{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)}
تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {تبارك الّذي جعل} [الفرقان: 61] يعني نفسه.
{في السّماء بروجًا} [الفرقان: 61] وقال قتادة: نجومًا.
{وجعل فيها سراجًا} [الفرقان: 61] الشّمس.
{وقمرًا منيرًا} [الفرقان: 61] يعني مضيئًا.
وهي تجري في فلكٍ دون السّماء.
وقد قال: {الّذي جعل في السّماء بروجًا} [الفرقان: 61].
والسّماء ما ارتفع.
وقال في آيةٍ أخرى: {ألم يروا إلى الطّير مسخّراتٍ في جوّ السّماء} [النحل: 79] أي مرتفعاتٍ، متحلّقاتٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/488]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وجعل فيها سرجاً...}
قراءة العوام {سراجاً} ... حدثني هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه قرأ (سرجاً). وكذلك قراءة أصحاب عبد الله فمن قرأ {سراجاً} ذهب إلى الشمس وهو وجه حسن؛ لأنه قد قال {وجعل الشّمس سراجاً} ومن قال (سرجاً) ذهب إلى المصابيح إذا كانت يهتدى بها، جعلها كالسرج والمصباح كالسراج في كلام العرب وقد قال الله {المصباح في زجاجةٍ} ). [معاني القرآن: 2/271]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وجعل فيها سراجاً} أي: شمساً وضياء). [مجاز القرآن: 2/79]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {تبارك الّذي جعل في السّماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا}
البروج: قيل هي الكواكب العظام، والبرج تباعد بين الحاجبين، وكل ظاهر مرتفع فقد برج، وإنما قيل لها بروج لظهورها وتباينها وارتفاعها.
{وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا} ويقرأ (سرجا) ويجوز سرجا بتسكين الراء مثل رسل ورسل، فمن قرأ سراجا عنى الشمس كما قال تعالى: (وجعل الشمس سراجا).
ومن قرأ (سرجا) أراد الشمس والكواكب العظام معها). [معاني القرآن: 4/74-73]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {تبارك الذي جعل في السماء بروجا}
قال قتادة أي: نجوما
وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: البروج النجوم العظام
وروى إسماعيل، عن يحيى بن رافع، قال: البروج قصور في السماء
قال أبو جعفر يقال لكل ما ظهر وتبين برج ومنه قيل تبرجت المرأة وقد برج برجا إذا ظهر
ثم قال جل وعز: {وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا}
{سراجا} يعني الشمس
ويقرأ (سرجا)
وقيل من قرأ هذه القراءة فالمعنى عنده وجعل في البروج سرجا
فإن قيل فقد أعاد ذكر القمر وقد قال سرجا والقمر داخل فيها
فالجواب أنه أعيد ذكر القمر لفضله عليها كما قال جل وعز: {فيهما فاكهة ونخل ورمان} ). [معاني القرآن: 5/44-43]
تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا} [الفرقان: 62] حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن قال: من عجز في اللّيل كان له في النّهار مستعتبٌ، ومن عجز في النّهار كان له في اللّيل مستعتبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/488]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {جعل اللّيل والنّهار خلفةً...}
يذهب هذا ويجيء هذا، وقال زهير في ذلك:
بها العين والآرام يمشين خلفةً=وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
فمعنى قول زهير: خلفةً: مختلفاتٍ في أنها ضربان في ألوانها وهيئتها، وتكون خلفة في مشيتها. وقد ذكر أن قوله: {خلفةً لّمن أراد} أي من فاته عمل من الليل استدركه بالنهار فجعل هذا خلفا من هذا.
وقوله: {لّمن أراد أن يذّكّر} وهي في قراءة أبيّ (يتذكّر) حجّة لمن شدّد وقراءة أصحاب عبد الله وحمزة وكثيرٍ من الناس (لمن أراد أن يذكر) بالتخفيف، ويذكر ويتذكر يأتيان بمعنى واحدٍ، وفي قراءتنا {واذكروا ما فيه} وفي حرف عبد الله (وتذكّروا ما فيه) ). [معاني القرآن: 2/271]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وجعل اللّيل والنّهار خلفةً} أي يجيء الليل بعد النهار ويجيء النهار بعد الليل يخلف منه وجعلهما خلفة وهما اثنان لأن الخلفة مصدر فلفظه من الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث واحد وقال الشاعر:
ولها بالماطرون إذا=أكل النّمل الذي جمعا
خلفةً حتى إذا ارتبعت=سكنت من جلّقٍ بيعا
وقال:
بها العين والآرام يمشين خلفةً=وأطلاؤهما ينهض في كل مجثم).
[مجاز القرآن: 2/80-79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً لّمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً}
وقال: {والنّهار خلفةً} يقول: "يختلفان" ). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {خلفة}: كل واحد يخلف صاحبه). [غريب القرآن وتفسيره: 279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جعل اللّيل والنّهار خلفةً} أي يخلف هذا هذا.
قال زهير:
بها العين والآرام يمشين خلفة= وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
«الآرام»: الظباء البيض. والآرام: الأعلام. واحدة: أرم. أي إذا ذهب فوج الوحش، جاء فوج). [تفسير غريب القرآن: 315-314]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورا}
ويقرأ {لمن أراد أن يذكر}.
قال الحسن: من فاته عمله من التذكر والشكر كان له في الليل مستعتب، ومن فاته بالليل كان له في النهار مستعتب.
وقال أهل اللغة خلفة يجيء هذا في أثر هذا،
وأنشدوا قول زهير:
بها العين والأرام يمشين خلفة=وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وجاء أيضا في التفسير خلفة مختلفان كما قال اللّه عزّ وجلّ: (إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآيات لأولي الألباب * الّذين يذكرون اللّه قياما) الآية). [معاني القرآن: 4/74]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة}
قال مجاهد أي يخلف هذا هذا ويخلف هذا هذا
وقال الحسن من نسي شيئا من التذكر والشكر بالنهار كانت له في الليل عتبى ومن نسيه بالليل كانت له في النهار عتبى
وقيل {خلفة} أي مختلفين كما قال جل وعز: {واختلاف الليل والنهار}
قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال قول مجاهد
والمعنى كل واحد منهما يخلف صاحبه مشتق من الخلف ومنه خلف فلان فلانا بخير أو شر ومنه قول زهير:
بها العين والآرام يمشين خلفة = وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم).
[معاني القرآن: 5/45-44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خِلْفَةً}: كل واحد يخلف صاحبه). [العمدة في غريب القرآن: 224]
تفسير قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا} [الفرقان: 63] حدّثني المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: الهون في كلام العرب: اللّين والسّكينة.
[تفسير القرآن العظيم: 1/488]
سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: بالوقار والسّكينة.
وتفسير عمرٍو عن الحسن قال: إنّ اللّه مدح المؤمنين وذمّ المشركين فقال: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا} [الفرقان: 63] حلماء، وأنتم أيّها المشركون لستم بحلماء.
قوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون} [الفرقان: 63] المشركون.
{قالوا سلامًا} [الفرقان: 63] حدّثني أبو الأشهب عن الحسن قال: حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/489]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {على الأرض هوناً...}
... حدثني شريك عن جابر الجعفيّ عن عكرمة ومجاهدٍ في قوله: {الّذين يمشون على الأرض هوناً} قال: بالسّكينة والوقار.
وقوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} كان أهل مكّة إذا سبّوا المسلمين ردّوا عليهم ردّاً جميلاً قبل أن يؤمروا بقتالهم). [معاني القرآن: 2/272-271]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}
وقال: {وعباد الرحمن الّذين يمشون على الأرض} فهذا ليس له خبرٌ إلاّ في المعنى والله أعلم). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وعباد الرّحمن} أي عبيد الرحمن. نسبهم إليه - والناس جميعا عبيده -: [لاصطفائه] إيّاهم.
كما يقال: «بيت اللّه» - والبيوت كلها للّه - و«ناقة اللّه».
{يمشون على الأرض هوناً}. أي مشيا رويدا.
{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} أي سدادا من القول: لا رفث فيه، ولا هجر). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}
أي يمشون بسكينة ووقار وحلم.
{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} أي: نتسلم منكم سلاما لا نجاهلكم، كأنّهم قالوا تسلّما منكم.
و {عباد} مرفوع بالابتداء، والأحسن أن يكون خبر الابتداء ههنا ما في آخر السورة من قوله: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا)، كأنّه قال: وعباد الرحمن الذين هذه صفتهم كلها
-إلى قوله - {واجعلنا للمتقين إماما} ويجوز أن يكون قوله (وعباد الرّحمن) رفعا بالابتداء، وخبره {الذين يمشون على الأرض هونا} ). [معاني القرآن: 4/75-74]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا}
وكل واحد عبده فنسبهم إليه لاصطفائه إياهم كما يقال بيت الله وناقة الله
وقوله جل وعز: {الذين يمشون على الأرض هونا}
قال مجاهد أي بالوقار والسكينة
وقال الحسن علماء حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا
ثم قال تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}
قال مجاهد أي سدادا
قال سيبويه وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل سلاما تريد تسلما منك كما قلت براءة منك قال وزعم أن هذه الآية فيما زعم مكية
ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قوله تسلما ولا خير بيننا وبينكم ولا شر). [معاني القرآن: 5/46-45]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (هونا) أي: مشيا رويدا). [ياقوتة الصراط: 384]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {هَوْنًا}: أي رويداً.
{قالوا سلاما}: أي سدادا من القول). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 173]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا} [الفرقان: 64] يصلّون، أي: وأنتم أيّها المشركون لا تصلّون.
- وحدّثني همّامٌ، عن قتادة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «صلّوا من اللّيل ولو ركعتين، ولو أربعًا».
قال يحيى: بلغني أنّه من صلّى من اللّيل ركعتين فهو من الّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/489]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين يبيتون لربّهم سجّداً وقياماً...}
جاء في التفسير أنّ من قرأ شيئاً من القرآن في صلاة وإن قلّت، فقد بات ساجداً وقائماً. وذكروا أنّهما الركعتان بعد المغرب وبعد العشاء ركعتان). [معاني القرآن: 2/272]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين يبيتون لربّهم سجّدا وقياما}
كل من أدركه الليل فقد بات يبيت، نام أو لم ينم، بات فلان البارحة قلقا، إنما المبيت إدراك اللّيل). [معاني القرآن: 4/75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}
يقال بات إذا أدركه الليل نام أو لم ينم كما قال الشاعر:
فبتنا قياما عند رأس جوادنا = يزاولنا عن نفسه ونزاوله).
[معاني القرآن: 5/47-46]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غرامًا} [الفرقان: 65] حدّثني أبو الأشهب عن الحسن قال: قد علموا أنّ كلّ غريمٍ مفارقٌ غريمه غير غريم جهنّم.
وبعضهم يقول: {إنّ عذابها كان غرامًا} [الفرقان: 65] لزامًا.
وهو مثل قول الحسن إلا أنّه شبّهه بالغريم يلزم غريمه.
وبعضهم يقول: انتقامًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/489]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ عذابها كان غراماً...}
يقول ملحّا دائماً. والعرب تقول: إن فلاناً لمغرم بالنّساء إذا كان مولعاً بهنّ، وإني بك لمغرمٌ إذا لم تصبر عن الرجل ونرى أن الغريم إنما سمّي غريما لأنّه يطلب حقه ويلحّ حتى يقبضه). [معاني القرآن: 2/272]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ عذابها كان غراماً} أي هلاكاً ولزاماً لهم ومنه رجل مغرم بالحب حب النساء من الغرم والدين قال الأعشى:
فرع نيعٍ يهتزّ في غصن المج=د غزير النّدى شديد المحال
إن يعاقب يكن غراماً وإن يع=ط جزيلا فإنه لا يبالي
وقال بشر بن أبي خازم:
ويوم النسار ويوم الجفا=ر كانوا عذاباً وكانوا غراما
أي هلكة). [مجاز القرآن: 2/80]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {غراما}:أي هلاكا). [غريب القرآن وتفسيره: 279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كان غراماً} أي هلكة). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غراما}
الغرام في اللغة أشد العذاب.
قال الشاعر:
ويوم النّسار ويوم الجفار=كانا عذابا وكانا غراما).
[معاني القرآن: 4/75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن عذابها كان غراما}
قال أبو عبيدة أي هلاكا وأنشد:
ويوم النسار ويوم الجفار = كانا عذابا وكانا غراما
وقال الفراء كان غراما أي ملحا ملازما ومنه فلان غريمي أي يلح في الطلب
والغرام عند أكثر أهل اللغة أشد العذاب
قال الأعشى:
إن يعاقب يكن غراما = وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي
قال محمد بن كعب طالبهم الله بثمن النعم فلما لم يأتوا به غرمهم ثمنها وأدخلهم النار). [معاني القرآن: 5/48-47]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {غراما} أي: لازما). [ياقوتة الصراط: 384]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {غَرَامًا}: أي هلكة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 173]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {غَرَامًا}: هالكاً). [العمدة في غريب القرآن: 224]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّها ساءت مستقرًّا} [الفرقان: 66] أي: بئس المستقرّ هو في تفسير الحسن.
إنّ أهلها لا يستقرّون فيها.
يعني كقوله: {عاملةٌ ناصبةٌ} [الغاشية: 3] أعملها اللّه وأنصبها في النّار.
وقال: {يطوفون بينها وبين حميمٍ آنٍ} [الرحمن: 44] فهم في تردادٍ وعناءٍ في تفسير قتادة.
وأمّا قوله: {ومقامًا} [الفرقان: 76] منزلًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/489]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ساءت مستقراً ومقاماً} أي قراراً وأقامة لأنه من أقام أي مخلداً ومنزلاً، وقال جرير:
حيّوا المقام وحيّوا ساكن الدار
وقال سلامة بن جندل:
يومان يوم مقاماتٍ وأندية=ويوم سير إلى الأعداء تأويب
وإذا فتحوا أوله فهو من قمت وفي آية أخرى {ومقامٍ كريمٍ} أي مجلس،
وقال عباس بن مرداس:
فأيّ ما وأيّك كان شرّاً=فقيد إلى المقامة لا يراها
يدعو عليه بالعمى، أي إلى المجلس). [مجاز القرآن: 2/81-80]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {إنّها ساءت مستقرّا ومقاما}
{مستقرّا ومقاما} منصوبان على التمييز، المعنى أنها ساءت في المستقر والمقام). [معاني القرآن: 4/75]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} [الفرقان: 67] قال قتادة: الإسراف: النّفقة في معصية اللّه، والإقتار: الإمساك عن حقّ اللّه.
قوله: {وكان بين ذلك قوامًا} [الفرقان: 67] وهذه نفقة الرّجل على أهله.
وحدّثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ قال: بلغني أنّهم أصحاب رسول اللّه كانوا لا يأكلون طعامًا يريدون به نعيمًا، ولا يلبسون ثوبًا يريدون به جمالًا وكانت قلوبهم على قلبٍ واحدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/490]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا...}
بكسر التاء. قرأ أبو عبد الرحمن وعاصم (ولم يقتروا) من أقترت. وقرأ الحسن (ولم يقتروا) وهي من قترت؛ كقول من قرأ يقتروا بضم الياء. واختلافهما كاختلاف قوله: {يعرشون}
و{يعرشون} و{يعكفون} و{يعكفون} ومعناه {لم يسرفوا} ففي نصب القوام وجهان إن شئت نصبت القوام بضمير اسمٍ في كان (يكون ذلك الاسم من الإنفاق) أي وكان الإنفاق (قواماً بين ذلك) كقولك:
عدلاً بين ذلك أي بين الإسراف الإقتار. وإن شئت جعلت (بين) في معنى رفعٍ؛ كما تقول: كان دون هّذا كافياً لك، تريد: أقلّ من هذا كان كافياً لك، وتجعل {وكان بين ذلك}
كان الوسط من ذلك قواماً. والقوام قوام الشيء بين الشيئين. ويقال للمرأة: إنها لحسنة القوام في اعتدالها. ويقال: أنت قوام أهلك أي بك يقوم أمرهم وشأنهم وقيام وقيمٌ وقيّمٌ في معنى قوامٍ). [معاني القرآن: 2/273-272]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}
(يقتروا) بضم الياء وكسر التاء، وبفتح الياء وضم التاء، {ولم يقتّروا} ولا أعلم أحدا قرأ بها، أعني بتشديد التاء.
والذي جاء في التفسير أن الاسراف النفقة في معصية الله، وأنه لا إسراف في الإنفاق فيما قرب إلى الله عزّ وجلّ.
وكل ما أنفق في معصية اللّه فإسراف، لأن الإسراف مجاوزة الحدّ والقصد.
وجاء في التفسيبر أيضا أن الإسراف ما يقول الناس فيه فلان مسرف.
والحق في هذا ما أدّب اللّه عزّ وجلّ به نبيّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوما محسورا} [معاني القرآن: 4/76-75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا}
قال سفيان لم يسرفوا لم ينفقوا في غير حق
ولم يقتروا لم يمسكوا عن حق
وأحسن ما قيل ما حدثنا أبو علي الحسن بن غليب، قال: حدثني عمران بن أبي عمران، قال: حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي، قال: حدثني عمرو بن لبيد، عن أبي عبد الرحمن الحبلي في قوله جل وعز: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} قال من أنفق في غير طاعة الله عز وجل فهو الإسراف
ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار
ومن أنفق في طاعة الله عز وجل فهو القوام
وكان بين ذلك قواما أي عدلا
قال أحمد بن يحيى يقال هذا قوام الأمر وملاكه
وقال بعض أهل اللغة هذا غلط وإنما يقال هذا قوام الأمر واحتج بقوله تعالى: {وكان بين ذلك قواما}
قال أبو جعفر والصواب ما قال أحمد بن يحيى والمعنيان مختلفان فالقوام بالفتح الاستقامة والعدل كما قال لبيد:
واحب المجامل بالجزيل وصرمه = باق إذا ضلعت وزاغ قوامها
والقوام بالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر). [معاني القرآن: 5/50-48]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر} [الفرقان: 68] وأنتم أيّها المشركون تدعون معه الآلهة.
تفسير الحسن.
قال: {ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون} [الفرقان: 68] حدّثني الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: لمّا نزل في قاتل المؤمن قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها} [النساء: 93] إلى آخر الآية.
اشتدّ ذلك عليهم فأتوا رسول اللّه وذكروا الفواحش وقالوا: قد قبلنا وفعلنا وفعلنا فأنزل اللّه: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر} [الفرقان: 68] بعد إسلامهم، {ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ} [الفرقان: 68] بعد إسلامهم {ولا يزنون} [الفرقان: 68] بعد إسلامهم.
{ومن يفعل ذلك يلق أثامًا {68} يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا {69}} [الفرقان: 68-69] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/490]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ
[تفسير القرآن العظيم: 1/490]
قال: قلت: يا رسول اللّه أيّ العمل أكبر؟ قال: «أن تجعل لخالقك ندًّا، وأن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك، وأن تزني بحليلة جارك».
ثمّ نزل القرآن: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون} [الفرقان: 68] حتّى أتمّ الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/491]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير الكلبيّ: أنّ وحشيًّا بعدما قتل حمزة كتب إلى النّبيّ يسأله هل له توبةٌ وكتب إليه فيما كتب: إنّ اللّه أنزل آيتين بمكّة أيستاني من كلّ خيرٍ: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا {68} يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا {69}} [الفرقان: 68-69] وإنّ وحشيًّا قد فعل هذا
كلّه، قد زنى، وأشرك، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه.
فأنزل اللّه.
{إلا من تاب} [الفرقان: 70] أي من الزّنا {وآمن} [الفرقان: 70] بعد الشّرك {وعمل عملا صالحًا} [الفرقان: 70] بعد السّيّئات {فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} [الفرقان: 70] بالشّرك الإيمان، وبالفجور العفاف {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 70].
فكتب بها رسول اللّه إليه، فقال وحشيٌّ: هذا شرطٌ شديدٌ فلعلّي ألا أبقى بعد التّوبة حتّى أعمل صالحًا.
فكتب إلى رسول اللّه: هل من شيءٍ أوسع من هذا؟ فأنزل اللّه: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].
فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ، فأرسل وحشيٌّ إلى رسول اللّه: إنّي أخاف ألا أكون من مشيئة اللّه.
فأنزل اللّه في وحشيٍّ وأصحابه: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزمر: 53] فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ فأقبل وحشيٌّ، إلى رسول اللّه وأسلم). [تفسير القرآن العظيم: 1/491]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن يفعل ذلك يلق أثامًا} [الفرقان: 68] سعيدٌ عن قتادة قال: أي نكالًا.
قال: وكنّا نحدّث أنّه وادٍ في جهنّم قعيرٌ غمرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/491]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن يفعل ذلك يلق آثاماً...}
{يضاعف له العذاب يوم القيامة...}قرأت القراء بجزم (يضاعف) ورفعه عاصم بن أبي النّجود. والوجه الجزم. وذلك أن كلّ مجزوم فسّرته ولم يكن فعلاً لما قبله فالوجه فيه الجزم،
وما كان فعلاً لما قبله رفعته. فأمّا المفسّر للمجزوم فقوله: {ومن يفعل ذلك يلق آثاماً} ثم فسر الآثام، فقال {يضاعف له العذاب} ومثله في الكلام: إن تكلّمني توصني بالخير والبرّ أقبل منك؛ ألا ترى أنك فسّرت الكلام بالبرّ ولم يكن فعلاً له، فلذلك جزمت. ولو كان الثاني فعلا للأوّل لرفعته، كقولك إن تأتنا تطلب الخير تجده؛ ألا ترى أنك تجد (تطلب) فعلاً للإتيان كقيلك: إن تأتنا طالباً للخير تجده.قال الشاعر: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره=تجد خير نار عندها خير موقد
فرفع (تعشو) لأنه أراد: متى تأته عاشياً. ورفع عاصم (يضاعف له) لأنه أراد الاستئناف كما تقول: إن تأتنا نكرمك نعطيك كلّ ما تريد، لا على الجزاء). [معاني القرآن: 2/273]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" يلق أثاماً " أي عقوبة). [مجاز القرآن: 2/81]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن يفعل ذلك يلق أثاماً} أي عقوبة. قال الشاعر:
[عقوقا] والعقوق له أثام أي عقوبة). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:لا يدعون مع اللّه إلها آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما}
{ومن يفعل ذلك يلق أثاما} " يلق " جزم على الجزاء، وتأويل الأثام تأويل المجازاة على الشيء.
قال أبو عمرو الشيباني: يقال قد لقي أثام ذلك أي جزاء ذلك.
وسيبويه والخليل يذهبان إلى أن معناه يلقى جزاء الأثام، قال سيبويه جزمت. (يضاعف له العذاب)، لأن مضاعفة العذاب لقي الأثام
كما قال الشاعر: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا=تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا
لأن الإتيان هو الإلمام، فجزم تلمم لأنه بمعنى تأتي.
وقرأ الحسن وحده " يضعّف " له العذاب، وهو جيّد بالغ، تقول ضاعفت الشيء وضعّفته.
وقرأ عاصم: (يضاعف له العذاب) بالرفع. على تأويل تفسير يلق أثاما، كأنّ قائلا قال ما لقيّ الأثام، فقيل يضاعف للآثم العذاب ). [معاني القرآن: 4/76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر}
قال أبو وائل قال عبد الله بن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم فقال أن تشرك بالله جل وعلا وهو خلقك
قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك وتزني بحليلة جارك ثم قرأ عبد الله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية
وقوله جل وعز: {ومن يفعل ذلك يلق آثاما}
قال مجاهد هو واد في جهنم
وقال أبو عمرو الشيباني يقال لقي آثام ذلك أي جزاء ذلك
وقال القتبي الآثام جزاء العقوبة وأنشد:
والعقوق له آثام
قال أبو جعفر وأصح ما قيل في هذا وهو قول الخليل وسيبويه أن المعنى يلق جزاء الآثام كما قال سبحانه: {واسأل القرية}
وبين جزاء الآثام فقال يضاعف له العذاب يوم القيامة كما بين الشاعر في قوله:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا = تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
قال الضحاك لما أنزل الله جل وعز: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى آخر الآية قال المشركون قد زعم أنه لا توبة لنا، فأنزل الله جل وعز: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} أي تاب من الشرك ودخل في الإسلام، ونزل هذا بمكة وأنزل الله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} الآية ثم أنزل بالمدينة بعد ثماني سنين: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} وهي مبهمة لا مخرج منها). [معاني القرآن: 5/50-52]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَلْقَ أَثَامًا}: أي عقوبة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 173]
تفسير قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير الكلبيّ: أنّ وحشيًّا بعدما قتل حمزة كتب إلى النّبيّ يسأله هل له توبةٌ وكتب إليه فيما كتب: إنّ اللّه أنزل آيتين بمكّة أيستاني من كلّ خيرٍ: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا {68} يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا {69}} [الفرقان: 68-69] وإنّ وحشيًّا قد فعل هذا كلّه، قد زنى، وأشرك، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه.
فأنزل اللّه.
{إلا من تاب} [الفرقان: 70] أي من الزّنا {وآمن} [الفرقان: 70] بعد الشّرك {وعمل عملا صالحًا} [الفرقان: 70] بعد السّيّئات {فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} [الفرقان: 70] بالشّرك الإيمان، وبالفجور العفاف {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 70].
فكتب بها رسول اللّه إليه، فقال وحشيٌّ: هذا شرطٌ شديدٌ فلعلّي ألا أبقى بعد التّوبة حتّى أعمل صالحًا.
فكتب إلى رسول اللّه: هل من شيءٍ أوسع من هذا؟ فأنزل اللّه: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].
فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ، فأرسل وحشيٌّ إلى رسول اللّه: إنّي أخاف ألا أكون من مشيئة اللّه.
فأنزل اللّه في وحشيٍّ وأصحابه: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزمر: 53] فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ فأقبل وحشيٌّ، إلى رسول اللّه وأسلم). [تفسير القرآن العظيم: 1/491]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" يضعّف له العذاب يوم القيامة " أي يلق عقوبة وعقاباً كما وصف " يضعف له العذاب " وقال بلعاء بن قيس الكناني:
جزى الله ابن عروة حيث أمسى=عقوقاً والعقوق له أثام
أي عقاباً). [مجاز القرآن: 2/81]
تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {إلا من تاب} [الفرقان: 70] إلا من كان أصاب ذلك في شركٍ فتاب.
{فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم} [الفرقان: 70] الّتي أصابوها في الشّرك.
{حسناتٍ} [الفرقان: 70] قال: وسيّئاتهم، الشّرك.
{حسناتٍ} [الفرقان: 70].
وقال: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53] بالشّرك {لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا} [الزمر: 53] الّتي كانت في الجاهليّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/490]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير الكلبيّ: أنّ وحشيًّا بعدما قتل حمزة كتب إلى النّبيّ يسأله هل له توبةٌ وكتب إليه فيما كتب: إنّ اللّه أنزل آيتين بمكّة أيستاني من كلّ خيرٍ: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا {68} يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا {69}} [الفرقان: 68-69] وإنّ وحشيًّا قد فعل هذا
كلّه، قد زنى، وأشرك، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه.
فأنزل اللّه.
{إلا من تاب} [الفرقان: 70] أي من الزّنا {وآمن} [الفرقان: 70] بعد الشّرك {وعمل عملا صالحًا} [الفرقان: 70] بعد السّيّئات {فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} [الفرقان: 70] بالشّرك الإيمان، وبالفجور العفاف {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 70].
فكتب بها رسول اللّه إليه، فقال وحشيٌّ: هذا شرطٌ شديدٌ فلعلّي ألا أبقى بعد التّوبة حتّى أعمل صالحًا.
فكتب إلى رسول اللّه: هل من شيءٍ أوسع من هذا؟ فأنزل اللّه: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].
فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ، فأرسل وحشيٌّ إلى رسول اللّه: إنّي أخاف ألا أكون من مشيئة اللّه.
فأنزل اللّه في وحشيٍّ وأصحابه: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزمر: 53] فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ فأقبل وحشيٌّ، إلى رسول اللّه وأسلم). [تفسير القرآن العظيم: 1/491] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا {69} إلا من تاب} [الفرقان: 69-70] استثنى من تاب.
[تفسير القرآن العظيم: 1/491]
{وآمن وعمل عملا صالحًا} [الفرقان: 70] الحسن بن دينارٍ، عن الحسن في قوله في {[طه:] وإنّي لغفّارٌ لمن تاب} [سورة طه: 82] من الشّرك و {وآمن} [الفرقان: 70] وأخلص الإيمان للّه
{وعمل صالحًا} [الفرقان: 71] في إيمانه.
سعيدٌ عن قتادة قال: إلا من تاب من ذنبه، وآمن بربّه، وعمل صالحًا فيما بينه وبين اللّه.
{فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} [الفرقان: 70] فأمّا التّبديل في الدّنيا فطاعة اللّه بعد عصيانه، وذكر اللّه بعد نسيانه، والخير يعمله بعد الشّرّ.
{وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 70] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/492]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إلّا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسنات وكان اللّه غفورا رحيما}
ليس أن السيئة بعينها تصير حسنة، ولكن التأويل أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة، والكافر يحبط اللّه عمله ويثبت اللّه عليه السّيئات). [معاني القرآن: 4/76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}
روى عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال يقرأ المؤمن في أول كتابه السيئات ويرى الحسنات دون ذلك فينظر وجهه وينظر أعلاه فإذا هو حسنات كله فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه فأولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات
قال مجاهد والضحاك أي يبدلهم من الشرك الإيمان
وقال الحسن قوم يقولون التبديل في الآخرة يوم القيامة وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدلهم الله إيمانا من الشرك وإخلاصا من الشك وإحصانا من الفجور
قال أبو إسحاق ليس يجعل مكان السيئة حسنة ولكن يجعل مكان السيئة التوبة والحسنة مع التوبة). [معاني القرآن: 5/53-52]
تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن تاب وعمل صالحًا فإنّه يتوب إلى اللّه متابًا} [الفرقان: 71] تقبّل توبته إذا تاب قبل الموت كقوله في سورة النّساء: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} [النساء: 18].
ويقال: تقبل التّوبة من العبد ما لم يغرغر). [تفسير القرآن العظيم: 1/492]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متاب}
أي توبة مؤكدة أي إذا عمل صالحا بعد التوبة قيل تاب متابا أي متابا مرضيا مقبولا). [معاني القرآن: 5/54]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين لا يشهدون الزّور} [الفرقان: 72] الشّرك.
وقال السّدّيّ: لا يحضرون الزّور، يعني مجالس الكذب والباطل.
{وإذا مرّوا باللّغو} [الفرقان: 72] الباطل، وهو ما فيه المشركون من الباطل.
وقال بعضهم: اللّغو هاهنا الشّتم والأذى.
قال: {مرّوا كرامًا} [الفرقان: 72] ليسوا من أهله.
سعيدٌ عن قتادة قال: {والّذين لا يشهدون الزّور وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كرامًا} [الفرقان: 72] لا يشهدون أهل الباطل على باطلهم ولا يمالئونهم فيه). [تفسير القرآن العظيم: 1/492]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين لا يشهدون الزّور...}
يقول: لا يحضرون مجالس الكذب والمعاصي.
ويقال (أعياد المشركين لا يشهدونها) لأنها زور وكذب؛ إذ كانت لغير الله. وقوله: {باللّغو مرّوا كراماً} ذكر أنهم كانوا إذا أجروا ذكر النساء كنوا عن قبيح الكلام فيهنّ.
فذلك مرورهم به). [معاني القرآن: 2/274-273]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {اللّغو} كل كلامٍ ليس بحسنٍ وهو في اليمين لا والله وبلى والله). [مجاز القرآن: 2/82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({مرّوا كراماً}: لم يخضوا فيه، وأكرموا أنفسهم عنه). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (والّذين لا يشهدون الزّور وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما}
قيل الزور الشرك باللّه، وجاء أيضا أنّهم لا يشهدون أعياد النصارى.
والذي جاء في الزور أنه الشرك باللّه، فأمّا النهي عن شهادة الزور في كتاب الله فقوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا}.
وقوله عزّ وجلّ: {وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما} تأويله أعرضوا عنه،
كما قال الله عزّ وجلّ: {وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه}
وتأويل {مرّوا باللّغو} مروا بجميع ما ينبغي أن يلغى.
ومعنى " يلغى " يطرح.
وجاء في التفسير أنّهم إذا أرادوا ذكر النكاح كنوا عنه.
وقال بعضهم: هو ذكر الرفث، والمعنى واحد.
وجاء أيضا أنهم لا يجالسون أهل اللغو وهم أهل المعاصي، ولا يمالئونهم عليها، أي يعاونونهم عليها.
وجاء أيضا في (لا يشهدون الزور) مجالس الغناء). [معاني القرآن: 4/77-76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين لا يشهدون الزور}
قال محمد بن الحنفية يعني الغناء
وقال الضحاك يعني الشرك
وأصل الزور في اللغة الكذب والشرك أشد الكذب
وقوله: {وإذا مروا باللغو مروا كراما}
قال الضحاك باللغو أي بالشرك
وروي عنه أيضا إذا ذكروا النكاح كنوا عنه
وقال الحسن اللغو المعاصي كلها
وأصل اللغو في اللغة ما ينبغي أن يلغى أي يطرح أي تركوه وأكرموا أنفسهم عنه). [معاني القرآن: 5/55-54]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم} [الفرقان: 73] القرآن.
{لم يخرّوا عليها صمًّا وعميانًا} [الفرقان: 73] لم يصمّوا عنها ولم يعموا عنها.
وقال قتادة: لم يصمّوا عن الحقّ ولم يعموا عنه). [تفسير القرآن العظيم: 1/492]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لم يخرّوا عليها صمّاً وعمياناً...}
يقال: إذا تلي عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى كأنهم لم يسمعوه. فذلك الخرور. وسمعت العرب تقول: قعد يشتمني، وأقبل يشتمني.
وأنشدني بعض العرب:
لا يقنع الجارية الخضاب=ولا الوشاحان ولا الجلباب
من دون أن تلتقي الأركاب=ويقعد الهن له لعاب
... يقال لموضع المذاكير: ركب. ويقعد كقولك: يصير). [معاني القرآن: 2/274]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لم يخرّوا عليها صماًّ وعمياناً} مجازه لم يقيموا عليها تاركين لها لم يقبلوها). [مجاز القرآن: 2/82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لم يخروا عليها صما}: لم يقيموا عليها، تاركين لها). [غريب القرآن وتفسيره: 279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لم يخرّوا عليها صمًّا وعمياناً} أي لم يتغافلوا عنها: فكأنهم صمّ لم يسمعوها، عمي لم يرها ).
[تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} إنْ ترجمته بمثل لفظه استغلق،
وإنْ قلت: لم يتغافلوا أدَّيت المعنى بلفظ آخر). [تأويل مشكل القرآن: 21-22]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: {والّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم لم يخرّوا عليها صمّا وعميانا}
تأويله: إذا تليت عليهم خرّوا سجّدا وبكيّا، سامعين مبصرين لما أمروا به ونهوا عنه.
ودليل ذلك قوله: {وممّن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدا وبكيّا}.
ومثل هذا من الشعر قوله:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم=ولم تكثر القتلى بها حين سلّت
تأويله: بأيدي رجال شاموا سيوفهم وقد كثرت القتلى، ومعنى يشيموا سيوفهم يغمدوا سيوفهم.
فالتأويل: والّذين إذا ذكروا بآيات ربّهم خرّوا ساجدين مطيعين). [معاني القرآن: 4/78-77]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا}
أي لم يتغافلوا عنها ويتركوها حتى يكونوا بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر). [معاني القرآن: 5/55]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعينٍ} [الفرقان: 74]
[تفسير القرآن العظيم: 1/492]
تفسير ابن عبّاسٍ: أعوانًا على طاعة اللّه.
وتفسير الحسن: أي يرونهم مطيعين للّه.
قال: {واجعلنا للمتّقين إمامًا} [الفرقان: 74] قال قتادة: قادةً في الخير ودعاة هدًى يؤتمّ بهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/493]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وذرّيّاتنا...}
قرأ أصحاب عبد الله (وذرّيّتنا) والأكثر {وذرّيّاتنا} وقوله: {قرّة أعينٍ} ولو قيل: {عينٍ} كان صواباً كما قالت {قرّة عينٍ لي ولك} ولو قرئت: قرّات أعين لأنهم كثير كان صواباً. والوجه التقليل {قرّة أعين} لأنه فعلٌ والفعل لا (يكاد يجمع) ألا ترى أنه قال {لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً} فلم يجمعه وهو كثيرٌ. والقرّة مصدرٌ. تقول: قرّت عينك قرّةً.
وقوله: {للمتّقين إماماً} ولم يقل: أئمّةً وهو واحدٌ يجوز في الكلام أن تقول: أصحاب محمد أئمّة الناس وإمام الناس كما قال {إنّا رسول ربّ العالمين} للاثنين ومعناه: اجعنا أئمّةً يقتدى بنا. وقال مجاهد: اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدى بنا من بعدنا). [معاني القرآن: 2/274]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعينٍ واجعلنا للمتّقين إماماً}
وقال: {للمتّقين إماماً} فـ"الإمام" ههنا جماعة كما قال: {فإنّهم عدوٌّ لي} ويكون على الحكاية كما يقول الرجل إذا قيل له: "من أميركم" قال: "هؤلاء أميرنا" وقال الشاعر:
يا عاذلاتي لا تردن ملامتي = إنّ العواذل ليس لي بأمير).
[معاني القرآن: 3/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {واجعلنا للمتقين إماما}: أي أمة وقد يقال في الكلام: أصحاب محمد يقتدى بهم. ومثله {والملائكة بعد ذلك ظهير}
والظهير: العون). [غريب القرآن وتفسيره: 279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (... وقال عز وجل: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي خلق العجل من
الإنسان، يعني العجلة. كذلك قال أبو عبيدة.
ومن المقلوب ما قلب على الغلط كقول خِدَاش بن زهير:
وتركبُ خيلٌ لا هوادَة بينها = وتعصِى الرِّمَاح بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ
أي: (تعصي الضياطرة بالرّماح) وهذا ما لا يقع فيه التّأويل، لأن الرماح لا تعصى بالضّياطرة وإنما يعصى الرجال بها، أي يطعنون.
ومنه قول الآخر:
أسلَمْتُه في دمشقَ كما = أسلمَتْ وحشيَّةٌ وَهَقَا
أراد: (كما أسلم وحشية وهق) فقلب على الغلط.
وقال آخر:
كانت فريضةَ ما تقول كَمَا = كان الزِّنَاءُ فريضةُ الرَّجْمِ
أراد (كما كان الرجم فريضة الزنى).
وكان بعض أصحاب اللغة يذهب في قول الله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} إلى مثل هذا في القلب، ويقول: وقع التشبيه بالراعي في ظاهر الكلام، والمعنى للمنعوق به وهو الغنم. وكذلك قوله سبحانه: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} أي: تنهض بها وهي مثقلة.
وقال آخر في قوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي: وإن حبّه للخير لشديد.
وفي قوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: اجعل المتّقين لنا إماما في الخير.
وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عزّ وجلّ لو لم يجد له مذهبا، لأنّ الشعراء تقلب اللفظ، وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية، أو لاستقامة وزن البيت.
فمن ذلك قول لبيد:
نحن بنو أمّ البنين الأربعة
قال ابن الكلبي: هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة.
وقال آخر يصف إبلا:
صبَّحن من كاظمة الخصَّ الخَرِب = يحملْنَ عَبَّاسَ بنَ عبدَ المطَّلِب
أراد: (عبد الله بن عباس) فذكر أباه مكانه.
وقال الصّلتان:
أرى الخطفيَّ بذَّ الفرزدقَ شعرُه = ولكنَّ خيرًا مُن كُليب مُجَاشع
أراد: «أرى جريراً بذَّ الفرزدق شعره» فلم يمكنه فذكر جدّه.
وقال ذو الرّمة:
عشيَّةَ فرَّ الحارثيُّون بعدَما = قضى نَحْبَه في ملتقى القوم هَوْبُرُ
قال ابن الكلبي: هو (يزيد بن هوبر) فاضطرّ.
وقال (أوس):
فهل لكم فيها إليَّ فإنّني = طبيب بما أعيا النِّطاسيَّ حِذْيَمَا
أراد: (ابن حذيم) وهو طبيب كان في الجاهلية وقال ابن ميّادة وذكر بعيرا:
كأنَّ حيثُ تلتقي منه المُحُلْ = من جانبيه وَعِلَينِ وَوَعِل
أراد: وَعِلَينِ من كل جانب، فلم يمكنه فقال: وَوَعِل.
وقال أبو النجم:
ظلَّت وَوِرْدٌ صادقٌ مِن بالِها = وظلَّ يوفِي الأُكُمَ ابنُ خالِها
أراد فحلها؛ فجعله ابن خالها.
وقال آخر:
مثل النصارى قتلوا المسيح
أراد: اليهود.
وقال آخر:
ومحور أخلص من ماء اليَلَب
واليلب: سيور تجعل تحت البيض، فتوهّمه حديدا.
وقال رؤبة:
أو فضّة أو ذهب كبريتُ
وقال أبو النجم:
كلمعة البرق ببرق خلَّبُه
أراد: بخلّب برقه، فقلب.
وقال آخر:
إنَّ الكريم وأبيك يعتَمِلْ = إن لم يجد يوماً على مَن يَتَّكِلْ
أراد: إن لم يجد يوما من يتكل عليه.
في أشباه لهذا كثيرة يطول باستقصائها الكتاب.
والله تعالى لا يغلطُ ولا يضطرُّ، وإنما أراد: ومثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم كمثل الناعق بما لا يسمع، فاقتصر على قوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وحذف ومثلنا، لأنّ الكلام يدل عليه. ومثل هذا كثير في الاختصار.
وقال الفراء: أراد: ومثل واعظ الذين كفروا، فحذف، كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، أي: أهلها.
وأراد بقوله: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}، أي: تميلها من ثقلها.
قال الفراء أنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما الْتَأَمَتْ مفاصِلُه = وَنَاءَ فِي شِقِّ الشِّمَالِ كَاهِلُه
يريد: أنه لما أخذ القوس ونزع، مال عليها.
قال: ونرى قولهم: (ما سَاءك ونَاءَك)، من هذا.
وكان الأصل (أناءك) فألقي الألف لما اتبعه (ساءك) كما قالوا: (هَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي)، فاتبع مرأني هنأني. ولو أفرد لقال: أمرأني.
وأراد بقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}، أي: وإنه لحبّ المال لبخيل، والشدة: البخل هاهنا، يقال: رجل شديد ومتشدّد.
وقوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، يريد: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون، كما قال في موضع آخر:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}، أي: قادة، كذلك قال المفسّرون.
وروي عن بعض خيار السلف: أنه كان يدعو الله أن يحتمل عنه الحديث، فحمل عنه.
وقال بعض المفسرين في قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، أي:اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدي بنا من بعدنا. فهم على هذا التأويل متّبعون ومتّبعون).
[تأويل مشكل القرآن: 197-205] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعين واجعلنا للمتّقين إماما}
(وذرّيّتنا)
ويقرأ (وذرّيّاتنا) - سألوا أن يلحق اللّه بهم ذريتهم في الجنة، وأن يجعل أهلهم تقر بهم أعينهم.
{واجعلنا للمتقين إماما} أي واجعلنا ممن يهتدي به المتقون، ويهتدي بالمتقين). [معاني القرآن: 4/78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين}
قال الضحاك أي مطيعين لك
ثم قال: {واجعلنا للمتقين إماما}
قال الضحاك أي اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير
وقال الحسن أي اجعلنا نقتدي بالمتقين الذين قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا). [معاني القرآن: 5/55]
تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أولئك يجزون الغرفة} [الفرقان: 75] كقوله: {وهم في الغرفات آمنون} [سبأ: 37] قوله: {بما صبروا} [الفرقان: 75] على طاعة اللّه وعن معصية اللّه.
{ويلقّون فيها} [الفرقان: 75] الجنّة.
{تحيّةً وسلامًا} [الفرقان: 75] التّحيّة السّلام، والسّلام الخير الكثير.
كقوله: {من كلّ أمرٍ {4} سلامٌ هي} [القدر: 4-5] حدّثنا عبد الوهّاب بن مجاهدٍ، عن أبيه قال: {من كلّ أمرٍ {4} سلامٌ هي} [القدر: 4-5]، خيرٌ كلّها {حتّى مطلع الفجر} [القدر: 5] يعني ليلة القدر). [تفسير القرآن العظيم: 1/493]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويلقون...}
و{يلقّون فيها} كل قد قرئ به و{يلقون} أعجب إليّ؛ لأنّ القراءة لو كانت على {يلقّون} كانت بالباء في العربيّة؛ لأنك تقول: فلان يتلقّى بالسّلام وبالخير. وهو صواب يلقّونه ويلقّون به كما تقول: أخذت بالخطام وأخذته). [معاني القرآن: 2/275]
تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {خالدين فيها} [الفرقان: 76] لا يموتون ولا يخرجون منها.
{حسنت مستقرًّا} [الفرقان: 76] قرارهم فيها.
قوله: {ومقامًا} [الفرقان: 76] منزلًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/493]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل ما يعبأ بكم ربّي} [الفرقان: 77] ما يفعل بكم ربّي.
{لولا دعاؤكم} [الفرقان: 77] لولا توحيدكم وإخلاصكم كقوله: {فادعوا اللّه مخلصين له الدّين} [غافر: 14] قال: {فقد كذّبتم} [الفرقان: 77] يعني المشركين.
{فسوف يكون لزامًا} [الفرقان: 77] أخذًا بالعذاب.
يعدهم بيوم بدرٍ.
سعيدٌ عن قتادة قال: كنّا نحدّث أنّه يوم بدرٍ.
فألزمهم اللّه يوم بدرٍ عقوبة كفرهمٍ وجحودهم، فعذّبهم بالسّيف يوم بدرٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/493]
وبلغني عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّه كان يقول: قد مضت البطشة الكبرى يوم بدرٍ.
واللّزام والدّخان: الجوع الّذي كان أصابهم بمكّة، والرّوم، والقمر.
قال يحيى: يعني قوله: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر} [القمر: 1].
وأمّا الرّوم فإنّهم غلبوا فارس، وغلب المسلمون المشركين في يومٍ واحدٍ.
وقوله: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} [القمر: 45] يوم بدرٍ.
وقوله: {حتّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذابٍ شديدٍ} [المؤمنون: 77] يوم بدرٍ.
وقوله: {العذاب الأدنى} [السجدة: 21] يوم بدرٍ.
وقوله: {وإنّ للّذين ظلموا عذابًا دون ذلك} [الطور: 47] يوم بدرٍ.
وقوله: {قل يوم الفتح لا ينفع الّذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون} [السجدة: 29] يوم بدرٍ في قول بعضهم.
وقول الحسن: النّفخة الأولى بها يهلك آخر كفّار هذه الأمّة.
- عثمان، عن داود بن أبي هندٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: ثلاث آياتٍ قد مضين، اثنتان منهم يوم بدرٍ، يومٌ ذو عذابٍ شديدٍ، {سيهزم الجمع} [القمر: 45]، {وانشقّ القمر} [القمر: 1] عثمان عن الأعمش أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/494]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما يعبأ بكم ربّي...}
ما استفهام أي ما يصنع بكم {لولا دعاؤكم} لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام {فقد كذّبتم فسوف يكون لزاماً} نصبت اللزام لأنك أضمرت في (يكون) اسماً إن شئت كان مجهولاً فيكون بمنزله قوله في قراءة أبيّ (وإن كان ذا عسرةٍ) وإن شئت جعلت فسوف يكون تكذيبكم عذاباً لازماً ذكر أنه ما نزل بهم يوم بدرٍ. والرفع فيه جائز لو أتى. وقد تقول العرب: لأضربنّك ضربةً تكون لزام يا هذا، تخفض كما تقول: دراك ونظار. وأنشد.
لا زلت محتملاً عليّ ضغينةً =حتى الممات تكون منك لزام
قال: أنشدناه في المصادر). [معاني القرآن: 2/275]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قل ما يعبأ بكم ربّي} ومنه قولهم ما عبأت بك شيئاً أي ما عددتك شيئاً). [مجاز القرآن: 2/82]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فسوف يكون لزاماً} أي جزاء وهو الفيصل قال الهذلي:
فإما ينجوا من حتف يومٍ=فقد لقيا حتوفهما لزاما
يلزم كل عامل ما عمل من خير أو شر وله موضع آخر فسوف يكون هلاكا قال أبو ذؤيب:
ففاجئه بعاديةٍ لزامٍ=كام يتفجّر الحوض اللقيف
الحوض اللقيف الذي قد تهدمت حجارته سقط بعضها على بعض ؛ لزام أي كثيرة بعضها في إثر بعض). [مجاز القرآن: 2/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاماً}
وقال: {ما يعبأ بكم} لأنّها من "عبأت به" فـ"أنّا أعبأ به" "عبأً"). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ما يعبأ بكم ربي}: ما عبأت به شيئا أي ما صنعت به شيئا). [غريب القرآن وتفسيره: 280]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قل ما يعبؤا بكم ربّي} مفسر في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}
في هذه الآية مضمر وله أشكلت: أي ما يعبأ بعذابكم ربّي لولا ما تدعونه من دونه من الشريك والولد. ويوضّح ذلك قوله: فسوف يكون لزاماً أي يكون العذاب لمن كذّب ودعا من دونه إلها- لازما.
ومثله من المضمر الشاعر:
من شاء دلّى النّفس في هوّة ضنك، ولكن من له بالمضيق
أراد: ولكن من له بالخروج من المضيق؟
وقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}، أي من كان يريد علم العزّة: لمن هي؟ فإنها لله تعالى). [تأويل مشكل القرآن: 438]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاما}
أي لولا توحيدكم إياه.
وجاء في التفسير {ما يعبأ بكم} ما يفعل بكم وتأويل {ما يعبأ بكم} أي: أيّ وزن يكون لكم عنده، كما تقول: ما عبأت بفلان أي ما كان له عندي وزن ولا قدر.
وأصل العبء في اللغة الثقل، ومن ذلك عبأت المتاع جعلت بعضه على بعض.
وقوله: {فقد كذّبتم فسوف يكون لزاما} جاء في التفسير عن الجماعة أنه يعنى به يوم بدر، وجاء أنه لوزم بين القتلى لزاما.
وقرئت (لزاما)، وتأويله - واللّه أعلم - فسوف يكون تكذيبكم لزاما، يلزمكم فلا تعطون التوبة وتلزمكم العقوبة، فيدخل في هذا يوم بدر.
وغيره مما يلزمهم من العذاب.
وقال أبو عبيدة: لزاما فيصلا، وهو قريب مما قلنا، إلا أن القول أشرح.
وأنشد أبو عبيدة لصخر أخي الهذلي: فإمّا ينجوا من حتف أرض=فقد لقيا حتوفهما لزاما
وتأويل هذا أن الحتف إذا كان مقدرا فهو لازم، وإن نجا من حتف مكان لحقه في مكان آخر لازما له لزاما.
ومن قرأ (لزاما) بفتح اللام، فهو على مصدر لزم لزاما). [معاني القرآن: 4/79-78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أي ما يفعل بكم ربي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه وتطيعوه
وهذا أحسن ما قيل في الآية كما قال جل وعز: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم}
وأصل يعبأ من العبء وهو الثقل وقول الشاعر:
كأن بصدره وبجانبيه = عبيرا بات يعبأه عروس
أي يجعل بعضه على بعض
أي أي وزن لكم عند ربكم لولا أنه أراد أن يدعوكم إلى طاعته
وقال القتبي المعنى ما يعبأ بعذابكم ربي لولا دعاؤكم غيره أي لولا شرككم
ثم قال سبحانه: {فقد كذبتم فسوف يكون لزاما}
روى مسروق عن عبد الله قال يعني يوم بدر
وكذلك قال مجاهد والضحاك
قال أبو إسحاق أي فسوف يكون التكذيب لازما يلزمكم ولا تعطون التوبة
وقال القتبي أي فسوف يكون العذاب لزاما
وقال أبو عبيدة لزاما أي فيصلا
وقال مسلم بن عمار سمعت ابن عباس يقرؤها فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما
وقال أبو زيد سمعت قعنبا يقرأ فسوف يكون لزاما بفتح اللام
قال أبو جعفر وهذا مصدر لزم والأول مصدر لزم
حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم يقول لولا إيمانكم
وأخبر الله جل وعز الكفار أنه لا حاجة له بهم إذا لم يخلقهم مؤمنين ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين فسوف يكون لزاما قال يقول موتا).
[معاني القرآن: 5/58-56]