العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة فصلت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م, 12:13 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي تفسير سورة فصلت[ من الآية 1 إلى الآية 8]

تفسير سورة فصلت[ من الآية 1 إلى الآية 8]



{حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م, 12:16 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

جمهرة تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (حم (1) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {حم (1) تنزيلٌ من الرّحمن الرّحيم (2) كتابٌ فصّلت آياته قرآنًا عربيًّا لقومٍ يعلمون (3) بشيرًا ونذيرًا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون}.
قال أبو جعفرٍ: قد تقدّم القول منّا فيما مضى قبل في معنى حم والقول في هذا الموضع كالقول في ذلك). [جامع البيان: 20/375]

تفسير قوله تعالى: (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {تنزيلٌ من الرّحمن الرّحيم} يقول تعالى ذكره: هذا القرآن تنزيلٌ من عند الرّحمن الرّحيم نزّله على نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 20/375]

تفسير قوله تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {كتابٌ فصّلت آياته} يقول: كتابٌ بيّنت آياته.
- كما حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فصّلت آياته} قال: بيّنت آياته.
وقوله: {قرآنًا عربيًّا} يقول تعالى ذكره: فصّلت آياته هكذا.
وقد اختلف أهل العربيّة في وجه نصب القرآن، فقال بعض نحويّي البصرة: قوله {كتابٌ فصّلت} الكتاب خبرٌ لمبتدأٍ، أخبر أنّ التّنزيل كتابٌ، ثمّ قال: {فصّلت آياته قرآنًا عربيًّا} شغل الفعل بالآيات حتّى صارت بمنزلة الفاعل، فنصب القرآن، وقال: {بشيرًا ونذيرًا} على أنّه صفةٌ، وإن شئت جعلت نصبه على المدح كأنّه حين ذكره أقبل في مدحه، فقال: ذكرنا قرآنًا عربيًّا بشيرًا ونذيرًا، وذكرناه قرآنًا عربيًّا، وكان فيما مضى من ذكره دليلٌ على ما أضمر.
وقال بعض نحويّي الكوفة: نصب قرآنًا على الفعل: أي فصّلت آياته كذلك قال: وقد يكون النّصب فيه على القطع، لأنّ الكلام تامٌّ عند قوله آياته قال: ولو كان رفعًا على أنّه من نعت الكتاب كان صوابًا، كما قال في موضعٍ آخر: {كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ} وقال: وكذلك قوله: {بشيرًا ونذيرًا} فيه ما في {قرآنًا عربيًّا}.
وقوله: {لقومٍ يعلمون} يقول: فصّلت آيات هذا الكتاب قرآنًا عربيًّا لقومٍ يعلمون اللّسان العربيّ). [جامع البيان: 20/375-376]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو الحسن أحمد بن الخضر الشّافعيّ، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق العقيليّ، ثنا عبيد اللّه بن سعد بن إبراهيم الزّهريّ، ثنا عمّي، حدّثني أبي، عن سفيان الثّوريّ، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابرٍ رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم تلا {قرآنًا عربيًّا لقومٍ يعلمون} [فصلت: 3] ثمّ قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «ألهم إسماعيل هذا اللّسان إلهامًا» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/476]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني عليّ بن الحسين القاضي ببخارى، ثنا عبد اللّه بن محمود بن شقيقٍ، ثنا أبو تميلة، عن الحسين بن واقدٍ، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، {بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ} [الشعراء: 195] قال: «بلسان جرهمٍ» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/477]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عليٍّ الحسين بن عليٍّ الحافظ، أنبأ محمّد بن الحسن العسقلانيّ، ثنا أبو عميرٍ عيسى بن محمّدٍ، ثنا ضمرة، عن سعد بن عبد اللّه بن سعدٍ، عن أبيه، عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه، قال: سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلًا قرأ فلحن فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أرشدوا أخاكم» صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/477]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان الشّيبانيّ، ثنا جدّي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، حدّثني عبد اللّه بن سعيدٍ المقبريّ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه» هذا حديثٌ صحيح الإسناد على مذهب جماعةٍ من أئمّتنا ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/477]

تفسير قوله تعالى: (بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {بشيرًا} لهم يبشّرهم إن هم آمنوا به، وعملوا بما أنزل فيه من حدود اللّه وفرائضه بالجنّة، {ونذيرًا} يقول: ومنذرًا من كذّب به ولم يعمل بما فيه، بأس اللّه في عاجل الدّنيا، وخلود الأبد في نار جهنّم في آجل الآخرة.
وقوله: {فأعرض أكثرهم} يقول تعالى ذكره: فاستكبر عن الإصغاء له وتدبّر ما فيه من حجج اللّه، وأعرض عنه أكثر هؤلاء القوم الّذين أنزل اللّه إليهم هذا القرآن بشيرًا لهم ونذيرًا، وهم قوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: فهم لا يصغون له فيسمعوه إعراضًا عنه واستكبارًا). [جامع البيان: 20/376]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله قلوبنا غلف قال هو كقوله {قلوبنا في أكنة}). [تفسير عبد الرزاق: 1/51]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن جريج عن مجاهد في قوله قلوبنا في أكنة قال كالجعبة للنبل). [تفسير عبد الرزاق: 2/183]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا قلوبنا في أكنّةٍ ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجابٌ فاعمل إنّنا عاملون}.
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المعرضون عن آيات اللّه من مشركي قريشٍ إذ دعاهم محمّدٌ نبيّ اللّه إلى الإقرار بتوحيد اللّه وتصديق بما في هذا القرآن من أمر اللّه ونهيه، وسائر ما أنزل فيه {قلوبنا في أكنّةٍ} يقول: في أغطيةٍ {ممّا تدعونا} يا محمّد {إليه} من توحيد اللّه، وتصديقك فيما جئتنا به، لا نفقه ما تقول {وفي آذاننا وقرٌ} وهو الثّقل، لا نسمع ما تدعونا إليه استثقالاً لما يدعو إليه وكراهةً له.
وقد مضى البيان قبل عن معاني هذه الأحرف بشواهده، وذكر ما قال أهل التّأويل فيه، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع.
- وقد حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {قلوبنا في أكنّةٍ} قال: كالجعبة للنبل.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {وقالوا: قلوبنا في أكنّةٍ} قال: عليها أغطيةٌ {وفي آذاننا وقرٌ} قال: صممٌ.
وقوله: {ومن بيننا وبينك حجابٌ} يقولون: ومن بيننا وبينك يا محمّد ساترٌ، لا نجتمع من أجله نحن وأنت، فيرى بعضنا بعضًا، وذلك الحجاب هو اختلافهم في الدّين، لأنّ دينهم كان عبادة الأوثان، ودين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم عبادة اللّه وحده لا شريك له، فذلك هو الحجاب الّذي زعموا أنّه بينهم وبين نبيّ اللّه، وذلك هو خلاف بعضهم بعضًا في الدّين.
وقوله: {فاعمل إنّنا عاملون} يقول: قالوا له صلّى اللّه عليه وسلّم: فاعمل يا محمّد بدينك وما تقول إنّه الحقّ، إنّنا عاملون بديننا، وما تقول إنّه الحقّ، ودع دعاءنا إلى ما تدعونا إليه من دينك، فإنّا ندع دعاءك إلى ديننا وأدخلت من في قوله {ومن بيننا وبينك حجابٌ} والمعنى: وبيننا وبينك حجابٌ، توكيدًا للكلام). [جامع البيان: 20/377-378]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وقالوا قلوبنا في أكنة يعني كالجعبة للنبل). [تفسير مجاهد: 569]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 5.
أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وقالوا قلوبنا في أكنة} قالوا: كالجعبة للنبل). [الدر المنثور: 13/86]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري في حديثه من طريق عبد القدوس عن نافع بن الأزرق عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله {وقالوا قلوبنا في أكنة} الآية، قال: أقبلت قريش إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال لهم ما يمنعكم من الإسلام فتسودوا العرب فقالوا: يا محمد ما نفقه ما تقول ولا نسمعه وإن على قلوبنا لغلفا، وأخذ أبو جهل ثوبا فمده فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب}، قال لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أدعوكم إلى خصلتين، أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله، فلما سمعوا شهادة أن لا إله إلا الله (ولو على أدبارهم نفورا) (الإسراء 46)
وقالوا (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) (ص 5) وقال بعضهم لبعض (امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق أأنزل عليه الذكر من بيننا) (ص 7).
وهبط جبريل فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول: أليس يزعم هؤلاء أن على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقر فليس يسمعون قولك كيف (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا) (الإسراء 46) لو كان كما زعموا لم ينفروا ولكنهم كاذبون يسمعون ولا ينتفعون بذلك كراهية له، فلما كان من الغد أقبل منهم سبعون رجلا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أعرض علينا الإسلام فلما عرض عليهم الإسلام أسلموا عن آخرهم فتبسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الحمد الله ألستم بالأمس تزعمون أن على قلوبكم غلفا وقلوبكم في أكنة مما ندعوكم إليه وفي آذانكم وقرا وأصبحتم اليوم مسلمين فقالوا: يا رسول الله كذبنا والله بالأمس لو كان كذلك ما اهتدينا أبدا ولكن الله الصادق والعباد الكاذبون عليه وهو الغني ونحن الفقراء إليه). [الدر المنثور: 13/86-87]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ فاستقيموا إليه واستغفروه وويلٌ للمشركين (6) الّذين لا يؤتون الزّكاة وهم بالآخرة هم كافرون}.
يقول تعالى ذكره: قل يا محمّد لهؤلاء المعرضين عن آيات اللّه من قومك: أيّها القوم، ما أنا إلاّ بشرٌ من بني آدم مثلكم في الجنس والصّورة والهيئة، لست بملكٍ {يوحى إليّ} يوحي اللّه إليّ أنّ لا معبود لكم تصلح عبادته إلاّ معبودٌ واحدٌ {فاستقيموا إليه} يقول: فاستقيموا إليه بالطّاعة، ووجّهوا إليه وجوهكم بالرّغبة والعبادة دون الآلهة والأوثان {واستغفروه} يقول: وسلوه العفو لكم عن ذنوبكم الّتي سلفت منكم بالتّوبة من شرككم، يتب عليكم ويغفر لكم). [جامع البيان: 20/378]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى الذين لا يؤتون الزكاة قال كان يقال الزكاة قنطرة الإسلام فمن قطعها برئ ونجا ومن لم يقطعها هلك). [تفسير عبد الرزاق: 2/184]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وويلٌ للمشركين (6) الّذين لا يؤتون الزّكاة وهم بالآخرة هم كافرون} يقول تعالى ذكره: وصديد أهل النّار، وما يسيل منهم للمدّعين للّه شريكًا العابدين الأوثان دونه الّذين لا يؤتون الزّكاة.
فاختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: معناه: الّذين لا يعطون اللّه الطّاعة الّتي تطهّرهم، وتزكّي أبدانهم، ولا يوحّدونه؛ وذلك قولٌ يذكر عن ابن عبّاسٍ.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وويلٌ للمشركين (6) الّذين لا يؤتون الزّكاة} قال: هم الّذين لا يشهدون أنّ لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني سعيد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا حفصٌ، قال: حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، قوله: {وويلٌ للمشركين (6) الّذين لا يؤتون الزّكاة} الّذين لا يقولون لا إله إلاّ اللّه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الّذين لا يقرّون بزكاة أموالهم الّتي فرض اللّه فيها، ولا يعطونها أهلها وقد ذكرنا أيضًا قائلي ذلك قبل.
- وقد حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وويلٌ للمشركين (6) الّذين لا يؤتون الزّكاة} قال: لا يقرّون بها ولا يؤمنون بها وكان يقال: إنّ الزّكاة قنطرة الإسلام، فمن قطعها نجا، ومن تخلّف عنها هلك؛ وقد كان أهل الرّدّة بعد نبيّ اللّه قالوا: أما الصّلاة فنصلّي، وأمّا الزّكاة فواللّه لا نغصب أموالنا؛ قال: فقال أبو بكرٍ: واللّه لا أفرّق بين شيءٍ جمع اللّه بينه؛ واللّه لو منعونا عقالاً ممّا فرض اللّه ورسوله لقاتلناهم عليه.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وويلٌ للمشركين الّذين لا يؤتون الزّكاة} قال: لو زكّوا وهم مشركون لم ينفعهم.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك ما قاله الّذين قالوا: معناه: لا يؤدّون زكاة أموالهم؛ وذلك أنّ ذلك هو الأشهر من معنى الزّكاة، وأنّ في قوله: {وهم بالآخرة هم كافرون} دليلاً على أنّ ذلك كذلك، لأنّ الكفّار الّذين عنوا بهذه الآية كانوا لا يشهدون أنّ لا إله إلاّ اللّه، فلو كان قوله: {الّذين لا يؤتون الزّكاة} مرادًا به الّذين لا يشهدون أنّ لا إله إلاّ اللّه لم يكن لقوله: {وهم بالآخرة هم كافرون} معنًى، لأنّه معلومٌ أنّ من لا يشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه لا يؤمن بالآخرة، وفي اتّباع اللّه قوله: {وهم بالآخرة هم كافرون} قوله {الّذين لا يؤتون الزّكاة} ما ينبئ عن أنّ الزّكاة في هذا الموضع معنيٌّ بها زكاة الأموال.
وقوله: {وهم بالآخرة هم كافرون} يقول: وهم بقيام السّاعة، وبعث اللّه خلقه أحياءً من قبورهم، من بعد بلائهم وفنائهم منكرون). [جامع البيان: 20/379-380]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 6 - 8
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وويل للمشركين (6) الذين لا يؤتون الزكاة} قال: لا يشهدون أن لا إله إلا الله، وفي قوله {لهم أجر غير ممنون} قال: غير منقوص). [الدر المنثور: 13/87-88]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {وويل للمشركين (6) الذين لا يؤتون الزكاة} قال: لا يقولوا لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 13/88]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله {الذين لا يؤتون الزكاة} قال: كان يقال الزكاة قنطرة الإسلام من قطعها برئ ونجا ومن لم يقطعها هلك، والله أعلم). [الدر المنثور: 13/88]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {لهم أجرٌ غير ممنونٍ} [فصلت: 8] : «محسوبٍ»). [صحيح البخاري: 6/128]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهد لهم أجر غير ممنون محسوبٍ سقط هذا من رواية النّسفيّ وقد وصله الفريابيّ من طريق مجاهدٍ به وروى الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله غير ممنونٍ قال غير منقوصٍ وهو بمعنى قول مجاهدٍ محسوبٌ والمراد أنّه يحسب فيحصى فلا ينقص منه شيءٌ). [فتح الباري: 8/559]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد ممنون محسوب أقواتها أرزاقها في كل سماء أمرها ممّا أمر به نحسات مشائيم وقيضنا لهم قرناء قرناهم بهم تتنزل عليهم الملائكة عند الموت اهتزت بالنبات وربت ارتفعت من أكمامها حين تطلع ليقولن هذا لي أي بعملي أنا محقوق بهذا
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 8 فصلت {أجر غير ممنون} قال غير محسوب). [تغليق التعليق: 4/302] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ: {لهم أجرٌ غير ممنونٍ} (فصلت: 8) محسوب
ويروي قال: غير محسوب، رواه عبد بن حميد في تفسيره عن عمرو بن سعد عن سفيان عن ابن جريج عن مجاهد، وروى الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، في قوله: غير ممنون، قال: غير منقوص). [عمدة القاري: 19/152]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({ممنون}) ولأبي ذر والأصيلي {لهم أجر غير ممنون} [فصلت: 8] أي غير (محسوب) وقال ابن عباس غير مقطوع وقيل غير ممنون به عليهم). [إرشاد الساري: 7/327]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم أجرٌ غير ممنونٍ (8) قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك ربّ العالمين}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين صدّقوا اللّه ورسوله، وعملوا بما أمرهم اللّه به ورسوله، وانتهوا عمّا نهياهم عنه، وذلك هو الصّالحات من الأعمال {لهم أجرٌ غير ممنونٌ} يقول: لمن فعل ذلك أجرٌ غير منقوصٍ عمّا وعدهم أن يأجرهم عليه.
وقد اختلف في تأويل ذلك أهل التّأويل، وقد بيّنّاه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
- وقد حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {لهم أجرٌ غير ممنونٍ} قال بعضهم: غير منقوصٍ وقال بعضهم: غير ممنونٍ عليهم.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أجرٌ غير ممنونٍ} يقول: غير منقوصٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، قوله: {لهم أجرٌ غير ممنونٍ} قال: محسوبٌ). [جامع البيان: 20/381]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله غير ممنون قال غير محسوب). [تفسير مجاهد: 569]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 6 - 8
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وويل للمشركين (6) الذين لا يؤتون الزكاة} قال: لا يشهدون أن لا إله إلا الله، وفي قوله {لهم أجر غير ممنون} قال: غير منقوص). [الدر المنثور: 13/87-88] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م, 12:34 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {حم (1)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {حم (1) تنزيل من الرّحمن الرّحيم (2)}
{تنزيل} رفع بالابتداء، وخبره {كتاب فصّلت آياته}, هذا مذهب البصريين.
وقال الفرّاء : يجوز أن يكون {تنزيل} مرتفعا بـ {حم} ، ويجوز أن يرتفع بإضمار هذا المعنى , هذا تنزيل من العزيز الرحيم، أي : هو تنزيل). [معاني القرآن: 4/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله جل وعز: {حم تنزيل من الرحمن الرحيم}
, الخبر عند البصريين {كتاب فصلت آياته} ). [معاني القرآن: 6/241] (م)

تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {حم (1) تنزيل من الرّحمن الرّحيم (2)}
{تنزيل} رفع بالابتداء، وخبره :{كتاب فصّلت آياته}, هذا مذهب البصريين.
وقال الفرّاء يجوز أن يكون {تنزيل} مرتفعا بـ {حم}، ويجوز أن يرتفع بإضمار هذا المعنى , هذا تنزيل من العزيز الرحيم، أي : هو تنزيل). [معاني القرآن: 4/379] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} , الخبر عند البصريين {كتاب فصلت آياته} ). [معاني القرآن: 6/241] (م)

تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {كتابٌ فصّلت آياته قرآناً عربيّاً...}.
تنصب قرآنا على الفعل، أي: فصلت آياته كذلك، ويكون نصبا على القطع؛ لأن الكلام تام عند قوله: {آياته}.
ولو كان رفعا على أنه من نعت الكتاب كان صوابا, كما قال في موضع آخر: {كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ}، وكذلك قوله: {بشيراً ونذيراً} فيه ما في: {قرآنا عربيا}). [معاني القرآن: 3/11-12]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({كتابٌ فصّلت آياته قرآناً عربيّاً لّقومٍ يعلمون}
قال: {كتابٌ فصّلت آياته}, فالكتاب: خبر المبتدأ أخبر به: أن التنزيل كتاب . ثم قال: {فصّلت آياته قرآناً عربيّاً} : شغل الفعل بالآيات حتى صارت بمنزلة الفاعل , فنصب القرآن). [معاني القرآن: 4/5]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قرآنا عربيّا لقوم يعلمون (3)}: نصب{قرآنا} على الحال.
المعنى: بينت آياته قرآنا، أي: بينت آياته في حال جمعه عربيا.
{لقوم يعلمون} : أي: بيّنا لمن يعلم.). [معاني القرآن: 4/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {حم (1) تنزيل من الرحمن الرحيم}
الخبر عند البصريين : {كتاب فصلت آياته}
وقال بعض الكوفيين : هذا كتاب فصلت آياته , أي: أنزلت متفرقة .
وقال الحسن : {فصلت}: بالوعيد.
وقال مجاهد : {فصلت}: فسرت .
وقال قتادة : بين حلالها وحرامها , والطاعة والمعصية.
ثم قال جل وعز: {قرآنا عربيا لقوم يعلمون} : قرآنا عربيا , أي: في حال الاجتماع,{ لقوم يعلمون}: أي: لمن يعلم العربية .
{بشيرا ونذيرا}: نعت للقرآن).[معاني القرآن: 6/241-241]

تفسير قوله تعالى:{بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنّةٍ ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجابٌ فاعمل إنّنا عاملون}
وقوله: {بشيراً ونذيراً} حين شغل عنه, وإن شئت جعلته نصبا على المدح ؛ كأنه حين أقبل على مدحه , فقال : "ذكرنا , قرآناً , عربيّاً , بشيراً, ونذيراً", أو "ذكرناه قرآناً عربيّاً", وكان فيما مضى من ذكره دليل على ما أضمر). [معاني القرآن: 4/6]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4)}
{بشيرا ونذيرا} : من صفته.). [معاني القرآن: 4/379]

