قال الله تعالى : {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) }
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال(وعن قوله عز وجل: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} يقول إلى الكفار ليس بينهم وبين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد يأخذون به فغنموا غنيمة إذا غنموا أن يعطوا زوجها صداقها الذي ساق منها من الغنيمة ثم يقسموا الغنيمة بعد ذلك ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده ).[الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/48-50]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الثالثة: قوله تعالى: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم...} إلى قوله: {واتقوا الله الذي
أنتم به مؤمنون} [11 / الممتحنة / 60] نسخت بآية السيف) [الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 59-60]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّالثة
قال اللّه عزّ وجلّ {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} [الممتحنة: 11]
أكثر العلماء على أنّها منسوخةٌ:
قال قتادة: " {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار} [الممتحنة: 11] الّذين ليس بينكم وبينهم عهدٌ {فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} [الممتحنة: 11] ثمّ نسخ هذا في سورة براءة "
وقال الزّهريّ: «انقطع هذا يوم الفتح»
وقال سفيان الثّوريّ: «لا يعمل به اليوم»
وقال مجاهدٌ: " {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار} [الممتحنة: 11] الّذين بينكم وبينهم عهدٌ أو ليس بينكم وبينهم عهدٌ {فعاقبتم} [الممتحنة: 11] أي: فاقتصصتم {فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} [الممتحنة: 11] أي: الصّدقات "
فصار قول مجاهدٍ: أنّها في جميع الكفّار، وقول قتادة: أنّها فيمن لم يكن له عهدٌ
وقولٌ ثالثٌ: أنّها نزلت في قريشٍ حين كان بينهم وبين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عهدٌ كما روى الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، قالت: " حكم اللّه جلّ وعزّ بينهم فقال: عزّ وجلّ {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} [الممتحنة: 10] فكتب إليهم المسلمون: قد حكم اللّه بأنّه إن جاءتكم امرأةٌ منّا أن توجّهوا إلينا بصداقها، وإن جاءتنا امرأةٌ منكم وجّهنا إليكم بصداقها. فكتبوا إليهم: أمّا نحن فلا نعلم لكم عندنا شيئًا، فإن كان لنا عندكم شيءٌ فوجّهوا به، فأنزل اللّه تعالى {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} [الممتحنة: 11] " ).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 3/106-112]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّالثة قوله تعالى {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم} أي فغنمتم نزلت في عياض بن غنم وزوجته حين ذهبت إلى الكفّار فارتدت ولحقت بأهلها بمكّة وفي أم حكيم بنت أبي سفيان فأمر الله تعالى المسلمين أن يعطوا زوجها من الغنيمة بقدر ما ساق إليها من المهر ثمّ صار ذلك منسوخا بقوله تعالى {براءةٌ من الله ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين} إلى رأس الخمس).[الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} الآية:
أمر الله المؤمنين أن يدفعوا لمن ذهبت زوجته من المسلمين إلى المشركين ما دفع إليها مما يغنمون من أموال الكفار، وهذا حكم، حكم
به الله وأمر به في وقت المهادنة، فلما زال الحكم وبقي الرسم متلوا منسوخا حكمه بزوال العلة. ويجوز أن يكون منسوخا بقوله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} الآية فبين ما يصنع في الغنيمة، ولا شيء فيها لمن ذهبت زوجته إلى الكفار، ولا يجوز اليوم أن نهادن المشركين على شيء من هذه الشروط، إنما هو السيف أو الإيمان، أو الصلح على غير شرط لا يجوز في الدين.
فأما الهدنة مع أهل الكتاب والمجوس فجائزة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)).
وقد قيل إن قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ناسخ للهدنة بيننا وبين مشركي العرب.
ولما قال في أهل الكتاب: {حتى يعطوا الجزية عن يد}، جازت الهدنة بيننا وبينهم، وجرت المجوس مجراهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)),
فمسخت آية السيف إعطاء المشركين صدقات من جاءنا من نسائهم مسلمة، ونسخ زوال الهدنة وآية الأنفال إعطاء المسلمين مهور نسائهم اللواتي رجعن إلى الكفار من الغنيمة أو من الفيء، وهو قوله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} فعاقبتم: أي أصبتم عقبى بمعنى: غنيمة أو فيء فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا.
وقد قيل: إن المحنة المذكورة في آخر السورة منسوخة أيضا بذهاب زمان الهدنة.
وقيل: هي محكمة، وإذا تباعدت الدار واحتيج إلى المحنة كان ذلك إلى الإمام.
وقد قال ابن زيد: نسخت هذه الأحكام التي في هذه السورة براءة إذ أمر الله تعالى نبيه أن ينبذ إلى كل ذي عهد عهده، ويقتلوا حيث وجدوا وقاله قتادة، وأمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عند يد الآية) [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 431-437]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (قوله عز وجل: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار...} الآية [الممتحنة: 11]، هذا أمر اختص بزمان المهادنة التي جرت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة، وذلك أن أم حكم بنت أبي سفيان فرت من زوجها عياض بن حكيم إلى الكفار ولحقت بهم، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، فكان الحكم لمن فاتت زوجته إلى الكفار أن يعطى ما أنفقه عليها من غنائم الكفار، ثم زال هذا الحكم ونسخ.
وقد أجاز بعضهم أن يكون منسوخا بقوله عز وجل: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن الله خمسه} الآية [الأنفال: 41]؛ لأنه بين مصارف الغنيمة ولم يذكر فيها هذا، ولا جعل لمن ذهبت زوجته مما غنم المسلمون شيئا، وذا غير صحيح؛ لأن الأنفال نزلت قبل سورة الممتحنة، ولا يصح نزول الناسخ قبل المنسوخ.
وقال ابن زيد وقتادة: نسخت هذه الأحكام التي في هذه السورة "براءة"، إذ أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأن يقتلوا حيث وجدوا، وأمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية.
الصف، والجمعة، والمنافقين، وفيما بعد ذلك إلى سورة "ن"
وليس في الصف، ولا في الجمعة، ولا في المنافقين، ولا فيما بعد ذلك إلى سورة "ن" منسوخ) [جمال القراء:1/381]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين