سورة الأنبياء
[من الآية(25)إلى الآية(29)]
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)}
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلّا يوحى إليه.. (25)
قرأ حفص وحمزة والكسائي (إلّا نوحي إليه) بالنون " وقرأ الباقون (إلاّ يوحى إليه) بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ (إلّا نوحي إليه) بالنون، فالفعل للّه عزّ وجلّ، أي: نحن نوحي إليه.
ومن قرأ (إلّا يوحى إليه) فالمعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 2/163]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: من رسول إلا نوحي إليه [7] بالنون [وكسر الحاء]
[الحجة للقراء السبعة: 5/254]
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم [يوحي] بالياء.
حجّة النون أنه قد تقدّمه: وما أرسلنا والنون أشبه بما قبله، والياء في المعنى كالنون، وكما جاء: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ثم قال: وآتينا موسى [الإسراء/ 2] كذلك يجوز أن يتقدّم لفظ الجميع ويتبع لفظ الإفراد لأن المعنى واحد). [الحجة للقراء السبعة: 5/255] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما أرسلنا من قبلك من رسول إلّا نوحي إليه أنه لا إله إلّا أنا فاعبدون}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص و{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلّا نوحي إليه} بالنّون وكسر الحاء وحجتهم في ذلك أن {نوحي} جاءت على مجرى {أرسلنا} ولفظها قريب من لفظ الجمع فجرى الكلام على نظام واحد إذ كان الوحي والإرسال جميعًا له فأسندوا الفعلين إليه ويقوّي هذا قوله {إنّا أوحينا إليك}
وقرأ الباقون (إلّا يوحى) بالياء وفتح الحاء وتركوا لفظ {أرسلنا} وإنّما تركوا لأن آخر الكلام جرى على غير لفظ أوله وذلك
[حجة القراءات: 466]
أنه قال {لا إله إلّا أنا فاعبدون} ولو كان الكلام يتبع بعضه بعضًا لم يقل فاعبدون لأنّه لم يقل في أول الآية وما أرسلت من رسول فيكون آخر الكلام تابعا لأوله فلمّا لم يكن الكلام منظوما لم يجب أن يجعل {نوحي} بالنّون بلفظ {أرسلنا} ولكن عدلوا به إلى لفظ ما لم يسم فاعله وحجتهم قوله {وأوحي إلى نوح} ). [حجة القراءات: 467]
قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)}
قوله تعالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)}
قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)}
قوله تعالى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (إنّي إلهٌ من دونه.. (29)
فتح الياء نافع وأبو عمرو). [معاني القراءات وعللها: 2/164]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد: [فَذَلِكَ نُجْزِيهُ]، برفع الهاء والنون.
قال ابن مجاهد: لا أدري ما ضم النون؟ لا يقال إلا جزيت، كما قال: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا}.
[المحتسب: 2/61]
قال أبو الفتح: هو لعمري غريب عن الاستعمال، إلا أن له وجها أنا أذكره.
وذلك أنه يقال: أجزأني الشيء: كفاني، وهذا يجزئني من كذا، أي يكفيني منه، فكأنه في الأصل نجزئ به جهنم، أي نكفيها به، ومعناه: نمكنها منه. فتأتي عليه، كأنها تطلب باستيفائها إياه الاكتفاء بذلك، ثم حُذف حرف الجر. فصار نجزئه جهنم، أي: نُطعمه جهنم، كما حُذف الحرف في قوله تعالى : {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}، أي: من "قومه"، ثم أبدلت الهمزة من نجزئه ياء على حد أخطيت وقريت؛ فصارت ياء ساكنة: نجزِيهُ، وأقرت الهاء على ضمتها وهو الأصل، كما قرأ أهل الحجاز: [فَخَسَفْنَا بِهُو بِدَارِهُو الْأَرْضَ].
وزاد في حسن الضمة هنا أن الأصل الهمز. والهاء مع الهمزة هنا مضمومة. أي: نجزئه، فلما أبدلت الهمزة على غير قياس صارت الهاء كأن لا ياء قبلها؛ لأنه ليس هناك مسوغ للهمز لولا حمله على قريت وبابه، فبقيت الهاء على ضمتها تنبيها على أن الهمز ياء في الحكم، وأن ما عرض فيه من البدل لم يكن عن قَوِيّ عذر، فهذا طريق الصنعة فيه. وهو أمثل من أن يحمل على إعطاء في بابه بما لا طريق إلى تسهيل طريقه). [المحتسب: 2/62]