تفسير قوله تعالى:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن بيننا وبينك حجابٌ...}.
يقول: بيننا , وبينك فرقة في ديننا، فاعمل في هلاكنا , إننا عاملون في ذلك منك، ويقال: فاعمل لما تعلم من دينك , فإننا عاملون بديننا). [معاني القرآن: 3/12]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : (وقال: {ومن بيننا وبينك حجابٌ} : معناه - والله أعلم - "وبيننا وبينك حجابٌ" , ولكن دخلت "من" للتوكيد). [معاني القرآن: 4/6]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أكنة}: واحدها كنان).[غريب القرآن وتفسيره: 328]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وفي آذاننا وقرٌ}: أي : صمم). [تفسير غريب القرآن: 388]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا قلوبنا في أكنّة ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إنّنا عاملون (5)
(وقالوا قلوبنا في أكنّة}: في غلف، أي ما تدعونا إليه لا يصل إلى قلوبنا ؛ لأنها في أغطية، , وواحد الأكنة : كنان.
(وفي آذاننا وقر): أي صمم , وقفل يمنع من الاستماع لقولك , أي: نحن في ترك القبول منك , بمنزلة من لا يستمع قولك.
{ومن بيينا وبييك حجاب} : أي حاجز في النحلة , والدّين.
وهو مثل {قلوبنا في أكنة}: إلا أن معنى هذا: أنا لا نجامعك في مذهب.
{فاعمل إنّنا عاملون}: أي على مذهبنا، وأنت عامل على مذهبك.
ويجوز : أن يكون فاعمل في إبطال مذهبنا , إنا عاملون في إبطال أمرك). [معاني القرآن: 4/379-380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه} : أي: في أغطية , أي: ليست تعي ما تقول.
, والوقر : الصمم.
ثم قال جل وعز: {ومن بيننا وبينك حجاب فأعمل إننا عاملون} : حجاب, أي: حاجز.
وهو يزيد على معنى:{ قلوبنا في أكنة }, لأن معنى قلوبنا في أكنة , أي: ليس نجيبك إلى شيء مما تدعونا إليه , ثم قال:{ فاعمل إننا عاملون}: أي: فاعمل في هلاكنا , فإنا عاملون على مثل ذلك.
ويجوز: أن يكون المعنى , فاعمل بدينك , فإننا عاملون بديننا). [معاني القرآن: 6/242-243]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَكِنَّةٍ}: أوعية). [العمدة في غريب القرآن: 264]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا يؤتون الزّكاة...}.
والزكاة في هذا الموضع: أن قريشا كانت تطعم الحاج وتسقيهم، فحرموا ذلك من آمن بمحمد صلى الله عليه؛ فنزل هذا فيهم، ثم قال: وفيهم أعظم من هذا كفرهم بالآخرة.). [معاني القرآن: 3/12]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وويل للمشركين (6) الّذين لا يؤتون الزّكاة وهم بالآخرة هم كافرون (7)}
أي: لا يرونها واجبة عليهم، ولا يعطونها). [معاني القرآن: 4/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة}
قيل: أي: لا يؤمنون .
وقال قتادة : الزكاة فطرة الإسلام , فمن أداها برئ ونجا , ومن لم يؤدها هلك.).[معاني القرآن: 6/243-244]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({غير ممنون}: غير مقطوع وقالوا غير محسوب). [غريب القرآن وتفسيره: 328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون}
قال مجاهد: أي: غير محسوب.
قال أبو جعفر : يقال : مننت الشيء , فهو ممنون , ومنين إذا قطعته كما قال:
فترى خلفها من الرجع = والوقع منينا كأنه أهباء
يعني بالمنين : الغبار المنقطع الضعيف
ويجوز أن يكون : المنون , يمن به.). [معاني القرآن: 6/244]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {غير ممنون}: أي: غير مقطوع، وغير ممنون، أي: لا يمن عليهم). [ياقوتة الصراط: 453]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَمْنُونٍ}: مقطوع.). [العمدة في غريب القرآن: 264]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م, 12:37 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {حم (1) }

تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) }

تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) }

تفسير قوله تعالى: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) }

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) }
قال عليُّ بنُ حَمزةَ الكِسَائِيُّ (189هـ): ( وتقول: عندي وِقْر حطب، ووِقْر حنطة. وكل ما يحمل فهو وِقْر [بكسر الواو]. قال الله تبارك وتعالى: {فالحاملات وقرا}.
وتقول في أذنيه وَقْر، بفتح الواو، وهو رجل موقور، إذا كان به صمم. وقال الله تعالى: {وفي آذاننا وقر}). [ما تلحن فيه العامة:118- 119] (م)
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والوقر الثقل في الأذن من قول الله تبارك

وتعالى (وفي آذاننا وقر) ويقال منه قد وقرت أذنه فهي موقورة ويقال اللهم قر أذنه ويقال أيضا قد وقرت أذنه توقر وقرا والوقر الثقل يحمل على رأس أو على ظهر من قوله تبارك وتعالى (فالحاملات وقرا) ويقال جاء يحمل وقره قال الفراء ويقال هذه امرأة موقرة وموقرة إذا حملت حملا ثقيلا وهذه نخلة موقر وموقرة وموقرة وقد وقر الرجل من الوقار فهو وقور). [إصلاح المنطق: 3-4]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) }

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب من أبواب أن مكررةً
وذلك قولك: قد علمت أن زيداً إذا أتاك أنه سيكرمك، وذلك أنك قد أردت: قد علمت أن زيداً إذا أتاك سيكرمك، فكررت الثانية توكيداً، ولست تريد بها إلا ما أردت بالأولى. فمن ذلك قوله عز وجل: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} فهذا أحسن الأقاويل عندي في هذه الآية، وقد قيل فيها غير هذا. ونحن ذاكروه في آخر الباب إن شاء الله.
ونظير تكرير أن هاهنا قوله تبارك وتعالى: {وهم بالآخرة هم كافرون} وقوله عز وجل: {فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها}. وكذلك قوله عز وجل: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها}.
ومن هذا الباب عندنا وهو قول أبي عمر الجرمي {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم}. فالتقدير: والله أعلم فله نار جهنم، وردت أن توكيداً. وإن كسرها كاسر جعلها مبتدأة بعد الفاء؛ لأن ما بعد فاء المجازاة ابتداء، كقوله عز وجل: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} فـ إن في هذا الموضع يجوز أن تكون الأولى التي وقعت بعد الحكاية كررت، ويجوز أن تكون وقعت مبتدأة بعد الفاء، كقولك: من يأتني فإني سأكرمه.
وأما أبو الحسن الأخفش فقال في قوله تبارك وتعالى: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم} قال: المعنى: فوجوب النار له، ثم وضع أن في موضع المصدر.
فهذا قول ليس بالقوي، لأنه يفتحها مبتدأة، ويضمر الخبر.
وكذلك قال في قوله: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفورٌ رحيمٌ}، أي فوجوب الرحمة له.
والقول فيه عندنا التكرير على ما ذكرت لك.
فأما ما قيل في الآية التي ذكرنا قبل سوى القول الذي اخترناه وهي {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} فأن يكون {أنكم مخرجون} مرتفعاً بالظرف. كأنه في التقدير: أيعدكم أنكم إذا متم إخراجكم. فهذا قول حسن جميل.
وأما سيبويه فكان يقول: المعنى: أن يعد وقعت على أن الثانية وذكر أن الأولى ليعلم بعد أي شيءٍ يكون الإخراج?.
وهذا قول ليس بالقوي). [المقتضب: 2/354-357] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والمنين ما تقطع منه وهو ممنون). [الغريب المصنف: 3/784]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (



لعمرك والمنايا غالبـات لكل بني أب منها ذنوب

...
والمنايا والمنون سواء، و(المنون) الدهر، و(المنون) تؤنث وتذكر، فمن ذكره صرفه إلى معنى الدهر، ومن أنث صرف إلى لفظ (المنايا).
...
وسميت (منونا) لأنها تمن الأشياء أي تنقص، وقال الله جل وعز: {لهم أجر غير ممنون} غير منقوص). [شرح أشعار الهذليين: 1/104] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وروي عن أبي عبيدة من غير وجه أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس فقال: أرأيت نبي الله سليما صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مع ما خوله الله وأعطاه، كيف عني بالهدهد على قلته وضؤولته? فقال له ابن عباس: إنه احتاج إلى الماء، والهدهد قناء، والأرض له كالزجاجة، يرى باطنها من ظاهرها، فسأل عنه لذلك، قال ابن الأزرق: قف يا وقاف، كيف يبصر ما تحت الأرض، والفخ يغطى له بمقدار إصبع من تراب فلا يبصره حتى يقع فيه! فقال ابن عباس: ويحك يا ابن الأزرق! أما علمت أنه إذا جاء القدر عشي البصر.
ومما سأله عنه: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ}، فقال ابن عباس: تأويله: هذا القرآن.
هكذا جاء، ولا أحفظ عليه شاهدًا عن ابن عباس، وأنا أحسبه أنه لم يقبله إلا بشاهد، وتقديره عند النحويين: إذا قال: "ذلك الكتاب" أنهم قد كانوا وعدوا كتابًا؛ هكذا التفسير، كما قال جل ثناؤه: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}؛ ويعني بذلك اليهود، وقال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}، فمعناه: هذا الكتاب الذي كنتم تتوقعونه. وبيت خفاف بن ندبة على ذلك يصح معناه. وكان من خبره أنه غزا مع معاوية بن عمرو-أخي الخنساء- مرة وفزارة، فعمد ابنا حرملة: دريد وهاشم المريان عمد معاوية، فاستطرد له أحدهما، فحمل عليه معاوية، فطعنه، وحمل الآخر على معاوية فطعنه متمكنًا، وكان صميم الخيل، فلما تنادوا معاوية: قال خفاف بن ندبة - وهي أمه، وكانت حبشية، وأبوه عمير، وهو أحد بني سليم بن منصور -: قتلني الله إن رمت حتى أثأر به، فحمل على مالك بن حمار - وه سيد بن شمخ بن فزارة - فطعنه فقتله، فقال خفاف بن ندبة:


وإن تك خيلي قد أصيب صميمها فعمدًا على عيني تيممت هالكـا
وقفت له علوى وقد خام صحبتي لأبنـي مجـدًا أو لأثـأر هالكـا
أقول له والرمـح يأطـر متنـه تأمل خفافًـا إننـي أنـا ذلكـا

يريد: أنا ذلك الذي سمعت به. هذا تأويل هذا.
وقوله: "يأطر متنه" أي يثني. يقال: أطرت القوس آطرها أطرًا، وهي مأطورة. وعلوى: فرسه.
ومما سأله عنه قوله عز وجل: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}"، فقال ابن عباس: غير مقطوع، فقال: هل تعرف ذلك العرب? فقال: قد عرفه أخو بني يشكر حيث يقول:


وترى خلفهن من سرعة الرجــع منينًـا كـأنـه إهـبـاء

قال أبو العباس: منين، يعني الغبار، وذلك أنها تقطعه قطعًا وراءها.
والمنين: الضعيف المؤذن بانقطاع، أنشدني التوزي عن أبي زيد:


يا ريها إن سلمت يمينـي وسلم الساقي الذي يليني

ولم تخني عقد المنين
يريد الحبل الضعيف، فهذا هو المعروف. ويقال: منين وممنون، كقتيل ومقتول، وجريح ومجروح. وذكر التوزي في كتاب الأضداد أن المنين يكون القوي، فجعله "فعيلا" من "المنة"، والمعروف هو الأول.
وقال غير ابن عباس: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} لا يمن عليهم فيكدر عندهم). [الكامل: 3/1149-1152] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( والمنين حرف من الأضداد؛ سمعت أبا العباس يقول: حبل منين إذا كان ضعيفا قد ذهبت منته، أي قوته.
وقال جماعة من أهل اللغة: يقال: حبل منين إذا كان قويا، والمنة أيضا تقع على معنيين متضادين، يقال للقوة: منة، وللضعف منة، قال الشاعر:


فلا تقعـدوا وبكـم منـة كفى بالحوادث للمرء غولا
وإن لم يكن غير إحداهمـا فسيروا إلى الموت سيرا جميلا

وقال الآخر:


علام تقول السير يقطع منتي ومن حمر الحاجات عير بدرهم

وقال الآخر:
سيرا يرخي منة الجليد
وقال الآخر:
بحوقل قد منه الوجيف
وقال ذو الرمة:


إذا الأروع المشبوب أضحى كأنه على الرحل مما منه السير عاصد

وفسر قول الله عز وجل: {فلهم أجر غير ممنون} على ثلاثة أوجه، فقال بعضهم: المحسوب.
وقال آخرون: الممنون: الذي لا يمن به؛ فالله عز وجل لا يمن بإنعامه على من ينعم عليه، قال الشاعر:


أنلت قليلا ثم أسرعت منة فنيلك ممنون كذاك قليل

ويقال: الممنون: المقطوع الذي قد ذهبت منته، وإنما سميت المنون المنون لأنها تذهب بمنة الإنسان وتضعفه.
وقال الأعشي:


لعمرك ما طول هذا الزمن على المرء إلا عناء معـن
يظل رجيما لريب المنـون والسقم في أهله والحزن

والمنون تؤنثها العرب في حال على معنى المنية، وتذكرها على معنى الدهر، وتجعلها جمعا على معنى المنايا، قال الشاعر:


فقلت إن المنون فانطلقـي تسعى فلا نستطيع ندروها

وكان الأصمعي يروي بيت أبي ذؤيب:


أمن المنون وريبـة تتوجـع والدهر ليس بمعتب من يجزع

ويقول: أراد بالمنون الدهر. ورواه غير الأصمعي: (أمن المنون وريبها) على معنى المنية. وقال الفرزدق:


إن الرزية لا رزيئة مثلهـا في الناس موت محمد ومحمد
ملكان عريب المنابر منهما أخذ المنون عليهما بالمرصد

أراد بالمحمدين أخا الحجاج وابنه.
وقال عدي بن زيد في الجمع:


من رأيت المنون عدين أم من ذا عليه من أن يضام خفيـر

والمن يقع على معنيين: أحدهما يوصف الله جل وعز به، والآخر لا يوصف به، فالذي يوصف به جل اسمه ما يكون بمعنى الإعطاء والإنعام؛ كقولك: مننت على فلان بكذا وكذا من المال، ومننت على الأسير فأعتقته، فكذلك قالوا: يا حنان يا منان، فوصفوه بالفضل والإنعام على خلقه. والمن: الذي لا يوصف الله عز وجل به الافتخار والتزين، والاستعظام للنعمة التي يولاها المنعم عليه، كقول القائل: فلان يمن علي بما أصار إلي من ماله، وأنالني من معروفه؛ والله تعالى لا يقع منه من على هذه الجهة). [كتاب الأضداد: 155-158]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (

إني لعمرك ما بابي بذي غلـق عن الصديق ولا خيري بممنون

أي لا أدخر عن صاحبي شيئًا ولا أمن عليه. وقد قيل إن المنون ههنا المقطوع أي لا أقطع عنه فضلي، ومنه قوله تعالى: {لهم أجر غير ممنون} ). [شرح المفضليات: 322]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 12:29 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 12:29 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 12:37 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون * قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون}
تقدم القول في أوائل السور مما يختص به الحواميم، وأمال الأعمش "حم" في كلها، و"تنزيل" خبر الابتداء، إما على أن يقدر الابتداء في "حم" على ما تقتضيه بعض الأقاويل فيها، إذا جعلت اسما للسورة أو للقرآن أو إشارة إلى حروف المعجم، وإما على أن يكون التقدير: هذا تنزيل، ويجوز أن يكون "تنزيل" ابتداء وخبره في قوله تعالى: {كتاب فصلت}، على معنى: ذو تنزيل. والرحمن الرحيم صفتا رجاء ورحمة لله تعالى.
و"فصلت" قال السدي: معناه: بينت آياته، أي فسرت معانيه، ففصل بين حلاله وحرامه، وزجره وأمره ونهيه، ووعده ووعيده، وقيل: فصلت في التنزيل، أي نزل نجوما، ولم ينزل مرة واحدة، وقيل: فصلت بالمواقف وأنواع أواخر الآي، ولم يكن يرجع إلى قافية ونحوها كالشعر والسجع، و"قرآنا" نصب على الحال عند قوم، وهي مؤكدة لأن هذه الحال ليست مما تنتقل، وقالت فرقة: هو نصب على المصدر، وقالت فرقة: "قرآنا" توطئة للحال و"عربيا" حال، وقالت فرقة: "قرآنا" نصب على المدح، وهو قول ضعيف.
وقوله تعالى: {لقوم يعلمون} قالت فرقة: معناه: يعلمون الأشياء ويعقلون الدلائل وينظرون على طريق النظر، فكأن القرآن فصلت آياته لهؤلاء إذ هم أهل الانتفاع بها، فخصوا بالذكر تشريفا، ومن لم ينتفع بالتفصيل، فكأنه لم يفصل له، وقالت فرقة: "يعلمون" متعلق في المعنى بقوله تعالى: "عربيا"، أي: جعلناه بكلام العرب لقوم يعلمون ألفاظه، ويتحققون أنها لم يخرج شيء منها عن كلام العرب، وكأن الآية رادة على من زعم أن في كتاب الله تعالى ما ليس في كلام العرب، فالعلم - على هذا التأويل - أخص من العلم على التأويل الأول، والأول أشرف معنى، وبين أنه ليس في القرآن إلا ما هو من كلام العرب، إما على أصل لغتها، وإما عربته من لغة غيرها، ثم ذكر في القرآن وهو معرب مستعمل). [المحرر الوجيز: 7/ 462-463]

تفسير قوله تعالى: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {بشيرا ونذيرا} نعت للقرآن، أي يبشر من آمن بالجنة وينذر من كفر بالنار، والضمير في "أكثرهم" عائد على القوم المذكورين. وقوله تعالى: {فهم لا يسمعون} نفي لسمعهم النافع، الذي يعتد به سمعا). [المحرر الوجيز: 7/ 463]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم حكى عنهم مقالتهم التي باعدوا فيها كل المباعدة، وأرادوا أن يؤيسوه من قبولهم دينه، وهي: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه، و"أكنة": جمع كنان، وهو باب فعال وأفعلة، والكنان: ما يجمع الشيء ويضمه ويحول بينه وبين غيره، ومنه الكن، ومنه كنانة النبل، وبها فسر مجاهد هذه الآية، و"من" في قولهم: {مما تدعونا إليه} لابتداء الغاية، وكذلك هي في قولهم: {ومن بيننا وبينك حجاب} مؤكدة لابتداء الغاية، و"الوقر" الثقل في الأذن الذي يمنع السمع، وقرأ ابن مصرف: "وقر" بكسر الواو، و"الحجاب" الذي أشاروا إليه هو مخالفته إياهم، ودعوته إلى الله تعالى دون أصنامهم، أي: هذا أمر يحجبنا عنك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه مقالة تحتمل أن تكون معها قرينة الجد في المحاورة وتتضمن المباعدة، ويحتمل أن تكون معها قرينة الهزل والاستخفاف، وكذلك قولهم: {فاعمل إننا عاملون} يحتمل أن يكون القول تهديدا، ويحتمل أن يكون متاركة محضة).[المحرر الوجيز: 7/ 463]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "قل إنما" على الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ يحيى بن وثاب، والأعمش: "قل إنما" على المضي والخبر عنه، وهذا هو الصدع بالتوحيد والرسالة.
وقوله تعالى: {إنما أنا بشر مثلكم}، قال الحسن: علمه الله تعالى التواضع، و"إن" في قوله تعالى: {إنما إلهكم} رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله، وقوله: "فاستقيموا" أي على محجة الهدى وطريق الشرع والتوحيد، وهذا المعنى مضمن قوله: "إليه"، و"الويل": الحزن والثبور، وفسره الطبري وغيره في هذه الآية بقبح أهل النار وما يسيل منهم). [المحرر الوجيز: 7/ 463]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {الذين لا يؤتون الزكاة} قال الحسن، وقتادة، وغيرهما: هي زكاة المال، وروي أن الزكاة قنطرة الإسلام، من قطعها نجا، ومن جانبها هلك، واحتج لهذا التأويل بقول أبي بكر رضي الله عنه في الزكاة وقت الردة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما، والجمهور: الزكاة في هذه الآية: "لا إله إلا الله" التوحيد، كما قال موسى عليه السلام لفرعون: هل لك إلى أن تزكى، ويرجح هذا التأويل أن الآية من أول المكي، وزكاة المال إنما نزلت بالمدينة، وإنما هذه زكاة القلب والبدن، أي تطهيرهما من الشرك والمعاصي، وقاله مجاهد والربيع، وقال الضحاك ومقاتل: معنى الزكاة هنا: النفقة في الطاعات، وأعاد الضمير في قوله تعالى: {هم كافرون} توكيدا).[المحرر الوجيز: 7/ 463-464]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون * قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين}
ذكر عز وجل حالة الذين آمنوا معادلا بذلك حالة الكافرين المذكورين ليبين الفرق، وقوله تعالى: {غير ممنون}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: غير منقوص، وقالت فرقة معناه: غير مقطوع، يقال: مننت الحبل، إذا قطعته، وقال مجاهد: معناه: غير محسوب; محصور، فهو معد لأن يمن به، ويظهر في الآية أنه وصفه بعدم المن والأذى، من حيث هو من جهة الله تعالى، فهو شريف لا من فيه، وأعطيات البشر هي التي يدخلها المن، وقال السدي: نزلت هذه الآية في المرضى والزمنى، إذا عجزوا عن إكمال الطاعات كتب لهم من الأجر، كأصح ما كانوا يعملون). [المحرر الوجيز: 7/ 464-465]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:30 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:36 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {حم (1) تنزيلٌ من الرّحمن الرّحيم (2) كتابٌ فصّلت آياته قرآنًا عربيًّا لقومٍ يعلمون (3) بشيرًا ونذيرًا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4) وقالوا قلوبنا في أكنّةٍ ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجابٌ فاعمل إنّنا عاملون (5) }
يقول تعالى: {حم تنزيلٌ من الرّحمن الرّحيم} يعني: القرآن منزّلٌ من الرّحمن الرّحيم، كقوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربّك بالحقّ} [النّحل: 102]، وقوله: {وإنّه لتنزيل ربّ العالمين نزل به الرّوح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين} [الشّعراء: 192 -194]). [تفسير ابن كثير: 7/ 161]

تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {كتابٌ فصّلت آياته} أي: بينت معانيه وأحكمت أحكامه، {قرآنًا عربيًّا} أي: في حال كونه لفظًا عربيًّا، بيّنًا واضحًا، فمعانيه مفصّلةٌ، وألفاظه واضحةٌ غير مشكلةٍ، كقوله: {كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ} [هودٍ: 1] أي: هو معجزٌ من حيث لفظه ومعناه، {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ} [فصّلت: 42].
وقوله: {لقومٍ يعلمون} أي: إنّما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الرّاسخون).[تفسير ابن كثير: 7/ 161]

تفسير قوله تعالى: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({بشيرًا ونذيرًا} أي: تارةً يبشّر المؤمنين، وتارةً ينذر الكافرين، {فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} أي: أكثر قريشٍ، فهم لا يفهمون منه شيئًا مع بيانه ووضوحه). [تفسير ابن كثير: 7/ 161]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({وقالوا قلوبنا في أكنّةٍ} أي: في غلفٍ مغطّاةٍ {ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقرٌ} أي: صممٌ عمّا جئتنا به، {ومن بيننا وبينك حجابٌ} فلا يصل إلينا شيءٌ ممّا تقول، {فاعمل إنّنا عاملون} أي: اعمل أنت على طريقتك، ونحن على طريقتنا لا نتابعك.
قال الإمام العلم عبد بن حميد في مسنده: حدّثني ابن أبي شيبة، حدّثنا عليّ بن مسهر عن الأجلح، عن الذّيّال بن حرملة الأسديّ عن جابر بن عبد اللّه، رضي اللّه عنه، قال: اجتمعت قريشٌ يومًا فقالوا: انظروا أعلمكم بالسّحر والكهانة والشّعر، فليأت هذا الرّجل الّذي قد فرّق جماعتنا، وشتّت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلّمه ولننظر ماذا يردّ عليه؟ فقالوا: ما نعلم أحدًا غير عتبة ابن ربيعة. فقالوا: أنت يا أبا الوليد. فأتاه عتبة فقال: يا محمّد، أنت خيرٌ أم عبد اللّه؟ فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: أنت خيرٌ أم عبد المطّلب؟ فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: فإن كنت تزعم أنّ هؤلاء خيرٌ منك، فقد عبدوا الآلهة الّتي عبت، وإن كنت تزعم أنّك خيرٌ منهم فتكلّم حتى نسمع قولك، إنّا واللّه ما رأينا سخلةً قطّ أشأم على قومك منك؛ فرّقت جماعتنا، وشتّتّ أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتّى لقد طار فيهم أنّ في قريشٍ ساحرًا، وأنّ في قريشٍ كاهنًا! واللّه ما ننظر إلّا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعضٍ بالسّيوف، حتّى نتفانى! أيّها الرّجل، إن كان إنّما بك الحاجة جمعنا لك حتّى تكون أغنى قريشٍ رجلًا وإن كان إنّما بك الباءة فاختر أيّ نساء قريشٍ [شئت] فلنزوّجك عشرًا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فرغت؟ " قال: نعم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيلٌ من الرّحمن الرّحيم} حتّى بلغ: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود} فقال عتبة: حسبك! حسبك! ما عندك غير هذا؟ قال: "لا" فرجع إلى قريشٍ فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئًا أرى أنّكم تكلّمونه به إلّا كلّمته. قالوا: فهل أجابك؟ [قال: نعم، قالوا: فما قال؟] قال: لا والّذي نصبها بنيّةً ما فهمت شيئًا ممّا قال، غير أنّه أنذركم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود. قالوا: ويلك! يكلّمك الرّجل بالعربيّة ما تدري ما قال؟! قال: لا واللّه ما فهمت شيئًا ممّا قال غير ذكر الصّاعقة.
وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصليّ في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده، مثله سواءً.
وقد ساقه البغويّ في تفسيره بسنده عن محمّد بن فضيل، عن الأجلح -وهو ابن عبد اللّه الكنديّ [الكوفيّ] -وقد ضعّف بعض الشّيء عن الذّيّال بن حرملة، عن جابرٍ، فذكر الحديث إلى قوله: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود} فأمسك عتبة على فيه، وناشده بالرّحم، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريشٍ واحتبس عنهم. فقال أبو جهلٍ: يا معشر قريشٍ، واللّه ما نرى عتبة إلّا قد صبا إلى محمّدٍ، وأعجبه طعامه، وما ذاك إلّا من حاجةٍ [قد] أصابته، فانطلقوا بنا إليه. فانطلقوا إليه فقال أبو جهلٍ: يا عتبة، ما حبسك عنّا إلّا أنّك صبوت إلى محمّدٍ وأعجبك طعامه، فإن كانت لك حاجةٌ جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمّدٍ. فغضب عتبة، وأقسم ألّا يكلّم محمّدًا أبدًا، وقال: واللّه، لقد علمتم أنّي من أكثر قريشٍ مالًا ولكنّي أتيته وقصصت عليه [القصّة] فأجابني بشيءٍ واللّه ما هو بشعرٍ ولا كهانةٍ ولا سحرٍ، وقرأ السّورة إلى قوله: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود} فأمسكت بفيه، وناشدته بالرّحم أن يكفّ، وقد علمتم أنّ محمّدًا إذا قال شيئًا لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب.
وهذا السّياق أشبه من سياق البزّار وأبي يعلى، واللّه أعلم.
وقد أورد هذه القصّة الإمام محمّد بن إسحاق بن يسارٍ في كتاب السّيرة على خلاف هذا النمط، فقال:
حدّثني يزيد بن زيادٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظي قال: حدّثت أن عتبة بن ربيعة -وكان سيّدًا-قال يومًا وهو جالسٌ في نادي قريشٍ، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ في المسجد وحده: يا معشر قريشٍ ألا أقوم إلى محمّدٍ فأكلّمه وأعرض عليه أمورًا لعلّه يقبل بعضها، فنعطيه أيّها شاء ويكفّ عنّا؟ وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد، فقم إليه فكلّمه.فقام إليه عتبة حتّى جلس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا ابن أخي، إنّك منّا حيث قد علمت من السّطة في العشيرة، والمكان في النّسب، وإنّك قد أتيت قومك بأمرٍ عظيمٍ، فرّقت به جماعتهم، وسفّهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع منّي أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلّك تقبل منّا بعضها. قال: فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "قل يا أبا الوليد، أسمع". قال: يا ابن أخي، إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتّى تكون من أكثرنا أموالًا. وإن كنت تريد به شرفًا سوّدناك علينا، حتّى لا نقطع أمرًا دونك. وإن كنت تريد به ملكًا ملّكناك علينا. وإن كان هذا الّذي يأتيك رئيّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك، طلبنا لك الطّبّ، وبذلنا فيه أموالنا حتّى نبرّئك منه، فإنّه ربّما غلب التّابع على الرّجل حتّى يداوى منه -أو كما قال له-حتّى إذا فرغ عتبة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يستمع منه قال: "أفرغت يا أبا الوليد؟ " قال: نعم. قال: "فاستمع منّي" قال: أفعل. قال: {بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيلٌ من الرّحمن الرّحيم. كتابٌ فصّلت آياته قرآنًا عربيًّا لقومٍ يعلمون. بشيرًا ونذيرًا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} ثمّ مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيها يقرؤها عليه. فلمّا سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه، ثمّ انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السّجدة منها، فسجد ثمّ قال: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعضٍ: أقسم -يحلف باللّه-لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الّذي ذهب به. فلمّا جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أنّي قد سمعت قولًا واللّه ما سمعت مثله قطّ، واللّه ما هو بالسّحر ولا بالشّعر ولا بالكهانة. يا معشر قريشٍ، أطيعوني واجعلوها لي، خلّوا بين الرّجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فواللّه ليكوننّ لقوله الّذي سمعت نبأٌ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزّه عزّكم، وكنتم أسعد النّاس به. قالوا: سحرك واللّه يا أبا الوليد بلسانه! قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
وهذا السّياق أشبه من الّذي قبله، والله أعلم).[تفسير ابن كثير: 7/ 161-163]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ فاستقيموا إليه واستغفروه وويلٌ للمشركين (6) الّذين لا يؤتون الزّكاة وهم بالآخرة هم كافرون (7) إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم أجرٌ غير ممنونٍ (8) }
يقول تعالى: {قل} يا محمّد لهؤلاء المكذّبين المشركين: {إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ} لا كما تعبدونه من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرّقين، إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ، {فاستقيموا إليه} أي: أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرّسل، {واستغفروه} أي: لسالف الذّنوب، {وويلٌ للمشركين} أي: دمارٌ لهم وهلاكٌ عليهم). [تفسير ابن كثير: 7/ 164]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({الّذين لا يؤتون الزّكاة} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: يعني: الّذين لا يشهدون أن لا إله إلّا اللّه. وكذا قال عكرمة.
وهذا كقوله تعالى: {قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها} [الشّمس: 9، 10]، وكقوله: {قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى} [الأعلى: 14، 15]، وقوله {فقل هل لك إلى أن تزكّى} [النّازعات: 18] والمراد بالزّكاة هاهنا: طهارة النّفس من الأخلاق الرّذيلة، ومن أهمّ ذلك طهارة النّفس من الشّرك. وزكاة المال إنّما سمّيت زكاةً لأنّها تطهّره من الحرام، وتكون سببًا لزيادته وبركته وكثرة نفعه، وتوفيقًا إلى استعماله في الطّاعات.
وقال السّدّيّ: {وويلٌ للمشركين الّذين لا يؤتون الزّكاة} أي: لا يدينون بالزّكاة.
وقال معاوية بن قرّة: ليس هم من أهل الزّكاة.
وقال قتادة: يمنعون زكاة أموالهم.
وهذا هو الظّاهر عند كثيرٍ من المفسّرين، واختاره ابن جريرٍ. وفيه نظرٌ؛ لأنّ إيجاب الزّكاة إنّما كان في السّنة الثّانية من الهجرة إلى المدينة، على ما ذكره غير واحدٍ وهذه الآية مكّيّةٌ، اللّهمّ إلّا أن يقال: لا يبعد أن يكون أصل الزّكاة الصّدقة كان مأمورًا به في ابتداء البعثة، كقوله تعالى: {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141]، فأمّا الزّكاة ذات النّصب والمقادير فإنّما بيّن أمرها بالمدينة، ويكون هذا جمعًا بين القولين، كما أنّ أصل الصّلاة كان واجبًا قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة، فلمّا كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنةٍ ونصفٍ، فرض اللّه على رسوله [صلّى اللّه عليه وسلّم] الصّلوات الخمس، وفصّل شروطها وأركانها وما يتعلّق بها بعد ذلك، شيئًا فشيئًا، واللّه أعلم).[تفسير ابن كثير: 7/ 164]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال بعد ذلك: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم أجرٌ غير ممنونٍ} قال مجاهدٌ وغيره: لا مقطوعٌ ولا مجبوبٌ، كقوله: {ماكثين فيه أبدًا} [الكهف: 3]، وكقوله تعالى {عطاءً غير مجذوذٍ} [هودٍ: 108].
وقال السّدّيّ: غير ممنونٍ عليهم. وقد ردّ عليه بعض الأئمّة هذا التّفسير، فإنّ المنّة للّه على أهل الجنّة؛ قال اللّه تعالى: {بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان} [الحجرات: 17]، وقال أهل الجنّة: {فمنّ اللّه علينا ووقانا عذاب السّموم} [الطّور: 27]، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إلّا أن يتغمّدني اللّه برحمةٍ منه وفضلٍ").[تفسير ابن كثير: 7/ 164]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:13 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة