تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا قال عيونا). [تفسير عبد الرزاق: 1/389]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا}.
يقول تعالى ذكره: وقال يا محمّد المشركون باللّه من قومك لك: لن نصدّقك حتّى تفجر لنا من أرضنا هذه عينًا تنبع لنا بالماء.
وقوله {ينبوعًا} يفعولٌ من قول القائل: نبع الماء: إذا ظهر وفار، ينبع وينبع، وهو ما نبع. كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} أي حتّى تفجر لنا من الأرض عيونًا: أي ببلدنا هذا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله {حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} قال: عيونًا.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، مثله.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ينبوعًا} قال: عيونًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله {تفجر} فروي عن إبراهيم النّخعيّ أنّه قرأ {حتّى تفجر لنا} خفيفةً وقوله {فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرًا} بالتّشديد، وكذلك كانت قرّاء الكوفيّين يقرءونها، فكأنّهم ذهبوا بتخفيفهم الأولى إلى معنى: حتّى تفجّر لنا من الأرض ماءً مرّةً واحدةً. وبتشديدهم الثّانية إلى أنّها " تفجّر " في أماكن شتّى، مرّةً بعد أخرى، إذا كان ذلك تفجّر أنهارٍ لا نهرٌ واحدٌ، والتّخفيف في الأولى والتّشديد في الثّانية على ما ذكرت من قراءة الكوفيّين أعجب إليّ لما ذكرت من افتراق معنييهما، وإن لم تكن الأخرى مدفوعةً صحّتها). [جامع البيان: 15/77-79]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 90 - 96.
أخرج ابن جرير، وابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب ورجلا من بني عبد الدار وأبا البختري - أخا بني أسد - والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيها ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا وهو يظن أنهم قد بدا لهم في أمره بدء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم فقالوا: يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنعذرك وإنا والله، ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي - فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر في، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا فيئكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، فقالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا ولا أقل مالا ولا أشد عيشا منا فاسأل ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من قد مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا فنسألهم عما تقول حق هو أم باطل فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك من عند الله وإنه بعثك رسولا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، قالوا: فإن لم تفعل لنا فخر لنفسك فاسأل ربك أن يبعث ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وتسأله أن يجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك عما نراك تبتغي - فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه - حتى نعرف منزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك، قالوا: يا محمد قد علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك ونطلب منك ما نطلب فيتقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به ويخبرك بما صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا فقد أعذرنا إليك يا محمد أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا، فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية فقال: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك عند الله فلم تفعل ذلك ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب، فوالله ما أؤمن لك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك، ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينا أسفا لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه ولما رأى من متابعتهم إياه، وأنزل عليه فيما قال له عبد الله بن أبي أمية: {وقالوا لن نؤمن لك} إلى قوله: {بشرا رسولا} وأنزل عليه في قولهم لن نؤمن بالرحمن (كذلك أرسناك في أمة قد خلت) (الرعد آية 30) الآية، وأنزل عليه فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الجبال وبعث من مضى من آبائهم الموتى (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) (الرعد آية 31) الآية). [الدر المنثور: 9/442-446]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن بن جبير رضي الله عنه في قوله: {وقالوا لن نؤمن لك} قال: نزلت في أخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية، وأخرح ابن جرير عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه قرأ {حتى تفجر لنا} خفيفة). [الدر المنثور: 9/446]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} أي ببلدنا هذا). [الدر المنثور: 9/446-447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ينبوعا} قال: عيونا). [الدر المنثور: 9/447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: الينبوع هو الذي يجري من العين). [الدر المنثور: 9/447]
تفسير قوله تعالى: (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو تكون لك جنّةٌ من نخيل وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وقال لك يا محمّد مشركو قومك: لن نصدّقك حتّى تستنبط لنا عينًا من أرضنا، تدفّق بالماء أو تفور، أو يكون لك بستانٌ، وهو الجنّة، من نخيل وعنبٍ، فتفجّر الأنهار بأرضنا هذه الّتي نحن بها خلالها، يعني: خلال النّخيل والكروم.
ويعني بقوله: {خلالها تفجيرًا} بينها في أصولها تفجيرًا بسبب أبنيتها). [جامع البيان: 15/79]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو تكون لك جنة من نخيل وعنب} يقول: ضيعة). [الدر المنثور: 9/447]
تفسير قوله تعالى: (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا قال قطعا). [تفسير عبد الرزاق: 1/389]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى أو تأتي بالله والملائكة قبيلا قال عيانا). [تفسير عبد الرزاق: 1/389]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({قبيلًا} [الإسراء: 92] : " معاينةً ومقابلةً، وقيل: القابلة لأنّها مقابلتها وتقبل ولدها "). [صحيح البخاري: 6/83-84]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قبيلًا معاينةً ومقابلةً وقيل القابلة لأنّها مقابلتها وتقبل ولدها قال أبو عبيدة والملائكة قبيلا مجاز مقابلةٍ أي معاينةٍ قال الأعشى كصرخة حبلى بشرتها قبيلها أي قابلتها وقال بن التّين ضبط بعضهم تقبل ولدها بضمّ الموحّدة وليس بشيء وروى بن أبي حاتمٍ من طريق سعيدٍ عن قتادة قبيلًا أي جندًا تعاينهم معاينةً). [فتح الباري: 8/393]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قبيلاً معاينةً ومقابلةً وقيل القابلة لأنّها مقابلتها تقبل ولدها
أشار به إلى قوله تعالى: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} (الإسراء: 92) وفسره بقوله: معاينة ومقابلة. قوله: (وقيل القابلة) ، أراد أنه قيل للمرأة الّتي تتلقى الولد عند الولادة قابلة لأنّها مقابلتها، أي: مقابلة المرأة الّتي تولدها. قوله: (تقبل ولدها) أي: تتلقاه عند الولادة، يقال: قبلت القابلة المرأة تقبلها قبالة بالكسر، أي: تلقّته عند الولادة، وقال ابن التّين: ضبطه بعضهم بتقبل ولدها بضم الموحدة وليس ببين قلت: تقبل بالفتح هو البين لأنّه من باب علم يعلم، وقد يظنّ أن تقبل ولدها من التّقبيل، وليس بظاهر). [عمدة القاري: 19/24]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({قبيلًا}) في قوله تعالى: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا} [الإسراه: 92] قال أبو عبيدة أي (معاينة ومقابلة) أو معناه كفيلًا بما تدّعيه (وقيل القابلة) المرأة التي تتولى ولادة المرأة (لأنها مقابلتها وتقبل ولدها) أي تتلقاها عند الولادة. قال الأعشى:
كصرخة حبلى بشرتها قبيلها
أي قابلتها). [إرشاد الساري: 7/202-203]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً}.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {كسفًا} فقرأته عامّة قرّاء الكوفة والبصرة بسكون السّين، بمعنى: ( أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا )، وذلك أنّ الكسف في كلام العرب: جمع كسفةٍ، وهو جمع الكثير من العدد وللجنس، كما تجمع السّدرة بسدرٍ، والتّمرة بتمرٍ، فحكي عن العرب سماعًا: أعطني كسفةً من هذا الثّوب: أي قطعةً منه، يقال منه: جاءنا بثريدٍ كسفٍ: أي قطع خبزٍ.
وقد يحتمل إذا قرئ كذلك " كسفًا " بسكون السّين أن يكون مرادًا به المصدر من كسف. فأمّا الكسف بفتح السّين، فإنّه جمع ما بين الثّلاث إلى العشر، يقال: كسفةٌ واحدةٌ، وثلاث كسفٍ، وكذلك إلى العشر.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض الكوفيّين {كسفًا} بفتح السّين بمعنى: جمع الكسفة الواحدة من الثّلاث إلى العشر، يعني بذلك قطعًا: ما بين الثّلاث إلى العشر.
وأولى القراءتين في ذلك بالصّواب عندي قراءة من قرأه بسكون السّين، لأنّ الّذين سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك، لم يقصدوا في مسألتهم إيّاه ذلك أن يكون بحدٍّ معلومٍ من القطع، إنّما سألوا أن يسقط عليهم من السّماء قطعًا، وبذلك جاء التّأويل أيضًا من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله {كسفًا} قال: السّماء جميعًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- قال ابن جريجٍ: قال عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قوله {كما زعمت علينا كسفًا} قال: هذه مرّةً واحدةً، والّتي في الرّوم {ويجعله كسفًا} قال: قطعًا، قال ابن جريجٍ: كسفًا لقول اللّه: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفًا من السّماء}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} قال: أي قطعًا.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {كسفًا} قال: قطعًا.
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {كسفًا} يقول: قطعًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} يعني قطعًا.
القول في تأويل قوله: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل المشركين لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أو تأتي باللّه يا محمّد والملائكة قبيلاً.
واختلف أهل التّأويل في معنى القبيل في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: حتّى تأتي باللّه والملائكة كلّ قبيلةٍ منّا قبيلةً قبيلةً، فيعاينونهم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {والملائكة قبيلاً} قال: على حدتنا، كلّ قبيلةٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} قال: قبائل على حدتها كلّ قبيلةٍ.
وقال آخرون: معنى ذلك: أو تأتي باللّه والملائكة عيانًا نقابلهم مقابلةً، فنعاينهم معاينةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} نعاينهم معاينةً.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} فنعاينهم.
ووجّهه بعض أهل العربيّة إلى أنّه بمعنى الكفيل من قولهم: هو قبيل فلانٍ بما لفلانٍ عليه وزعيمه.
وأشبه الأقوال في ذلك بالصّواب، القول الّذي قاله قتادة من أنّه بمعنى المعاينة، من قولهم: قابلت فلانًا مقابلةً، وفلان قبيل فلانٍ، بمعنى قبالته، كما قال الشّاعر:
نصالحكم حتّى تبوءوا بمثلها = كصرخة حبلى يسّرتها قبيلها
يعني قابلتها.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: إذا وصفوا بتقدير فعيلٍ من قولهم قابلت ونحوها، جعلوا لفظ صفة الاثنين والجميع من المؤنّث والمذكّر على لفظٍ واحدٍ، نحو قولهم: هذه قبيلي، وهما قبيلي، وهم قبيلي، وهنّ قبيلي). [جامع البيان: 15/79-83]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ينبوعا يعني عيونا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا يعني السماء جميعا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يعني بكل قبيل على حدة أو يكون لك بيت من زخرف يعني ذهب ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه من رب العالمين إلى فلان بن فلان لكل رجل صحيفة تصبح عند رأسه يقرؤها). [تفسير مجاهد: 370]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا} قال: قطعا). [الدر المنثور: 9/447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} قال: عيانا). [الدر المنثور: 9/447]
تفسير قوله تعالى: (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أشهل، عن شعبة بن الحجّاج، عن الحكم، عن مجاهد قال: ما كنا ندري ما {بيتٌ من زخرفٍ}، حتى سمعنا قراءة عبد الله: بيتاً من ذهبٍ). [الجامع في علوم القرآن: 1/139]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا إسرائيل عن أبي إسحاق وابن عيينة عن أصحابه عن أبي إسحاق عن رجل من بني تميم أنه قال لابن عباس ما ولا يظلمون فتيلا قال ففت بين أصبعيه فخرج بينهما شيء فقال هو هذا
قال أخبرني الثوري عن رجل عن الحكم قال: قال لي مجاهد كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود (أو يكون له بيت من ذهب)). [تفسير عبد الرزاق: 1/389-390] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى أو يكون لك بيت من زخرف قال بيت من ذهب). [تفسير عبد الرزاق: 1/390]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك حتّى تنزل علينا كتابًا نقرؤه قل سبحان ربّي هل كنت إلاّ بشرًا رسولاً}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن المشركين الّذين ذكر أمرهم في هذه الآيات: أو يكون لك يا محمّد بيتٌ من ذهبٍ، وهو الزّخرف. كما؛
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} يقول: بيتٌ من ذهبٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله {من زخرفٍ} قال: من ذهبٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} والزّخرف هذا: الذّهب.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} قال: من ذهبٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن رجلٍ، عن الحكم، قال: قال مجاهدٌ: كنّا لا ندري ما الزّخرف حتّى رأيناه في قراءة ابن مسعودٍ: " أو يكون لك بيتٌ من ذهبٍ ".
- حدّثنا محمّد بن المثّنى حدّثنا قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، قال: لم أدر ما الزّخرف، حتّى سمعنا في قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ: " بيتٌ من ذهبٍ ".
وقوله {أو ترقى في السّماء} يعني: أو تصعد في درجٍ إلى السّماء، وإنّما قيل في السّماء، وإنّما يرقى إليها لا فيها، لأنّ القوم قالوا: أو ترقى في سلّمٍ إلى السّماء، فأدخلت " في " في الكلام ليدلّ على معنى الكلام، يقال: رقيت في السّلم، فأنا أرقى رقيًا ورقيًّا ورقيًا، كما قال الشّاعر:
أنت الّذي كلّفتني رقي الدّرج = على الكلال والمشيب والعرج
وقوله: {ولن نؤمن لرقيّك} يقول: ولن نصدّقك من أجل رقيّك إلى السّماء {حتّى تنزّل علينا كتابًا} منشورًا {نقرؤه} فيه أمرنا باتّباعك والإيمان بك، كما؛
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قالا: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله {كتابًا نقرؤه} قال: من ربّ العالمين إلى فلانٍ، عند كلّ رجلٍ صحيفةٌ تصبح عند رأسه يقرؤها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، إلاّ أنّه، قال: كتابًا نقرؤه من ربّ العالمين، وقال أيضًا: تصبح عند رأسه موضوعةً يقرؤها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {حتّى تنزّل علينا كتابًا نقرؤه} أي كتابًا خاصًّا نؤمر فيه باتّباعك.
وقوله: {قل سبحان ربّي} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين من قومك القائلين لك هذه الأقوال، تنزيهًا للّه عمّا يصفونه به، وتعظيمًا له من أن يؤتى به وملائكته، أو يكون لي سبيلٌ إلى شيءٍ ممّا تسألونيه: {هل كنت إلاّ بشرًا رسولاً} يقول: هل أنا إلاّ عبدٌ من عبيده من بني آدم، فكيف أقدر أن أفعل ما سألتموني من هذه الأمور، وإنّما يقدر عليها خالقي وخالقكم، وإنّما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، والّذي سألتموني أن أفعله بيد اللّه الّذي أنا وأنتم عبيدٌ له، لا يقدر على ذلك غيره.
وهذا الكلام الّذي أخبر اللّه أنّه كلّم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما ذكر كان من ملإٍ من قريشٍ اجتمعوا لمناظرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومحاجّته، فكلّموه بما أخبر اللّه عنهم في هذه الآيات.
ذكر تسمية الّذين ناظروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك منهم
والسّبب الّذي من أجله ناظروه به
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني شيخٌ من أهل مصر، قدم منذ بضعٍ وأربعين سنةً، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّ عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حربٍ ورجلاً من بني عبد الدّار، وأبا البختريّ أخا بني أسدٍ، والأسود بن المطّلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشامٍ، وعبد اللّه بن أبي أميّة، وأميّة بن خلفٍ، والعاص بن وائلٍ، ونبيهًا ومنبهًا ابني الحجّاج السّهميّين اجتمعوا، أو من اجتمع منهم، بعد غروب الشّمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعضٍ: ابعثوا إلى محمّدٍ فكلّموه وخاصموه حتّى تعذروا فيه، فبعثوا إليه: إنّ أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلّموك، فجاءهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريعًا، وهو يظنّ أنّه بدا لهم في أمره بداءٌ، وكان عليهم حريصًا، يحبّ رشدهم ويعزّ عليه عنتهم، حتّى جلس إليهم، فقالوا: يا محمّد إنّا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنّا واللّه ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدّين، وسفّهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرّقت الجماعة، فما بقي أمرٌ قبيحٌ إلاّ وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنّما جئت بهذا الحديث تطلب مالاً، جمعنا لك من أموالنا حتّى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنّما تطلب الشّرف فينا سوّدناك علينا، وإن كنت تريد به ملكًا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الّذي يأتيك بما يأتيك به رئيًا تراه قد غلب عليك وكانوا يسمّون التّابع من الجنّ: الرّئي فربّما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطّبّ لك حتّى نبرّئك منه، أو نعذر فيك، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشّرف فيكم ولا الملك عليكم ولكنّ اللّه بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلّغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم، فإن تقبلوا منّي ما جئتكم به فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتّى يحكم اللّه بيني وبينكم " أو كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا محمّد، فإن كنت غير قابلٍ منّا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنّه ليس أحدٌ من النّاس أضيق بلادًا، ولا أقلّ مالاً، ولا أشد عيشًا منّا، فسل ربّك الّذي بعثك بما بعثك به، فليسيّر عنّا هذه الجبال الّتي قد ضيّقت علينا، ويبسط لنا بلادنا، وليفجّر فيها أنهارًا كأنهار الشّام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصيّ بن كلابٍ، فإنّه كان شيخًا صدوقًا، فنسألهم عمّا تقول، حقٌّ هو أم باطلٌ؟ فإن صنعت ما سألناك، وصدّقوك صدّقناك، وعرفنا به منزلتك عند اللّه، وأنّه بعثك بالحقّ رسولاً، كما تقول.
فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " وما بهذا بعثت، إنّما جئتكم من اللّه بما بعثني به، فقد بلّغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتّى يحكم اللّه بيني وبينكم " قالوا: فإن لم تفعل لنا هذا، فخذ لنفسك، فسل ربّك أن يبعث ملكًا يصدّقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وتسأله فيجعل لك جنانًا وكنوزًا وقصورًا من ذهبٍ وفضّةٍ، ويغنيك بها عمّا نراك تبتغي، فإنّك تقوم بالأسواق، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتّى نعرف فضل منزلتك من ربّك إن كنت رسولاً كما تزعم، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ما أنا بفاعلٍ، ما أنا بالّذي يسأل ربّه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكنّ اللّه بعثني بشيرًا ونذيرًا، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتّى يحكم اللّه بيني وبينكم " قالوا: فأسقط السّماء علينا كسفًا كما زعمت أنّ ربّك إن شاء فعل، فإنّا لا نؤمن لك إلاّ أن تفعل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ذلك إلى اللّه إن شاء فعل بكم ذلك " فقالوا: يا محمّد، فما علم ربّك أنّا سنجلس معك ونسألك عمّا سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فيتقدّم إليك، ويعلّمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانعٌ في ذلك بنا إذ لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنّه إنّما يعلّمك هذا رجلٌ باليمامة يقال له الرّحمن، وإنّا واللّه ما نؤمن بالرّحمن أبدًا، أعذرنا إليك يا محمّد، أما واللّه لا نتركك وما بلغت بنّا حتّى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة، وهنّ بنات اللّه، وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتّى تأتينا باللّه والملائكة قبيلاً.
فلمّا قالوا ذلك، قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنهم، وقام معه عبد اللّه بن أبي أميّة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزومٍ، وهو ابن عمّته ابن عاتكة ابنة عبد المطّلب، فقال له: يا محمّد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثمّ سألوك لأنفسهم أمورًا، ليعرفوا منزلتك من اللّه فلم تفعل ذلك، ثمّ سألوك أن تعجّل ما تخوّفهم به من العذاب، فواللّه لا أومن لك أبدًا، حتّى تتّخذ إلى السّماء سلّمًا ترقى فيه، وأنا أنظر حتّى تأتيها، وتأتي معك بنسخةٍ منشورةٍ معك أربعةٌ من الملائكة يشهدون لك أنّك كما تقول، وايم اللّه لو فعلت ذلك لظننت ألاّ أصدّقك، ثمّ انصرف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وانصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهله حزينًا أسفًا لما فاته ممّا كان يطمع فيه من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إيّاه، فلمّا قام عنهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال أبو جهلٍ: يا معشر قريشٍ، إنّ محمّدًا قد أبى إلاّ ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وإنّي أعاهد اللّه لأجلسنّ له غدًا بحجرٍ قدر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت رأسه به.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة مولى ابن عبّاسٍ، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه، إلاّ أنّه قال: وأبا سفيان بن حربٍ، والنّضر بن الحارث أخا بني عبد الدّار، وأبا البختريّ بن هشامٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدٍ، قال: قلت له في قوله تعالى {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} قال: قلت له: نزلت في عبد اللّه بن أبي أميّة، قال: قد زعموا ذلك). [جامع البيان: 15/84-91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو يكون لك بيت من زخرف} قال: من ذهب). [الدر المنثور: 9/447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد في فضائله، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد رضي الله عنه قال: لم أكن أحسن ما الزخرف حتى سمعتها في قراءة عبد الله {أو يكون لك بيت من زخرف} قال: من ذهب). [الدر المنثور: 9/447-448]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: الزخرف الذهب). [الدر المنثور: 9/448]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} قال: من عند رب العالمين إلى فلان بن فلان يصبح عند كل رجل منا صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها). [الدر المنثور: 9/448]