العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الفرقان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 11:46 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي تفسير سورة الفرقان [ من الآية (17) إلى الآية (20) ]

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 رجب 1434هـ/27-05-2013م, 06:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون اللّه فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل}.
يقول تعالى ذكره: ويوم نحشر هؤلاء المكذّبين بالسّاعة العابدين الأوثان، وما يعبدون من دون اللّه من الملائكة والإنس والجنّ.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون اللّه} فيقول: {أأنتم أضللتم} عبادي هؤلاء قال: عيسى وعزيرٌ والملائكة.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه أبو جعفرٍ القارئ، وعبد اللّه بن كثيرٍ: {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون اللّه فيقول} بالياء جميعًا، بمعنى: ويوم يحشرهم ربّك، ويحشر ما يعبدون من دونه فيقول.
وقرأته عامّة قرّاء الكوفيّين: (نحشرهم) بالنّون، فنقول وكذلك قرأه نافعٌ.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّهما قراءتان مشهورتان، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
وقوله: {فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء} يقول: فيقول اللّه للّذين كان هؤلاء المشركون يعبدونهم من دون اللّه: أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء؟ يقول: أنتم أزلتموهم عن طريق الهدى، ودعوتموهم إلى الغيّ والضّلالة حتّى تاهوا وهلكوا، أم هم ضلّوا السّبيل؟ يقول: أم عبادي هم الّذين ضلّوا سبيل الرّشد والحقّ، وسلكوا العطب). [جامع البيان: 17/414-415]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون اللّه فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل (17)
قوله تعالى: ويوم نحشرهم
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: يوم قال: يوم القيامة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن نميرٍ، عن حنظلة القاصّ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: يحشر كلّ شيءٍ حتّى إنّ الذّباب ليحشر.
- حدّثنا عمرٌو الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن الأعمش قال: سمعتهم يذكرون، عن مجاهد: يوم نحشرهم قال: حشر الموت.
قوله تعالى: وما يعبدون من دون اللّه
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون اللّه هؤلاء عيسى وعزيرٌ والملائكة.
قوله تعالى: فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكيرٌ، عن مقاتل بن حبان يعنى قوله: أم هم ضلّوا السّبيل يقول: قد أخطأ قصد السّبيل). [تفسير القرآن العظيم: 8/2671-2672]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء يعني أنه يقول لعيسى وعزير والملائكة أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء). [تفسير مجاهد: 448]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا * فقد كذبوا بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا.
أخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي} قال: عيسى وعزير والملائكة). [الدر المنثور: 11/146]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن في قوله تعالى وكانوا قوما بورا قال هم الذين لا خير فيهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/67]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء ولكن متّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر وكانوا قومًا بورًا}.
يقول تعالى ذكره: قالت الملائكة الّذين كان هؤلاء المشركون يعبدونهم من دون اللّه وعيسى: تنزيهًا لك يا ربّنا، وتبرئةً ممّا أضاف إليك هؤلاء المشركون، ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء نواليهم، أنت وليّنا من دونهم، ولكن متّعتهم بالمال يا ربّنا في الدّنيا والصّحّة حتّى نسوا الذّكر، وكانوا قومًا هلكى، قد غلب عليهم الشّقاء والخذلان.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولكن متّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر وكانوا قومًا بورًا} يقول: قومٌ قد ذهبت أعمالهم وهم في الدّنيا، ولم تكن لهم أعمالٌ صالحةٌ.
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكانوا قومًا بورًا} يقول: هلكى.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وكانوا قومًا بورًا} يقول: هلكى.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن: {وكانوا قومًا بورًا} قال: هم الّذين لا خير فيهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وكانوا قومًا بورًا} قال: يقول: ليس من الخير في شيءٍ. البور: الّذي ليس فيه من الخير شيءٌ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار: {" نتّخذ.} بفتح النّون؛ سوى الحسن ويزيد بن القعقاع، فإنّهما قرآه: (أن نتّخذ) بضمّ النّون. فذهب الّذين فتحوها إلى المعنى الّذي بيّنّاه في تأويله، من أنّ الملائكة وعيسى ومن عبد من دون اللّه من المؤمنين هم الّذين تبرّءوا أن يكون كان لهم وليّ غير اللّه تعالى ذكره.
وأمّا الّذين قرءوا ذلك بضمّ النّون، فإنّهم وجّهوا معنى الكلام إلى أنّ المعبودين في الدّنيا إنّما تبرّءوا إلى اللّه أن يكون كان لهم أن يعبدوا من دون اللّه جلّ ثناؤه، كما أخبر اللّه عن عيسى أنّه قال إذ قيل له: {أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقٍّ}، {ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به أن اعبدوا اللّه ربّي وربّكم}.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأه بفتح النّون، لعللٍ ثلاثٍ: إحداهنّ إجماعٌ من القرّاء عليها. والثّانية: أنّ اللّه جلّ ثناؤه ذكر نظير هذه القصّة في سورة سبأٍ، فقال: {ويوم يحشرهم جميعًا ثمّ يقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم}، فأخبر عن الملائكة، أنّهم إذا سئلوا عن عبادة من عبدهم تبرّءوا إلى اللّه من ولايتهم، فقالوا لربّهم: {أنت وليّنا من دونهم}، فذلك يوضّح عن صحّة قراءة من قرأ ذلك: {ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء} بمعنى: ما كان ينبغي لنا أن نتّخذهم من دونك أولياء. والثّالثة: أنّ العرب لا تدخل (من) هذه الّتي تدخل في الجحد إلاّ في الأسماء، ولا تدخلها في الأخبار، لا يقولون: ما رأيت أخاك من رجلٍ، وإنّما يقولون: ما رأيت من أحدٍ، وما عندي من رجلٍ؛ وقد دخلت هاهنا في الأولياء وهي في موضع الخبر، ولو لم تكن فيها (من)، كان وجهًا حسنًا.
وأمّا البور: فمصدرٌ واحدٌ، وجمعٌ للبائر، يقال: أصبحت منازلهم بورًا: أي خاليةً لا شيء فيها، ومنه قولهم: بارت السّوق وبار الطّعام: إذا خلا من الطّلاّب، والمشتري، فلم يكن له طالبٌ، فصار كالشّيء الهالك؛ ومنه قول ابن الزّبعرى:
يا رسول المليك إنّ لساني = راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور
وقد قيل: إنّ بور: مصدرٌ، كالعدل والزّور والقطع، لا يثنّى، ولا يجمع، ولا يؤنّث.
وإنّما أريد بالبور في هذا الموضع أنّ أعمال هؤلاء الكفّار كانت باطلةً لأنّها لم تكن للّه، كما ذكرنا عن ابن عبّاسٍ). [جامع البيان: 17/416-419]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء ولكن متّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر وكانوا قومًا بورًا (18)
قوله تعالى: قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء هذا قول الآلهة.
قوله تعالى: من أولياء
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن الفضل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: من أولياء قال: أمّا الوليّ فالّذي يتولاه اللّه ويقرّ له بالرّبوبية.
قوله تعالى: ولكن متّعتهم وآباءهم
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي حدّثني أبي، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولكن متّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر يقول: قومٌ قد ذهبت أعمالهم في الدّنيا ولم يكن لهم أعمالٌ صالحةٌ.
قوله تعالى: حتّى نسوا الذّكر
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ قال: سألت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن قول اللّه: الذّكر قال: القرآن.
قوله تعالى: وكانوا قومًا بورًا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: بورًا يقول: هلكى.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو ربيعة زيد بن عونٍ، ثنا عوف بن موسى، ثنا فرقدٌ السّبخيّ، عن شهر بن حوشبٍ في قوله: وكانوا قومًا بورًا قال: معناه فسدتم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة: وكانوا قومًا بورًا قال: هو الفساد.
- حدّثنا أبي أنبأ أبو الجماهر، ثنا سعيدٌ حدّثني سويدٌ، عن قتادة البور بكلام عمان.
- حدثنا محمد بن يحي أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: وكانوا قومًا بورًا والبور: الفاسد وإنّه واللّه ما نسي قومٌ قطّ ذكر اللّه إلا باروا وفسدوا.
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن الحسن في قوله: كنتم قومًا بورًا قال: هم الّذين لا خير فيهم). [تفسير القرآن العظيم: 8/2672-2673]

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وكانوا قوما بورا يعني هالكين). [تفسير مجاهد: 448]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم، وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل عن قول الله {ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} أو نتخذ فقال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ {أن نتخذ} بنصب النون فسألته عن {الم غلبت الروم} الروم الآيتان 1 - 2 أو غلبت قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {غلبت الروم} ). [الدر المنثور: 11/147]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد عن الضحاك قال: قرأ رجل عند علقمة {ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك} برفع النون ونصب الخاء فقال علقمة {أن نتخذ} بنصب النون وخفض الخاء). [الدر المنثور: 11/147]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه كان يقرؤها {ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك} برفع النون ونصب الخاء). [الدر المنثور: 11/147]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} قال: هذا قول الالهة {ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا} قال: البور: الفاسد، وإنه ما نسي الذكر قوم قط إلا باروا وفسدوا). [الدر المنثور: 11/147-148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قوما بورا} قال: هلكى). [الدر المنثور: 11/148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الازرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل {قوما بورا} قال: هلكى بلغة عمان وهم من اليمن قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر وهو يقول:
فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكم * وكافوا به فالكفر بور لصانعه). [الدر المنثور: 11/148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: البور: بكلام عمان). [الدر المنثور: 11/148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {بورا} قال قاسين لا خير فيهم). [الدر المنثور: 11/148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {قوما بورا} قال: هالكين {فقد كذبوكم بما تقولون} يقول الله للذين كانوا يعبدون عيسى وعزيرا والملائكة حين قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم فقد كذبوكم بما تقولون عيسى وعزيرا والملائكة حين يكذبون المشركين بقولهم {فما تستطيعون صرفا ولا نصرا} قال: المشركون لا يستطيعون صرف العذاب ولا نصر أنفسهم). [الدر المنثور: 11/148-149]

تفسير قوله تعالى: (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى ومن يظلم منكم قال هو الشرك). [تفسير عبد الرزاق: 2/67]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عمّا هو قائلٌ للمشركين عند تبرّي من كانوا يعبدونه في الدّنيا من دون اللّه منهم: قد كذّبوكم أيّها الكافرون من زعمتم أنّهم أضلّوكم، ودعوكم إلى عبادتهم {بما تقولون} يعني بقولكم، يقول: كذّبوكم بكذبكم.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى،؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فقد كذّبوكم بما تقولون} يقول اللّه للّذين كانوا يعبدون عيسى وعزيرًا والملائكة، يكذّبون المشركين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {فقد كذّبوكم بما تقولون} قال: عيسى وعزيرٌ والملائكة، يكذّبون المشركين بقولهم.
وكان ابن زيدٍ يقول في تأويل ذلك ما:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} قال: كذّبوكم بما تقولون بما جاء من عند اللّه جاءت به الأنبياء، والمؤمنون آمنوا به وكذّب هؤلاء.
فوجّه ابن زيدٍ تأويل قوله: {فقد كذّبوكم} إلى: فقد كذّبوكم أيّها المؤمنون المكذّبون بما جاءهم به محمّدٌ من عند اللّه بما تقولون من الحقّ، وهو أن يكون خبرًا عن الّذين كذّبوا الكافرين في زعمهم أنّهم دعوهم إلى الضّلالة، وأمروهم بها، على ما قاله مجاهدٌ من القول الّذي ذكرنا عنه، أشبه وأولى؛ لأنّه في سياق الخبر عنهم.
والقراءة في ذلك عندنا: {فقد كذّبوكم بما تقولون} بالتّاء، على التّأويل الّذي ذكرناه، لإجماع الحجّة من قرّاء الأمصار عليه. وقد حكي عن بعضهم أنّه قرأه: (فقد كذّبوكم بما يقولون) بالياء، بمعنى: فقد كذّبوكم بقولهم.
وقوله جلّ ثناؤه: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} يقول: فما يستطيع هؤلاء الكفّار صرف عذاب اللّه حين نزل بهم عن أنفسهم، ولا نصرها من اللّه حين عذّبها وعاقبها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} قال: المشركون لا يستطيعونه.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} قال: المشركون.
قال ابن جريجٍ: لا يستطيعون صرف العذاب عنهم، ولا نصر أنفسهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} قال: لا يستطيعون يصرفون عنهم العذاب الّذي نزل بهم حين كذّبوا، ولا أن ينتصروا. قال: وينادي منادٍ يوم القيامة حين يجتمع الخلائق: ما لكم لا تناصرون؟ قال: من عبد من دون اللّه لا ينصر اليوم من عبده، وقال العابدون من دون اللّه لا ينصره اليوم إلهه الّذي يعبد من دون اللّه، فقال اللّه تبارك وتعالى: {بل هم اليوم مستسلمون} وقرأ قول اللّه جلّ ثناؤه: {فإن كان لكم كيدٌ فكيدون}.
وروي عن ابن مسعودٍ، في ذلك ما:
- حدّثنا به، أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، قال: هي في حرف عبد اللّه بن مسعودٍ: فما يستطيعون لك صرفًا.
فإن تكن هذه الرّواية عنه صحيحةً، صحّ التّأويل الّذي تأوّله ابن زيدٍ في قوله: {فقد كذّبوكم بما تقولون} ويصير قوله: {فقد كذّبوكم} خبرًا عن المشركين أنّهم كذّبوا المؤمنين، ويكون تأويل قوله حينئذٍ: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} فما يستطيع يا محمّد هؤلاء الكفّار لك صرفًا عن الحقّ الّذي هداك اللّه له، ولا نصر أنفسهم، ممّا بهم من البلاء الّذي هم فيه، بتكذيبهم إيّاك.

القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يظلم منكم نذقه عذابًا كبيرًا}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: {ومن يظلم منكم} أيّها المؤمنون يعني بقوله: {ومن يظلم} ومن يشرك باللّه فيظلم نفسه فذلك نذقه عذابًا كبيرًا، كالّذي ذكرنا أن نذيقه الّذين كذّبوا بالسّاعة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثني الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {ومن يظلم منكم} قال: يشرك؛ {نذقه عذابًا كبيرًا}.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، في قوله: {ومن يظلم منكم} قال: هو الشّرك). [جامع البيان: 17/419-422]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا ومن يظلم منكم نذقه عذابًا كبيرًا (19)
قوله تعالى: فقد كذّبوكم بما تقولون
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ فقد كذّبوكم بما تقولون يقول اللّه: للّذين كانوا يعبدون عيسى وعزير والملائكة حيث قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم، يقول اللّه: فقد كذّبوكم بما تقولون عيس وعزيرٌ والملائكة حيث يعذّبون أو قال: حين يكذّبون المشركين.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ، قال سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قول اللّه: فقد كذّبوكم بما تقولون قال: كذّبوكم بما جاء من عند اللّه جاءت به الأنبياء المؤمنون آمنوا به وكذّبوا هؤلاء.
قوله تعالى: فما يستطيعون صرفًا ولا نصرًا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: فما يستطيعون صرفًا ولا نصرًا المشركون لا يستطيعون صرف العذاب ولا نصر أنفسهم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: فما يستطيعون صرفا ولا نصرا فما يستطيعون أن يصدقوا العذاب عنهم الّذي نزل بهم حين كذّبوا ولا أن ينصروا قال: وينادي منادٍ يوم القيامة حيث يجمع اللّه الخلائق: ما لكم لا تناصرون قال: من عبد من دون اللّه، لا ينصر اليوم من عبده وما للعابدين دون الله لا ينصروا اليوم إلهه الّذي يعبد من دون اللّه فقال اللّه: بل هم اليوم مستسلمون وقرأ قول اللّه: فإن كان لكم كيدٌ فكيدون.
قوله تعالى: ومن يظلم منكم نذقه عذابًا كبيرًا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: كلّ شيءٍ نسبه إلى غير الإسلام من اسمٍ مثل مسرفٍ وظالمٍ ومجرمٍ وفاسقٍ وخاسرٍ فإنّما يعنى به الكفر، وما نسبه إلى الإسلام فإنّما يعنى به الذّنب قال: ومن يظلم منكم نذقه عذابًا كبيرًا يقول: ومن يكفر منكم قال: وأعتدنا للظّالمين يقول: للكافرين.
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم حدّثني عبد الصّمد أنّه سمع وهبًا يقول: قرأت اثنين وسبعين كتابًا نزلت من السّماء ما سمعت: كتابًا أكثر تكريرًا فيه الظّلم ومعاتبةً عليه من القرآن وذلك لأنّ اللّه علم أنّ فتنة هذه الأمّة تكون في الظلم وما الآخرين من الأمم فإنّه أكثر معاتبة إيّاهم في الشّرك وعبادة الأوثان وإنّه ذكر معاتبة هذه الأمّة بالظّلم فقال: ومن يظلم منكم نذقه عذابًا كبيرًا: وأن لعنة اللّه على الظالمين ونزع بأشباه هذا من القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 8/2673-2674]

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فقد كذبوكم بما تقولون قال يقول الله عز وجل للمشركين الذين عبدوا عيسى وعزير والملائكة حين قال عيسى وعزير والملائكة أنت ولينا من دونهم فقال الله عز وجل للذين عبدوهم فقد كذبوكم بما تقولون يقول كذبكم عيسى وعزير والملائكة حين يكذبون المشركين فما يستطيعون صرفا يقول المشركون لا يستطيعون صرفا ولا نصرا). [تفسير مجاهد: 2/448-449]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {قوما بورا} قال: هالكين {فقد كذبوكم بما تقولون} يقول الله للذين كانوا يعبدون عيسى وعزيرا والملائكة حين قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم فقد كذبوكم بما تقولون عيسى وعزيرا والملائكة حين يكذبون المشركين بقولهم {فما تستطيعون صرفا ولا نصرا} قال: المشركون لا يستطيعون صرف العذاب ولا نصر أنفسهم). [الدر المنثور: 11/148-149] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى {ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: قرأت اثنين وسبعين كتابا كلها نزلت من السماء ما سمعت كتابا أكثر تكريرا فيه الظلم معاتبة عليه من القرآن، وذلك أن الله علم أن فتنة هذه الأمة تكون في الظلم وأما الاخر فإن أكثر معاتبته اياهم في الشرك وعبادة الاوثان). [الدر المنثور: 11/149]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن الحسن في قوله {ومن يظلم منكم} قال هو الشرك). [الدر المنثور: 11/149]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله {ومن يظلم منكم} قال: يشرك). [الدر المنثور: 11/149]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيرًا}.
وهذا احتجاجٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه على مشركي قومه الّذين قالوا: {ما لهذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق} وجوابٌ لهم عنه، يقول لهم جلّ ثناؤه: وما أنكر يا محمّد هؤلاء القائلون: ما لهذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق، من أكلك الطّعام، ومشيك في الأسواق، وأنت للّه رسولٌ؛ فقد علموا أنّا ما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق كالّذي تأكل أنت وتمشي، فليس لهم عليك بما قالوا من ذلك حجّةٌ.
فإن قال قائلٌ: فإنّ من ليست في التّلاوة، فكيف قلت معنى الكلام: إلاّ من إنّهم ليأكلون الطّعام؟
قيل: قلنا في ذلك معناه: أنّ الهاء والميم في قوله: {إنّهم}، كنايةٌ أسماءٍ لم تذكر، ولا بدّ لها من أن تعود على من كنّي عنه بها، وإنّما ترك ذكر من وإظهاره في الكلام اكتفاءً بدلالة قوله: {من المرسلين} عليه، كما اكتفى في قوله: {وما منّا إلاّ له مقامٌ معلومٌ}، من إظهار من ولا شكّ أنّ معنى ذلك: وما منّا إلاّ من له مقامٌ معلومٌ، كما قيل: {وإن منكم إلاّ واردها}، ومعناه: وإن منكم إلاّ من هو واردها؛ فقوله: {إنّهم ليأكلون الطّعام} صلةٌ لـ من المتروك، كما يقال في الكلام: ما أرسلت إليك من النّاس إلاّ من إنّه ليبلّغك الرّسالة، فإنّه (ليبلّغك الرّسالة) صلةٌ لـ (من).
وقوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً} يقول تعالى ذكره: وامتحنّا أيّها النّاس بعضكم ببعضٍ، جعلنا هذا نبيًّا، وخصصناه بالرّسالة، وهذا ملكًا، وخصصناه بالدّنيا، وهذا فقيرًا وحرمناه الدّنيا، لنختبر الفقير بصبره على ما حرم ممّا أعطيه الغنيّ، والملك بصبره على ما أعطيه الرّسول من الكرامة، وكيف رضي كلّ إنسانٍ منهم بما أعطي وقسم له، وطاعته ربّه مع ما حرم ممّا أعطي غيره. يقول: فمن أجل ذلك لم أعط محمّدًا الدّنيا، وجعلته يطلب المعاش في الأسواق، ولأبتليكم أيّها النّاس، وأختبر طاعتكم ربّكم، وإجابتكم رسوله إلى ما دعاكم إليه، بغير عرضٍ من الدّنيا ترجونه من محمّدٍ أن يعطيكم على اتّباعكم إيّاه؛ لأنّي لو أعطيته الدّنيا، لسارع كثيرٌ منكم إلى اتّباعه طمعًا في دنياه أن ينال منها.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: حدّثني عبد القدّوس، عن الحسن، في قوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً}. الآية، يقول هذا الأعمى: لو شاء اللّه لجعلني بصيرًا مثل فلانٍ، ويقول هذا الفقير: لو شاء اللّه لجعلني غنيًّا مثل فلانٍ، ويقول هذا السّقيم: لو شاء اللّه لجعلني صحيحًا مثل فلانٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون} قال: يمسك عن هذا، ويوسّع على هذا، فيقول: لم يعطني مثل ما أعطى فلانًا، ويبتلى بالوجع كذلك، فيقول: لم يجعلني ربّي صحيحًا مثل فلانٍ؛ في أشباه ذلك من البلاء، ليعلم من يصبر ممّن يجزع.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، فيما يرى الطّبريّ، عن عكرمة، أو عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: وأنزل عليه في ذلك من قولهم: {ما لهذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق} الآية: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون} أي جعلت بعضكم لبعضٍ بلاءً، لتصبروا على ما تسمعون منهم، وترون من خلافهم، وتتّبعوا الهدى بغير أن أعطيهم عليه الدّنيا؛ ولو شئت أن أجعل الدّنيا مع رسلي فلا يخالفون لفعلت، ولكنّي قد أردت أن أبتلي العباد بكم، وأبتليكم بهم.
وقوله: {وكان ربّك بصيرًا} يقول: وربّك يا محمّد بصيرٌ بمن يجزع ومن يصبر على ما امتحن به من المحن.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وكان ربّك بصيرًا} إنّ ربّك لبصيرٌ بمن يجزع ومن يصبر). [جامع البيان: 17/423-426]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلّا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيرًا (20)
قوله تعالى: وما أرسلنا قبلك من المرسلين
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق أي إنّ الرّسل قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا بهذه المنزلة يأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق.
قوله تعالى: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا عبد اللّه بن وهبٍ أخبرني مخرمة، عن أبيه، عن عبيد اللّه بن رفاعة، عن أبي رافعٍ الزّرقيّ قال: قال رجلٌ: يا رسول اللّه كيف ترى رقيقنا؟ قومٌ مسلمون يصلّون صلاتنا ويصومون صيامنا نضربهم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: توزن ذنوبهم وعقوبتكم إيّاهم فإن كان عقوبتكم أكثر من ذنوبهم أخذوا منكم. قالوا: أفرأيت سبّنا إيّاهم؟ قال: توزن ذنوبهم وأذاكم إيّاهم فإن كان أذاكم إيّاهم أكثر أعطوا منكم قال الرّجل: ما أسمع عدوًّا أعرب إليّ منهم. فتلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيرًا قال الرّجل: أرأيت يا رسول اللّه ولدي أضربهم؟ قال:
إنّك لا تتّهم في ولدك. ولا تطيب نفسك تشبع ويجوعوا، ولا تكتس ويعروا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ حدّثني عبد القدّوس، عن الحسن: وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيرًا قال: يقول هذا الفقير: لو شاء اللّه جعلني غنيًّا مثل فلانٍ ويقول هذا السّقيم لو شاء اللّه جعلني صحيحًا مثل فلانٍ.
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا جعفر بن مسافرٍ، ثنا يحيى بن حسّان، ثنا رشيد بن سعدٍ، عن الحسن بن ثوبان، عن عكرمة في قوله: وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون قال: هو التّفاضل في الدّنيا والقدرة وقهر بعضكم لبعضٍ فهي الفتنة الّتي قال اللّه: وكان ربّك بصيرا.
- حدثنا علي بن الحسين، ثنا بن أبي حمّادٍ، ثنا الحكم بن بشيرٍ، عن عمرو بن قيسٍ في قوله: وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أن يحسن المليك إلى مملوكه.
قوله تعالى: أتصبرون
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق: وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيرًا أي جعلت بعضكم لبعضٍ بلاءً لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتّبعوا الهدى بغير أن أعطيهم عليه الدّنيا ولو شئت أن أجعل الدّنيا مع رسلي فلا يخالفون لفعلت ولكنّي قد أردت أن أبتلي العباد بكم وأبتليكم بهم.
قوله تعالى: وكان ربّك بصيرًا
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا عون بن معمرٍ، عن إبراهيم الصّائغ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ في قوله: وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيرًا قال: يعنى النّاس عامّةً). [تفسير القرآن العظيم: 8/2675-2676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس، أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البختري والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية وأمية بن خلف والعاصي بن وائل ونبيه بن الحجاج، اجتمعوا فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا منه فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك قال: فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا محمد انا بعثنا إليك لنعذر منك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا وإن كنت تطلب الشرف فنحن نسودك وإن كنت تريد ملكا ملكناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالي مما تقولن: ما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا عليك قالوا: فإذا لم تقبل هذا فسل لنفسك وسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة تغنيك عما تبتغي - فانك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش، كما نلتمسه - حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا فأنزل الله في قولهم ذلك {وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام} إلى قوله {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا} أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسولي فلا تخالفوه لفعلت). [الدر المنثور: 11/136-137] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواحدي، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة قالوا {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك فنزل جبريل فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} ثم أتاه رضوان خازن الجنان ومعه سفط من نور يتلألأ فقال: هذه مفاتيح خزائن الدنيا فنظر النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له فضرب جبريل إلى الأرض أن تواضع فقال: يا رضوان لا حاجة لي فيها فنودي: أن أرفع بصرك فرفع فإذا السموات فتحت أبوابها إلى العرش وبدت جنات عدن فرأى منازل الأنبياء وعرفهم وإذا منازله فوق منازل الأنبياء فقال: رضيت، ويرون أن هذه الآية أنزلها رضوان {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك} ). [الدر المنثور: 11/138-139] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنه أتصبرون وكان ربك بصيرا.
أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} يقول: إن الرسل قبل محمد كانوا بهذه المنزلة {ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} قال: بلاء). [الدر المنثور: 11/150]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن الحسن {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} قال: يقول الفقير: لو شاء الله لجعلني غنيا مثل فلان، ويقول السقيم: لو شاء الله لجعلني صحيحا مثلا فلان، ويقول الاعمى: لو شاء الله لجعلني بصيرا مثل فلان). [الدر المنثور: 11/150]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} قال: هو التفاضل في الدنيا والقدرة والقهر). [الدر المنثور: 11/150]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} قال: يمسك على هذا ويوسع على هذا فيقول: لم يعطني ربي ما أعطى فلانا، ويبتلي بالوجع فيقول: لم يجعلني ربي صحيحا مثل فلان، في أشباه ذلك من البلاء ليعلم من يصبر ممن يجزع {وكان ربك بصيرا} بمن يصبر ومن يجزع). [الدر المنثور: 11/150-151]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لو شاء الله لجعلكم أغنياء كلكم لا فقير فيكم، ولو شاء الله لجعلكم فقراء كلكم لا غني فيكم، ولكن ابتلى بعضكم ببعض). [الدر المنثور: 11/151]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الاصول عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: قال رجل: يا رسول الله كيف ترى في رقيقنا، أقوام مسلمين يصلون صلاتنا ويصومون صومنا نضربهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم توزن ذنوبهم وعقوبتكم اياهم فإن كانت عقوبتكم أكثر من ذنوبهم أخذوا منكم قال: أفرأيت سبا اياهم قال، يوزن ذنبهم وإذا كم اياهم فإن كان إذا كم أكثر أعطوا منكم قال الرجل: ما أسمع عدوا أقرب إلي منهم فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا} فقال الرجل: أرأيت يا رسول الله ولدي أضربهم قال: انك لا تتهم في ولدك فلا تطيب نفسا تشبع ويجوع ولا تكتسي ويعروا). [الدر المنثور: 11/151]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 رجب 1434هـ/5-06-2013م, 02:07 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويوم نحشرهم} نجمعهم.
{وما يعبدون من دون اللّه فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء} [الفرقان: 17] على الاستفهام.
وقد علم أنّهم لم يضلّوهم.
يقوله للملائكة في تفسير الحسن.
وقال مجاهدٌ: يقوله لعيسى وعزيرٍ والملائكة.
قال يحيى: ونظير قول الحسن في هذه الآية: {ويوم يحشرهم جميعًا ثمّ يقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون {40} قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ} [سبأ: 40-41] أي: الشّياطين من الجنّ.
{أم هم ضلّوا السّبيل} [الفرقان: 17] قالت الملائكة في تفسير الحسن.
[تفسير القرآن العظيم: 1/472]
وقال مجاهدٌ: الملائكة وعيسى وعزيرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/473]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
(وقوله جل وعز: {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله}

قال مجاهد المسيح وعزيرا والملائكة). [معاني القرآن: 5/14]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قالوا سبحانك} [الفرقان: 18] ينزّهون اللّه عن ذلك.
{ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء} [الفرقان: 18] أي: لم نكن نواليهم على عبادتهم إيّانا.
وبعضهم يقرأها: {أن نتّخذ من دونك من أولياء} [الفرقان: 18] يعبدوننا من دونك.
{ولكن متّعتهم وآباءهم} [الفرقان: 18] في عيشهم في الدّنيا بغير عذابٍ.
{حتّى نسوا الذّكر} [الفرقان: 18] حتّى تركوا الذّكر لمّا جاءهم في الدّنيا.
{وكانوا قومًا بورًا} [الفرقان: 18] وقال قتادة: والبور الفاسد، يعني فساد الشّرك.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {بورًا}: هالكين). [تفسير القرآن العظيم: 1/473]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نّتّخذ من دونك من أولياء...}

قالت الأصنام: ما كان لنا أن نعبد غيرك فكيف ندعو إلى عبادتنا! ثم قالت: ولكنك يا ربّ متّتعهم بالأموال والأولاد حتّى نسوا ذكرك. فقال الله للآدميين {فقد كذّبوكم}
يقول: {كذّبتكم الآلهة بما تقولون} وتقرأ (بما يقولون) بالياء (والتّاء) فمن قرأ بالتّاء فهو كقولك كذّبك يكذّبك. ومن قرأ بالياء قال: كذّبوكم بقولهم. والقراء مجتمعة على نصب النون في (نتّخذ) إلا أبا جعفر المدنيّ فإنه قرأ (أن نتّخذ) بضم النون {من دونك} فلو لم تكن في الأولياء (من) كان وجهاً جيّداً، وهو على (شذوذه و) قلّة من قرأ به قد يجوز على أن يجعل الاسم في {من أولياء} وإن كانت قد وقعت في موقع الفعل وإنما آثرت قول الجماعة لأن العرب إنما تدخل (من) في الأسماء لا في الأخبار؛ ألا ترى أنهم يقولون: ما أخذت من شيء وما عندي من شيء، ولا يقولون ما رأيت عبد الله من رجل. ولو أرادوا ما رأيت من رجل عبد الله فجعلوا عبد الله هو الفعل جاز ذلك. وهو مذهب أبي جعفر المدنيّ.
وقوله: {قوماً بوراً} والبور مصدر واحد وجمع؛ والبائر الذي لا شيء فيه. تقول: أصبحت منازلهم بوراً أي لا شيء فيها. فكذلك أعمال الكفار باطل. ويقال: رجل بور وقوم بور). [معاني القرآن: 2/264-263]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" ما كان ينبغي لنا " مجازه ما يكون لنا و " كان " من حروف الزوائد هاهنا قال ابن أحمر:

ما أمّ غفر على دعجاء ذي علق=ينفي القراميد عنها الأعصم الوقل
في رأس خلقاء من عنقاء مشرفة= لا ينبغي دونها سهلٌ ولا جبل
وقلٌ ووقل وندس وندس وحدث وحدث وفرد وفرد، والغفر ولد الوعل الصغير، والدعجاء: اسم هضبة وذو علق جبلٌ، والقراميد أولاد الوعول واحدها قرمود، والقراهيد الصغار أيضاً: الأعصم الذي بإحدى يديه بياض. والوقل المتوقل في الجبال والخلقاء الملساء والعنقاء الطويلة قال أبو عبيدة: أي لا يكون سهل ولا جبل مثلها). [مجاز القرآن: 2/72-71]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولكن متّعّتهم وآباءهم} أي أنسأتهم وأخرتهم ومددت لهم). [مجاز القرآن: 2/72]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكانوا قوماً بوراً} واحدهم بائر أي هالك ومنه قولهم: نعوذ بالله من بوار الأيم، وبار الطعام وبارت السوق أي هلكت وقال عبد الله ابن الزبعري:
يا رسول المليك إنّ لساني=راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور
وقال بعضهم: رجل بور ورجلان بور ورجال بور وقوم بور، وكذلك الواحدة والثنتان والجميع من المؤنثة). [مجاز القرآن: 2/73-72]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نّتّخذ من دونك من أولياء ولكن مّتّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر وكانوا قوماً بوراً}
قال: {قوماً بوراً} جماعة "البائر" مثل "اليهود" وواحدهم "الهائد" وقال بعضهم: "هي لغة على غير واحد كما يقال "أنت بشرٌ" و"أنتم بشر"). [معاني القرآن: 3/15]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قوما بورا}: يقال بار السعر والطعام أي هلك، والبوار الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 276]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {نسوا الذّكر} يعني: القرآن.
{وكانوا قوماً بوراً} أي هلكي، وهو من «بار يبور»: إذا هلك وبطل. يقال: بار الطعام، إذا كسد. وبارت الأيّم: إذا لم يرغب فيها.
وكان رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يتعوّذ باللّه من بوار الأيّم.
قال أبو عبيدة: «يقال: رجل بور، [ورجلان بور]، وقوم بور. ولا يجمع ولا يثني». واحتج بقول الشاعر:
يا رسول المليك! إنّ لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور
وقد سمعنا [هم يقولون]: رجل بائر. ورأيناهم ربما جمعوا «فاعلا» على «فعل»، نحو عائذ وعوذ، وشارف وشرف). [تفسير غريب القرآن: 311]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء ولكن متّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر وكانوا قوما بورا}
لما سئلت الملائكة فقيل: {أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل}.
وجائز أن يكون الخطاب لعيسى والعزير.
وقرأ أبو جعفر المدني وحده: ((قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن [نتّخذ] من دونك من أولياء)، بضم النّون على ما لم يسمّ فاعله وهذه القراءة عند أكثر النحويين خطأ، وإنما كانت خطأ لأن " من " إنّما يدخل في هذا الباب في الأسماء إذا كانت مفعولة أولا، ولا تدخل على مفعول الحال، تقول ما اتخذت من أحد وليّا، ولا يجوز ما اتخذت أحدا من وليّ، لأن " من " إنّما دخلت لأنها تنفي واحدا في معنى جميع، تقول: - ما من أحد قائما، وما من رجل محبّا لما يضره.
ولا يجوز " ما رجل من محبّ ما يضره ".
ولا وجه لهذه القراءة، إلا أن الفرّاء أجازها على ضعف، وزعم أنه يجعل من أولياء هو الاسم، ويجعل الخبر ما في تتخذ كأنه يجعل على القلب، ولا وجه عندنا لهذا ألبتّة، لو جاز هذا لجاز في (فما منكم من أحد عنه حاجزين)
ما أحد عنه من حاجزين. وهذا خطأ لا وجه له فاعرفه، فإن معرفة الخطأ فيه أمثل من القراءة، والقراء كلهم يخالفون هذا منه.
ومن الغلط في قراءة الحسن: (وما تنزلت به الشياطون).
وقوله تعالى: {وكانوا قوما بورا} قيل في التفسير " هلكى "
والبائر في اللغة الفاسد، والذي لا خير فيه.
وكذلك أرض بائرة متروكة من أن يزرع فيها). [معاني القرآن: 4/61-60]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا}
قال مجاهد أي هالكين
قال أبو جعفر يقال لما هلك أو فسد أو كسد بائر ومنه بارت السوق وبارت الأيم وبور يقع للواحد والجماعة على قول أكثر النحويين
وقال بعضهم الواحد بائر والجمع بور كما يقال عائد وعود وهائد وهود). [معاني القرآن: 5/14]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (بورا) أي: هلكى). [ياقوتة الصراط: 382]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بُورًا}: أي هلكى، لا يجمع ولا يثنى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 171]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بُورًا}: فاسد). [العمدة في غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه لهم في الآخرة: {فقد كذّبوكم بما تقولون} [الفرقان: 19] حدّثني إسماعيل بن مسلمٍ قال: سألت الحسن عن قوله: {فقد كذّبوكم بما تقولون} [الفرقان: 19] فقال: {بما تقولون} [الفرقان: 19] قال: يقول للمشركين: {فقد كذّبوكم بما تقولون} [الفرقان: 19] أي إنّهم آلهةٌ.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {فقد كذّبوكم بما تقولون} [الفرقان: 19] عيسى، وعزيرٌ، والملائكة.
قال: يكذّبون المشركين بقولهم.
أي إذ جعلوهم آلهةً، فانتفوا من ذلك ونزّهوا اللّه عنهم.
وبعضهم يقرأها بالياء: بما يقولون يعني قول الملائكة في قول الحسن.
وفي قول مجاهدٍ: عيسى وعزيرٌ والملائكة.
قال: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} [الفرقان: 19] حدّثني إسماعيل بن مسلمٍ قال: سألت الحسن: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} [الفرقان: 19] قال: لا تستطيع لهم آلهتهم صرفًا، أي من العذاب، ولا نصرًا.
[تفسير القرآن العظيم: 1/473]
قوله: {ومن يظلم منكم} [الفرقان: 19] من يشرك منكم.
{نذقه} [الفرقان: 19] نعذّبه.
{عذابًا كبيرًا} [الفرقان: 19] قال يحيى: كقوله: {إلا من تولّى وكفر {23} فيعذّبه اللّه العذاب الأكبر {24}} [الغاشية: 23-24] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/474]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) :
( {فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً ومن يظلم مّنكم نذقه عذاباً كبيراً}

وقال: {فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً} فحذف "عن الكفّار" وقد يكون ذلك عن الملائكة والدليل على وجه مخاطبة الكفار أنه قال: {ومن يظلم مّنكم} وقال بعضهم "يعني الملائكة"). [معاني القرآن: 3/15]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً}. قال يونس: الصّرف:
الحيلة من قولهم: إنه ليتصرف [أي يحتال].
فأما قولهم: «ما يقبل منه صرف ولا عدل»، فيقال: إن العدل الفريضة، والصرف النافلة. سميت صرفا: لأنها زيادة على الواجب.
وقال أبو إدريس الخولانيّ : «من طلب صرف الحديث - يبتغي به إقبال وجوه الناس إليه - لم يرح رائحة الجنة». أي طلب تحسينه بالزيادة فيه.
وفي رواية أبي صالح: «الصّرف: الدّية. والعدل: رجل مثله» كأنه يراد: لا يقبل منه أن يفتدي برجل مثله وعدله، ولا أن يصرف عن نفسه بدية.
ومنه قيل: صيرفيّ، وصرفت الدراهم بدنانير. لأنك تصرف هذا إلى هذا.
{ومن يظلم منكم} أي يكفر). [تفسير غريب القرآن: 312-311]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا}
(بما تقولون) وتقرأ (بما يقولون - بالياء والتاء - فمن قرأ بما تقولون - بالتاء - فالمعنى فقد كذبوكم بقولهم إنهم آلهة، ومن قرأ بالياء فالمعنى فقد كذّبوكم بقولهم: (سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء).
وقوله عزّ وجلّ: {فما تستطيعون صرفا ولا نصرا}.
أي ما تستطيعون أن تصرفوا عن أنفسهم ما يحل بهم من العذاب.
ولا أن ينصروا أنفسهم). [معاني القرآن: 4/61]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فقد كذبوكم بما تقولون}
أي بقولكم إنهم آلهة
وحكى الفراء أنه يقرأ فقد كذبوكم بما يقولون
قال أبو جعفر والمعنى على هذا فقد كذبوكم بقولهم: {ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء}
ثم قال تعالى: {فما يستطيعون صرفا ولا نصرا}
قال يونس الصرف الحيلة من قولهم فلان يتصرف في الأشياء أي فما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب ولا ينصروها
وقوله جل وعز: {ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا}
قال الحسن الشرك). [معاني القرآن: 5/15-14]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَرْفًا وَلَا نَصْرًا}: قيل: الصرف: الحيلة، وقيل الدية والعدل، أي يفدي نفسه برجل مثله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 171]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنّهم ليأكلون الطّعام} [الفرقان: 20] إلا أنّهم كانوا يأكلون الطّعام.
كقوله: {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام} [الأنبياء: 8] ولكن جعلناهم جسدًا يأكلون الطّعام.
قال: {ويمشون في الأسواق} [الفرقان: 20] وهذا جوابٌ للمشركين حيث قالوا: {مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق} [الفرقان: 7] قوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيرًا} [الفرقان: 20]
- أبو الأشهب عن الحسن، والمبارك عن الحسن قال: قال رسول اللّه: «ويلٌ للمالك من المملوك، ويلٌ للمملوك من المالك، ويلٌ للعالم من الجاهل، ويلٌ للجاهل من العالم، ويلٌ للغنيّ من الفقير، ويلٌ للفقير من الغنيّ، ويلٌ للشّديد من الضّعيف، ويلٌ للضّعيف من الشّديد».
قال المبارك: قال الحسن: ويلٌ لهذا المالك إذ رزقه اللّه هذا المملوك كيف لم يحسن إليه ويصبر.
ويلٌ لهذا المملوك الّذي ابتلاه اللّه فجعله لهذا المالك كيف لم يصبر ويحسن.
ويلٌ لهذا الغنيّ إذ رزقه اللّه ما لم يرزق هذا الفقير كيف لم يحسن ويصبر.
ويلٌ لهذا الفقير الّذي ابتلاه بالفقر ولم يعطه ما أعطى هذا الغنيّ كيف لم يصبر.
وبقيّة الحديث على هذا النّحو.
- وحدّثني جعفر بن برقان الجزريّ، عن ميمون بن مهران، عن أبي الدّرداء قال: ويلٌ لمن لا يعلم، مرّةً، ويلٌ لمن يعلم ثمّ لا يعمل، سبع مرّاتٍ.
قال يحيى: وبعضهم يقول: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً} [الفرقان: 20] الأنبياء وقومهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/474]
{أتصبرون} [الفرقان: 20] يعني الرّسل على ما يقول لهم قومهم.
وأخبرني صاحبٌ لي، عن الصّلت بن دينارٍ، عن الحسن، وأظنّني قد سمعته من الصّلت مثل حديث أبي الأشهب والمبارك عن الحسن، وقال: هو قوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون} [الفرقان: 20] وحدّثني أبو الأشهب، عن الحسن قال: لمّا عرض على آدم ذرّيّته فرأى فضل بعضهم على بعضٍ قال: يا ربّ ألا سوّيت بينهم؟ : قال: يا آدم إنّي أحبّ أن أشكر ليرى ذو الفضل فضله فيحمدني
ويشكرني). [تفسير القرآن العظيم: 1/475]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إلاّ إنّهم ليأكلون الطّعام...}

(ليأكلون) صلة لاسم متروك اكتفى بمن المرسلين منه؛ كقيلك في الكلام: ما بعثت إليك من الناس إلا من إنه ليطيعك، ألا ترى أن (إنه ليطيعك) صلة لمن. وجاز ضميرها كما قال {وما منّا إلا له مقام معلومٌ} معناه - والله أعلم - إلا من له مقام وكذلك قوله: {وإن منكم إلاّ واردها} ما منكم إلا من يردها، ولو لم تكن اللام جواباً لإنّ كانت إنّ مكسورةً أيضاً، لأنها مبتدأة، إذ كانت صلةً.
وقوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون} كان الشريف من قريشٍ يقول: قد أسلم هذا من قبلي - لمن هو دونه - أفأسلم بعده فتكون له السّابقة؛ فذلك افتتان بعضهم ببعضٍ. قال الله{أتصبرون} قال الفرّاء يقول: هو هذا الذي ترون). [معاني القرآن: 2/265-264]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً} يعني: الشريف للوضيع، والوضيع للشريف). [تفسير غريب القرآن: 312]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلّا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربّك بصيرا}
هذا احتجاج عليهم في قولهم: {مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق}.
فقيل لهم: كذلك كان من خلا من الرسل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، فكيف يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - بدعا من الرسل. فأمّا دخول " إنّهم " بعد " إلا " فهو على تأويل ما أرسلنا رسلا إلا هم يأكلون الطعام، وإلا أنهم ليأكلون الطعام، وحذفت رسلا لأن " من " في قوله تعالى (من المرسلين) دليل على ما حذف منه، فأمّا مثل اللام بعد " إلّا " فقول الشاعر:
ما أنطياني ولا سالتهما=إلا وإني لحاجز كرمي

يريد أعطياني، وزعم بعض النحويين أن " من " بعد إلا محذوفة، كان المعنى عنده إلا " من " ليأكلون الطعام.
وهذا خطأ بيّن، لأنّ " من " صلتها " أنّهم ليأكون "، فلا يجوز حذف الموصول وتبقية الصلة.
وقوله: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة}.
فيه قولان: قيل كان الرجل الشريف ربما أراد الإسلام فعلم أن من دونه في الشرف قد أسلم قبله فيمتنع من الإسلام لئلا يقال أسلم قبله من هو دونه،
وقيل كان الفقير يقول: لم لم أجعل بمنزلة الغنيّ، ويقول ذو البلاء: لم لم أجعل بمنزلة المعافى، نحو الأعمى والزّمن ومن أشبه هؤلاء.
وقوله تعالى: (أتصبرون وكان ربّك بصيرا) أي: أتصبرون على البلاء فقد عرفتم ما وعد الصابرون). [معاني القرآن: 4/62-63]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا}
قال قتادة فتنة أي بلاء
قال أبو جعفر الفتنة في اللغة الاختبار
والمعنى جعلنا الشريف للوضيع والوضيع للشريف فتنة
يروى أن الشريف كان يريد أن يسلم فيمنعه من ذلك أن من هو دونه قد أسلم قبله فيقول أعير بسبقه إياي
وإن بعض الزمنى والفقراء كان يقول لم لم أكن غنيا وصحيحا فأسلم
ثم قال جل وعز: {أتصبرون} أي إن صبرتم فقد عرفتم أجر الصابرين). [معاني القرآن: 5/16-15]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 رجب 1434هـ/5-06-2013م, 02:08 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]



تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) }

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ}.
قال: قال الكسائي: هذا استثناء يعرض. قال: ومعنى يعرض استثناء منقطع. ومن قال ظلم قال: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} وهو الذي منع القرى فرخص له أن يذكر مظلمته.
وقوله عز وجل: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} قال: من تدخل في الجحد على النكرة في الابتداء، ولا تدخل في المعارف، وكأنه قال: أن نتخذ من دونك أولياء. دخولها وخروجها واحد. ومن قال أن نتخذ،
ثم أدخلها على المفعول الثاني فهو قبيح، وهو جائز، ما كان ينبغي لآبائنا ولأوليائنا أن يفعلوا هذا.
وقوله عز وجل: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ} الآية. قال: هذا ستر ستره الله على الإسلام، أنه لا يقبل في الزنى إلا أربعة. ويقول بعضهم: لأن الحد يقام على اثنين: على الرجل والمرأة.
وفي قوله عز وجل: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} يوم القيامة وهم قد كفروا في الدنيا، ما لهم ألا يقع بهم العذاب. وموضع أن رفع.
{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} يقولون: لا صلة. ويقول الفراء: ما ينبغي لنا. فجاء بها على المعنى، لأنه معنى ينبغي). [مجالس ثعلب: 101-102] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر المدينة فقال: ((من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة لا يقبل منه صرف ولا عدل)).
قال: سمعت هشيما يحدثه عن شيخ له قد سماه عن مكحول قال: الصرف التوبة، والعدل الفدية
وفي القرآن ما يصدق هذا التفسير قوله: {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها}.
وقوله: {ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة} فهذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبل منه عدل)). فأما الصرف فلا أدري أقوله: {فما تستطيعون صرفا ولا نصرا} من هذا أم لا.
وبعض الناس يحمله على هذا ويقال: إن الصرف النافلة والعدل الفريضة.
والتفسير الأول أشبه بالمعنى). [غريب الحديث: 2/662-664] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا بابٌ آخر من أبواب إن
تقول ما قدم علينا أميرٌ إلا إنه مكرمٌ لي لأنه ليس ههنا شيءٌ يعمل في إن ولا يجوز أن تكون عليه أن وإنما تريد أن تقول ما قدم علينا أميرٌ إلا هو مكرمٌ لي فكما لا تعمل في ذا لا تعمل في إن ودخول اللام ههنا يذلك على أنه موضع ابتداء وقال سبحانه: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام} ومثل ذلك قول كثير:

ما أعطياني ولا سألتهما = إلاّ وإنّي لحاجزي كرمي
وكذلك لو قال إلا وإني حاجزي كرمي.
وتقول ما غضبت عليك إلا أنك فاسقٌ كأنك قلت إلا لأنك فاسقٌ.
وأما قوله عز وجل: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله} فإنما حمله على منعهم.
وتقول إذا أردت معنى اليمين أعطيته ما إن شره خيرٌ من جيد ما معك وهؤلاء الذين إن أجبنهم لأشجع من شجعائكم وقال الله عز وجل: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} فإن صلةٌ لما كأنك قلت ما والله إن شره خير من جيد ما معك). [الكتاب: 3/145-146]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب إن إذا دخلت اللام في خبرها
اعلم أن هذه اللام تقطع ما دخلت عليه عما قبلها. وكان حدها أن تكون أول الكلام؛ كما تكون في غير هذا الموضع. وذلك قولك: قد علمت زيداً منطلقاً. فإذا أدخلت اللام قلت: علمت لزيدٌ منطلقٌ، فتقطع بها ما بعدها مما قبلها، فيصير ابتداء مستأنفاً. فكان حدها في قولك: إن زيداً لمنطلق أن تكون قبل إن؛ كما تكون في قولك: لزيدٌ خيرٌ منك. فلما كان معناها في التوكيد ووصل القسم معنى إن لم يجز الجمع بينهما؛ فجعلت اللام في الخبر، وحدها: أن تكون مقدمة؛ لأن الخبر هو الأول في الحقيقة، أو فيه ما يتصل بالأول، فيصير هو وما فيه الأول. فلذلك قلت: إن زيداً لمنطلق؛ لأن المنطلق هو زيد.
وكذلك لو قلت: إن زيداً لفي داره عمرو، أو: لعمرو يضربه؛ لأن الذي عمروٌ يضربه هو زيدٌ. فهذا عبرة هذا.
ألا ترى أنك إذا فصلت بين إن وبين اسمها بشيءٍ جاز إدخال اللام فقلت: إن في الدار لزيداً، وإن من القوم لأخاك. فهذا يبين لك ما ذكرت.
وذلك قولك: أشهد أن زيداً منطلق، وأعلم أن زيداً خيرٌ منك. فإذا أدخلت اللام قلت أشهد إن زيداً لخيرٌ منك، وأعلم أن زيداً لمنطلق. قال الله عز وجل: {والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}. فلولا اللام لم يكن إلا أن؛ كما تقول: أعلم زيداً خيراً منك. فإذا أدخلت اللام قلت: أعلم لزيدٌ خيرٌ منك. وقال: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور. وحصل ما في الصدور. إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير}. فهذا مجاز اللام.
ولو قال قائل: أشهد بأنك منطلق لم يكن إلا الفتح، لأنها اسم مخفوض، وعبرتها أبداً ب ذاك فيكون ذاك في أنها اسم تامٌ في موضع أن وصلتها. فإذا قلت: علمت أن زيداً منطلق فهو كقولك: علمت ذاك. وإذا قلت: بلغني أن زيداً منطلق فهو في موضع: بلغني ذاك. وإذا قلت: أشهد بأنك منطلق فمعناه: أشهد بذاك.
فإن قال قائل: فكيف أقول: أشهد بأنك لمنطلق? قيل له: هذا محال كسرت أو فتحت؛ لأن حد الكلام التقديم، فلو أدخلت حرف الخفض على اللام كان محالاً؛ لأن عوامل الأسماء لا تدخل على غيرها. لو قلت هذا لقلت أشهد يذاك.
وكذلك بلغني أنك منطلق، لا يجوز أن تدخل اللام فتقول: بلغني أنك لمنطلق: لأن إن وصلتها الفاعل، واللام تقطع ما بعدها. فلو جاز هذا لقلت: بلغني لذاك. فهذا واضح بين جداً.
فأما قوله عز وجل: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام} فمعناه: إلا وهذا شأنهم. وهو والله أعلم جواب لقولهم: {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق}.
وأما قوله عز وجل: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا}. ف أنهم وصلتها في موضع الفاعل. والتقدير والله أعلم: وما منعهم إلا كفرهم.
ونظير التفسير الأول قول الشاعر:
ما أعطياني ولا سألتهمـا = إلا وإني لحاجزي كرمي
يقول: إلا وهذه حالي. فعلى هذا وضعه سيبويه. وغيره ينشده:
ألا وإني لحاجزي كرمي
فهذه الرواية خارجة من ذلك التفسير، ومعناه: أن ألا تنبيه، وأراد: أنا حاجزي كرمي من أن أسأل، أو أقبل). [المقتضب: 2/343-345] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً}. قال: يتقدم الوضيع الشريف فيأنف الشريف أن يسلم؛ لأنه قد تقدمه في الإسلام.
وقوله تعالى: {أَتَصْبِرُونَ} قال: أتصبرون على هذا التأديب، أم لا). [مجالس ثعلب: 84]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 02:49 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 02:50 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 03:15 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا}
المعنى: واذكر يوم، والضمير في "يحشرهم" للكفار، وقوله تعالى: {وما يعبدون} يريد به كل شيء عبد من دون الله، فغلب العبارة عما لا يعقل من الأوثان لأنها كانت الأغلب وقت المخاطبة.
[المحرر الوجيز: 6/424]
وقرأ ابن كثير، وعاصم -في رواية حفص -، والأعرج، وأبو جعفر: "يحشرهم" "فيقول" بالياء فيهما، وقرأ ابن عامر بالنون فيهما، وهي قراءة الحسن، وطلحة، وعاصم أيضا، وقرأ نافع "نحشرهم" بالنون "فيقول" بالياء، وفي قراءة عبد الله: "وما يعبدون من دونك"، وقرأ الأعرج "نحشرهم" بكسر الشين، وهي قليلة في الاستعمال قوية في القياس؛ لأن "يفعل" بكسر العين في المتعدي أقيس من "يفعل" بضم العين.
وهذه الآية تتضمن الخبر عن أن الله تعالى يوبخ الكفار في القيامة بأن يوقف المعبودين على هذا المعنى؛ ليقع الجواب بالتبري من الذنب فيقع الخزي على الكافرين). [المحرر الوجيز: 6/425]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في الموقف المجيب في هذه الآية، فقال جمهور المفسرين: هو كل من ظلم بأن عبد ممن يعقل: كالملائكة وعزير وعيسى وغيرهم، وقال الضحاك، وعكرمة: الموقف المجيب: الأصنام التي لا تعقل، يقدرها الله تعالى يومئذ على هذه المقالة، ويجيء خزي الكفرة لذلك أبلغ.
وقرأ جمهور الناس: "نتخذ" بفتح النون، وذهبوا بالمعنى إلى أنه من قول من يعقل، وأن هذه الآية بمعنى التي في سورة سبأ: ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم، وكقول عيسى عليه السلام: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به، ومن أولياء - في هذه القراءة - في موضع المفعول به. وقرأ أبو جعفر، والحسن، وأبو الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبو رجاء، ونصر بن علقمة، ومكحول، وزيد بن علي، وحفص بن حميد: "نتخذ" بضم النون، وتذهب
[المحرر الوجيز: 6/425]
هذه مذهب من يرى أن الموقف المجيب الأوثان، ويضعف هذه القراءة دخول "من" في قوله: " من أولياء "، اعترض بذلك سعيد بن جبير وغيره، قال أبو الفتح: "من أولياء" في موضع الحال، ودخلت "من" زيادة لمكان النفي المتقدم، كما تقول: ما اتخذت زيدا من وكيل، وقرأ علقمة: "ما ينبغي" بسقوط "كان". وثبوتها أمكن في المعنى؛ لأنهم أخبروا على حال كانت في الدنيا، ووقت الإخبار لا عمل فيه.
وفسر هذا المجيب -بحسب الخلاف فيه- الوجه في ضلال الكفار، كيف وقع؟ وأنه لما متعهم الله تعالى بالنعم الدنيوية وأدرها لهم ولأسلافهم الأحقاب الطويلة نسوا الذكر، أي: ما ذكر به الناس على ألسنة الأنبياء.
و "بورا" معناه: هلكى، والبوار: الهلاك، واختلف في لفظه، فقالت فرقة: هي مصدر يوصف به الجمع والواحد، ومنه قول ابن الزبعرى:
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور
وقالت فرقة: هي جمع بائر، وهو الذي قد فارقه الخير فحصل بذلك في حكم الهلاك، باشره الهلاك بعد أو لم يباشر، قال الحسن: البائر: الذي لا خير فيه). [المحرر الوجيز: 6/426]

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فقد كذبوكم} الآية، خطاب من الله تبارك وتعالى بلا خلاف، فمن قال: "إن المجيب الأصنام" كان معنى هذه إخباره الكفار أن أصنامهم قد كذبوهم، وفي هذا الإخبار خزي وتوبيخ، والفرقة التي قالت: "إن المجيب هو الملائكة، وعزير، وعيسى، ونحوهم" اختلفت في المخاطب بهذه الآية، فقالت طائفة: المخاطب الكفار على جهة التوبيخ والتقريع، وقالت طائفة: المخاطب هؤلاء
[المحرر الوجيز: 6/426]
المعبودون، أعلمهم الله تعالى أن الكفار بأفعالهم القبيحة قد كذبوا بهذه المقالة، وزعموا أن هؤلاء هم الأولياء من دون الله تعالى، وقالت فرقة: خاطب الله تعالى المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أي: قد كذبوكم أيها المؤمنون الكفار فيما تقولون من التوحيد والشرع.
وقرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم، والناس: "تقولون" بالتاء من فوق "يستطيعون" بالياء من تحت، ورجحها أبو حاتم، وقرأ أبو حيوة: "يقولون" بالياء من تحت، "فما تستطيعون" بالتاء من فوق، وقال مجاهد: الضمير في "يستطيعون" هو للمشركين، قال الطبري: وفي مصحف ابن مسعود: "فما يستطيعون لك صرفا"، وفي قراءة أبي بن كعب: "لقد كذبوك فما يستطيعون لك"، قال أبو حاتم في حرف عبد الله: "لكم صرفا" على جمع الضمير
و "صرفا" معناه: رد التكذيب أو العذاب أو ما اقتضاه المعنى، بحسب الخلاف المتقدم.
وقوله تعالى: {ومن يظلم منكم} قيل: هو خطاب للكفار، وقيل: هو للمؤمنين. والظلم هو الشرك، قاله الحسن وابن جريج، وقد يحتمل أن يعم غيره من المعاصي. وفي حرف أبي: "ومن يكذب منكم نذقه عذابا أليما"). [المحرر الوجيز: 6/427]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا}
هذه الآية رد على كفار قريش في استبعادهم أن يكون من البشر رسول، وقولهم: {مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق}، وأخبر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته أنه لم يرسل قبل في سالف الدهر نبيا إلا بهذه الصفة.
والمفعول بـ "أرسلنا" محذوف يدل عليه الكلام، تقديره: رجالا أو رسلا، وعلى هذا المحذوف المقدر يعود الضمير في قوله: "إلا إنهم"، وذهبت فرقة إلى أن قوله: {ليأكلون الطعام} كناية عن الحدث.
[المحرر الوجيز: 6/427]
وقرأ جمهور الناس: "ويمشون" بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين. وقرأ علي، وعبد الرحمن، وابن مسعود رضي الله عنهم: "ويمشون" بضم الياء وفتح الميم وشد الشين المفتوحة، بمعنى: يدعون إلى المشي ويحملون عليه. وقرأ أبو عبد الرحمن بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشددة، وهي بمعنى يمشون، ومنه قول الشاعر:
أمشي بأعطان المياه وأبتغي قلائص منها صعبة وركوب
ثم أخبر تبارك وتعالى أن السبب في ذلك أنه سبحانه أراد أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض على العموم في جميع الناس، مؤمن وكافر، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الشاكر فتنة للغني، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره، وكذلك العلماء وحكام العدل، وقد تلا ابن القاسم هذه الآية حين رأى أشهب. والتوقيف بـ "أتصبرون" خاص للمؤمنين المحقين، فهو لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين، أي اختبارا لهم، ثم وقفهم: هل تصبرون أم لا؟ ثم أعرب قوله: {وكان ربك بصيرا} عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين). [المحرر الوجيز: 6/428]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 02:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 02:25 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون اللّه فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل (17) قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء ولكن متّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر وكانوا قومًا بورًا (18) فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا ومن يظلم منكم نذقه عذابًا كبيرًا (19) }
يقول تعالى مخبرًا عمّا يقع يوم القيامة من تقريع الكفّار في عبادتهم من عبدوا من دون اللّه، من الملائكة وغيرهم، فقال: {ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون اللّه}. قال مجاهدٌ: عيسى، والعزير، والملائكة. {فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل} أي: فيقول الرّبّ تبارك وتعالى [للمعبودين] أأنتم دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم من دوني، أم هم عبدوكم من تلقاء أنفسهم، من غير دعوةٍ منكم لهم؟ كما قال اللّه تعالى: {وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقٍّ إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنّك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم} إلى آخر الآية؛ [المائدة: 116 -117] ولهذا قال تعالى مخبرًا عمّا يجيب به المعبودون يوم القيامة: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء} قرأ الأكثرون بفتح "النّون" من قوله: {نتّخذ من دونك من أولياء} أي: ليس للخلائق كلّهم أن يعبدوا أحدًا سواك، لا نحن ولا هم، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك، بل هم قالوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا ونحن برآء منهم ومن عبادتهم، كما قال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعًا ثمّ يقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون} [سبأٍ: 40 -41]. وقرأ آخرون: "ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء" أي: ما ينبغي لأحدٍ أن يعبدنا، فإنّا عبيدٌ لك، فقراء إليك. وهي قريبة المعنى من الأولى.
{ولكن متّعتهم وآباءهم} أي: طال عليهم العمر حتّى نسوا الذّكر، أي: نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك، من الدّعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك.
{وكانوا قومًا بورًا} قال ابن عبّاسٍ: أي هلكى. وقال الحسن البصريّ، ومالكٌ عن الزّهريّ: أي لا خير فيهم. وقال ابن الزّبعرى حين أسلم:
يا رسول المليك إنّ لساني = راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور...
إذ أجاري الشّيطان في سنن الغي = ي، ومن مال ميله مثبور...). [تفسير ابن كثير: 6/ 99-100]

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {فقد كذّبوكم بما تقولون} أي: فقد كذّبكم الّذين عبدتم فيما زعمتم أنّهم لكم أولياء، وأنّكم اتّخذتموهم قربانًا يقرّبونكم إليه زلفى، كما قال تعالى: {ومن أضلّ ممّن يدعو من دون اللّه من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر النّاس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف: 5 -6].
وقوله: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} أي: لا يقدرون على صرف العذاب عنهم ولا الانتصار لأنفسهم، {ومن يظلم منكم} أي: يشرك باللّه، {نذقه عذابًا كبيرًا}). [تفسير ابن كثير: 6/ 100]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلّا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيرًا (20) }
يقول تعالى مخبرًا عن جميع من بعثه من الرّسل المتقدّمين: إنّهم كانوا يأكلون الطّعام، ويحتاجون إلى التّغذّي به {ويمشون في الأسواق} أي: للتّكسّب والتّجارة، وليس ذلك بمنافٍ لحالهم ومنصبهم؛ فإنّ اللّه جعل لهم من السّمات الحسنة، والصّفات الجميلة، والأقوال الفاضلة، والأعمال الكاملة، والخوارق الباهرة، والأدلّة [القاهرة]، ما يستدلّ به كلّ ذي لبٍّ سليمٍ، وبصيرةٍ مستقيمةٍ، على صدق ما جاءوا به من اللّه عزّ وجلّ. ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} [يوسف: 109] {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام وما كانوا خالدين} [الأنبياء: 8].
وقوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون} أي: اختبرنا بعضكم ببعضٍ، وبلونا بعضكم ببعضٍ، لنعلم من يطيع ممّن يعصي؛ ولهذا قال: {أتصبرون وكان ربّك بصيرًا} أي: بمن يستحقّ أن يوحى إليه، كما قال تعالى: {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124]، ومن يستحقّ أن يهديه اللّه لما أرسلهم به، ومن لا يستحقّ ذلك.
وقال محمّد بن إسحاق في قوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون} قال: يقول اللّه: لو شئت أن أجعل الدّنيا مع رسلي فلا يخالفون، لفعلت، ولكنّي قد أردت أن أبتلي العباد بهم، وأبتليهم بهم.
وفي صحيح مسلمٍ عن عياض بن حمارٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يقول اللّه: إنّي مبتليك، ومبتلٍ بك". وفي المسند عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو شئت لأجرى اللّه معي جبال الذّهب والفضّة"، وفي الصّحيح أنّه -عليه أفضل الصّلاة والسّلام -خير بين أن يكون نبيًّا ملكًا أو عبدًا رسولًا فاختار أن يكون عبدا رسولا). [تفسير ابن كثير: 6/ 100-101]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة