باب ما أوله الغين
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (باب ما أوله الغين ومنه «غير»: ومعناها الوصف بالمغايرة وخلاف المماثلة، كقولك: مررت برجلٍ غير زيد، ولا تستعمل إلا ملازمة للإضافة، وقول العامة: لا غير، لحن نعم قد تقطع عن الكلام بعد ليس عند فهم المعنى كقولك: قبضت من الدراهم عشرة ليس غير، وتستعمل على ستة أوجه:
الأول: تكون استثناء وتقوم مقامها إلا، تقول: قام القوم غير زيد كما تقول: قام القوم إلا زيدًا، وما قام غير زيد، كما تقول: ما قام إلا زيد، وإعرابها كإعراب الاسم الذي بعد إلا قال الفراء: وبعض بني أسد وقضاعة ينصبون غيرًا إذا كانت في معنى إلا، تم به الكلام قبلها أو لم يتم، يقولون: ما جاءني إلى غيرك، وما جاء أحد غيرك.
الثاني: تكون صفة للنكرة أو ما قرب من النكرة، وهو الأصل، وأما الاستثناء فعارض نحو قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم}.
الثالث: تكون بمعنى «لا» وتنصبها على الحال ومعناها الصفة أيضًا تقول: فعلت ذاك غير خائف منك، أي: لا خائفًا منك، ومنه قوله تعالى: {فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ}، كأنه قال تعالى: فمن اضطر جائعًا لا باغيًا، وكقوله تعالى: {غير ناظرين إنه}، وقوله تعالى: {غير محلي الصيد وأنتم حرم}.
الرابع: تكون نافية كـ «ليس» كقوله: أنت غير ضاربٍ زيدًا، تقديره: أنت لست ضاربًا زيدًا، قال لبيد:
وإذا جوزيت قرضًا فاجزه = إنما يجزي الفتى غير الجمل
يريد: ليس الجمل؛ لأن الجمل لا يجوز أن يكون صفة للفتى؛ لأنه نقيضه، فلا تقل: عندي درهم غيرُ دانق على الصفة وترفع غير، ويجوز على الاستثناء وتنصب غير، لإمكان استثناء الدانق من الدرهم، والجملُ لا يكون استثناؤه من الفتى ويدل عليه ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم لزيد الخيل حين وفد عليه: «ما وصف لي أحد من الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون الصفة ليسك»، يريد: غيرك.
الخامس: تكون لمجرد المخالفة كقولك: الصالح غير الفاسد، والجواد غير البخيل، والفرق بين هذه وبين التي للصفة أن التي للصفة تكون مضافة إلى غير النقيض لا إلى النقيض، فيجوز: له عندي درهمٌ غير جيد، بالرفع على الصفة، ولا يجوز: له عندي درهم غير دانق، بالرفع على الصفة؛ لأن الدانق نقيض الدرهم، ويجوز نصب «غير» على الاستثناء لإمكان استثناء الدانق من الدرهم، وإنما إضافتها في الفتحة إلى: {المغضوب عليهم} فإنه ليس بضد لموصوفها الذي هو اسم جنس قريب من النكرة وهو: الذين، لكنها وقعت صفة بعد صفة نقيضة لمضافها، وذلك لا يمنع الصفة بها.
السادس: تكون بمعنى لكن، قال النابغة الذبياني:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم = بهن فلولٌ من قراع الكتائب
معناه: لكن سيوفهم، وقال النابغة الجعدي:
فتى كملت أعراقه غير أنه = جوادٌ فلا يبقى من المال باقيا
وقال الفرزدق:
وما سجنوني غير أني ابن غالبٍ = وأني من الأثرين غير الزعانف). [مصابيح المغاني: 299 - 302]