قوله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فبما نقضهم ميثاقهم) (13): فبنقضهم، والعرب تستعمل (ما) في كلامها توكيداً وإن كان الذي قبلها بجرّ جررت الاسم الذي بعدها، وإن كان مرفوعاً رفعت الاسم، وإن كان منصوباً نصبت الاسم كقولهم: ليت من العشب خوصة.
(قلوبهم قاسيةً) (13) أي يابسة صلبة من الخير وقال:
=وقد قسوت وقسا لدّتى
ولدّتى ولداتى واحد، وكذلك عسا وعتا سواء.
(يحرّفون الكلم) (13) يزيلون.
(ونسوا حظّاً ممّا ذكروا به) (13) أي نصيبهم من الدين.
(على خائنةٍ منهم) (13) أي على خائن منهم، والعرب تزيد الهاء في المذكرّ كقولهم: هو راوية للشعر، ورجل علاّمة.
وقال الكلابيّ:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن=للغدر خائنةً مغلّ الإصبع
وقد قال قوم: بل (خائنةٍ منهم) ها هنا الخيانة، والعرب قد تضع لفظ (فاعلة) في موضع المصدر كقولهم للخوان مائدة، وإنما المائدة التي تميدهم على الخوان؛ يميده ويميحه واحد، وقال:
=إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي الممتاح). [مجاز القرآن: 1/157-159]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({على خائنة}: على خيانة).[غريب القرآن وتفسيره: 129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ((القاسية) والهاتية والعاسية واحد، وهي اليابسة.
{ونسوا حظًّا ممّا ذكّروا به} أي تركوا نصيبا مما أمروا به.
و(الخائنة): الخيانة. ويجوز أن يكون صفة للخائن، كما يقال: رجل طاغية وراوية للحديث). [تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الخيانة: أن يؤتمن الرجل على شيء، فلا يؤدي الأمانة فيه.
يقال لكل خائن: سارق، وليس كل سارق خائنا.
والقطع يجب على السارق، ولا يجب على الخائن، لأنه مؤتمن.
قال النّمر بن تولب:
وإنَّ بني ربيعةَ بعد وَهْبٍ = كراعي البيتِ يحفظُه فَخَانَا
ويقال: لناقض العهد: خائن، لأنه أمن بالعهد وسكن إليه، فغدر ونكث.
قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً}.
أي: نقضا للعهد.
وكذلك قوله: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} أي غدر ونكث). [تأويل مشكل القرآن: 477-478] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرّفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظّا ممّا ذكّروا به ولا تزال تطّلع على خائنة منهم إلّا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إنّ اللّه يحبّ المحسنين (13)
(فبما نقضهم)
" ما " لغو، المعنى: فبنقضهم ميثاقهم، ومعنى " ما " الملغاة في العمل توكيد القصة.
(لعنّاهم) أي باعدناهم من الرّحمة، وجعلنا قلوبهم قاسية أي يابسة، يقال للرجل الرحيم: لين القلب، وللرجل غير الرحيم: قاسي القلب ويابس القلب، والقاسي في اللغة، والقاسح - بالحاء -: الشديد الصلابة.
وقوله: (يحرفون الكلم عن مواضعه).
الكلم جمع كلمة، وتأويل يحرفون؛ يغيرونه على غير ما أنزل.
وقوله عزّ وجلّ: (ونسوا حظّا ممّا ذكّروا به).
معنى نسوا: تركوا نصيبا مما ذكروا به.
وقوله: (ولا تزال تطّلع على خائنة منهم).
خائنة في معنى خيانة، المعنى: لا تزال تطلع على خيانة منهم، وفاعلة في أسماء المصادر كثيرة، نحو عافاه اللّه عافية، وقوله: (فأهلكوا بالطّاغية)، وقد يقال رجل خائنة.
قال الشاعر:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن=للغدر خائنة مغلّ الإصبع
قال: خائنة على المبالغة لأنه يخاطب رجلا، يقول: لا تحملن فتغلل إصبعك في المتاع فتدخلها للخيانة، (ومغل يدك من خائنة) ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - على خائنة أن على فرقة خائنة.
وقوله: (إلا قليلا منهم).
منصوب بالاستثناء). [معاني القرآن: 2/159-161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية}
وتقرأ (قسية) والقاسية كما تقول علية وعالية وعلي وعال بمعنى واحد والقول الآخر معنى قسية ليست بخالصة الإيمان أي فيها نفاق
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن لأنه يقال درهم قسي إذا كان مغشوشا بنحاس أو غيره.
قال أبو جعفر: وأولى ما فيه أن تكون قسية بمعنى قاسية مثل زكية وزاكية إلا أن فعيلة أبلغ من فاعلة فالمعنى جعلنا قلوبهم غليظة نابية عن الإيمان والتوفيق لطاعتي لأن القوم لم يوصفوا بشيء من الإيمان فتكون قلوبهم موصوفة فإن إيمانها خالطه كفر كالدراهم القسية التي خالطها غش). [معاني القرآن: 2/280-281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يحرفون الكلم عن مواضعه}
يجوز أن يكون معناه يبدلون حروفه ويجوز أن يكون معناه يتناولونه على غير معناه). [معاني القرآن: 2/281-282]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا تزال تطلع على خائنة منهم}
فيه قولان:
أحدهما قاله قتادة، قال: على خيانة وهذا جائز في اللغة ويكون مثل قولهم: قائلة بمعنى قيلولة.
والقول الآخر قاله ابن أبي نجيح عن مجاهد وهو أن هذا يراد به اليهود الذين هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم فيكون التقدير على هذا القول على فرقة خائنة ثم أقام الصفة مقام الموصوف). [معاني القرآن: 2/282]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فنسوا حظا مما ذكروا به} أي تركوا ومنه {نسوا الله فنسيهم} أي تركهم). [معاني القرآن: 2/283]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((والقاسية والقسية) اليابسة
{وَنَسُواْ حَظًّا} أي تركوا نصيبا مما أمروا به.
(والخائنة) الخيانة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خَائِنَةٍ}: خيانة). [العمدة في غريب القرآن: 121]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فأغرينا بينهم العداوة) (14): والإغراء: التهييج والإفساد). [مجاز القرآن: 1/159]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ومن الّذين قالوا إنّا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظّاً مّمّا ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبّئهم اللّه بما كانوا يصنعون}
وقال: {ومن الّذين قالوا إنّا نصارى أخذنا ميثاقهم} كما تقول: "من عبد الله أخذت درهمه"). [معاني القرآن: 1/221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({فأغرينا بينهم}: التسليط والإفساد). [غريب القرآن وتفسيره: 129]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ومن الّذين قالوا إنّا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظّا ممّا ذكّروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبّئهم اللّه بما كانوا يصنعون (14)
(فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة)
يعنى به النصارى، ويعني قوله: أغرينا ألصقنا بهم ذلك، يقال: غريت بالرجل غرى - مقصور - إذا لصقت به، وهذا قول الأصمعي
وقال غير الأصمعي: غريت به غراء، وهو الغراء الذي يغرّى إنما تلصق به الأشياء، وتأويل (أغرينا بينهم العداوة والبغضاء) أنّهم صاروا فرقا يكفّر بعضهم بعضا، منهم النسطورية، واليعقوبية والملكانيّة، وهم الروم، فكل فرقة منهم تعادي الأخرى). [معاني القرآن: 2/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} ومعنى أغرينا في اللغة ألصقنا، ومنه قيل: الغراء للذي يغرى به
قال ابن أبي نجيح: يعني اليهود والنصارى.
وقال الربيع بن أنس: يعني به النصارى خاصة أغريت بينهم العداوة والبغضاء أي مجازاة على كفرهم فافترقوا فرقا منهم النسطورية واليعقوبية والملكية وكل فرقة تعادي الأخرى). [معاني القرآن: 2/283]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (فأغرينا بينهم) أي: ألقينا). [ياقوتة الصراط: 208]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَأَغْرَيْنَا}: سلطنا). [العمدة في غريب القرآن: 121]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيرا ممّا كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين (15)
(قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين).
النور هو: محمد - صلى الله عليه وسلم - والهدى أو النور هو الذي يبين الأشياء، ويرى الأبصار حقيقتها، فمثل ما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في القلوب في بيانه وكشفه الظلمات كمثل النور). [معاني القرآن: 2/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب}
روي عن ابن عباس أنه قال: زنى رجل من اليهود فجاءوا يستفتون النبي صلى الله عليه وسلم ليدرؤوا عنه الرجم والرجم عندهم في التوراة فأطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك). [معاني القرآن: 2/284]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {قد جاءكم من الله نور} قيل نور يعني به النبي صلى الله عليه وسلم وهو تمثيل لأن النور هو الذي تتبين به الأشياء). [معاني القرآن: 2/284]

تفسير قوله تعالى: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (يهدي به اللّه من اتّبع رضوانه سبل السّلام ويخرجهم من الظّلمات إلى النّور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم يهدي به اللّه من اتّبع رضوانه سبل السّلام ويخرجهم من الظّلمات إلى النّور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم (16)
(يهدي به اللّه من اتّبع رضوانه).
ورضوانه - بالكسر والضم.
(سبل السّلام).
جميع سبيل، والسبل: الطرق، فجائز أن يكون - واللّه أعلم – طرق السلام أي طرق السلامة التي من ملكها سلم في دينه، وجائز أن يكون - واللّه أعلم - سبل السلام، طرق اللّه، والسلام اسم من أسماء اللّه). [معاني القرآن: 2/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام}
السبل الطرق والسلام يحتمل معنيين أحدهما أن يكون السلام بمعنى السلامة كما يقال اللذاذ واللذاذة والمعنى الآخر أن السلام اسم من أسماء الله جل وعز فالمعنى على هذا يهدي به الله سبله أي من اتبعها نجاه). [معاني القرآن: 2/284-285]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ولله ملك السّموات والأرض وما بينهما) (17) والسموات جماع والأرض واحد فقال: (ما بينهما). فذهب إلى لفظ الإثنين، والعرب إذا وحّدوا جماعة في كلمة، ثم أشركوا بينهما وبين واحد جعلوا لفظ الكلمة التي وقع معناها على الجميع كالكلمة الواحدة، كما قال الراعي:
طرقا فتلك هما همى أقريهما=قلصاً لواقح كالقسىّ وحولا
وقد فرغنا منه في موضع قبل هذا). [مجاز القرآن: 1/159-160]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) )
تفسير قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يبيّن لكم على فترةٍ مّن الرّسل أن تقولوا...}
معناه: كي لا تقولوا: {ما جاءنا من بشيرٍ} مثل ما قال {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا}). [معاني القرآن: 1/303]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترة من الرّسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير واللّه على كلّ شيء قدير (19)
(على فترة من الرّسل).
أي: على انقطاع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بعد انقطاع الرسل لأن الرسل كانت إلى وقت رفع عيسى تترى، أي متواترة، يجيء بعضها في إثر بعض.
وقوله جلّ وعزّ: (أن تقولوا ما جاءنا من بشير).
قال بعضهم: معناه أن لا تقولوا ما جاءنا من بشير، أي بعث اللّه النبي - صلى الله عليه وسلم - لئلا تقولوا ما جاءنا من بشير.
ومثله قوله عزّ وجلّ: (يبين اللّه لكم أن تضلوا) معناه أن لا تضلوا.
وقال بعضهم: أن تقولوا: معناه كراهة أن تقولوا.
وحذفت كراهة، كما قال جلّ وعزّ: (واسأل القرية).
معناه: سل أهل القرية.
وقد استقصينا شرح هذا في آخر سورة النساء). [معاني القرآن: 2/162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل}
قال قتادة: يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، قال: وبلغنا أن الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ست مائة عام والمعنى عند أهل اللغة على انقطاع من الرسل؛ لأن الرسل كانوا متواترين بين موسى وعيسى صلى الله عليهما ثم انقطع ذلك إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 2/285-286]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير} قال الكوفيون المعنى أن لا تقولوا ثم حذفت لا كما قال جل وعز: {يبين الله لكم أن تضلوا} ولا يجوز حذف لا عند البصريين لأنها تدل على النفي والمعنى عندهم كراهة أن تقولوا). [معاني القرآن: 2/286]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذ جعل فيكم أنبياء...}
يعني السبعين الذين اختارهم موسى ليذهبوا معه إلى الجبل، سمّاهم أنبياء لهذا.
{وجعلكم مّلوكاً} يقول: أحدكم في بيته ملك، لا يدخل عليه إلا بإذن.
{وآتاكم مّا لم يؤت أحداً مّن العالمين} ظلّلكم بالغمام الأبيض، وأنزل عليكم المنّ والسّلوى). [معاني القرآن: 1/303]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين (20)
(وجعلكم ملوكا).
مثل جعلكم تملكون أمركم لا يغلبكم عليه غالب.
وقال بعضهم: جعلكم ذوي منازل لا يدخل عليكم فيها إلّا بإذن.
والمعنى راجع إلى ملك الأمر.
وقوله: (وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين).
وهو أن اللّه - جلّ وعزّ - أنزل عليهم المنّ والسّلوى، وظلّل عليهم الغمام). [معاني القرآن: 2/162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا} روي عن ابن عباس أنه قال: يعني الخادم والمنزل.
قال قتادة: لم يملك أحد قبلهم خادما.
وقال الحكم بن عتيبة ومجاهد وعكرمة: وجعلكم ملوكا المنزل والخادم والزوجة.
وكذلك قال زيد بن أسلم إلا أنه قال: فيما يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان له بيت -أو قال:- منزل يأوي إليه وزوجة وخادم يخدمه فهو ملك))). [معاني القرآن: 2/286-287]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين} قال مجاهد يعني المن والسلوى وانفراق البحر وانفجار الحجر والتظليل بالغمام). [معاني القرآن: 2/287]

تفسير قوله تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ادخلوا الأرض المقدّسة...}
ذكر أن الأرض المقدّسة دمشق وفلسطون وبعض الأردنّ (مشدّدة النون) ). [معاني القرآن: 1/304]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (المقدّسة) (22) المطهّرة، يقال: لا قدّسه الله (الّتي كتب الله لكم) (22) أي جعل الله لكم وقضاها). [مجاز القرآن: 1/160]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({الأرض المقدّسة} دمشق وفلسطين وبعض الأردنّ.
{الّتي كتب اللّه لكم} أي جعلها لكم وأمركم أن تدخلوها). [تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وتكون كتب بمعنى أمر، كقوله: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، أي: أمركم أن تدخلوها.
ويقال: كتب هاهنا أيضا: جعل. يريد ادخلوا الأرض التي كتبها الله لولد إبراهيم، عليه السلام، أي: جعلها لهم). [تأويل مشكل القرآن: 463]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة الّتي كتب اللّه لكم ولا ترتدّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين (21)
المقدسة: المطهّرة، وقيل في التفسير إنها دمشق، وفلسطين، وبعض الأردن وبيت المقدس، وإنما سمّي بالمقدس لأن المقدس: المكان الذي يتطهر فيه. فتأويله البيت الذي يطهر الإنسان من العيوب، ومن هذا قيل: القدس، أي الذي يتطهر منه، كما قيل: مطهرة لما يتوضأ منه، إنما هي مفعلة من الطهر). [معاني القرآن: 2/162-163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم}
قال قتادة: يعني الشام والمقدسة في اللغة المطهرة ومنه سمي بيت المقدس أي الموضع الذي يتطهر فيه من الذنوب). [معاني القرآن: 2/287-288]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (و(المقدسة) المطهرة). [ياقوتة الصراط: 209]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قالوا يا موسى إنّ فيها قوماً جبّارين وإنّا لن نّدخلها حتّى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنّا داخلون}
[و] قال: {إنّ فيها قوماً جبّارين} فأعمل {إنّ} في "القوم" وجعل "جبارين" من صفتهم لأنّ {فيها} ليس باسم). [معاني القرآن: 1/221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({قوما جبارين}: عظماء أقوياء ومنه النخل الجبار العظيم).[غريب القرآن وتفسيره: 129]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (قالوا يا موسى إنّ فيها قوما جبّارين وإنّا لن ندخلها حتّى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنّا داخلون (22)
تأويل الجبار من الآدميين: العاتي الذي يجبر النّاس على ما يريد، واللّه - عزّ وجلّ - الجبار العزيز، وهو الممتنع من أن يزلّ، واللّه عزّ وجلّ يأمر بما أراد، لا رادّ لأمره، ولا معقب لحكمه.
وإنّما وصفوهم بالقدرة والتكبّر، والمنعة.
و(قوما) منصوب بـ أن، و (جبارين) من صفتهم، والخبر قوله: (فيها) ). [معاني القرآن: 2/163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين} الجبار عند أهل اللغة المتعظم الذي يمتنع من الذل والقهر). [معاني القرآن: 2/288]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({جَبَّارِينَ}: عظماء). [العمدة في غريب القرآن: 121]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله (قال رجلان من الّذين يخافون أنعم اللّه عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنّكم غالبون وعلى اللّه فتوكّلوا إن كنتم مؤمنين (23)
أي أنعم اللّه عليهما بالإيمان.
(ادخلوا عليهم الباب).
فكأنّهما علما أن ذلك الباب إذا دخل منه وقع الغلب). [معاني القرآن: 2/163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما}
روي عن مجاهد أنه قال: الرجلان من الاثني عشر نقيبا الذين بعثوا وهما يوشع بن نون وكلاب بن قاينا، ويقال: يوقنا.
وقال الضحاك: هما رجلان مؤمنان كانا في مدينة الجبارين والدليل على هذا أنهما قالا {ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون} وقد علمنا أنهم إذا دخلوا من ذلك الباب كان لهم الغلب
وقرأ سعيد بن جبير: (من الذين يخافون) بضم الياء يذهب إلى أنهما كانا من الجبارين وأنعم الله عليهما بالإسلام). [معاني القرآن: 2/288-289]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فاذهب أنت وربّك فقاتلا...}
فقال (أنت) ولو ألقيت (أنت) فقيل: اذهب وربك فقاتلا كان صوابا؛ لأنه في إحدى القراءتين (إنه يراكم وقبيله) بغير (هو) وهي بهو و(اذهب أنت وربك) أكثر في كلام العرب. وذلك أنّ المردود على الاسم المرفوع إذا أضمر يكره؛ لأن المرفوع خفيّ في الفعل، وليس كالمنصوب؛ لأنّ المنصوب يظهر؛ فتقول ضربته وضربتك، وتقول في المرفوع: قام وقاما، فلا ترى اسما منفصلا في الأصل من الفعل، فلذلك أوثر إظهاره، وقد قال الله تبارك وتعالى: {أئذا كنّا تراباً وآباؤنا} ولم يقل(نحن) وكلّ صواب.
وإذا فرقت بين الاسم المعطوف بشيء قد وقع عليه الفعل حسن بعض الحسن. من ذلك قولك: ضربت زيدا وأنت. ولو لم يكن زيد لقلت: قمت أنا وأنت، وقمت وأنت قليل. ولو كانت (إنا ها هنا قاعدين) كان صوابا). [معاني القرآن: 1/304]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فاذهب أنت وربّك فقاتلا) (26) مجازها: اذهب أنت وربك فقاتل، وليقاتل ربك أي ليعنك؛ ولا يذهب الله.
(فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) (25) أي باعد وافصل وميّز، وأصله: فعلت خفيفة من فعّلت ثقيلة، كقوله:
يا ربّ فافرق بينه وبيني=أشدّ ما فرّقت بين اثنين
الفاسقين ها هنا: الكافرين.
(يتيهون في الأرض) (26) أي يحورن ويحارون ويضلون.
(فلا تأس على القوم الفاسقين) (26) لا تحزن، يقال: أسيت عليه، قال العجّاج:
=وانحلبت عيناه من فرط الأسى). [مجاز القرآن: 1/160-161]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قالوا يا موسى إنّا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون (24)
أي لسنا نقبل مشورة في دخولها، ولا أمرا، وفيها هؤلاء الجبارون، فأعلم اللّه جلّ ثناؤه أن أهل الكتاب هؤلاء غير قابلين من الأنبياء قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الخلاف شأنهم.
وفي هذا الإعلام دليل على تصحيح نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه أعلمهم ما لا يعلم إلا من قراءة كتاب أو إخبار، أو وحي، والنبي - صلى الله عليه وسلم - منشؤه معروف بالخلوّ من ذكر أقاصيص بني إسرائيل، وبحيث لا يقرأ كتبهم، فلم يبق في علم ذلك إلا الوحي.
وقوله: (فاذهب أنت وربّك فقاتلا).
كلام العرب: اذهب أنت وزيد، والنحويون يستقبحون اذهب وزيد.
لأنه لا يعطف بالاسم الظاهر على المضمر، والمضمر في النية لا علامة له، فكان الاسم يصير معطوفا على ما هو متصل بالفعل غير مفارق له.
فأمّا قوله: (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) فمن رفع فإنما يجوز ذلك لأن المفعول يقوي الكلام، وكذلك ضربت زيدا وعمرو. كما يقوي الكلام دخول لا، قال الله جل ثناؤه: (لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا) ). [معاني القرآن: 2/163-164]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها} أي ليس نقبل مشورة فأعلم الله النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الكتاب لم يزالوا يعصون الأنبياء وأن له في ذلك أسوة
قال أبو عبيدة: معنى {فاذهب أنت وربك فقاتلا} أي اذهب فقاتل وليعنك ربك). [معاني القرآن: 2/289-290]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال ربّ إنّي لا أملك إلّا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين (25)
(أخي) في موضع رفع، وجائز أن يكون في موضع نصب.
المعنى: قال ربي إني لا أملك إلا نفسي، وأخي أيضا لا يملك إلا نفسه، ورفعه من جهتين إحداهما: أن يكون نسقا على موضع إني.
المعنى أنا لا أملك إلا نفسي وأخي كذلك.
ومثله قوله: (أنّ اللّه بريء من المشركين ورسوله) وجائز أن يكون عطفا على " ما " في قوله أملك فالمعنى أنا لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا، وجائز أن يكون أخي في موضع نصب من جهتين إحداهما: أن يكون نسقا على الياء في إني.
المعنى إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا، وإني لا أملك إلا نفسي.
وأن أخي لا يملك إلا نفسه، وجائز أن يكون معطوفا على نفسي، فيكون المعنى لا أملك إلا نفسي، ولا أملك إلا أخي، لأن أخاه إذا كان مطيعا له فهو ملك طاعته.
وقوله: (إذ جعل فيكم أنبياء).
لا يصرف (أنبياء) لأنه مبني على ألف التأنيث، وهو غير مصروف في المعرفة والنكرة لأن فيه علامة التأنيث، وهي مع أنّها علامة التأنيث مبنية مع الاسم على غير خروج التأنيث عن التذكير نحو قائم، وقائمة). [معاني القرآن: 2/164-165]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي} ويجوز أن يكون المعنى وأخي لا يملك إلا نفسه ويجوز أن يكون المعنى وأملك أخي لأنه إذا كان يطيعه فهو مالك في الطاعة). [معاني القرآن: 2/290]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} قال الضحاك المعنى فاقض بيننا وبين القوم الفاسقين). [معاني القرآن: 2/290]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أربعين سنةً...}
منصوبة بالتحريم. ولو قطعت الكلام فنصبتها بقوله (يتيهون) كان صوابا.
ومثله في الكلام أن تقول: لأعطينّك ثوبا ترضى، تنصب الثوب بالإعطاء، ولو نصبته بالرضا تقطعه من الكلام من (لأعطينك) كان صوبا). [معاني القرآن: 1/305]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قال فإنّها محرّمةٌ عليهم أربعين سنةً يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين}
[و] قال: {فلا تأس على القوم الفاسقين} فهي من "أسي" "يأسى" "أسى شديداً" وهو الحزن. و"يئس" من "اليأس" وهو انقطاع الرجاء من "يئسوا" وقوله: {ولا تيأسوا من رّوح اللّه}: من انقطاع الرجاء وهو من: يئست وهو مثل "إيٍس" في تصريفه. وإن شئت مثل "خشيت" في تصريفه. وأما "أسوت" "تأسوا" "أسواً" فهو الدواء للجراحة. و"أست" "أؤوس" أوساً" في معنى: أعطيت. و"أست" قياسها "قلت" و"أسوت" [قياسها] "غزوت"). [معاني القرآن: 1/221-222]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({فلا تأس}: تحزن). [غريب القرآن وتفسيره: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فلا تأس} أي لا تحزن. يقال: أسيت على كذا: أي حزنت، فأنا آسي أسي). [تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال فإنّها محرّمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين (26)
يعني أن الأرض المقدسة محرّم عليهم دخولها أيهم ممنوعون من ذلك.
قال بعض النحويين: أربعين سنة يجوز أن تكون منصوبة بقوله (محرّمة).
ويجوز أن يكون منصوبا بقوله (يتيهون)، أما نصبه ب (محرّمة) فخطأ؛ لأن التفسير جاء بأنها محرمة عليهم أبدا.
فنصب أربعين سنة بقولهم (يتيهون).
وقيل: عذبهم اللّه بأن مكثوا في التيه أربعين سنة سيارة لا يقرهم قرار إلى أن مات البالغون الذين عصوا اللّه ونشأ الصغار وولد من لم يدخل في جملتهم في المعصية.
وقيل: إن موسى وهارون كانا معهم في التيه.
قال بعضهم: لم يكن موسى وهارون في التيه لأن التيه عذاب، والأنبياء لا يعذبون.
وجائز أن يكون كانا في التيه وأن الله جل اسمه سهّل عليهما ذلك كما سهّل على إبراهيم النار فجعلها عليه بردا وسلاما وشأنها الإحراق.
وقوله: (فلا تأس على القوم الفاسقين).
جائز أن يكون هذا خطابا لموسى، وجائز أن يكون خطابا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أي لا تحزن على قوم لم يزل شأنهم المعاصي ومخالفة الرسل). [معاني القرآن: 2/165-166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال فإنها محرمة عليهم} أي هم ممنوعون من دخولها.
ويروى أنه حرم عليهم دخولها أبدا
فالتمام على هذا عند قوله: {عليهم} ثم قال تعالى: {أربعين سنة يتيهون في الأرض}.
وقد ذهب بعض أهل اللغة إلى أن المعنى {فإنها محرمة عليهم أربعين سنة} ثم ابتدأ فقال {يتيهون في الأرض}). [معاني القرآن: 2/290-291]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فلا تأس على القوم الفاسقين} يجوز أن يكون هذا خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم أي فلا تأس على قوم هذه صفتهم ويجوز أن يكون الخطاب لموسى صلى الله عليه وسلم
يقال: أسي يأسى أسى إذا حزن.
ويقال: أسى الشيء يأسو أسوا إذا أصلحته والمعنى أنه أزال ما يقع الغم من أجله ولك في فلان أسوة وأسوة أي إذا رأيته مثلك نفض عنك الغم). [معاني القرآن: 2/291-292]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (فلا تأس): فلا تحزن). [ياقوتة الصراط: 209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَلاَ تَأْسَ} لا تحزن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَلاَ تَأْسَ}: لا تحزن). [العمدة في غريب القرآن: 121]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 11:44 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 27 إلى 40]

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) )

تفسير قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك...}
ولم يقل: قال الذي لم يتقبل منه (لأقتلنّك) لأن المعنى يدلّ على أن الذي لم يتقبل منه هو القائل لحسده لأخيه: لأقتلنك. ومثله في الكلام أن تقول: إذا اجتمع السفيه والحليم حمد، تنوى بالحمد الحليم، وإذا رأيت الظالم والمظلوم أعنت، وأنت تنوى: أعنت المظلوم، للمعنى الذي لا يشكل. ولو قلت: مرّ بي رجل وامرأة فأعنت، وأنت تريد أحدهما لم يجز حتى يبيّن؛ لأنهما ليس فيهما علامة تستدلّ بها على موضع المعونة، إلا أن تريد: فأعنتهما جميعا).[معاني القرآن: 1/305]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قرباناً فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}
[و] قال: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ} فالهمزة لـ"نبأ" لأنها من "أنباته". وألف "ابني" تذهب لأنها ألف وصل في التصغير. وإذا وقفت [قلت] "نبأ" مقصور ولا تقول "نبا" لأنها مضاف فلا تثبت فيها الألف). [معاني القرآن: 1/222]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({واتل عليهم نبأ ابني آدم} أي خبرهما.
و(القربان): ما تقرّب به إلى اللّه من ذبح وغيره). [تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين (27)
قيل كانا رجلين من بني إسرائيل لأن القربان كان تأكله النار في زمن بني إسرائيل، ومثل ذلك قوله: (إنّ اللّه عهد إلينا ألّا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بقربان تأكله النّار)
وقيل ابنا آدم لصلبه، أحدهما هابيل والآخر قابيل، فقربا قربانا.
(فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر).
وكان الرجل إذا قرب قربانا سجد وتنزل النار فتأكل قربانه، فذلك علامة قبول القربان، فنزلت النار وأكلت قربان هابيل، ولم تأكل قربان قابيل.
فحسده قابيل وتوعده بالقتل فقال:
(لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين).
المعنى قال الذي لم يتقبّل منه لأقتلنك، وحذف ذكر الذي لم يتقبل منه؛ لأن في الكلام دليلا عليه، ومثل ذلك في الكلام إذا رأيت الحاكم والمظلوم كنت معه، المعنى كنت مع المظلوم، ويقال إن السيف كان ممنوعا في ذلك الوقت كما كان حين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وكما كان ممنوعا في زمن عيسى، فقال:
(لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين (28) ). [معاني القرآن: 2/166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق}
قال مجاهد: هما ابنا آدم لصلبه هابيل وقابيل وكان من علامة قربانهم إذا تقبل أن يسجد أحدهم ثم تنزل نار من السماء فتأكل القربان والقربان عند أهل اللغة فعلان مما يتقرب به إلى الله جل وعز
قال الحسن: هما من بني إسرائيل؛ لأن القربان كان فيهم). [معاني القرآن: 2/292-293]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال عز وجل: {قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين} المعنى قال: الذي لم يتقبل منه للذي تقبل منه لأقتلنك ثم حذف هذا لعلم السامع.
ويروى أن القتل كان ممنوعا في ذلك الوقت كما كان ممنوعا حين كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ووقت عيسى عليه السلام فلذلك قال {ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين} ). [معاني القرآن: 2/293]

تفسير قوله تعالى: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بسطت إلىّ يدك) (28) أي مددت.
(أن تبوء بإثمي وإثمك) أي أن تحتمل إثمي وتفوز به، وله موضع آخر: أن تقرّ به؛ تقول: بؤت بذنبي، ويقال: قد أبأت الرجل بالرجل أي قتلته، وقد أبأ فلانٌ بفلان، إذا قتله بقتيلٍ. قال عمرو ابن حنيّ التغلبيّ:
ألا تستحى منا ملوكٌ وتتّقى=محارمنا لا يبأء الدّم بالدّم
ولا يباء الدّم بالدّم سواء في معناها، ويقال: أبأت بهذا المنزل، أي نزلت).[مجاز القرآن: 1/161]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين (28)
أي: ما أنا بمجازيك ولا مقاتلك، ولا قاتلك: (إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين) ). [معاني القرآن: 2/166-167]

تفسير قوله تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({تبوء بإثمي}: تحتمله وتقر به. بؤت بالذنب أقررت به). [غريب القرآن وتفسيره: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} أي تنقلب وتنصرف بإثمي أي بقتلي. وإثمك: ما أضمرت في نفسك من حسدي وعدواتي).[تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النّار وذلك جزاء الظّالمين (29)
أي أن ترجع إلى الله بإثمي وإثمك.
(فتكون من أصحاب النّار).
معنى بإثمي: بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك أي إن قتلتني فأنا مريد ذلك. وذلك جزاء الظّالمين). [معاني القرآن: 2/167]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار}
قال الكسائي: يقال: باء بالشيء يبوء به بوء وبواء إذا انصرف به
قال البصريون: يقال: باء بالشيء إذا أقر به واحتمله ولزمه ومنه تبوأ فلان الدار أي لزمها وأقام بها، يقال: البواء التكافؤ والقتل بواء وأنشد:
فإن تكن القتلى بواء فإنكم فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر
قال أبو العباس محمد بن يزيد في قوله تعالى: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} وهو مؤمن لما كان المؤمن يريد الثواب ولا يبسط يده إليه بالقتل كان بمنزلة من يريد هذا
وسئل أبو الحسن بن كيسان: كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار؟
فقال: إنما وقعت الإرادة بعدما بسط يده بالقتل فالمعنى لئن بسطت إلي يدك لتقتلني لامتنعن من ذلك مريدا الثواب.
فقيل له فكيف؟
قال: بإثمي وإثمك وأي إثم له إذا قتل، فقال: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها أن تبوء بإثم قتلي وإثم ذنبك الذي من أجله لم يتقبل من أجله قربانك ويروى هذا الوجه عن مجاهد.
والوجه الآخر أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك علي لأنه قد يأثم في الاعتداء وإن لم يقتل.
والوجه الثالث أنه لو بسط يده إليه أثم فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك فإنه يرجع على صاحبه وصار هذا مثل قولك: المال بينه وبين زيد أي المال بينهما فالمعنى أن تبوء بإثمنا
قال أبو جعفر: ومن أجل ما روي فيه عن ابن مسعود وابن عباس أن المعنى بإثم قتلي وإثمك فيما تقدم من معاصيك فإن قيل: أفليس القتل معصية وكيف يريده؟ قيل: لم يقل أن تبوء بقتلي فإنما المعنى بإثم قتلي إن قتلتني فإنما أراد الحق).[معاني القرآن: 2/294-296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وذلك جزاء الظالمين} يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عن ابن آدم أنه قال هذا
ويجوز أن يكون منقطعا مما قبله). [معاني القرآن: 2/296-297]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَبُوءَ بِإِثْمِي} أي تنقلب وتنصرف بهما). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَبُوءَ بِإِثْمِي}: تحمل إثمي). [العمدة في غريب القرآن: 121]

تفسير قوله تعالى: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه...}
يريد: فتابعته).[معاني القرآن: 1/305]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فطوّعت له نفسه) (30) أي شجّعته وآتته على قتله، وطاعت له، أي أطاعته).[مجاز القرآن: 1/162]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين}
وقال: {فطوّعت له نفسه} مثل "فطوّعت" ومعناه: "رخّصت" وتقول "طوّقته إمري" أي: عصبته به).[معاني القرآن: 1/222]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فطوّعت له نفسه} أي: شايعته وانقادت له. يقال: طاعت نفسه بكذا، ولساني لا يطوع لكذا. أي لا ينقاد. ومنه يقال: أتيته طائعا وطوعا وكرها.
ولو كان من أطاع لكان مطيعا وطاعة وإطاعة).[تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30)
(فطوّعت له نفسه)
تابعته.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: (فطوّعت له نفسه) فغلت من الطوع. والعرب تقول: طاع لهذه الظبية أصول هذه الشجرة، وطاع له كذا وكذا، أي أتاه طوعا.
وقوله: (فأصبح من الخاسرين).
أي ممن خسر حسناته.
وكان حين قتله سلبه ثيابه وتركه عاريا بالأرض القفار). [معاني القرآن: 2/167]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقول جل وعز: {فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله} قال قتادة أي زينت وقال مجاهد أي شجعته يريد أنها ساعدته على ذلك وقال أبو العباس طوعت فعلت من الطوع والطواعية وهي الإجابة إلى الشيء). [معاني القرآن: 2/297]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فأصبح من الخاسرين} أي ممن خسر حسناته والخسران النقصان.
ثم قال جل وعز: {فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه}
قال مجاهد بعث الله جل وعز غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه وكان ابن آدم هذا أول من قتل ويروى أنه لا يقتل مؤمن إلى يوم القيامة إلا كان عليه كفل من ذنب من قتله). [معاني القرآن: 2/297-298]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (فطوعت) أي: فسامحت). [ياقوتة الصراط: 209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَطَوَّعَتْ لَهُ} أي انقادت وسوغت له ذلك).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]

تفسير قوله تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (سوأة أخيه) (31) أي فرج أخيه).[مجاز القرآن: 1/162]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فبعث اللّه غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النّادمين}
وقال: {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري} فنصب {فأواري} لأنك عطفته بالفاء على {أن} وليس بمهموز لأنه من "واريت" وإنما كانت {عجزت} لأنها من "عجز" "يعجز" وقال بعضهم "عجز" "يعجز"، و"عجز" "يعجز").[معاني القرآن: 1/222-223]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الاختصار قوله: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ}. أراد: فبعث الله غرابا يبحث التراب على غراب ميّت ليواريه، {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ}). [تأويل مشكل القرآن: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (الويل): كلمة جامعة للشر كله.
قال الأصمعي: ويل تقبيح، قال الله تعالى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}. تقول العرب: له الويل، والأليل والأليل: الأنين.
وقد توضع في موضع التّحسّر والتّفجع، كقوله: {يَا وَيْلَنَا}. و{يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ}. وكذلك: ويح وويس، تصغير). [تأويل مشكل القرآن: 561] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النّادمين (31)
قال بعضهم بعث الله غرابا يبحث على غراب آخر ميت (ليريه كيف يواري سوءة أخيه).
وقيل بل أكرمه الله بأن بعث غرابا حثا عليه التراب، (ليريه كيف يواري).
(قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب).
يقال: عجزت عن الأمر أعجز عجزا ومعجزة ومعجزة، فأما " يا ويلتى "
فالوقف عليها في غير القرآن يا ويلتاه، والنداء لغير الآدميين نحو (يا حسرة على البعاد) و (يا ويلتى أألد وأنا عجوز)، وقال (يا ويلتى أعجزت).
فإنما وقع في كلام العرب على تنبيه المخاطبين، وأن الوقت الذي تدعى له هذه الأشياء هو وقتها، فالمعنى يا ويلتى تعالي، فإنه من إبّانك، فإنه قد لزمني الويل، وكذلك يا عجبا، المعنى: يا أيها العجب هذا وقتك فعلى هذا كلام العرب). [معاني القرآن: 2/167-168]

تفسير قوله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {من أجل ذلك...}
جواب لقتل ابن آدم صاحبه.
وقوله: {ومن أحياها} يقول: عفا عنها، والإحياء ها هنا العفو).[معاني القرآن: 1/305]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (من أجل ذلك) (32) أي: من جناية ذلك وجرّ ذلك، وهي مصدر أجلت ذلك عليه.
قال الخنّوت، وهو توبة بن مضرّس، أحد بني مالك بن سعد بن زيد مناة ابن تميم؛ وإنما سماه الخنّوت الأحنف بن قيس، لأن الأحنف كلّمه فلم يكلمه احتقاراً له، فقال إن صاحبكم هذا الخنّوت؛ والخنّوت المتجبّر الذاهب بنفسه، المستصغر للناس فيما أخبرني أبو عبيدة محمد بن حفص بن محبور الأسيديّ
وأهل خباءٍ صالحٍ ذات بينهم=قد احتربوا في عاجلٍ أنا آجله
فأقبلت في الساعين أسأل عنهم=سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله
أي جانيه وجارّ ذلك عليهم، ويقال: أجلت لي كذا وكذا، أي جررت إليّ وكسبته لي.
(من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض) (32) مجازه: أو بغير فساد في الأرض.
(لمسرفون (32) أي: لمفسدون معتدون). [مجاز القرآن: 1/162-164]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالّبيّنات ثمّ إنّ كثيراً مّنهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون}
[و] قال: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل}. وإن شئت أذهبت الهمزة من {أجل} وحركت النون في لغة من خفف الهمزة. و"الأجل": الجناية من "أجل" "يأجل"، تقول: "قد أجلت علينا شراً" ويقول بعض العرب {من جرّا} من: "الجريرة" ويجعله على "فعلى".
وقال: {أنّه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض} يقول: "أو بغير فسادٍ في الأرض"). [معاني القرآن: 1/223]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فكأنّما قتل النّاس جميعاً} أي يعذّب كما يعذّب قاتل الناس جميعا.
{ومن أحياها} أجر في إحيائها كما يؤجر من أحيا النّاس جميعاً وإحياؤه إياها: أن يعفو عن الدم إذا وجب له القود). [تفسير غريب القرآن: 143]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فأصبح من النّادمين (31) من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعا ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبيّنات ثمّ إنّ كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون (32)
الأجود أن يكون (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل).
يقال أجلت الشيء أأجله أجلا إذا جنيته قال خوّات بن جبير:
وأهل خباء صالح كنت بينهم=قد احتربوا في عاجل أنا آجله
أي أنا جانيه.
وتأويل الويل في اللغة قال سيبويه، الويل كلمة تقال عند الهلكة، وقيل الويل واد في جهنم، وهذا غير خارج من مذاهب أهل اللغة.
لأن من وقع في ذلك فقد وقع في هلكة:
وقوله: (أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض).
" فساد " معطوف على " نفس "، المعنى بغير فساد، فكأنما قتل الناس جميعا، أي المؤمنون كلهم خصماء القاتل، وقد وترهم وتر من قصد لقتلهم جميعا.
(ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعا).
أي من استنقذها من غرق أو حرق أو هدم، أو ما يميت لا محالة، أو استنقذها من ضلالة.
(فكأنّما أحيا النّاس جميعا).
أي أجره على اللّه أجر من أحياهم أجمعين. وجائز أن يكون في إسدائه إليهم المعروف بإحيائه أخاهم المؤمن بمنزلة من أحيا كلّ واحد منهم.
فإن قال قائل، كيف يكون ثوابه ثواب من أحياهم جميعا؟ فالجواب في هذا كالجواب في قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فالتأويل أن الثواب الذي إذا جعل للحسنة كان غاية ما يتمنّى يعطى العامل لها عشرة أمثاله). [معاني القرآن: 2/168-169]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} وقرأ الحسن (أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) والمعنى على قراءته أو عمل فسادا
وقال ابن عباس في قوله جل وعز: {فكأنما قتل الناس جميعا}: أوبق نفسه فصار بمنزلة من قتل الناس جميعا أي في استحقاقه العذاب ويستحق المقتول النصر وطلب الثأر من القاتل على المؤمنين جميعا.
قال ابن عباس: إحياؤها ألا يقتل نفسا حرمها الله عز وجل.
وقال قتادة: عظم الله أمره فألحقه من الإثم هذا.
وقيل: هو تمثيل أي الناس جميعا له خصماء ومعنى أو فساد في الأرض وفساده الحرب وإخافة السبيل
وفي حديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: سمعت عثمان بن عفان رحمه الله يقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث زنى بعد إحصان أو كفر بعد إيمان أو قتل نفس بغير حق)))
ومعنى {فكأنما أحيا الناس جميعا} على قول قتادة أنه يعطى من الثواب على قدر ذلك.
وقيل: وجب شكره على الناس جميعا فكأنما من عليهم جميعا يروى هذا عن مكحول، وقول ابن عباس أولاها وأصحها). [معاني القرآن: 2/298-300]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع...}
(أن) في موضع رفع.
فإذا أصاب الرجل الدم والمال وأخاف السبيل صلب، وإذا أصاب القتل ولم يصب المال قتل، وإذا أصاب المال ولم يصب القتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى "من خلاف" ويصلح مكان (من) على، والباء، واللام.
ونفيه أن يقال: من قتله فدمه هدر. فهذا النفي). [معاني القرآن: 1/306]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يحاربون الله ورسوله) (33) والمحاربة ها هنا: الكفر.
(أو تقطع أيديهم وأرجلهم) من خلافٍ) (33) يده اليمنى ورجله اليسرى، يخالف بين قطعهما). [مجاز القرآن: 1/164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله} مفسر في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
المحاربون لله ورسوله: هم الخارجون على الإمام وعلى جماعة المسلمين، يخيفون السّبل، ويسعون في الأرض بالفساد. وهم ثلاثة أصناف:
رجل قتل النفس ولم يأخذ مالا.
ورجل قتل النفس وأخذ المال.
ورجل أخذ المال ولم يقتل النفس.
فإذا قدر الإمام عليهم فإنّ بعضهم يقول: هو مخيّر في هذه العقوبات، بأيّها شاء عاقب كل صنف منهم.
وكان بعضهم يجعل لكل صنف منهم حدّا لا يتجاوزه إلى غيره:
فمن قتل النفس ولم يأخذ المال قتل، لأن النفس بالنفس.
ومن قتل وأخذ المال: صلب إلى أن يموت، فكان الشّهر له بالصّلب جزاء له بأخذه المال، وقتله جزاء له بقتله للنفس.
ومن أصاب المال ولم يقتل، فإن شاء الإمام قطع يده اليمنى جزاء بالسّرق، ورجله اليسرى جزاء بالخروج والمجاهرة بالفساد. وإن شاء نفاه من الأرض.
وقد اختلفوا في نفيه من الأرض، فقال بعضهم: هو أن يقال: من لقيه فليقتله.
وقال آخر: هو أن يطلب في كل أرض يكون بها.
وقال آخر: هو أن ينفى من بلده.
وقال آخر: هو أن يحبس.
قال أبو محمد:
ولا أرى شيئا من هذه التفاسير، أشبه بالنفي في هذا الموضع من الحبس، لأنّه إذا حبس ومنع من التصرّف والتقلّب في البلاد، فقد نفي منها كلّها وألجئ إلى مكان واحد. وقال بعض المسجونين:
خرجنا من الدّنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى
إذا جاءنا السّجّان يوما لحاجة عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدّنيا
ومن جعل النفي له أن يقال: من لقيه فليقتله، أو أن يطلب في كل أرض يكون بها- فإنه يذهب- فيما أحسب- إلى أنّ هذا جزاؤه قبل أن يقدر عليه، لأنّه لا يجوز أن يكون الإمام يظفر به فيدع عقوبته ثم يقول: من لقيه فليقتله. أو يجده فيتركه ثم يطلبه في كل أرض.
وإذا كان هذا هكذا اختلفت العقوبات فصار بعضها لمن قدر عليه، وبعضها لمن لم يقدر عليه. وأشبه الأشياء أن تكون كلّها فيمن ظفر به.
وأما نفيه من بلده إلى غيره، فليس نفي الخارب من بلده إلى غيره عقوبة له، إذ كان في خرابته وخروجه غائبا عن مصره، بل هو إهمال وتسليط وبعث على التّزيّد في العيث والفساد). [تأويل مشكل القرآن: 399-401]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33)
موضع " أن " رفع المعنى: إنما جزاؤهم القتل أو الصلب أو القطع للأيدي والأرجل من خلاف، لأن القائل إذا قال: إنما جزاؤك دينار.
فالمعنى ما جزاؤك إلا دينار.
وقول العلماء إنّ هذه الآية نزلت في الكفار خاصة.
وروي في التفسير أن أبا برزة الأسلمي كان عاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يعرض لما يريد النبي - صلى الله عليه وسلم – بسوء، وألا يمنع من ذلك، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمنع من يريد أبا برزة، فمر قوم يريدون النبي بأبي برزة، فعرض أصحابه لهم فقتلوا وأخذوا المال فأنزل اللّه تعالى على نبيه وأتاه جبريل فأعلمه أنّّ اللّه يأمره أن من أدركه منهم قد قتل وأخذ المال قتله وصلبه، ومن قتل ولم يأخذ المال قتله، ومن أخذ المال ولم يقتل قطع يده لأخذه المال وقطع رجله لإخافة السبيل..
وقال بعضهم: المسلمون مخيرون في أمر المشركين، إن شاؤوا قتلوهم وصلبوهم أو قطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف.
ومعنى: (ينفوا من الأرض) فيه قولان:
قال بعضهم من قتله فدمه هدر أي لا يطالب قاتله بدمه.
وقيل: (أو ينفوا من الأرض) أن يقاتلوا حيث توجهوا منها، لا يتركوا فارين. يقال: نفيت الشيء أنفيه نفيا ونفاية والنّفاية ما يطرح وينفى، القليل.
مثل البراية والنّحّاتة.
وقوله: (ذلك لهم خزي في الدّنيا).
يقال: خزي الرجل يخزى خزيا إذا افتضح وتحيّر فضيحة.
وقد خزى يخزي خزاية، إذا استحا كأنه يتحير أن يفعل قبيحا). [معاني القرآن: 2/169-170]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف}
قال الحسن: السلطان مخير أي هذه الأشياء شاء فعل. وكذلك روى ابن نجيح عن عطاء وهو قول مجاهد وإبراهيم والضحاك وهو حسن في اللغة؛ لأن أو تقع للتخيير كثيرا
وقال أبو مجلز: الآية على الترتيب فمن حارب فقتل وأخذ المال صلب ومن قتل قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ومن لم يقتل ولم يأخذ المال نفي.
وروى هذا القول حجاج بن أرطأة عن عطية عن ابن عباس مثله غير أنه قال في أوله: فمن حارب وقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ثم صلب، وليس في قول أبي مجلز قبل الصلب ذكر شيء، واحتج أصحاب هذا القول بحديث رواه عثمان وعائشة وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث..) وذكر الحديث قالوا: فقد امتنع قتله إلا أن يقتل فوجب أن تكون الآية على المراتب
وقال الزهري في قوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض} كلما علم أنه في موضع قوتل حتى يخرج منه.
وقال أهل الكوفة: النفي ههنا الحبس.
وقال سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز: ينفى من بلدته إلى بلدة أخرى غيرها). [معاني القرآن: 2/300-302]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}
يقال: خزي يخزى خزيا إذا افتضح وتحير وخزي يخزى خزاية إذا استحيا كأنه تحير كراهة أن يفعل القبيح). [معاني القرآن: 2/302]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إلّا الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنّ اللّه غفور رحيم (34)
جائز أن يكون موضع الذين رفعا بالابتداء، وخبره (فاعلموا أنّ اللّه غفور رحيم).
المعنى غفور رحيم لهم، المعنى: لكن التائبون من قبل القدرة عليهم.
فاللّه غفور رحيم لهم.
وجائز أن يكون (إلّا الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) موضع " الذين " نصب، فيكون المعنى جزاؤهم الذي وصفنا إلّا التائبين.
ثم قال بعد: (أنّ اللّه غفور رحيم)
واللّه جلّ وعزّ، جعل التوبة لك، فادرأوا عنهم الحدود التي وجبت عليهم في كفرهم ليكون ذلك أدعى إلى الدخول في الإسلام.
وجعل توبة المؤمنين من الزنا والقتل والسرقة لا ترفع عنهم إقامة الحدود عليهم، وتدفع عنهم العذاب في الآخرة؛ لأن في إقامة الحدود الصلاح للمؤمنين، والحياة، قال الله جل ثناؤه:
(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) ). [معاني القرآن: 2/170-171]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وابتغوا إليه الوسيلة) (35)، أي القربة، أي اطلبوا، واتخذوا ذلك بطاعته، ويقال: توسلت إليه تقرّبت، وقال:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا=وعاد التصافي بيننا والوسائل
الحوائج، وقال عنترة:
إنّ الرّجال لهم إليك وسيلةٌ=أن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي
الحاجة، (قال رؤبة:
النّاس إن فصّلتهم فصائلا=كلٌّ إلينا يبتغى الوسائلا) ). [مجاز القرآن: 1/164-165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({الوسيلة}: القربة). [غريب القرآن وتفسيره: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({الوسيلة} القربة والزّلفة. يقال: توسل إليّ بكذا أي تقرب). [تفسير غريب القرآن: 143]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون (35)
معناه اطلبوا إليه القربة.
(وجاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون).
أي لعلكم تظفرون بعدوكم، والمفلح الفائز بما فيه غاية صلاح حاله). [معاني القرآن: 2/171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة}
قال ابن عباس: يعني القربة وكذلك قال الحسن.
وروى موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوسيلة درجة عند الله جل وعز وليس فوقها درجة))). [معاني القرآن: 2/303]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْوَسِيلَةَ} القُربة والُزلفى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْوَسِيلَةَ}: القربة). [العمدة في غريب القرآن: 121]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم مّا في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم ولهم عذابٌ أليمٌ}
وقال: {لو أنّ لهم مّا في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم} يقول: "لو أنّ هذا معهم للفداء ما تقبّل منهم"). [معاني القرآن: 1/223]

تفسير قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (عذابٌ مقيمٌ) (37) أي دائم، قال:
فإنّ لكم بيوم الشّعب منّي=عذاباً دائماً لكم مقيما).[مجاز القرآن: 1/165]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها}
قال يزيد: الفقير.
قيل لجابر بن عبد الله: أنتم يا أصحاب محمد تقولون أن قوما يخرجون من النار والله يقول {وما هم بخارجين منها} فقال جابر: إنكم تجعلون العام خاصا والخاص عاما إنما هذا في الكفار خاصة فقرأت الآية من أولها إلى آخرها فإذا هي في الكفار خاصة). [معاني القرآن: 2/303-304]

تفسير قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما...}
مرفوعان بما عاد من ذكرهما. والنصب فيهما جائز؛ كما يجوز أزيد ضربته، وأزيدا ضربته. وإنما تختار العرب الرفع في "السارق والسارقة" لأنهما [غير] موقّتين، فوجّها توجيه الجزاء؛ كقولك: من سرق فاقطعوا يده، فـ (من) لا يكون إلا رفعا، ولو أردت سارقا بعينه أو سارقة بعينها كان النصب وجه الكلام. ومثله {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} وفي قراءة عبد الله "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما".
وإنما قال (أيديهما) لأنّ كل شيء موحّد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع. فقيل: قد هشمت رءوسهما، وملأت ظهورهما وبطونهما ضربا. ومثله {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}.
وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين في الإنسان: اليدين والرجلين والعينين. فلما جرى أكثره على هذا ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية. وقد يجوز تثنيتهما؛ قال أبو ذؤيب:
فتخالسا نفسيهما بنوافذ=كنوافذ العبط التي لا ترقع
وقد يجوز هذا فيما ليس من خلق الإنسان. وذلك أن تقول للرجلين: خلّيتما نساءكما، وأنت تريد امرأتين، وخرقتما قمصكما.
وإنما ذكرت ذلك لأن من النحويين من كان لا يجيزه إلاّ في خلق الإنسان، وكلٌّ سواء. وقد يجوز أن تقول في الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يمينهما؛ لأن المعنى: اليمين من كل واحد منهما؛ كما قال الشاعر:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا=فإنّ زمانكم زمن خميص
وقال الآخر:
الواردون وتيم في ذرى سبأٍ=قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس
من قال: (ذرى) جعل سبأ جيلا، ومن قال: (ذرى) أراد موضعا.
ويجوز في الكلام أن تقول: أتني برأس شاتين، ورأس شاة. فإذا قلت: برأس شاة فإنما أردت رأسي هذا الجنس، وإذا قلت برأس شاتين فإنك تريد به الرأس من كل شاة؛ قال الشاعر في غير ذلك:
كأنه وجه تركيّين قد غضبا=مستهدف لطعانٍ غير تذبيب). [معاني القرآن: 1/306-308]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما) (38) هما مرفوعان كأنهما خرجا مخرج قولك: وفي القرآن السّارق والسارقة، وفي الفريضة: السارق والسارقة جزاؤهما أن تقطع أيديهما فاقطعوا أيديهما؛ فعلى هذا رفعا أو نحو هذا، ولم يجعلوهما في موضع الإغراء فينصبوهما، والعرب تقول: الصّيد عندك، رفع وهو في موضع إغراء، فكأنه قال: أمكنك الصيد عندك فالزمه، وكذلك: الهلال عندك، أي طلع الهلال عندك فانظر إليه، ونصبهما عيسى بن عمر. ومجاز (أيديهما) مجاز يديهما، وتفعل هذا العرب فيما كان من الجسد فيجعلون الاثنين في لفظ الجميع.
(نكالاً من الله) (38) أي عقوبة وتنكيلا). [مجاز القرآن: 1/165-166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({نكالًا من اللّه} أي عظة من اللّه بما عوقبا به لمن رآهما.
ومثله قوله: {فجعلناها نكالًا لما بين يديها وما خلفها}). [تفسير غريب القرآن: 143]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من اللّه واللّه عزيز حكيم (38)
اختلف النحويون في تفسير الرفع فيهما.
قال سيبويه وكثير من البصريين إن هذا وقوله: (الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة).
وقوله: (واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما).
هذه الأشياء مرفوعة على معنى:
وفيما فرض اللّه عليكم السارق والسارقة، والزانية والزاني، أو السارق والسارقة فيما فرض اللّه عليكم.
ومعنى قولهم هذا: فيما فرض عليكم حكم السارق والسارقة.
وقال سيبويه: الاختيار في هذا النصب في العربيّة.
كما تقول زيدا أضربه، وقال أبت العامّة القراءة إلاّ بالرّفع، يعني بالعامة الجماعة.
وقرأ عيسى ابن عمر: " والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما ".
وكذلك الزانية والزاني، وهذه القراءة وإن كان القارئ بها مقدّما لا أحب أن يقرأ بها، لأن الجماعة أولى بالاتباع، إذ كانت القراءة سنة.
قال أبو إسحاق: ودليلي أن القراءة الجيدة بالرفع في.. والزانية والزاني.
في، (والسّارق والسّارقة) قوله جل ثناؤه: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما).
وقال غير سيبويه من البصريين. وهو محمد بن يزيد المبرد: اختار أن يكون (والسّارق والسّارقة) رفعا بالابتداء، لأن القصد ليس إلى واحد بعينه.
فليس هو مثل قولك زيدا فأضربه، إنما هو كقولك: من سرق فاقطع يده.
ومن زنى فاجلده، وهذا القول هو المختار، وهو مذهب بعض البصريين والكوفيين.
وقيل " أيديهما " يعني به أيمانهما. وفي قراءة ابن مسعود "والسّارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم."
قال بعض النحويين: إنما جعلت تثنية ما في الإنسان منه واحد؛ لأنّ أكثر أعضائه فيه منه اثنان فحمل ما كان فيه الواحد على مثل ذلك.
قال لأن للإنسان عينين فإذا ثنيت قلت عيونهما فجعلت قلوبكما وظهورهما في القرآن، وكذلك أيديهما، وهذا خطأ، إنما ينبغي أن يفصل بين ما في الشيء منه واحد، وبين ما في الشيء منه اثنان.
وقال قوم: إنّما فعلنا ذلك للفصل بين ما في الشيء منه واحد وبين ما في الشيء منه اثنان فجعل ما في الشيء منه واحد تثنيته جمعا نحو قول الله عزّ وجلّ: (إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما).
قال أبو إسحاق: وحقيقة هذا الباب أن كل ما كان في الشيء منه واحد لم يثنّ، ولفظ به على لفظ الجمع، لأن الإضافة تبينه، فإذا قلت أشبعت بطونهما علم أن للاثنين بطنين فقط، وأصل التثنية الجمع لأنك إذا ثنيت الواحد فقد جمعت واحدا إلى واحد، وكان الأصل أن يقال اثنا رجال، ولكن " رجلان " يدل على جنس الشيء وعدده، فالتثنية يحتاج إليها للاختصار، فإذا لم يكن اختصار ردّ الشيء إلى أصله، وأصله الجمع.
فإذا قلت قلوبهما فالتثنية في " هما " قد أغنتك عن تثنية قلب فصار الاختصار ههنا ترك تثنية قلب، وإن ثني ما كان في الشيء منه واحد فذلك جائز عند النحويين.
قال الشاعر:
=ظهراهما مثل ظهور الترسين.
فجاء بالتثنية والجمع في بيت واحد.
وحكى سيبويه أنه قد يجمع المفرد والذي ليس من شيء إذا أردت به التثنية.
وحكي عن العرب: " وضعا رحالهما " يريد رحلي راحلتهما.
وأجمعت الفقهاء أن السارق يقطع حرّا كان أو عبدا، وأن السارقة تقطع
حرّة كانت أو أمة، وأجمعوا أن القطع من الرسغ، والرسغ المفصل بين الكف والساعد، ويقال رسغ ورصغ والشين أجود (جزاء بما كسبا).
(جزاء) نصب لأنه مفعول به.
المعنى فاقطعوا بجزاء فعلهم.
وكذلك (نكالا من اللّه)، وإن شئت كانا منصوبين على المصدر الذي دل عليه فاقطعوا، لأن معنى فاقطعوا جازوهم ونكّلوا بهم). [معاني القرآن: 2/171-174]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} قال سيبويه المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة). [معاني القرآن: 2/304]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {جزاء بما كسبا نكالا من الله} يقال نكلت به إذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل). [معاني القرآن: 2/304]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({نَكَالاً} عظة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم}
المعنى غفور له وجعل الله توبة الكافرين تدرأ عنهم الحدود؛ لأن ذلك أدعى إلى الإسلام وجعل توبة المسلمين عن السرقة والزنا لا تدرأ عنهم الحدود؛ لأن ذلك أعظم لأجورهم في الآخرة وأمنع لمن هم أن يفعل مثل فعلهم.
وقال مجاهد والشعبي: قرأ عبد الله بن مسعود (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) ). [معاني القرآن: 2/304-305]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) )


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 11:51 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 41 إلى 50]

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن الّذين هادوا سمّاعون للكذب...}
إن شئت رفعت قوله "سمّاعون للكذب" بمن ولم تجعل (من) في المعنى متصلة بما قبلها، كما قال الله: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد} وإن شئت كان المعنى: لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من هؤلاء ولا {ومن الّذين هادوا} فترفع حينئذ (سمّاعون) على الاستئناف، فيكون مثل قوله: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم} ثم قال تبارك وتعالى: {طوّافون عليكم} ولو قيل: سماعين، وطوّافين لكان صوابا؛ كما قال: {ملعونين أينما ثقفوا} وكما قال: {إن المتّقين في جنّاتٍ وعيونٍ} ثم قال: {آخذين – وفاكهين - ومتكئين} والنصب أكثر. وقد قال أيضا في الرفع: {كلاّ إنها لظى نزّاعة للشوى} فرفع (نزّاعة) على الاستئناف، وهي نكرة من صفة معرفة. وكذلك قوله: {لا تبقي ولا تذر لوّاحة} وفي قراءة أبيّ "إنها لإحدا الكبر نذير للبشر" بغير ألف. فما أتاك من مثل هذا في الكلام نصبته ورفعته. ونصبه على القطع وعلى الحال. وإذا حسن فيه المدح أو الذمّ فهو وجه ثالث. ويصلح إذا نصبته على الشتم أو المدح أن تنصب معرفته كما نصبت نكرته. وكذلك قوله: {سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت} على ما ذكرت لك). [معاني القرآن: 1/308-309]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لا يحزنك) (41) يقال: حزنته وأحزنته، لغتان، وهو محزون، وحزنت أنا لغة واحدة.
(ومن الّذين هادوا سمّاعون للكذب) (41) وهو ها هنا من الذين تهوّدوا، فصاروا يهوداً. (ومن يرد الله فتنته) (41): أي كفره). [مجاز القرآن: 1/166]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الرّسول لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الّذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقومٍ آخرين لم يأتوك يحرّفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لّم تؤتوه فاحذروا ومن يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئاً أولئك الّذين لم يرد اللّه أن يطهّر قلوبهم لهم في الدّنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ}
وقال: {لا يحزنك} خفيفة مفتوحة الياء وأهل المدينة يقولون {يحزنك} يجعلونها من"أحزن" والعرب تقول: "أحزنته" و"حزنته".
وقال: {الّذين يسارعون في الكفر من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم} أي: "من هؤلاء ومن هؤلاء" ثم قال مستأنفاً {سمّاعون لقومٍ آخرين} أي: هم سماعون. وإن شئت جعلته على {ومن الّذين هادوا} {سمّاعون لقومٍ آخرين} ثم تقطعه من الكلام الأول. ثم قال: {سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت} على ذلك الرفع للأول وأما قوله: {لم يأتوك} فههنا انقطع الكلام والمعنى "ومن الّذين هادوا سمّاعون للكذب يسمعون كلام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليكذبوا عليه سمّاعون لقومٍ آخرين لم يأتوك بعد" يقول: "يسمعون لهم فيخبرونهم وهم لم يأتوك"). [معاني القرآن: 1/224]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} أي: قبلتم عهدي.
وقال تعالى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} أي فاقبلوه). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعز: (يا أيّها الرّسول لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الّذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرّفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئا أولئك الّذين لم يرد اللّه أن يطهّر قلوبهم لهم في الدّنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم (41)
(يا أيّها الرّسول لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر)
إن شئت قلت يحزنك ويحزنك بالفتح والضم.
أي لا يحزنك مسارعتهم في الكفر إذ كنت موعودا بالنصر عليهم.
والله أعلم.
وقوله: (من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم).
أي لا تحزنك المسارعة في الكفر من المنافقين ومن الذين هادوا.
ثم قال: (سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك).
هذا تمام الكلام، ورفع (سمّاعون) من جهتين:
إحداهما هم (سمّاعون) للكذب أي منافقون، واليهود سماعون للكذب.
و(سمّاعون)، فيه وجهان - واللّه أعلم -:
أحدهما أنّهم مستمعون للكذب، أي قابلون للكذب، لأن الإنسان يسمع الحق والباطل، ولكن يقال: لا تسمع من فلان قوله أي لا تقبل قوله، ومنه " سمع اللّه لمن حمده "، أي تقبّل الله حمده، فتأويله أنهم يقبلون الكذب.
والوجه الآخر في (سمّاعون) أن معناه أنهم يسمعون منك ليكذبوا عليك.
وذلك أنهم إذا جالسوه تهيأ أن يقولوا سمعنا منه كذا، وكذا.
(سمّاعون لقوم آخرين).
أي هم مستمعون منك لقوم آخرين " لم يأتوك " أي هم عيون لأولئك الغيّب ويجوز أن يكون رفع " سماعون " على معنى ومن الذين هادوا سماعون فيكون الإخبار أن السّماعين منهم، ويرتفع منهم كما تقول: في قومك عقلاء.
هذا مذهب الأخفش، وزعم سيبويه أن هذا يرتفع بالابتداء.
وقوله: (يحرّفون الكلم من بعد مواضعه)
أي من بعد أن وضعه اللّه موضعه أي فرض فروضه، وأحلّ حلاله وحرم حرامه.
وقوله: (إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا).
(إن أوتيتم) هذا الحكم المحرّف فخذوه.
(وإن لم تؤتوه فاحذروا) أي احذروا إن أفتاكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير ما حدّدنا لكم، فاحذروا أن تعملوا به.
وكان السبب في هذا فيما روي أن الزنا كثر في أشراف اليهود وخيبر.
وكان في التوراة أن على المحصنين الرجم فزنى رجل وامرأة، فطمعت اليهود أن يكون نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الجلد في المحصنين، وكانوا قد حرّفوا وصاروا يجلدون المحصنين ويسودون وجوههما، فأوحى الله جل ثناؤه أنّهم يستفتونه في أمر هاتين المرأتين، وأعلمه أن اللّه يأمرهم عن أعلمهم بالتوراة، فأعلموه إنّه ليس بحاضر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علمت، وكان جبريل قد أعلمه مكانه فأمرهم أن يحضروه، فأحضروه، وأوحى اللّه إلى نبيه أن يستحلفهم ليصدقنّه، فلما حضر عالمهم قال له النبي: أسالك بالذي أنزل التوراة على موسى، ورفع فوقكم الطور، وفلق لكم البحر، هل في التوراة أن يرجم المحصنان إذا زنيا؟ قال: نعم. فوثب عليه سفلة اليهود، فقال خفت إن كذبته أن ينزل بنا عذاب.
ويقال إن الذي سأله النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن صوريا اليهودي، وكان حديث السّن، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنت أعلم قومك بالتوراة؟ قال: كذا يقولون.
وكان هو المخبر له بأن الرجم فيها، وأنّه ساءل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء كان يعرفها من أعلامه فلما أنبأه النبي - صلى الله عليه وسلم - بها قال أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول الله الأمي العربي الذي بشّر به المرسلون.
وهذا الذي ذكرناه من أمر الزانيين مشهور في رواية المفسرين وهو يبين قوله: (إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا).
والقائل: يقول ما تفسير هذا، فلذلك شرحناه، وبالله الحول والقوة.
وقوله: (ومن يرد اللّه فتنته).
قيل: فضيحته.
وقيل: أيضا كفره، ويجوز أن يكون اختباره بما يظهر به أمره، يقال: فتنت الحديد إذا أحميته، وفتنت الرجل إذا أزلته عما كان عليه، ومنه قوله: (وإن كادوا ليفتنونك عن الّذي أوحينا إليك) أي وإن كادوا ليزيلونك.
وقوله: (أولئك الّذين لم يرد اللّه أن يطهّر قلوبهم).
أي أن يهينهم.
(لهم في الدّنيا خزي).
قيل: لهم في الدنيا فضيحة بما أظهر الله من كذبهم.
وقيل: لهم في الدنيا خزي بأخذ الجزية منهم، وضرب الذلة والمسكنة عليهم). [معاني القرآن: 2/174-177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} أي لا يحزنك مسارعتهم إلى الكفر لأن الله جل وعز قد وعدك النصر). [معاني القرآن: 2/305]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} قال مجاهد يعني المنافقين). [معاني القرآن: 2/306]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ومن الذين هادوا سماعون للكذب} قال مجاهد يعني اليهود فأما معنى سماعون للكذب والإنسان يسمع الخير والشر ففيه قولان:
أحدهما أن المعنى قابلون للكذب، وهذا معروف في اللغة أن يقال: لا تسمع من فلان أي لا تقبل منه، ومنه سمع الله لمن حمده معناه: قبل؛ لأن الله جل وعز سامع لكل شيء
والقول الآخر أنهم سماعون من أجل الكذب كما تقول أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك). [معاني القرآن: 2/306-307]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} أي هم عيون لقوم آخرين لم يأتوك). [معاني القرآن: 2/307]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يحرفون الكلم من بعد مواضعه} أي من بعد أن وضعه الله مواضعه فأحل حلاله وحرم حرامه). [معاني القرآن: 2/307]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} أي تقول اليهود إن أوتيتم هذا الحكم المحرف فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا أن تعملوا به ومعنى هذا أن رجلا منهم زنى وهو محصن وقد كتب الرجم على من زنى وهو محصن في التوراة فقال بعضهم ائتوا محمدا لعله يفتيكم بخلاف الرجم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالرجم بعد أن أحضرت التوراة ووجد فيها فرض الرجم وكانوا قد أنكروا ذلك). [معاني القرآن: 2/307-308]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا} قيل معنى الفتنة ههنا الاختبار وقيل معناها العذاب). [معاني القرآن: 2/308]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي} أي فضيحة وذل حين أحضرت التوراة فتبين كذبهم وقيل خزيهم في الدنيا أخذ الجزية والذل). [معاني القرآن: 2/308]

تفسير قوله تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (للسّحت) (42) السحت: كسب مالا يحلّ.
(فاحكم بينهم بالقسط) (42) أي بالعدل.
(إنّ الله يحبّ المقسطين) (42) أي العادلين.
يقال: أقسط يقسط، إذا عدل، وقوله عز وجل: (وأمّا القاسطون) (72/15) الجائرون الكفّار، كقولهم هجد: نام، وتهجّد: سهر). [مجاز القرآن: 1/166-167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({السحت}: كسب ما لا يحل). [غريب القرآن وتفسيره: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أكّالون للسّحت} أي للرّشي: وهو من أسحته اللّه وسحته: إذا أبطله وأهلكه.
{فاحكم بينهم بالقسط} أي بالعدل). [تفسير غريب القرآن: 143]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (ثم عاد عزّ وجل في وصفهم فقال: سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرّوك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إنّ اللّه يحبّ المقسطين (42)
(سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت)
ويقرأ (للسّحت) جميعا، تأويله أن الرشا التي يأكلونها يعاقبهم الله بها أن يسحتهم بعذاب، كما قال جل وعز: (لا تفتروا على اللّه كذبا فيسحتكم بعذاب).
ومثل هذا قوله: (إنما يأكلون في بطونهم نارا). أي يأكلون ما عاقبته النار، يقال سحته وأسحته إذا استأصله، وقال بعضهم سحته: أذهبه قليلا قليلا إلى أن استأصله ومثل أسحته قول الفرزدق.
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع... من المال إلاّ مسحتا أو مجلّف
ويجوز أن يكون سحته وأسحته إذا استأصله، كان ذلك شيئا بعد شيء.
أو كان دفعة واحدة.
وقوله (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم).
أجمعت العلماء على أن هذه الآية تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخيّر بها في الحكم بين أهل الذمّة.
وقيل في بعض الأقاويل: إن التخيير نسخ بقوله: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله).
وقوله: (فاحكم بينهم بالقسط). أي العدل). [معاني القرآن: 2/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {سماعون للكذب أكالون للسحت} روى زر عن عبد الله بن مسعود أنه قال السحت الرشوة وقال مسروق سألت عبد الله عن الجور في الحكم قال ذلك الكفر قلت فما السحت قال أن يقضي الرجل لأخيه حاجة فيهدي إليه هدية فيقبلها والسحت في كلام العرب على ضروب يجمعها أنه ما يسحت دين الإنسان يقال سحته وأسحته إذا استأصله ومنه:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف). [معاني القرآن: 2/309]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} في هذا قولان: أحدهما روي عن ابن عباس أنه قال هي منسوخة نسخها {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} وكذا قال مجاهد وعكرمة قال الشعبي إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم وكذلك قال إبراهيم وقال الحسن ليس في المائدة شيء منسوخ والاختيار عند أهل النظر القول الأول لأنه قول ابن عباس ولا يخلو قوله عز وجل: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} من أن يكون ناسخا لهذه الآية أو يكون معناه وأن احكم بينهم بما أنزل الله إن حكمت فقد صار مصيبا أن حكم بينهم بإجماع وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقويه
روي عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب أن يهوديا مر به على النبي صلى الله عليه وسلم وقد حمم وجهه فسأل عن شأنه فقيل زنى وهو محصن وذكر الحديث وقال في آخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنا أول من أحيا ما أماتوا من أمر الله فأمر به فرجم ويبين لك أن القول هذا قوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط}). [معاني القرآن: 2/310-311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فاحكم بينهم بالقسط} أي بالعدل). [معاني القرآن: 2/311]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (و(للسحت): الحرام). [ياقوتة الصراط: 209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((والسحت) الرُشا في الأحكام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((السُّحْتِ): الحرام). [العمدة في غريب القرآن: 121]

تفسير قوله تعالى: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) )
تفسير قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بما استحفظوا من كتاب الله) (44) أي بما استودعوا، يقال استحفظته شيئاً: أي استودعته). [مجاز القرآن: 1/167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({الرّبّانيّون}: العلماء، وكذلك (الأحبار) واحدهم حبر وحبر.
{بما استحفظوا} أي استودعوا). [تفسير غريب القرآن: 144-144]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّا أنزلنا التّوراة فيها هدى ونور يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا والرّبّانيّون والأحبار بما استحفظوا من كتاب اللّه وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا النّاس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون (44)
أي فيها نور أي بيان أن أمر رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - حق، وفيها بيان الحكم الذي جاءوا يستفتون فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز أن يكون المعنى على التقديم والتأخير، على معنى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا، يحكم بها النبيون الذين أسلموا والربانيون، ويجوز أن يكون " يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا.
أي يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما سألوه بما في التوراة.
ويجوز أن يكون للذين هادوا للذين تابوا، أي النبيون والربانيون هم العلماء والأحبار وهم العلماء الخيار يحكمون للتائبين من الكفر.
(بما استحفظوا من كتاب اللّه).
أي استوعوا.
وقوله: (ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون)
أي من زعم أن حكما من أحكام اللّه التي أتت بها الأنبياء عليهم السلام باطل فهو كافر، أجمعت الفقهاء أن من قال إن المحصنين لا يجب أن يرجما إذا زنيا وكانا حرّين - كافر، وإنما كفر من رد حكما من أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه مكذب له، ومن كذب النبي فهو كافر). [معاني القرآن: 2/178]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} أي فيها بيان أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما جاءوا يستفتون فيه). [معاني القرآن: 2/312]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا} يجوز أن يكون المعنى فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون ويجوز أن يكون المعنى يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا وعليهم ثم حذف وقد قيل إن لهم بمعنى عليهم وتأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أمر بريرة حين قال: اشترطي لهم الولاء أن معناه عليهم لأنه صلى الله عليه وسلم لا يأمرها بشيء لا يجب وقال الله جل ذكره: {وإن أسأتم فلها} والذين أسلموا ههنا نعت فيه معنى المدح مثل بسم الله الرحمن الرحيم). [معاني القرآن: 2/312-313]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {والربانيون والأحبار} قال أبو رزين الربانيون العلماء الحكماء والرباني عند أهل اللغة معناه رب العلم أي صاحب العلم وجيء بالألف والنون للمبالغة ويقوي هذا أنه يروى أن ابن الحنفية رحمة الله عليه قال لما مات ابن عباس مات رباني العلم
وقال مجاهد الربانيون فوق الأحبار والأحبار العلماء لأنهم يحبرون لشيء وهو في صدورهم محبر وقال ابن عباس سمي الحبر الذي يكتب به حبرا لأنه يحبر به أي يحقق به وقال الثوري سألت الفراء لم سمي الحبر حبرا فقال يقال للعالم حبر وحبر والمعنى مداد حبر ثم حذف كما قال تعالى: {واسأل القرية} فسألت الأصمعي فقال ليس هذا بشيء إنما سمي حبرا لتأثيره يقال على أسنانه حبرة أي صفرة أو سواد). [معاني القرآن: 2/313-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {بما استحفظوا من كتاب الله} أي استودعوا). [معاني القرآن: 2/314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
قال ابن عباس: هو به كافر لا كفرا بالله وملائكته وكتبه.
وقال الشعبي: الأولى في المسلمين، والثانية في اليهود، والثالثة في النصارى.
وقال غيره: من رد حكما من أحكام الله فقد كفر.
قلت: وقد أجمعت الفقهاء على أنه من قال: لا يجب الرجم على من زنى وهو محصن أنه كافر؛ لأنه رد حكما من أحكام الله جل وعز.
ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات: أهي في بني إسرائيل؟ فقال: نعم هي فيهم ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل
وقال الحسن: أخذ الله جل وعز على الحكام ثلاثة أشياء أن لا يتبعوا الهوى وأن لا يخشوا الناس ويخشوه وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا.
وأحسن ما قيل في هذا، ما رواه الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء قال: هي في الكفار كلها يعني {فأولئك هم الكافرون} {فأولئك هم الظالمون} {فأولئك هم الفاسقون}، والتقدير على هذا القول والذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). [معاني القرآن: 2/315-316]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بمَا اسْتُحْفِظُواْ} أي استُدعوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الرَّبَّانِيُّونَ}: العلماء). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) )
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):(وقوله: {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس...}
تنصب (النفس) بوقوع (أنّ) عليها. وأنت في قوله: {والعين بالعين والأنف بالأنف} إلى قوله: {والجروح قصاصٌ} بالخيار. إن شئت رفعت، وإن شئت نصبت. وقد نصب حمزة ورفع الكسائيّ.
قال الفراء: وحدثني إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى عن أبان بن أبي عياش عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: (والعين بالعين) رفعا.
قال الفرّاء: فإذا رفعت العين أتبع الكلام العين، وإن نصبنه فجائز. وقد كان بعضهم ينصب كله، فإذا انتهى إلى {والجروح قصاصٌ} رفع. وكل صواب، إلا أن الرفع والنصب في عطوف إنّ وأنّ إنما يسهلان إذا كان مع الأسماء أفاعيل؛ مثل قوله: {وإذا قيل إن وعد اللّه حق والساعة لا ريب فيها} كان النصب سهلا؛ لأنّ بعد الساعة خبرها. ومثله {إن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} ومثله {وإن الظالمين بعضهم أولياء بعضٍ والله ولي المتقين} فإذا لم يكن بعد الاسم الثاني خبر رفعته، كقوله عزّ وجلّ: {أنّ الله برئ من المشركين ورسوله} وكقوله: {فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} وكذلك تقول: إنّ أخاك قائم وزيد، رفعت (زيد) بإتباعه الاسم المضمر في قائم. فابن على هذا). [معاني القرآن للفراء: 1/309-310]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن تصدّق به فهو كفّارةٌ لّه...}
كنى (عن [الفعل] بهو) وهي في الفعل الذي يجرى منه فعل ويفعل، كما تقول: قد قدمت القافلة ففرحت به، تريد: بقدومها.
وقوله: {كفّارةٌ لّه} يعني: للجارح والجاني، وأجر للمجروح). [معاني القرآن: 1/312]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وآتيناه الإنجيل فيه هدًى...}
ثم قال {ومصدّقاً} فإن شئت جعل {مصدّقاً} من صفة عيسى، وإن شئت من صفة الإنجيل.
وقوله: {وهدًى وموعظةً لّلمتّقين} متبع للمصدّق في نصبه، ولو رفعته على أن تتبعهما قوله: {فيه هدًى ونورٌ} كان صوابا). [معاني القرآن: 1/312]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فمن تصدّق به فهو كفّارةٌ له) (45) أي عفا عنه.
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظّالمون) (45): أي الكافرون، ومن ها هنا في معنى الجميع، فلذلك كان فأولئك هم الظالمون؛ وللظلم موضعٌ غير هذا؛ ظلم النّاس بعضهم بعضاً، وظلم اللّبن: أن يمخص قبل أن يروب، وظلم السائل مالا يطيق المسئول عفواً. كقول زهير:
=ويظلم أحياناً فينظلم
والأرض مظلومة: لم ينبط بهان ولا أوقد بها نار). [مجاز القرآن: 1/167]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسّنّ بالسّنّ والجروح قصاصٌ فمن تصدّق به فهو كفّارةٌ لّه ومن لّم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الظّالمون}
وقال: {والجروح قصاصٌ} إذا عطف على ما بعد "أنّ" نصب والرفع على الابتداء كما تقول: "إنّ زيداً منطلقٌ وعمرٌ ذاهبٌ" وإن شئت قلت: "وعمراً ذاهبٌ" نصب ورفع). [معاني القرآن: 1/225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فمن تصدّق به فهو كفّارةٌ له} أي للجارح وأجر للمجروح). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسّنّ بالسّنّ والجروح قصاص فمن تصدّق به فهو كفّارة له ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الظّالمون (45)
أي في التوراة.
(أنّ النّفس بالنّفس والعين بالعين).
وروي أن النبي قرأ والعين بالعين والقراءة والعين بالعين
(والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسّنّ بالسّنّ والجروح قصاص).
بالرفع والنصب جميعا لا اختلاف بين أهل العربية في ذلك، فمن قرأ العين بالعين أراد أن العين بالعين، ومن قرأ، والعين بالعين فرفعه على وجهين، على العطف على موضع النفس بالنفس والعامل فيها.
المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس، أي قلنا لهم النفس بالنفس، ويجوز كسر إن، ولا أعلم أحدا قرأ بها فلا تقرأنّ بها إلا أن تثبت رواية صحيحة.
ويجوز أن تكون العين بالعين، ورفعه على الاستئناف.
وفيها وجه آخر، يجوز أن يكون عطفا على المضمر في النفس، لأن المضمر في النفس في موضع رفع.
المعنى أن النفس مأخوذة هي بالنفس، والعين معطوفة على هي.
وقوله: (فمن تصدّق به فهو كفّارة له)
قال بعضهم من تصدق به أي بحقه فهو كفارة للجارح إذا ترك المجروح حقه، رفع القصاص عن الجارح.
وقال بعضهم هو كفارة للمجروح أي يكفر الله عنه بعفوه ما سلف من ذنوبه). [معاني القرآن: 2/178-179]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فمن تصدق به فهو كفارة له} قال ابن عباس فهو كفارة للجارح وكذلك قال عكرمة والمعنى فمن تصدق بحقه وقال عبد الله بن عمرو فهو كفارة للمجروح أي يكفر عنه من ذنوبه مثل ذلك وكذلك قال ابن مسعود وجابر بن زيد رحمهما الله). [معاني القرآن: 2/317]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} أي للجارح، والهاء عائدة على الجارح، وقيل: الهاء تعود على المجروح، وقيل: تعود على ولي المقتول). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]

تفسير قوله تعالى: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وآتيناه الإنجيل فيه هدًى...}
ثم قال {ومصدّقاً} فإن شئت جعل {مصدّقاً} من صفة عيسى، وإن شئت من صفة الإنجيل.
وقوله: {وهدًى وموعظةً لّلمتّقين} متبع للمصدّق في نصبه، ولو رفعته على أن تتبعهما قوله: {فيه هدًى ونورٌ} كان صوابا). [معاني القرآن: 1/312]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقفّينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدّقاً لّما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدًى ونورٌ ومصدّقاً لّما بين يديه من التّوراة وهدًى وموعظةً لّلمتّقين}
[و] قال: {وآتيناه الإنجيل فيه هدًى ونورٌ} لأنّ بعضهم يقول: "هي الإنجيل" وبعضهم يقول: "هو الإنجيل". وقد يكون على أنّ "الإنجيل" كتاب فهو مذكر في المعنى فذكروه على ذلك. كما قال: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى} ثم قال: {فارزقوهم مّنه} فذكّر و"القسمة" مؤّنّثة لأنّها في المعنى "الميراث" و"المال" فذكر على ذلك). [معاني القرآن: 1/225]

تفسير قوله تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وليحكم أهل الإنجيل...}
قرأها حمزة وغيره نصبا، وجعلت اللام في جهة كي. وقرئت {وليحكم} جزما على أنها لام أمر). [معاني القرآن: 1/312]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وقفّينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدّقاً لما بين يديه من التّوراة) (47) أي لما كان قبله، (وقفّينا) أي أتبعنا، وقفيت أنا على أثره). [مجاز القرآن: 1/168]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومهيمناً عليه) (48) أي مصدّقاً مؤتمناً على القرآن وشاهداً عليه.
(لكلٍ ّجعلنا منكم شرعةً) (48) أي سنة (ومنهاجاً) (48) سبيلا واضحاً بينّاً، وقال:
من يك ذا شكٍّ فهذا فلج=ماءٌ رواء وطريقٌ نهج). [مجاز القرآن: 1/168]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لّما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن لّيبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون}
وقال: {ومهيمناً عليه} يقول: "وشاهداً عليه" نصب على الحال.
وقال: {شرعةً ومنهاجاً} فـ"الشّرعة": الدين، من "شرع" "يشرع"، و"المنهاج": الطريق من "نهج" "ينهج"). [معاني القرآن: 1/225-226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({مهيمنا}: مؤتمنا على ما قبله من الكتب.
48- {شرعة}: شريعة.
48- {منهاجا}: سبيلا). [غريب القرآن وتفسيره: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فمن تصدّق به فهو كفّارةٌ له} أي للجارح وأجر للمجروح.
48 - {ومهيمناً عليه} أي أمينا عليه.
{شرعةً} وشريعة هما واحد.
و(المنهاج): الطريق الواضح. يقال: نهجت لي الطريق: أي أوضحته.
{ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً} أي لجمعكم على دين واحد.
والأمة تتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء اللّه لجعلكم أمّة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون (48)
(ومهيمنا عليه)
رواها بعضهم ومهيمنا - بفتح الميم الثانية - وهي عربية ولا أحب القراءة بها، لأن الإجماع في القراءة على كسر الميم في قوله: (المؤمن المهيمن).
واختلف الناس في تفسير قوله: (المؤمن المهيمن)، واختلف الناس في تفسير قوله: (ومهيمنا عليه)
فقال بعضهم: معناه وشاهدا عليه.
وقال بعضهم: رقيبا عليه، وقال
بعضهم: معناه: مؤتمنا عليه.
وقال بعضهم: المهيمن اسم من أسماء الله في الكتب القديمة.
وقال بعضهم: مهيمن في معنى مؤتمن إلا أن الهاء بدل من الهمزة، والأصل مؤتمنا عليه كما قالوا: هرقت الماء، وأرقت الماء، وكما قالوا: إياك وهياك، وهذا قول أبي العباس محمد بن يزيد، وهو على مذهب العربية حسن وموافق لبعض ما جاء في التفسير، لأن معناه مؤتمن.
وقوله: (وليحكم أهل الإنجيل).
قرئت بإسكان اللام وجزم الميم على مذهب الأمر، وقرئت وليحكم بكسر اللام وفتح الميم على معنى ولأن يحكم ويجوز كسر اللام مع الجزم وليحكم أهل الإنجيل، ولكنه لم يقرأ به فيما علمت، والأصل كان كسر اللام، ولكن الكسرة حذفت استثقالا. والإنجيل القراءة فيه بكسر الهمزة.
ورويت عن الحسن: الأنجيل بفتح الهمزة، وهذه قولة ضعيفة، لأن أنجيل أفعيل، وليس في كلام العرب هذا المثال، وإنجيل إفعيل من النجل وهو الأصل، وللقائل أن يقول إن إنجيل اسم أعجمي فلا ينكر أن يقع بفتح الهمزة؛ لأن كثيرا من الأسماء الأعجمية تخالف أمثلة العرب نحو آجرّ وإبراهيم وهابيل وقابيل، فلا ينكر أن يجيء إنجيل وإنما كرهت القراءة بها لأن إسنادها عن الحسن لا أدري هل هو من ناحية يوثق بها أم لا). [معاني القرآن: 2/180]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومهيمنا عليه} قال ابن عباس أي مؤتمنا عليه وقال سعيد بن جبير القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب وقال قتادة: أي شاهد
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: الأصل مؤيمن عليه أي أمين فأبدل من الهمزة هاء كما يقال هرمت الماء وأرمت الماء وقال أبو عبيد يقال هيمن على الشيء يهيمن إذا كان له حافظا وهذه الأقوال كلها متقاربة المعاني لأنه إذا كان حافظا للشيء فهو مؤتمن عليه وشاهد وقرأ مجاهد وابن محيص (ومهيمنا عليه) بفتح الميم وقال مجاهد أي محمد صلى الله عليه وسلم مؤتمن على القرآن). [معاني القرآن: 2/317-318]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}
قال ابن عباس: سبيلا وسنة
وقال قتادة: الدين كله واحد والشرائع مختلفة وشرعة وشريعة عند أهل اللغة بمعنى واحد وهو ما بان ووضح ومنه طريق للشارع أي ظاهر بين ومنه هما في الأمر شرع أي ظهورهما فيه واحد والمنهاج في اللغة الطريق البين.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: الشريعة ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستمر). [معاني القرآن: 2/318-319]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} قال ابن عباس: على دين واحد). [معاني القرآن: 2/320]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولكن ليبلوكم فيما آتاكم} أي ليختبركم). [معاني القرآن: 2/320]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (ومهيمنا عليه) أي: شاهدا).[ياقوتة الصراط: 210]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (شرعة) أي: ملة. و(مِنْهَاجاً) أي: طريقة دين). [ياقوتة الصراط: 210]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَمُهَيْمِنًا} أي أميناً
{شِرْعَةً} مثل شريعة، {وَمِنْهَاجًا} طريقا واضحاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُهَيْمِنًا}: مؤتمناً على ما قبله
48- {شِرْعَةً}: شريعة
48- {مِنْهَاجًا}: طريقاً). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأن احكم بينهم...}
دليل على أنّ قوله (وليحكم) جزم. لأنه كلام معطوف بعضه على بعض). [معاني القرآن: 1/313]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (واحذرهم) أن يفتنوك) (49) أن يضلّوك ويستزلّوك.
(عن بعض ما أنزل الله إليك) (49)، وأفتنت لغة، وقال الأعشى أعشى همدان:
لئن فتنتنى لهى بالأمس أفتنت... سعيداً فأمسى قد قلا كلّ مسلمٍ
فيه لغتان). [مجاز القرآن: 1/168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: الصدّ والاستزلال. قال الله عز وجل: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، أي: يصدّوك ويستزلوك. وقال الله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}، وقال: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} أي: صادين). [تأويل مشكل القرآن: 473]

تفسير قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون (50)
أي تطلب اليهود في حكم الزانيين حكما لم يأمر الله به وهو أهل الكتاب كما تفعل الجاهلية.
وقوله: (ومن أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون).
أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون (50)
أي من أيقن تبيّن عدل اللّه وحكمه.
و(حكما) منصوب على التفسير). [معاني القرآن: 2/180-181]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أفحكم الجاهلية يبغون} روي عن الحسن وقتادة والأعرج والأعمش أنهم قرءوا {أفحكم الجاهلية يبغون} الحكم والحاكم في اللغة واحد وكأنهم يريدون الكاهن وما أشبهه من حكام الجاهلية وهذا في قراءة من قرأ (أفحكم) ومعنى يبغون يطلبون.
وقال مجاهد: يراد بهذا اليهود يعني في أمر الزانيين حين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوهمون أنه يحكم عليهما بخلاف الرجم). [معاني القرآن: 2/320]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} أي من أيقن تبين أن حكم الله جل وعز هو الحق). [معاني القرآن: 2/321]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (يبغون) أي: يطلبون). [ياقوتة الصراط: 210]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 51 إلى 66]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) }

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم مّنكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
وقال: {لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء} ثم قال: {بعضهم أولياء بعضٍ} على الابتداء). [معاني القرآن: 1/226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين (51)
(ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم).
أي من عاضدهم على المسلمين فإنه من عاضده). [معاني القرآن: 2/181]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} هذا في المنافقين لأنهم كانوا يمالئون المشركين ويخبرونهم بأسرار المؤمنين). [معاني القرآن: 2/321]

تفسير قوله تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (نخشى أن تصيبنا دائرةٌ) (52) أي دولة، والدوائر قد تدور، وهي الدولة، والدوائل تدول، ويديل الله منه، قال حميد الأرقط:
يردّ عنك القدر المقدورا=ودائرات الدّهر أن تدورا
(بالفتح) (52) أي بالنّصر). [مجاز القرآن: 1/169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({دائرة}: دولة). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يسارعون فيهم}: أي في رضاهم: {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ} أي يدور علينا الدّهر بمكروه - يعنون الجذب - فلا يبايعوننا.
ونمتاز فيهم فلا يميروننا. فقال اللّه: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح} أي بالفرج. ويقال: فتح مكة {أو أمرٍ من عنده} يعني الخصب). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي في مرضاتهم). [تأويل مشكل القرآن: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الفتح: أن يفتح المغلق...، والفتح: النّصر، كقوله: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ}، وقوله: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}، لأن النصر يفتح الله به أمرا مغلقا). [تأويل مشكل القرآن: 492] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فترى الّذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين (52)
والمرض ههنا النفاق في الدّين، ومعنى يسارعون فيهم، أي في معاونتهم على المسلمين.
(يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة).
أي نخشى ألّا يتم الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى دائرة أي يدور الأمر عن حاله التي يكون عليها.
وقوله: (فعسى اللّه أن يأتي بالفتح).
أي فعسى اللّه أن يظهر المسلمين.
و " عسى " من الله جلّ وعزّ واجبة.
وقوله عزّ وجلّ: (أو أمر من عنده)، أي أو أن يؤمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإظهار أمر المنافقين بقتلهم.
(فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين) ). [معاني القرآن: 2/181]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فترى الذين في قلوبهم مرض} أي نفاق {يسارعون فيهم} المعنى يسارعون في معاونتهم ثم حذف كما قال جل وعز: {واسأل القرية}). [معاني القرآن: 2/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة}
في معناه قولان:
أحدهما روي عن ابن عباس قال يقولون نخشى أن لا يدوم الأمر لمحمد.
والقول الآخر نخشى أن يصيبنا قحط فلا يفضلوا علينا والقول الأول أشبه بالمعنى كأنه من دارت تدور أي نخشى أن يدور أمر ويدل عليه قوله جل وعز: {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} لأن الفتح النصر قال ابن عباس فأتى الله بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريظة وسبيت ذراريهم وأجلي بنو النضير وقيل معنى أو أمر من عنده أي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر بأسماء المنافقين {فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم
نادمين}). [معاني القرآن: 2/321-323]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (في قلوبهم مرض) أي: كفر). [ياقوتة الصراط: 211]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي في رضاهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({دَائِرَةٌ}: دولة). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويقول الّذين آمنوا...}
مستأنفة في رفع. ولو نصبت على الردّ على قوله: {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده} كان صوابا. وهي في مصاحف أهل المدينة (يقول الذين آمنوا) بغير واو). [معاني القرآن: 1/313]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ويقول الّذين آمنوا أهـؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين}
[و] قال: {ويقول الّذين آمنوا} نصب لأنه معطوف على قوله: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح} [52] وقد قرئ رفعا على الابتداء. قال أبو عمرو النصب محال لأنه لا يجوز "وعسى الله أن يقول الذين آمنوا" وإنّما ذا "عسى أن يقول"، يجعل {أن يقول} معطوفة على ما بعد "عسى" أو يكون تابعا، نحو قولهم: "أكلت خبزاً ولبناً" و:
= متقلّداً سيفاً ورمحاً). [معاني القرآن: 1/226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين (53)
أي يقول المؤمنون الذين باطنهم وظاهرهم واحد: هؤلاء الذين حلفوا وأكدوا أيمانهم أنهم مؤمنون وأنهم معكم أعوانكم على من خالفكم.
(حبطت أعمالهم).
أي ذهب ما أظهروه من الإيمان، وبطل كل خير عملوه بكفرهم وصدهم.
عن سبيل اللّه كما قال: (الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم).
المعنى ويقول الذين آمنوا في ذلك الوقت، أي في وقت يظهر اللّه نفاقهم فيه). [معاني القرآن: 2/181-182]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم} أي أهؤلاء الذين اجتهدوا في الأيمان أنهم لا يوالون المشركين ثم قال تعالى: {حبطت أعمالهم} وهذا مثل قوله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم}). [معاني القرآن: 2/323]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يحبّهم ويحبّونه أذلّةٍ على المؤمنين...}
خفض، تجعلها نعتا (لقوم) ولو نصبت على القطع من أسمائهم في {يحبّهم ويحبّونه} كان وجها. وفي قراءة عبد الله (أذلّة على المؤمنين غلظاء على الكافرين) أذله: أي رحماء بهم).[معاني القرآن: 1/313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي اللّه بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل اللّه ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسع عليم (54)
فيها من العربية ثلاثة أوجه، من يرتدد، ومن يرتد بفتح الدال ومن يرتد منكم، بكسر الدال. ولا يجوز في القراءة الكسر لأنه لم يرو أنه قرئ به.
وأمّا (من يرتدد) فهو الأصل، لأن التضعيف إذا سكن الثاني من المضعفين ظهر التضعيف، نحو قوله: (إن يمسسكم قرح) ولو قرئت إن يمسكم قرح كان صوابا، ولكن لا تقرأن به لمخالفته المصحف، ولأن القراءة سنّة.
وقد ثبت عن نافع وأهل الشام يرتدد بدالين، وموضع يرتد جزم، والأصل كما قلنا يرتدد، وأدغمت الدال الأولى في الثانية، وحركت الثانية بالفتح لالتقاء السّاكنين، قال أبو عبيد: إنهم كرهوا اجتماع حرفين متحركين وأحسبه غلط، لأن اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد أكثر في الكلام من أن يحصى نحو شرر ومدد، وقدد، وخدد، والكسر في قوله من يرتد يجوز لالتقاء السّاكنين لأنه أصل.
والفاء جواب للجزاء، أي إن ارتد أحد عن دينه، أي الذي هو الإيمان.
(فسوف يأتي اللّه بقوم يحبّهم ويحبّونه).
أي بقوم مؤمنين غير منافقين.
(أذلّة على المؤمنين).
أي جانبهم ليّن على المؤمنين، ليس أنهم أذلاء مهانون.
(أعزّة على الكافرين).
أي جانبهم غليظ على الكافرين.
وقوله: (يجاهدون في سبيل اللّه ولا يخافون لومة لائم).
لأن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويظاهرونهم، ويخافون لومهم.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الصحيح الإيمان لا يخاف في نصرة الدين بيده ولا لسانه لومة لائم.
ثم أعلم الله عزّ وجلّ أن ذلك لا يكون إلا بتسديده وتوفيقه فقال عزّ وجلّ: (ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء).
أي محبتهم للّه ولين جانبهم للمسلمين، وشدتهم على الكافرين فضل من اللّه عزّ وجلّ عليهم، لا توفيق لهم إلا به عزّ وجلّ).[معاني القرآن: 2/182-183]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} في معنى هذا قولان: قال الحسن هو والله أبو بكر رضي الله عنه وأصحابه
حدثنا أبو جعفر قال نا الحسن بن عمر بن أبي الأحوص الكوفي قال نا أحمد بن يونس السري يعني ابن يحيى قال قرأ الحسن هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} حتى قرأ الآية فقال الحسن فولاها الله والله أبا بكر وأصحابه وروى شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري قال لما نزلت: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} أومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري رحمه الله فقال هم قوم هذا). [معاني القرآن: 2/323-324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} قال أبو جعفر سمعت أبا إسحاق وسئل عن معنى هذا فقال ليس يريد أذلة من الهوان وإنما يريد أن جانبهم لين للمؤمنين وخشن على الكافرين). [معاني القرآن: 2/324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} أي ذلك اللين للمؤمنين والتشديد على الكافرين تفضل
من الله جل وعز منحهم إياه). [معاني القرآن: 2/324-325]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (أذلة على المؤمنين) أي: رحماء رفيقين بالمؤمنين. (أعزة على الكافرين) أي: غلاظ شداد على الكافرين). [ياقوتة الصراط: 211]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يقيمون الصّلاة) (55) أي يديمون الصلاة في أوقاتها). [مجاز القرآن: 1/169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون (55)
بيّن من هم المؤمنون فقال: (الّذين يقيمون الصّلاة).
وإقامتها تمامها بجميع فرضها، وأول فروضها صحة الإيمان بها وهذا كقولك: فلان قائم بعلمه الذي وليه، تأويله إنّه يوفي العمل حقوقه، ومعنى " يقيمون " من قولك هذا قوام الأمر، فأما قوله: (أذلّة على المؤمنين). فمخفوض على نعت قوم، وإن شئت كانت نصبا على وجهين أحدهما الحال، على معنى يحبهم ويحبونه في حال تذللهم على المؤمنين وتعززهم على الكافرين، ويجوز أن يكون نصبا على المدح.
فأما قوله عزّ وجلّ: (وقفّينا على آثارهم بعيسى ابن مريم).
أي قفينا على آثار الرسل بعيسى أي جعلناه يقفوهم.
وقوله: (مصدّقا لما بين يديه من التّوراة).
أي لما تقدم من التوراة، ونصب " مصدّقا " على الحال وهو جائز أن يكون من صفة الإنجيل فهو منصوب بقوله: " آتيناه " المعنى. آتيناه الإنجيل مستقرا فيه هدى ونور ومصدقا.
ويجوز أن يكون حالا من عيسى.
المعنى وآتيناه الإنجيل هاديا ومصدّقا، لأنّه إذا قيل آتيناه الإنجيل فيه هدى، فالذي أتى بالهدى هو هاد والأحسن أن يكون على معنى وقفينا بعيسى آتيا بالإنجيل وهاديا ومصدقا لما بين يديه من التوراة، والدليل على أنه من صفة عيسى قوله: (يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التّوراة).
وقوله: (لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).
قال بعضهم: الشرعة الدين والمنهاج الطريق، وقيل: الشرعة والمنهاج جميعا الطريق، والطريق ههنا الدين، ولكن اللفظ إذا اختلف أتي منه بألفاظ تؤكد بها القصة والأمر نحو قول الشاعر:
حيّيت من طلل تقادم عهده=أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم
فإن معنى أقوى وأقفر يدل على الخلوة، إلا أن اللفظين أوكد في الخلوّ من لفظ واحد.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: (شرعة) معناها ابتداء الطريق.
والمنهاج الطريق المستمر، قال: وهذه الألفاظ إذا تكررت في مثل هذا فللزيادة في الفائدة، قال وكذلك قول الحطيئة:
ألا حبذا هند وأرض بها هند=وهند أتى من دونها النّأي والبعد
قال: النّأي لكل ما قل بعده منك أو كثر، كأنّه يقول:
النأي المفارقة قلّت أو كثرت، والبعد إنّما يستعمل في الشيء البعيد ومعنى البعيد عنده ما كثرت مسافة مفارقته، وكأنه يقول لما قرب منه هو ناء عني، وكذلك لما بعد عنه، والنأي عنده المفارقة). [معاني القرآن: 2/183-185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تبارك اسمه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}
قال أبو عبيد أخبرنا هشيم ويزيد عن عبد الملك بن سليمان عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله جل وعز: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} قال: يعني المؤمنين، فقلت له: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: علي من المؤمنين.
قال أبو عبيد: وهذا يبين لك قول النبي صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه فالمولى والولي واحد والدليل على هذا قوله جل وعز: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}
ثم قال في موضع آخر {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} فمعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ولاية الدين وهي أجل الولايات وقال غير أبي عبيد من كنت ناصره فعلي ناصره). [معاني القرآن: 2/325-326]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فإنّ حزب الله هم الغالبون) (56) أي أنصار الله، قال رؤبة:
وكيف أضوى وبلال حزبي
قوله: أضوى أي أنتقص وأستضعف، من الضّوى). [مجاز القرآن: 1/169]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والكفّار أولياء...}
وفي في قراءة أبيّ (ومن الكفار)، ومن نصبها ردّها على {الّذين اتّخذوا}).[معاني القرآن: 1/313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبا من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء واتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين (57)
هزءا فيه لغات، إن شئت قلت هزؤا بضم الزاي وتحقيق الهمزة، وهو الأصل والأجود، وإن شئت قلت هزوا وأبدلت من الهمزة واوا، لانضمام ما قبلها وأنها مفتوحة، وإن شئت قلت: هزءا بإسكان الزاي وتحقيق الهمزة.
فهذه الأوجه الثلاثة جيدة يقرأ بهنّ.
وفيها وجه آخر. ولا تجوز القراءة به؛ لأنه لم يقرأ به، وهو أن يقول هزا مثل هدى وذلك يجوز إذا أردت تخفيف همزة هزء فيمن أسكن الزاي أن يقول هزا. تطرح حركتها على الزاي كما تقول رأيت خبا تريد خبئا.
وقوله: (من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار).
النصب فيه على العطف على قوله: (لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبا) أي، ولا تتخذوا الكفّار أولياء، ويجوز والكفار أولياء على العطف على الّذين أوتوا الكتاب، المعنى من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار أولياء). [معاني القرآن: 2/185-186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء} وقرأ الكسائي (والكفار أولياء) والمعنى من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار قال الكسائي في حرف أبي رحمه الله ومن الكفار وروي عن ابن عباس رحمه الله أن قوما من اليهود والمشركين ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا} إلى آخر الآيات). [معاني القرآن: 2/326-327]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) )
تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأنّ أكثركم فاسقون...}
(أنّ) في موضع نصب على قوله: {هل تنقمون منّا} إلا إيماننا وفسقكم. (أن) في موضع مصدر، ولو استأنفت (وإن أكثركم فاسقون) فكسرت لكان صوابا). [معاني القرآن: 1/313]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هل تنقمون منّا) (59) أي هل تكرهون، قال: نقموا أكثر، ونقموا واحد، وهما لغتان ليس أحدهما بأولى بالوجه من الآخر كما قال:
ما نقموا من نبي أميّة إلاّ... أنهم يحملون ان غضبوا). [مجاز القرآن: 1/170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلّا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون (59)
يقال: نقمت على الرجل أنقم، ونقمت عليه أنقم.
والأجود نقمت أنقم، وكذلك الأكثر في القراءة: (وما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد).
وأنشد بيت ابن قيس الرقيات.
ما نقموا من أميّة إلّا=أنهم يحلمون إن غضبوا
بالفتح والكسر، نقموا ونقموا، ومعنى نقمت بالغت في كراهة الشيء.
وقوله: (وأنّ أكثركم فاسقون).
المعنى: هل تكرهون منا إلا إيماننا وفسقكم، أي إنما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أنا على حق لأنكم فسقتم، بأن أقمتم على دينكم لمحبتكم الرياسة، وكسبكم بها الأموال.
فإن قال قائل: وكيف يعلم عالم أن دينا من الأديان حق فيؤثر الباطل على الحق؟
فالجواب في هذا أن أكثر ما نشاهده كذلك. من ذلك أنّ الإنسان يعلم أن القتل يورد النار فيقتل، إما إيثارا لشفاء غيظه أو لأخذ مال.
ومنها أنّ إبليس قد علم أنّ الله يدخله النّار بمعصيته فآثر هواه على قربه من اللّه، وعمل على دخول النار وهذا باب بين). [معاني القرآن: 2/186-187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (تنقمون) أي: تنكرون). [ياقوتة الصراط: 211]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً...}
نصبت (مثوبة) لأنها مفسّرة كقوله: {أنا أكثر منك مالا وأعزّ نفرا}.
وقوله: {من لّعنه اللّه} (من) في موضع خفضٍ تردّها على (بشرّ) وإن شئت استأنفتها فرفعتها؛ كما قال: {قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا} ولو نصبت (من) على قولك: أنبئكم (من) كما تقول: أنبأتك خيرا، وأنبأتك زيدا قائما، والوجه الخفض. وقوله: {وعبد الطّاغوت} على قوله: "وجعل منهم القردة [والخنازير] ومن عبد الطاغوت" وهي في قراءة أبيّ وعبد الله (وعبدوا) على الجمع، وكان أصحاب عبد الله يقرؤون "وعبد الطاغوت" على فعل، ويضيفونها إلى الطاغوت، ويفسّرونها: خدمة الطاغوت. فأراد قوم هذا المعنى، فرفعوا العين فقالوا: عبد الطاغوت؛ مثل ثمار وثمر، يكون جمع جمع. ولو قرأ قارئ (وعبد الطاغوت) كان صوابا جيّدا. يريد عبدة الطاغوت فيحذف الهاء لمكان الإضافة؛ كما قال الشاعر:
=قام ولاها فسقوها صرخدا
يريد: ولاتها. وأما قوله (وعبد الطاغوت) فإن تكن فيه لغة مثل حذر وحذر وعجل فهو وجه، وإلا فإنه أراد - والله أعلم - قول الشاعر:
أبني لبيني إنّ أمّكم=أمةٌ وإن أباكم عبد
وهذا في الشعر يجوز لضرورة القوافي، فأمّا في القراءة فلا). [معاني القرآن: 1/314-315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بشرٍّ من ذلك مثوبةً) (60): تقديرها مفعلة من الثواب على تقدير مصيدة من صدت، ومشعلة من شعلت؛ ومن قرأها (مثوبةً) فجعل تقديرها: مفعولة، بمنزلة مضوفة ومعوشة، كما قال:
وكنت إذا جارى دعا لمضوفةٍ=أشمّر حتى ينصف السّاق مئزرى
فخرج مخرج ميسور ومعسور). [مجاز القرآن: 1/170]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل هل أنبّئكم بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه من لّعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مّكاناً وأضلّ عن سواء السّبيل}
وقال: {بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه} كما قال: {بخيرٍ من ذلك}.
وقال: {وعبد الطّاغوت} أي: {من لّعنه اللّه} {وعبد الطّاغوت}).[معاني القرآن: 1/226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل هل أنبّئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل (60)
أي: بشرّ مما نقمتم من إيماننا ثوابا، و " مثوبة" منصوب على التمييز.
وقوله: (من لعنه اللّه).
وضع " من " إن شئت كان رفعا، وإن شئت كان جرا فأما من جر فيجعله بدلا من شر. المعنى أؤنبئكم بمن لعنه اللّه، ومن رفع فبإضمار هو، كأن قائلا قال: من ذلك؟ فقيل هو من لعنه اللّه، كما قال جلّ ثناؤه: (قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النّار) كأنه فال: هي النار.
وقوله: (وعبد الطّاغوت).
الطاغوت هو الشيطان، وتأويل وعبد الطاغوت: أطاعه فيما سوّل له وأغراه به، وقد قرئت: (وعبد الطاغوت).
والذي أختار (وعبد الطّاغوت) وروي عن ابن مسعود وعبدوا الطاغوت، وهذا يقوي (وعبد الطاغوت)، ومن قال وعبد الطاغوت. فضم الباء وجر الطاغوت، فإنه عند بعض أهل العربية ليس بالوجه من جهتين إحداهما، أن عبد على فعل، وليس هذا من أمثلة الجمع، لأنهم فسروه خدم الطاغوت والثاني أن يكون محمولا على وجعل منهم عبد الطاغوت. فأما من قرأ " وعبد الطاغوت " فهو جمع عبيد وعبد، مثل رغيف ورغف وسرير وسرر، ويكون على معنى وجعل منهم عبد الطاغوت على جعلت زيدا أخاك، أي نسبته إليك، ووجه وعبد الطاغوت - بفتح العين وضم الباء - أن الاسم يبنى على فعل كما قالوا علم زيد. وكما أقول رجل حذر، تأويل حذر أنّه مبالغ في الحذر، فتأويل عبد أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان، وكان اللفظ لفظ واحد يدل على الجمع.
كما تقول للقوم: منكم عبد العصا، تريد منكم عبيد العصا.
ويجوز بعد هذه الثلاثة الأوجه الرفع في قوله وعبد الطاغوت، فيقول وعبد الطاغوت، وكذلك وعبد الطاغوت بالرفع، ولا تقرأن بهذين الوجهين وإن كانا جائزين، لأن القراءة لا تبتدع على وجه يجوز، وإنما سبيل القراءة اتباع من تقدّم، فيجوز رفع، وعبد الطاغوت، وعبد الطاغوت، على معنى الذم، والمعنى وهم عبد الطاغوت، كأنّه لما قال: (من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير)، دل الكلام على اتباعهم الشياطين، فقيل وهم عبد الطاغوت.
ويجوز أن يكون بدلا من " من " في رفع " من " كأنه لما قيل منهم من لعنه اللّه، وغضب عليه.
قيل: هم عبد الطاغوت وعبد الطاغوت، ويجوز في الكلام أيضا، وعبد الطاغوت - بإسكان الباء - وفتح الدال.
ويكون على وجهين:
أحدهما أن يكون مخففا من عبد - كما يقال في عضد: عضد.
وجائز أن يكون " عبد " اسما واحدا يدل على الجنس.
وكذلك يجوز في عبد الرفع والنصب من جهتين كما وصفنا في عبد.
ويجوز أن يكون النصب من جهتين:
إحداهما على وجعل منهم عبد الطاغوت
ويجوز أن يكون منصوبا عاد الذم، على أعني عبد الطاغوت.
ويجوز في وعبد وعبد وعبد الجر على البدل من " من " ويكون المعنى: هل أنبّئكم بمن لعنه الله وعبد الطاغوت.
ولا يجوز القراءة بشيء من هذه الأوجه إلا بالثلاثة التي رويت وقرأ بها القراء وهي عبد الطاغوت. وهي أجودها، ثم وعبد الطاغوت ثم وعبد الطاغوت.
وقوله: (أولئك شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل).
أي هؤلاء الذين هذه صفتهم (شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل).
أي عن قصد السبيل، و " مكانا " منصوب على التفسير). [معاني القرآن: 2/187-189]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله}
وفي هذا قولان:
روي عن ابن عباس أنه قال: قالت اليهود في أمة محمد صلى الله عليه وسلم: هم أقل الناس حظا في الدنيا والآخرة فأنزل الله جل وعز: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك} الآية.
والقول الآخر وهو المعروف الصحيح أن المعنى قل هل أنبئكم بشر من نقومكم علينا ثوابا لأن قبله {هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله}
قال الكسائي: يقال: نقمت على الرجل أنقم نقوما ونقمة وقد حكي نقمت أنقم إذا كرهت الشيء أشد الكراهية). [معاني القرآن: 2/327-328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير} قال مجاهد يعني اليهود مسخ منهم). [معاني القرآن: 2/328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وعبد الطاغوت} وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والكسائي
وقرأ أبو جعفر (وعبد) مثل ضرب ولا وجه لهذا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (وعبدوا الطاغوت)
وروي عن أبي بن كعب وعن ابن مسعود من طريق آخر أنهما قرءا وعبدت الطاغوت
وقرأ ابن عباس (وعبد الطاغوت)
وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه يجوز وعابد الطاغوت
وروي عن الأعمش ويحيى بن وثاب وعبد الطاغوت
وقرأ أبو واقد الأعرابي (وعباد الطاغوت)
وقرأ حمزة (وعبد الطاغوت)
فمن قرأ (وعبد الطاغوت) فالمعنى عنده من لعنه الله ومن عبد الطاغوت وحمل الفعل على لفظ من ومن قرأ (وعبدوا الطاغوت) فهو عنده بذلك المعنى إلا أنه حمله على معنى من كما قال جل وعز: {ومنهم من يستمعون إليك} ومن قرأ (وعبدت الطاغوت) حمله على تأنيث الجماعة كما قال جل وعز: {قالت الأعراب}
ومن قرأ (وعبد الطاغوت) فهو عنده جمع عابد كما يقال: شاهد وشهد وغائب وغيب ومن قرأ (وعابد) فهو عنده واحد يؤدي عن جماعة
ومن قرأ (وعبد) فهو عنده جمع عباد أو عبيد كما يقال: مثال ومثل ورغيف ورغف.
وقال بعض النحويين: هو جمع عبد كما يقال: رهن ورهن وسقف وسقف.
ومن قرأ (وعباد) فهو جمع عابد كما يقال: عامل وعمال
ومن قرأ (وعبد الطاغوت) فأكثر أهل اللغة يذهب إلى أنه لحن وهي تجوز على حيلة وذلك أن يجعل عبدا واحدا يدل على جماعة، كما يقال: رجل حذر وفطن وندس فيكون المعنى وخادم الطاغوت وعلى هذا تتأول هذه القراءة يقال: عبده يعبده إذا ذل له أشد الذل ومنه بعير معبد أي مذلل بالقطران ومنه طريق معبد ومنه يقال: عبدت أعبد إذا أنفت كما قال:
=وأعبد أن تهجى تميم بدارم
والمعنى على هذا وخادم الطاغوت وقد قيل: الفرد بمعنى الفرد وينشد النابغة:
من وحش وجرة موشي أكارعه=طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد
ويروى الفرد وقيل: الطاغوت ههنا يعنى به الشيطان
وكذا روي عن بريدة الأسلمي أنه قرأ (وعابد الشيطان)
وأجاز بعض العلماء وعبد الطاغوت بالخفض على معنى عبدة مثل كاتب وكتبة والهاء تحذف من مثل هذا في الإضافة).[معاني القرآن: 2/329-332]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}
أي لم ينتفعوا بشيء مما سمعوا فخرجوا بكفرهم). [معاني القرآن: 2/332-333]

تفسير قوله تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) )
تفسير قوله تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون}
وقال: {وأكلهم السّحت} وقال: {عن قولهم الإثم} نصبهما بإسقاط الفعل عليهما). [معاني القرآن: 1/227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون (63)
وهم علماؤهم ورؤساؤهم.
والحبر " العالم، والحبر المداد بالكسر، فأعلم اللّه أن رؤساءهم وسفلتهم مشتركون في الكفر.
ومعنى: (لولا ينهاهم الرّبّانيّون): هلّا ينهاهم). [معاني القرآن: 2/189]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} وقرأ أبو الجراح (لولا ينهاهم الربيون)
قال مجاهد: الربانيون والأحبار العلماء والفقهاء والربانيون فوق الأحبار قال أبو جعفر والربيون الجماعات وهو مأخوذ من الربة والربة الجماعة فنسب إليها فقيل ربي ثم جمع فقيل: ربيون.
قال أبو جعفر: والمعنى بئس الصنع ما يصنع هؤلاء الربانيون والأحبار في تركهم نهي هؤلاء
قال الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها أننا لا ننهى وفي هذه الآية حكم في أمر العلماء في النهي عن المنكر).[معاني القرآن: 2/333-334]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ...}
أرادوا: ممسكة عن الإنفاق والإسباغ علينا. وهو كقوله: {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط} في الإنفاق.
{بل يداه مبسوطتان} وفي حرف عبد الله (بل يداه بسطان) والعرب تقول: الق أخاك بوجه مبسوط، وبوجه بسط).[معاني القرآن: 1/315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يد الله مغلولةٌ) (64) أي خير الله ممسك.
(وألقينا بينهم العداوة والبغضاء) (64) أي جعلنا (كلّما أوقدوا ناراً للحرب) (64) أي كلما نصبوا حرباً). [مجاز القرآن: 1/170-171]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيراً مّنهم مّا أنزل إليك من رّبّك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلّما أوقدوا ناراً لّلحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فساداً واللّه لا يحبّ المفسدين}
وقال: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم}. فذكروا أنّها "العطيّة" و"النّعمة". وكذلك {بل يداه مبسوطتان} كما تقول: "إنّ لفلان عندي يداً" أي: نعمةً. وقال: {أولي الأيدي والأبصار} أي: أولي النّعم. وقد تكون "اليد" في وجوه، تقول "بين يدي الدار" تعني: قدامها، وليست للدار يدان). [معاني القرآن: 1/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ} أي ممسكة عن العطاء منقبضة. وجعل الغلّ لذلك مثلا). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} يريد كلما هاجوا شرًّا وأجمعوا أمراً ليحاربوا النبي صلّى الله عليه وسلّم سَكَّنه الله ووهَّن أمرهم). [تأويل مشكل القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} أي: ممسكة). [تأويل مشكل القرآن: 167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أخبر عزّ وجلّ بعظيم فريتهم فقال:
(وقالت اليهود يد اللّه مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلّما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فسادا واللّه لا يحبّ المفسدين (64)
أي: قالوا يده ممسكة عن الاتساع علينا. كما قال الله جلّ وعزّ (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) تأويله لا تمسكها عن الإنفاق.
قال بعضهم: معنى (يد اللّه مغلولة) نعمته مقبوضة عنّا، وهذا القول خطأ ينقضه: (بل يداه مبسوطتان).
فيكون المعنى: بل نعمتاه مبسوطتان، نعم اللّه أكثر من أن تحصى.
وقال بعضهم: وقالوا يد اللّه مغلولة عن أعدائنا، أي لا يعذبنا.
وقال بعض أهل اللغة: إنّما أجيبوا على قدر كلامهم.
كما قالوا: يد الله مغلولة، يريدون به تبخيل اللّه.
فقيل: (بل يداه مبسوطتان). أي هو جواد (ينفق كيف يشاء)
ومعنى (غلّت أيديهم) أي جعلوا بخلاء. فهم أبخل قوم.
وقيل: (غلّت أيديهم) أي غلت في نار جهنم.
وقوله: (وليزيدنّ كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانا وكفرا).
أي كلما نزل عليك شيء من القرآن كفروا به فيزيد كفرهم والطغيان الغلو والكفر ههنا.
وقوله: (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) جعلهم اللّه مختلفين في دينهم متباغضين، كما قال: (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى) فألقى اللّه بينهم العداوة، وهي أحد الأسباب التي أذهب اللّه بها جدّهم وشوكتهم.
وقوله: (كلّما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه).
هذا مثل أي كلما جمعوا على النبي والمسلمين وأعدوا لحربهم فرق اللّه جمعهم وأفسد ذات بينهم.
وقوله: (ويسعون في الأرض فسادا).
أي يجتهدون في دفع الإسلام ومحو ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتبهم). [معاني القرآن: 2/189-191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم}
في هذه الآية ثلاثة أقوال أحسنها ما روي عن ابن عباس أنه قال: قالت اليهود: إن الله عز وجل بخيل والمعنى عند أهل اللغة على التمثيل أي قالوا: هو ممسك عنا لم يوسع علينا حين أجدبوا كما قال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} فهذا نظير ذاك والله أعلم
وقيل اليد ههنا: النعمة وقيل هذا القول غلط لقوله: {بل يداه مبسوطتان} فنعم الله جل وعز أكثر من أن تحصى فكيف يكون {بل نعمتاه مبسوطتان} فقال: من احتج لمن قال: إنهما نعمتان بأن المعنى النعمة الظاهرة والباطنة والقول الثالث أن المعنى أنه لا يعذبنا أي مغلولة عن عذابنا). [معاني القرآن: 2/334-335]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} أي جعل بأسهم بينهم فهم متباغضون غير متفقين فهم أبغض خلق الله إلى الناس
وقال مجاهد: هم اليهود والنصارى
والذي قال حسن: ويكون راجعا إلى لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء).[معاني القرآن: 2/335-336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} هذا تمثيل أي كلما تجمعوا شتت الله أمرهم.
وقال قتادة أذلهم الله جل وعز بمعاصيهم فلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وهم تحت أيدي المجوس). [معاني القرآن: 2/336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويسعون في الأرض فسادا}
أي يسعون في إبطال الإسلام). [معاني القرآن: 2/336-337]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لكفّرنا عنهم سيّئاتهم) (65) أي لمحونا عنهم). [مجاز القرآن: 1/171]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم...}
يقول: من قطر السماء ونبات الأرض من ثمارها وغيرها. وقد يقال: إن هذا على وجه التوسعة؛ كما تقول: هو في خير قرنه إلى قدمه). [معاني القرآن: 1/315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (منهم أمّةٌ) (66) أي جماعة). [مجاز القرآن: 1/171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} يقال: من قطر السماء ونبات الأرض.
ويقال أيضا: هو كما يقال: فلان في خير من قرنه إلى قدمه). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون (66)
أي لو عملوا بما فيهما، ولم يكتموا ما علموا من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهما.
(وما أنزل إليهم من ربّهم).
وهو - واللّه اعلم - القرآن. أي لو عملوا بما في هذه الكتب من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأظهروا أمره.
(لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم).
قيل إنه كان أصابهم جدب، فأعلم اللّه أنّهم لو اتقوا لأوسع عليهم في رزقهم، ودلّ بهذا على ما أصابهم من الجدب فيما عاقبهم به.
ومعنى (لأكلوا من فوقهم).
أي لأكلوا من قطر السماء.
(ومن تحت أرجلهم).
من نبات الأرض. وقيل قد يكون هذا من جهة التوسعة كما تقول فلان في خير من قرنه إلى قدمه، وقد أعلم الله جل وعزّ أن التّقى سعة في الرزق فقال: (ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا).
وقال: (ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وقال في قصة نوح: (استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا (10) يرسل السّماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات) وهي البساتين. فوعدهم الله أتم الغنى على الإيمان والاستغفار.
وقوله: (منهم أمّة مقتصدة).
أي من أهل الكتاب، قال بعضهم: يعنى بهذا من آمن منهم وقيل يعني به طائفة لم تناصب النبي - صلى الله عليه وسلم - مناصبة هؤلاء، والذي أظنّه - واللّه أعلم - أنّه لا يسمي اللّه من كان على شيء من الكفر مقتصدا.
(وكثير منهم ساء ما يعملون).
المعنى بئس شيئا عملهم). [معاني القرآن: 2/191-192]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل} أي لو أظهروا ما فيها من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليهم من ربهم يعني به القرآن والله أعلم). [معاني القرآن: 2/337]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} فهذا يدل على أنهم كانوا في جدب ومن فوقهم على قول ابن عباس ومجاهد والسدي يعني المطر ومن تحت أرجلهم يعني النبات.
وقيل: يجوز أن يكون تمثيلا أي لوسعنا عليهم، كما يقال: فلان في خير من قرنه إلى قدمه أي قد شمله الخير، والأول قول أهل التأويل). [معاني القرآن: 2/337-338]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} أي من مطر السماء ونبات الأرض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 67 إلى 81]

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يعصمك من النّاس) (67) يمنعك، كقوله:
وقلت عليكم مالكاً إنّ مالكا... سيعصمكم إن كان في الناس عاصم). [مجاز القرآن: 1/171]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من رّبّك وإن لّم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين}
وقال: {فما بلّغت رسالته}.
وقال بعضهم: {رسالاته}.
وكلٌّ صوابٌ لأنّ "الرّسالة" قد تجمع "الرّسائل" كما تقول "هلك البعير والشّاة" و"أهلك الناس الدينار والدرهم" تريد الجماعة). [معاني القرآن: 1/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({واللّه يعصمك من النّاس} أي يمنعك منهم. وعصمة اللّه إنما هي منعه العبد من المعاصي. ويقال: هذا طعام لا يعصم، أي لا يمنع من الجوع).[تفسير غريب القرآن: 145]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين (67)
وتقرأ رسالاته. والمعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك، وإن تركت منه شيئا فما بلغت، أي لا تراقبن أحدا ولا تتركن شيئا من ذلك خوفا من أن ينالك مكروه.
(واللّه يعصمك من النّاس).
أي يحول بينهم وبين أن ينالك منهم مكروه، فأعلمه الله جلّ وعزّ أنه يسلم منهم.
وفي هذا آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بيّنة). [معاني القرآن: 2/192]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته} في معناه قولان: أحدهما بلغ كل ما أنزل إليك ويقوي هذا أن مسروقا روى عن عائشة أنها قالت من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب والله يقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} والقول الآخر وعليه أكثر أهل اللغة أن المعنى أظهر ما أنزل إليك من ربك أي بلغه ظاهرا
ودل على هذا قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} أي يمنعك منهم أن ينالوك بسوء مشتق من عصام القربة وهو ما تشد به وقوله جل وعز: {وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك طغيانا وكفرا} أي يكفرون به فيزدادون كفرا على كفرهم).[معاني القرآن: 2/338-339]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أي يمنعك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لستم على شيءٍ) (68) أي ليس في أيديكم حجة ولا حق ولا بيان.
(فلا تأس) (68) أي لا تحزن. (على القوم الكافرين) (68)، ولا تجزع، وقال العجّاج:
وأنحلبت عيناه من فرط الأسى
والأسى: الحزن، يقال: أسى يأسى، وأنشد:
=يقولون لا تهلك أسى وتجلّد). [مجاز القرآن: 1/171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فلا تأس على القوم الكافرين} أي فلا تحزن عليهم). [معاني القرآن: 2/339]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى...}
فإن رفع (الصابئين) على أنه عطف على (الذين)، و(الذين) حرف على جهة واحدة في رفعه ونصبه وخفضه، فلمّا كان إعرابه واحدا وكان نصب (إنّ) نصبا ضعيفا - وضعفه أنه يقع على (الاسم ولا يقع على) خبره - جاز رفع الصابئين. ولا أستحبّ أن أقول: إنّ عبد الله وزيد قائمان لتبيّن الإعراب في عبد الله. وقد كان الكسائي يجيزه لضعف إنّ. وقد أنشدونا هذا البيت رفعا ونصبا:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله=فإني وقيّارا بها لغريب
وقيّارٌ. ليس هذا بحجّة للكسائيّ في إجازته (إنّ عمرا وزيد قائمان) لأن قيّارا قد عطف على اسم مكنيّ عنه، والمكنى لا إعراب له فسهل ذلك (فيه كما سهل) في (الذين) إذا عطفت عليه (الصابئون) وهذا أقوى في الجواز من (الصابئون) لأنّ المكنيّ لا يتبين فيه الرفع في حال، و(الذين) قد يقال: اللذون فيرفع في حال. وأنشدني بعضهم:
وإلاّ فاعلموا أنّا وأنتم=بغاة ما حيينا في شقاق
وقال الآخر:
يا ليتني وأنت يا لميس=ببلدٍ ليس به أنيس
وأنشدني بعضهم:
يا ليتني وهما نخلو بمنزلةٍ=حتى يرى بعضنا بعضا ونأتلف
قال الكسائيّ: أرفع (الصابئون) على إتباعه الاسم الذي في هادوا، ويجعله من قوله (إنا هدنا إليك) لا من اليهودية. وجاء التفسير بغير ذلك؛ لأنه وصف الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ثم ذكر اليهود والنصارى فقال: من آمن منهم فله كذا، فجعلهم يهودا ونصارى). [معاني القرآن: 1/310-312]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى) (66): والصابئ الذي يخرج من دين إلى دين، كما تصبؤ النجوم من مطالعها، يقال: صبأت سنّه وصبأ فلان علينا: أي طلع؛ ورفع (الصابئون) لأن العرب تخرج المشرك في المنصوب الذي قبله من النصب إلى الرفع على ضمير فعل يرفعه، أو استئنافٍ ولا يعملون النصب فيه، ومع هذا إن معنى (إنّ) معنى الابتداء، ألا ترى أنها لا تعمل إلا فيما يليها ثم ترفع الذي بعد الذي يليها كقولك: إن زيداً ذاهبٌ، فذاهب رفعٌ، وكذلك إذا واليت بين مشركين رفعت الأخير على معنى الابتداء. سمعت غير واحد يقول:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله=فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقد يفعلون هذا فيما هو أشدّ تمكناً في النصب من (إنّ). سمعت غير واحد يقول:
وكلّ قومٍ أطاعوا أمر سيّدهم=إلاّ نميراً أطاعت أمر غاويها
الظّاعنون ولما يظعنوا أحداً=والقائلين لمن دارٌ نخلّيها
وربما رفعوا (القائلين)، ونصبو (الظاعنين) ). [مجاز القرآن: 1/172-173]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
وقال: {والصّابئون والنّصارى} وقال في موضع آخر {والصّابئين} والنصب القياس على العطف على ما بعد {إنّ} فأما هذه فرفعها على وجهين كأن قوله: {إنّ الّذين آمنوا} في موضع رفع في المعنى لأنه كلام مبتدأ لأنّ قوله: "إنّ زيداً منطلقٌ" و"زيدٌ منطلقٌ" من غير أن يكون فيه "إنّ" في المعنى سواء، فإن شئت إذا عطفت عليه شيئا جعلته على المعنى. كما قلت: "إنّ زيداً منطلقٌ وعمرٌو". ولكنه إذا جعل بعد الخبر فهو أحسن وأكثر. وقال بضعهم: "لما كان قبله فعل شبه في اللفظ بما يجري على ما قبله، وليس معناه في الفعل الذي قبله وهو {الّذين هادوا} أجراه عليه فرفعه به وإن كان ليس عليه في المعنى ذلك أنه تجيء أشياء في اللفظ لا تكون في المعاني، منها قولهم: "هذا جحر ضبٍّ خربٍ" وقولهم "كذب عليكم الحجّ" يرفعون "الحجّ" بـ"كذب"، وإنما معناه "عليكم الحجّ" نصب بأمرهم. وتقول: "هذا حبّ رمّاني" فتضيف "الرّمان" إليك وإنّما لك "الحبّ" وليس لك "الرّمان". فقد يجوز أشباه هذا والمعنى على خلافه). [معاني القرآن: 1/228]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وقالوا في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} رفع (الصابئين) لأنه ردّ على موضع إنّ الّذين آمنوا وموضعه رفعٌ، لأن (إنّ) مبتدأة وليست تحدث في الكلام معنى كما تحدث أخواتها.
ألا ترى أنك تقول: زيد قائم، ثم تقول: إن زيدا قائم، ولا يكون بين الكلامين فرق في المعنى.
وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى الشك.
وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى التمني.
ويدلّك على ذلك قولهم: إن عبد الله قائم وزيد، فترفع زيداً، كأنك قلت: عبد الله قائم وزيد.
وتقول: لعل عبد الله قائم وزيداً، فتنصب مع (لعلّ) وترفع مع (إنَّ) لما أحدثته (لعلّ) من معنى الشك في الكلام، ولأنّ (إنَّ) لم تُحدث شيئا.
وكان الكسائي يجيز: إنَّ عبد الله وزيدٌ قائمان، وإنَّ عبد الله وزيدٌ قائم. والبصريون يجيزونه، ويحكون: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وينشدون:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب ). [تأويل مشكل القرآن: 52]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (69)
اختلف أهل العربية في تفسير رفع الصابئين، فقال بعضهم نصب " إنّ " ضعف فنسق بـ (الصّابئون) على " الّذين " لأن الأصل فيهم الرفع.
وهو قول الكسائي.
وقال الفراء: مثل ذلك إلا أنه ذكر أن هذا يجوز في النسق على مثل " الذين " وعلى المضمر، يجوز إني وزيد قائمان، وأنه لا يجيز إنّ زيدا وعمرو قائمان.
وهذا التفسير إقدام عظيم على كتاب اللّه وذلك أنهم زعموا أن نصب "إنّ " ضعيف؛ لأنها إنما تغيّر الاسم ولا تغير الخبر، وهذا غلط لأن " إنّ " عملت عملين النصب، والرفع، وليس في العربية ناصب ليس معه مرفوع لأن كل منصوب مشبه بالمفعول، والمفعول لا يكون بغير فاعل إلا فيما لم يسم فاعله، وكيف يكون نصب " إنّ " ضعيفا وهي تتخطى الظروف فتنصب ما بعدها.
نحو قوله: " (إنّ فيها قوما جبّارين) ونصب إنّ من أقوى المنصوبات.
وقال سيبويه والخليل، وجميع البصريين: إن قوله: (والصّابئون) محمول.
على التأخير، ومرفوع بالابتداء. المعنى إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم، والصابئون والنصارى كذلك أيضا، أي من آمن باللّه واليوم الآخر فلا خوف عليهم، وأنشدوا في ذلك قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنّا وأنتم=بغاة ما بقينا في شقاق
المعنى وإلا فاعلموا أنّا بغاة ما بقينا في شقاق، وأنتم أيضا كذلك.
وزعم سيبويه أن قوما من العرب يغلطون فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون، وإنك وزيد ذاهبان. فجعل سيبويه هذا غلطا وجعله كقول الشاعر:
بدا لي أنى لست مدرك ما مضى=ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
فأما (من آمن باللّه) وقد ذكر الذين آمنوا، فإنما يعني الذين آمنوا ههنا المنافقين الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم، ودل على أن المعنى هنا ما تقدّم من قوله: (لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم).
ومعنى الصابئ الخارج عن جملة الأديان لأنهم لا يدينون بالكتب.
والعرب تقول قد صبأ ناب البعير، وصبأ سنّ الصّبيّ إذا خرج.
فأمّا قولهم ضبأت بالضاد المعجمة فمعناه اختبأت في الأرض.
ومنه اشتق اسم ضابئ.
وقال الكسائي: الصابئون نسق على ما في هادوا، كأنه قال: هادوا هم والصابئون. وهذا القول خطأ من جهتين:
إحداهما: أن الصابئ يشارك اليهودي في اليهودية.
وإن ذكر أن هادوا في معنى تابوا فهذا خطأ في هذا الموضع أيضا؛ لأن معنى الذين آمنوا ههنا إنما هو: إيمان بأفواههم؛ لأنه يعنى به المنافقون، ألا ترى أنه قال: من آمن باللّه، فلو كانوا مؤمنين لم يحتج أن يقال: إن آمنوا فلهم أجرهم). [معاني القرآن: 2/192-194]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} في هذا قولان: أحدهما أنه يعني بالذين آمنوا ههنا المنافقون
والتقدير إن الذين آمنوا بألسنتهم ودل على هذا قوله تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم}). [معاني القرآن: 2/339-340]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل اسمه {من آمن بالله} فالمعنى على هذا القول من حقق الإيمان بقلبه والقول الآخر أن معنى من آمن بالله من ثبت على إيمانه كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}).[معاني القرآن: 2/340]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فريقاً كذّبوا) (70): مقدم ومؤخر، مجازه كذبوا فريقاً. (وفريقاً يقتلون) (70) مجازه: يقتلون فريقاً). [مجاز القرآن: 1/173]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلّما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذّبوا وفريقا يقتلون (70)
المعنى كلما جاءهم رسول كذبوا فريقا وقتلوا فريقا.
أمّا التكذيب فاليهود والنصارى مشتركة فيه، وأمّا القتل فكانت اليهود خاصّة – دون النّصارى - يقتلون الأنبياء، وكانت الرسل على ضربين، رسل تأتي بالشرائع والكتب نحو موسى وعيسى وإبراهيم ومحمد - صلى الله عليهم وسلم -، فهؤلاء معصومون من الخلق، لم يوصل إلى قتل واحد منهم، ورسل تأتي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحث على التمسك بالدين نحو يحيى وزكريا - صلى الله عليهما وسلم). [معاني القرآن: 2/194-195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} قال: اليهود والنصارى يشتركون في التكذيب واليهود تنفرد بالقتل خاصة وكانت الرسل منها من يأتي بالشرائع والكتب والأحكام نحو محمد صلى الله عليه وسلم وموسى وعيسى وهؤلاء معصومون.
ومنهم من يأتي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتمسك بالدين نحو يحيى وزكريا عليهما السلام). [معاني القرآن: 2/340-341]

تفسير قوله تعالى: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ مّنهم...}
فقد يكون رفع الكثير من جهتين:
إحداهما: أن تكرّ الفعل عليها؛ تريد: عمي وصمّ كثير منهم.
وإن شئت جعلت {عموا وصمّوا} فعلا للكثير؛ كما قال الشاعر:
يلومونني في اشترائي النخيـ=ل أهلي فكلّهم ألوم
وهذا لمن قال: قاموا قومك.
وإن شئت جعلت الكثير مصدرا فقلت: أي ذلك كثير منهم، وهذا وجه ثالث. ولو نصبت على هذا المعنى كان صوابا.
ومثله قول الشاعر:
وسوّد ماء المرد فاها فلونه=كلون النؤور وهي أدماء سارها
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {وأسرّوا النّجوى الذين ظلموا} إن شئت جعلت (وأسرّوا) فعلا لقوله: {لاهيةً قلوبهم وأسرّوا النجوى} ثم تستأنف (الذين) بالرفع. وإن شئت جعلتها خفضا (إن شئت) على نعت الناس في قوله "اقترب للناس حسابهم" وإن شئت كانت رفعا كما يجوز (ذهبوا قومك) ).[معاني القرآن: 1/315-317]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ) (71) فتكون: مرفوعةٌ على ضمير الهاء، كأنه قال: (أنه لا تكون فتنةٌ)، ومن نصب تكون فعلى إعمال (أن) فيها ولا تمنع (لا) النصب أن يعمل في الفعل.
(عوا وصمّوا كثيرٌ منهم) (71) مجازه على وجهين:
أحدهما: أن بعض العرب يظهرون كناية الاسم في آخر الفعل مع إظهار الاسم الذي بعد الفعل كقول أبي عمر والهذليّ (أكلوني البراغيث).
والموضع الآخر أنه مستأنف لأنه يتم الكلام إذا قلت: عموا وصمّوا، ثم سكتّ، فتستأنف فتقول: كثير منهم.
وقال آخرون: كثير صفةٌ للكناية التي في آخر الفعل، فهي في موضع، مرفوع فرفعت كثير بها). [مجاز القرآن: 1/174]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ مّنهم واللّه بصيرٌ بما يعملون}
[و] قال: {ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ مّنهم} ولم يقل: "ثمّ عمي وصمّ" وهو فعل مقدم لأنه أخبر عن قوم إنهم عموا وصمّوا، ثم فسر كم صنع ذلك منهم كما تقول: "رأيت قومك ثلثيهم" ومثل ذلك {وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا} وإن شئت جعلت الفعل للآخر فجعلته على لغة الذين يقولون "أكلوني البراغيث" كما قال:
ولكن ديافيٌّ أبوه وأمّه=بحوران يعصرن السّليط أقاربه). [معاني القرآن: 1/228-229]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وحسبوا ألا تكون فتنة}: بلاء). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وحسبوا ألّا تكون فتنة فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثير منهم واللّه بصير بما يعملون (71)
تقرأ (ألّا تكون) بالنصب، و (ألّا تكون) بالرفع.
فمن قرأ بالرفع فالمعنى أنه لا تكون فتنة، أي حسبوا فعلهم غير فاتن لهم وذلك أنهم كانوا يقولون إنهم أبناء اللّه وأحباؤه.
(فعموا وصمّوا).
هذا مثل، تأويله أنهم لم يعملوا بما سمعوا ولا بما رأوا من الآيات.
فصاروا كالعمى الصّمّ.
(ثمّ تاب اللّه عليهم).
أي أرسل إليهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم أن اللّه جلّ وعزّ قد تاب عليهم إن آمنوا وصدّقوا، فلم يؤمنوا أكثرهم، فقال عزّ وجلّ: (ثمّ عموا وصمّوا كثير منهم).
أي بعد أن ازداد لهم الأمر وضوحا بالنبي عليه السلام (كثير منهم) يرتفع من ثلاثة أوجه:
أحدها أن تكون بدلا من الواو، كأنه لما قال: (عموا وصمّوا) أبدل الكثير منهم، أي عمي وصم كثير منهم كما تقول: جاءني قومك أكثرهم.
وجائز أن يكون جمع الفعل مقدّما كما حكى أهل اللغة أكلوني البراغيث.
والوجه أن يكون كثير منهم خبر ابتداء محذوف، المعنى ذوو العمى والصمم كثير منهم).[معاني القرآن: 2/195-196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا}
قال الحسن: يعني بالفتنة البلاء.
وقال غيره: معنى فعموا وصموا تمثيل أي لم يعملوا بما سمعوا ولا انتفعوا بما رأوا فهم بمنزلة العمي الصم). [معاني القرآن: 2/341]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ثم تاب الله عليهم} أي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم يخبرهم بأن الله عز وجل يتوب عليهم إن تركوا الكفر
ثم عموا وصموا أي بعد وضوح الحجة). [معاني القرآن: 2/341-342]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فِتْنَةٌ}: بلاء). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم}
قال إبراهيم النخعي: المسيح الصديق.
قال أبو جعفر: ووجدنا للعلماء في تفسير معناه ستة أقوال سوى هذا.
روي عن ابن عباس: سمي مسيحا؛ لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له.
وروى غيره عنه: إنما سمي مسيحا؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برأ ولا يضع يده على شيء إلا أعطي فيه مراده.
وقال ثعلب: لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها.
وقيل: لسياحته في الأرض.
وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن.
وقال أبو عبيد: أحسب أصله بالعبرانية مشيحا، قال: وأما قولهم المسيح الدجال فإنما سمي مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين فهو مسيح بمعنى ممسوح،كما يقال: قتيل بمعنى مقتول). [معاني القرآن: 2/342-343]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ...}
يكون مضافا. ولا يجوز التنوين في (ثالث) فتنصب الثلاثة. وكذلك قلت: واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة؛ ألا ترى أنه لا يكون ثانيا لنفسه ولا ثالثا لنفسه.
فلو قلت: أنت ثالث اثنين لجاز أن تقول: أنت ثالث اثنين، بالإضافة، وبالتنوين ونصب الاثنين؛ وكذلك لو قلت: أنت رابع ثلاثة جاز ذلك؛ لأنه فعل واقع.
وقوله: {وما من اله إلاّ اله واحدٌ} لا يكون قوله (إله واحد) إلا رفعا؛ لأن المعنى: ليس إله إلا إله واحد، فرددت ما بعد (إلا) إلى المعنى؛ ألا ترى أن (من) إذا فقدت من أوّل الكلام رفعت.
وقد قال بعض الشعراء:
ما من حوي بين بدرٍ وصاحةٍ=ولا شعبةٍ إلا شباعٌ نسورها
فرأيت الكسائي قد أجاز خفضه وهو بعد إلا، وأنزل (إلا) مع الجحود بمنزلة غير، وليس ذلك بشيء؛ لأنه أنزله بمنزلة قول الشاعر:
أبني لبيني لستم بيدٍ=إلا يدٍ ليست لها عضد
وهذا جائز؛ لأن الباء قد تكون واقعة في الجحد كالمعرفة والنكرة، فيقول: ما أنت بقائم، والقائم نكرة، وما أنت بأخينا، والأخ معرفة، ولا يجوز أن تقول: ما قام من أخيك، كما تقول ما قام من رجل). [معاني القرآن: 1/317-318]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إله إلاّ إله واحدٌ وإن لّم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}
[و] قال: {لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ} وذلك أنهم جعلوا معه "عيسى" و"مريم". كذلك يكون في الكلام إذا كان واحد مع اثنين قيل "ثالث ثلاثةٍ" كما قال: {ثاني اثنين} وإنما كان معه واحد.
ومن قال: "ثالث اثنين" دخل عليه أن يقول: "ثاني واحدٍ". وقد يجوز هذا في الشعر وهو في القياس صحيح. قال الشاعر:
ولكن لا أخون الجار حتّى=يزيل الله ثالثة الأثافي
ومن قال: "ثاني اثنين" و"ثالث ثلاثةٍ" قال: حادي أحد عشر" إذا كان رجل مع عشرة.
ومن قال "ثالث اثنين" قال: "حادي عشرة".
فأمّا قول العرب: "حادي عشر" و"ثاني عشر" فهذا في العدد إذا كنت تقول: "ثاني" و"ثالث" و"رابع" و"عاشر" من غير أن تقول: عاشر كذا وكذا"، فلما جاوز العشرة أراد أن يقول: "حادي" و"ثاني" فكان ذلك لا يعرف معناه إلا بذكر العشرة فضم إليه شيئا من حروف العشرة). [معاني القرآن: 1/229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثة وما من إله إلّا إله واحد وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم (73)
معناه أنهم قالوا الله أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة، ولا يجوز في ثلاثة إلا الجر؛ لأن المعنى أحد ثلاثة، فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جاز الجر والنّصب، فأما النصب فعلى قولك كان القوم ثلاثة فربعهم.
وأنا رابعهم غدا، أو رابع الثلاثة غدا، ومن جر فعلى حذف التنوين، كما قال عزّ وجلّ: (هديا بالغ الكعبة).
وقوله: (وما من إله إلّا إله واحد).
دخلت " من " مؤكدة، والمعنى ما إله إلا إله واحد.
وقوله: (وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم).
معنى الذين كفروا منهم. الذين أقاموا على هذا الدين وهذا القول). [معاني القرآن: 2/196]

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) )
تفسير قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأمّه صدّيقةٌ...}
وقع عليها التصديق كما وقع على الأنبياء. وذلك لقول الله تبارك وتعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها} فلما كلّمها جبريل صلى الله عليه وسلم وصدّقته وقع عليها اسم الرسالة، فكانت كالنبيّ). [معاني القرآن: 1/318]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أنّي يؤفكون) (75) أي كيف يحدّون ويصدّون عن الخير والدين والحق
ويقال: أفكت أرض كذا أي لم يصبها مطر وصرف عنها ولا نبات فيها ولا خير). [مجاز القرآن: 1/174-175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أنى يؤفكون}: كيف يصدون عن الحق، يقال أرض مأفوكة أي ليس فيها مطر ولا نبات). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ما المسيح ابن مريم إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} أي: تقدمت قبله الرسل. يريد أنه لم يكن أول رسول أرسل فيعجب منه.
وقوله: {كانا يأكلان الطّعام} هذا من الاختصار والكناية، وإنما نبّة بأكل الطعام على عاقبته وعلى ما يصير إليه وهو الحدث، لأن من أكل الطعام فلا بد له من أن يحدث.
{انظر كيف نبيّن لهم الآيات} وهذا من ألطف ما يكون من الكناية.
{أنّى يؤفكون} مثل قوله: {أنّى يصرفون} أي يصرفون عن الحق.
ويعدلون. يقال: أفك الرجل عن كذا: إذا عدل عنه. وأرض مأفوكة: أي محرومة المطر والنبات. كأن ذلك عدل عنها وصرف). [تفسير غريب القرآن: 145]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما المسيح ابن مريم إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقة كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون (75)
أي إبراؤه الأكمه والأبرص وإتيانه بالآيات المعجزات ليس بأنه إله، إنما أتى بالآيات كما أتى موسى بالآيات، وكما أتى إبراهيم بالآيات.
(وأمّه صدّيقة).
أي مبالغة في الصدق والتصديق، وإنما وقع عليها صدّيقة لأنه أرسل إليها جبريل، فقال الله عزّ وجلّ: (وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه)،
وصدّيق فعيل من أبنية المبالغة كما تقول فلان سكيت أي مبالغ في السكوت.
وقوله: (كانا يأكلان الطّعام).
هذا احتجاج بين، أي إنما يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر الآدميين.
فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام.
وقوله: (انظر كيف نبيّن لهم الآيات).
أي العلامات الواضحة.
(ثمّ انظر) أي انظر بعد البيان.
(أنّى يؤفكون).
أي من أين يصرفون عن الحق الواضح.
وكل شيء صرفته عن شيء وقلبته عنه، تقول أفكته آفكه إفكا، والإفك الكذب إنما سمّي لأنه صرف عن الحق، والمؤتفكات الرياح التي تأتي من جهات على غير قصد واحد). [معاني القرآن: 2/196-197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام} من الصدق وفعيل في كلام العرب للتكثير كما، يقال: سكيت وقال جل وعز: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه}
ومن هذا قيل: لأبي بكر رضي الله عنه صديق
ويروى أنه إنما قيل له: صديق؛ لأنه لما أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى بيت المقدس، فقال: إن كان قال فقد صدق). [معاني القرآن: 2/343-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {كانا يأكلان الطعام}
في معناه قولان:
أحدهما: كناية عن إتيان الحاجة كما يكنى عن الجماع بالغشيان وما أشبهه.
وقيل: كانا يتغذيان كما يتغذى سائر الناس فكيف يكون إلها من لا يعيش إلا بأكل الطعام). [معاني القرآن: 2/344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز ذكره: {انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} أي قد بينا لهم العلامات وأوضحنا الأمر فمن أين يصرفون
يقال: أفكه، يأفكه إذا صرفه). [معاني القرآن: 2/344-345]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي من أين ينصرفون عن الحق ويعدلون.
ويقال: أرض مأفوكة: إذا حُرمت المطر والنبات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُؤْفَكُونَ}: يصدون عن الحق). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) )
تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرا وضلّوا عن سواء السّبيل (77)
أهواء جمع هوى، وهوى النفس مقصور لأنه مثل الفرق وفعل جمعه أفعال، وتأويله لا تتبعوا شهواتهم لأنهم آثروا الشهوات على البيان والبرهان.
وما في القرآن من ذكر اتباع الهوى مذموم نحو قوله:
(ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل اللّه)
وقوله: (واتّبع هواه فتردى) وقوله: (وما ينطق عن الهوى).
ومعنى (وأضلّوا كثيرا) الكثير اتبعوهم.
(وضلّوا عن سواء السّبيل).
أي ضلوا بإضلالهم عن قصد السبيل). [معاني القرآن: 2/197-198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق} الغلو التجاوز قال أبو عبيد كما فعلت الخوارج أخرجهم الغلو إلى أن كفروا أهل الذنوب قال ويبين لك هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية والمروق هو الغلو بعينه لأن السهم يتجاوز الرمية). [معاني القرآن: 2/345]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني اليهود وقال غيره لأنهم اتبعوا شهواتهم وطلبوا دوام رياستهم وآثروا ذلك على الحق والهوى في القرآن مذموم والعرب لا تستعمله إلا في الشر فأما في الخير فيستعملون الشهوة والنية والمحبة). [معاني القرآن: 2/345-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأضلوا كثيرا} قال ابن أبي نجيح يعني المنافقين وقال غيره ضلوا باتباعهم إياهم). [معاني القرآن: 2/346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وضلوا عن سواء السبيل} أي قصده). [معاني القرآن: 2/346]

تفسير قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78)
تأويل لعنوا بوعدوا من رحمة اللّه.
(على لسان داوود وعيسى ابن مريم)
جاء في التفسير أن قوما اجتمعوا على منكر، فأتاهم داود عليه السلام ينهاهم عنه، فاستأذن عليهم فقالوا نحن قرود وما نفقه ما تقول، فقال كونوا قردة، فمسخهم الله قردة، وأن قوما اجتمعوا على عيسى يسبّونه في أمّه ويرجمونه فسأل الله أن يجعلهم خنازير فصاروا خنازير، وذلك لعنهم على لسان داود وعيسى.
وجائز أن يكون داود وعيسى أعلما أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبي وأنهما لعنا من كفر به.
وقوله؛ (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).
أي ذلك اللعن بمعصيتهم واعتدائهم.
و " ذلك " الكاف فيه للمخاطبة، واللام في ذلك كسرت لالتقاء السّاكنين.
ولم يذكر الكوفيون كسر هذه اللام في شيء من كتبهم ولا عرفوه، وهذه من الأشياء التي كان ينبغي أن يتكلموا فيها، إذ كان " ذلك " إشارة إلى كل متراخ عنك، إلا أن تركهم الكلام أعود عليهم من تكلّمهم إذ كان أول ما نطقوا به في فعل قد نقض سائر العربية، وقد بيّنّا ذلك قديما). [معاني القرآن: 2/198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قال أبو مالك الذين لعنوا على لسان داود مسخوا قردة والذين لعنوا على لسان عيسى صلى الله عليه وسلم مسخوا خنازير وروي عن ابن عباس أنه قال الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بعد نزول المائدة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول ما وقع النقص في بني إسرائيل أن أحدهم كان يرى أخاه على المعصية فينهاه ثم لا يمنعه ذلك من الغد أن يكون أكيله وشريبه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض وأنزل فيهم القرآن {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}
ثم قال صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا). [معاني القرآن: 2/346-348]

تفسير قوله تعالى: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79)
أي لبئس سيئا فعلهم، واللام دخلت للقسم والتوكيد وقد بيّنّا لم فتحت، وسائر الحروف التي جاءت يعني لم فتحت وكسرت ولم يبين
الكوفيون شيئا من ذلك). [معاني القرآن: 2/199]

تفسير قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ترى كثيرا منهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون (80)
(أن سخط اللّه عليهم)
(أن) يجوز أن يكون نصبا على تأويل بئس الشيء ذلك لأن سخط اللّه عليهم، أي لأن أكسبهم السّخطة، ويجوز أن يكون " أن " في موضع رفع على إضمار هو، كأنّه قيل هو أن سخط اللّه عليهم، كما تقول نعم الرجل).[معاني القرآن: 2/199]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} قال مجاهد يعني المنافقين). [معاني القرآن: 2/348]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) )


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة