الوقف على {نعمت}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): (وكل ما في كتاب الله من ذكر «النعمة» فهو بالهاء إلا أحد عشر حرفًا. وفي سورة البقرة: {اذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل} [231] وفي سورة آل عمران: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء} [103] وفي المائدة: {اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم} [11] وفي إبراهيم: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا} [28] وفيها: {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها} [34] وفي النحل {وبنعمت الله هم يكفرون} [72] وفيها: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها} [83] وفيها: {فاشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون} [114] وفي لقمان: {تجري في البحر بنعت الله ليريكم} [31] وفي الملائكة: {اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله} [3] وفي الطور: {فما أنت بنعمت ربك} [29]).[إيضاح الوقف والابتداء: 1/284-285]
قال زكريّا بن محمد بن أحمد السُّنيكي الأنصاري (ت:926هـ): (تاءُ "نعمةَ" و "لعنةَ" المَبسُوطَةُ(95) وزُبِرَ أيضًا – أي كُتِبَ – "نَعْمَتَها" أي: "البقرة" من قولِهِ تعالى فيهَا": {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ}[البقرة: 231]، و (نِعْمَةَ اللهِ).
"ثلاثٌ" أخيراتٌ في "نحلٍ" مِنْ قولِهِ تعالى: {وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: 72]، و {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللهِ ثُمَّ} [النحل 83]، و{وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ}[النحل: 114].
ونعمتُ اللهِ في "إبرهم" أي "إبراهيم" "معًا". أي موضعينِ منها أَخيريْنِ هُمَا: {بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28]، و {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا}[إبراهيم: 34].
فقولِهِ: "أُخَيْرَاتٌ". صفةٌ لثلاثٍ "النَّحل"، وموضعيْ "إبراهيم" احترازًا عمَّا في أوَّلِهِمَا.
وَزَبَرَ بالتَّاءِ "نَعْمَتَ اللهِ" في "عُقُودٍ" أي في سورةِ "المائدةِ" "الثَّاني" أي في ثاني العُقودِ الذي فيهِ "هم" من قولِهِ تعالَى": {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْهَمَّ قَوْمٌ أَنْ} [المائدة: 11]. وفي نسخةٍ بَدَلَ "هُمْ" "ثَم" أي هُنَا).[الدقائق المحكمة:1/41-42]
قال المُلاّ عليُّ بنُ سلطان محمّد القاري الهرويُّ (ت:1014هـ ): ((نعمتُها ثلاثُ نحلَ إبرَهَمَ) بفتحِ الراءِ والهاءِ بلا ألفٍ لغةٌ في إبراهيمَ كما صرَّحَ به صاحبُ القاموسِ، فلا يحتاجُ إلى قولِ برهانِ الدينِ الحَلَبيِّ في شرحِه للمقدِّمَةِ: حُذِفَ منه الألفُ والياءُ؛ لأنَّه اسمٌ أعجميٌّ، والعربُ إذا عَرَّبَتْهُ تُخَالِفُ بينَ ألفاظِه للخفَّةِ وينضمُّ إلى ذلكَ ضرورةُ الوزنِ / ا.هـ. وفي جعلِه مُعَرَّبًا نظرٌ لا يَخْفَى، والمرادُ به سورتُه، و (ثلاثٌ) بالرفعِ عطفٌ على (نعمتُها) بحذفِ العاطفِ، والمفهومُ من كَلاَمِ الشيخِ زكريَّا أنَّهُما منصوبانِ حيثُ قالَ: وزبرُ بالتاءِ أيضًا نعمتُها ولا يصحُّ قولُ الروميِّ إنَّه نُصِبَ على الظرفيَّةِ؛ إذ ليسَ في الكَلاَمِ ما يصلحُ أنْ يكونَ ظرفًا لهَ، وجعلُه ظرفًا لقولِ (نعمتِها) مُخِلٌّ بالمعنى، لأنَّ ضميرَ (نعمتِها) راجعٌ إلى البقرةِ.
والحاصلُ أنَّ لفظَ (نِعْمَتُ) رُسِمَ بالتاءِ في أحدَ عشرَ موضعًا في البقرةِ {واذكرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُم وما أَنْزَلَ عَلَيْكُم} وفي النحلِ ثلاثُ مواضعَ {وبِنِعْمَتِ اللهِ همْ يَكْفُرُونَ} و {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ}و {واشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ} وفي إبراهيمَ موضعانِ {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا} و {إنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوهَا} وإليهما أشارَ بقولِه (معًا أُخَيْرَاتَ عقودُ الثانِ هُمْ) ضُبِط أخيرات بالنصب، على الحالينِ من مجموعِ (ثلاثُ النحلِ) (مَوْضِعَي إبراهيمَ) احترازًا عن أوائلِ النحلِ وأَوَّلِ إبراهيمَ، وبالرفعِ على أنَّهُ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، أي: وهنَّ أُخَيْرَاتٌ، وقالَ ابنُ المصنِّفِ: أُخَيْرَاتٌ صفةٌ لثلاثِ النحلِ وموضعي إبراهيمَ الْأَخِيرَيْنِ/ ا.هـ. ولا يخفى أنَّ الأخيرينِ في قولِه ليسَ في مَحَلِّه، واحْتُرِزَ به عَمَّا في أوَّلِ النحلِ: {وإنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوهَا} وعمَّا في أَوَّلِ إبراهيمَ: {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ}، ثمَّ ضبَطَ قولَه (عقودُ الثان) بضمِّ الدالِ وفتحِها، والضمُّ هو الأتمُّ على أنَّهُ عطفٌ على (ثلاثٌ) والمرادُ بالعقودِ سورةُ المائدةِ، ووقعَ (نِعْمَتُ) فيها في موضعينِ، والمرادُ هنا هو الثاني المَقْرُونُ (بهمَّ) بتشديدِ الميمِ الساكنِ وقفًا أي بقولِه: (همَّ) يعني في قولِه: {اذكرُوا نَعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إذ هَمَّ قومٌ} وأمَّا مَا في نُسْخَةٍ بَدَلَ (هَمَّ ) (ثَمَّ) بفتحِ المثلثةِ، أي: هناكَ كما نقلَه الشيخُ زكريَّا فهوُ تصحيفٌ للمبنى، وتحريفٌ للمعنى، وأغربُ مِن هذا ما ذكرَه اليمنيُّ مِن أنَّ في بعضِ النسخِ (ثُمَّ) بضمِّ الثاءِ أي: ثُمَّ لقمانُ (لقمانُ , ثمَّ فاطرٌ كالطُّورِ) برفعِ لقمانَ وفاطرٌ، وفي نسخةٍ بِنَصْبِهِمَا على مِنْوالِ ما سبقَ في (عقودُ )، ولعلَّ وجهَ النصبِ على نزعِ الخافضِ، أو على أنَّهُ مفعولٌ (زبر) كمَا تَقَدَّمَ وكذا قولُه: (عمرانُ لعنةٌ بها والنورِ) إلا أنَّ قولَه: لعنةٌ مبتدأٌ منقطعٌ عمَّا قبلَه (والنوُر) مجرورٌ عطفًا على ضميرِه المجرورِ في (بها) الراجعِ إلى (عمرانَ) المرادُ به سورتُه مِن غيرِ تأكيدٍ بالمنفصلِ، على مذهبِ البعضِ مِن الكوفيينَ، وجمعٍ من البصريِّينَ، وهو مختارُ المُتَأَخِّرينَ من القُرَّاءِ والمفسِّرينَ، كما حقَّقْنَاه في حاشيَّةِ الجلالينِ، عندَ قولِه تعالى: {تَسَاءَلُونَ بِه والْأَرْحَامِ } حيثُ قرأَ حمزةُ بالجرِّ والحاصلُ أنَّهُ في لُقْمَانَ عندَ قولِه تعالى: {في البحرِ بِنِعْمَتِ اللهِ} وفى فاطرٍ {نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هلْ مِن خالقٍ غيرُ اللهِ} وفي الطورِ: {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} وفي آلِ عمرانَ {واذكرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إذ كُنْتُم أعداءً} مكتوبٌ بالتاءِ المجرورةِ، ولم يُرَتِّبْ بينَ السورِ للضرورةِ، وما عدا هذه المواضعَ المذكورةَ فكُلُّ (نعمةٍ) بالهاءِ مسطورةٌ، نحوُ قولِه: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}).[المنح الفكرية: 1/74-75]
قال عبد الرَّازق بنُ عليِّ بنِ إبراهيمَ موسى (ت:1429هـ): (الكلمةُ الثانيةُ: "نِعْمَت" وقد رُسِمَتْ بالتاءِ المفتوحةِ في القرآنِ الكريمِ في أحدَ عشرَ موضعاً وهي كالتالي:
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ} (البقرة: آية 213).
الثاني: قولُه تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} (آل عمران: آية 103).
الثالثُ: قولُه تعالى: {اذْكُرُو نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ} (المائدة:آية 11).
الرابعُ والخامسُ: قولُه تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ} وقولُه سبحانَه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا } الموضعان بإبراهيمَ (آية 28و34).
السادسُ والسابعُ والثامنُ: قولُه تعالى: {وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (آية: 72)، {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} (آية: 83)، {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (آية: 114) الثلاثةُ بالنحلِ.
التاسعُ: قولُه تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ} (لقمان: آية 31).
العاشرةُ: قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} (فاطر: آية 28).
الحادي عشرَ: قولُه تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ} (الطور: آية 29).
وما عدا هذه المواضعِ فبالهاءِ المربوطةِ رسْماً ووقْفاً بالإجماعِ كقولِه تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ} (المائدة: آية 72)، وقولِه سبحانَه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} (النحل:آية 83)).[الفوائد التجويدية :؟؟]
قال عبدُ الباسطِ بنُ حامدِ بنِ محمد هاشم:(النوع الثاني: نعمت، وهي في إحدى عشر موضع من القرآن، بيانها كالتالي:
أولاً: {واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب} سورة البقرة.
الثاني: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء} بسورة آل عمران.
الثالث: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم} بسورة المائدة.
الرابع: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله} بسورة إبراهيم.
خامساً: {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها} بسورة إبراهيم، أيضاً.
والوقف على هذه الخمسة بالسكون المحض، فهن عارض للسكون منصوب غير ممدود.
سادساً: {وبنعمت الله هم يكفرون} بسورة النحل، وهو عارض للسكون غير ممدود مجرور فيه السكون والروم.
سابعاً: {يعرفون نعمت الله} بسورة النحل أيضاً، كل هذا يوقف عليه نعمت بالتاء.
ثامناً: {واشكروا نعمت الله} بالنحل تقول: {نعمت}.
تاسعاً: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله} سورة لقمان، وهي عارض للسكون غير ممدود مجرور فيها السكون والروم
عاشراً: {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم} بسورة فاطر.
الحادي عشر: {فذكر فما أنت بنعمت ربك} بسورة الطور، وهو عارض للسكون، غير ممدود مجرور، فيه السكون والروم.
وعلى هذا فإن كانت نعمتَ فهو عارض للسكون غير ممدود منصوب، وإن كانت نعمتِ فهو عارض للسكون غير ممدود مجرور، الأول فيه السكون. والثاني فيه السكون والروم، ويوقف على الكل نعمت بالتاء المفتوحة.
وما سوى ذلك يوقف عليه بالهاء، نعمَه فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون، وليس فيها روم ولا إشمام كما تقدم.
وقد جمع هذه الكلمات الإمام المتولي في اللؤلؤ المنظوم فقال:
ونعمت الله عليكم في البقر = كفاطر وآل عمران اشتهر
والثان في العقود مع حرفين = جاء بإبراهيم آخرين
ثم ثلاثة بنحل أخرت = وموضع الطور ولقمان ثبت).
[شرح المقدمة الجزرية (مفرغ)]