العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:16 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ من الآية (84) إلى الآية (87) ]

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (84) إلى الآية (87) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:22 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا قال أرسل عبد الله بن أبي بن سلول وهو مريض إلى النبي فلما دخل عليه النبي قال له أهلكك حب يهود قال له يا رسول الله إنما أرسلت إليك تستغفر لي ولم أرسل إليك لتؤنبني ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأعطاه إياه وصلى عليه النبي وقام على قبره فأنزل الله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره). [تفسير عبد الرزاق: 1/284-285]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا، ولا تقم على قبره} [التوبة: 84]
- حدّثني إبراهيم بن المنذر، حدّثنا أنس بن عياضٍ، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، أنّه قال: لمّا توفّي عبد اللّه بن أبيٍّ، جاء ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فأعطاه قميصه، وأمره أن يكفّنه فيه، ثمّ قام يصلّي عليه فأخذ عمر بن الخطّاب بثوبه، فقال: تصلّي عليه وهو منافقٌ، وقد نهاك اللّه أن تستغفر لهم؟ قال: " إنّما خيّرني اللّه - أو أخبرني اللّه - فقال: {استغفر لهم، أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم} [التوبة: 80] فقال سأزيده على سبعين " قال: فصلّى عليه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وصلّينا معه، ثمّ أنزل اللّه عليه: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا، ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله، وماتوا وهم فاسقون} [التوبة: 84] ). [صحيح البخاري: 6/68]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره)
ظاهر الآية أنّها نزلت في جميع المنافقين لكن ورد ما يدلّ على أنّها نزلت في عددٍ معيّنٍ منهم قال الواقديّ أنبأنا معمرٌ عن الزّهريّ قال قال حذيفة قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّي مسرٌّ إليك سرًّا فلا تذكره لأحدٍ إنّي نهيت أن أصلّي على فلانٍ وفلانٍ رهطٌ ذوي عددٍ من المنافقين قال فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلّي على أحدٍ استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلّا لم يصلّ عليه ومن طريق أخرى عن جبير بن مطعمٍ أنّهم أثنا عشر رجلًا وقد تقدّم حديث حذيفة قريبًا أنّه لم يبق منهم غير رجلٍ واحدٍ ولعلّ الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك أنّ اللّه علم أنّهم يموتون على الكفر بخلاف من سواهم فإنّهم تابوا ثمّ أورد المصنّف حديث بن عمر المذكور في الباب قبله من وجهٍ آخر وقوله

[4672] فيه إنّما خيّرني اللّه أو أخبرني اللّه كذا وقع بالشّكّ والأوّل بمعجمةٍ مفتوحةٍ وتحتانيّةٍ ثقيلةٍ من التّخيير والثّاني بموحّدةٍ من الإخبار وقد أخرجه الإسماعيليّ من طريق إسماعيل بن أبي أويسٍ عن أبي ضمرة الّذي أخرجه البخاريّ من طريقه بلفظ إنّما خيّرني اللّه بغير شكٍّ وكذا في أكثر الرّوايات بلفظ التّخيير أي بين الاستغفار وعدمه كما تقدّم واستشكل فهم التّخيير من الآية حتّى أقدم جماعةٌ من الأكابر على الطّعن في صحّة هذا الحديث مع كثرة طرقه واتّفاق الشّيخين وسائر الّذين خرّجوا الصّحيح على تصحيحه وذلك ينادي على منكري صحّته بعدم معرفة الحديث وقلّة الاطّلاع على طرقه قال بن المنير مفهوم الآية زلّت فيه الأقدام حتّى أنكر القاضي أبو بكرٍ صحّة الحديث وقال لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصحّ أنّ الرّسول قاله انتهى ولفظ القاضي أبي بكرٍ الباقلّانيّ في التّقريب هذا الحديث من أخبار الآحاد الّتي لا يعلم ثبوتها وقال إمام الحرمين في مختصره هذا الحديث غير مخرّجٍ في الصّحيح وقال في البرهان لا يصحّحه أهل الحديث وقال الغزاليّ في المستصفى الأظهر أنّ هذا الخبر غير صحيحٍ وقال الدّاوديّ الشّارح هذا الحديث غير محفوظٍ والسّبب في إنكارهم صحّته ما تقرّر عندهم ممّا قدّمناه وهو الّذي فهمه عمر رضي اللّه عنه من حمل أو على التّسوية لما يقتضيه سياق القصّة وحمل السّبعين على المبالغة قال بن المنير ليس عند أهل البيان تردّدٌ أنّ التّخصيص بالعدد في هذا السّياق غير مرادٍ انتهى وأيضًا فشرط القول بمفهوم الصّفة وكذا العدد عندهم مماثلة المنطوق للمسكوت وعدم فائدةٍ أخرى وهنا للمبالغة فائدةٌ واضحةٌ فأشكل قوله سأزيد على السّبعين مع أنّ حكم ما زاد عليها حكمها وقد أجاب بعض المتأخّرين عن ذلك بأنّه إنّما قال سأزيد على السّبعين استمالةٌ لقلوب عشيرته لا أنّه أراد إن زاد على السّبعين يغفر له ويؤيّده تردّده في ثاني حديثي الباب حيث قال لو أعلم أنّي إن زدت على السّبعين يغفر له لزدت لكن قدّمنا أنّ الرّواية ثبتت بقوله سأزيد ووعده صادقٌ ولا سيّما وقد ثبت قوله لأزيدنّ بصيغة المبالغة في التّأكيد وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون فعل ذلك استصحابًا للحال لأنّ جواز المغفرة بالزّيادة كان ثابتًا قبل مجيء الآية فجاز أن يكون باقيًا على أصله في الجواز وهذا جوابٌ حسنٌ وحاصله أنّ العمل بالبقاء على حكم الأصل مع فهم المبالغة لا يتنافيان فكأنّه جوّز أنّ المغفرة تحصل بالزّيادة على السّبعين لا أنّه جازمٌ بذلك ولا يخفى ما فيه وقيل إنّ الاستغفار يتنزّل منزلة الدّعاء والعبد إذا سأل ربّه حاجةً فسؤاله إيّاه يتنزّل منزلة الذّكر لكنّه من حيث طلب تعجيل حصول المطلوب ليس عبادةً فإذا كان كذلك والمغفرة في نفسها ممكنةٌ وتعلّق العلم بعدم نفعها لا بغير ذلك فيكون طلبها لا لغرض حصولها بل لتعظيم المدعوّ فإذا تعذّرت المغفرة عوّض الدّاعي عنها ما يليق به من الثّواب أو دفع السّوء كما ثبت في الخبر وقد يحصل بذلك عن المدعوّ لهم تخفيفٌ كما في قصّة أبي طالب هذا معنى ما قاله بن المنير وفيه نظرٌ لأنّه يستلزم مشروعيّة طلب المغفرة لمن تستحيل المغفرة له شرعًا وقد ورد إنكار ذلك في قوله تعالى ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ووقع في أصل هذه القصّة إشكالٌ آخر وذلك أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم أطلق أنّه خيّر بين الاستغفار لهم وعدمه بقوله تعالى استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وأخذ بمفهوم العدد من السّبعين فقال سأزيد عليها مع أنّه قد سبق قبل ذلك بمدّةٍ طويلةٍ نزول قوله تعالى ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى فإنّ هذه الآية كما سيأتي في تفسير هذه السّورة قريبًا نزلت في قصّة أبي طالبٍ حين قال صلّى اللّه عليه وسلّم لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك فنزلت وكانت وفاة أبي طالبٍ بمكّة قبل الهجرة اتّفاقًا وقصّة عبد اللّه بن أبيٍّ هذه في السّنة التّاسعة من الهجرة كما تقدّم فكيف يجوز مع ذلك الاستغفار للمنافقين مع الجزم بكفرهم في نفس الآية وقد وقفت على جوابٍ لبعضهم عن هذا حاصله أنّ المنهيّ عنه استغفارٌ ترجى إجابته حتّى يكون مقصوده تحصيل المغفرة لهم كما في قصّة أبي طالبٍ بخلاف الاستغفار لمثل عبد اللّه بن أبيٍّ فإنّه استغفارٌ لقصد تطييب قلوب من بقي منهم وهذا الجواب ليس بمرضيٍّ عندي ونحوه قول الزّمخشريّ فإنّه قال فإن قلت كيف خفي على أفصح الخلق وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته أنّ المراد بهذا العدد أنّ الاستغفار ولو كثر لا يجدي ولا سيّما وقد تلاه قوله ذلك بأنّهم كفروا باللّه ورسوله الآية فبيّن الصّارف عن المغفرة لهم قلت لم يخف عليه ذلك ولكنّه فعل ما فعل وقال ما قال إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه وهو كقول إبراهيم عليه السّلام ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيم وفي إظهار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الرّأفة المذكورة لطفٌ بأمّته وباعثٌ على رحمة بعضهم بعضًا انتهى وقد تعقبه بن المنير وغيره وقالوا لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرّسول لأنّ اللّه أخبر أنّه لا يغفر للكفّار وإذا كان لا يغفر لهم فطلب المغفرة لهم مستحيلٌ وطلب المستحيل لا يقع من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومنهم من قال إنّ النّهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا لا يستلزم النّهي عن الاستغفار لمن مات مظهرًا للإسلام لاحتمال أن يكون معتقده صحيحًا وهذا جوابٌ جيّدٌ وقد قدّمت البحث في هذه الآية في كتاب الجنائز والتّرجيح أنّ نزولها كان متراخيًا عن قصّة أبي طالبٍ جدًّا وأنّ الّذي نزل في قصّته إنّك لا تهدي من أحببت وحرّرت دليل ذلك هناك إلّا أنّ في بقيّة هذه الآية من التّصريح بأنّهم كفروا باللّه ورسوله ما يدلّ على أنّ نزول ذلك وقع متراخيًا عن القصّة ولعلّ الّذي نزل أوّلًا وتمسّك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم به قوله تعالى استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم إلى هنا خاصّةً ولذلك اقتصر في جواب عمر على التّخيير وعلى ذكر السّبعين فلمّا وقعت القصّة المذكورة كشف اللّه عنهم الغطاء وفضحهم على رؤوس الملأ ونادى عليهم بأنّهم كفروا باللّه ورسوله ولعلّ هذا هو السّرّ في اقتصار البخاريّ في التّرجمة من هذه الآية على هذا القدر إلى قوله فلن يغفر اللّه لهم ولم يقع في شيءٍ من نسخ كتابه تكميل الآية كما جرت به العادة من اختلاف الرّواة عنه في ذلك وإذا تأمّل المتأمّل المنصف وجد الحامل على من ردّ الحديث أو تعسّف في التّأويل ظنّه بأنّ قوله ذلك بأنّهم كفروا باللّه ورسوله نزل مع قوله استغفر لهم أي نزلت الآية كاملةً لأنّه لو فرض نزولها كاملةً لاقترن بالنّهي العلّة وهي صريحةٌ في أنّ قليل الاستغفار وكثيره لا يجدي وإلّا فإذا فرض ما حرّرته أنّ هذا القدر نزل متراخيًا عن صدر الآية ارتفع الإشكال وإذا كان الأمر كذلك فحجّة المتمسّك من القصّة بمفهوم العدد صحيحٌ وكون ذلك وقع من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم متمسّكًا بالظّاهر على ما هو المشروع في الأحكام إلى أن يقوم الدّليل الصّارف عن ذلك لا إشكال فيه فللّه الحمد على ما ألهم وعلّم وقد وقفت لأبي نعيمٍ الحافظ صاحب حلية الأولياء على جزءٍ جمع فيه طرق هذا الحديث وتكلّم على معانيه فلخّصته فمن ذلك أنّه قال وقع في رواية أبي أسامة وغيره عن عبيد اللّه العمريّ في قول عمر أتصلّي عليه وقد نهاك اللّه عن الصّلاة على المنافقين ولم يبيّن محلّ النّهي فوقع بيانه في رواية أبي ضمرة عن العمريّ وهو أنّ مراده بالصّلاة عليهم الاستغفار لهم ولفظه وقد نهاك اللّه أن تستغفر لهم قال وفي قول بن عمر فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصلّينا معه أنّ عمر ترك رأي نفسه وتابع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ونبه على أن بن عمر حمل هذه القصّة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بغير واسطة بخلاف بن عبّاسٍ فإنّه إنّما حملها عن عمر إذ لم يشهدها قال وفيه جواز الشّهادة على المرء بما كان عليه حيًّا وميّتًا لقول عمر إنّ عبد اللّه منافقٌ ولم ينكر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قوله ويؤخذ أنّ المنهيّ عنه من سبّ الأموات ما قصد به الشّتم لا التّعريف وأنّ المنافق تجرى عليه أحكام الإسلام الظّاهرة وأنّ الإعلام بوفاة الميّت مجرّدًا لا يدخل في النّعي المنهيّ عنه وفيه جواز سؤال الموسر من المال من ترجى بركته شيئًا من ماله لضرورةٍ دينيّةٍ وفيه رعاية الحيّ المطيع بالإحسان إلى الميّت العاصي وفيه التّكفين بالمخيط وجواز تأخير البيان عن وقت النّزول إلى وقت الحاجة والعمل بالظّاهر إذا كان النّصّ محتملًا وفيه جواز تنبيه المفضول للفاضل على ما يظنّ أنّه سها عنه وتنبيه الفاضل المفضول على ما يشكل عليه وجواز استفسار السّائل المسئول وعكسه عمّا يحتمل ما دار بينهما وفيه جواز التّبسّم في حضور الجنازة عند وجود ما يقتضيه وقد استحبّ أهل العلم عدم التّبسّم من أجل تمام الخشوع فيستثنى منه ما تدعو إليه الحاجة وباللّه التّوفيق). [فتح الباري: 8/337-340]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} (التّوبة: 84)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {ولا تصل} إلى آخره، وظاهر الآية أنّها نزلت في جميع المنافقين لكن ورد ما يدل على أنّها نزلت في عدد معين منهم. قال الواقديّ: أخبرنا معمر عن الزّهريّ: قال: قال حذيفة، رضي الله تعالى عنه، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّي مسر إليك سرا فلا تذكره لأحد، إنّي نهيت أن أصلّي على فلان وفلان، رهط ذوي عدد من المنافقين، قال: فلذلك كان عمر، رضي الله تعالى عنه، إذا أراد أن يصلّي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى مشى معه، وإلّا لم يصل عليه، ومن طريق آخر عن جبير ابن مطعم، إنّهم اثنا عشر رجلا.
- حدّثني إبراهيم بن المنذر حدّثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافعٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال لما توفّي عبد الله بن أبيٍّ جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه قميصه وأمره أن يكفّنه فيه ثمّ قام يصلّي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال تصلّي عليه وهو منافقٌ وقد نهاك الله أن تستغفر لهم قال إنّما خيّرني الله أو أخبرني الله فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم} (التّوبة: 80) فقال سأزيد على سبعين قال فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه ثمّ أنزل الله عليه: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} .
هذا وجه آخر في الحديث المذكور عن ابن عمر في الباب الّذي قبله. قوله: (إنّما خيرني الله أخبرني) ، كذا وقع بالشّكّ والأول من التّخيير. والثّاني من الإخبار، ووقع في أكثر الرّوايات: خيرني: يعني بين الاستغفار وتركه، وكذا وقع بغير شكّ عند الإسماعيليّ أخرجه من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبي ضمرة وهو أنس بن عياض بلفظ إنّما خيرني الله من التّخيير فحسب، وقد استشكل فهم التّخيير من الآية حتّى إن جماعة من الأكابر طعنوا في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه، منهم: القاضي أبو بكر فإنّه قال لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله: ومنهم: أبو بكر الباقلاني فإنّه قال في (التّقريب) هذا الحديث من أخبار الآحاد الّتي لا يعلم ثبوتها ومنهم: إمام الحرمين. قال في (مختصره) هذا الحديث غير مخرج في الصّحيح، وقال في (البرهان) لا يصحّحه أهل الحديث. ومنهم: الغزاليّ، قال في (المستصفى) الأظهر أن هذا الحديث غير صحيح ومنهم: الدّاوديّ، قال: هذا الحديث غير محفوظ، وأجيب بأنّهم ظنّوا أن قوله: (ذلك بأنّهم كفروا) ، الآية نزل مع قوله: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} ولم يكن نزوله إلاّ متراخيا عن صدر الآية فحينئذٍ يرتفع الإشكال وقد قال الزّمخشريّ، ما فيه رفع للإشكال المذكور، وملخّص سؤاله أنه قد تلا قوله: (ذلك بأنّهم كفروا) قوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) فبين الصّارف عن المغفرة لهم، وملخّص جوابه أنه مثل قول إبراهيم عليه السّلام: {ومن عصاني فإنّك غفور رحيم} (إبراهيم: 36) وذلك أنه تخيل بما قال إظهار الغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه، وقد رد كلام الزّمخشريّ هذا من لا يدانيه ولا يجاريه في مثل هذا الباب، فإنّه قال: لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرّسول لأن الله أخبر أنه لا يغفر للكفّار وإذا كان لا يغفر لهم فطلب المغفرة لهم مستحيل. وهذا لا يقع من النّبي صلى الله عليه وسلم، ورد عليه بأن النّهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا لا يستلزم النّهي عن الاستغفار لمن مات مظهرا للإسلام. قوله: (سأزيد على السّبعين) ، لاستمالة قلوب عشيرته لا أنه أراد أنه إذا زاد على السّبعين يغفر له، ويؤيّد هذا تردده في الحديث الآخر حيث قال: لو أعلم أنّي إن زدت على السّبعين يغفر له لزدت، وقيل: لما قال سأزيد نزلت {سواء عليهم استغفرت لهم} (المنافقون: 6) الآية فتركه). [عمدة القاري: 18/274-275]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} [التوبة: 84]
(باب قوله) عز وجل وسقط لغير أبي ذر ({ولا تصل على أحد منهم}) أي من المنافقين صلاة الجنازة ({مات أبدًا}) ظرف منصوب بالنهي، ومنهم صفة لأحد أو حال من الضمير في مات أي مات حال كونه منهم أي متصفًا بصفة النفاق كقولهم: أنت مني أي على طريقتي، وهذا النهي عام في كل من عرف نفاقه وإن كان سبب النزول خاصًا بابن أبيّ رأس المنافقين وقد ورد ما يدل لنزولها في عدد معين منهم: ابن أبي وغيره لعلمه تعالى بموتهم على الكفر بخلاف غيرهم
فإنهم تابوا، فعند الواقدي عن معمر عن الزهري عن حذيفة قال لي رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إني مسرّ إليك سرًا فلا تذكره لأحد إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان رهط ذوي عدد من المنافقين قال: فلذلك كان عمرًا إذا أراد أن يصلّي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه، ومن طريق أخرى عن جبير بن مطعم أنهم اثنا عشر رجلاً ({ولا تقم على قبره}) [التوبة: 84].
- حدّثني إبراهيم بن المنذر، حدّثنا أنس بن عياضٍ، عن عبيد اللّه عن نافعٍ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: لمّا توفّي عبد اللّه بن أبيٍّ جاء ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه إلى رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فأعطاه قميصه وأمره أن يكفّنه فيه ثمّ قام يصلّي عليه فأخذ عمر بن الخطّاب بثوبه فقال: تصلّى عليه وهو منافقٌ وقد نهاك اللّه أن تستغفر لهم؟ قال: «إنّما خيّرني اللّه -أو أخبرني الله- فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم} فقال: سأزيده على سبعين» قال: فصلّى عليه رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وصلّينا معه ثمّ أنزل اللّه عليه {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون}. [التوبة: 84]
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) القرشي الحزامي المدني قال: (حدّثنا أنس بن عياض) الليثي أبو ضمرة المدني (عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب شقيق سالم (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال): وسقط لأبي ذر لفظ أنه (لما توفي عبد الله بن أبيّ) المنافق (جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) زاد في الرواية السابقة من طريق أبي أسامة عن عبيد الله فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه (فأعطاه قميصه وأمره) ولأبي ذر فأمره بالفاء بدل الواو (أن يكفنه فيه ثم قام) عليه الصلاة والسلام (يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال: تصلي عليه؟) استفهام حذفت منه الأداة (وهو) أي والحال أنه (منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم) أي للمنافقين ومن لازم النهي عن الاستغفار عدم الصلاة وظهر بهذه الرواية أن في قوله في طريق أبي أسامة عن عبيد الله وقد نهاك ربك أن تصلي عليه تجوّز أو حينئذ فلا منافاة بين قوله وقد نهاك ربك أن تصلي عليه وبين إخباره بأن آية النهي عن الصلاة على كل مشرك والقيام على قبره نزلت بعد ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام:
(إنما خيرني الله) بين الاستغفار وعدمه (أو أخبرني الله) بالموحدة بدل التحتية وزيادة همزة أوله من الإخبار على الشك وفي أكثر الروايات بلفظ التخيير بين الاستغفار وعدمه من غير شك وسقط لفظ الجلالة في قوله: أو أخبرني الله لأبي ذر (فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) سقط لأبي ذر قوله: {فلن} الخ.
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (سأزيده) بضمير المفعول (على سبعين).
استشكل أخذه بمفهوم العدد حتى قال: سأزيد على السبعين مع أنه قد سبق قبل ذلك بمدة طويلة قوله تعالى في حق أبي طالب: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: 113] وأجيب: بأن الاستغفار لابن أبيّ إنما هو لقصد تطييب من بقي منهم وفي ذلك نظر فليتأمل.
(قال: فصلّى عليه رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وصلينا معه) فيه أن عمر ترك رأي نفسه وتابع النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- (ثم أنزل الله عليه) ولأبي ذر: أنزل عليه بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ({ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}) للدفن أو الزيارة ({إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}) [التوبة: 84] تعليل للنهي والتعليل بالفسق مع أن الكفر أعظم قيل للإشعار بأنه كان عندهم موصوفًا بالفسق أيضًا فإن الكافر قد يكون عدلاً عند أهله، وإنما نهي عن الصلاة دون التكفين لأن البخل به مخلّ بكرمه عليه الصلاة والسلام أو لإلباسه العباس قميصه حين أسر ببدر كما مرّ أو لأنه ما كان يردّ سائلاً وتكفينه فيه وإن علم عليه الصلاة والسلام أنه لا يردّ عنه العذاب فلأن ابنه قال: لا تشمت به الأعداء، ولأحمد من حديث قتادة قال ابنه: يا رسول الله إن لم تأته لم يزل يعير بهذا أو رجا إسلام غيره كما مرّ، وسقط لأبي ذر قوله: {ولا تقم على قبره} الخ). [إرشاد الساري: 7/155-156]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ، عن أبيه، عن محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، قال: سمعت عمر بن الخطّاب، يقول: لمّا توفّي عبد الله بن أبيٍّ دعي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم للصّلاة عليه، فقام إليه، فلمّا وقف عليه يريد الصّلاة تحوّلت حتّى قمت في صدره. فقلت: يا رسول الله، أعلى عدوّ الله عبد الله بن أبيٍّ القائل يوم كذا وكذا كذا وكذا؟، يعدّ أيّامه، قال: ورسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يتبسّم، حتّى إذا أكثرت عليه قال: أخّر عنّي يا عمر إنّي قد خيّرت فاخترت، قد قيل لي: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم} لو أعلم أنّي لو زدت على السّبعين غفر له لزدت، قال: ثمّ صلّى عليه ومشى معه، فقام على قبره حتّى فرغ منه، قال: فعجب لي وجرأتي على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، واللّه ورسوله أعلم، فواللّه ما كان إلاّ يسيرًا حتّى نزلت هاتان الآيتان: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} إلى آخر الآية، قال: فما صلّى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بعده على منافقٍ ولا قام على قبره حتّى قبضه اللّه.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/130]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا عبيد الله، قال: أخبرنا نافعٌ، عن ابن عمر، قال: جاء عبد الله بن عبد الله بن أبيٍّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين مات أبوه فقال: أعطني قميصك أكفّنه فيه، وصلّ عليه، واستغفر له، فأعطاه قميصه وقال: إذا فرغتم فآذنوني، فلمّا أراد أن يصلّي جذبه عمر وقال: أليس قد نهى اللّه أن تصلّي على المنافقين؟ فقال: أنا بين خيرتين {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} فصلّى عليه، فأنزل اللّه: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} فترك الصّلاة عليهم.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/131] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا}
- أخبرنا محمّد بن رافعٍ، ومحمّد بن عبد الله بن المبارك، قالا: حدّثنا حجين بن المثنّى، حدّثنا ليثٌ، عن عقيلٍ، عن ابن شهابٍ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عبّاسٍ، عن عمر بن الخطّاب، رحمه الله قال: لمّا مات عبد الله بن أبيّ ابن سلولٍ دعي له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصلّي عليه، فلمّا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وثبت إليه ثمّ قلت: يا رسول الله، أتصلّي على ابن أبيٍّ وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا - أعدّد عليه قوله -؟ فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو قال: «أخّر عنّي يا عمر» فلمّا أكثرت عليه قال: «إنّي خيّرت فاخترت، لو أعلم أنّي إن زدت على السّبعين غفر له لزدت عليها» فصلّى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يمكث إلّا يسيرًا حتّى نزلت الآيتان من براءة {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا} [التوبة: 84] فعجبت من جرأتي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والله ورسوله أعلم). [السنن الكبرى للنسائي: 10/118]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ولا تصلّ يا محمّد على أحدٍ مات من هؤلاء المنافقين الّذين تخلّفوا عن الخروج معك أبدًا. {ولا تقم على قبره} يقول: ولا تتولّ دفنه وتقبره، من قول القائل: قام فلانٌ بأمر فلانٍ: إذا كفاه أمره. {إنّهم كفروا باللّه} يقول إنّهم جحدوا توحيد اللّه ورسالة رسوله، وماتوا وهم خارجون من الإسلام مفارقون أمر اللّه ونهيه.
وقد ذكر أنّ هذه الآية نزلت حين صلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على عبد اللّه بن أبيٍّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، وسفيان بن وكيعٍ، وسوّار بن عبد اللّه، قالوا: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبيد اللّه، قال: أخبرني نافعٌ، عن ابن عمر، قال: جاء ابن عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين مات أبوه، فقال: أعطني قميصك حتّى أكفّنه فيه، وصلّ عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه، وقال: إذا فرغتم فآذنوني فلمّا أراد أن يصلّي عليه، جذبه عمر وقال: أليس قد نهاك اللّه أن تصلّي على المنافقين؟ فقال: بل خيّرني وقال {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} قال: فصلّى عليه. قال: فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} قال: فترك الصّلاة عليهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن عبيد اللّه، عن ابن عمر، قال: لمّا توفّي عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول، جاء ابنه عبد اللّه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه. ثمّ سأله أن يصلّي عليه. فقام عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، فأخذ بثوب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ابن سلول أتصلّي عليه وقد نهاك اللّه أن تصلّي عليه؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما خيّرني ربّي، فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم} وسأزيد على سبعين. فقال: إنّه منافقٌ. فصلّى عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}.
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه العنبريّ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن مجالدٍ، قال: حدّثني عامر، عن جابر بن عبد اللّه أنّ رأس المنافقين، مات بالمدينة، فأوصى أن يصلّي عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأن يكفّن في قميصه. فكفّنه في قميصه، وصلّى عليه وقام على قبره، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}.
- حدّثني أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سلمة، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أراد أن يصلّي على عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول، فأخذ جبريل عليه السّلام بثوبه فقال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن جابرٍ، قال: جاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن أبيٍّ وقد أدخل حفرته، فأخرجه، فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه وتفل عليه من ريقه، واللّه أعلم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: سمعت عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه يقول: لمّا توفّي عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول، دعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للصّلاة عليه، فقام إليه، فلمّا وقف عليه يريد الصّلاة، تحوّلت حتّى قمت في صدره، فقلت: يا رسول اللّه، أتصلّي على عدوّ اللّه عبد اللّه بن أبيٍّ القائل يوم كذا كذا وكذا، أعدّد أيّامه، ورسول اللّه عليه الصّلاة والسّلام يتبسّم. حتّى إذا أكثرت عليه، قال: أخّر عنّي يا عمر إنّي خيّرت فاخترت، وقد قيل لي {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم} فلو أنّي أعلم أنّي إن زدت على السّبعين غفر له لزدت قال ثمّ صلّى عليه ومشى معه فقام على قبره حتّى فرغ منه، قال: أتعجب لي وجرأتي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ورسوله أعلم. فواللّه ما كان إلاّ يسيرًا حتّى نزلت هاتان الآيتان: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا} فما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعده على منافقٍ، ولا قام على قبره حتّى قبضه اللّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: لمّا مات عبد اللّه بن أبيٍّ، أتى ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله قميصه، فأعطاه، فكفّن فيه أباه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، عن عمر بن الخطّاب، قال: لمّا مات عبد اللّه بن أبيٍّ، فذكر مثل حديث ابن حميدٍ، عن سلمة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} الآية، قال: بعث عبد اللّه بن أبيٍّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو مريضٌ ليأتيه، فنهاه عن ذلك عمر، فأتاه نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا دخل عليه قال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أهلكك حبّ اليهود. قال: فقال: يا نبيّ اللّه إنّي لم أبعث إليك لتؤنّبني، ولكن بعثت إليك لتستغفر لي، وسأله قميصه أن يكفّن فيه، فأعطاه إيّاه، فاستغفر له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فمات، فكفّن في قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ونفث في جلده ودلاّه في قبره. فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا} الآية. قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلّم في ذلك، فقال: وما يغني عنه قميصي من اللّه أو ربّي وصلاتي عليه؟ وإنّي لأرجو أن يسلم به ألفٌ من قومه.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: أرسل عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول وهو مريضٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا دخل عليه، قال له النّبيّ: صلّى اللّه عليه وسلّم: أهلكك حبّ يهود. قال: يا رسول اللّه، إنّما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتؤنّبني. ثمّ سأله عبد اللّه أن يعطيه قميصه أن يكفّن فيه، فأعطاه إيّاه وصلّى عليه، وقام على قبره، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}). [جامع البيان: 11/610-614]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84)
قوله تعالى: ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا.
- حدّثنا أبو عبيد اللّه ابن أخي ابن وهبٍ ثنا شعيب بن اللّيث أخبرني اللّيث بن سعدٍ عن عقيل بن خالدٍ عن الزّهريّ عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن عبّاسٍ عن عمر أنّه قال: يا رسول اللّه، أتصلّي على ابن أبيٍّ وقد قال يوم كذا: وكذا؟ أعدّد عليه بعض قوله، قال: فصلّى عليه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- ثمّ انصرف فلم يمكث إلا يسيرًا حتّى نزلت الإنكار في براءة ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره.
- حدّثنا أبي ثنا مسدّدٌ وحمّاد بن زاذان قالا: ثنا يحيى عن عبيد اللّه عن نافعٍ عن ابن عمر: لمّا توفّي عبد اللّه بن أبيٍّ جاء ابنه إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: اعطني قميصك حتّى أكفّنه فيه وصلّ عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه ثمّ قال: آذنّي به حتّى أصلّي عليه فآذنه فلما أراد أن يصلّي عليه جذبه عمر وقال: أليس اللّه قد نهاك أن تصلّي على المنافقين؟! قال: أنا بين خيرتين استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم فصلّى عليه، فنزلت ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره فترك الصّلاة عليهم.
قوله تعالى: ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون.
- حدّثنا يزيد بن سنانٍ البصريّ نزيل مصر ثنا عبد الملك بن هشامٍ ثنا زيادٌ بن عبد اللّه يعني البكّائيّ عن محمّد بن إسحاق ثنا الزّهريّ عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ عن ابن عبّاسٍ قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول: لمّا توفّي عبد الله ابن أبي بن سلولٍ ودعي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلم- للصلاة عليه فقام رسول الله فلمّا وقف على عدوّ اللّه عبد اللّه بن أبي بن سلولٍ قلت: القائل كذا وكذا والقائل كذا وكذا؟ أعدّد أيّامه، ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- يبتسم حتّى إذا أكثرت، قال أخر عن يا عمر، فإنّي قد خيّرت قد قيل: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم فلو أعلم أنّي إن زدت على السّبعين غفر له لزدت، قال: ثمّ صلّى عليه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- ومشي معه حتّى قام على قبره حتّى فرغ منه فعجبت لي وجرئتي على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- واللّه ورسوله أعلم، فو الله ما كان إلا يسيرًا حتّى نزلت هاتان الآيتان ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون فما صلّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- على منافقٍ بعده حتّى قبضه اللّه عزّ وجلّ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1857-1858]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م س) عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -: قال: لمّا توفّي عبد الله يعني: ابن أبيّ بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه؟ فأعطاه، ثم سأله أن يصلّي عليه؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلّي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، تصلّي عليه وقد نهاك ربّك أن تصلي عليه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما خيّرني الله عز وجل، فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً} [التوبة: 80] وسأزيد على السبعين، قال: إنه منافق، فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأنزل الله عز وجل {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} [التوبة: 84].
زاد في رواية: فترك الصلاة عليهم.
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي). [جامع الأصول: 2/167-169] (م)
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ت س - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-) : قال: لمّا مات عبد الله بن أبيّ بن سلول ودعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه، فقلت: يا رسول الله، أتصلّي على ابن أبيٍّ وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ ! أعدّد عليه قوله، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أخّر عني يا عمر، فلما أكثرت عليه، قال: أما إني خيّرت، فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له، لزدت عليها، قال: فصلىّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ، والله ورسوله أعلم. أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي.
وزاد الترمذي: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره، حتى قبضه الله). [جامع الأصول: 2/169-170]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم} [التوبة: 84].
- عن ابن عبّاسٍ قال: «لمّا مرض عبد اللّه بن أبيٍّ مرضه الّذي مات فيه جاءه النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فتكلّما بكلامٍ بينهما، فقال عبد اللّه: قد فهمت ما يقول، امنن عليّ فكفّنّي في قميصك، وصلّ عليّ. فكفّنه النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - في قميصه وصلّى عليه». قال ابن عبّاسٍ: واللّه أعلم أيّ صلاةٍ كانت، وما خادع محمّدٌ - صلّى اللّه عليه وسلّم - إنسانًا قطّ.
رواه الطّبرانيّ، وفيه الحكم بن أبانٍ، وثّقه النّسائيّ وجماعةٌ، وضعّفه ابن المبارك، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/33]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا إبراهيم بن الحجّاج، ثنا حمّاد بن سلمة، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أراد أن يصلّي على عبد اللّه بن أبيٍّ، فأخذ جبريل عليه الصلاة والسلام بثوبه، فقال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}.
هذا حديثٌ ضعيفٌ، وقد خالف فيه يزيد مع ضعفه، (ما) ثبت في الصّحيحين، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنّه صلّى عليه، و(أن) الآية إنّما نزلت بعد ذلك). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/698-699]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مسدّدٌ: حدثنا يحيى، عن الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، قال: سمعت حذيفة رضي الله عنه، يقول: مات رجلٌ من المنافقين، فلم أصلّ عليه، فقال عمر رضي الله عنه: ما منعك أن تصلّي عليه؟ قلت: إنّه منهم، فقال: أباللّه منهم أنا؟ قلت: لا، قال: (فبكى) رضي الله عنه.
(إسناده) صحيحٌ، وقد استنكره يعقوب بن سفيان من حديث زيد بن وهبٍ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/702]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 84 - 85
أخرج البخاري ومسلم، وابن أبي حاتم، وابن المنذر وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول أتى ابنه عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه، فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عمر بن الخطاب فأخذ ثوبه فقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال إن ربي خيرني وقال (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) (التوبة الآية 80) وسأزيد على السبعين فقال: إنه منافق فصلى عليه، فأنزل الله تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} فترك الصلاة عليهم.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن عبد الله بن عبد الله بن أبي قال له أبوه: أي بني اطلب لي ثوبا من ثياب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكفني فيه ومره أن يصلي علي، قال فأتاه فقال: يا رسول الله قد عرفت شرف عبد الله وهو يطلب إليك ثوبا من ثيابك نكفنه فيه وتصلي عليه فقال عمر: يا رسول الله قد عرفت عبد الله ونفاقه، أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه فقال: وابن فقال (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) (التوبة الآية 80) قال: فإني سأزيد على سبعين، فأنزل الله عز وجل {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} الآية، قال: فأرسل إلى عمر فأخبره بذلك وأنزل الله (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) (المنافقون الآية 6).
وأخرج ابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال: لما مرض عبد الله بن أبي بن سلول مرضه الذي مات فيه عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات صلى عليه وقام على قبره، قال: فوالله إن مكثنا إلا ليالي حتى نزلت {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} الآية.
وأخرج ابن ماجة والبزار، وابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن جابر قال مات رأس المنافقين بالمدينة فأوصى أن يصلي عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأن يكفنه في قميصه فجاء ابنه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أبي أوصى أن يكفن في قميصك فصلى عليه وألبسه قميصه وقام على قبره فأنزل الله {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}.
وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أبي فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه وقال: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: وقف نبي الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي فدعاه فأغلظ له وتناول لحية النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال أبو أيوب: كف يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لئن أذن لأضعن فيك السلاح وإنه مرض فأرسل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوه فدعا بقميصه فقال عمر: والله ما هو بأهل أن تأتيه، قال: بلى، فأتاه فقال: أهلكتك موادتك اليهود قال: إنما دعوتك لتستغفر لي ولم أدعك لتؤنبني، قال: أعطني قميصك لأكفن فيه، فأعطاه ونفث في جلده ونزل في قبره فأنزل الله {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} الآية قال: فذكروا القميص، قال: وما يغني عنه قميصي والله إني لأرجو أن يسلم به أكثر من ألف من بني الخزرج فأنزل الله {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} الآية). [الدر المنثور: 7/476-479]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ولا تعجبك يا محمّد أموال هؤلاء المنافقين وأولادهم فتصلّي على أحدهم إذا مات وتقوم على قبره من أجل كثرة ماله وولده، فإنّي إنّما أعطيته ما أعطيته من ذلك لأعذّبه بها في الدّنيا بالغموم والهموم، بما ألزمه فيها من المؤن والنّفقات والزّكوات وبما ينوبه فيها من الرّزايا والمصيبات. {وتزهق أنفسهم} يقول: وليموت فتخرج نفسه من جسده، فيفارق ما أعطيته من المال والولد، فيكون ذلك حسرةً عليه عند موته ووبالاً عليه حينئذٍ ووبالاً عليه في الآخرة بموته، جاحدًا توحيد اللّه ونبوّة نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن السّدّيّ: {وتزهق أنفسهم} في الحياة الدّنيا). [جامع البيان: 11/615]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (85)
قوله تعالى: ولا تعجبك أموالهم وأولادهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر أنبأ سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: من مقاديم الكلام ولا تعجبك أموالهم في الدّنيا وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها أي: في الآخرة.
قوله تعالى: إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدّنيا.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الآخرة.
قوله تعالى: وتزهق أنفسهم وهم كافرون.
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ ثنا محمّد بن يوسف الفريابيّ ثنا سفيان في قوله: وتزهق أنفسهم في الدّنيا، وهم كافرون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1858]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: وقف نبي الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي فدعاه فأغلظ له وتناول لحية النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال أبو أيوب: كف يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لئن أذن لأضعن فيك السلاح وإنه مرض فأرسل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوه فدعا بقميصه فقال عمر: والله ما هو بأهل أن تأتيه، قال: بلى، فأتاه فقال: أهلكتك موادتك اليهود قال: إنما دعوتك لتستغفر لي ولم أدعك لتؤنبني، قال: أعطني قميصك لأكفن فيه، فأعطاه ونفث في جلده ونزل في قبره فأنزل الله {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} الآية قال: فذكروا القميص، قال: وما يغني عنه قميصي والله إني لأرجو أن يسلم به أكثر من ألف من بني الخزرج فأنزل الله {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} الآية). [الدر المنثور: 7/479] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا أنزلت سورةٌ أن آمنوا باللّه وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطّول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين}.
يقول تعالى ذكره: وإذا أنزل عليك يا محمّد سورةٌ من القرآن، بأن يقال لهؤلاء المنافقين: {آمنوا باللّه} يقول: صدّقوا باللّه {وجاهدوا مع رسوله} يقول: اغزوا المشركين مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {استأذنك أولو الطّول منهم} يقول: استأذنك ذوو الغنى والمال منهم في التّخلّف عنك والقعود في أهله {وقالوا ذرنا} يقول: وقالوا لك: دعنا نكن ممّن يقعد في منزله مع ضعفاء النّاس ومرضاهم ومن لا يقدر على الخروج معك في السّفر.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {استأذنك أولو الطّول} قال: يعني أهل الغنى.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {أولو الطّول منهم} يعني الأغنياء.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وإذا أنزلت سورةٌ أن آمنوا باللّه وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطّول منهم} كان منهم عبد اللّه بن أبيٍّ والجدّ بن قيسٍ، فنعى اللّه ذلك عليهم). [جامع البيان: 11/615-616]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذا أنزلت سورةٌ أن آمنوا باللّه وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطّول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين (86)
قوله تعالى: وإذا أنزلت سورةٌ أن آمنوا باللّه وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطّول منهم
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: أولوا الطّول منهم قال: أهل الغنى- وروي عن قتادة: مثل ذلك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قوله: استأذنك أولوا الطّول منهم عبد اللّه بن أبيٍّ والجدّ ابن قيسٍ.
قوله تعالى: وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الخطميّ ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: ذر يعني: خلّ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1858-1859]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 86.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {أولوا الطول} قال: أهل الغنى). [الدر المنثور: 7/479]

تفسير قوله تعالى: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله تعالى رضوا بأن يكونوا مع الخوالف قالا مع النساء). [تفسير عبد الرزاق: 1/286]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (87) : قوله تعالى: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ - قراءةً -، عن مجاهد، قال: {الخوالف} : النساء). [سنن سعيد بن منصور: 5/266]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({الخوالف} [التوبة: 87] : «الخالف الّذي خلفني، فقعد بعدي، ومنه يخلفه في الغابرين، ويجوز أن يكون النّساء من الخالفة، وإن كان جمع الذّكور، فإنّه لم يوجد على تقدير جمعه إلّا حرفان فارسٌ، وفوارس وهالكٌ وهوالك»). [صحيح البخاري: 6/64]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الخوالف الخالف الّذي خلفني فقعد بعدي ومنه يخلفه في الغابرين قال أبو عبيدة في قوله مع الخالفين الخالف الّذي خلف بعد شاخصٍ فقعد في رحله وهو من تخلّف عن القوم ومنه اللّهمّ اخلفني في ولدي وأشار بقوله ومنه يخلفه في الغابرين إلى حديث عوف بن مالكٍ في الصّلاة على الجنازة قوله ويجوز أن يكون النّساء من الخالفة وإن كان جمع الذّكور فإنّه لم يوجد على تقدير جمعه إلّا حرفان فارس وفوارس وهالك وهوالك قال أبو عبيدة في قوله رضوا بأن يكونوا مع الخوالف يجوز أن يكون الخوالف ها هنا النّساء ولا يكادون يجمعون الرّجال على فواعل غير أنّهم قد قالوا فارسٌ وفوارس وهالكٌ وهوالك انتهى وقد استدرك عليه بن مالكٍ شاهقٌ وشواهق وناكسٌ ونواكس وداجنٌ ودواجن وهذه الثّلاثة مع الاثنين جمع فاعلٍ وهو شاذٌّ والمشهور في فواعل جمع فاعلةٍ فإن كان من صفة النّساء فواضح وقد تحذف الهاء في صفة المفرد من النّساء وإن كان من صفة الرّجال فالهاء للمبالغة يقال رجلٌ خالفةٌ لا خير فيه والأصل في جمعه بالنّون واستدرك بعض الشّرّاح على الخمسة المتقدّمة كاهلٌ وكواهل وجائحٌ وجوائح وغاربٌ وغوارب وغاشٍ وغواشٍ ولا يرد شيءٌ منها لأنّ الأوّلين ليسا من صفات الآدميّين والآخران جمع غاربٍ وغاشيةٌ والهاء للمبالغة إن وصف بها المذكّر وقد قال المبرّد في الكامل في قول الفرزدق وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرّقاب نواكس الأذقان احتاج الفرزدق لضرورة الشّعر فأجرى نواكس على أصله ولا يكون مثل هذا أبدًا إلّا في ضرورةٍ ولا تجمع النّحاة ما كان من فاعلٍ نعتًا على فواعل لئلّا يلتبس بالمؤنّث ولم يأت ذا إلّا في حرفين فارسٍ وفوارس وهالكٍ وهوالك أمّا الأوّل فإنّه لا يستعمل في الفرد فأمن فيه اللّبس وأمّا الثّاني فلأنّه جرى مجرى المثل يقولون هالكٌ في الهوالك فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال قلت فظهر أنّ الضّابط في هذا أن يؤمن اللّبس أو يكثر الاستعمال أو تكون الهاء للمبالغة أو يكون في ضرورة الشّعر والله أعلم وقال بن قتيبة الخوالف النّساء ويقال خساس النّساء ورذالتهم ويقال فلانٌ خالفة أهله إذا كان ديّنًا فيهم والمراد بالخوالف في الآية النّساء والرّجال العاجزون والصّبيان فجمع جمع المؤنّث تغليبًا لكونهنّ أكثر في ذلك من غيرهنّ وأمّا قوله مع الخالفين فجمع جمع الذّكور تغليبًا لأنّه الأصل). [فتح الباري: 8/314-315]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الخوالف الخالف الّذي خلفني فقعد بعدي ومنه يخلفه في العابرين ويجوز أن يكون النّساء من الخالفة.
أشار بقوله الخوالف: إلى قوله تعالى: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون} (التّوبة: 87) هذه الآية وما قبلها في قضيّة غزوة تبوك، وذلك أنهم لما أمروا بغزوة تبوك تخلفت جماعة منهم من بين الله عذرهم بقوله: {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى} إلى قوله: {ألا يجدوا ما ينفقون} (التّوبة: 91) ونفى الله تعالى عنهم الملامة، ثمّ رد الله على الّذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء وأنبهم بقوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي: مع النّساء الخوالف في الرّجال {طبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون} قوله: الخالف الّذي خلفني فقعد بعدي: إشارة إلى تفسير الخالف، وهو الّذي يقعد بعد الشّخص في رحله ويجمع على خالفين كما في قوله تعالى: {فاقعدوا مع الخالفين} (التّوبة: 83) قال ابن عبّاس: أي الرّجال الّذين تخلفوا عن الغزاة ولا يجمع الخالف على الخالفين لأن جمع النّساء لا يكون بالياء والنّون. فإن قلت: روي عن قتادة في قوله تعالى: {فاقعدوا مع الخالفين} قال أي: النّساء. قلت: رد عليه ابن جرير بما ذكرنا ورجح عليه قول ابن عبّاس، وكان الكرماني أخذ قول قتادة فقال: قوله الخوالف جمع الخالف أي: مع المتخلفين ثمّ قال: ويجوز أن يكون المراد جمع النّساء فيكون جمع خالفة، وهذا هو الظّاهر لأن فواعل جمع فاعلة، ولم يوجد في كلامهم إلاّ لفظان فوارس وهوالك. قلت: جاء سابق وسوابق وناكس ونواكس وداجن ودواجن، ومن الأسماء عازب وعوازب وكاهل وكواهل وحاجة وحوائج وعائش وعوائش للدخان، والحاصل أن المراد من الخوالف النّساء المتخلفات، وقيل: أخساه النّاس. قوله: (ومنه يخلفه في الغابرين) ، أي: ومن هذا لفظ يخلفه في الغابرين، هذا دعاء لمن مات له ميت اللّهمّ اخلفه في الغابرين، أي: في الباقين من عقبه، وفي مسلم من حديث أم سلمة اللّهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين، وقال النّوويّ في شرحه أي: الباقين، كقوله تعالى: {إلاّ امرأته كانت من الغابرين} (الأعراف: 83) قلت: لفظ غبر، يستعمل في الماضي والمستقبل فهو من الأضداد والفرق في المعنى بالقرينة. قوله: (ويجوز أن يكون النّساء من الخالفة) إنّما يجوز ذلك إذا كان يجمع مع الخالفة على خوالف وأما على ما يفهم من صدر كلامه أن الخالف يجمع على خوالف فلا يجوز على ما نبهنا عليه من قريب، وإنّما الخالف يجمع على الخالفين بالياء والنّون فافهم.
وإن كان جمع الذّكور فإنّه لم يوجد على تقدير جمعه إلاّ حرفان فارسٌ وفوارس وهالكٌ وهوالك.
فيه نظر من وجهين: أحدهما: أن المفهوم من صدر كلامه أن خوالف جمع خالف وهنا ذكره بالشّكّ أنه إذا كان خوالف جمع المذكر فإنّه لم يوجد إلى آخره. والآخر: في ادعائه أن لفظ فاعل لا يجمع على فواعل إلاّ في لفظين: أحدهما: فارس، فإنّه يجمع على فوارس. والآخر: هالك فإنّه يجمع على هوالك، وقد ذكرنا ألفاظا غيرهما أنّها على وزن فاعل قد جمعت على فواعل ولم أر أحدا من الشّرّاح حرر هذا الموضع كما هو حقه، وقد حررناه فللّه الحمد). [عمدة القاري: 18/255-256]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({الخوالف}) يريد قوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} [التوبة: 87] وفسره بقوله (الخالف الذي خلفني فقعد بعدى ومنه) أي من هذا اللفظ (يخلفه في الغابرين). قال عليه الصلاة والسلام في حديث أم سلمة "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين" رواه مسلم. قال النووي أي الباقين (ويجوز أن يكون النساء من الخالفة) وهي المرأة (وإن) بالواو ولأبي ذر: فإن (كان) خوالف (جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه) على فواعل (الآخر فإن فارس وفوارس وهالك وهوالك) قاله أبو عبيدة. وزاد ابن مالك شاهق وشواهق وناكس ونواكس وداجن ودواجن وهذه الخمسة جمع فاعل وهو شاذ ولأبي ذر: وهالك في الهوالك.
والمفهوم من أوّل كلام البخاري أن خوالف جمع خالف وحينئذٍ إنما يجوز أن يكون النساء إذا كان يجمع الخالفة على خوالف وإنما الخالف يجمع على الخالفين بالياء والنون والمشهور في فواعل أنه جمع فاعلة فإن كان من صفة النساء فواضح وقد تحذف الهاء في صفة المفرد من النساء، وإن كان من صفة الرجال فالهاء للمبالغة يقال رجل خالفة لا خبر فيه والأصل في جمعه بالنون كما مرّ، والمراد بالخوالف في الآية النساء والرجال العاجزون والصبيان فجمع بجمع المؤنث تغليبًا لكونهن أكثر في ذلك من غيرهن). [إرشاد الساري: 7/139]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (الخوالف الخالف) أي: مفرده الخالف، وقوله، ويجوز أن يكون معنى لفظ الخوالف النساء، وقوله: من الخالفة، أي: يجوز أن يكون النساء، أي: على أنه مأخوذ من لفظة الخالفة جمع له. وقوله: وإن كان جمع الذكور، أي: فهو شاذ وارد على قلة، فإنه لم يوجد الخ اهـ سندي). [حاشية السندي على البخاري: 3/52]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}.
يقول تعالى ذكره: رضي هؤلاء المنافقون الّذين إذا قيل لهم: آمنوا باللّه وجاهدوا مع رسوله، استأذنك أهل الغنى منهم في التّخلّف عن الغزو والخروج معك لقتال أعداء اللّه من المشركين، أن يكونوا في منازلهم كالنّساء اللّواتي ليس عليهنّ فرض الجهاد، فهنّ قعودٌ في منازلهنّ وبيوتهنّ.
{وطبع على قلوبهم} يقول: وختم اللّه على قلوب هؤلاء المنافقين، فهم لا يفقهون عن اللّه مواعظه فيتّعظون بها. وقد بيّنّا معنى الطّبع وكيف الختم على القلوب فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال: والخوالف: هنّ النّساء.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} يعني النّساء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حيوة أبو يزيد، عن يعقوب القمّيّ، عن حفص بن حميدٍ، عن شمر بن عطيّة: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال: النّساء.
- قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {مع الخوالف} قال: مع النّساء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي مع النّساء.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، والحسن: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قالا: النّساء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال: مع النّساء). [جامع البيان: 11/616-618]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (87)
قوله تعالى: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف قال: النّساء- وروي عن الحسن ومجاهدٍ وعكرمة وقتادة وشمر بن عطيّة وأبي مالكٍ وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: مثل ذلك.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليّ بن مهران ثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ عن السّدّيّ رضوا بأن يكونوا مع الخوالف: وهم النّساء. رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النّساء.
قوله تعالى: وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون.
- أخبرنا أبو بدرٍ عبّاد بن الوليد الغبريّ فيما كتب إليّ ثنا جابر بن إسحاق ثنا أبو معشرٍ عن سعيد المقبريّ في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وطبع على قلوبهم قال: ختم على قلوبهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو الجماهر أنبأ سعيد عن قتادة قوله: وطبع على قلوبهم أي: بأعمالهم فهم لا يفقهون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1859]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الخوالف يعني النساء وهي ما بعدها إلى قوله فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين في المنافقين). [تفسير مجاهد: 285]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 87 - 89.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال: مع النساء.
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أن علي بن أبي طالب خرج مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى جاء ثنية الوداع يريد تبوك وعلي يبكي ويقول: تخلفني مع الخوالف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا النبوة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال: رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النساء.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي النساء {وطبع على قلوبهم} أي بأعمالهم). [الدر المنثور: 7/479-480]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:26 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84)}
يروى أنّها نزلت في عبد الله بن أبي، وكان رأس المنافقين فلما حضرته الوفاة بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله أحد ثوبيه ليكفن به، فبعث إليه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بأحدهما، فأرسل المنافق إلى رسول الله أريد الذي كان يلي جلدك من ثيابك، فوجه إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
فقيل له فيه: لم وجّهت إليه بقميصك يكفن فيه وهو كافر؟
فقال: إن قميصي لن يغني عنه شيئا من اللّه، وإني أؤمل من اللّه أن يدخل في الإسلام خلق كثير بهذا السبب، فيروى أنه أسلم من الخزرج ألف لما رأوه يطلب الاستشفاء بثوب رسول اللّه وأراد الصلاة عليه.
فنزل الوحي عليه - صلى الله عليه وسلم - {ولا تصلّ على أحد منهم}.
ويروى أنّه - صلى الله عليه وسلم - صلّى عليه وإنّما مجاز الصلاة عليه أنه كان ظاهره ظاهر الإسلام، فأعلمه الله جلّ وعزّ أنه إذا علم منه النفاق فلا صلاة عليه.
{ولا تقم على قبره}.
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له). [معاني القرآن: 2/463-464]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا}
روي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم ليصلي على عبد الله بن أبي فأخذ جبريل بردائه فقال {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}
ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على واحد منهم وقف على قبره فدعا له). [معاني القرآن: 3/240]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) )

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أولو الطّول منهم} أي ذوو الغنى والسّعة). [مجاز القرآن: 1/265]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {استأذنك أولو الطّول منهم} أي ذوو الغنى والسعة). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أولو الطول} أي: أولو الغنى والمال الكثير). [ياقوتة الصراط: 244]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُوْلُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ} أي القدرة والسعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} يجوز أن يكون الخوالف ها هنا النساء، ولا يكادون يجمعون الرجال على تقدير فواعل، غير أنهم قد قالوا: فارس، والجميع فوارس، وهالك في قوم هوالك، قال ابن جذل الطّعان يرثى ربيعة.
ابن مكدم:
فأيقنت أنّي ثائراً بن مكدّمٍ..=. غداة إذٍ أو هالكٌ في الهوالك).
[مجاز القرآن: 1/265-266]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وطبع على قلوبهم} أي ختم، ومنه قولهم: ضع عليه طابعاً، أي خاتماً). [مجاز القرآن: 1/266]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({والخوالف}: النساء). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} يقال النساء. ويقال: هم خساس الناس وأدنياؤهم. يقال: فلان خالفة أهله: إذا كان دونهم). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}
الخوالف: - النساء، وقد يجوز أن يكون جمع خالفة في الرجال.
والخالف الذي هو غير منجب. ولم يأت في فاعل فواعل إلا في حرفين.
فارس وفوارس، وهالك، وهوالك). [معاني القرآن: 2/465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}
قال مجاهد وقتادة الخوالف النساء
وقال غيرهما الخوالف أخساء الناس وأردياؤهم ويقال فلان خالفة أهله إذا كان دونهم
قال أبو جعفر وأصله من خلف اللبن يخلف خلفة إذا حمض من طول مكثه وخلف فم الصائم إذا تغير ريحه ومنه فلان خلف سوء
فأما قول قتادة فاقعدوا مع الخالفين أي مع النساء فليس بصواب لأن المؤنث لا يجمع كذا ولكن يكون المعنى مع الخالفين للفساد على ما تقدم
ويجوز أن يكون المعنى مع مرضى الرجال وأهل الزمانة). [معاني القرآن: 3/241-242]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي: مع النساء). [ياقوتة الصراط: 245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَعَ الْخَوَالِفِ} أي النساء، وقيل: هم أدنياء الناس). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْخَوَالِفِ}: النساء). [العمدة في غريب القرآن: 149]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:31 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) }


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) }

تفسير قوله تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (أبو عبيدة: أخلفت الرجل في موعده وأخلفته وجدت موعده خلفًا؛ قال ومنه قول الأعشى:

أثوى وقصر ليلة ليزودا = فمضى وأخلف من قتيلة موعدا
غير واحد: الحي خلوف غيب ويقال: الخلوف المتخلفون ومنه قول الله تبارك وتعالى: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} يعني النساء. وقال أبو زبيد في الغيب:

أصبح البيت بيت آل بيان = مقشعرًا والحي حي خلوف
[أي لم يبق منهم أحد]). [الغريب المصنف: 2/627-628]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والقوم الخلوف الغيب والخلوف أيضًا الحضور ومنه قول الله تبارك وتعالى: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف}). [الغريب المصنف: 3/988]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (
مطلب الكلام على خ ل ف
قال الأصمعي: خلف فلان فهو يخلف خلوفا إذا فسد ولم يفلح، وهو خالف وهي خالفة.
ويقال: هو خالفة أهل بيته إذا كان أحمقهم، والخالفة: عمود في مؤخر البيت.
وقال اللحيانى: عبد خالف، أي لا خير فيه.
وقال ابن الأعرابي: يقال: أبيعك العبد وأبرأ إليك من خلفته.
ورجل ذو خلفة، ورجل خالفة وخالف وخلفنة وخلفناة، وفيه خلفناة.
وقال أبو زيد: الخالف: الفاسد الأحمق، وقد خلف يخلف خلافةً.
قال: ويقال: جاء فلان خلافى وخلفى وهما واحد.
قال: ويقال: اختلف فلان صاحبه في أهله اختلافا، وذلك أن يباصره حتى إذا غاب عن أهله جاء فدخل عليهن.
وقال الأصمعي: خلف فلان عن خلق أبيه إذا تغير.
وخلف فوه يخلف خلوفا إذا تغيرت رائحته، وقال اللحيانى: يقال نوم الضحى مخلفة للفم.
وقال أبو زيد: خلف الشراب واللبن يخلف خلوفا إذا حمض، ثم أطيل إنقاعه ففسد.
وقال أبو زيد والأصمعي: خلفت نفسه عن الطعام تخلف خلوفا إذا أضربت عنه من مرض، وقال أبو زيد لا يقال ذلك إلا من المرض.
وقال أبو نصر عن الأصمعي: خلف خلف صدق بإسكان اللام إذا ترك عقبًا.
ويقال: خذ هذا خلفًا من مالك بتحريك اللام، أي بدلًا منه، وهو خلف من أبيه، أي بدل منه.
وقال اللحياني: الخلف: الولد الصالح.
والخلف: الرديء.
يقال: بقيت في خلف سوء، أي بقية سوء، قال الله عز وجل: {فخلف من بعدهم خلفٌ} [الأعراف: 169] وأنشد للبيد:
ذهب للذين يعاش في أكنافهم = وبقيت في خلفٍ كجلد الأجرب
والخلف: المربد يكون وراء البيت،
وأنشدني اللحياني:
وجيئا من الباب المجاف تواترًا = وإن تقعدا بالخلف فالخلف واسع
وقال الأصمعي واللحياني: الخلف وقال ابن الأعرابي: جلس أعرابي مع قوم فحبق، فتشور فأشار بإبهامه إلى استه وقال: إنها نطقت خلفا.
وحدّثني أبو عمرو غلام ثعلب، عن أبى العباس: أنه قال في قولهم: سكت ألفا ونطق خلفا: أي سكت عن ألف كلمة ونطق بواحدة رديئة قال الأصمعي: الخلفة: الاستقاء، يقال: من أين خلفتكم؟ أي من أين تستقون، وأنشد لذى الرمة:

ومستخلفاتٍ من بلاد تنوفةٍ = لمصفرة الأشداق حمر الحواصل
يعني القطا يحملن في حواصلهن.
ويقال: نتاج فلان خلفة، أي عام ذكر وعام أنثى.
والخلفة: الشيء من الثمر يخرج بعد الشيء، وقال غيره: الخلفة: النبت في الصيف، والخلفة: الليل والنهار لاختلافهما.
والخلفة: اختلاف البهائم وغيرها.
ويقال: حلب الناقة خليف لبئها، يعنى: الحلبة التي بعد ذهاب اللبا.
وروى أبو عبيد، عن الأصمعي: الخليف: الطريق في الجبل، وقال أبو نصر: الخليف: الطريق وراء الجبل أو في أصله، وقال اللحياني: الخليف: الطريق وراء الجبل أو بين الجبلين.
وقال اللحياني: المخلفة أيضا طريق، يقال: عليك المخلفة الوسطى.
والخوالف: النساء إذا غاب عنهن أزواجهن، قال الله عز وجل: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} [التوبة: 87] .
وقال الأصمعي: حي خلوف، أي غيب.
وخلوف حضور.
قال: والإخلاف: أن تعيد على الناقة فلا تلقح.
والإخلاف: أن تعد الرجل عدةً فلا تنجزها.
والإخلاف: أن تضرب يدك إلى قراب السيف لتأخذه.
والإخلاف: أن تجعل الحقب وراء الثيل). [الأمالي: 1/158-159] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:33 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:33 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:56 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:57 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84) ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (85) وإذا أنزلت سورةٌ أن آمنوا باللّه وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطّول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين (86) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (87)
هذه الآية نزلت في شأن عبد الله بن أبي ابن سلول وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تقدم ليصلي عليه جاءه جبريل عليه السلام، فجذبه بثوبه وتلا عليه، ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً الآية، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصل عليه، وتظاهرت الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليه، وأن الآية نزلت بعد ذلك، وفي كتاب الجنائز من البخاري من حديث جابر، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج ووضعه على ركبته ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه،
وروي في ذلك أن عبد الله بن أبي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ورغب إليه أن يستغفر له وأن يصلي عليه.
وروي أن ابنه عبد الله بن عبد الله جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أبيه فرغب في ذلك وفي أن يكسوه قميصه الذي يلي بدنه، ففعل، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه قام إليه عمر رضي الله عنه، فقال يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الاستغفار لهم؟ وجعل يعدد أفعال عبد الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخر عني يا عمر، فإني خيرت، ولو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت»، وفي حديث آخر «إن قميصي لا يغني عنه من الله شيئا، وإني لأرجو أن يسلم بفعلي هذا ألف رجل من قومي»، كذا في بعض الروايات، يريد من منافقي العرب، والصحيح أنه قال رجال من قومه، فسكت عمر وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله، ثم نزلت هذه الآية بعد ذلك، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لموضع إظهاره الإيمان، ومحال أن يصلي عليه وهو يتحقق كفره وبعد هذا والله أعلم، عين له من لا يصلي عليه.
ووقع في معاني أبي إسحاق وفي بعض كتب التفسير، فأسلم وتاب بهذه الفعلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة من عبد الله ألف رجل من الخزرج.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، قاله من لم يعرف عدة الأنصار). [المحرر الوجيز: 4/ 378-379]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولا تعجبك أموالهم الآية، تقدم تفسير مثل هذه الآية، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، إذ هو بإجماع ممن لا تفتنه زخارف الدنيا.
ويحتمل أن يكون معنى الآية ولا تعجبك أيها الإنسان، والمراد الجنس، ووجه تكريرها تأكيد هذا المعنى وإيضاحه، لأن الناس كانوا يفتنون بصلاح حال المنافقين في دنياهم). [المحرر الوجيز: 4/ 379]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله وإذا أنزلت سورةٌ الآية، العامل في إذا استأذنك، و «السورة» المشار إليها هي براءة فيما قال بعضهم، ويحتمل أن يكون إلى كل سورة فيها الأمر بالإيمان والجهاد مع الرسول، وسورة القرآن أجمع على ترك همزها في الاستعمال واختلف هل أصلها الهمز أم لا فقيل أصلها الهمز فهي من أسأر إذا بقيت له قطعة من الشيء، فالسورة قطعة من القرآن، وقيل أصلها أن لا تهمز فهي كسورة البناء وهي ما يبنى منه شيئا بعد شيء، فهي الرتبة بعد الرتبة، ومن هذا قول النابغة: [الطويل]
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة = ترى كلّ ملك دونها يتذبذب
وقد مضى هذا كله مستوعبا في صدر هذا الكتاب، وأن في قوله: أن آمنوا يحتمل أن تكون مفسرة بمعنى أي فهي على هذا لا موضع لها، ويحتمل أن يكون التقدير ب «أن» فهي في موضع نصب، والطّول في هذه الآية المال، قاله ابن عباس وابن إسحاق وغيرهما، والإشارة بهذه الآية إلى الجد بن قيس وعبد الله بن أبي ومعتب بن قشير ونظرائهم، و «القاعدون» الزمنى وأهل العذر في الجملة ومن ترك لضبط المدينة لأن ذلك عذر). [المحرر الوجيز: 4/ 380]

تفسير قوله تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف الآية، تقريع وإظهار شنعة كما يقال على وجه التعيير رضيت يا فلان، والخوالف النساء جمع خالفة، هذا قول جمهور المفسرين، وقال أبو جعفر النحاس يقال للرجل الذي لا خير فيه خالفة، فهذا جمعه بحسب اللفظ والمراد أخسة الناس وأخالفهم، وقال النضر بن شميل في كتاب النقاش: الخوالف من لا خير فيه، وقالت فرقة الخوالف جمع خالف فهو جار مجرى فوارس ونواكس وهوالك، وطبع في هذه الآية مستعار، ولما كان الطبع على الصوان والكتاب مانعا منه وحفاظا عليه شبه القلب الذي قد غشيه الكفر والضلال حتى منع الإيمان والهدى منه بالصوان المطبوع عليه، ومن هذا استعارة القفل والكنان للقلب، ولا يفقهون معناه لا يفهمون). [المحرر الوجيز: 4/ 380]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:57 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:58 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84)}
أمر اللّه تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يبرأ من المنافقين، وألّا يصلّي على أحدٍ منهم إذا مات، وألّا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له؛ لأنّهم كفروا باللّه ورسوله، وماتوا عليه. وهذا حكمٌ عامٌّ في كلّ من عرف نفاقه، وإن كان سبب نزول الآية في عبد اللّه بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين، كما قال البخاريّ: حدّثنا عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: لمّا توفّي عبد اللّه -هو ابن أبيٍّ -جاء ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه، ثمّ سأله أن يصلّي عليه، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلّي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، تصلّي عليه وقد نهاك ربّك أن تصلّي عليه؟! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّما خيّرني اللّه فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم} وسأزيده على السّبعين". قال: إنّه منافقٌ! قال: فصلّى عليه [رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم] فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، آية: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}
وكذا رواه مسلمٌ عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة حمّاد بن أسامة، به
ثمّ رواه البخاريّ عن إبراهيم بن المنذر، عن أنس بن عياضٍ، عن عبيد اللّه -وهو ابن عمر -العمريّ -به وقال: فصلّى عليه، وصلّينا معه، وأنزل اللّه: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا} الآية.
وهكذا رواه الإمام أحمد، عن يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن عبيد اللّه، به
وقد روي من حديث عمر بن الخطّاب نفسه أيضًا بنحوٍ من هذا، فقال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ قال: سمعت عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه. يقول لمّا توفي عبد اللّه بن [أبيٍّ دعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للصّلاة عليه، فقام إليه، فلمّا وقف عليه يريد الصّلاة تحولت حتّى قمت في صدره، فقلت: يا رسول اللّه، أعلى عدوّ اللّه عبد اللّه بن] أبيٍّ القائل يوم كذا: كذا وكذا -يعدّد أيّامه -قال: ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتبسّم، حتّى إذا أكثرت عليه قال: "أخّر عنّي يا عمر، إنّي خيّرت فاخترت، قد قيل لي: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم} [التّوبة:80] لو أعلم أنّى إن زدت على السّبعين غفر له لزدت". قال: ثمّ صلّى عليه، ومشى معه، وقام على قبره حتّى فرغ منه -قال: فعجبٌ لي وجراءتي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، واللّه ورسوله أعلم! قال: فواللّه ما كان إلّا يسيرًا حتّى نزلت هاتان الآيتان: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون} فما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعده على منافقٍ، ولا قام على قبره، حتّى قبضه اللّه، عزّ وجلّ.
وهكذا رواه التّرمذيّ في "التّفسير" من حديث محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، به وقال: حسنٌ صحيحٌ. ورواه البخاريّ عن يحيى بن بكير، عن اللّيث، عن عقيل، عن الزّهريّ، به، فذكر مثله وقال: "أخّر عنّي يا عمر". فلمّا أكثرت عليه قال: "إنّي خيّرت فاخترت، ولو أعلم أنّى إن زدت على السّبعين يغفر له لزدت عليها". قال: فصلّى عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم انصرف، فلم يلبث إلّا يسيرًا حتّى نزلت الآيتان من براءة: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} الآية، فعجبت بعد من جرأتي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن أبي عبيد، حدّثنا عبد الملك، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ قال: لمّا مات عبد اللّه بن أبيٍّ، أتى ابنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّك إن لم تأته لم نزل نعيّر بهذا. فأتاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فوجده قد أدخل في حفرته، فقال: أفلا قبل أن تدخلوه! فأخرج من حفرته، وتفل عليه من قرنه إلى قدمه، وألبسه قميصه.
ورواه النّسائيّ، عن أبي داود الحرّانيّ، عن يعلى بن عبيدٍ، عن عبد الملك -وهو ابن أبي سليمان به
وقال البخاريّ: حدّثنا عبد اللّه بن عثمان، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرٍو، سمع جابر بن عبد اللّه قال: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن أبيٍّ بعد ما أدخل في قبره، فأمر به فأخرج، ووضع على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه، واللّه أعلم
وقد رواه أيضًا في غير موضعٍ مع مسلمٍ والنّسائيّ، من غير وجهٍ، عن سفيان بن عيينة، به
وقال الإمام أبو بكرٍ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار في مسنده: حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا يحيى، حدّثنا مجالدٌ، حدّثنا عامرٌ، حدّثنا جابرٌ (ح) وحدّثنا يوسف بن موسى، حدّثنا عبد الرّحمن بن مغراء الدّوسيّ، حدّثنا مجالدٌ، عن الشّعبيّ، عن جابرٍ قال: لمّا مات رأس المنافقين -قال يحيى بن سعيدٍ: بالمدينة -فأوصى أن يصلّي عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاء ابنه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: إنّ أبي أوصى أن يكفّن في قميصك -وهذا الكلام في حديث عبد الرّحمن بن مغراء -قال يحيى في حديثه: فصلّى عليه، وألبسه قميصه، فأنزل اللّه تعالى: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} وزاد عبد الرّحمن: وخلع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قميصه، فأعطاه إيّاه، ومشى فصلّى عليه، وقام على قبره، فأتاه جبريل، عليه السّلام، لمّا ولّى قال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} وهذا إسنادٌ لا بأس به، وما قبله شاهدٌ له.
وقال الإمام أبو جعفرٍ الطّبريّ: حدّثنا [أحمد بن إسحاق، حدّثنا] أبو أحمد، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أراد أن يصلّي على عبد اللّه بن أبيٍّ، فأخذ جبريل بثوبه وقال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}
ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده، من حديث يزيد الرّقاشيّ وهو ضعيفٌ.
وقال قتادة: أرسل عبد اللّه بن أبيٍّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو مريضٌ، فلمّا دخل عليه قال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أهلكك حبّ يهودٍ". قال: يا رسول اللّه، إنّما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتؤنّبني! ثمّ سأله عبد اللّه أن يعطيه قميصه أن يكفّن فيه أباه، فأعطاه إيّاه، وصلّى عليه، وقام على قبره، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}
وقد ذكر بعض السّلف أنّه إنّما ألبسه قميصه؛ لأنّ عبد اللّه بن أبيّ لمّا قدم العبّاس طلب له قميصٌ، فلم يوجد على تفصيله إلّا ثوب عبد اللّه بن أبيّ؛ لأنّه كان ضخمًا طويلًا ففعل ذلك به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، مكافأةً له، فاللّه أعلم، ولهذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية الكريمة عليه لا يصلّي على أحدٍ من المنافقين، ولا يقوم على قبره، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن أبيه، حدّثني عبد اللّه بن أبي قتادة عن أبيه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا دعي لجنازةٍ سأل عنها، فإن أثني عليها خيرًا قام فصلّى عليها، وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها: "شأنكم بها"، ولم يصلّ عليها
وكان عمر بن الخطّاب لا يصلّي على جنازة من جهل حاله، حتّى يصلّي عليها حذيفة بن اليمان؛ لأنّه كان يعلم أعيان منافقين قد أخبره بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ ولهذا كان يقال له: "صاحب السّرّ" الّذي لا يعلمه غيره أي من الصحابة.
وقال أبو عبيد في كتاب "الغريب"، في حديث عمر أنّه أراد أن يصلّي على جنازة رجلٍ، فمرزه حذيفة، كأنّه أراد أن يصده عن الصّلاة عليها، ثمّ حكي عن بعضهم أنّ "المرز" بلغة أهل اليمامة هو: القرص بأطراف الأصابع.
ولمّا نهى اللّه، عزّ وجلّ، عن الصّلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم، كان هذا الصنيع من أكبر القربات في حقّ المؤمنين، فشرع ذلك. وفي فعله الأجر الجزيل، لما ثبت في الصّحاح وغيرها من حديث أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "من شهد الجنازة حتّى يصلّي عليها فله قيراطٌ، ومن شهدها حتّى تدفن فله قيراطان". قيل: وما القيراطان؟ قال: "أصغرهما مثل أحدٍ"
وأمّا القيام عند قبر المؤمن إذا مات فقد قال أبو داود: حدّثنا إبراهيم بن موسى الرّازيّ، أخبرنا هشامٌ، عن عبد اللّه بن بحير، عن هانئٍ -وهو أبو سعيدٍ البربريّ، مولى عثمان بن عفّان -عن عثمان، رضي اللّه عنه، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا فرغ من دفن الرّجل وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم، واسألوا له التّثبيت، فإنّه الآن يسأل".
انفرد بإخراجه أبو داود، رحمه اللّه).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 192-196]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (85)}
قد تقدّم تفسير نظير هذه الآية الكريمة وللّه الحمد). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 196]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا أنزلت سورةٌ أن آمنوا باللّه وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطّول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين (86) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (87)}
يقول تعالى منكرًا وذامًّا للمتخلّفين عن الجهاد، النّاكلين عنه مع القدرة عليه، ووجود السّعة والطّول، واستأذنوا الرّسول في القعود، وقالوا: {ذرنا نكن مع القاعدين} ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النّساء، وهنّ الخوالف، بعد خروج الجيش، فإذا وقع الحرب كانوا أجبن النّاس، وإذا كان أمنٌ كانوا أكثر النّاس كلامًا، كما قال [الله] تعالى، عنهم في الآية الأخرى: {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ} [الأحزاب:19] أي: علت ألسنتهم بالكلام الحادّ القويّ في الأمن، وفي الحرب أجبن شيءٍ، وكما قال الشّاعر:
أفي السّلم أعيارًا جفاءً وغلظةً = وفي الحرب أشباه النّساء العوارك
وقال تعالى في الآية الأخرى: {ويقول الّذين آمنوا لولا نزلت سورةٌ فإذا أنزلت سورةٌ محكمةٌ وذكر فيها القتال رأيت الّذين في قلوبهم مرضٌ ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت فأولى لهم طاعةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا اللّه لكان خيرًا لهم [فهل عسيتم إن تولّيتم أن تفسدوا في الأرض] [الآية] [محمّدٍ:20-22]}
وقوله: {وطبع على قلوبهم} أي: بسبب نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرّسول في سبيل اللّه، {فهم لا يفقهون} أي: لا يفهمون ما فيه صلاحٌ لهم فيفعلوه، ولا ما فيه مضرّةٌ لهم فيجتنبوه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 196-197]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة