{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}
تفسير قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة} [النمل: 54] يعني المعصية، وهو تفسير السّدّيّ.
{وأنتم تبصرون} [النمل: 54] أنّها الفاحشة). [تفسير القرآن العظيم: 2/553]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأنتم تبصرون} , تعلمون أنها فاحشة). [معاني القرآن: 2/296]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون}
نصب لوط من جهتين:
على معنى : وأرسلنا لوطاً.
وعلى معنى : واذكر لوطا إذ قال لقومه، لأنه قد جرت أقاصيص رسل، فدخل معنى إضمار اذكر ههنا.
{أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون} أي : وأنتم تعلمون أنها فاحشة، فهو أعظم لذنوبكم.). [معاني القرآن: 4/125]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون}
أي: واذكر لوطاً, أو وأرسلنا لوطًا .
ثم قال: {أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون} أي : وأنتم تبصرون، أي: تعلمون أنها فاحشة، فذلك أعظم لذنبكم .
وقيل: يرى بعضكم ذلك من بعض، ولا يكتمه منه ). [معاني القرآن: 5/142]
تفسير قوله تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({أئنّكم لتأتون الرّجال شهوةً من دون النّساء بل أنتم قومٌ تجهلون} [النمل: 55] بل أنتم قومٌ جاهلون، وقد فسّرنا أمرهم في غير هذا الموضع). [تفسير القرآن العظيم: 2/553]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أئنّكم لتأتون الرّجال شهوة من دون النّساء بل أنتم قوم تجهلون}
يجوز على أوجه: أاإئنكم بهمزتين بينهما ألف، ويجوز أئنكم بهمزتين محققتين، والأجود أينكم بجعل الهمزة الثانية بين تكون بين الياء والهمزة ). [معاني القرآن: 4/125-126]
تفسير قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا} [النمل: 56] قاله بعضهم لبعضٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/553]
{أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنّهم أناسٌ يتطهّرون} [النمل: 56] عن الفاحشة، في تفسير الحسن.
وقال قتادة: من أعمال قوم لوطٍ.
وقال مجاهدٌ: يتطهّرون من أدبار الرّجال، ومن أدبار النّساء.
{يتطهّرون} [النمل: 56] يتنزّهون). [تفسير القرآن العظيم: 2/554]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فما كان جواب قومه إلّا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنّهم أناس يتطهّرون}
(جواب) خبر كان، و " أن قالوا " الاسم، ويجوز : {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا}
وقوله: {إنّهم أناس يتطهّرون}
قال قوم لوط : هذا للوط، ولمن آمن معه، على جهة الهزؤ بهم ؛ لأنهم تطهّروا عن أدبار الرجال، وأدبار النساء.
ويروى عن ابن عمر أنه سئل: هل يجوز هذا في النساء؟ قيل له : ما تقول في التحميض ؟ فقال: أويفعل ذلك المسلمون؟ فهذا عظيم جدّا، وهو الذي سماه اللّه فاحشة).
[معاني القرآن: 4/126]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال مجاهد في قوله تعالى: {إنهم أناس يتطهرون} أي : عن أدبار الرجال , والنساء على الاستهزاء بهم .
وقال قتادة : عابوهم، والله بغير عيب، فإنهم يتطهرون من أعمال السوء ). [معاني القرآن: 5/143]
تفسير قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدّرناها من الغابرين} [النمل: 57] أي غبرت، بقيت في عذاب اللّه، في تفسير قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 2/554]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قدّرناها من الغابرين}:أي : جعلناها من الباقين.). [مجاز القرآن: 2/95]
تفسير قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وأمطرنا عليهم مطرًا} [النمل: 58] وهي الحجارة الّتي رمي بها أهل السّفر منهم، ومن كان خارجًا من المدينة وخسف بمدينتهم، وهي في تفسير قتادة ثلاث مدائن، وهو قوله: {والمؤتفكات} [التوبة: 70].
قال: {فساء مطر} [النمل: 58]، أي: فبئس مطر.
{المنذرين} [النمل: 58] يعنيهم، أنذرهم لوطٌ فلم ينتذروا). [تفسير القرآن العظيم: 2/554]
تفسير قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل الحمد للّه وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى} [النمل: 59] الّذين اختار، يعني: الأنبياء والمؤمنين.
قوله عزّ وجلّ: {آللّه خيرٌ أمّا يشركون} [النمل: 59] على الاستفهام.
[تفسير القرآن العظيم: 2/554]
أي أنّ اللّه خيرٌ من أوثانهم الّتي يعبدونها من دون اللّه.
من اختار، يعني: الأنبياء والمؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 2/555]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل الحمد للّه وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى...}
قيل للوط: {قل الحمد للّه}، على هلاك من هلك , {وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى}، {آللّه خيرٌ أمّا يشركون} يقول: أعبادة الله خير أم عبادة الأصنام؟ ). [معاني القرآن: 2/297]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({آللّه خيرٌ أمّا تشركون }: مجازه أم ما تشركون , أي: أم الذي تشركون به، فأدغمت الميم في الميم، فثقلت، و " ما " قد يوضع في موضع " من " و " الذي "، وكذلك هي في آية أخرى: {والسّماء وما بناها}: ومن بناها ؛ { والأرض وما طحاها }: ومن طحاها ). [مجاز القرآن: 2/95]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: {قل الحمد للّه وسلام على عباده الّذين اصطفى آللّه خير أمّا يشركون}
وتشركون بالياء، والتاء، ويقرأ آللّه، واللّه، بالمد، وترك المد.
ويجوز - واللّه أعلم - : اللّه خير أمّا يشركون؟.
قال أبو إسحاق: إذا ضمّت التاء والياء، فمعناه : أنّهم جعلوا لله شركاء، وإذا فتحت التاء والراء، فمعناه : أنكم تجعلون أنفسكم لله شركاء، يقال: شركت الرجل أشركه،
إذا صرت شريكه.). [معاني القرآن: 4/126]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى}
وروى الحكم بن ظهير، عن السدي، ووكيع، وأبو عاصم، عن سفيان :{وسلام على عباده الذين اصطفى }، قالا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم .
وقال جل وعز: {آلله خير أم ما يشركون}: وليس فيما يشركون خير، فالمعنى : أثواب الله خير أم ثواب ما يشركون ؟.
وجواب آخر : أجود من هذا يكون المعنى : آلخير في هذا أم في هذا الذي يشركون به في العبادة، كما قال:
أتهجوه ولست له بكفء = فشركما لخيركما الفداء
وحكى سيبويه : السعادة أحب إليك، أم الشقاء؟، وهو يعلم أن السعادة أحب إليه .
والمعنى : أم ما تشركون بالله خير، أم الذي يهديكم في ظلمات البر والبحر إذا ضللتم الطريق؟ ). [معاني القرآن: 5/143-144]
تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {أمّن خلق السّموات والأرض وأنزل لكم من السّماء ماءً فأنبتنا به} [النمل: 60] بذلك الماء.
{حدائق} [النمل: 60] قال الحسن وقتادة والحدائق، النّخل.
وقال الكلبيّ: الحديقة، الحائط من الشّجر والنّخل.
{ذات بهجةٍ} [النمل: 60] قال قتادة: ذات حسنٍ، أي: حسنةٌ.
{ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} [النمل: 60]، أي: أنّ اللّه هو أنبتها، يقول: إنّ من خلق هذا، وهذا تبعٌ لقوله تبارك وتعالى: {ءاللّه خيرٌ أمّا يشركون} [النمل: 59] وهو على الاستفهام، يقول: أمّن خلق هذا خيرٌ أو أوثانهم، أي: أنّ اللّه خيرٌ منهم، هذا تفسير الحسن.
قال: {أإلهٌ مع اللّه} [النمل: 60] على الاستفهام، أي: ليس معه إلهٌ وهذا استفهامٌ على إنكارٍ.
قال: {بل هم قومٌ يعدلون} [النمل: 60] باللّه فيعبدون الأوثان من دونه يعدلونهم باللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/555]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ...}
فقال: {ذات}, ولم يقل: ذوات، وكلّ صواب، وإنما جاز أن يقول : {ذات} للحدائق، وهي جمع لأنك تقول: هذه حدائق، كما تقول: هذه حديقة، ومثله قول الله:
{وللّه الأسماء الحسنى}، ولم يقل الحسن، و(والقرون الأولى)، ولو كانت حدائق ذوات بهجة، كان صواباً، وقال الأعشى في توحيدها:
فسوف يعقبنيه إن ظفرت به = ربٌّ غفورٌ وبيض ذات أطهار
ولم يقل: ذوات أطهار, وإنما يقال: حديقة لكل بستان عليه حائط, فما لم يكن عليه حائط, لم يقل له: حديقة.
وقوله: {أإله مّع اللّه} مردود على قوله: {أم من خلق} كذا وكذا، ثم قال {أإله مّع اللّه} خلقه، وإن شئت جعلت رفعه بمع؛ كقولك: أمع الله ويلكم إله!
ولو جاء نصباً أإلهاً مع الله على أن تضمر فعلاً، يكون به النصب كقولك: أتجعلون إلها مع الله، أو أتتّخذون إلها مع الله.
والعرب تقول: أثعلباً، وتفرّ ! كأنهم أرادوا: أترى ثعلباً وتفر؟!
وقال بعض الشعراء:
أعبداً حلّ في شعبي غريباً = ألؤماً لا أبالك واغترابا
يريد: أتجمع اللؤم والاغتراب. وسمعت بعض العرب لأسير أسره ليلاً، فلمّا
أصبح رآه أسود، فقال أعبداً سائر الليلة، كأنه قال: ألا أراني أسرت عبداً منذ ليلتي،
وقال آخر:
أجخفا تميميّاً إذا فتنة خبت = وجبناً إذا ما المشرفيّة سلّت
فهذا في كل تعجّب خاطبوا صاحبه، فإذا كان يتعجّب من شيء ويخاطب غيره، أعملوا الفعل فقالوا: أثعلب ورجل يفرّ منه؟! لأن هذا خطاب لغير صاحب الثعلب، ولو نصب على قوله أيفر رجل من ثعلبٍ ؟! فتجعل العطف كأنه السّابق، يبني على هذا،
وسمعت بعض بني عقيل ينشد لمجنون بني عامر:
أألبرق أم نارا لليلى بدت لنا = بمنخرقٍ من ساريات الجنائب
وأنشدني فيها:
بل البرق يبدو في ذرى دفئيّة = يضيء نشاصاً مشمخرّ الغوارب
فنصب كل هذا، ومعه فعله على إضمار فعل منه، كأنه قال أأرى ناراً ، بل أرى البرق، وكأنه قال: ولو رأيت نار ليلى، وكذلك الآيتان الأخريان في قوله: {أإله مّع اللّه}).
[معاني القرآن: 2/297-298]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأنبتنا به حدائق} أي: جناناً من جنان الدنيا، واحدتها حديقة ). [مجاز القرآن: 2/95]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أمّن خلق السّماوات والأرض وأنزل لكم مّن السّماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ مّا كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مّع اللّه بل هم قومٌ يعدلون}
وقال: {أمّن خلق السّماوات}،{أمّن يبدأ الخلق}حتى ينقضي الكلام، {من} ههنا ليست باستفهام على قوله: {خيرٌ أمّا يشركون}، إنما هي بمنزلة "الّذي"). [معاني القرآن: 3/21]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حدائق}: واحدها حديقة وهي الحيطان). [غريب القرآن وتفسيره: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (الحدائق) : البساتين، واحدها: «حديقة», سميت بذلك: لأنه يحدق عليها، أي : يحظر عليها حائط،
ومنه قيل: حدّقت بالقوم، إذا أحطت بهم.
{ذات بهجةٍ}: ذات حسن). [تفسير غريب القرآن: 326]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{بل هم قوم يعدلون} : معناه : يكفرون، أي: يعدلون عن القصد , وطريق الحق). [معاني القرآن: 4/128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {بل هم قوم يعدلون} : أي: يعدلون عن القصد والحق، ويجوز أن يكون المعنى : يعدلون بالله جل وعز.
وقوله جل وعز: {فأنبتنا به حدائق ذات بهجة}
روى معمر، عن قتادة قال : النخل الحسان .
قال أبو جعفر : وهو من قولهم : حدق به، أي : أحيط به كما قال:
وقد حدقت بي المنية = واستبطأت أنصاري).
[معاني القرآن: 5/144-145]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بل هم قوم يعدلون}: أي: يشركون بالله - جل وعز - , أي: يجعلون معه عدلًا، أي: مثالًا، لا إله إلا هو). [ياقوتة الصراط: 394]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( (الحَدَائِقَ) : البساتين). [العمدة في غريب القرآن: 230]
تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {أمّن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي} [النمل: 61] الجبال.
{وجعل بين البحرين حاجزًا} [النمل: 61] من اللّه.
قال قتادة: لا يبغي أحدهما على الآخر، ولا يبغي المالح على العذب، ولا العذب على المالح.
وقال بعضهم: وجعل بينهما حاجزًا من الأرض بين البحرين حاجزًا من اللّه، قال قتادة: المالحين: بحر فارس والرّوم.
وتفسير مجاهدٍ: حاجزًا لا يرى.
وتفسير الكلبيّ: البرزخ الخلق الّذي بينهما، يعني: بحر فارس والرّوم.
وقال الحسن: يقول: أمّن خلق هذا خيرٌ أو أوثانهم؟ وهذا تبعٌ لقوله: {اللّه خيرٌ أمّا يشركون} وهو على الاستفهام، أي: أنّ اللّه خيرٌ من أوثانهم.
قال: {أإلهٌ مع اللّه} [النمل: 61] وهو على الاستفهام، أي: ليس معه إلهٌ.
{بل أكثرهم لا يعلمون} [النمل: 61] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/556]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{أمّن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع اللّه بل أكثرهم لا يعلمون}: حجز بينهما بقدرته، فلا يختلط العذب بالملح ). [معاني القرآن: 4/126-127]
تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء} [النمل: 62]
[تفسير القرآن العظيم: 2/556]
يعني الضّرّ، تفسير السّدّيّ.
{ويجعلكم خلفاء الأرض} [النمل: 62] قال قتادة: خلفًا من بعد خلفٍ، وهو على الاستفهام، يقول: أمّن يفعل هذا خيرٌ أو أوثانهم، وهذا تبعٌ لقوله: {آللّه خيرٌ أمّا يشركون} [النمل: 59]، أي: أنّ اللّه خيرٌ من أوثانهم.
قال: {أإلهٌ مع اللّه} [النمل: 62] على الاستفهام، أي: ليس معه إلهٌ.
{قليلا ما تذكّرون} [النمل: 62] أقلّهم المتذكّر، يعني: أقلّهم من يؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/557]
تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {أمّن يهديكم في ظلمات البرّ والبحر} [النمل: 63] من شدائد البرّ والبحر.
وقال السّدّيّ، يعني: في أهوال البرّ والبحر.
{ومن يرسل الرّياح بشرًا} [النمل: 63]، يعني: ملقّحاتٍ للسّحاب.
{بين يدي رحمته} [النمل: 63] بين يدي المطر وهو على الاستفهام، يقول: أمّن يفعل
[تفسير القرآن العظيم: 2/557]
هذا خيرٌ أو أوثانهم؟ وهذا تبعٌ لقوله: {ءاللّه خيرٌ أمّا يشركون} [النمل: 59]، أي: أنّ اللّه خيرٌ من أوثانهم.
قال: {أإلهٌ مع اللّه} [النمل: 63] على الاستفهام، أي: ليس معه إلهٌ.
{تعالى اللّه} [النمل: 63] ارتفع.
{عمّا يشركون} [النمل: 63] ينزّه نفسه عمّا يشركون به). [تفسير القرآن العظيم: 2/558]
تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أمّن يبدأ الخلق ثمّ يعيده} [النمل: 64]، يعني: البعث.
{ومن يرزقكم من السّماء والأرض} [النمل: 64] وهو على الاستفهام، يقول: أمّن يفعل هذا خيرٌ أو أوثانهم، وهذا تبعٌ بقوله: {ءاللّه خيرٌ أمّا يشركون} [النمل: 59]، أي: أنّ اللّه خيرٌ من أوثانهم.
قال: {أإلهٌ مع اللّه} [النمل: 64] على الاستفهام، أي: ليس معه إلهٌ.
{قل هاتوا برهانكم} [النمل: 64] يقول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أي: يقول للمشركين {هاتوا برهانكم} [النمل: 64] حجّتكم في تفسير الحسن.
وفي تفسير قتادة: بيّنتكم.
وقال السّدّيّ: برهانكم، يعني: حجّتكم أنّ معه إلهًا.
{إن كنتم صادقين} [النمل: 64] أنّ هذه الأوثان خلقت شيئًا أو صنعت شيئًا من هذا). [تفسير القرآن العظيم: 2/558]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل لا يعلم من في السّموات والأرض الغيب إلا اللّه} [النمل: 65] الغيب هاهنا القيامة، لا يعلم مجيئها إلا اللّه.
{وما يشعرون} [النمل: 65] وما يشعر جميع الخلق.
{أيّان يبعثون} [النمل: 65] متى يبعثون). [تفسير القرآن العظيم: 2/558]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل لاّ يعلم من في السّماوات والأرض الغيب إلاّ اللّه...}
رفعت ما بعد (إلاّ) لأن في الذي قبلها جحداً وهو مرفوع, ولو نصب كان صواباً, وفي إحدى القراءتين : {ما فعلوه إلا قليلاً منهم} بالنصب، وفي قراءتنا بالرّفع, وكلّ صواب، هذا إذا كان الجحد الذي قبل إلا مع أسماء معرفة، فإذا كان مع نكرة لم يقولوا إلا الاتباع لما قبل (إلاّ) فيقولون: ما ذهب أحد إلاّ أبوك، ولا يقولون: إلا أباك، وذلك أن الأب خلف من أحدٍ؛ لأن ذا واحدٌ وذا واحد، فآثروا الإتباع، والمسألة الأولى : ما قبل (إلاّ) جمع، وما بعد (إلاّ) واحد منه أو بعضه، وليس بكلّه.). [معاني القرآن: 2/298-299]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وما يشعرون أيّان }: مجازه : متى، وفي آية أخرى:{ أيّان مرساها}: أي : متى.). [مجاز القرآن: 2/95]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل لاّ يعلم من في السّماوات والأرض الغيب إلاّ اللّه وما يشعرون أيّان يبعثون}
وقال:{قل لا يعلم من في السّماوات والأرض الغيب إلاّ اللّه}، كما قال: {إلاّ قليلٌ مّنهم}، وفي حرف ابن مسعود : {قليلاً} بدلاً من الأول؛ لأنك نفيته عنه، وجعلته للآخر).
[معاني القرآن: 3/21]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أيان يبعثون}: متى يبعثون ). [غريب القرآن وتفسيره: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما يشعرون أيّان يبعثون}: متى يبعثون ). [تفسير غريب القرآن: 326]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{قل لا يعلم من في السّماوات والأرض الغيب إلّا اللّه وما يشعرون أيّان يبعثون}: بالرفع القراءة، ويجوز النصب،
ولا أعلم أحدا قرأ به، فلا تقرأن به.
فمن رفع في قوله:{إلّا الله}, فعلى البدل، المعنى: لا يعلم أحد الغيب إلا اللّه، أي: لا يعلم الغيب إلا اللّه، ومن نصب فعلى معنى : لا يعلم أحد الغيب إلا اللّه، على معنى :
استثني اللّه عزّ وجلّ، فإنه يعلم الغيب.
وقوله: {وما يشعرون أيّان يبعثون}و{أيّان تبعثون}جميعاً، أي: لا يعلمون متى البعث ). [معاني القرآن: 4/127]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( {أَيَّانَ}: متى). [العمدة في غريب القرآن: 231]
تفسير قوله تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {بل ادّارك علمهم في الآخرة} [النمل: 66] علموا في الآخرة أنّ الأمر كما قال اللّه، فآمنوا حين لم ينفعهم علمهم ولا إيمانهم.
وتفسير الحسن: {بل ادّارك علمهم في الآخرة} [النمل: 66] على الاستفهام، تبعًا للاستفهام الأوّل، أي: لم يبلغ علمهم في الآخرة، ولو ادّارك علمهم في الآخرة، أي: لو بلغ علمهم أنّ الآخرة كائنةٌ لآمنوا بها في الدّنيا كما آمن بها المؤمنون.
[تفسير القرآن العظيم: 2/558]
في تفسير قتادة {بل ادّارك علمهم في الآخرة} [النمل: 66] قال: سفههم وجهلهم، أي: ما بلغ علمهم في الآخرة، أي: أنّ علمهم لم يبلغ ذلك في الدّنيا يسفّههم بذلك.
وتفسير مجاهدٍ: بل ادّارك علمهم أم أدرك، أي: لم يدرك، مثل قول قتادة.
قال: {بل هم في شكٍّ منها} [النمل: 66] من الآخرة.
{بل هم منها عمون} [النمل: 66] قال قتادة: عموا عنها عموا في الآخرة.
وقال الكلبيّ: {بل هم منها عمون} [النمل: 66] لا يدرون ما الحساب فيها وما العقاب). [تفسير القرآن العظيم: 2/559]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {بل ادّارك علمهم في الآخرة...}
معناه: لعلّهم تدارك علمهم, يقول: تتابع علمهم في الآخرة, يريد: بعلم الآخرة أنها تكون , أو لا تكون، لذلك قال: {بل هم في شكٍّ مّنها بل هم مّنها عمون}
وهي في قراءة أبيّ : {أم تدارك علمهم في الآخرة} بأم، والعرب تجعل (بل) مكان (أم)، و(أم) مكان (بل) إذا كان في أوّل الكلام استفهام،
مثل قول الشاعر:
فوالله ما أجري أسلمى تغوّلت = أم النوم أم كلّ إلى حبيب
فمعناهن: بل، وقد اختلف القراء في {ادّارك}، فقرأ يحيى، والحسن، وشيبة، ونافع :{بل ادّارك}، وقرأ مجاهد أبو جعفر المدني : {بل أدرك علمهم في الآخرة}، من أدركت،
ومعناه: كأنه قال: هل أدرك علمهم علم الآخرة، وبلغني عن ابن عبّاس أنه قرأ : {بلى أدّارك}: يستفهم ويشدّد الدال، ويجعل في (بلى) ياء، وهو وجه جيّد؛ لأنه أشبه بالاستهزاء بأهل الجحد، كقولك للرّجل تكذّبه: بلى، لعمري لقد أدركت السلف، فأنت تروي ما لا نروي، وأنت تكذّبه ). [معاني القرآن: 2/299]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بل ادّارك علمهم}: أي : تدارك ظنهم في الآخرة، وتتابع بالقول، والحدس.
{بل هم منها عمون}: أي: من علمها.). [تفسير غريب القرآن: 326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}.
أصل ادّارك: تدارك، فأدغمت التاء في الدال، وأدخلت ألف الوصل ليسلم للدّال الأولى السكون، ومثله: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا} و{اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}، و{قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ}، إنما هو: تداركوا، وتثاقلتم، وتطيّرنا.
ومعنى تدارك: تتابع، وعلمهم: حكمهم على الآخرة، وحدسهم الظّنون.
وأراد وما يشعرون متى يبعثون إلّا بتتابع الظّنون في علم الآخرة، فهم يقولون تارة: إنها تكون، وتارة: إنها لا تكون، وإلى كذا تكون، وما يعلم غيب ذلك إلّا الله تعالى.
ثم قال: بل هم في شكٍّ منها بل هم من علمها عمون.
وكان ابن عباس يقرؤها بلى أدارك علمهم.[تأويل مشكل القرآن: 354]
وهذه القراءة أشدّ إيضاحا للمعنى، لأنه قال: وما يشعرون متى يبعثون، ثم قال: بل تداركت ظنونهم في علم الآخرة، فهم يحدسون ولا يدرون). [تأويل مشكل القرآن: 355]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى:{بل ادّارك علمهم في الآخرة بل هم في شكّ منها بل هم منها عمون}
فيها أوجه: قرأ أبو عمرو: بل أدرك علمهم في الآخرة, وقرأ أكثر الناس:{بل ادّارك}بتشديد الذال.
وروي , عن ابن عباس: بلى , أدرك علمهم في الآخرة, ويجوز : بلى , ادّارك علمهم في الآخرة فمن قرأ :{بل ادّارك علمهم في الآخرة }, وهو الجيد، فعلى معنى : بل تدارك علمهم في الآخرة، على معنى : بل يتكامل علمهم يوم القيامة، لأنّهم مبعوثون، وكل ما وعدواً به حق، ومن قرأ: بل أدرك علمهم , فعلى معنى:ا لتقرير والاستخبار، كأنّه قيل: لم يدرك علمهم في الآخرة , أي: ليس يقفون في الدنيا على حقيقتها، ثم بين ذلك في قوله:{بل هم في شكّ منها}.
وقالوا في تفسير {بل ادّارك علمهم}: أم أدرك علمهم، والقراءة الجيّدة {ادّارك} على معنى : تدارك بإدغام التاء في الدال، فتصير دالًا ساكنة , فلا يبتدئ بها، فيأتي بألف الوصل , لتصل إلى التكلّم بها, وإذا وقفت على (بل)، وابتدأت قلت:{ادّارك}, فإذا وصلت كسرت اللام في بل، لسكونها , وسكون الدال.
وقوله: {حدائق ذات بهجة}: الحدائق، واحدتها: حديقة، والحديقة البستان، وكذلك الحائط، وقيل : القطعة من النخل، وقوله : {ذات بهجة}: معناه: ذات حسن، ويجوز في غير القراءة ذوات بهجة، لأنها جماعة، كما تقول: نسوتك ذوات حسن، وإنما جاز ذات بهجة؛ لأن المؤنث يخبر عنه في الجمع بلفظ الواحدة، إذا أردت جماعة، كأنك قلت:
جماعة ذات بهجة.). [معاني القرآن: 4/127-128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {بل ادارك علمهم في الآخرة}
ويقال : بل أدرك , أي: كمل , لأنهم عاينوا الحقائق.
وروى شعبة , عن أبي حمزة , عن ابن عباس : أنه قرأ : {بلى أدارك}: بفتح الهمزة على الاستفهام , وبتشديد الدال .
{علمهم في الآخرة} , وقال : أي لم يدرك .
وروى علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : أي: غاب.
والمعروف من قراءته :{بلى ادارك}, أي: تتابع , يقولون تكون , ولا تكون , وإلى كذا تكون .
قال أبو جعفر : في آدارك : هذه ألف التوقيف , أي: أدارك علمهم في الدنيا حقيقة الآخرة , أي: لم يدرك , وربما جاء مثل هذا بغير ألف استفهام.
وقرأ ابن محيصن : {بل أدارك علمهم }: وأنكر هذا أبو عمرو , قال: لأن بل لا يقع بعدها إلا إيجاب .
قال أبو جعفر : وهو جائز على أن يكون المعنى بل لم يدرك علمهم , وبل يقال لهم هذا). [معاني القرآن: 5/145-146]
تفسير قوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين كفروا أئذا كنّا ترابًا وآباؤنا} [النمل: 67] على الاستفهام.
[تفسير القرآن العظيم: 2/559]
{أئنّا لمخرجون} [النمل: 67] لمبعوثون كقوله: {أئذا ما متّ لسوف أخرج حيًّا} [مريم: 66]، أي: لا نبعث، وهذا استفهامٌ منهم على إنكارٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/560]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أإنّا لمخرجون...}, و{إنّنا} , وهي في مصاحف أهل الشام : {إنّنا}). [معاني القرآن: 2/299]
تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل} [النمل: 68]، أي: فلم نبعث.
وهذا قول مشركي العرب، أي: قد وعدت آباؤنا من قبل بالبعث كما وعدنا محمّدٌ فلم نرها بعثت، يعني: من كان من العرب على عهد موسى.
وقد كان موسى يومئذٍ حجّةً على العرب في تفسير الحسن، وهو قوله: {قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنّا بكلٍّ كافرون} [القصص: 48]، يعني: موسى ومحمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، في تفسير الحسن.
وقال سعيد بن جبيرٍ: يعنون موسى وهارون.
قال: {إن هذا إلا أساطير الأوّلين} [النمل: 68] كذب الأوّلين وباطلهم، في تفسير سعيدٍ، عن قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 2/560]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه للنّبيّ عليه السّلام: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} [النمل: 69] المشركين، كان عاقبتهم أن دمّر اللّه عليهم ثمّ صيّرهم إلى النّار، أي: فاحذروا أن ينزل بكم من عذاب اللّه ما نزل بهم، يعني: المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 2/560]
تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولا تحزن عليهم} [النمل: 70] إن لم يؤمنوا كقوله: {فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ} [فاطر: 8] {ولا تكن في ضيقٍ ممّا يمكرون} [النمل: 70] لا يضيق عليك أمرك ممّا يمكرون بك وبدينك، فإنّ اللّه سينصرك عليهم ويذلّهم لك). [تفسير القرآن العظيم: 2/561]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق ممّا يمكرون}: يقرأ في ضيق ، وضييق). [معاني القرآن: 4/128]
تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ويقولون متى هذا الوعد} [النمل: 71] الّذي تعدنا به من عذاب اللّه إن كنت من الصّادقين). [تفسير القرآن العظيم: 2/561]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل عسى أن يكون ردف لكم} [النمل: 72]، أي: اقترب لكم، في تفسير مجاهدٍ.
وفي تفسير قتادة: اقترب منكم، أي: دنا منكم.
{بعض الّذي تستعجلون} [النمل: 72] تفسير الحسن: بعض الّذي تستعجلون من عذاب اللّه، يعني: قيام السّاعة الّتي يهلك بها آخر كفّار هذه الأمّة الدّائنين بدين أبي جهلٍ وأصحابه). [تفسير القرآن العظيم: 2/561]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الّذي تستعجلون...}
جاء في التفسير: دنا لكم بعض الذي تستعجلون، فكأن اللام دخلت إذ كان المعنى دنا؛ كما قال الشاعر:
فقلت لها الحاجات يطرحن بالفتى = وهمٌّ تعنّاني معنّىً ركائبه
فأدخل الباء في الفتى؛ لأن معنى {يطرحن}: يرمين، وأنت تقول: رميت بالشيء وطرحته، وتكون اللام داخلة، والمعنى : ردفكم، كما قال بعض العرب: نفذت لها مائة،
وهو يريد: نفذتها مائة ). [معاني القرآن: 2/299-300]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( { عسى أن يكون ردف لكم } مجازه : جاء بعدكم.). [مجاز القرآن: 2/96]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الّذي تستعجلون}
وقال: {ردف لكم} ونظنها "ردفكم"، وادخل اللام فأضاف بها الفعل كما قال: {للرّؤيا تعبرون} و{لربّهم يرهبون}، وتقول العرب: "ردفه أمرٌ" كما يقولون: "تبعه" و"أتبعه").
[معاني القرآن: 3/21]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ردف لكم}: أي جاء من بعدكم). [غريب القرآن وتفسيره: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قل عسى أن يكون ردف لكم}: أي: تبعكم، واللام زائدة، كأنه «ردفكم»، وقيل في التفسير: «دنا لكم» ).
[تفسير غريب القرآن: 326]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الّذي تستعجلون}
قيل في التفسير : عجل لكم، ومعناه في اللغة : ردفكم، مثل : ركبكم، وجاء بعدكم ). [معاني القرآن: 4/128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون}
قال مجاهد : أي: أعجلكم .
وروى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {ردف لكم} أي : اقترب لكم .
قال أبو جعفر : وهو من ردفه إذا اتبعه، وجاء في أثره، وتكون اللام أدخلت؛ لأن المعنى : اقترب لكم، ودنا لكم، أو تكون متعلقة بمصدر). [معاني القرآن: 5/147]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( {رَدِفَ لَكُم}: جاء بعدكم ). [العمدة في غريب القرآن: 231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رَدِفَ لَكُم} أي: دنا لكم, وقيل: تبعكم ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 179]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإنّ ربّك لذو فضلٍ على النّاس} [النمل: 73] فبفضل اللّه خلق الكافر، وبفضله يتقلّب في الدّنيا، ويأكل، ويشرب.
[تفسير القرآن العظيم: 2/561]
قال: {ولكنّ أكثرهم} [النمل: 73] أكثر النّاس.
{لا يشكرون} [النمل: 73] أكثرهم من لا يشكر، من لا يؤمن، ومنهم من يشكر وهو المؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/562]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإنّ ربّك ليعلم ما تكنّ صدورهم} [النمل: 74]، يعني: المشركين من عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
{وما يعلنون} [النمل: 74] من الكفر). [تفسير القرآن العظيم: 2/562]
تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وما من غائبةٍ في السّماء والأرض إلا في كتابٍ مبينٍ} [النمل: 75] تفسير الحسن: الغائبة القيامة.
- عن أبيه، قال: وحدّثني نعيم بن يحيى، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاسٍ، قال: أوّل ما خلق اللّه القلم، فقال: اكتب، قال: ربّ ما أكتب؟ قال: ما هو كائنٌ، فجرى القلم بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، قال: فأعمال العباد تعرض كلّ يوم اثنين وخميسٍ فيجدونه على ما في الكتاب). [تفسير القرآن العظيم: 2/562]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ هذا القرءان يقصّ على بني إسرائيل} [النمل: 76] قال قتادة: يعني: اليهود والنّصارى، يعني: الّذين أدركوا النّبيّ عليه السّلام.
{أكثر الّذي هم فيه يختلفون} [النمل: 76]، يعني: ما اختلف فيه أوائلهم وما حرّفوا من كتاب اللّه، وما كتبوا بأيديهم، ثمّ قالوا هذا من عند اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/562]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ هذا القرآن يقصّ على بني إسرائيل أكثر الّذي هم فيه يختلفون...}: وذلك أن بني إسرائيل اختلفوا حتى لعن بعضهم بعضاً،
فقال الله: إنّ هذا القرآن ؛ ليقصّ عليهم الهدى مما اختلفوا فيه لو أخذوه ). [معاني القرآن: 2/300]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وإنّه لهدًى ورحمةٌ للمؤمنين} [النمل: 77] هدًى يهتدون به إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/563]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ ربّك يقضي بينهم بحكمه} [النمل: 78] بين المؤمنين والكافرين في الآخرة، فيدخل المؤمنين الجنّة، ويدخل الكافرين النّار.
- عن أبيه، عن همّامٍ، عن القاسم بن عبد الواحد، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: بلغني حديثٌ عن رجلٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم أسمعه أنا من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فرحلت إليه، فسرت إليه شهرًا حتّى قدمت الشّام، فإذا هو عبد اللّه بن أنيسٍ الأنصاريّ، فبعثت إليه أنّ جابرًا على الباب فرجع إليّ الرّسول،
فقال: جابر بن عبد اللّه؟ قلت: نعم، فرجع إليه الرّسول، فخرج إليّ، فاعتنقني واعتنقته، فقلت: حديثٌ بلغني أنّك سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم أسمعه منه، فخشيت أن أموت أو تموت، ولم أسمعه، فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " يحشر اللّه العباد، أو قال: النّاس، وأومأ بيده إلى الشّام، عراةً غرلا بهمًا، قلت: ما بهمًا؟ قال: ليس معهم
شيءٌ، فيناديهم بصوتٍ يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، أنا الملك، أنا الدّيّان، لا ينبغي لأحدٍ من أهل الجنّة أن يدخل الجنّة وواحدٌ من أهل النّار يطلبه بمظلمةٍ، ولا ينبغي لأحدٍ من أهل النّار أن يدخل النّار وواحدٌ من أهل الجنّة يطلبه بمظلمةٍ، حتّى اللّطمة، قال: قلنا: كيف، وإنّما نأتي اللّه عراةً غرلا بهمًا؟ قال: بالحسنات والسّيّئات.
[تفسير القرآن العظيم: 2/563]
قال: {وهو العزيز العليم} [النمل: 78] لا أعزّ منه ولا أعلم منه). [تفسير القرآن العظيم: 2/564]
تفسير قوله تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فتوكّل على اللّه إنّك على الحقّ المبين} [النمل: 79] البيّنّ.
قال السّدّيّ: يعني: الإسلام). [تفسير القرآن العظيم: 2/564]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّك لا تسمع الموتى} [النمل: 80]، يعني: الكفّار لأنّهم بمنزلة الأموات في سمع الأيمان، تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: يعني: الّذين يلقون اللّه بكفرهم.
قال يحيى: مثلهم فيما يدعوهم إليه مثل الأموات الّذين لا يسمعون.
قال: {ولا تسمع الصّمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين} [النمل: 80] يعنيهم.
وهي تقرأ على وجهٍ آخر: ولا يسمع الصّمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين يقول: إنّ الأصمّ لا يسمع الدّعاء إلا ولّى مدبرًا.
عن أبيه: سعيدٍ، عن قتادة، قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه، فالكافر لا يسمع الهدى ولا يفهمه كما لا يسمع الميّت، ولا يسمع الأصمّ الدّعاء إلا ولّى مدبرًا.
عن أبيه: قال: وحدّثني إسماعيل بن مسلمٍ، قال: سألت
[تفسير القرآن العظيم: 2/564]
الحسن عن هذا الحرف فقال: ولا يسمع الصّمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين). [تفسير القرآن العظيم: 2/565]
تفسير قوله تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وما أنت بهادي العمي} [النمل: 81] عن الهدى.
{عن ضلالتهم} [النمل: 81]، يعني: الّذي يموتون على كفرهم.
{إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا} [النمل: 81] من أراد اللّه أن يؤمن.
{فهم مسلمون} [النمل: 81] وهذا سمع القبول، فأمّا الكافر فتسمع أذناه ولا يقبله قلبه). [تفسير القرآن العظيم: 2/565]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم...}: لو قلت بهادٍ العمي كان صواباً، وقرأ حمزة : {وما أنت تهدي العمي عن ضلالتهم}، لأنها في قراءة عبد الله : (وما إن تهدي العمي)، وهما جحدان اجتمعا كما قال الشاعر - وهو دريد بن الصّمّة -:
ما إن رأيت ولا سمعت به *= كاليوم طالي أينق جرب).
[معاني القرآن: 2/300]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلّا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}
وتقرأ: {وما أنت تهدي العمي عن ضلالتهم}، ويجوز بهاد العمي عن ضلالتهم.
فأمّا الوجهان الأولان، فجيّدان في القراءة، وقد قرئ بهما جميعا, والوجه الثالث يجوز في العربية، فإن ثبتت به رواية وإلّا لم يقرأ به، ولا أعلم أحدا قرأ به.
وقوله عزّ وجلّ: {إن تسمع إلّا من يؤمن بآياتنا}
معناه ما تسمع إلا من يؤمن، وتأويل ما تسمع، أي: ما يسمع منك، فيعي ويعمل إلّا من يؤمن بآياتنا، فأمّا من سمع ولم يقبل فبمنزلة الأصمّ،
كما قال اللّه عزّ وجلّ: {صمّ بكم عمي}
قال الشاعر:
= أصمّ عمّا ساءه سميع). [معاني القرآن: 4/128-129]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإذا وقع القول عليهم} [النمل: 82] قال قتادة: أي: حقّ القول عليهم، والقول الغضب.
{أخرجنا لهم دابّةً من الأرض تكلّمهم} [النمل: 82] وفي بعض القراءة: تحدّثهم.
{أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82]
- عن أبيه، عن سعيدٍ، عن قتادة، أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول: إنّها دابّةٌ ذات زغبٍ وريشٍ، لها أربع قوائم، تخرج من بعض أودية تهامة.
وعن عاصم بن حكيمٍ، عن داود بن يزيد الأوديّ، عن الشّعبيّ قال: دابّة الأرض زبّاء ذات وبرٍ، ربّاء تناغي السّماء.
- وعن إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوأمة قال: سمعت
[تفسير القرآن العظيم: 2/565]
عبد اللّه بن عمرٍو يقول: تخرج الدّابّة من مكّة من صخرةٍ بشعب أجيادٍ.
- عن أبيه، قال: وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن طلحة بن عبد اللّه بن كريزٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إذا خرجت الدّابّة فزع النّاس إلى الصّلاة، فتأتي الرّجل وهو يصلّي فتقول: طوّل ما أنت مطوّلٌ فواللّه لأخطمنّك، قال حمّادٌ: يومئذٍ يعرف المنافق من المؤمن، قال عبد اللّه بن عمرٍو: ولو أشاء أن أضع قدمي على مكانها الّذي تخرج منه لفعلت.
وعن عاصم بن حكيمٍ، عن هشامٍ، عن الحسن أنّ موسى سأل ربّه أن يريه دابّة الأرض، قال: فخرجت ثلاثة أيّامٍ ولياليها لا يرى واحدٌ من طرفيها، أو لا يرى طرفاها، قال: فرأى منظرًا كريهًا، فقال: ربّ ردّها، فرجعت.
- وعن عاصم بن حكيمٍ، عن هشامٍ، عن قيس بن سعدٍ، عن أبي الطّفيل قال: كنّا جلوسًا عند حذيفة، فذكروا الدّابّة، فقال حذيفة: إنّها تخرج ثلاث خرجاتٍ: مرّةً في بعض الوادي، ثمّ تكمن، ثمّ تخرج في بعض القرى حتّى تذكر ويهريق فيها الأمراء الدّماء، فبينما النّاس على أعظم المساجد، وأفضلها، وأشرفها، يعني: المسجد الحرام، إذ ترفع الأرض، فيهرب النّاس وتبقى عصابةٌ من
المؤمنين يقولون: إنّه لن ينجينا من أمر اللّه شيءٌ، فتخرج، فتجلوا وجوههم فتجعلها على أضوإ كوكبٍ درّيٍّ في السّماء، وتتّبع النّاس، فتجلو وجه المؤمن وتخطم الكافر، لا يدركها طالبٌ ولا ينجو منها هاربٌ، قالوا: وما النّاس يومئذٍ يا حذيفة؟ قال: جيرانٌ في الرّباع، شركاء في
[تفسير القرآن العظيم: 2/566]
الأموال، أصحابٌ في الأسفار.
- وعن عاصم بن حكيمٍ، عن الوليد بن عبد اللّه الزّهريّ، عن عبد الملك بن المغيرة الثّقفيّ أنّه سمع عبد الرّحمن بن البيلمانيّ قال: سمعت عبد اللّه بن عمرٍو يقول: يبيت النّاس يسيرون إلى جمعٍ، وتبيت دابّة الأرض تسري إليهم، فيصبحون قد جعلتهم بين رأسها وأذنيها، فما من مؤمنٍ إلا تمسحه، ولا كافرٍ ولا منافقٍ إلا تخطمه، وإنّ التّوبة لمفتوحةٌ.
- وعن سعيدٍ، عن قتادة، عن العلاء بن زيادٍ أنّ عبد اللّه بن عمرٍو، قال: لا تقوم السّاعة حتّى يجتمع أهل البيت على الإناء الواحد، يعرفون مؤمنيهم من كفّارهم، قالوا: كيف ذلك؟ قال: تخرج دابّة الأرض فتمسح كلّ إنسانٍ على مسجده، فأمّا المؤمن فتكون نكتةً بيضاء فتفشو في وجهه حتّى يبيضّ لها وجهه، وأمّا الكافر فتكون نكتةً سوداء فتقشو في وجهه حتّى يسودّ
لها وجهه، حتّى إنّهم ليتبايعون في أسواقهم، يقول هذا: كيف تبيع هذا يا مؤمن؟ ويقول هذا: كيف تأخذ هذا يا كافر؟ فما يردّ بعضهم على بعضٍ.
قوله عزّ وجلّ: {تكلّمهم أنّ النّاس} [النمل: 82] قال السّدّيّ: يعني: أهل مكّة خاصّةً.
[تفسير القرآن العظيم: 2/567]
قال يحيى: وهم مشركو أهل مكّة.
{كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82] تفسير الحسن: تكلّمهم بهذا الكلام.
وقال بعضهم: تقول: إنّ النّاس كانوا بي لا يوقنون.
وعن سعيدٍ، عن قتادة، قال: في بعض القراءة: تحدّثهم {أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82] لا يؤمنون.
وبعضهم يقرأها: تكلمهم، أي: تسمهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/568]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا وقع القول عليهم...}
معناه : إذا وجب السّخط عليهم , هو كقوله: {حقّ عليهم القول} في موضع آخر, وقوله: {أخرجنا لهم دآبّةً مّن الأرض تكلّمهم} اجتمع القراء على تشديد : {تكلّمهم} , وهو من الكلام, وحدثني بعض المحدّثين أنه قال : {تكلّمهم}, و{تكلمهم} , وقوله {أنّ النّاس}تفتح , وتكسر, فمن فتحها , أوقع عليها الكلام: {تكلّمهم بأنّ النّاس}, وموضعها نصب, وفي حرف عبد الله : {بأن الناس}, وفي حرف أبيّ :{تنبّئهم أنّ الناس}, وهما حجّة لمن فتح , وأهل المدينة {تكلّمهم إنّ النّاس} , فتكون (إنّ) خبراً مستأنفاً , ولكنه معنى وقوع الكلام, ومثله: {فلينظر الإنسان إلى طعامه} , من قال (أنّا) جعله مخفوضاً مردوداً على الطعام إلى أنا صببنا الماء , ومن كسره قال: إنّا أخبر بسبب الطعام , كيف قدّره الله).[معاني القرآن: 2/300]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دآبّةً مّن الأرض تكلّمهم أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون}
وقال: {أنّ النّاس}: أي: بأنّ النّاس، وبعضهم يقول: {إنّ النّاس} , كما قال: {والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم}، إنما معناه يقولون: "ما نعبدهم" ). [معاني القرآن: 3/22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {دابة من الأرض تكلمهم}: من الكلام.
وقرئت {تكلمهم} من الكلم وهو الجراح). [غريب القرآن وتفسيره: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا وقع القول عليهم} : أي: وجبت الحجّة.). [تفسير غريب القرآن: 327]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون}أي : إذا وجب.
{أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم}: وتكلمهم، ويروى: أن أول أشراط الساعة خروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأكثر ما جاء في التفسير أنها تخرج بتهامة،
تخرج من بين الصفا والمروة.
وقد جاء في التفسير : أنها تخرج ثلاث مرات، في ثلاثة أمكنة.
وجاء في التفسير : تنكت في وجه الكافر نكتة سوداء، وفي وجه المؤمن نكتة بيضاء، فتفشو نكتة الكافر حتى يسودّ منها , وجهه أجمع، وتفشو نكتة المؤمن حتى يبيضّ منها وجهه، فتجتمع الجماعة على المائدة، فيعرف المؤمن من الكافر.
فمن قرأ :{تكلّمهم} فهو من الكلام، ومن قرأ :{تكلمهم} فهو من الكلم، وهو الأثر والجرح.). [معاني القرآن: 4/129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذا وقع القول عليهم}: أي: وجب .
قال الفراء : أي : وقع السخط عليهم.
وقوله جل وعز: {أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم}
وقرأ ابن عباس: {تكلمهم}
وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير: {تكلمهم }، وقرأ أبي :{تنبئهم}
قال إبراهيم : تخرج الدابة من مكة .
وروى أبو الطفيل، عن حذيفة بن اليمان قال : تخرج الدابة ثلاث خرجات خرجة بالبوادي، ثم تنكمي , وخرجت بالقرى يتقاتل فيها الأمراء حتى تكثر الدماء، وخرجت من أفضل المساجد، وأشرفها، وأعظمها حتى ظننا أنه يسمى المسجد الحرام، ولم يسمه، فيتهارب الناس، وتبقى جميعة من المسلمين، فتخرج، فتجلو وجوههم، ثم لا ينجو منها هارب، ولا يلحقها طالب وإنها لتأتي الرجل، وهو يصلي، فتقول له : أتمتنع بالصلاة، فتخطه، وتخطم وجه الكافر، وتجلو وجه المؤمن ). [معاني القرآن: 5/147-148]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( {تُكَلِّمُهُمْ}: من الكلام، {تُكَلِّمُهُمْ}: تجرحهم ). [العمدة في غريب القرآن: 231]
تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ويوم نحشر من كلّ أمّةٍ فوجًا} [النمل: 83]، يعني: كفّار كلّ أمّةٍ.
{ممّن يكذّب بآياتنا فهم يوزعون} [النمل: 83] قال قتادة: وزعةٌ تردّ أولاهم على أخراهم.
وقال السّدّيّ: {يوزعون} [النمل: 83]، يعني: يساقون). [تفسير القرآن العظيم: 2/568]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويوم نحشر من كلّ أمّةٍ فوجاً}: أمة كل نبي الذين آمنوا به، ومن كل أمة , أي: من كل قرن فوجاً : جماعة،
ويقال جاءوني أفواجاً، أي : جماعات، وفي آية أخرى: { ورأيت النّاس يدخلون في دين الله أفواجاً } أي: جماعات ).[مجاز القرآن: 2/96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (الفوج): الجماعة). [غريب القرآن وتفسيره: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فهم يوزعون} أي: يحبس أولهم على آخرهم ). [تفسير غريب القرآن: 327]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أولهم على آخرهم ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( (الفَوْج) : الجماعة ). [العمدة في غريب القرآن: 231]
تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {حتّى إذا جاءوا قال} [النمل: 84] اللّه.
{أكذّبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علمًا} [النمل: 84]، أي: لم تحيطوا بها علمًا بأنّ ما عبدتم من دوني ما خلقوا معي شيئًا، ولا رزقوا معي شيئًا، وأنّ عبادتكم إيّاهم لم تكن منهم بإحاطة علمٍ علمتموه، وإنّما كان ذلك منكم على الظّنّ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/568]
{أمّاذا كنتم تعملون} [النمل: 84] يستفهمهم وهو أعلم بذلك منهم يحتجّ عليهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/569]
تفسير قوله تعالى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ووقع القول عليهم} [النمل: 85]، أي: وحقّ القول عليهم، والقول، الغضب، وهو تفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه.
قال: {بما ظلموا} [النمل: 52] بما أشركوا.
{فهم لا ينطقون} [النمل: 85] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/569]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ووقع القول عليهم بما ظلموا } مجازه: وجب العقاب عليهم بما كفروا ). [مجاز القرآن: 2/96]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون}
روى عطية، عن ابن عمر قال: ذلك إذا لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر ). [معاني القرآن: 5/149]
تفسير قوله تعالى: {ألَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ألم يروا أنّا جعلنا اللّيل ليسكنوا فيه والنّهار مبصرًا} [النمل: 86] منيرًا.
{إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون} [النمل: 86] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/569]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والنّهار مبصراً }: مجازه : مجاز ما كان العمل، والفعل فيه لغيره، أي يبصر فيه، ألا ترى أن البصر إنما هو في النهار والنهار لا يبصر، كما أن النوم في الليل ولا ينام الليل، فإذا نيم فيه، قالوا: ليله قائم، ونهاره صائم .
قال جرير:
لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى= ونمت وما ليل المطيّ بنائم).
[مجاز القرآن: 2/96]
تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ويوم ينفخ في الصّور} [النمل: 87] والصّور قرنٌ.
قال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: قرنٌ كهيئة البوق.
{ففزع من في السّموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه} [النمل: 87] قال: وهذه النّفخة الأولى.
وتفسير الحسن في قوله: {إلا من شاء اللّه} [النمل: 87] قال: استثنى اللّه طوائف من أهل السّماء يموتون بين النّفختين.
- وعن خالدٍ، عن عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن عمارة بن غرابٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إلا من شاء اللّه} [النمل: 87]، الشّهداء، يقولون: ما أحسن هذا الصّوت.
{ثمّ نفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون} [الزمر: 68] قال: يقولون: سبحان اللّه ما أحسن هذا الصّوت، كأنّه الأذان في الدّنيا، فلم يفزعوا ولم يموتوا إلا الموتة الأولى.
[تفسير القرآن العظيم: 2/569]
- وعن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، فأجد موسى متعلّقًا بالعرش، فلا أدري أصعق فيمن صعق أم أجزته الصّعقة الأولى».
- وعن عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، فأجد موسى متعلّقًا بالعرش، فلا أدري أصعق فيمن صعق أم أجزته الصّعقة الأولى».
- وعن أبي الأشهب، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أوّل شافعٍ، وأوّل من تنشقّ عنه الأرض، فأجد موسى متعلّقًا بالعرش، فلا أدري أحوسب بالصّعقة الأولى أم خرج قبلي».
قوله: {وكلٌّ أتوه داخرين} [النمل: 87] صاغرين، تفسير سعيدٍ عن قتادة، يعني: النّفخة الآخرة.
- وعن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: لطم رجلٌ من المسلمين عين رجلٍ من اليهود، فشكاه اليهوديّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: لم لطمته؟ قال: قلت: والّذي اصطفى محمّدًا على البشر، فقال: ما اصطفى اللّه محمّدًا إنّما اصطفى اللّه موسى، فأثنى رسول اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 2/570]
صلّى اللّه عليه وسلّم على موسى ثمّ قال: «غير أنّي سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأوّل من تنشقّ
عنه الأرض، فأجد موسى متعلّقًا بالعرش، فلا أدري أصعق فيمن صعق أو أجزته الصّعقة الأولى».
قوله عزّ وجلّ: {وكلٌّ أتوه داخرين} [النمل: 87] قال قتادة: صاغرين، يعني: النّفخة الآخرة.
- عن أبيه، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «بين النّفختين أربعون، الأولى يميت اللّه بها كلّ حيٍّ، والأخرى يحيي اللّه بها كلّ ميّتٍ».
الحسن بن دينارٍ، عن أبي مسعودٍ الجزريّ، عن عكرمة قال: النّفخة الأولى من الدّنيا، والثّانية عن الآخرة.
- وعن عاصم بن حكيمٍ، عن سليمان التّيميّ، عن أسلم العجليّ، عن مراية العجليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: النّافخان في السّماء الدّنيا اثنان، رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه في المغرب، ورأس أحدهما بالمغرب ورجلاه بالمشرق.
قال يحيى: وبلغني عن الشّعبيّ أنّه بلغه أنّ رجلا كان يقول: إنّ للّه صورين، فقال: كذب، قال اللّه: {ونفخ في الصّور فصعق من في السّموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه ثمّ نفخ فيه أخرى} [الزمر: 68] إنّما هو صورٌ واحدٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/571]
قال يحيى: وبلغني عن ابن مسعودٍ قال: يقوم ملكٌ بين السّماء والأرض فينفخ فيه.
وتفسير سعيدٍ، عن قتادة أنّ المنادي، وهو صاحب الصّور، ينادي من الصّخرة من بيت المقدس). [تفسير القرآن العظيم: 2/572]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:{ويوم ينفخ في الصّور ففزع...}: ولم يقل فيفزع، فجعل فعل مردودة على يفعل.
وذلك أنه في المعنى: وإذا نفخ في الصّور ففزع؛ ألا ترى أن قولك: أقوم يوم تقوم، كقولك: أقوم إذا تقوم، فأجيبت بفعل، لأن فعل ويفعل تصلحان مع إذا.
فإن قلت : فأين جواب قوله: {ويوم ينفخ في الصّور}؟ قلت: قد يكون في فعل مضمر مع الواو، كأنه قال: وذلك يوم ينفخ في الصور، وإن شئت قلت: جوابه متروك، كما قال: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت}، وقوله: {ولو يرى الذين ظلموا} قد ترك جوابه، والله أعلم.
وقوله: {وكلٌّ أتوه داخرين}، القرّاء على تطويل الألف يريدون: فاعلوه، وقصرها حمزة .
... حدثني عدة منهم : المفضل الضبي , وقيسٌ وأبو بكر، وكلهم، عن جحش بن زياد الضبي، عن تميم بن حذلمٍ قال:
قرأت على عبد الله بن مسعود : {وكلٌّ آتوه داخرين} بتطويل الألف، فقال: {وكلٌّ أتوه} بغير تطويل الألف، وهو وجه حسن مردود على قوله: {ففزع}، كما تقول في الكلام:
رآني ففزّ وعاد وهو صاغر، فكان ردّ فعل على مثلها أعجب إليّ مع قراءة عبد الله.
... وحدثني عبد الله بن إدريس، عن الأعمش، عن تميم، عن عبد الله بمثل حديث أبي بكرٍ، وأصحابه ).
[معاني القرآن: 2/300-301]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكلٌّ أتوه داخرين}: أي : صاغرين خاضعين، {كل ٌ} لفظه لفظ واحد، ومعناه جميع، فهذه الآية في موضع جميع،
وقد يجوز في الكلام أن تجعله في موضع واحد فتقول: كل آتيه ذاخراً ). [مجاز القرآن: 2/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وكلّ أتوه داخرين} وأتاه داخرين، من وحّد فللفظ كل، ومن جمع فلمعناها ). [معاني القرآن: 4/130]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله}
حدثنا أحمد بن محمد البراثي، قال: حدثنا علي بن الجعد، عن مقاتل بن حيان في قوله تعالى: {إلا من شاء الله} قال : جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت.
وحدثنا الحسين بن عمر الكوفي قال : حدثنا هناد بن السري، قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن عمارة بن أبي حفصة، عن حجر الهجرين عن سعيد بن جبير في قوله
{إلا من شاء لله} قال: هم الشهداء، هم ثنية الله جل وعز متقلدو السيوف حول العرش؛ ثم قال جل وعز: {وكل أتوه داخرين}، قال قتادة: أي: صاغرين). [معاني القرآن: 5/149]
تفسير قوله تعالى: ({وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وترى الجبال تحسبها جامدةً} [النمل: 88] ساكنةً.
{وهي تمرّ مرّ السّحاب} تكون {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] كالصّوف المنفوش وتكون {كثيبًا مهيلا} [المزمل: 14] وتبسّ بسًّا كما يبسّ السّويق، وتكون سرابًا، ثمّ تكون {هباءً منبثًّا} [الواقعة: 6] فذلك حين تذهب من أصولها فلا يرى منها شيءٌ، فتصير الأرض كلّها مستويةً.
{صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيءٍ} [النمل: 88] أحكم كلّ شيءٍ.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: أحسن كلّ شيءٍ.
قرّة بن خالدٍ، عن الحسن أنّه قرأ هذه الآية، فقال: ألم تر إلى كلّ دابّةٍ كيف تتّقي على نفسها.
قال يحيى: ليس، يعني: الحسن أتقن تتقي، ولكن من الإتقان أن جعل كلّ دابّةٍ تتّقي على نفسها.
قال: {إنّه خبيرٌ بما تفعلون} [النمل: 88] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/572]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وترى الجبال تحسبها جامدةً} أي : واقفة، {وهي تمرّ مرّ}: تسير سير السّحاب هذا إذا نفخ في الصّور،
يريد: أنها تجمع وتسيّر، فهي لكثرتها كأنها جامدة، وهي تسير، وقد بينا هذا في كتاب «تأويل المشكل» ). [تفسير غريب القرآن: 327]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}
يريد: أنها تجمع وتُسَيّر، فهي لكثرتها كأنها جامدة واقفة في رأي العين، وهي تسير سير السحاب.
وكل جيش غصّ الفضاء به، لكثرته وَبُعْدِ ما بين أطرافه، فقصر عنه البصر؛ فكأَنَّه في حسبان الناظر واقف وهو يسير.
وإلى هذا المعنى ذهب الجعديّ في وصف جيش فقال:
بأرعنَ مثل الطّودِ تحسب أنهم = وقوف لِحَاجٍ والرّكاب تُهَمْلِجُ).
[تأويل مشكل القرآن: 6]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء إنّه خبير بما تفعلون}
{صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء}: القراءة النصب، ويجوز الرفع: صنع، فمن نصب فعلى معنى المصدر، لأن قوله: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب}،
دليل على الصنعة، كأنّه قيل صنع اللّه ذلك صنعاً.
ومن قال: {صنع الله} بالرفع، فالمعنى: ذلك صنع اللّه). [معاني القرآن: 4/130]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب} : لأنها قد بست، وجمعت ). [معاني القرآن: 5/149]
تفسير قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {من جاء بالحسنة} [النمل: 89] بلا إله إلا اللّه مخلصًا.
[تفسير القرآن العظيم: 2/572]
وقال قتادة: بالإخلاص، وهو واحدٌ.
{فله خيرٌ منها} [النمل: 89]، أي: فله منها خيرٌ وهي الجنّة، وفيها تقديمٌ: فله منها خيرٌ.
وقال قتادة: فله منها حظٌّ.
وقال السّدّيّ: {من جاء بالحسنة} [النمل: 89]، يعني: التّوحيد {فله خيرٌ منها} [النمل: 89]، يعني: فله منها خيرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/573]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون} [النمل: 89].
- الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تقوم السّاعة على رجلٍ يشهد أن لا إله إلا اللّه ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر».
- عاصم بن حكيمٍ، عن عوفٍ، عن أبي المغيرة، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: تنفخ النّفخة الأولى وما يعبد اللّه يومئذٍ في الأرض). [تفسير القرآن العظيم: 2/573]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وهم مّن فزعٍ يومئذٍ آمنون...}
قراءة القراء بالإضافة فقالوا : {وهم مّن فزعٍ يومئذٍ} و{يومئذٍ}.
وقرأ عبد الله بن مسعود في إسنادٍ بعضهم بعض الذي حدثتك :{مّن فزعٍ يومئذ}، قرأها عليهم تميم هكذا : {وهم من فزعٍ يومئذٍ}، فأخذها بالتنوين والنصب. والإضافة أعجب إليّ، وإن كنت أقرأ بالنصب لأنه فزع معلوم، ألا ترى أنه قال : {لا يحزنهم الفزع الأكبر}، فصيّره معرفةً، فأن أضيفه فيكون معرفةً أعجب إليّ، وهو صواب ). [معاني القرآن: 2/301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {من جاء بالحسنة فله خير منها}
قال عبد الله بن مسعود : لا إله إلا الله .
وروى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس :{من جاء بالحسنة }، قال : لا إله إلا الله، {فله خير منها }: وصل إليه الخير، {ومن جاء بالسيئة }: وهي الشرك،
فكبت وجوههم في النار
وقال الحسن، ومجاهد، وقيس بن سعد:{ من جاء بالحسنة }: بلا إله إلا الله، {ومن جاء بالسيئة }: الشرك .
قال أبو جعفر : ولا نعلم أحدا من أهل التفسير قال غير هذا.). [معاني القرآن: 5/150-151]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من جاء بالحسنة فله خير منها}، قال: عشر أمثالها، فعشرة أكثر من واحد ). [ياقوتة الصراط: 395]
تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ومن جاء بالسّيّئة} [النمل: 90]، يعني: الشّرك، {فكبّت وجوههم في النّار} [النمل: 90].
الحارث بن نبهان، عن حبيب بن الشّهيد، عن الحسن، قال: لا إله إلا اللّه ثمن الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/573]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ومن جاء بالسّيّئة} [النمل: 90]، يعني: الشّرك في تفسير قتادة والسّدّيّ.
قال: {فكبّت وجوههم في النّار} [النمل: 90] ألقوا في النّار على وجوههم.
- سفيان الثّوريّ، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الموجبتين، فقال: «من مات لا يشرك باللّه شيئًا دخل الجنّة، ومن مات يشرك باللّه دخل النّار».
[تفسير القرآن العظيم: 2/573]
- هشامٌ، وقرّة بن خالدٍ، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من لقي اللّه لا يشرك به شيئًا دخل الجنّة، ومن لقي اللّه يشرك به دخل النّار».
المبارك بن فضالة، عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ، عن جابر بن عبد اللّه، عن النّبيّ مثله.
- محمّد بن معبدٍ، عن سليمان التّيميّ، عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه عليه السّلام: «من قال لا إله إلا اللّه دخل الجنّة».
- أشعث، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: لمّا احتضر معاذ بن جبلٍ، قال: ارفعوا عنّي سجف القبّة ثمّ قال: لأحدّثنّكم بحديثٍ كنت أكتمكموه ولم يمنعني أن أحدّثكموه إلا مخافة أن تتكلّموا، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من قال لا إله إلا اللّه يقينًا من قلبه دخل الجنّة».
- عمّارٌ، عن الحسن بن دينارٍ، عن الحسن أنّه سئل: أبلغك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من قال لا إله إلا اللّه فله الجنّة؟» قال: نعم واللّه الّذي لا إله إلا هو، لا يقرّ عبدٌ صادقٌ بها إلا كانت له الجنّة، وواللّه الّذي لا إله إلا هو، لا يقرّ بها عبدٌ صادقٌ إلا كانت في قلبه وعمله ".
- هشامٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، عن معاذ بن جبلٍ، قال: كنت رديف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرّحل إذ قال: «يا
[تفسير القرآن العظيم: 2/574]
معاذ بن جبلٍ»، قلت: لبّيك وسعديك يا رسول اللّه، ثمّ سار ساعةً، ثمّ قال: «يا معاذ بن جبلٍ»، قلت: لبّيك يا رسول اللّه وسعديك، ثمّ سار ساعةً، ثمّ قال: «يا معاذ بن جبلٍ»، قلت: لبّيك يا رسول اللّه وسعديك، قال: «يا
معاذ، وهل تدري ما حقّ اللّه على العباد؟» قلت: اللّه ورسوله أعلم، قال: «فإنّ حقّ اللّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا»، ثمّ سار ساعةً، ثمّ قال: «يا معاذ بن جبلٍ»، قلت: لبّيك يا رسول اللّه وسعديك، قال: «هل تدري ما حقّ العباد على اللّه إذا هم فعلوا ذلك؟» قلت: اللّه ورسوله أعلم، قال: «فإنّ حقّ العباد على اللّه إذا فعلوا ذلك أن يغفر لهم ولا يعذّبهم».
أبو الأشهب، وأبو أميّة، عن الحسن مثل ذلك من قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمعاذٍ.
قوله عزّ وجلّ: {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} [النمل: 90] في الدّنيا، يقال لهم في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/575]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّما أمرت} [النمل: 91]، أي: قل إنّما أمرت.
{أن أعبد ربّ هذه البلدة} [النمل: 91].
قال قتادة: يعني: مكّة.
{الّذي حرّمها} [النمل: 91]، أي: أن أعبد ربّها الّذي حرّمها.
[تفسير القرآن العظيم: 2/575]
{وله كلّ شيءٍ وأمرت أن أكون من المسلمين {91}). [تفسير القرآن العظيم: 2/576]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{إنّما أمرت أن أعبد ربّ هذه البلدة الّذي حرّمها وله كلّ شيء وأمرت أن أكون من المسلمين}
(الذي) في موضع نصب من صفة {ربّ هذه البلدة}، وقد قرئت: التي حرّمها؛ وقد قرئ بها، لكنها قليلة، فالتي في موضع خفض من نعت البلدة ). [معاني القرآن: 4/130]
تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وأن أتلو القرءان} [النمل: 92]، أي: وأمرت أن أتلو القرآن.
{فمن اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فقل إنّما أنا من المنذرين} [النمل: 92] أي ولا أستطيع أن أكرههم عليه). [تفسير القرآن العظيم: 2/576]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأن أتلو القرآن...}
وفي إحدى القراءتين {وأن اتل}بغير واو مجزومةً على جهة الأمر، قد أسقطت منها الواو للجزم على جهة الأمر؛ كما قال {قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ}،
فجعل الواو مردودة بالنهي على حرفٍ قد نصب بأن؛ لأن المعنى يأتي في (أمرت) بالوجهين جميعاً، ألا ترى أنك تقول: أمرت عبد الله أن يقوم، وأن قم،
وقال الله : {وأمرنا لنسلم لربّ العالمين وأن أقيموا الصّلاة}، فهذا مثل قوله: {وأن أتلو القرآن} ). [معاني القرآن: 2/301-302]
تفسير قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وقل الحمد للّه سيريكم آياته فتعرفونها} [النمل: 93] تفسير الحسن: في الآخرة على ما قال في الدّنيا من وعده.
وتفسير مجاهدٍ: ما يرون من الآيات في السّماء والأرض والرّزق.
قوله: {وما ربّك بغافلٍ عمّا تعملون} [النمل: 93] وهي تقرأ على وجهين: على الياء، وعلى التّاء، فمن قرأها بالياء فيقول: وما ربّك يا محمّد بغافلٍ عمّا يعملون، يعني: المشركين، ومن قرأها بالتّاء: {وما ربّك بغافلٍ عمّا تعملون} [النمل: 93] يقوله لهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/576]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وقل الحمد للّه سيريكم آياته فتعرفونها وما ربّك بغافل عمّا تعملون}
أي: سيريكم اللّه آياته في جميع ما خلق، وفي أنفسكم ). [معاني القرآن: 4/130]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها}: أي: في أنفسكم، وغيرها). [معاني القرآن: 5/151]